صفحة:معاوية بن أبي سفيان.pdf/58

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
الحلم

- مع ذلك - جمع شعلة وليست كل هذه الوقائع بصالحة للاستدلال بها على حلم معاوية، ولو بعد ثبوتها باختلاف أو بغير اختلاف. فمنها ما تعرض فيه للإساءة مستدعيا لها مستعدا لها في مجال التبسط والمزاح، والعالم الإسلامي لم يتعود بعد طغيان الملك، ولم يتعود ملوكه أن يسوموا الناس الصبر على ما يكرهون، ولا يترقبوا منهم رد الكلام بمثله في كل مقام ... قدم جارية بن قدامة السعدي عليه، فقال: من أنت؟ قال: جارية بن قدامة، قال : وما عسيت أن تكون؟ هل أنت إلا نحلة؟ قال: لا قل، فإن ما شبهتني بها حامية اللسعة حلوة البصاق، ووالله ما معاوية إلا كلبة تعاوي الكلاب وما أمية إلا تصغير ورويت هذه القصة على رواية أخرى، فقيل: إن معاوية بادره قائلا: «أنت الساعي مع علي بن أبي طالب والموقد النار في شعل تجوس قرى عربية التسفك دماءهم؟ فقال جارية: يا معاوية، دع عنك عليا فما أبغضنا عليا منذ أحببناه ولا غششناه منذ صحبناه، فقال له معاوية: ويحك يا جارية! ما كان أهونك على أهلك إذ سموك جارية، لا أم لك! ... قال جارية: أم ما ولدتني، إن قوائم السيوف التي لقيناك بها بصفين في أيدينا إنك لم تملكنا قسرة ولم تفتتحنا عنوة، ولكن أعطيتنا عهودا ومواثيق فإن وفيت لنا وفينا، وإن ترغب إلى غير ذلك فقد تركنا وراءنا رجالا مدادا وأذرعا شدادا، وأسنة حدادا، فإن بسطت إلينا فترا من غدر دلفنا إليك بباع من ختر قال معاوية: لا أكثر الله في الناس من أمثالك،» وما نظن معاوية كان مخاطبا بذلك الخطاب رجلا يوصف في عصرنا هذا بأنه من «آكلي النار»، ثم لا يترقب منه جوابا كجوابه، ولعله كان يرضيه أن واستكانة، فيطمئن إلى غلبته ورسوخ سلطانه، ولكنه - ولا ريب – لم يغب عن ذهنه أن جارية أهل لأن سم وأن يطرفه بتلك الطرافة اللاذعة التي لا يأباها كثير من طرافة الجواب السريع المتوقع ممن يحسن رد الكلام بمثله في هذا المقام . ومن الجواب المستدعی – أو المستثار - قول خريم بن فاتك، وقد دخل على معاوية مشمرا مئزره، فقال له: «لو كانت هاتان الساقان لامرأة؟» وكان معاوية عظيم الأليتين ف ق ق يسمع منه تسليما يسمعه ما الناس، وهي و تعاوي: عاوي الكلاب: صابحها، وعوي مثلها. لا مداد از جمع مديد أي: طويل.

OV

57