صفحة:محاضرات في تاريخ الدولة العباسية.pdf/65

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ٦٤ -

هذه القرية نواة عاصمة المنصور المستديـرة.

واسم بغداد يعني عطية الله. وتقول النصوص أيضاً أن المنصور عندما بناها سماها "مدينة السلام"، وكان يطلق على المدينة أيضاً اسم المنصورية وذلك نسبة إلى بانيها وكذلك، عرفت باسم الزوراء.

وكان اختيار المنصور لذلك الموضع موفقاً وذلك أن ازدهار المنطقة يرجــــع إلى مركزها الممتاز من نواح كثيرة، فالأرض في هذا المكان خصبة جيدة بسبب وقوعهـا بين دجلة والفرات في ذلك الموضع الذي تضيق فيه المسافة بين النهرين، فكان يمكن تهيئة وسائل الري فيها بسهولة عن طريق القنوات التي تصل بين النهرين والتي كانت صالحة للملاحة. ووجود هذه القنوات كان يجعل المدينـة فـي موضـــع استراتيجي حصين فتقول الرواية أنه قيل للمنصور عندما اختار هذا الموضع: أنت بين أنهار لا يصل إليك عدوك إلا على جسر أو قنطـرة فإذا قطعت الجسر وأخربـت القنطرة لم يصل إليك، ودجلة والفرات والصراة خنادق هذه المدينة، وأنت متوسط للبصرة والكوفة وواسط والموصل والسواد، وأنت قريب من البر والبحر والجبل1.

ووضع المنصور بيده أول لبنة في بناء المدينة في سنة ١٤٥هـ وقال: "بسم الله والحمد لله والأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" ثم قـــال "ابنوا على بركة الله"2.

وبعد تخطيط المدينة، وبلوغ السور مقدار قامـة، قامت الثورة العلويـــــة في المدينة والبصرة فصرف المنصور كل همـه إليها وترك البناء حتى تم لـه القضــاء على النفس الزكية وأخيه إبراهيم.

واستلزم البناء جمع عدد كبير من الصناع والفعلة من مختلف الجهات. وهناك تفصيلات من العمال ومراتبهم من: الأستاذ الى الروزكاري. وأشـرف على البنـاء


  1. ابن الأثير، الكامل، ج ٥، ص ١٤ (ذكر بناء مدينة بغداد).
  2. نفس المصدر السابق، ص ١٥.