صفحة:محاضرات في تاريخ الدولة العباسية.pdf/31

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم التّحقّق من هذه الصفحة.
- ٣١ -

حين كتبت إلى أمير المؤمنين في أمر هائل يتكفأ بنا تكفؤ السفينة عند هبوب العواصف، ونحن من إخواننا اليمنية وأغنامهم ورعاعهم، فيما نتوقع من سفههم، ولما قد شملهم من ورائهم الخبيث… وأنا معتصم بطاعة أمير المؤمنين. وقد أملنا غياث أمير المؤمنين ومواده وورود خليله وفرسانه ليقمع الله بهم كل مصر على غشت وساع في خلافه، فلا يكونن مثلنا يا أمير المؤمنين قول الأول:

لا أعرفنك بعد اليوم تندبني
وفي حياتي ما زودتني زادي1

ثم قال نصر شعراً يحرض فيه العرب على الهاشمية:

أبلغ ربيعة في مرو وأخوتهم
ليغضبوا قبل ألا ينفع الغضب
ما بالكم تنصبون الحرب بينكم
كأن أهل الحجى عن رأيكم غيب
وتتركون عدواً قد أطاف بكم
فأين غاب الحجى والرأي والأدب
ذروا التفرق والأحقاد واجتمعوا
ليوصل الحبل والأصهار والنسب
أن تبعدوا الأزد منا لا نقرّبها
أو تدن نحمدهم يومًا إذا اقتربوا
أتخذلون إذا احتجنا وننصرهم
لبئس والله ما ظنوا وما حسبوا2

وظهر أبو مسلم وأعلن اسم الإمام من أعلى المنبر في صلاة الجمعة. وأسفل المنبر علق علمان أسودان كان قد بعث بهما الإمام من الكوفة أحدهما الظل والآخر السحاب. وكان أبو مسلم وهو يعقد اللواءين يتلو: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَٰتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ ۚ وَإِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ". وتأول الظل والسحاب فقال: إن السحاب يطبق الأرض وإن الأرض كما لا تخلو من الظل كذلك لا تخلو من خليفة عباس إلى آخر


  1. أخبار الدولة العباسية، ص ۳۱۱ – ۳۱۲.
  2. انظر، أخبار الدولة العباسية، ص ٣١١ - ٣١٢.