صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/39

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
–٤١–

ورأيت منه رقة لم أرها قط.

وحديثه مع أخته فاطمة في سبب إسلامه مشهور متواتر في أوثق الروايات، فإنه ضربها حين علم بإسلامها فأدمى وجهها، فأدركتها الثورة الخطابية التي فيها منها بعض ما فيه، وقالت وهي غضبى: يا عدو الله! أتضربني على أن أوحد الله؟ قال غير متريث: نعم، فقالت: ما كنت فاعلًا فافعل، أشهد أنَّ لا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، لقد أسلمنا على رغم أنفك.

ويذكر لنا رواة القصة التي اتفقت عليها روايات كثيرة، أنه ندم وخلَّى عن زوجها — بعد أن صرعه وقعد على صدره — ثم انتحى ناحية من المنزل، وطلب الصحيفة التي كتبت فيها آيات القرآن، وخرج من ثمة إلى حيث لقي النبي، فأعلن شهادة الإسلام على يديه.

وغير عسير علينا أن نرقب طوية عمر، ونرى كيف كانت تتمشى فيها الخوالج والخطرات، وهو يتحدث إلى المرأتين: بنت حنتمة، وبنت الخطاب. فهذا بطل مناضل يشحذه النضال إذا لقي أنداده من الأبطال، وأقرانه من الرجال: الإساءة تتبعها الإساءة، والتحدي يعقبه التحدي، وكلما قوبل البطش بمثله تضرمت سَورة الغضب، وثارت نحيزة القتال،١٣ ومضى العداء شططًا لا اعتدال فيه، ولا نكوص عنه، حتى ينكسر عدو من العدوين، فلا موضع هنا لرحمة، ولا سبيل لها إلى ظهور. وتتمادى الشرة١٤ على ذلك شهورًا وسنين، وكأن الرحمة لم تخلق في النفس، ولم يسمع لها في حنايا الصدور صوت.

أما المرأة الشاكية أو المرأة الدامية إذا واجهت ذلك البطل القوي، فما حاجته إلى قوته ونضاله؟ وما أحرى تلك القوة أن تهدأ في مكانها كأنها هي الخليقة الخفية التي لم تخلق، وليس لها صوت مسموع! وما أقربها إذن إلى أن تخجل من إيذائها، وتندم على قسوتها، وتثوب إلى التوبة والخشوع، وهما من لباب الدين!

إنَّ العرب يشتقون الرحمة من الرحم أو القرابة، وهو اشتقاق عميق 1) أي متسرع . (۲) اي ترکه لسبیله . (۳) شحذ السكين : أحدها . (4) أي اشتعلت ۰ (5) طبيعة ، (1) مجاوزة القدر في كل شيء • (۷) أي الرجوع