صفحة:عبقرية عمر (المكتبة العصرية).pdf/23

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
–٢٥–

فما هو إلا أن دخل عمر حتى وجمت١ الجارية، وأسرعت إلى دفها تخفيه، والنبي — عليه السلام — يقول: «إنَّ الشيطان ليخاف منك يا عمرُ!»

وروت السيدة عائشة رضي الله عنها أنها طبخت له عليه السلام حريرة، ودعت سودة أن تأكل منها فأبت .. فعزمت عليها لتأكلن أو لتلطخن وجهها، فلم تأكل، فوضعت يدها في الحريرة ٢ ولطختها بها. وضحك النبي عليه السلام وهو يضع الحريرة بيده لسودة، ويقول لها: «لطخي أنت وجهها» ففعلت.

ومر عمر فناداه النبي: يا عبد الله! .. وقد ظن أنه سيدخل، فقال لهما: قوما فاغسلا وجهيكما!

قالت السيدة عائشة: فما زلت أهاب عمر لهيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه.

ومن تلك الهيبة أنها كانت رضي الله عنها تتحفظ في زيارة قبره بعد موته، وحكت ذلك فقالت: « ما زلت أضع خماري٣، وأتفضل في ثيابي، وأقول: إنما زوجي وأبي، حتى دفن عمر بن الخطاب، فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جدارًا فتفضلت٤ بعد.»

وإنَّ من أدب الرسول عليه السلام، أنه كان يرعى تلك الهيبة رضًا عنها، واغتباطًا٥ بأثرها في نصرة الحق وهزيمة الباطل، وتأمين الخير والصدق، وإخافة أهل البغي والبهتان٦.

وقد كان الذين يعرفون عمرَ أهيب له من الذين يجهلونه .. وتلك علامة على أنَّ هيبتَهُ كانت قوةَ نفسٍ تملأ الأفئدة قبل أن تملأ الأنظار .. فربما اجترأ عليه من لم يعرفه ومن لم يختبره؛ لتجافيه٧ عن الخيلاء، وقلة اكتراثه٨ للمظهر والثياب، أما الذين عرفوه واختبروه فقد كان يروعهم على المفاجأة روعة لا تذهبها الألفة وطول المعاشرة، ومن ذاك أنه كان يمشي ذات يوم، وخلفه عدة من أصحاب رسول الله، إذ بدا له فالتفت، فلم يبقَ منهم أحد إلا وحبل ركبتيه ساقط!

وتنحنح عمر ، والحجام يقص له شعره، فذهل الحجام عن نفسه،


  1. أمسكت عن ضرب الدف
  2. دقيق يطبخ بلبن أو دسم
  3. أنزعه وأخلصه
  4. أي النبذل
  5. أي سرورا وفرحا
  6. أي الباطل
  7. لابتعاده
  8. أي اهتمامه