صفحة:زعماء الإصلاح في العصر الحديث (1948) - أحمد أمين.pdf/370

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٣٣٦ –

فدعوته الدينية حركت عداء الجامدين من رجال الدين الذين حياتهم الدينية مملوءة بالأولياء والأضرحة والنذور والموالد والشفاعة ، كما حرکت عداء قوم برون مصدر الأحكام والفتوى ليس إلا أقوال المتأخرين من الفقهاء ، وليس لأحد كائناً من كان أن يجتهد ويقدر الظروف والأحوال ، أو أن يرجع إلى الدين في أصوله الأولى يستمد منها أحكامه . وآخرون دفعهم الحسد إلى خصومته ، إذ أخمل شأنهم ، وأبان ضعفهم ، وأظهر نقصهم ، فحاربوه باسم الدين . وآخرون غير هؤلاء وهؤلاء تألبوا عليه ، كالخديو عباس : كرهه سياسياً ، ولكنه حاربه دينياً ، فحرّض عليه بعض رجال الدين ليسقطه في ميدان السياسة وهناك خصوم شرفاء أكثرهم ممن تعلم في أوربة يرون أن الشيخ طيب القلب محب للخير ، ولكنه يسلك طريقاً مسدودة ، فيحاول إصلاح الأزهر وليس يصلح ، ويحاول الإصلاح الاجتماعي من طريق الدين ، وهم يرون الإصلاح الاجتماعي إنما يكون عن طريق العقل وحده ، والتقليد لأورية فيما وصلت إليه من شرائها ونظمها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ؛ وهكذا كل هؤلاء تجمعوا عليه في خصومته فى الإصلاح الدينى . ومع هذا فهذه الخصومات زادت الحركة قوة والحياة نشاطاً ، واستخرجت من الشيخ محمد عبده أقصى قواه وملكاته ، واستخرجت من خصومه أقصى قواهم وملكاتهم . و حاربه في السياسة الحزب الوطنى ، لأنه لا يرى رأى الأستاذ في إصلاح التعليم أولا ، بل بالجلاء أولا ، ولا يرى رأيه فى الاعتماد في السياسة على العقل ، بل بالاعتماد على الشعور ، ولا يرى رأيه فى مسالة الإنجليز بل بمخاصمتهم العنيفة . واشترك خصومه الدينيون والسياسيون في تهييج الرأى العام عليه ، ومحاولتهم إسقاطه من أعين الناس ؛ هؤلاء يرمونه بالكفر الديني ، وهؤلاء بالكفر السياسي" .