وأحكامهم فكيف الاختيار ؟ هل ترجع للأغلبية ؟ ولكن التجربة لا يمكن أن تتناول الناس جميعاً ، ثم إن الأغلبية تختلف بين بلد و بلد و بين عصر وعصر فيتعين العدول عن الاختيار والامتناع عن الحكم . الحجة الثالثة أن الحواس تتعارض بإزاء الشيء الواحد ؛ فالبصر يدرك بروزاً في الصورة واللمس يدركها مسطحة ، والرائحة اللذيذة لاشم مؤذية للذوق ، وماء المطر مفيذ المين ضار الرئة . ومن يدرينا ؟ لعل تباين الإدراكات الحسية ناشىء من تباين حواسنا . و إذن فنحن هنا أيضاً ندرك الظواهي لا الحقائق . الحجة الرابعة ، - ۳۱۶ ..
أن إدراكات الحس الواحد تختلف باختلاف الظروف من سن وصحة ومرض ونوم و يقظة وانفعال وهدوء وغير ذلك ؛ فمثلاً العمل يبدو مرا في الحي وتبدو الأشياء صفراء للمصاب باليرقان . وإن قيل إن مثل هذه الحالات مرضي ا استثنائي أجاب الشكاك : وكيف نعلم أن الصحة ليست ظرفاً بغير الظواهر ؟ - الحجة الخامسة أن الأشياء تبدو لنا باختلاف على حسب المسافات والأمكنة والأوضاع ؛ فالسفينة البعيدة تبدو صغيرة ثابتة فإذا ما اقتر بت أو اقتربنا منها بات كبيرة متحركة ، والبرج المربع يبدو مستديرا عن بعد ، وتبدو العصا منكسرة في الماء مستقيمة خارجه ، وضوء الصباح يبدو ضئيلاً في الشمس ساطعاً في الظلام ، وإذا نظرنا إلى صورة عن بعد رأينا فيها بروزا فإذا نظرنا إليها عن قرب بدت مسطحة ، وعنق الحمام يختلف تلوينه باختلاف حركته : فكيف السبيل إلى معرفة الأشياء بغض النظر عن المكان الذي تشغله والأوضاع التي تتخذها والمسافات التي تفصلنا عنها ؟ - الحجة السادسة أن الأشياء تبدو لنا باختلاف على حسب ما تمتزج به أو تتحد به من هواء أو حرارة أو ضوء ب أو برد أو حركة ؛ فلون الوجه يختلف في الحر وفي البرد ، و يختلف الصوت في الهواء اللطيف وفي الهواء الكثيف ، ويختلف لون الأرجوان في ضوء الشمس