صفحة:تاريخ الفلسفة اليونانية (1936) يوسف كرم.pdf/30

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ٢٤ –

ولادات تطيل مدة التطهير والتكفير إلى آلاف السنين، ورتبوا على هذه العقيدة طقوسًا كانوا يقيمونها ليلًا؛ منها: التطهير بالاستحمام باللبن أو بالماء تضاف إليه مادة تلونه بلون اللبن، وتقدمة القرابين غير الدموية، وتمثيل قصة ديونيسوس، بما في ذلك تقطيع ثور وأكل لحمه نيئًا، وتلاوة صلوات بينها وبين كتاب الموتى المعروف عن المصريين مشابهات كثيرة، وقد اكتشفت مقابر في إيطاليا الجنوبية وجدت فيها صفائح من ذهب عليها إرشادات للنفس عما يجب أن تسلك بعد الموت من طرق وتتلو من صلوات، فكانت هذه الصفائح دليلًا قاطعًا على أنهم عرفوا كتاب الموتى وأخذوا عنه كما أنهم أخذوا فكرة الولادات المتعاقبة عن الهنود — مباشرة أو بواسطة الفرس — وتمتاز الأرفية بالإيمان الراسخ بالعدالة الإلهية وبالسعي وراء الطهارة، بينا باقي «الأسرار» كانت تستبيح بعض المخازي وتدمجها في الشعائر، وتتصور العالم الآخر تصورًا ماديًّا، والطهارة في الأرفية خلاص النفس من البدن وهو لها بمثابة القبر، وهو عدوها اللدود يجري معها على خصام دائم تتأجج ناره في صدر الإنسان، كذلك تمتاز الأرفية بأن إلههم عديم النظير بين آلهة اليونان؛ فهم يمجدون فيه العذاب غير المستحق والفوز النهائي للضعيف صاحب الحق، وتمتاز أخيرًا بأنها شيعة الطبقى الوسطى المثقفة، وقد نبغ فيها رجال اعتمدوا على التفكير الشخصي في حل مسألة نشوء العالم، فلم يقبلوا الأساطير اليونانية على علاتها، بل هذبوها واستعانوا بأساطير الشرقيين وعلومهم، فكانوا طبقة وسطى بين اللاهوتيين الأولين وبين الفلاسفة — مع بقائهم في دائرة الأسطورة — وظلت الأرفية حية إلى أوائل المسيحية، وكان لها أثر فعال في الشعراء والمفكرين من نشأتها إلى اندثارها، بل يمكن القول: إنها هي التي وجهت الفلسفة وجهتها العقلية الروحية على أيدي فيثاغورس — كما سنرى الآن — وأكسانوفان وسقراط وأفلاطون وأصحاب الفيثاغورية الجديدة والأفلاطونية الجديدة، فسنجد عندهم