صفحة:الروم في سياستهم وحضارتهم ودينهم وثقافتهم وصلاتهم بالعرب (1951) ج.1.pdf/104

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

الانكفاء والابتعاد عن العالم والتأمل والتفكر الجدي بالقيم الروحية والبشرية.

أنطونيوس الكبير : (٢٥٠–٣٥٦) وأشهرُ الرهبان الأولين أنطونيوس الفلاح المصري الذي اعتكف على نفسه خمسة عشر عامًا، ثم انزوى في حصنٍ مهجورٍ عشرين عامًا، وذاع صيتُهُ في مصر فَالْتَفَّ حوله عددٌ من الزُّهَّد، وألحوا عليه بوجوب تنظيمهم، فأسس في السنة ٣٠٥ تعاونية رهبانية أجاز فيها ضروبًا من التَّنَسُّك وألوانًا متفاوتةً من شدة الوحدة والانفراد. هذا، وقد قام على حُدُود الصحراء في منطقة أسيوط عددٌ كبيرٌ من النساك الأنطونيانيين، جماعاتٍ وأفرادًا، وفي وادي النطرون في صحراء ليبية انعزل آخرون جماعاتٍ وأفرادًا أيضًا، ينسجون الكتَّان فيلبسونه ويبتعدون عن كل ما يَمُتُّ إلى الملذات بصلة، ويتعبدون منفردين في أيام الأسبوع مجتمعين في أيام السبوت والآحاد. واختلفت الطريقةُ الأنطونيانيةُ عن غيرها في أنها تركتْ للناسك الفرد الحريةَ التامة في انتقاء طريقته في التنسك.

باخوميوس القديس: (٢٩٠–٣٤٥) وتقبل النصرانية في هذا الوقت نفسه في طيبة مصر ناسكٌ مِن نُسَّاك سيرابيس، فقاده حُبُّهُ للتنسك والنساك أن يؤسس ما بين السنة ٣١٥ والسنة ٣٢٠ أُولى الرهبانيات المسيحية، وذلك في تبينية بالقرب من دندرة، واختلف أتباعُهُ عن أتباع أنطونيوس في أنهم عاشوا مجتمعين تحت سقفٍ واحدٍ وحول مائدة وكنيسة واحدة، وكان عليهم أن يقرءوا الكتاب ويصلُّوا ويعملوا عملًا مفيدًا، وازداد عددُهُم وكثرتْ مؤسساتُهُم، وانتشروا في صعيد مصر، وحذت مريمُ أخت باخوميوس حذو أخيها فأنشأتْ رهبانية للراهبات لم تختلف في نُظُمها عن رهبانية الرجال1.

  1. Winlok, H. E., The Monasteries of the Wadi’n Natrun, 1932; Lefort,
    L. Th., La Règle de St. Pachome, (Museon, XL, 1927).
١٠٣