صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/187

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ١٨٧ –

لإدراك السبب في كون كثير من أكابر العلماء الذين تعودوا تجارب العلم الوثيقة لا يلبثون أن يؤمنوا ببعض الخوارق كتجسيم الأرواح يجب أن لا ننسى أن المنطق العقل والمنطق الديني يبقيان في النفس الواحدة مهما تكن ، فدوائر العقل والتدين والعاطفة مستقل بعضها عن بعض وتكون مصادر الايمان مختلفة بحسب الانتقال من احدى تلك الدوائر الى الأخرى .

إن الارتياب في دائرة العقل هو القاعدة ولا دليل فيها غير التجربة والاختبار ، وأما في دائرة المعتقد حيث يسيطر المنطق الديني فلا حد للسذاجة وسرعة التصديق ، ولكن كيف يترك العالم المرتاب دائرة العقل ليدخل في دائرة المعتقد ؟ يدل الواقع على أنه يدخل فيها غير مختار و إن كان لا يعدل عن تجاربه ، وبما أن الايمان يدخل في قلبه على وجه غير شعوري من حيث لا يعلم فان تجاربه تتطور على شكل بتأيد به إيمانه الجديد وتسير على ما يلائم معتقـده لا إرادته ، يؤيد ذلك تاريخ الأديان المفعم بخوارق العادات .

٢ – كيف يصبح العالم مؤمناً ؟

لنفرض أن عالما كثير الشك والارتياب أراد أن يحث في حوادث السحر بحثا تجريبياً ، فيجب عليه قبل كل شيء أن يلازم مكان السحرة حيث تتجلى تلك الحوادث أي أن يزيج بين أناس مجتمعين في وسط مظالم ، وبعد أن ينتظر طويلا يسمع ضوضاء وزحولا في الأمتعة ويؤكد له جانبوه أنهم يرون وميضا وصوراً تقمصتها أرواح الخ ، ولما كان هذا العالم متصلبا في ارتيابه فانه يخرج من دون أن يطرأ شيء على شكوكه .

ومع ذلك فان أموراً تقرع ذهنه بعد الاجتماع المذكور ، فيلوح له أنه سمع فيه ضوضاء غريبا وأن مجانبيه – وهم من أشرف الناس رأوا وميضا وشاهدوا الأمتعة تنتقل من غير أن يمسها الوسيط ، فيرغب في الحضور مرة أخرى للبحث عن أسباب تلك الحوادث .

يعود الى الاجتماع فيكون هدفا للتلقين والعدوى النفسية ثم تستحوذ عليه