صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/115

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ١١٥ –

فالنقابية بدلاً من أن تكون كالاشتراكية من أعمال النظر بين البعيدين من حقائق الأمورفانها بنت مقتضيات الاقتصاد المهيمنة ، يدل على ذلك شيوعها بأشكال مختلفة بين كثير من الأمم المتباينة بمزاجها النفسي ، والفرق بين تلك الاشكال هو أن النقابية تكون في بعض البلدان ثورية وفى البعض الآخر سلمية

وينشأ عن تطور الصناعة الذي أوجب تلك الحركة انقسام أوطان الوقت الحاضر الكبيرة الى أوطان صغيرة لا تحترم سوى قوانينها الخاصة مستخفة بقوانين المجتمع العام الذي يضمها ، وما بين هـذه الزمر الصغيرة المختلفة اتحاد موقت فانه يمنحهافى الغالب قوة كافية لتنفيذ رغباتها

وتسهل مشاهدة نتائج تلك القوة ، ولكن ليس من الهين تحقيق كون اتحاد الزمر المذكورة لا يبقى زمنا طويلا ، فمتى يتحل المجتمع القديم الحلالاً تاما ويتحول الى زمر صغيرة فان ما بين منافع هذه الزمر من تباين يقودها حتما إلى تنازع مستمر ، ذلك لأن كل زمرة متجانسة ذات منافع وآراء واحدة ترى حينئذ أنها مضطرة إلى الاصطدام مع زمر أخرى تباينها منفعة ورأيا . عن و يمكننا أن نستدل منذ الآن على مابين المنافع المتباينة من التصادم المزمع ان يقع من تاريخ الجمهوريات الايطالية القديمة ولاسيا جمهورية (سيان ) وجمهورية (فلورنسا) . كانت نقابات العمال تدير هذه الجمهوريات فنشأ اختلافها في المصالح وقوعات ضرجت المدن بالدماء عصوراً كثيرة ، ولا تقل إن هذا أمر يخص الماضي البعيـد ، فنواميس الاجتماع العامة ليست عديدة وهى تجرى حكمها على الدوام .

واذا كان العراك بين الزمر في الوقت الحاضر لا يزال في دور البداءة فذلك لأن السلطة المركزية التي هي على شيء من القوة تردع مزاحمتها ، غير أن هذه السلطة أخذت تفقد نفوذها شيئا فشيئا ، ومتى يتم ضياعها لذلك النفوذ يقع العراك بينها وبين الزمر المذكورة كما حدث في (نار بون) ، ثم يقع بين تلك الزمر نفسها كما في ( شنبانيا ) حيث تقاتلت نقابات مديريتين ذات منافع متباينة قتالاً عنيفاً

وفى المستقبل سيعيد التاريخ نفسه فتقع غارات وحرائق وملاحم وغيرهامن الحوادث التي هي من مظاهر سخط الجموع عندما لا تجاب الى طلباتها ولا يكون أمامها رادع يزجرها .