صفحة:أدباء العرب في الأعصر العباسية.pdf/67

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وحوادثه المجونية لا يسعنا الا ان نشك في بعض نوادره التي يظهر عليها التفنن و حب التفكهة والاغراب ، وسنعتمد في درس شعره على المشهور منه الذي لا يشك في نسته اليه . ما ترك ابو نواس غرضا من الشعر الا خاض فيه ، ونال قسطا منه . فقد اوتي شاعرية جوادة يفيض بها الطبع السمح الطرب، ويثقفها الفن الدقيق البارع . فاذا هي تنطق بشعر كالماء سلاسة وعذوبة و كالرياض قطعاً و الوانا ، تختلف باختلاف اشكالها وانواعها فمنها ما ينفرد به صاحبنا فما يجاريه متقدم ولا. تأخر ، وذلك في الخمر والعبث والمجون . ومنها ما يجيده ولا يقصر به ، وذلك في المدح والهجو والطرد والزهد ومنها ما يقصر به ولا يجيده ، وذلك في الرثاء والغزل البريء، ولا سيا المؤنث منه فشعر ابي نواس كما يظهر لنا ، على ثلاثة اقسام : قسم يطبعه بطابعه الخاص، و يحتكره احتكاراً لا ينازعه فيه احد ، وقسم يشارك فيه غيره من الشعراء . وقسم يجري به وراء المجلين فما يشق لهم غباراً. وسنحاول تحليل هذه الاقسام الثلاثة لنظير ميزتها واضحة فيدو ما لشاعرنا من خصائص جعلته مثالا صادقا لعصره من ناحيتي الحد والعبث، وبوأته منزلة لا يسمو الى مثلها غير عباقرة الشعراء ونشرع اولا في درس خمرياته وما يتبعها من لهو ومجون و آراء و عقائد . ثم ندرس غزله ،فمدحه ، فرثاءه ، فيجوه ، فطرده ،فرهده حتى نتبين ذاتيته ، ومنزلته وما كان له من اثر بليغ في عصره الخمر والمجوله اذا اردت ان تغوص في اعماق نفس ابي نواس، وتتبين حقيقته فما تستطيع ذلك في شعره الجدي ، وانما تستطيعه في عبثه ولهوه ، في خم. باته و مجونه . فهي مرآة صافية تنعكس عليها ذاتية الشاعر الماجن و ابو نواس يشرب الخمر ويتعيد لها ، فاذا -