سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم/الطفيل بن عمرو الدوسي شاعر يحكم عقله ويسلم
كانت قريش إذا سمعت بقدوم أحد من العرب يقابلونه ويحذرونه من رسول الله ويصفونه بكل نقيصة خشية أن يسلم ويعود إلى بلاده ويدعوهم إلى الإسلام، لكن الطفيل بن عمرو الدوسي لم يعبأ بتحذيرهم بل حكم عقله وتقابل مع رسول الله وسمع منه القرآن فكر فيه وتذوقه لأنه شاعر فأسلم وهذه قصته:
هو الطفيل بن عمرو بن طريف بن العاص بن ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله ابن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن نصر بن الأزد الدوسي، يُلقب ذا النون.
كان الطفيل بن عمرو الدوسي يحدث أنه قدم مكة ورسول الله ﷺ فمشى إليه رجال من قريش وكان الطفيل شريفا شاعرا لبيبا، فقالوا: يا طفيل إنك قدمت بلادنا وهذا الرجل بين أظهرنا قد أعضل بنا وفرق جماعتنا وإنما قوله كالحر يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبينه وبين زوجه، وإنما نخشى عليك وعلى قومك فلا تكلمه ولا تسمع منه، قال: فوالله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه حتى حشوت أذني كرسفا، فرقا أن يبلغني من قوله وأنا أريد أن لا أسمعه، قال: فغدوت إلى المسجد فإذا رسول الله ﷺ قائم يصلي عند الكعبة، قال: فقمت قريبا منه فأبى الله إلا أن يسمعني قوله، فسمعت كلاما حسنا، فقلت في نفسي: واثكل أمي، والله إني لرجل شاعر لبيب ما يخفى عليّ الحسن من القبيح فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول؟ إن كان الذي يأتي حسنا قبلته وإن كان قبيحا تركته، فمكثت حتى انصرف رسول الله ﷺ إلى بيته فاتبعته حتى إذا دخل بيته دخلت عليه فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا ثم إن الله أبى إلا أن أسمع قولك فسمعت قولا حسنا فأعرض عليّ أمرك.
فعرض عليّ الإسلام وتلا عليّ القرآن ما سمعت قولا قطّ أحسن منه ولا أمرا أعدل منه فأسلمت وقلت: يا رسول الله إني امرؤ مطاع في قومي وأنا راجع إليهم وداعيهم إلى الإسلام فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه، فقال: اللهم اجعل له آية، قال: فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت بثنية تطلعني على الحاضر وقع نور بين عيني مثل المصباح فقلت: اللهم في غير وجهي فإني أخشى أن يظنوها مُثْلَة لفراقي دينهم فتحولت في رأس سوطي فجعل الحاضر يتراءون ذلك في النور في سوطي كالقنديل المعلق وأنا أهبط إليهم من الثنية فلما نزلت أتاني أبي وكان شيخا كبيرا فقلت: إليك عني يا أبت فلست منك ولست مني، قال: ولم أي بني؟ قلت: إني أسلمت، وقال: أيُخاف عليّ من ذي الشرى - صنم لهم -، فقلت: لا، أنا ضامن لذلك، ثم دعوت دوسا فأبطأوا عن الإسلام، فرجعت إلى رسول الله ﷺ بمكة فقلت: يا رسول الله قد غلبني على دوس الزنا فادع الله عليهم، فقال: «اللهم اهد دوسا إليّ، ارجع إلى قومك فادعهم وارفق بهم»، قال: فرجعت فلم أزل بأرض قومي دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجروا إلى النبي ﷺ إلى المدينة وقضى بدرا وأُحُدا والخندق ثم قدمت على رسول الله ﷺ بمن أسلم معي من قومي ورسول الله ﷺ بخيبر حتى نزلت المدينة بسبعين أو ثمانين بيتا من دوس ثم لحقنا برسول الله ﷺ بخيبر فأسهم لنا مع المسلمين، ثم لم أزل مع رسول الله ﷺ حتى فتح الله عز وجل عليه مكة فقلت: يا رسول الله ابعثني إلى ذي الكفين - صنم عمرو بن حممة - حتى أُحرِّقه، فخرج إليه فجعل طفيل يقول وهو يحرقه وكان من خشب:
يا ذا الكَفَيْن لست من عبّادكا ** ميلادنا أقدم من ميلادكا
إني حشوت النار في فؤادكا
ثم رجع طفيل إلى رسول الله ﷺ فكان معه بالمدينة حتى قبض الله رسوله ﷺ