انتقل إلى المحتوى

بان الخليط فشطوا بالرعابيب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

بانَ الخليطُ فَشَطّوا بالرَّعابيبِ

​بانَ الخليطُ فَشَطّوا بالرَّعابيبِ​ المؤلف النابغة الشيباني


بانَ الخليطُ فَشَطّوا بالرَّعابيبِ
وهن يؤبن بعد الحسن بالطيب
فهيجوا الشوق إذ خفت نعامتهم
وأورثوا القلب صدعاً غير مشعوب
فَهُمْ حزائقُ ساروا نِيَّةً قُذُفاً
لم ينظروك سراعاً نحو ملحوب
بتوا القرينة فانصاع الحداةُ بهم
وَهُمْ ذوو زَجَلٍ عالٍ وتَطْرِيبِ
منهُ أراجيزُ تَزْفي العيسَ إذْ حُدِيتْ
وفي المزاميرِ أَصْواتُ الصَّلابيبِ
والعيسُ منهُ كأنَّ الذعرَ خالَطَها
أو نالَها طائفٌ من ذي المخاليبِ
زانَ السُّدولَ عليها الرِّقْمُ إذ حُدِجَتْ
بكل زوجٍ من الديباج محجوب
وفي الهَوادجِ أبكارٌ مُناعَمَةٌ
مثل الدمى هجن شوقاً في المحاريب
كأنَّها كُلَّما ابتُزَّتْ مَباذِلُها
درٌ بدارين صافٍ غير مثقوب
لها سوالف غزلانٍ وأوجهها
مثل الدنانير حرات الأشانيب
كأنّما الذَّهَبُ العِقيان تجعَلُهُ
بين الزمرد أوساط اليعاسيب
على نحورٍ كغرقي البيض ناعمةٍ
يَعْلُلْنَها بِمَجاميرٍ وتَطْييبِ
لَها معاصمُ غصَّ اليارقاتُ بِها
وفي الخلاخيل خلقٌ غير معصوب
تزهو المحاسن منها وهي ناعمةٌ
بكلِّ جَثْلٍ غُدافِ اللونِ غِرْبيبِ
صُفْر السوالفِ من نَضْحِ العبير بِها
تَبْدو لَها غُرَرٌ دونَ الجَّلابيبِ
تُبْدي أَكُفّاً تصيدُ العاشقين بِها
منها خضيبٌ ومنها غَيْرُ مخضوبِ
كأنَّ أَفْواهَها الإغريضُ إذ بَسَمتْ
أو أقحوان ربيعٍ ذي أهاضيب
في رَوْضةٍ مِنْ رِياضِ الحَزْنِ ناعمةٍ
تجري الطلال عليها بعد شؤبوب
كأنني شاربٌ من ذكرهم ثَمِلٌ
لذ يعل بخمر الطاس والكوب
أخو ندامى كرامٍ حل ضيفهم
بريةٍ باتَ يسقى غير مسلوب
تَدِبُّ فيها حُميّاها وقد شرِبوا
منها قطابٌ ومنها غير مقطوب
شربٌ يغنون والريحان بينهم
وكل جحلٍ من الخرطوم مسحوب
ترى القوائم منه وهي شائلةٌ
من كلِّ ذي مُشْعَرٍ بالقار مربوبِ
تُسَلُّ أرواحُها منها إذا مُلئَتْ
حتّى تُفرّغ في موتى الأَكاويبِ
إن المناهل جم لن تساعفنا
منها العذاب ومنها غير مشروب
تحنو إلى كل فينانٍ أخي غزلٍ
صوادفٌ عن ذوي الأسنان والشيب
يَبلى الشبابُ وينفي الشيبُ بَهْجَتَهُ
والدهرُ ذو العَوْص يأتي بالأعاجيبِ
ما يطلبِ الدهرُ تدرِكْهُ مخالِبُهُ
والدهرُ بالوِتْر ناجٍ غيرُ مطلوبِ
هل من أناسٍ أولى مجدٍ ومأثرةٍ
إلا يشد عليهم شدة الذيب
حتى يصيبَ على عَمْدٍ خيارَهُمُ
بالنافذات من النبل المصائيب
إنّي وَجَدْتُ سهامَ الموت مَعْدِنُها
بِكُلِّ حتْمٍ من الآجالِ مَكْتوبِ
من يلقَ بَلْوى يَنُبْهُ بعدَها فَرَجٌ
والناس بين ذوي روحٍ ومكروب
وبين داعٍ إلى رشدٍ صحابته،
وبَيْنَ غاوٍ وذي مالٍ ومحروبِ
والعَيْشُ طبيانِ: طُبْيٌ ثرَّ حالبُهُ
وطبي جداء ذاوٍ غير محلوب
وما طلابك شيئاً لست نائله
وسبك الناس ظلماً غير تعذيب
عاتِبْ أخاك ولا تُكْثِرْ ملامَتَهُ
وزر صديقك رسلاً بعد تغييب
وإنْ عُنيتَ بمعْروفٍ فَقُلْ حَسَناً
ولا تهن عن ذوي ضغنٍ لتهييب
لا تحمدن امرأ حتى تجربه
ولا تذُمَّنَهُ مِنْ غيرِ تجريبِ
إن الغلام مطيعٌ من يؤدبه
ولا يطيعك ذو شيبٍ لتأديب
إنَّ السَّلائقَ في الأخلاقِ غالبةٌ
فالصقر لا يقتنى إلا بتدريب
وإنْ رحلتَ إلى مَلْكٍ لتمدَحهُ
فارحلْ بشعْرٍ نقيٍّ غيرِ مخشوب
وامدحْ يزيدَ ولا تَظْهَرْ بمدحتهِ
وقد أوائلها قوداً بتشبيب
إن البوارح لا يحبسن رحلته
ولا يعوج بأصوات الغرابيب
إن الخليفة فرعٌ حين تنسبه
من الأعاصي هجانٌ خير منسوب
يَنْميهِ حَرْبٌ ومروانٌ وأصلُهما
إلى جَراثيمِ مجدٍ غيرِ مأشوبِ
نماك أربعةٌ كانوا أئمتنا
فكان ملكك حقاً ليس بالحوب
أعطاك ملكاً وتقوى أنت سائسه
بعد الفضائل من أوحى إلى النوب
كالبَدْرِ أبلجُ عالي الهمِّ مُخْتَلَقٌ
يُنْمَى إلى الأبطحيّاتِ المصاعيبِ
بحرٌ نمتْهُ بُحورٌ غيرُ ساجيةٍ
تلك المخاصيب أبناء المخاصيب
قومٌ بمكَّةَ في بطحائها وُلدوا
أبناء مكة ليسوا بالأعاريب
الأكثرونَ إذا ما سالَ موجُهُمُ
بكلِّ أَصْيَدَ سامي الطرفِ هُبْهوبِ
والضاربونَ من الأبطالِ هامَهُمُ
ضَرْباً طِلَخْفاً وهَكّاً غيرَ تَذْبيبِ
أنت ابنُ عاتكةَ الميمونِ طائِرُها
أم الملوك بني الغر المناجيب
إذا الملوكُ جَرَتْ يوْماً لمكرُمةٍ
جري المحاضير حثت بالكلابيب
جَريْتَ جَرْيَ عتيقٍ لم يكنْ وَكَلاً
بذ العناجيج سبقاً غير مضروب
سهل المباءة يعفو الناس جمته
يَكْسو الجِفانَ سَديفاً من ذُرَى النِّيبِ
حتى تصد العوافي بعدما سبقت
عند المجاعةِ من لحمٍ وتَرْعيبِ
وأنت تحيي فثاماً بعدما همدت
إحياءَ بِصَوبٍ نَفْسَ حُلْبوبٍ
وأنت خيرُهُمُ يوماً لمُخْتَبَطٍ
وأجودُ الناس جُوداً عند تَنْجيب
وجَحْفَلٍ لَجِبٍ جَمٍّ صواهِلُهُ
عَوْدٍ يُجِدُّ مُتونَ السَّهلِ واللُّوبِ
تَرى السَّماحيجَ فيها وهي مُسْنِفَةٌ
وكل فحلٍ طوال الشخص يعبوب
يحملن بزة أبطالٍ إذا ركبوا
بِكلِّ مُطَّرِدٍ صَدْقِ الأَنابيبِ
تردي بشعثٍ إذا ابتلت رحائلها
بكل فجًّ من الأعداء مرهوب
إن سكنوها وشدوا من أعنتها
أَخَذْن بالقومِ في حُضْرٍ وتَقْريبِ
وإنْ مَرَوْها بِقِدٍّ أو بِأَسؤُقِهِمْ
جاشت سراحيب تبري للسراحيب
يسمو بها وبجيشٍ كالدبا أشبٍ
بكل هولٍ على ما كان مركوب
حتى يفض جموعاً بعدما حشدت
يُهالُ منها ويُغشى كلُّ مَرْعوبِ
لهُ كِباشٌ بوقعِ السيفِ يغصبُها
وكبش صفك ماضٍ غير مغصوب
ثمت ناصت فلولاً من عدوكم
قد أجحرت بين مقتولٍ ومجنوب
شدت يداه جميعاً عند مأخذه
شدّاً إلى جيدِهِ رِبْطاً بِتَقْصيبِ
بَلْهَ سُبِيٌّ حَوَتْها الخيلُ تحسبُها
زهاء شاءٍ من الأذري مجلوب
كأنَّ رنّاتِ نِسوانِ السُبِيّ ـ وقد
ألوى بها القوم - أصوات اليعاقيب
غُنْمٌ يظلُّ إمامُ الناسِ يَقْسِمُها
فبين موهوبةٍ منها وموهوب