الورد يبسم والركائب حوم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

الوِردُ يَبسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ

​الوِردُ يَبسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ​ المؤلف الأبيوردي


الوِردُ يَبسِمُ والرَّكائِبُ حُوَّمُ
وَالسَّيْفُ يَلْمَعُ والصَّدى يَتَضَرَّمُ
بَخِلَ الغَيُورُ بِمَاءِ لِينَةَ فَاحْتَمى
بِشَبا أَسِنَّتِهِ الغَديرُ المُفْعَمُ
والرَّوضُ أَلبَسَهُ الرَّبيعُ وشائعاً
عُنيَ السَّماكُ بِوَشيهِا والمِرزمُ
تُثْني رُباهُ عَلى الغَمَامِ إذا غَدا
عافي النَّسيمِ بِسرِّها يَتَكَلَّمُ
حَيثُ الغُصونُ هَفا بِها وَلعُ الصَّبا
وَخَلا الحَمامُ بِشَجْوِهِ يَتَرَنَّمُ
وَأُميلُ مِنْ طَرَبٍ إليهِ مَسامِعاً
يَشكو لَجاجَتَها إِليَّ اللُّوَّمُ
فَبكى وَلَم أَرَ عَبْرَةً مَسْفوحَةً
أكذاكَ يَبخلُ بالدُّموعِ المُغْرَمُ؟
وَلَقد بَكْيتُ فَلَو رَأَيتَ مَدامِعي
لَعَلِمتَ أَيُّ الباكيِينِ مُتَّيمُ
شَتّانَ ما وَجدي وَوَجدُ حَمامةٍ
تُبدي الصَّبابَةَ في الحَنينِ وَأَكتُمُ
وَأَزورُ إذ ظَعَنَ الخَليطُ مَنازِلاً
نَحِلَتْ بِهِنَّ- كَما نَحِلْتُ- الأَرْسُمُ
كَمْ وَقْفَةٍ مَيْلاءَ في أثْنائِها
شَوقٌ إلى طَلَلٍ برامَةَ يُرزِمُ
عَطَفَتْ رَكائِبُنا إلى عَرَصاتِهِ
وَعَلى الجُنَينَةِ نَهجُهُنَّ المُعلَمُ
وّذَكَرْتَ عَصراً أَسْرَعَتْ خُطُواتُهُ
والْعَيْشُ أَخْضَرُ والحَوادِثُ نُوَّمُ
فَوَدِدْتُ أَنَّ شَبيبتي وَدَّعتُها
وَأَقامَ ذاكَ العَصْرُ لا يَتَصَرَّمُ
لَفَظَتْ أَحِبَّتَنا البِلادُ: فَمُعْرِقٌ
تُدمي جَوانِحهُ الهُمومُ، وَمُشْئمُ
أَزُهَيرُ إنَّ أخاكَ في طَلَبِ العُلا
أَدْنَى صَحابَتِهِ الحُسامُ المخْذَمُ
خاضَتْ بهِ ثُغرَ الفَيافي والدُّجى
خُوضٌ نَماهُنَّ الجَديلُ وشَدقَمُ
يَجتابُ أَرديَةَ الظَّلامِ بِمَهْمَةٍ
يَنسى الصَّهيلَ بِهِ الحِصانُ الأَدْهَمُ
وَيَضيقُ ذَرْعُ المُهْرِ أن لا يَنْجَلي
لَيلٌ بِأَذيالِ الصَّباحِ يُلثَّمُ
وَلَهُ إلى الغَرْبِ التِفَاتَةُ وامِقٍ
يُمري تَذَكُّرُهُ الدُّموعَ فَتَسجُمُ
وَكَأَنَّهُ، ممّا يُميلُ بِطَرفِهِ
قِبَلَ المَغارِبِ، بِالثُّريّا مُلْجَمِ
عَتَقَتْ عَلَيَّ أَلِيَّةٌ سَيُبِرُّها
هَمٌّ بِمُعْتَرَكِ النَّجومِ مَخَيَّمُ
واللَّيلُ يوطِىءُ مَن تُؤَرِّقُهُ المُنى
خَدَّا بأيدي الأَرْحَبيَّةِ يُلطَمُ
لَتُشارِفَنَّ بِيَ المَوامي أَيْنُقٌ
هُنَّ الحَنيُّ، وَرَكبُهُنَّ الأَسهمُ
وَأُفارِقَنَّ عِصابَةً مِنْ عامِرٍ
يَضْوَى بِصُحْبَتِها الكَريمُ وَيَسقَمُ
فَسَدَ الزَّمانُ فَلَيسَ يَأْمَنُ ظُلْمَهُ
أَهْلُ النُّهى، وَبَنوهُ مِنْهُ أَظلَمُ
أَينَ التَفَتَّ رأتَ مِنْهُمْ أَوْجُهاً
يشقى بِهِنَّ النّاظِرُ المُتَوَسِّمُ
وَأَضَرُّهُم لَكَ حِينَ يُعضِلُ حادِثٌ
بِالمرءِ مَنْ هُوَ في الصَّداقَةِ أَقْدَمُ
وَمَتى أَسَأْتَ إلَيْهِمُ وَخَبِرْتَهُمْ
أُلفِيتَ بعدْ إساءةٍ لا تَنْدَمُ
نَبَذوا الوَفاءَ مَعَ الحَياءِ وراءَهُمْ
فَهُمُ بِحَيْثُ يَكونُ هذا الدِّرْهَمُ
وَعَذَرْتُ كُلَّ مُكاشِحٍ أُبلَى بِهِ
فَبَلِيَّتي مِمَّنْ أَصاحِبُ أَعْظَمُ
مَذِقُ الوِدادِ، فَوَجْهُهُ مُتَهَلِّلٌ
لِمكيدَةٍ، وضَميرُهُ مُتَجَهِّمُ
يُبْدِي الهَوى وَيَسُورُ، إِنْ عَرَضَتْ لَهُ
فُرَصٌ عَلَيَّ، كَما يَسورُ الأَرْقَمُ
وَيَرومُ نَيلَ المَكرُماتِ، ودُونَها
أَمَدٌ بِهِ انتعلَ النَّجيعَ المَنسِم
فَزَجَرْتُ مَن جَلَبَ الجِيادَ إلى مَدىً
يَعْنو لِحاسِرِ أَهْلِهِ المُسْتَلْئِمُ
وَرَحِمْتُ كُلَّ فَضيلَةٍ مَغصوبَةِ
حَتّى القَريضَ إذا ادَّعاهُ المُفْحَم
وَلَو اسْتطَعْتُ رَدَدْتُ مَنْ يعْيىَ به
عَنهُ، مَخَافَةَ أَنْ يُلجِلِجهُ فَمُ
لاتُخْلِدَنَّ إلى الصَّديقِ، فَإنَّهُ
بِكَ مِنْ عَدُوِّكَ في المَضَرَّةُ أَعْلَمُ
يَلقاكَ، والعَسَلُ المُصفَىَّ يُجتَنَى
مِنَ قَوْلِهِ، وَمِنَ الفَعالِ العَلْقَمُ
هذا وَرُبَّ مُشاحِنٍ عَلِقَتْ بِهِ
شَمْطاءُ تُلْقِحُها الضَّغائِنُ مُتْئِمُ
فَحَلُمْتُ عَنهُ، وباتَ يَشربُ غَيْظَهُ
جُرعاً، وَلُزَّ بِمِنْخَريهِ المَرغَمُ
وَأَنا المَليءُ بِما يَكُفُّ جِماحَهُ
وَيَرُد غَربَ الجَهلِ وَهوَ مُثلَّمُ
فَلَقَد صَحِبْتُ أُزَيهِرَ بنَ مُحَلِّمٍ
حَيثُ السُّيوفُ يَبُلُّ غُلَّتَها الدَّمُ
وَالخَيْلُ شُعْثٌ، والرِّماحُ شَوارِعٌ
وَالنَّقْعُ أَكْدَرُ، والخَميسُ عَرَمرمُ
فَرأيتهُ يَسَعُ العُداة بِعَفوهِ
وَتُجيرُ قُدْرَتُهُ عَلَيهِ فَيَحْلُمُ
وَيَوَدُّ كلُّ بَريءِ قَوْمٍ أَنَّهُ
- مِمّا يَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ- مُجْرِمُ
وَأَفَدْتُ مِنْ أَخْلاقِهِ وَنَوالِهِ
مِنَحاً يَضِنُّ بِها السَّحابُ المُرْهِمُ
وإذا أَغامَ الخطبُ جابَ ضَبابَهُ
شَمسُ الضُّحى، وَسَطا عَليهِ الضَّيغَمُ
وَمَتى بَدا، وَاللَّيلُ أَلْمَى، رَدَّهُ
بِالبِشْرِ، فَهْوَ إذا تَبَلَّجَ أَرْثَمُ
مَلِكٌ يُكِلُّ غَداةَ يُطلَبُ شَأوُهُ
مُقلاً يُصافُحها العَجاجُ الأَقتَمُ
بِشَمائِلٍ مُزِجَ الشِّماسُ بِلينها
كالماءِ أُشْرِبَهُ السِّنانُ اللَّهْذَمُ
وَمناقِبٍ لا تُرْتَقَى هَضَباتُها
نَطَقَ الفَصيحُ بِفَضلِها وَالأَعجَمُ
إنْ لُحنَ والشُّهبُ الثَّواقِبُ في الدُّجى
لَمْ يَدْرِ سارٍ أَيُّهُنَّ الأَنْجُمُ
يَابْنَ الأُلى سَحَبوا الرِماحَ إلى الوَغى
وَلَديهِ يَغْدِرُ بالبَنانِ المِعصَمُ
يَتَسرَّعونَ إلى الوَغى، فَجيادُهُم
تُزْجَى عَوابِسَ، والسُّيوفُ تَبَسَّمُ
وَإذا الزَّمانُ دَجا أضاؤوا فَاكْتَسى
فَضَلاتِ نُورِهمُ الزَّمانُ المُظْلِمُ
أَوضَحتَ طُرقَ المَجدِ وَهيَ خَفيَّةٌ
فَبَدا لِطالِبهِ الطَّريقُ المُبْهَمُ
وَغمَرتَ بِالكَرَمِ المُلوكَ فكُلُّهمْ
لمّا شَرَعتَ لَهُ النَّدى يَتَكَرَّمُ
وَبَسَطْتَ كَفَّا بِالمَواهِبِ ثَرَّةً
سَدِكَ الغَنيُّ بِسيبِها وَالمُعْدَمُ
وَمَدَدْتَ لِلعافينَ ظِلاًّ وارِفاً
يَتَوشَّحُ الضّاحِي بِهِ وَالمُعْتِمُ
كُلُّ الفَضائِلِ مِنْ خِلالِكَ يُقْتَنى
وَلَديكَ يُجمَعُ فَذُّها والتَّوأَمُ
وَلِمِثْلِها أَعْدَدْتُ كُلَّ قَصيدَةٍ
نَفَرَتْ فأنَسها الجَوادُ المُنْعِمُ
وَالشِّعْرُ صَعْبٌ مُرْتَقاهُ وَطَالَما
شَمَّ الإباءَ بِمارِنٍ لا يُخْطَمُ
وَالمدحُ يَسْهُلُ في عُلاكَ مَرامُهُ
فَنَداكَ يُمْلِيهِ عَلَيَّ وأَنْظِمُ
وَلَربَّما غَطَّ البِكَارُ، وإِنَّما
رَفَعَ الهَديرَ بِهِ الفَنيقُ المُقرَمُ