التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد/المجلد السابع/صفحة واحدة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



التمهيد المجلد السابع[عدل]

ابن شهاب عن سعيد بن الـمسيب وأبـي سلـمة بن عبد الرحمن بن عوف[عدل]

أربعة أحاديث اثنان مسندان واثنان مرسلان.

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن أنهما أخبراه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: " إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"

قال ابن شهاب وكان رسول الله يقول "آمين" لا خلاف بين الرواة للموطأ في إسناد هذا الحديث ومتنه فيما علمت كلهم يجعل قوله وكان رسول الله يقول آمين من كلام ابن شهاب وقد رواه حفص بن عمر المدني عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال كان رسول الله يقول آمين ولم يتابع حفص على هذا اللفظ بهذا الإسناد

وروى إسحاق بن سليمان عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله : "إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين فقولوا آمين فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" ولم يتابع على هذا اللفظ أيضا في هذا الإسناد وإنما هذا لفظ حديث سمي وسيأتي في بابه إن شاء الله

ورواه الغداني عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة ولم يذكر أبا سلمة ورواه جويرة عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ولم يذكر سعيدا والصواب ما في الموطأ عن سعيد وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة

وفي هذا الحديث من الفقه قراءة أم القرآن في الصلاة ومعناه عندنا في كل ركعة لدلائل سنذكرها في باب العلاء بن عبد الرحمن من كتابنا هذا عند قوله : "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج" إن شاء الله وإنما قلنا إن فيه دليلا على قراءة فاتحة الكتاب لقوله "إذا أمن الإمام فأمنوا" ومعلوم أن التأمين هو قول الإنسان آمين عند دعائه أو دعاء غيره إذا سمعه ومعنى آمين عند العلماء اللهم استجب لنا دعاءنا وهو خارج على قول القارئ {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} إلى قوله {وَلا الضَّالِّينَ} 1 فهذا هو الدعاء الذي يقع عليه التأمين ألا ترى إلى قوله في حديث سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة "إذا قال الإمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا آمين" فكأن القارئ يقول اللهم اهدنا الصراط

المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين اللهم آمين وهذا بين واضح يغني عن الإكثار فيه وقد أجمع العلماء على أن لا تأمين في شيء من قراءة الصلاة إلا عند خاتمة فاتحة الكتاب ولم يختلفوا في معنى ما ذكرنا فنحتاج فيه إلى القول ولما كان قول الله عز وجل {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ} 2 دليلا على أنه لا بد من الأذان يوم الجمعة وإن كان ذلك خبرا فكذلك قوله إذا أمن الإمام يعني عند قوله {وَلا الضَّالِّينَ} فأمنوا" دليل على أنه لا بد من قراءة فاتحة الكتاب في كل صلاة

وفي هذا مع قوله " لا صلاة لمن لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب" دليل على فساد قول من قال إن الصلاة تجزي بغيرها وسنذكر الاختلاف في هذه المسألة ونأتي بالحجة لاختيارنا من ذلك في كتابنا هذا عند ذكر حديث العلاء بن عبد الرحمن إن شاء الله وقد قيل إن معنى آمين أشهد لله وقيل بل معناها كذلك فعل الله

وفي آمين لغتان المد والقصر مثل أوه وآوه قال الشاعر: . ويرحم الله عبدا قال آمين

وقال آخر فقصر :

تباعد مني فحطل إذ دعوته ... أمين فزاد الله ما بيننا بعدا

وفي هذا الحديث أيضا أن الإمام يقول آمين لقول رسول الله "إذا أمن الإمام فأمنوا" ومعلوم أن تأمين المأموم قوله آمين فكذلك يجب أن يكون قول الإمام سواء لأن رسول الله قد سوى بينهما في اللفظ ولم يقل إذا دعا الإمام فأمنوا وهذا موضع اختلف فيه العلماء فروى ابن القاسم عن مالك أن الإمام لا يقول آمين وإنما يقول ذلك من خلفه دونه وهو قول ابن القاسم والمصريين من أصحاب مالك وحجتهم ظاهر حديث سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله قال "إذا قال الإمام {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} فقولوا آمين"

وسيأتي القول في حديث سمي في بابه من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ومثل حديث سمي حديث أبي موسى الأشعري قالوا ففي هذا الحديث دليل على أن الإمام يقتصر على قراءة ولا الضالين ولا يزيد على ذلك وإنما المأموم يؤمن قالوا وكما يجوز أن يسمى التأمين دعاء في اللغة فكذلك يسمى الدعاء تأمينا واحتجوا بقول الله عز وجل { قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا} 3 لموسى وهارون ولا يختلف المفسرون أن موسى كان يدعو وهرون يؤمن فقال الله عز وجل {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا}

قال أبو عمر:ما قالوه من هذا كله فليس فيه حجة فليس في شيء من اللغات أن الدعاء يسمى تأمينا ولو صح لهم ما ادعوه وسلم لهم ما تأولوه لم يكن فيه إلا أن التأمين يسمى دعاء وإما أن الدعاء يقال له تأمين فلا وإنما قال الله عز وجل {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} ولم يقل قد أجيب تأمينكما فمن قال الدعاء تأمين فمغفل لا روية له على أن قوله عز وجل {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} إنما قيل لأن الدعوة كانت لهما وكان نفعها عائدا عليهما بالانتقام من أعدائهما فلذلك قيل أجيبت دعوتكما ولم يقل دعوتاكما ولو كان التأمين دعاء لقال قد أجيبت دعوتاكما وجائز أن يسمى المؤمن داعيا لأن المعنى في آمين اللهم استجب لنا على ما قدمنا ذكره وهذا دعاء وغير جائز أن يسمى الدعاء تأمينا والله أعلم ومعلوم أن قوله "إذا أمن الإمام فأمنوا" لم يرد به فادعوا مثل دعاء الإمام اهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة وهذا ما لا يختلف فيه وإنما أراد من المأموم قول آمين لا غير وهذا إجماع من العلماء

فكذلك أراد من الإمام قول آمين لا الدعاء بالتلاوة لأنه قد سوى بينهما في لفظه بقوله "إذا أمن الإمام فأمنوا" فالتأمين من الإمام كهو من المأموم سواء وهو قول آمين هذا ما يوجبه ظاهر الحديث فكيف وقد ثبت عن النبي أنه كان يقول آمين إذا فرغ من قراءة فاتحة الكتاب وهذا نص يرفع الإشكال ويقطع الخلاف وهو قول جمهور علماء المسلمين وممن قال ذلك مالك في رواية المدنيين عنه منهم عبد الملك بن الماجشون ومطرف بن عبد الله وأبو المصعب الزهري وعبد الله بن نافع وهو قولهم قالوا يقول آمين الإمام ومن خلفه

وهو قول الشافعي وأبي حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن حي وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور وداود والطبري وجماعة أهل الأثر لصحته عن رسول الله من حديث أبي هريرة ووائل بن حجر

وقال الكوفيون وبعض المدنيين لا يجهر بها وهو قول الطبري وقال الشافعي وأصحابه وأبو ثور وأحمد بن حنبل وأهل الحديث يجهر بها

حدثنا عبد الله بن محمد بن يحيى قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا نصر بن علي قال حدثنا صفوان بن عيسى عن بشر بن رافع عن أبي عبد الله ابن عم أبي هريرة عن أبي هريرة قال كان رسول الله إذا تلا {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} قال آمين حتى يسمع من يليه من الصف الأول

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قالا حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن عمروس المعدل قالا جميعا حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن زريق قال حدثنا عمرو بن الحارث قال حدثنا عبد الله بن سالم الأشعري قال حدثنا الزبيدي قال حدثنا محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال "كان رسول الله إذا فرغ من قراءة أم القرآن رفع صوته وقال آمين"

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل عن حجر بن العنبس الحضرمي عن وائل بن حجر قال "كان رسول الله إذا قرأ {وَلا الضَّالِّينَ} قال آمين" ورفع بها صوته ورواه أبو إسحاق عن عبد الجبار بن وائل بن حجر عن أبيه عن النبي مثله وحدثنا عبد الوارث بن سفيان

قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا موسى بن معاوية قال حدثنا وكيع قال حدثنا سفيان عن عاصم الأحول عن أبي عثمان أن بلالا قال يا رسول الله لا تسبقني بآمين وذكره أبو داود حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن بلال مثله

وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال قلت لعطاء كان ابن الزبير يقول آمين ومن خلفه حتى أن للمسجد للجة قال نعم وكان أحمد بن حنبل يغلظ على من كره الجهر بها قال وقال النبي "ما حسدنا اليهود على شيء ما حسدونا على آمين" وأما قوله في هذا الحديث "من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" ففيه أقوال منها أنه يحتمل أن يكون أراد فمن أخلص في قوله آمين بنية صادقة وقلب صاف ليس بساه ولا لاه فيوافق الملائكة الذين في السماء الذين يستغفرون لمن في الأرض ويدعون لهم بنيات صادقة ليس عن قلوب لاهية غفر له إذا أخلص في دعائه واحتجوا بقول رسول الله " إذا دعا أحدكم فليجتهد وليخلص فإن الله لا يقبل الدعاء من قلب لاه" وقال "اجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم فكأنه أراد بقوله فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة" الذين يخلصون في الدعاء غفر له وهذا تأويل فيه بعد وقال آخرون إنما أراد رسول الله بقوله " فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة" الحث على الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الصلاة فإن الملائكة تستغفر للمؤمنين في الأرض فمن دعا في صلاته للمؤمنين غفر له لأنه يكون دعاؤه حينئذ موافقا لدعاء الملائكة المستغفرين لمن في الأرض من المؤمنين وفي قوله "اهدنا" دعاء للداعي وأهل دينه إن شاء الله والتأمين على ذلك فلذلك ندب إليه والله أعلم وقال آخرون إن الملائكة من الحفظة الكاتبين والملائكة المتعاقبين لشهود الصلاة مع المؤمنين يؤمنون عند قول القارئ "ولا الضالين" فمن فعل مثل فعلهم وأمن غفر له فحضهم بذلك على التأمين قال الله عز وجل { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} 4 {كِرَاماً كَاتِبِينَ} 5 وقال رسول الله "يتعاقب فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون عند صلاة العصر وصلاة الفجر" الحديث

فإن قيل حديث مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي "إذا قال أحدكم آمين فقالت الملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الأخرى غفر له ما تقدم من ذنبه" وهذا دليل على أنه لم يرد الملائكة الحافظين ولا المتعاقبين لأنهم حاضرون معهم في الأرض لا في السماء قيل له لسنا نعرف موقف الملائكة منهم ولا نكيف ذلك وجائز أن يكونوا فوقهم وعليهم وعلى رؤوسهم فإذا كان كذلك فكل ما علاك فهو سماء وقد تسمي العرب المطر سماء لأنه ينزل من السماء ويسمى الربيع سماء لأنه تولد من مطر السماء وتسمى الشيء باسم ما قرب منه وجاوره

قال الشاعر :

إذا نزل السماء بأرض قوم ... رعيناه وإن كانوا غضابا

فسمى الماء النازل من السماء والمتولد منه سماء فالله أعلم بما أراد رسول الله بقوله "في السماء" إن كان قاله فان أخبار الآحاد لا يقطع عليها وكذلك هو العالم لا شريك له بمعنى قوله حقيقة "فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" ولا يدفع أن يكون المؤمنون ملائكة السماء فقد روى ابن جريج عن الحكم بن أبان أنه سمع عكرمة يقول إذا أقيمت الصلاة فصف أهل الأرض صف أهل السماء فإذا قال أهل الأرض ولا الضالين قالت الملائكة آمين فإذا وافقت آمين أهل الأرض آمين أهل السماء غفر لأهل الأرض ما تقدم من ذنوبهم وكل ما ذكرنا قد قيل فيما وصفنا وفيما قالوه من ذلك نظر وبالله عصمتنا وتوفيقنا وفي هذا الحديث أيضا دليل على أن أعمال البر تغفر بها الذنوب وفي قول الله عز وجل {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} 6 كفاية وقد مضى القول في هذا المعنى مستوعبا في باب زيد بن أسلم من كتابنا هذا فأغنى عن إعادته ههنا

حديث ثان لابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة متصل مسند[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله قال "جرح العجماء جبار وفي الركاز الخمس" قال مالك وتفسير الجبار أنه لا دية فيه.

قال أبو عمر:لا يختلفون أن الجبار الهدر الذي لا أرش فيه ولا دية على ما قال مال كرحمه الله

قال الشاعر :

كم ملك نزع الملك عنه ... وجبار بها دمه جبار

هكذا روى هذا الحديث جمهور الرواة عن مالك كما رواه يحيى ورواه القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب عن أبي هريرة لم يذكر أبا سلمة هكذا ذكره إسماعيل القاضي عن القعنبي وهو عندنا في الموطأ للقعنبي من رواية علي بن عبد العزيز وغيره عن القعنبي

مالك عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة مسندا كما رواه يحيى وغيره في الموطأ هكذا ذكره القعنبي في كتاب الديات في الموطأ وذكره في كتاب الزكاة فقال فيه مالك أنه بلغه أن رسول الله قال "في الركاز الخمس" هكذا ذكره القعنبي في كتاب الزكاة اختصر إسناده ولفظه وذكره يحيى في كتاب الزكاة مختصرا للفظ وجاء بإسناده كاملا فقال عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن النبي قال "وفي الركاز الخمس" وأما ابن القاسم في رواية سحنون فرواه عن مالك عن ابن شهاب عن ابن المسيب أن رسول الله مرسلا هكذا وأما اختلاف أصحاب ابن شهاب في إسناد هذا الحديث فرواه ابن عيينة عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي لم يذكر أبا سلمة هكذا حدث عنه ابن أبي شيبة وغيره ورواه الليث بن سعد

كما رواه مالك سواء عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال "العجماء جرحها جبار" الحديث بتمامه سواء وكذلك رواه معمر وابن جريج ذكر عبد الرزاق عن معمر وابن جريج عن ابن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي قال "العجماء جبار والبئر جرحها جبار والمعدن جرحه جبار وفي الركاز الخمس" والعجماء عند العرب كل بهيمة وسبع وحيوان غير ناطق مفصح قال الشاعر يصف كلبا

يكاد إذا ما أبصر الضيف مقبلا ... يكلمه من حبه وهو أعجم

وقال أحمد بن ثور يصف حمامة

ولم أر محزونا له مثل صوتها ...ولا عربيا شاقه صوت أعجما

قال ابن جريج: "والجبار في كلام أهل تهامة الهدر والركاز ما وجد في معدن وما استخرج منه وما وجد من مال مدفون كان قبل هذه الأمة" وقال ابن جريج: "وأقول هو مغنم" وقال أهل اللغة "الجبار الهدر الذي لا يجب فيه شيء" وجرح العجماء جنايتها وأجمع العلماء على أن العجماء إذا جنت جناية نهارا أو جرحت جرحا لم يكن لأحد فيه سبب أنه هدر لا دية فيه على أحد ولا أرش واختلفوا في المواشي يهملها صاحبها ولا يمسكها ليلا فتخرج فتفسد زرعا أو كرما أو غير ذلك من ثمار الحوائط والأجنة وخضرها وسنذكر اختلافهم في ذلك ونوضح القول فيه عند ذكر حديث ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة من كتابنا هذا إن شاء الله ولا خلاف بينهم أن ما أفسدت المواشي وجنت نهارا من غير سبب آدمي أنه هدر من الزروع وغيرها إلا ما روى عن مالك وبعض أصحابه في الدابة الضارية المعتادة الفساد على ما سنذكره إن شاء الله تعالى في باب ابن شهاب عن حرام بن محيصة وأما السائق للدابة أو راكبها أو قائدها فإنهم عند جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين ضامنون لما جنت الدابة من أجلهم وبسببهم

وقال داود وأهل الظاهر "لا ضمان في جرح العجماء على أحد على أي حال كان برجل أو بمقدم" لأن رسول الله جعل جرحها جبارا ولم يخص حالا من حال قالوا "فلا ضمان على أحد بسبب جناية عجماء" إلا أن يكون حملها على ذلك وأرسلها عليه فتكون حينئذ كالآلة فيضمن بجناية نفسه وقصده إلى إفساد مال غيره والجناية عليه قالوا وكذلك إذا تعدى في إرسالها أو ربطها في موضع لا يجب له ربطها فيه وأما من لم يقصد إلى ذلك فلا يضمن جناية دابة وإن كان سبب ذلك إذا فعل من ركوبها وسياقتها وقيادتها وإرسالها ماله فعله فلا يضمن إلا الفاعل القاصد إلا أن يجمعوا على غيره في موضع ما فيجب التسليم لإجماعهم في ذلك الموضع خاصة:

قال أبو عمر:لا خلاف علمته أن ما جنت يد الإنسان خطأ أنه يضمنه في ماله فإن كان دما فعلى عاقلته تسليما للسنة المجتمع عليها وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين ضمان السائق والراكب والقائد على الأصل الذي قدمنا فافهمه وجاء عن عمر بن الخطاب أنه ضمن الذي أجرى فرسه عقل ما أصاب الفرس وذكر ابن وهب قال أخبرني يونس وابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه سئل عن رجل قاد بدنة فأصابت طيرا فقتلته فقال "إن كان يقودها أو يسوقها حتى أصابت الطير فقد وجب عليه جزاء ما قتلت وإن لم يكون يقودها ولا يسوقها فليس يجب عليه جزاء ما أصابت" وقال ابن سيرين "كانوا لا يضمنون من النفحة ويضمنون من رد العنان" وقال حماد "لا يضمن النفحة إلا أن ينخس الإنسان الدابة" وعن شريح مثله وقال حماد أيضا "إذا ساق المكاري حمارا عليه امرأة فتخر فلا شيء عليه" وقال الشعبي: "إذا ساق الدابة

فأتعبها فهو ضامن لما أصابت وإن كان مسترسلا لم يضمن" وذكر إسماعيل القاضي قال حدثنا الهروي قال حدثنا أشعث عن ابن سيرين عن شريح أنه كان يضمن الفارس ما أوطأت دابته بيد أو رجل ويبرئ من النفحة قال إسماعيل وقاله الحسن والنخعي وذلك لأن الراكب كان سببه وقال مالك "إن فزعها الراكب أو عنتها ضمن ما أصابت برجلها وإن لم يفزعها ولم يعنتها لم يضمن ما أصابت برجلها ويضمن ما أصابت بمقدمها على كل حال" وقال أبو حنيفة وأصحابه في نفحة الدابة برجلها "إذا كان صاحبها يسير عليها فالضمان عليه" وقد روي عن شريح أنه أبطل النفحة بالرجل قال الطحاوي "لا يمكن التحفظ من الرجل والذنب فهو جبار على كل حال ويمكنه التحفظ من اليد والفم فعليه ضمانه"

وقال أبو حنيفة وأصحابه "لا ضمان على أصحاب البهائم فيما تفسد وتجنى عليه لا في الليل ولا في النهار إلا أن يكون راكبا أو سائقا أو قائدا أو مرسلا" وقال الشافعي الضمان عن البهائم على وجهين أحدهما ما أصابت من الزرع بالليل فأفسدته والوجه الثاني إذا كان الرجل راكبا فما أصابت بيدها أو رجلها أو فمها أو ذنبها من نفس أو جرح فهو ضامن لأن عليه منعها في تلك الحال من كل ما تتلف به شيئا قال وكذلك إذا كان سائقا أو قائدا وكذلك الإبل المقطرة بالبعير لأنه قائدها قال ولا يجوز في هذا إلا ضمان كل ما أصابت به الدابة تحت الراكب أولا يضمن إلا ما حملها عليه لا يصح إلا أحد هذين القولين فأما من ضمن عن يدها ولم يضمن عن رجلها فهو تحكم

قال وأما ما روي عن النبي من أن الرجل جبار فهذا خطأ لأن الحفاظ لم يحفظوه هكذا قال ولو أوقفها في موضع ليس له أن يوقفها فيه ضمن ولو أوقفها في ملكه لم يضمن قال ولو جعل في داره كلبا عقورا أو حبالة فدخل إنسان فقتله الكلب لم يكن عليه شيء قال المزني سواء عندي أذن لذلك الإنسان أن يدخل الدار أو لم يأذن وقال ابن شبرمة وابن أبي ليلى يضمن ما أتلفت الدابة برجلها إذا كان عليها أوقادها أو ساقها كما يضمن ما أتلفت وهو عليها بغير رجلها كقول الشافعي سواء

وقال الأوزاعي والليث بن سعد في هذا الباب كله كقول مالك لا يضمن ما أصابت الدابة برجلها من غير صنعه ويضمن ما أصابت بيدها ومقدمها إذا كان راكبا عليها أو سائقا لها أو قائدا

قال أبو عمر:من فرق بين الرجل والمقدم في راكب الدابة وسائقها وقائدها فحجته أنه يمكنه التحفظ من جناية فمها ويدها إذا كان راكبا عليها أو قائدا لها ولا يمكنه ذلك من رجلها ومن حجته أيضا ما روى عن النبي أنه قال "الرجل جبار"

وهذا لا يثبته أهل العلم بالحديث وله إسنادان أحدهما رواه الثوري وغيره عن أبي قيس الأودي عن هزيل بن شرحبيل أن النبي قال "البير جبار والرجل جبار والعجماء جبار وفي الركاز الخمس" وهذا حديث مرسل هكذا رواه الثوري وغيره عن أبي قيس هذا ورواه زياد بن عبد الله البكائي عن الأعمش عن أبي قيس عن هزيل بن شرحبيل عن أبي هريرة عن النبي فوصله وأسنده وليس زياد البكائي ممن يحتج به إذا خالفه مثل الثوري وأبو قيس أيضا ليس ممن يحتج به في حكم ينفرد به والإسناد الآخر ما رواه سفيان بن حسين الواسطي عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله "الرجل جبار" وهذا حديث لا يوجد عند أحد من أصحاب الزهري إلا سفيان بن حسين وهو عندهم فيما ينفرد به لا تقوم به حجة وقد روى معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي أنه قال "النار جبار" وقال يحيى بن معين أصله "البير جبار" ولكنه صحفه معمر.

قال أبو عمر :في قول ابن معين هذا نظر ولا يسلم له حتى يتضح

حدثنا محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث الواسطي أخبرنا جعفر بن عبد الواحد قال قال لنا ابن عقبة بن عبد الغافر أخبرنا مسلمة بن علقمة عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله "النار جبار والبير جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس" وقد كان الشعبي رحمه الله يفتي بأن الرجل جبار رواه أبو فروة والشيباني عن الشعبي

قال أبو عمر:لا أعلم خلافا عن مالك وأصحابه وسائر فقهاء الأمصار من أهل الحجاز والعراق والشام أن من أوقف دابته في موضع ليس له أن يوقفها فيه ولا يجوز له ذلك من طريق ضيق أو غير ذلك مما ليس له أن يفعله فجنت جناية أنه ضامنها وإن أوقفها في موضع يعرف الناس مثله توقف فيه الدواب أو يوقف فيه مثل دابته قال ابن حبيب نحو دار نفسه أو باب المسجد أو دار العالم أو القاضي أو ما أشبه ذلك فلا ضمان عليه فيما جنت وكذلك إذا أرسلها في موضع ليس له أن يرسلها فيه ضمن ما جنت

وأما قوله في هذا الحديث والبير جبار فمعناه أنه لا ضمان على رب البير وحافرها إذا سقط فيها إنسان أو دابة أو غير ذلك فتلف وعطب هذا إذا كان حافر البير قد حفرها في موضع يجوز له أن يحفرها فيه مثل أن يحفرها في فنائه أو في ملكه أو في داره أو في صحراء للماشية أو في طريق واسع محتمل ونحو ذلك وهذا كله قول مالك والشافعي وداود وأصحابهم وقول الليث بن سعد قال ابن القاسم قال مالك للإنسان أن يحفر في الطريق بيرا يحدثها للمطر وله أن يحفر إلى جنب حائطه مرحاضا وله أن يحدث في داره ميزابا ولا يضمن ما عطب بشيء من ذلك قال وما حفره في الطريق مما لا يجوز له لضيق الطريق أو لغير ذلك ضمن ما عطب به وقال ابن القاسم أيضا عن مالك إن حفر في داره بيرا لسارق يرصده ليقع فيه أو وضع له حبالات أو شيئا يتلف به السارق فدخل فعطب فهو ضامن

قال أبو عمر:وجه قوله هذا أنه لم يحفر البير لمنفعته وإنما حفرها قاصدا ليعطب بها غيره فهو الجاني حينئذ والله أعلم وأما الشافعي فلا ضمان عليه عنده في هذا فيما علمت وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد له أن يحدث في الطريق ما لا يضر به قالوا وهو ضامن لما أصابه

قال أبو عمر:قوله "والبير جبار" يدفع الضمان عن ربها في كل ما سقط فيها بغير صنيع آدمي والله أعلم وأما قوله في هذا الحديث "والمعدن جبار" فتأويله أن المعادن المطلوب فيها الذهب والفضة تحت الأرض إذا سقط شيء منها وانهار على أحد من العاملين فيها فمات أنه هدر لا دية له في بيت المال ولا غيره وكذلك من سقط فيها فعطب بعد حفرها وأما قوله "وفي الركاز الخمس" فإن العلماء اختلفوا في الركاز وفي حكمه فقال مالك الركاز في أرض العرب للواجد وفيه الخمس قال وما وجد من ذلك في أرض الصلح فإنه لأهل تلك البلاد ولا شيء للواجد فيه قال وما وجد في أرض العنوة فهو للجماعة الذي افتتحوها وليس لمن أصابه دونهم ويؤخذ خمسه

قال ابن القاسم كان مالك يقول في العروض والجوهر والحديد والرصاص ونحوه يوجد ركازا أن فيه الخمس ثم رجع فقال لا أرى فيه شيئا ثم آخر ما فارقناه عليه أن قال فيه الخمس وقال إسماعيل بن إسحاق كل ما وجده المسلمون في خرب الجاهلية من أرض العرب التي يفتتحها المسلمون من أموال الجاهلية ظاهرة أو مدفونة في الأرض فهو الركاز ويجري مجرى الغنائم يكون لمن وجده أربعة أخماس ويكون سبيل خمسه سبيل خمس الغنائم يجتهد فيه الإمام على ما يراه من صرفه في الوجوه التي ذكر الله من مصالح المسلمين قال: وإنما حكم للركاز بحكم الغنيمة لأنه مال كافر وجده مسلم فأنزل منزلة من قاتله وأخذ ماله فإن له أربعة أخماسه

وقال الثوري في الركازيوجد في الدار أنه للواجد دون صاحب الدار وفيه الخمس وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد الركاز من الذهب والفضة وغيرهما مما كان من دفن الجاهلية أو البدرة أو القطعة يكون تحت الأرض فيوجد بلا مؤنة وفيه الخمس وقول الطبري كقولهم سواء وقال أبو حنيفة ومحمد في الركاز يوجد في الدار أنه لصاحب الدار دون الواجد وفيه الخمس وقال أبو يوسف هو للواجد وفيه الخمس وإن وجد في فلاة فهو للواجد في قولهم جميعا وفيه الخمس ولا فرق عندهم بين أرض الصلح وأرض العنوة وسواء عندهم أرض العرب وغيرها وجائز عندهم لواجده أن يحبس الخمس لنفسه إذا كان محتاجا وله أن يعطيه للمساكين

قال أبو عمر :وجه هذا عندي من قولهم أنه أحد المساكين وأنه لا يمكن السلطان إن صرفه عليهم أن يعمهم به وقال الشافعي الركاز دفن الجاهلية العروض وغيرها وفيه الخمس وسواء وجده في أرض عنوة أو صلح بعد أن لا يكون في ملك أحد فإن وجده في ملك غيره فهو له إن ادعاه وفيه الخمس وإن لم يدعه فهو للواجد وفيه الخمس قال وإن أصاب شيئا من ذلك في أرض الحرب أو منازلهم فهو غنيمة له وللجيش وإنما يكون للواجد ما لا يملكه العدو مما لا يوجد إلا في الفيافي

قال أبو عمر:أصل الركاز في اللغة ما ارتكز بالأرض من الذهب والفضة وسائر الجواهر وهو عند الفقهاء أيضا كذلك لأنهم يقولون في البدرة التي توجد في المعدن مرتكزة بالأرض لا تنال بعمل ولا بسعي ولا نصب ففيها الخمس لأنها ركاز ودفن الجاهلية لأموالهم عند جماعة العلماء ركاز لا يختلفون فيه إذا كان دفنه قبل الإسلام من الأمور العادية وأما ما كان من ضرب الإسلام فحكمه عندهم حكم اللقطة لأنه ملك مسلم لا خلاف بينهم في ذلك فقف على هذا الأصل وقد استدل بعض أصحابنا وغيرهم من هذا الحديث بقوله " والمعدن جبار وفي الركاز الخمس" على أن الحكم في زكاة المعادن غير الحكم في الركاز لأنه قد فصل بين المعادن والركاز بالواو الفاصلة ولو كان المعدن والركاز حكمهما سواء لقال " والمعدن جبار وفيه الخمس" فلما قال: "العجماء جرحها جبار والبئر جبار والمعدن جبار وفي الركاز الخمس" علم أن حكم الركاز غير حكم المعدن فيما وجد منه والله أعلم وقد استدل قوم بما ذكرنا وفي ذلك عندي نظر وقد اختلف الفقهاء فيما يؤخذ من المعادن

فقال أبو حنيفة وأصحابه فيما خرج من المعادن من الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص الخمس وما كان في المعدن من الذهب والفضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد فيما حصل بيده ما يجب فيه الزكاة فزكاه لتمام الحول إن أتى عليه وهو نصاب عنده الحول هذا إذا لم يكن معه ذهب أو فضة وجبت فيه الزكاة وإن كان عنده من ذلك ما تجب فيه الزكاة ضمه إلى ذلك وزكاه وكذلك عندهم كل فائدة تضم في الحول إلى النصاب من جنسها وتزكى بحول الأصل وهو قول الثوري قالوا وكلما ارتكز بالأرض من ذهب أو فضة أو غيرهما من الجواهر فهو ركاز وفيه الخمس في قليله وكثيره على ظاهر قوله "وفي الركاز الخمس" وقال الأوزاعي في ذهب المعدن وفضته الخمس ولا شيء غيرهما

وقال مالك وأصحابه لا شيء فيما يخرج من المعادن من ذهب أو فضة حتى يكون عشرين مثقالا ذهبا أو خمس أواقي فضة وإذا بلغتا هذا المقدار وجب فيهما الزكاة وما زاد فبحساب ذلك ما دام في المعدن نيل فإن انقطع ثم جاء بعد ذلك نيل آخر فإنه يبتدئ فيه الزكاة مكانه والمعدن عندهم بمنزلة الزرع تؤخذ منه الزكاة في حينه ولا ينتظر به حولا فإن انقطع عمله ولم يكمل فيما خرج بذلك العمل نصاب ثم ابتدأ العمل لم يضم ما خرج إلى ما حصل بالعمل الأول كزرع ابتدئ حصاده قال وإن وجد الذهب والفضة في المعدن من غير كثير عمل كالبدرة وشبهها فهو بمنزلة الركاز وفيه الخمس قال مالك وما وجد في المعدن بغير عمل فهو ركاز فيه الخمس وقد مضى ذكر زكاة المعدن خاصة في باب ربيعة وهذا كله تحصيل مذهب مالك عند جماعة أصحابه وروى ابن سحنون عن أبيه عن ابن نافع عن مالك في البدرة تخرج من المعدن أن فيها الزكاة وإنما الخمس في الركاز وهو دفن الجاهلية

قال مالك ولا شيء فيما يخرج من المعادن من غير الذهب والفضة والمعادن في أرض العرب والعجم وقال في المعدن في أرض الصلح إذا ظهر فيها فهو لأهلها ولهم أن يمنعوا الناس من العمل فيها وأن يأذنوا لهم ولهم ما يصالحون عليه من خمس أو غيره قال مالك وما فتح عنوة فهو إلى السلطان يفعل فيه ما يشاء وقال سحنون في رجل له معادن أنه لا يضم ما في واحد منها إلى غيرها ولا يزكى إلا عن مأتي درهم أو عشرين دينارا في كل واحد وقال محمد بن مسلمة يضم بعضها إلى بعض ويزكى الجميع كالزرع وذكر المزني عن الشافعي قال وأما الذي أنا واقف فيه فما يخرج من المعادن قال المزني الأولى به على أصله أن يكون ما يخرج من المعدن فائدة تزكى لحوله بعد إخراجه قال وقال الشافعي ليس في شيء أخرجته المعادن زكاة غير الذهب والورق وقال عنه الربيع في البويطي ومن أصاب من معدن ذهبا أو ورقا فقد قيل هو كالفائدة يستقبل بها الحول وقيل إذا بلغ ما تجب فيه الزكاة زكاه مكانه وقال الليث بن سعد ما يخرج من المعادن من الذهب والفضة فهو بمنزلة الفائدة تستأنف به حولا ولا تجري فيه الزكاة إلا مع مرور الحول وهو قول الشافعي فيما حصله المزني من مذهبه وقول داود وأصحابه

قال داود وما خرج من المعادن فليس بركاز إنما الركاز دفن الجاهلية وفيه الخمس لغير الواجد وما يخرج من المعادن فهو فائدة إذا حال عليها الحول عند مالك صحيح الملك وجبت فيها الزكاة في الفضة والذهب على مقداريهما وحجة مالك في إيجابه الزكاة في المعادن حديث ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن النبي " أقطع بلال بن الحارث المزني المعادن القبلية" فتلك المعادن لا يؤخذ منها إلى اليوم إلا الزكاة وهذا حديث منقطع الإسناد لا يحتج بمثله أهل الحديث ولكنه عمل يعمل به عندهم في المدينة واحتج الشافعي بحديث عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري أن النبي أعطى قوما من المؤلفة قلوبهم ذهبة في تربتها بعثها علي من اليمن قال والمؤلفة إنما حقهم في الزكوات فتبين بهذا أن المعادن سنتها سنة الزكاة حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو الأحوص عن سعيد بن مسروق عن عبد الرحمن بن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري أن علي بن أبي طالب بعث بذهبة في تربتها إلى رسول الله فقسمها بين أربعة نفر الأقرع بن حابس الحنظلي وعيينة بن بدر الفزاري وعلقمة بن علاثة العامري ثم أحد بني كلاب وزيد الطائي أحد بني نبهان

وحدثنا سعيد قال حدثنا قاسم قال وحدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن عمارة بن القعقاع عن ابن أبي نعم عن أبي سعيد الخدري قال بعث علي من اليمن إلى رسول الله بذهبة في أدم مقروظ ولم تحصل من تربتها فقسمها رسول الله بين أربعة نفر بين زيد الخير والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن وابن علاثة أو عامر بن الطفيل وذكر الحديث وقال الطحاوي قد أعطى رسول الله هؤلاء من غنائم خيبر وهم المؤلفة قال وعلي أن عليا لم يكن على الصدقة لأن رسول الله لم يكن يستعمل على الصدقة أحدا من بني هاشم

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال سمعناه من داود بن شابور ويعقوب بن عطاء عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله في كنز وجده رجل "إن كنت وجدته في قرية مسكونة أو في سبيل ميتاء فعرفه وإن كنت وجدته في قرية جاهلية أو في قرية غير مسكونة أو في غير سبيل ميتاء ففيه وفي الركاز الخمس" حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم قال حدثنا أبو يحيى بن أبي مسرة قال حدثنا مطرف قال حدثنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال: " في الركاز الخمس"

حديث ثالث لابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة مرسل يتصل من وجوه[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف "أن رسول الله قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود بينهم فلا شفعة فيه"

هكذا روى هذا الحديث عن مالك أكثر الرواة للموطأ وغيره مرسلا إلا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون وأبا عاصم النبيل ويحيى بن إبراهيم بن داود بن أبي قبيلة المدني وأبا يوسف القاضي وسعيدا الزبيري فإنهم رووه عن مالك بهذا الإسناد متصلا عن أبي هريرة مسندا واختلف فيه عن ابن وهب عن مالك فروي عنه مرسلا كما في الموطأ وروي عنه مسندا كرواية ابن الماجشون ومن تابعه وكذلك اختلف فيه عن مطرف عن مالك سواء

ورواه عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة ولم يذكر أبا سلمة والقدامي ضعيف منكر الحديث فأما رواية ابن الماجشون لهذا الحديث فأخبرنا خلف بن قاسم الحافظ وأحمد بن فتح قالا حدثنا أحمد بن الحسن بن عتبة الرازي قال حدثنا أبو بكر محمد بن أصبغ بن مليح المرادي قال حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود بن حماد المهري قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون قال أخبرني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة زاد ابن قاسم فيه

وذكره أبو الحسن علي بن عمر الحافظ قال حدثنا أبو بكر النيسابوري قال حدثنا سعد بن عبد الله بن الحكم وإسماعيل بن إسحاق بن سهل قال علي وثنا محمد بن مخلد قال حدثنا أحمد بن منصور بن راشد المروزي قال علي وثنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار قال حدثنا أبو داود السجستاني قال حدثنا سليمان بن داود المهري قال وحدثنا محمد بن مخلد حدثنا الحسن بن شيبب حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود بن أخي رشدين ومحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البرقي قالوا كلهم حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله "قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة فيه"

وحدثني عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا يحيى ابن أيوب بن بادي العلاف قال حدثنا أبو الربيع سليمان بن داود قال حدثنا عبد الملك عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله : "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"

وحدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا مالك بن عيسى القفصي الحافظ قال حدثنا سعيد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي فذكره

وحدثنا خلف حدثنا عبد الملك بن محمد العقيلي حدثنا العباس بن محمد البصري حدثنا أبو الربيع سليمان بن أخي رشدين بن سعد حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون حدثنا مالك فذكر بإسناده مثله وحدثنا خلف قال حدثنا عبد الله بن عمر بن إسحاق حدثنا أحمد بن الحجاج وحدثنا خلف حدثنا الحسن بن الخضر حدثنا أحمد بن شعيب قالا حدثنا سليمان بن داود حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون حدثنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله مثله سواء

وأما رواية أبي عاصم فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبيد قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا علي بن عبد الله المديني قال حدثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"

قال إسماعيل بن إسحاق قال علي بن المديني قلت لأبي عاصم من أين سمعت هذا من مالك يعني حديث الشفعة مسندا فقال سمعت منه بمني أيام أبي جعفر وقال علي بن عمر حدثنا عثمان بن أحمد وأبو سهل بن زياد وأبو بكر الشافعي قالوا حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا علي بن نصر قالوا لأبي عاصم أن الناس يخالفونك في مالك في حديث الشفعة فلا يذكرون فيه أبا هريرة فقال أبو عاصم هاتوا من سمعه من مالك في الوقت الذي سمعته أنا فيه إنما كان قدم علينا أبو جعفر مكة فاجتمع الناس إليه وسألوه أن يأمر مالكا أن يحدثهم فأمره فسمعته من مالك في ذلك الوقت قال علي بن نصر وهذا في حياة ابن جريج لأن أبا عاصم خرج من مكة إلى البصرة حين مات ابن جريج ولم يعد وقد كان أبو عاصم يتهيب إسناد هذا الحديث حتى بلغته رواية ابن إسحاق له عن الزهري فرجع إلى الحديث به

قال إسماعيل حدثناه علي بن المديني قال حدثنا يحيى بن آدم قال حدثنا عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي قال "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"

وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا مالك بن عيسى قال حدثنا إبراهيم بن مرزوق ويزيد بن سنان قالا حدثنا أبو عاصم عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة زاد يزيد بن سنان

قال أبو عاصم ثم لقيت مالكا بعد ثلاث سنين فحدثناه فلم يذكر أبا سلمة ولم يذكر أبا هريرة وجعله عن سعيد أن رسول الله

وأخبرنا محمد بن عمروس حدثنا علي بن عمر الحافظ حدثنا أبو بكر حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري حدثنا يزيد بن سنان وبكار بن قتيبة وأبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم ومحمد بن إسحاق الصاغاني قالوا حدثنا أبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة أن النبي " قضى بالشفعة فيما لم تقع الحدود فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"

ورواه أبو قلابة الرقاشي وعبد الدوري ومحمد بن العوام الزيادي ومحمد بن سنان القزاز كلهم عن أبي عاصم بإسناده ومعناه ولفظ أبي قلابة قضى رسول الله بالشفعة فيما لم يقسم فإذا حدت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ورواه إبراهيم ابن هاني عن أبي عاصم عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن النبي مسندا قال علي بن عمر

وحدثنا أبو علي الصفار حدثنا أبو داود السجستاني قال سمعت أبا جعفر الدارمي أحمد بن سعيد قال قال أبو عاصم هكذا حدثنا به مالك سنة ست وأربعين كأنه يقول عن سعيد مرسل وعن أبي سلمة عن أبي هريرة وأما رواية يحيى بن أبي قتيلة فحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو بكر عبيد بن محمد العمري بمصر قال حدثني أبو إبراهيم يحيى بن أبي قتيلة المدني عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"

وحدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا أحمد بن الحسن الرازي قال حدثنا أبو بكر عبيد الله بن محمد بن عبد العزيز العمري القاضي إملاء قال حدثنا أبو إبراهيم يحيى بن أبي قتيلة المدني قال حدثنا مالك بن أنس عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله فذكره

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد وأحمد بن الحسن بن إسحاق قالا حدثنا عبيد الله بن محمد العمري قال حدثنا أبو إبراهيم يحيى بن أبي قتيلة المدني عن مالك بن أنس عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"

وأخبرنا محمد حدثنا علي بن عمر حدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا أبو إسماعيل الترمذي قال حدثنا يحيى بن أبي قتيلة حدثنا مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة قال:قال رسول الله : "الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"

وأما رواية ابن وهب على الاتصال فحدثنا خلف بن القاسم وأحمد بن فتح قالا حدثنا أبو أحمد عبدا لله بن محمد بن ناصح المفسر قال حدثنا أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل الكوفي قال حدثنا يونس بن عبد الأعلى قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد ين المسيب وأبي سلمة ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله " قضى بالشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة" وقد ذكر الطحاوي أن قتيبة المهري رواه عن مالك كما رواه ابن الماجشون وأبو عاصم والله أعلم وذكر الدار قطني من رواية أبي يوسف القاضي ومطرف بن عبد الله المدني وابن وهب وسعيد بن داود الزبيري بالأسانيد عنهم عن مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي .

قال أبو عمر:وأما سائر أصحاب ابن شهاب غير مالك فإنهم اختلفوا فيه عليه أيضا فرواه عنه محمد بن إسحاق كما ذكرنا عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي لم يذكر أبا سلمة ورواه ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب مرسلا لم يذكر أبا سلمة وجعله مرسلا عن سعيد ورواه ابن جريج عن ابن شهاب عن أبي سلمة أو عن سعيد بن المسيب أو عنهما جميعا عن أبي هريرة قال قال رسول الله "إذا قسمت الأرض أو حدت فلا شفعة"

هكذا ذكره محمد بن يحيى عن حسن بن الربيع عن ابن إدريس عن ابن جريج ولم يروه عبد الرزاق عن ابن جريج ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال إنما جعل رسول الله " الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة" لم يذكر سعيدا وجعله عن جابر هكذا

رواه عبد الرزاق ومحمد بن ثور وهشام بن يوسف عن معمر أخبرنا خلف بن القاسم قال حدثنا أبو الميمون البجلي بدمشق قال حدثنا أبو زرعة قال قال لي أحمد بن حنبل رواية معمر عن الزهري في حديث الشفعة حسنة قال وقال لي يحيى بن معين رواية مالك أحب إلي وأصح في نفسي مرسلا عن سعيد وأبي سلمة.

قال أبو عمر:كان ابن شهاب رحمه الله أكثر الناس بحثا على هذا الشأن فكان ربما اجتمع له في الحديث جماعة فحدث به مرة عنهم ومرة عن أحدهم ومرة عن بعضهم على قدر نشاطه في حين حديثه وربما أدخل حديث بعضهم في حديث بعض كما صنع في حديث الإفك وغيره وربما لحقه الكسل فلم يسنده وربما انشرح فوصل وأسند على حسب ما تأتي به المذاكرة فلهذا اختلف أصحابه عليه اختلافا كبيرا في أحاديثه ويبين لك ما قلنا روايته لحديث ذي اليدين رواه عنه جماعة فمرة يذكر فيه واحدا ومرة اثنين ومرة جماعة ومرة جماعة غيرها ومرة يصل ومرة يقطع وحديثه هذا في الشفعة حديث صحيح معروف عند أهل العلم مستعمل عند جميعهم لا أعلم بينهم في ذلك اختلافا كل فرقة من علماء الأمة يوجبون الشفعة للشريك في المشاع من الأصول الثابتة التي يمكن فيها صرف الحدود وتطريق الطرق.

وأوجبت طائفة الشفعة للجار الملاصق لقوله في حديث أبي رافع "الجار أحق بصقبه" وهو حديث يرويه ابن ميسرة عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع عن النبي وهذا لفظ مشكل ليس فيه تصريح بالشفعة والصقب القرب وهو حديث قد اختلف في إسناده وفي معناه ولم يثبت فيه شيء

أخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن عثمان قال حدثنا سعيد بن عثمان وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثني أبي قال حدثنا محمد بن قاسم قال حدثنا مالك بن عيسى القفصي قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا أبو نعيم قال حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن قال أحمد بن صالح هو حجازي ثقة وهو أبو يعلى بن كعب قال سمعت عمرو بن الشريد يحدث عن الشريد أن رسول الله قال: "المرء أحق بصقبه" قلت لعمرو وما صقبه قال الشفعة قلت من الناس من يقول الجوار قال إن الناس ليقولون ذلك

أخبرنا عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال إنما جعل رسول الله الشفعة في كل شريك ربع أو حائط

وذكر الحديث قال وحدثنا محمد بن يحيى بن فارس ثنا حسين بن الربيع حدثنا ابن إدريس عن ابن جريج عن ابن شهاب عن أبي سلمة أو عن سعيد بن المسيب أو عنهما جميعا عن أبي هريرة قال قال رسول الله إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة فيها وأوجب آخرون الشفعة بالطريق إذا كان طريقهما واحدا لحديث يروونه عن جابر عن النبي بذلك قال: "الجار أحق بشفعته" ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحد

وهذا الحديث يرويه عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر قال: قال رسول الله : "الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدة"

حدثناه عبد الله بن محمد حدثنا محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا هشيم أنبأنا عبد الملك عن عطاء عن جابر بن عبد الله فذكره ويحتمل أن يكون الجار المذكور في هذا الحديث هو الشريك في المشاع والعرب قد تسمي الشريك جارا والزوجة جارة وإذا حمل على هذا لم تتعارض الأحاديث على أني أقول إن حديث عبد الملك هذا في ذكر الطريق قد أنكره يحيى القطان وغيره وقالوا لو جاء بآخر مثله ترك حديثه وليس عبد الملك هذا مما يعارض به أبو سلمة وأبو الزبير وفيما ذكرنا من روايتهما عن جابر ما يدفع رواية عبد الملك هذه وإيجاب الشفعة إيجاب حكم والحكم إنما يجب بدليل لا معارض له وليس في الشفعة أصل لا اعتراض فيه ولا خلاف إلا في الشريك المشاع فقف عليه وفي قول جابر بن عبد الله إنما جعل رسول الله الشفعة في كل شرك ربع أو حائط ما ينفي الشفعة في غير المشاع من العقار

وفي قوله " إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة" ما ينفي شفعة الجار وبالله التوفيق

وقد أوجب قوم الشفعة في كل شيء من الحيوان أو غيره وسائر المشاع من الأصول وغيرها وهي طائفة من المكيين ورووا في ذلك حديثا من أحاديث الشيوخ التي لا أصل لها ولا يلتفت إليها لضعفها ونكارتها وأبى أكثر فقهاء الحجاز من الشفعة في شيء من ذلك كله إلا أن يكون أصلا مشاعا يحتمل القسمة وتصلح فيه الحدود لحديث ابن شهاب هذا لأنه ينفي الشفعة في كل مقسوم بقوله "فإذا وقعت الحدود فلا شفعة"

وهو مذهب عمر وعثمان وعمر بن عبد العزيز وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب قال "إذا قسمت الأرض وحدت فلا شفعة" فيها قال وأخبرنا مالك عن محمد بن عمارة عن أبي بكر بن حزم أن عثمان بن عفان قال إذا وقعت الحدود فلا شفعة فيها قال وأخبرنا معمر والثوري عن إبراهيم بن ميسرة عن عمر بن عبد العزيز قال إذا ضربت الحدود فلا شفعة فيها قال وأخبرنا ابن عيينة عن إبراهيم بن ميسرة قال قلت لطاووس إن عمر بن عبد العزيز كتب إذا ضربت الحدود فلا شفعة قال طاووس الجار أحق.

قال أبو عمر:إذا لم تجب الشفعة للشريك إذا قسم وضرب الحدود كان الجار الملاصق لم يقسم ولا ضرب الحدود أبعد من أن يجب ذلك له فالشفعة واجبة بهذا الحديث في كل أصل مشاع من ربع أو أرض أو نخل أو شجر تمكن فيه القسمة والحدود وهذا في الشريك في المشاع دون غيره إجماع من العلماء وفي قضاء رسول الله بالشفعة في المشاع بعد تمام البيع دليل على جواز بيع المشاع وإن لم يتغير! إذا علم السهم والجزء والدليل على صحة تمام البيع في المشاع أن العهدة إنما تجب على المبتاع وفي قوله "الشفعة فيما لم يقسم" دليل على أن مالا يقسم ولا يضرب فيه حدود لا شفعة فيه وهذا ينفي الشفعة أيضا في الحيوان وغيره مما لا يقسم ويوجبها في الأصل الثابت في الأرض المشاع دون ما عداه فإن قيل إن الأحاديث الموجبة للشفعة للجار

وغيره فيها زيادة حكم على حديث ابن شهاب هذا فيجب المصير إليها قيل له قد عارضها حديث ابن شهاب لأنه ينفي الشفعة بقوله "الشفعة في كل شرك لم يقسم" فأوجب الشفعة في المشاع وأبطلها في المقسوم وإذا حصلت الآثار في هذا الباب متعارضة متدافعة سقطت عند النظر ووجب الرجوع إلى الأصول وأصول السنن كلها والكتاب يشهد أنه لا يحل إخراج ملك من يد قد ملكته ملكا صحيحا إلا بحجة لا معارض لها والمشتري شراء صحيحا قد ملك ملكا تما فكيف يؤخذ ماله بغير طيب نفس منه دون حجة قاطعة يجب التسليم لها؟

وهذا الذي احتججنا له كله قول مالك وأهل المدينة والشافعي وأصحابه وعامة أهل الأثر إلا أن أصحاب مالك اختلفوا في الشفعة في الثمرة إذا بيعت حصة منها دون الأصل فأوجب الشفعة للشريك فيها ابن وهب وابن القاسم وأشهب ورووه عن مالك وقال المغيرة وعبد الملك بن الماجشون وابن أبي حازم وابن دينار لا شفعة فيها ورووه عن مالك أيضا وهو قول أكثر أهل المدينة

وهو مذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وداود بن علي وأهل النظر والأثر وهو الصحيح عندي وبالله التوفيق وقد حكى ابن القاسم عن مالك أنه قال ما أعلم أحدا قبلي أوجب الشفعة في الثمرة وحسبك بهذا ولا خلاف عن مالك وأصحابه أنهم لا يوجبون الشفعة في الثمرة إذا بيعت مع الأصل واشترطها مشتريها وهو قول جمهور الفقهاء لأنها تبع للأصل فكأنها شيء منه إذا بيعت معه وقد أبطل ابن القاسم الشفعة في الأرض دون الرحى وخالفه أشهب وابن وهب فأوجبا الشفعة في الرحى مع الأرض ومعلوم أن الرحى مع أرضها أثبت وأشبه بالأصول التي وردت الشفعة في مثلها من الثمرة المبيعة دون أصلها ومن الثمرة المبيعة مع الأصل التي لا تدخل في الصفقة إلا باشتراط كسائر العروض المباينة وبقول أشهب وابن وهب يقول سحنون في الشفعة في الرحى

واختلف قول مالك وأصحابه في الشفعة في الحمام وأوجبها بعضهم ونفاها بعضهم وكذلك اختلف أصحاب مالك أيضا في الشفعة في الكراء وفي المساقاة واختلف في ذلك قول مالك أيضا وحديث النبي المذكور في هذا الباب ينفي الشفعة في كل مالا يقع فيه الحدود من المشاع والقول به نجاة لمن اتبعه وبالله التوفيق والرشاد وقال محمد بن عبد الحكم لا شفعة إلا في الأرضين والنخل والشجر ولا شفعة في ثمرة ولا كتابة مكاتب ولا في دين وإنما الشفعة في الأصول والأرضين خاصة وهو قول الشافعي وجمهور العلماء وقد قال مالك لا شفعة في عين إلا أن يكون لها بياض ولا في بئر ولا في عرصة دار ولا فحل نخل وقال محمد بن عبد الحكم الشفعة في ذلك لأنه من الأصول

قال أبو عمر:هذه الأشياء عند من أوجب الشفعة فيها من جنس الأصول التي قصدت بإيجاب الشفعة فيها قال وجرى ذكر الحدود في ذلك لأنه الأغلب فيها وما لا تأخذه الحدود منها فتبع لها حكمه حكمها ومن لم يوجب الشفعة في البئر والعين التي قد قسم البياض الذي يسقى منها ثم نبعت العين بعد ذلك وفي فحل النخل فمن حجته أن ذلك ليس مما تأخذه الحدود إلا أنه يدخل على قائل هذه المقالة تناقض في إيجابه الشفعة في الثمرة والكراء وتناقض آخر في نفي الشفعة عن عرصة الدار ولهذه المسائل وجوه يدخل عليها الاعتراضات يطول الكتاب بذكرها

واختلف أصحاب مالك أيضا في الرجل يبيع دينا له على رجل هل يكون المديان أحق به أم لا ورويت بإجازة ذلك آثار عن بعض السلف من أهل المدينة أن الذي عليه الدين أحق به وهذا عندي ليس من باب الشفعة في شيء وإنما هو من باب لا ضرر ولا ضرار وإن كان المشتري كالبائع في حسن التقاضي والبعد من الأذى والجور فلا قول للمدين في ذلك وإلى هذا ذهب إسماعيل بن إسحاق وهو الصحيح في النظر وذكر الشفعة في الدين مجاز لأنه محال أن تجب الشفعة فيما لا يقسم من الأصول الثابتة عند جمهور علماء المسلمين والأصل في هذا الباب حديث ابن شهاب المذكور وهو ينفي الشفعة في كل ما لا يجوز فيه القسمة بضرب الحدود من الأصول وما كان في معنى ما يضرب فيه الحدود من الأصول والله أعلم

وفيه أيضا دليل على أن الشفعة تجب لكل شريك في مشاع من الأصول واختلف أصحاب مالك في دخول العصبات على أصحاب السهام في الشفعة مثل رجل توفي وترك بنات وعصبة فباع أحد البنات حصتها من الربع الموروث فالمشهور من مذهب مالك وابن القاسم أن الشفعة تجب في نصيبها من ذلك لأخواتها دون العصبات ولا يدخل العصبة على أهل السهام في شفعتهم بينهم ولو باع أحد العصبة حصته من ذلك دخل البنات مع من بقي من العصبة في الشفعة وقال أشهب لا يدخل هؤلاء على هؤلاء ولا هؤلاء على هؤلاء

وقال المغيرة وابن دينار يدخل هؤلاء على هؤلاء وهو قول الشافعي لأن العلة في ذلك الشركة ودخول الضرر في الأغلب وليس للقرابة في ذلك معنى عندهم ومسائل الشفعة وفروعها كثيرة جدا لا يصلح بنا إيرادها في هذا الكتاب والله الموفق للصواب لا شريك له.

حديث رابع لابن شهاب عن سعيد وأبي سلمة مرسل يتصل من وجوه[عدل]

وقد ذكرناها فيما سلف من هذا الكتاب

مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن مثل ذلك يعني مثل رواية ابن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة في حديث ذي اليدين وسنذكر حديثه عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة في بابه من هذا الكتاب ونذكر هناك من رواته وطرقه عن ابن شهاب خاصة ما حضرنا ولم يسند هذا الحديث فيما علمت أحد من الرواة عن مالك إلا عبد الحميد بن سليمان أخو فليح بن سليمان فإنه رواه عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي حدثناه محمد بن عمروس حدثنا علي بن عمر بن أحمد الحافظ حدثنا أبو بكر الشافعي محمد بن عبد الله بن إبراهيم وأبو محمد الحسن بن أحمد بن صالح قالا حدثنا جعفر بن أحمد بن مروان الوزان بحلب والحسين بن عبد الله بن يزيد القطان بالرقة قالا حدثنا محمد بن عبد الله بن سابور قال حدثنا عبد الحميد بن سليمان أخو فليح عن مالك بن أنس عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى إحدى صلاتي النهار فسلم في ركعتين قال له ذو اليدين يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت فقال له رسول الله "كل ذلك لم يكن" "قال أصدق ذو اليدين" قالوا نعم فتقدم فصلى بهم رسول الله ثم سجد بعد التسليم وهو جالس"

قال أبو الحسن تفرد به عبد الحميد بن سليمان عن مالك مسندا ورواه أصحاب الموطأ عن مالك عن الزهري عن سعيد وأبي سلمة وأبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن النبي لم يذكروا أبا هريرة.

قال أبو عمر:وأما معاني حديث ذي اليدين فقد تقدم ذكرها مستوعبة مستقصاة والحمد لله في باب أيوب السختياني فأغنى ذلك عن إعادته هاهنا.

باب ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن[عدل]

وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي أحد فقهاء المدينة الجلة الثقات الأثبات وقد ذكرنا نسب أبيه في كتاب الصحابة واختلف في اسم أبي سلمة هذا فقيل اسمه عبد الله وقيل اسمه كنيته ذكر البخاري قال قال لي ابن أبي أويس عن مالك أبو سلمة اسمه كنيته وكذلك قال أبو نعيم الفضل بن دكين اسم أبي سلمة كنيته وقال محمد بن سعد كاتب الواقدي اسم أبي سلمة بن عبد الرحمن عبد الله وذكر الزبير في بني عبد الرحمن بن عوف عبد الله الأكبر قال أمه من بني عبد الأشهل قال وقتل عبد الله وعروة وسالم الأصغر بنو عبد الرحمن بن عوف بأفريقية قال وعبد الله الأكبر هو أبو عثمان بن عبد الرحمن بن عوف قال وسالم الأكبر مات قبل الإسلام قال وعبد الله الأصغر أبو سلمة الفقيه روى عنه الناس وأمه تماضر بنت الأصبغ الكلبية وقد ذكرنا في كتاب الصحابة في باب عبد الرحمن بن عوف بنيه وأمهاتهم وذكر العقيلي عن شيوخه عن عمرو بن هرون قال كان اسم أبي سلمة بن عبد الرحمن عبد الله بن عبد الرحمن

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قراءة منى عليه أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا أحمد بن زهير قال وجدت في كتاب علي بن المديني بخطه قال يحيى بن سعيد فقهاء أهل المدينة عشرة قلت ليحيى عدهم قال سعيد وأبو سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وسالم بن عبد الله وعروة بن الزبير وسليمان بن يسار وعبيد الله بن عبد الله وقبيصة بن ذؤيب وأبان بن عثمان وسقط من الكتاب العاشر

قال أبو عمر:العاشر خارجة بن زيد بن ثابت أو أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا المثنى بن معاذ قال حدثني أبي قال حدثنا شعبة عن أبي إسحاق قال أبو سلمة في زمانه خير من ابن عمر في زمانه

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا الصلت بن مسعود قال حدثنا ابن عيينة عن مجالد عن الشعبي قال قدم أبو سلمة الكوفة فكان يمشي بيني وبين رجل فسئل من أعلم من بقي فتمنع ساعة ثم قال رجل بينكما وذكر المدايني عن ابن شهاب عن إسماعيل بن أبي خالد قال قدم أبو سلمة الكوفة فكان يمشي بيني وبين الشعبي فذكر مثله وذكر عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال كان أبو سلمة يماري ابن عباس فحرم بذلك علما كثيرا ذكره الحسن بن علي الحلواني عن عبد الرزاق

وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا مؤمل بن يهاب قال حدثنا عبد الرزاق فذكره وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا محمد بن عبيد الكشوري قال حدثنا محمد بن يوسف الحراني أنبأنا عبد الرزاق عن الزهري قال أدركت بحورا أربعة سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعبيد الله بن عبد الله وأبا سلمة بن عبد الرحمن قال الزهري وكان أبو سلمة يماري ابن عباس فحرم علما كثيرا وروى حماد بن زيد عن معمر عن الزهري قال كان أبو سلمة يسأل ابن عباس فكان يخزن عنه

حدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم قال حدثنا أحمد بن زهير قال سمعت مصعب بن عبد الله يقول أم أبي سلمة بن عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ بن عمرو بن ثعلبة بن حصن بن ضمضم بن عدي بن كلب وهي أول كلبية تزوجها قرشي "كان رسول الله بعث عبد الرحمن إلى كلب وأمره أن يتزوج ابنة سيدهم" قال وأرضعت أم كلثوم بنت أبي بكر أبا سلمة فكان يتولج على عائشة

قال أبو عمر:كان أبو سلمة رجلا جميلا يخضب بالوسمة توفي سنة أربع وتسعين وفيها مات عروة وعلي بن حسين وأبو بكر بن عبد الرحمن وسعيد بن المسيب في قول بعضهم وتعرف بسنة الفقهاء وقد قيل أن أبا سلمة توفي في سنة أربع ومائة وهو ابن اثنين وسبعين سمع أبا هريرة وعائشة وابن عمر وجابر بن عبد الله وجماعة من الصحابة واختلف في سماعه من أبيه فذكر ابن لهيعة عن جعفر بن ربيعة عن أبي سلمة قال رأيت أبي يصلي أربع ركعات قبل الظهر وروى النضر بن شيبان عن أبي سلمة قال سمعت أبي فذكر حديثا في الصيام وقال يحيى بن معين لم يسمع أبو سلمة من أبيه ولا من طلحة بن عبيد الله وضعف حديث النضر بن شيبان

قال أبو عمر:توفي أبوه سنة ثنتين وثلاثين قبل وفاة عثمان بأربع سنين أو نحوها لمالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة ثمانية أحاديث متصلة مسندة كلها في الموطأ شركه فيها أبو عبد الله الأغر في حديث واحد

حديث أول لابن شهاب عن أبي سلمة[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله قال "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"

قال أبو عمر:لا أعلم اختلافا في إسناد هذا الحديث ولا في لفظه عند رواة الموطأ عن مالك وكذلك رواه سائر أصحاب ابن شهاب إلا أن ابن عيينة رواه عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدرك" لم يقل الصلاة والمعنى المراد في ذلك واحد وقد روى نافع بن زيد عن ابن الهاد عن عبد الوهاب بن أبي بكر عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله قال "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وفضلها"

وهذه لفظة لم يقلها أحد عن ابن شهاب غير عبد الوهاب هذا وليس بحجة على من خالفه فيها من أصحاب ابن شهاب على أن الليث بن سعد قد روى هذا الحديث عن ابن الهاد عن ابن شهاب لم يذكر في إسناده عبد الوهاب ولا جاء بهذه اللفظة أعني قوله وفضلها وقد روى عمار بن مطر عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ووقتها" وهذا لم يقله عن مالك غير عمار بن مطر وليس ممن يحتج به فيما خولف فيه

وقد أخبرنا محمد بن عمروس ثنا علي بن عمر الحافظ حدثنا إبرهم بن حماد حدثنا يعقوب بن إسحاق القلزمي حدثنا أبو علي الحنفي حدثنا مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الفضل" لم يقله غير الحنفي عن مالك والله أعلم ولم يتابع عليه وهو أبو علي عبيد الله بن عبد المجيد الحنفي وسنذكر ما للفقهاء في هذا المعنى بعون الله إن شاء الله وقد روى هذا الحديث عن مالك حماد بن زيد حدثنا أحمد بن فتح قال حدثنا أحمد بن الحسن الرازي قال حدثنا أبو شعيب صالح بن شعيب بن زياد البصري قال حدثنا إبراهيم بن الحجاج الشامي حدثنا حماد بن زيد عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"

وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو العباس أحمد بن الحسن بن إسحاق بن عتبة حدثنا أبو شعيب صالح بن شعيب بن أبان الزاهد في شوال سنة إحدى وثمانين ومائتين قال حدثنا إبراهيم بن الحجاج الشامي حدثنا حماد بن زيد عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" هذا هو الصحيح عن حماد بن زيد عن مالك ومن قال فيه عن حماد عن مالك بهذا الإسناد من أدرك ركعة من الصبح الحديث فقد أخطأ

قال أبو عمر:أما قوله في هذا الحديث فقد أدرك الصلاة فإنه قد اختلف في معناه فقالت طائفة من أهل العلم أراد بقوله ذلك أنه أدرك وقتها حكى أبو عبد الله أحمد بن محمد بن سعد الداودي في كتابه الموجز عن داود بن علي وأصحابه قالوا إذا أدرك الرجل من الظهر أو العصر ركعة وقام يصلي الثلاث ركعات فقد أدرك الوقت في جماعة وثوابه على الله عز وجل.

قال أبو عمر:هؤلاء قوم جعلوا قول رسول الله "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" في معنى قوله عليه السلام "من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ومن أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح" فليس كما ظنوا لأنهما حديثان لكل واحد منهما معنى وقد ذكرنا كلا في موضعه من كتابنا هذا والحمد لله وقال آخرون من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فضل الجماعة لأن صلاته صلاة جماعة في فضلها وحكمها واستدلوا من أصولهم على ذلك بأنه لا يعيد في جماعة من أدرك ركعة من صلاة الجماعة وقال آخرون معنى هذا الحديث أن مدرك ركعة من الصلاة مدرك لحكمها وهو كمن أدرك جميعها فيما يفوته من سهو الإمام وسجوده لسهوه ولو أدرك الركعة مسافر من صلاة مقيم لزمه حكم صلاة المقيم وكان عليه الإتمام ونحو هذا من حكم الصلاة

قال أبو عمر:ظاهر قوله "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" يوجب الإدراك التام للوقت والحكم والفضل إن شاء الله إذا صلى تمام الصلاة ألا ترى أن من أدرك الإمام راكعا فدخل معه وركع قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركعة أنه مدرك عند الجمهور حكم الركعة وأنه كمن ركعها من أول الإحرام مع إمامه فكذلك مدرك ركعة من الصلاة مدرك لها وقد أجمع علماء المسلمين أن من أدرك ركعة من صلاة من صلاته لا تجزئه ولا تغنيه عن إتمامها وقال رسول الله "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"

وهذا نص يكفي ويشفي فدل إجماعهم في ذلك على أن هذا الحديث ليس على ظاهره وأن فيه مضمرا بينه الإجماع والتوقيف وهو إتمام الصلاة وإكمالها فكأنه قال من أدرك ركعة من الصلاة مع إمامه ثم قام بعد سلام إمامه وأتم صلاته وحده على حكمها فقد أدركها كأنه قد صلاها مع الإمام من أولها هذا تقدير قوله ذلك بما ذكرنا من الإجماع وحديث النبي وإذا كان ذلك كذلك فغير ممتنع أن يكون مدركا لفضلها وحكمها ووقتها فالذي عليه مدار هذا الحديث وفقهه أن مدرك ركعة من الصلاة مدرك لحكمها في السهو وغيره وأما الفضل فلا يدرك بقياس ولا نظر لأن الفضائل لا تقاس فرب جماعة أفضل من جماعة وكم من صلاة غير متقبلة من صاحبها وإذا كانت الأعمال لا تقع المجازاة عليها إلا على قدر النيات وهذا ما لا اختلاف فيه فكيف يعرف قدر الفضل مع مغيب النيات عنا والمطلع عليهما العالم بها يجازى كلا بما يشاء لا شريك له وقد يقصد الإنسان المسجد فيقوم القوم منصرفين من الصلاة فيكتب له أجر من شهدها لصحة نيته والله أعلم

وقد روي مثل هذا عن النبي أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبد الله بن مسلمة قال حدثنا عبد العزيز يعني ابن محمد يعني ابن طحلاء عن محصن بن علي عن عوف بن الحارث عن أبي هريرة قال قال رسول الله "من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلاها أو حضرها لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا"

حدثنا أبو محمد قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعد قال حدثنا محمد بن عبد الله المعروف بابن العواف قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا عفان وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا نعيم بن حماد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا أبو عوانة قال حدثنا يعلى بن عطاء عن معبد بن هرمز عن سعيد بن المسيب قال حضر رجلا من الأنصار الموت فقال من في البيت قالوا أهلك وإخوانك وجلساؤك قال ارفعوني فأسنده ابنه ففتح عينيه فسلم على القوم فردوا عليه وقالوا خبرنا قال إني محدثكم اليوم حديثا ما حدثت به أحدا منذ سمعته من رسول الله وما أحدثكموه اليوم إلا احتسابا سمعت رسول الله يقول "من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد فصلى في جماعة لم يرفع رجله اليمنى إلا كتب له بها حسنة ولم يضع رجله اليسرى إلا حط الله عنه بها خطيئه حتى يأتي المسجد فليقرب أو ليبعد فإذا صلى بصلاة الإمام انصرف وقد غفر له فإن هو أدرك بعضها وفاته بعضها فأتم ما فاته كان كذلك فإن هو أدرك الصلاة وقد صليت فصلى صلاته وأتمها بركوعها وسجودها كان كذلك

وروى شريك عن عامر بن شقيق عن أبي وائل قال من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة قال شريك يعني فضلها وروى ابن علية عن كثير بن شنظير عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة قال إذا انتهى إلى القوم وهم قعود في آخر صلاتهم فقد دخل في التضعيف وإذا انتهى إليهم وقد سلم الإمام ولم يتفرقوا فقد دخل في التضعيف قال عطاء وكان يقول إذا خرج من بيته وهو ينويهم فأدركهم أو لم يدركهم فقد دخل في التضعيف

وقال الأثرم سمعت أحمد بن حنبل يقول إن دخل مع الإمام في التشهد فقد دخل في التضعيف وكان أبو سلمة وهو راوي الحديث يفتي بنحو هذا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد ابن عبد السلام حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة عن سعيد بن إبراهيم عن أبي سلمة قال من خرج من بيته قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك فهذا أبو سلمة يفتي بما يرى من الفضل وهو فقيه جليل روى هذا الحديث وعلم مخرجه فوجب أن لا يقطع في شيء من الفضائل فإن الله عز وجل هو المبتدئ بها والمتفضل لا شريك له إما على قدر النيات وإما لما شاء مما سبق في علمه وإذا كان منتظر الصلاة كالمصلي في الفضل ومن نوى الشيء كمن عمله في الفضائل فأي مدخل ههنا للقياس والنظر وسنزيد هذا الباب بيانا في باب محمد بن المنكدر من كتابنا هذا عند قوله "ما من امرئ يكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب الله له أجر صلاته وكان نومه صدقة عليه"

ونوضح ذلك بالأثر الصحيح إن شاء الله تعالى وأولى ما قيل به في هذا الباب من آراء الرجال قول أبي هريرة وقول أبي سلمة لروايتهما لهذا المعنى وموضعهما من العلم وظاهر هذا الحديث حجة لمن تقلده وبالله التوفيق وفي هذا الحديث من الفقه أيضا أن من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى فصلى ركعتين ومن لم يدرك منها ركعة صلى أربعا لأن في قوله "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" دليلا على أن من لم يدرك منها ركعة فلم يدركها ومن لم يدرك الجمعة صلى أربعا

وهذا موضع اختلف الفقهاء فيه فذهب مالك والشافعي وأصحابهما والثوري والحسن بن حي والأوزاعي وزفر بن الهذيل ومحمد بن الحسن في الأشهر عنه والليث بن سعد وعبد العزيز بن أبي سلمة وأحمد بن حنبل إلى أن من لم يدرك ركعة من صلاة الجمعة مع الإمام صلى أربعا وقال أحمد إذا فاته الركوع صلى أربعا وإذا أدرك ركعة صلى إليها أخرى عن غير واحد من أصحاب النبي منهم ابن مسعود وابن عمر وأنس

ذكره الأثرم عن أحمد ثم قال حدثنا أحمد حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال إذا أدرك من الجمعة ركعة صلى إليها أخرى وإذا أدركهم جلوسا صلى أربعا قال أبو عبد الله ما أغربه يعني أن هذا الحديث غريب عن ابن عمر وذكر الأثرم عن سعيد بن المسيب وإبراهيم والزهري مثله

قال أبو عمر:قد روي عن علي بن أبي طالب أيضا مثله وعن الحسن البصري وعلقمة والأسود وعروة وبه قال إسحاق وأبو ثور وقال ابن شهاب هي السنة ذكر مالك في موطئه أنه سمع ابن شهاب يقول من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فليصل أخرى قال ابن شهاب وهي السنة قال مالك وعلى ذلك أدركت أهل العلم ببلدنا وذلك أن رسول الله قال "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا عبد الله بن جعفر وعبد الله بن عمر قالا حدثنا يوسف بن يزيد حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ابن المبارك عن معمر والأوزاعي ومالك بن أنس عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال "من أدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها" قال الزهري فنرى الجمعة من الصلاة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا أحرم في الجمعة قبل سلام الإمام صلى ركعتين وروى ذلك أيضا عن إبراهيم النخعي والحكم بن عتيبة وحماد وهو قول داود واحتجوا بقول رسول الله " ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"

وقد روي "ما فاتكم فاقضوا" قالوا والذي فات ركعتان لا أربع ومن أدرك الإمام قبل سلامه فقد أدرك لأنه مأمور بالدخول معه وروي عن محمد بن الحسن القولان جميعا وروي عنه أيضا أنه قال يصلي أربعا يقعد في الثنتين الأوليين بمقدار التشهد فإن لم يفعل أمرته أن يعيد أربعا

قال أبو عمر:في قوله "ما أدركتم فصلوا" مع قول الجمهور فيمن أدرك الإمام قد رفع رأسه من آخر ركعة أنه يصلي معه السجدتين والجلوس ولا يعتد بشيء من ذلك دليل على فساد قول عبد العزيز بن أبي سلمة حيث قال إذا أدرك الإمام يوم الجمعة في التشهد قعد بغير تكبير فإذا سلم الإمام قام وكبر ودخل في صلاة نفسه قال وإن قعد مع الإمام بتكبير سلم إذا فرغ الإمام وقام فكبر للظهر وفي قوله من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة فساد قول من قال إن من فاتته الخطبة يوم الجمعة صلى أربعا لأن رسول الله لم يخص جمعة من غيرها وقد قال بأن من فاتته الخطبة صلى أربعا جماعة من التابعين منهم عطاء وطاووس ومجاهد ومكحول

وقد حدثني محمد ابن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد قال حدثنا الأوزاعي قال سألت الزهري عن رجل فاتته خطبة الإمام يوم الجمعة وأدرك الصلاة فقال حدثني أبو سلمة أن أبا هريرة قال قال رسول الله "من أدرك ركعة من صلاة فقد أدركها"

واختلف العلماء في حد إدراك الركعة مع الإمام فروي عن أبي هريرة من طريق فيه نظر أنه قال من أدرك القوم ركوعا فلا يعتد بها وهذا قول لا نعلم أحدا قال به من فقهاء الأمصار ولا من علماء التابعين وقد روى معناه عن أشهب وروى عن جماعة من التابعين أنهم قالوا إذا أحرم الداخل والناس ركوع أجزأه وإن لم يدرك الركوع وبهذا قال ابن أبي ليلى والليث بن سعد وزفر بن الهذيل قالوا إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه ركع كيف أمكنه واتبع الإمام وكان بمنزلة النائم واعتد بالركعة وقد روي عن ابن أبي ليلى والليث بن سعد وزفر بن الهذيل والحسن بن زياد أنه إذا كبر بعد رفع الإمام رأسه من الركعة قبل أن يركع اعتد بها وقال الشعبي إذا انتهيت إلى الصف المؤخر ولم يرفعوا رؤوسهم وقد رفع الإمام رأسه فركعت فقد أدركت لأن بعضهم أئمة ببعض رواه داود عن الشعبي

وقال جمهور العلماء من أدرك الإمام راكعا فكبر وركع وأمكن يديه من ركبتيه قبل أن يرفع الإمام رأسه من الركوع فقد أدرك الركعة ومن لم يدرك ذلك فقد فاتته الركعة ومن فاتته الركعة فقد فاتته السجدة لا يعتد بالسجود وعليه أن يسجد مع الإمام ولا يعتد به هذا مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابهم وهو قول الثوري والأوزاعي وأبي ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق وروي ذلك عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر وعطاء وإبراهيم النخعي وميمون بن مهران وعروة بن الزبير

ذكر ابن أبي شيبة أخبرنا حفص بن غياث عن ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال إذا جئت والإمام راكع فوضعت يديك على ركبتيك قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت وذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني نافع عن ابن عمر قال إذا أدركت الإمام راكعا فركعت قبل أن يرفع رأسه فقد أدركت وإن رفع قبل أن تركع فقد فاتتك.

وعن معمر عن الزهري عن سالم أن زيد بن ثابت وابن عمر قالا في الذي يدرك القوم ركوعا مثل ذلك أيضا قالا وإن وجدهم سجودا سجد معهم ولم يعتد بذلك وذكر مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة قال مالك وبلغني أن أبا هريرة كان يقول من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير

وذكر ابن أبي شيبة عن يحيى بن آدم قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن هبيرة عن علي رضي الله عنه قال لا يعتد بالسجود إذا لم يدرك الركوع

قال وحدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وهبيرة عن عبد الله قال إذا لم يدرك الركوع فلا يعتد بالسجود واختلف العلماء أيضا فيما يكبر من أدرك القوم مع الإمام ركوعا فقالت طائفة تجزئه تكبيرة واحدة واختلف القائلون بهذا فمنهم من قال يكبر تلك التكبيرة واقفا يحرم بها ثم ينحط ولا تجزئه إن كبرها في حال الانحطاط للركوع لأن الصلاة إنما تفتتح بالقيام لا بالركوع ومنهم من قال إن ابتدأها واقفا وانحط بها لركوعه مفتتحا لصلاته بنية التحريم أجزأه ذلك ذكر مالك عن ابن شهاب قال إذا أدرك الرجل الركعة فكبر تكبيرة واحدة أجزأت عنه تلك التكبيرة

قال مالك وذلك إذا نوى بتلك التكبيرة افتتاح الصلاة هكذا في الموطآت عن مالك وليحيى بن يحيى في الموطأ عن مالك فيمن سها عن تكبيرة الافتتاح وكبر للركوع الأول أن ذلك يجزي عنه إذا نوى بهذا الافتتاح وهذا يحتمل القولين جميعا وكذلك اختلف في ذلك المتأخرون من أصحاب مالك وتحصيل المذهب أنه إذا افتتحها قائما وانحط بها مكبرا راكعا أنها تجزيه من تكبيرة الإحرام إذا نواها بذلك وذكر ابن أبي شيبة عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر وزيد بن ثابت قالا إذا أدرك القوم ركوعا فإنه تجزيه تكبيرة واحدة وهو قول عروة وإبراهيم وعطاء والحسن وقتادة والحكم بن عتيبة وميمون وجماعة وكلهم يستحب أن يكبر تكبيرتين واحدة للإحرام وثانية للركوع فإن كبر واحدة لافتتاح الصلاة والركعة أجزأه وعلى هذا مذهب جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق وأتباعهم وقال ابن سيرين وحماد بن أبي سليمان لا يجزيه حتى يكبر تكبيرتين واحدة يفتتح بها وثانية يركع بها والقول الأول أصح من جهة النظر وقد بينا ما يجب من التكبير وما لا يجب منه في الباب الذي بعد هذا والحمد لله

ومن هذا الباب مراعاة الركعة عند مالك وجماعة معه المسافر يصلي وراء المقيم وقد اختلف العلماء فيها فقال مالك وأصحابه إذا لم يدرك المسافر من صلاة المقيم ركعة صلى ركعتين وإن أدرك مع المقيم ركعة صلى أربعا وهو قول الحسن والنخعي والزهري وقتادة وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وأبو ثور إذا دخل المسافر في صلاة المقيم صلى صلاة مقيم أربعا وإن أدركه في التشهد وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وجماعة من التابعين وفي هذه المسألة أيضا قولان آخران يردهما هذا الحديث أحدهما أن المسافر إذا أدرك ركعتين من صلاة المقيم استجزأ بهما وسلم بسلامه روي هذا عن طاووس والشعبي والآخر أن للمسافر أن ينوي خلف المقيم صلاة مسافر فإذا تشهد في الجلسة الوسطى سلم وخرج وإن أدرك المقيم جالسا صلى صلاة مسافر هذا قول إسحاق بن راهويه وهذان قولان ضعيفان شاذان والناس على القولين الأولين

ومن هذا الباب أيضا المأموم لا يدرك ركعة مع الإمام أو يدركها وقد سها الإمام قبل أن يدخل معه هذا الداخل هل عليه سجود السهو أم لا فقال مالك إذا أدرك معه ركعة لزمه أن يسجد معه لسهوه وإن لم يدرك معه ركعة لم يلزمه ذلك ومذهب مالك في ذلك أن سجدتي السهو إن كانتا قبل السلام سجدهما معه وإن كانتا بعد السلام لم يسجدهما معه وسجدهما إذا قضى باقي صلاته وهو قول الأوزاعي والليث وقال الشافعي والكوفيون وسائر الفقهاء من دخل مع الإمام في بعض سهوه لزمه ويسجد معه وعن الشافعي أنه يسجدهما بعد القضاء أيضا

قال أبو عمر:من راعى الركعة وإدراكها في هذه المسائل شهد له ظاهر قول رسول الله "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" لأن من أدرك الصلاة من أولها لزمه حكمها في كل شيء منها فقد جعل رسول الله مدرك ركعة منها كمدركها فذلك عندي على العموم والله أعلم

ومن هذا الباب عند مالك وأصحابه الرجل يدرك ركعة من صلاة الجماعة فلا يعيد تلك الصلاة في جماعة إذا أدرك منها ركعة تامة وإن لم يدرك إلا السجود أو الجلوس فله أن يعيد في جماعة ومن هذا الباب أيضا الحكم فيمن أدرك ركعة من الصلاة هل هي أول صلاته أو آخرها فاختلف العلماء في ذلك فروي عن مالك أن ما أدرك هو أول صلاته إلا أنه يقضي ما فاته بالحمد وسورة ولم يختلف قول مالك وأصحابه أن المأموم يقضي ما فاته على حسب ما قرأ إمامه وقال ابن القاسم وما أدرك فهو أول صلاته ورواه عن مالك وقول الشافعي في هذه المسألة كرواية ابن القاسم سواء ما أدرك هو أول صلاته ويقضي بالحمد لله وسورة وهو قول الأوزاعي ومحمد بن الحسن وبه قال أحمد بن حنبل والطبري وجماعة وروى ابن عبد الحكم عن مالك أن ما أدرك فهو آخر صلاته وبه قال أشهب

وهو قول أبي حنيفة والثوري وأبي يوسف والحسن بن حي وكل هؤلاء القائلين بالقولين جميعا يقولون يقضي ما فاته بالحمد وسورة على حسب ما قرأ إمامه وقد روي عن علي بن أبي طالب وأبي الدر داء وسعيد بن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومكحول وعطاء والزهري أن ما أدرك فهو أول صلاته ولم يرو عنهم في قضاء القراءة شيء منصوص وروى عن ابن عمر ومجاهد وابن سيرين أن ما أدرك فهو آخر صلاته ومن قال هذا القول فليس يجيء على أصله إلا القراءة كما قرأ الإمام لا غير وقال المزني صاحب الشافعي وداود بن علي وإسحاق بن راهويه وطائفة منهم عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون ما أدرك فهو أول صلاته ويقرأ في الركعتين اللتين يقضيهما بالحمد وحدها

قال أبو عمر:هذا الاختلاف كله إنما هو في القضاء للقراءة ولا يختلفون أن من فاته شيء من صلاته فهو بان في ركوعه وسجوده فقف على هذا الأصل والقياس على قول من قال ما أدرك فهو أول صلاته ما قاله المزني والله أعلم ولم يختلفوا أن من فاته بعض صلاته يتشهد في آخرها ويحرم إذا دخل وهذا يدل على أن ما أدرك فهو أول صلاته ويقضي آخرها وبالله التوفيق وقد روي عن النبي أنه قال "وما فاتكم فاقضوا" ويحتج بهذا كل من قال ما أدرك فهو آخر صلاته وسنذكر الروايات في ذلك على وجهها إن شاء الله في باب العلاء بن عبد الرحمن من كتابنا هذا وبالله توفيقنا وعوننا

حديث ثان لابن شهاب عن أبي سلمة متصل صحيح[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن "أن أبا هريرة كان يصلي لهم فيكبر كلما خفض ورفع فلما انصرف قال والله إني لأشبهكم صلاة برسول الله " لم يختلف عن مالك رواة الموطأ في هذا الحديث ورواه محمد بن مصعب القرقساني عن مالك بإسناده هذا عن الزهري عن أبي سلمة قال صلى لنا أبو هريرة فكان يرفع يديه في كل خفض ورفع ثم قال إني لأعلمكم بصلاة رسول الله هكذا قال "كان يصلي ويرفع يديه في كل خفض ورفع حتى يفرغ من صلاته"

ذكره الدار قطني عن القاضي أبي عمر محمد بن يوسف بن يعقوب عن أحمد بن ملاعب عن محمد بن مصعب قال الدار قطني قال لنا القاضي أبو عمر هكذا قال محمد بن مصعب وإنما هو كان يكبر في كل خفض ورفع وقال فيه إبراهيم بن طهمان عن مالك وعباد بن إسحاق ويحيى بن سعيد عن أبي سلمة أن أبا هريرة كان يصلي لهم فيكبر في كل خفض ورفع وقيام وقعود وليس في الموطأ عند رواته وقيام وقعود وفي هذا الحديث من الفقه أن حكم الصلاة أن يكبر في كل خفض ورفع منها وأن ذلك سنتها وهذا قول مجمل لأن رفع الرأس من الركوع ليس فيه تكبير إنما هو التحميد بإجماع فتفسير ذلك أنه كان يكبر كلما خفض ورفع إلا في رفعه رأسه من الركوع لأنه لا خلاف في ذلك وفيه أن الناس لم يكونوا كلهم يفعلون ذلك ولذلك قال أنا أشبهكم صلاة برسول الله

ومما يدلك على ذلك ما ذكره ابن أبي ذئب في موطئه عن سعيد بن سمعان أنه " قال ثلاث كان رسول الله يفعلهن تركهن الناس كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه مدا وكان يقف قبل القراءة هنية يسأل الله من فضله وكان يكبر كلما خفض ورفع" وقد أوضحنا هذا المعنى في باب ابن شهاب عن علي بن حسين والحمد لله وقد قال قوم من أهل العلم أن التكبير إنما هو إذن بحركات الإمام وشعار للصلاة وليس بسنة إلا في الجماعة وأما من صلى وحده فلا بأس عليه أن لا يكبر

ولهذا ما ذكر مالك هذا الحديث عن ابن شهاب عن علي بن حسين " قال كان رسول الله يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع فلم تزل تلك صلاته حتى لقي الله" وحديث ابن عمر وجابر أنهما كانا يكبران كلما خفضا ورفعا في الصلاة وكان جابر يعلمهم ذلك فذكر مالك الأحاديث كلها ليبين لك أن التكبير من سنن الصلاة وقال ابن القاسم فيمن نسي ثلاث تكبيرات فصاعدا من صلاته وحده أنه يسجد قبل السلام فإن لم يفعل أعاد الصلاة وإن نسي واحدة أو اثنتين سجد أيضا قبل السلام فإن لم يفعل فلا شيء عليه وقد روى عنه أن التكبيرة الواحدة ليس على من نسيها سجود سهو ولا شيء وخالفه أصبغ وعبد الله بن عبد الحكم في رأيه فقالا لا إعادة على من نسي التكبير كله في صلاة إذا كان قد كبر لإحرامه وإنما عليه سجدتا السهو وإن لم يسجدهما فلا حرج وعلى هذا القول فقهاء الأمصار وأئمة الفتوى

وهو الذي ذهب إليه أبو بكر الأبهري قال الأبهري رحمه الله على مذهب مالك الفرائض في الصلاة خمس عشرة فريضة أولها النية ثم الطهارة وستر العورة والقيام إلى الصلاة ومعرفة دخول الوقت والتوجه إلى القبلة وتكبيرة الإحرام وقراءة أم القرآن والركوع ورفع الرأس منه والسجود ورفع الرأس منه والقعود الآخر والسلام وقطع الكلام

قال أبو عمر:فذكر الأبهري في فرائض الصلاة تكبيرة الإحرام وحدها دون سائر التكبير وقال الأبهري والسنن في الصلاة خمس عشرة سنة أولها الأذان والإقامة ورفع اليدين والسورة مع أم القرآن والتكبير كله سوى تكبيرة الإحرام وسمع الله لمن حمده والاستواء من الركوع والاستواء من السجود والتسبيح في الركوع والتسبيح في السجود والتشهد والجهر في صلاة الليل والسر في صلاة النهار وأخذ الرداء ورد السلام على الإمام إذا سلم من الصلاة فذكر في سنن الصلاة التكبير كله سوى تكبيرة الإحرام وهذا هو الصواب وعليه جمهور فقهاء الأمصار

قال أبو عمر :إنما اختلفت الأئمة في تكبيرة الإحرام وأما فيما سواها من التكبير فلا أعلم فيه خلافا غير ما ذكرت وسنذكر اختلاف العلماء في تكبيرة الإحرام وغيرها من معاني هذا الباب بأتم من هذا المعنى في باب ابن شهاب عن علي بن حسين من كتابنا هذا إن شاء الله وقد روي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وقتادة وغيرهم أنهم كانوا لا يتمون التكبير حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن أبي كثير قال حدثني أبو سلمة قال رأيت أبا هريرة يكبر هذا التكبير الذي ترك الناس فقلت يا أبا هريرة ما هذا التكبير فقال إنها لصلاة رسول الله وهذا يدلك على أن التكبير في كل خفض ورفع كان الناس قد تركوه على ما قدمنا إلى عهد أبي سلمة وفي ترك الناس له من غير نكير من واحد منهم ما يدل على أن الأمر عندهم محمول على الإباحة وأن ترك التكبير لا تفسد به الصلاة في غير الإحرام

وروى ابن وهب قال أخبرني عياض بن عبد الله الفهري أن عبد الله بن عمر كان يقول لكل شيء زينة وزينة الصلاة التكبير ورفع الأيدي فيها وهذا أيضا يدل على أن التكبير ليس من صلب الصلاة عند ابن عمر لأنه شبهه برفع اليدين وقال هو من زينة الصلاة وكان عبد الله بن عمر يكبر في كل خفض ورفع وهذا يدل على ما قلنا أنه سنة وفضل وزينة للصلاة لا ينبغي تركه وكذلك يقول جماعة فقهاء الأمصار أبو حنيفة فيمن اتبعه والشافعي فيمن سلك مذهبه والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل وداود والطبري وسائر أهل الحديث وأهل الظاهر كلهم يأمرون به ويفعلونه فإن تركه تارك عندهم بعد أن يحرم لم تفسد صلاته لأنه ليس عندهم من فرائض الصلاة وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده قال إسحاق بن منصور سمعت أحمد بن حنبل يقول يروى عن ابن عمر أنه كان لا يكبر إذا صلى وحده قال أحمد وأحب إلي أن يكبر إذا صلى وحده في الفرائض وأما في التطوع فلا

قال أبو عمر:لا يحكي أحمد عن ابن عمر إلا ما صح عنده وأما روايته عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكبر في الصلاة كلما خفض ورفع فيدل ظاهرها على أنه كذلك كان يفعل إماما إمام والله أعلم وقال إسحاق قلت لأحمد بن حنبل ما الذي نقصوا من التكبير قال إذا انحط إلى السجود من الركوع وإذا أراد أن يسجد السجدة الثانية من كل ركعة

حدثنيه أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا الحسن بن سلمة قال حدثنا ابن الجارود قال حدثنا إسحاق بن منصور فذكره وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا بندار قال حدثنا أبو داود عن شعبة عن الحسن بن عمران قال سمعت سعيد بن عبد الرحمن بن أبزي يحدث عن أبيه أنه صلى خلف النبي فلم يكن يتم التكبير كان لا يكبر إذا خفض

حدثني خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا معلى بن أسد قال حدثنا عبد العزيز يعني ابن المختار عن عبد الله الداناج قال حدثني عكرمة قال صليت مع أبي هريرة قال فكان يكبر إذا رفع وإذا وضع فأخبرت ابن عباس فقال لا أم لك أو ليست تلك سنة أبي القاسم والأحاديث في هذا المعنى كثيرة وسنذكر بعضها في باب ابن شهاب عن علي بن الحسين من كتابنا هذا إن شاء الله وفيما ذكرنا كفاية شافية لمن ساعده الفهم والتوفيق ومما يدل على أن التكبير في الصلاة ليس منه شيء واجب إلا التكبيرة الأولى حديث أبي هريرة ورفاعة بن رافع جميعا عن النبي أنه رأى رجلا قد دخل المسجد فصلى ثم جاء فسلم فقال له رسول الله "ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع فصلى ثم جاء فقال له رسول الله "ارجع فصل فإنك لم تصل" فعل ذلك مرتين أو ثلاثا فلما كان في الثانية أو الثالثة قال له يا رسول الله قد أجهدت نفسي فعلمني فقال له رسول الله "إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ وأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ثم كبر ثم اقرأ ثم اركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تطمئن رافعا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم افعل ذلك في صلاتك كلها حتى تتمها"

حدثناه محمد بن إبراهيم قال:حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا محمد بن المثنى قال أنبأنا يحيى قال أخبرني عبيد الله بن عمر قال حدثنا سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة

وأخبرناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا سفيان بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثني يحيى عن ابن عجلان حدثني علي بن يحيى بن خلاد بن رافع الزرقي عن أبيه عن رفاعة بن رافع دخل حديث بعضهم في بعض والمعنى واحد ففي هذا الحديث القصد إلى فرائض الصلاة الواجبة فيها وقد جاء فيه التكبيرة الأولى للإحرام دون غيرها من التكبير ففيما ذكرنا من الآثار في هذا الباب ما يدل أن التكبير كله ما عدا تكبيرة الإحرام سنة حسنة وليس بواجب والله أعلم

فإن قيل أن التسليم لم يذكر في هذا الحديث وأنتم توجبونه لقيامه من غير هذا الحديث فغير نكير أن يقوم وجوب جملة التكبير من غير حديث هذا الباب وإن لم يكن في حديث رفاعة هذا وما كان مثله قيل له أن التسليم قد قام دليله وثبت النص فيه بقوله "تحليلها التسليم"

وبأنه كان يسلم من صلاته طول حياته فثبت التسليم قولا وعملا وأما التكبير فيما عدا الإحرام فقد كان تركه الصدر الأول فلذلك قال لهم أبو هريرة أنا أشبهكم صلاة برسول الله ولم يعب بعضهم على بعض تركه بل جعلوه من باب الكمال والتمام فلذلك قلنا أن التكبير فيما عدا الإحرام سنة يحسن العمل بها وليس بواجب وعلى هذا جمهور الفقهاء فإن قيل أن الجلسة الوسطى سنة ومن تركها بطلت صلاته فكذلك من ترك جملة التكبير المسنون قيل لقائل ذلك وضعت التمثيل في غير موضعه لأن من ترك الجلسة الوسطى عامدا بطلت صلاته وأنت ترى السلف والعمل الأول والأمر القديم قد ترك فيه التكبير ولم يعب بعضهم على بعض ولم يجز واحد منهم ترك الجلسة الوسطى عامدا ولا تركها وحسبك بهذا فرقا يخص به الجلسة الوسطى من بين سائر السنن وسائر أعمال البدن في الصلاة والتكبير فيما عدا تكبير الإحرام المخصوص بالوجوب أشبه بالتسبيح في الركوع والسجود وسورة مع أم القرآن ورفع اليدين منه بالجلسة الوسطى والله المستعان ولو كان التكبير من فروض الصلاة التي تعاد منه إذا سها عنه لكانت كل تكبيرة في ذلك سواء في وجوبها ولما افترق حكم الواحدة والاثنتين والثلاث والأكثر في ذلك ألا ترى أن السجدة في كل ركعة لا تنوب عن غيرها وأنها فرض في نفسها فلو كانت التكبيرات واجبات كانت كذلك ولا حجة لمن فرق بين ذلك وبالله التوفيق

وقد ذكرنا اختلاف العلماء في تكبيرة الإحرام وفي معاني من تكبير الإمام والمأموم في باب ابن شهاب عن علي بن حسين من هذا الكتاب والحمد لله

حديث ثالث لابن شهاب عن أبي سلمة متصل صحيح[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله قال "إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه حتى لا يدري كم صلى فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس"

في هذا الحديث من الفقه أن الشيطان يوسوس للإنسان وأن الصلاة لا تحول بينه وبينه وأنه ساع على المرء فيما يفسد عليه دينه جاهدا والله يعصم منه من يشاء من عباده وقوله "فلبس عليه" يعني خلط عليه وهو على فعل مخفف والمستقبل يلبس مثل ضرب يضرب وأما إذا كان من اللباس فالماضي منه لبس مثل سمع والمستقبل منه يلبس مثل يسمع

وقد اختلف الفقهاء في معنى هذا الحديث فقال قوم منهم معناه أن يبني على يقينه وعلى أكثر ظنه ثم يسجد قالوا وهو حديث ناقص يفسره حديث أبي سعيد الخدري وحديث عبد الرحمن بن عوف وحديث ابن عباس وغيرهم أن رسول الله قال "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثلاثا أم أربعا فليصل ركعة ويسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم" قالوا والأحاديث كلها في السهو على خلاف هذا إنما هي أن يعتمد الإنسان على أكثر ظنه كما روى ابن مسعود أو يبني على يقينه كما روى أبو سعيد وعبد الرحمن بن عوف قالوا

وأما حديث أبي هريرة فحديث مجمل مضمر قد ظهر في غيره من الأحاديث قالوا فلا يجزي أحدا أبدا إذا شك في صلاته أن يخرج منها إلا حتى يستيقن تمامها وسواء اعتراه هذا مرة أو ألف مرة وقال آخرون معنى حديث أبي هريرة هذا في الذي يستنكحه السهو ويكثر عليه والأغلب في ظنه أنه قد أتم لكن الشيطان يوسوس إليه في ذلك كما يوسوس إلى قوم في كمال طهارتهم قالوا فمن كانت هذه حاله أبدا أجزأه أن يسجد للسهو سجدتين دون أن يأتي بركعة

واحتج بعضهم على تأويله هذا بما ذكره أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا أبان قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن عياض عن أبي سعيد الخدري أن النبي قال "إذا صلى أحدكم فلم يدر أزاد أم نقص فليسجد سجدتين وهو قاعد فإذا أتاه الشيطان فقال له أحدثت فليقل كذبت إلا أن يجد ريحا بأنفه أو صوتا بأذنه" وروى هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير جماعة منهم الأوزاعي وهشام الدستوائي وعلي بن المبارك كلهم بمعنى واحد قالوا فهذا أبو سعيد قد روى في هذا الحديث كما روى أبو هريرة وحصل في ذلك عند أبي سعيد حديثان ومحال أن يكون معناهما واحدا بل لكل واحد منهما موضع وهو مثل ما ذكرنا من أن هذا في الذي يعتريه الشك دائما لا ينفك عنه قد استنكحه.

ومع ذلك فإنه قد أتم في أغلب ظنه عند نفسه والحديث الآخر على من لم يدر أزاد أم نقص فيلزمه أن لا يخرج من صلاته إلا بيقين من تمامه وهكذا فسر الليث ابن سعد حديث أبي هريرة وحكى ذلك عنه ابن وهب وهو قول ابن وهب أيضا

وقول مالك فيما ذكره عيسى بن دينار في كتاب الصلاة عن ابن القاسم عن مالك قال فإذا كثر السهو على الرجل ولزمه ذلك ولا يدري أسها أم لا سجد سجدتي السهو بعد السلام ثم قيل لابن القاسم أرأيت رجلا سها في صلاته ثم نسي سهوه فلا يدري أقبل السلام أم بعده قال يسجد قبل السلام أو بعده وقال أبو مصعب من استنكحه السهو فليله عنه وليدعه ولو سجد بعد السلام كان حسنا واختلف القائلون في تأويل هذا الحديث القول الآخر في سجود هذا المستنكح الذي هو في أكثر ظنه قد أتم صلاته متى يكون سجوده فقال منهم قوم يكون سجوده قبل السلام

وهو مذهب الشافعي ولا حرج فيه عند مالك وأصحابه إن فعله قبل السلام والذي يستحبونه بعد السلام في ذلك واحتج قائلو هذا القول بأن ذلك منصوص في حديث أبي هريرة هذا كذا رواه محمد بن إسحاق ومحمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري جميعا عن الزهري بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قالا فيه فليسجد سجدتين وهو جالس وهو قول مجمل محتمل للتأويل لكنه قد يتبين في رواية ابن أخي الزهري وابن إسحاق عن ابن شهاب قالوا هذا على أن الأغلب في ظاهر حديث مالك أنهما قبل السلام وقال أبو داود رواه ابن عيينة ومعمر والليث كما رواه مالك لم يقولوا قبل التسليم.

قال أبو عمر:وقال آخرون في هذا الموضع بل يسجدهما بعد السلام وممن قال ذلك مالك رحمه الله وحجة من قال ذلك أن عبد الله بن جعفر روى عن النبي أنه قال "من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعدما يسلم" رواه ابن جريج عن عبد الله بن مسافع عن مصعب بن شيبة عن عتبة بن محمد بن الحارث عن عبد الله ابن جعفر قالوا فهذا الحديث أولى لأنه مفسر قالوا وحديث أبي هريرة ليس بحجة على الذين لم يذكروه وكل ما ذكرنا قد قالته العلماء على ما وصفنا والقول في حديث عبد الله بن جعفر هذا كالقول في حديث أبي هريرة هذا سواء وبالله توفيقنا وإسناد أبي هريرة أثبت عند أهل النقل وهو أولى ما قيل في هذا الباب والأمر فيه متقارب والله الموفق للصواب.

حديث رابع لابن شهاب عن أبي سلمة متصل في رواية يحيى[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"

قال ابن شهاب فتوفي رسول الله والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر بن الخطاب اختلف الرواة عن مالك في إسناد هذا الحديث فأما يحيى فرواه هكذا بهذا الإسناد ومتصلا وتابعه ابن بكير وسعيد بن عفير وعبد الرزاق وابن القاسم في رواية الحارث بن مسكين عنه على هذا الإسناد وعلى اتصاله عن أبي سلمة عن أبي هريرة ذكره النسائي عن عمرو بن علي عن عثمان بن عمر

وذكره الدار قطني قال حدثنا عبد العزيز بن محمد بن الواثق بالله حدثنا أحمد بن الحسن الكرجي حدثنا إسحاق بن موسى حدثنا معن عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فذكره مثل رواية يحيى سواء إلى آخر قول ابن شهاب

وأخبرنا علي بن إبراهيم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا ابن طاهر حدثنا أحمد ابن عبد الله بن الوليد بن سوار حدثنا الحارث بن مسكين حدثنا عبد الرحمن بن القاسم حدثنا مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" لم يذكر قول ابن شهاب ورواه القعنبي وأبو مصعب ومطرف وابن رافع وابن وهب وأكثر رواة الموطأ ووكيع بن الجراح وجويرية بن أسماء كلهم عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي مرسلا لم يذكروا أبا هريرة وساقوا الحديث بلفظ حديث يحيى هذا سواء

وقد روي هذا الحديث عن أبي المصعب في الموطأ مسندا كرواية يحيى وابن بكير سواء وهو أصح عن أبي المصعب والله أعلم وعند القعنبي ومطرف والشافعي وابن نافع وابن بكير وأبي مصعب عن مالك حديثه عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة مسندا أن رسول الله قال "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" هكذا رووا هذا الحديث الآخر في الموطأ بهذا اللفظ متصلا مسندا ليس فيه أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة كما في حديث أبي سلمة وليس عند يحيى في الموطأ حديث حميد هذا أصلا.

وعند الشافعي عن مالك حديث حميد "من قام رمضان" وليس عنده حديث أبي سلمة وروى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة فيقول "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" قال ابن شهاب فتوفي رسول الله والأمر على ذلك إلى آخر كلام ابن شهاب هكذا

ذكره إسماعيل بن أبي أويس عن مالك بهذا الإسناد الذي في الموطأ في هذا المتن وقوله أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان إنما هو حديث أبي سلمة عند جميع الرواة للموطأ من أرسله منهم ومن وصله وفي آخره ساق جميعهم كلام ابن شهاب فتوفي رسول الله إلى آخر كلامه

وأما حديث حميد عن أبي هريرة فإنما فيه أن رسول الله قال "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ليس فيه أن رسول الله رغب في قيام رمضان ولا في آخره كلام ابن شهاب عند واحد منهم إلا ما ذكرنا عن إسماعيل بن أبي أويس وهو عندي تخليط وغلط منه لأنه أدخل إسناد حديث في متن آخر ولم يتابع على ذلك ذكره إسماعيل عنه

وقد حدثناه خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم قالا حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا العباس بن محمد قال حدثنا محمد بن صالح قال حدثنا إسماعيل بن أبي أويس قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان ثم ذكر مثل حديث أبي سلمة سواء

وذكره الدار قطني حدثنا علي بن محمد البصري حدثنا عبيد الله بن محمد العمري حدثنا إسماعيل بن أبي أويس حدثنا مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة مثله تفرد ابن أبي أويس بهذا اللفظ في هذا الإسناد وروى جويرية بن أسماء عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة وحميد ابني عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله قال "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" فجمع جويرية الإسنادين واقتصر على المعنى وأسند الحديثين وهذا مما يقوي رواية يحيى وابن بكير في توصيلهما حديث أبي سلمة عن أبي هريرة

أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى حدثنا الحسن بن الخضر حدثنا أحمد بن شعيب حدثنا عمر بن عثمان بن عمر عن مالك عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله قال "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" وذكر النسائي أيضا حديث جويرية عن أبي مريم عن عبد الله بن محمد بن أسماء عن جويرية وذكر الدار قطني حديث أبي سلمة كان يرغب في قيام رمضان مرسلا وحديث "من قام رمضان" عن أبي سلمة وحديث حميد جميعا عن أبي هريرة مسندا.

قال حدثناه عثمان بن أحمد وأبو سهل بن زياد وأبو بكر الشافعي قالوا حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال وحدثنا أبو بكر الشافعي حدثنا معاذ بن المثنى قالا حدثنا عبد الله بن محمد ابن أسماء حدثنا جويرية عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة

قال الزهري وأخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله قال " من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" قال ابن شهاب فتوفي رسول الله والأمر على ذلك ثم كان الأمر في خلافة أبي بكر الصديق وصدرا من خلافة عمر على ذلك فرواية جويرية هذه مهذبة مجودة والله أعلم ورواه عباد بن صهيب عن مالك بنحو رواية جويرية عن مالك فيه أبا سلمة وحميدا وعن ابن وهب عن مالك في هذا الحديث أربع روايات إحداها عن ابن شهاب عن أبي سلمة مرسلا والثانية عن أبي سلمة عن أبي هريرة والثالثة عن أبي سلمة وحميد كرواية جويرية ورواه في موطئه عن مالك ويونس وابن إسماعيل عن ابن شهاب أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان فذكر الحديث بمثل رواية يحيى وساق كلام الزهري في آخره ولم يذكر أبا سلمة ولا حميدا ورواه الربيع بن سليمان وأحمد بن صالح عن ابن وهب مثل رواية جويرية سواء وأحمد بن صالح أثبت الناس في ابن وهب وغيره

أخبرنا خلف بن القاسم وعلي بن إبراهيم قالا حدثنا الحسن بن رشيق قال حدثنا العباس ابن محمد بن العباس البصري قال حدثنا أحمد بن صالح البصري قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أبي سلمة وحميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي قال "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ورواه إسحاق بن سليمان عن مالك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي مثله سواء لم يذكر حميدا فهذا ما بلغه علمي من اختلاف رواة الموطأ في هذا الحديث وكلهم قد أجمع على أن لفظ الحديث من قام رمضان بالإسنادين جميعا

وكذلك أدخله مالك في باب قيام رمضان ويصحح ذلك قوله في حديث أبي سلمة أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان وأما أصحاب ابن شهاب فإنهم اختلفوا في اللفظ فأما ابن عيينة فذكر أبو داود في السنن قال حدثنا مخلد بن خالد وابن أبي خلف المعنى قالا حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة يبلغ به النبي قال "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" قال أبو داود وكذا رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة "من صام رمضان" وكذلك رواه محمد بن عمر عن أبي سلمة عن أبي هريرة من صام مثل رواية ابن عيينة عن ابن شهاب سواء قال وقال عقيل عن ابن شهاب بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن أبي هريرة "من صام رمضان وقامه"

وذكر أبو داود حديث عبد الرزاق قال أنبأنا معمر وملك عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول الله يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة ثم يقول "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" فتوفي رسول الله والأمر على ذلك ثم كان الأمر على ذلك خلافة أبي بكر وصدرا من خلافة عمر .

قال أبو عمر:رواية عبد الرزاق هذه تصحح رواية يحيى وتشهد لها في حديث أبي هريرة مسندا قال أبو داود وكذلك رواه عقيل ويونس وأبو أويس "من قام رمضان" إلا عقيل قال "من صام رمضان وقامه"

قال أبو عمر:رواه أبو أويس عن الزهري قال أخبرني أبو سلمة وحميد عن أبي هريرة أن رسول الله كان يرغب في قيام رمضان بلفظ يحيى.

قال أبو عمر:حمل على توصيل حديث أبي سلمة جماعة أصحاب ابن شهاب فممن وصله معمر وسفيان بن عيينة ويونس بن يزيد وعقيل وأبو أويس وتبين بذلك صحة ما رواه يحيى وابن بكير دون ما رواه القعنبي ومن تابعه من أصحاب مالك وتبين لنا أن القعنبي ومن تابعه لم يقيموا الحديث ولم يتقنوه إذ أرسلوه وهو متصل صحيح الاتصال ومما يزيد في ذلك صحة أن يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو روياه عن أبي سلمة عن أبي هريرة وهذا كله يشد ما رواه يحيى ولعمري لقد حصلت نقله عن مالك وألفيته من أحسن أصحابه نقلا ومن أشدهم تخلصا في المواضع التي اختلف فيها رواه الموطأ إلا أن له وهما وتصحيفا في مواضع فيها سماجة.

قال أبو عمر:أما رواية محمد بن عمرو فحدثني سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن بشير عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله "من صام رمضان وقامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه"

وأما حديث يحيى بن أبي كثير فحدثني محمد بن عبد الله قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني يحيى قال حدثني أبو سلمة قال حدثني أبو هريرة قال قال رسول الله "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" هكذا في كتابي قام رمضان وقد رواه يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي سلمة عن أبي هريرة

وهذا مما يصحح رواية يحيى حدثني سعيد بن نصر قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن فضيل عن يحيى بن سعيد عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

قال أبو عمر:يحيى بن أبي كثير ومحمد بن عمرو ويحيى بن سعيد الأنصاري يقولون عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي "من صام رمضان" وابن شهاب يقول عن أبي سلمة من قام رمضان كذلك رواه مالك ومعمر ويونس وأبو أويس وعقيل إلا أن عقيلا قال "من صام رمضان" وقامه وابن عيينة وحده يقول عن ابن شهاب عن أبي سلمة "من صام رمضان" ومن قامه ومن قام ليلة القدر على أنه قد اختلف علي ابن عيينة في ذلك فروى عنه من قام رمضان كسائر أصحاب ابن شهاب والصحيح عنه في ذلك "من صام رمضان وقام ليلة القدر"

حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الميمون بن حمزة الحسيني قال حدثنا الطحاوي قال حدثنا المزني قال حدثنا الشافعي وحدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا وهب بن مسرة قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الفرضي قال حدثنا أبو عثمان عمرو بن محمد الناقد وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وحدثنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن يحيى بن عمر الطائي قالوا كلهم حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي قال "من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

هكذا قال هؤلاء كلهم عن ابن عيينة "من صام رمضان" ورواه عنه حامد بن يحيى فقال "من قام رمضان" وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري قال أنبأنا أبو سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قال "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" هكذا قال حامد بن يحيى عنه قام رمضان" ولم يقل صام وزاد ما تأخر وهي زيادة منكرة في حديث الزهري

وذكر البخاري حديث حامد من رواية مالك متصلا مسندا وذكر حديث أبي سلمة من غير رواية مالك بلفظ "من صام رمضان" فهذا ما بلغنا من الاختلاف في إسناد هذا الحديث وألفاظه من رواية ابن شهاب خاصة وقد هذبنا ذلك ومهدناه بمبلغ وسعنا وطاقتنا والله المعين لا شريك له وفي هذا الحديث من الفقه فضل قيام رمضان وظاهره يبيح فيه الجماعة والانفراد لأن ذلك كله فعل خير وقد ندب الله إلى فعل الخير وفيه دليل على أن ما أمر به عمر وفعله من قيام رمضان قد كان سبق من رسول الله فيه الترغيب والحض فصار ذلك من سننه وقد أوضحنا هذا المعنى في باب ابن شهاب عن عروة من كتابنا هذا لأنه موضعه وفي قوله في هذا الحديث "إيمانا واحتسابا" دليل على أن الأعمال الصالحة إنما يقع بها غفران الذنوب وتكفير السيئات مع صدق النيات يدلك على ذلك قوله "إنما الأعمال بالنيات" وقوله لسعد "لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها" ومحال أن يزكو من الأعمال شيء لا يراد به الله وفقنا الله لما يرضاه وأصلح سرائرنا وعلانيتنا برحمته آمين

وقد اختلف العلماء في قوله في هذا الحديث "غفر له ما تقدم من ذنبه" فقال قوم يدخل فيه الكبائر وقال قوم لا يدخل فيه الكبائر إلا أن يقصد صاحبها بالتوبة إليها والندم عليها ذاكرا لها وقد مضى القول في هذا المعنى في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن الصنابحي من كتابنا هذا والله عز وجل يتفضل بما يشاء لا معقب لحكمه ولا راد لفضله لا إله غيره.

حديث خامس لابن شهاب عن أبي سلمة مسند[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة "أن امرأتين من هذيل رمت إحداهما الأخرى فطرحت جنينها فقضى رسول الله بغرة عبد أو وليدة" هكذا روى مالك هذا الحديث بهذا الإسناد أيضا مع ما تقدم من روايته له عن ابن شهاب عن سعيد مرسلا على ما ذكرنا في كتابنا هذا ولم يختلف على مالك في إسناد هذا الحديث ومتنه ولم يذكر في موطئه قصة قتل المرأة التي طرحت جنينها لما فيه من الاختلاف والاضطراب بين أهل النقل وأهل الفقه من أصحابنا والتابعين ومن بعدهم من الخالفين وإنما ذكر قصة الجنين الذي لم يختلف فيه الأخبار عن النبي وقد ذكرنا حكم الجنين وما للعلماء في ذلك من التنازع والمعنى في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب من كتابنا فأغنى عن إعادته هاهنا وذكرنا حكم قتل المرأة وما روي فيه وفي حكمه عن النبي وعن العلماء بعده في شبه العمد بما يكفي ويشفي في كتاب "الأجوبة عن المسائل المستغربة"

ولم نذكره في كتابنا هذا لأن مالكا لم يذكر شيئا منها في حديثه في موطئه ولا في غيره فيما علمت وأكثر الرواة لحديث أبي سلمة هذا عن ابن شهاب وغيره يذكرون ما رمت به المرأة صاحبتها إلا أنهم اختلفوا في ذلك فطائفة منهم تقول بحجر وطائفة تقول بمسطح ومنهم من يقول بعمود فسطاط ولمن أثبت شبه العمد من العلماء في الحجر وصغره وعظمه والعمود وثقله ويزداد الضرب بذلك كله أو بعضه مذاهب مختلفة وأحكام غير مؤتلفة والآثار بذلك أيضا مضطربة ولهذا الاضطراب والله أعلم لم يذكر مالك شيئا من ذلك وإنما قصد إلى المعنى المراد بالحكم عنده لأنه لا يفرق في مذهبه بين الحجر وغيره في باب العمد فلذلك لم يذكر ذلك والله أعلم وهذا كله منه فرار عن إثبات شبه العمد ونفي له لأنه عنده باطل فلم يذكر في موطئه في حديث ابن شهاب هذا شيئا يدل عليه واقتصر على قصة الجنين لاغير

وغيره قد ذكر ذلك وروى عن النبي قصة الجنين هذه في المرأتين اللتين رمت إحداهما الأخرى جماعة من الصحابة منهم محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة وأبو هريرة وابن عباس وجابر بن عبد الله وبريدة الأسلمي وحمل ابن النابغة الهذلي ومنهم من يرويه عن عمر عن النبي ومنهم من يرويه عن عمر عن حمل بن مالك هذا عن النبي ورواه عويمر بن أشقر وغيره عن النبي ومن هؤلاء من يذكر قتل المرأة والحكم في ديتها في هذا الحديث مع حكم الجنين ومنهم من يقتصر على حكم الجنين لا غير ولم نر أن نذكر في كتابنا شيئا من هذه الطرق غير طرق حديث أبي هريرة لأنه لم يرو مالك غيره في هذا الباب وقد روى الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن مسافر عن ابن شهاب هذا الحديث بهذا الإسناد عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي . مثل إسناد مالك هذا واقتصر فيه أيضا على قصة الجنين لا غير كما رواه مالك سواء.

قرأت على عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج قال حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث قال حدثني ابن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله قضى في امرأتين من هذيل اقتتلتا فرمت إحداهما الأخرى بحجر فأصابت بطنها وهي حامل فقتلت ولدها الذي في بطنها فاختصموا إلى رسول الله فقال رسول الله "أن دية ما في بطنها غرة عبد أو أمة" فقال ولي المرأة التي غرمت كيف أغرم يا رسول الله ما لا شرب ولا نطق ولا استهل فمثل ذلك يطل فقال رسول الله "إنما هو من إخوان الكهان" ففي هذا الحديث أنها رمتها بحجر ومحفوظ في هذه القصة من حديث المغيرة بن شعبة وغيره أنها رمتها بمسطح والمسطح الخشبة وقال النضر بن شميل المسطح العود يرقق به الخبز وقال أبو عبيد المسطح عود من العيدان.

قال أبو عمر:المرأتان الهذليتان المذكورتان في هذا الحديث إحداهما يقال لها أم عفيف بنت مسروح من بني سعد بن هذيل والأخرى مليكة أخت عويمر بن الأشقر وهذا موجود من حديث عويمر بن أشقر ومن حديث عبد الله بن عباس إلا أن ابن عباس قال في هذا الحديث كان اسم إحداهما مليكة والأخرى أم غطيف وقد ذكرناهما في الصحابيات في كتاب الصحابة بما يغني عن ذكرهما هاهنا وقد روى هذا الحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي فذكر قصة الجنين لاغير بمثال رواية مالك ومعناه سواء وكذلك رواه حماد بن سلمة ومحمد بن بشر وخالد الواسطي عن محمد بن عمرو ورواه عيسى بن يونس عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة " ال قضى رسول الله في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل" ولم يقل ذلك غير عيسى بن يونس فيما علمت وعيسى ثقة وقد ذكرنا اختلاف أهل العلم في دية الجنين وما لهم فيه من المعاني والأحكام في باب ابن شهاب عن سعيد بن المسيب واقتصرنا من ذلك على أقاويل أهل الفتوى من أئمة الأمصار دون ما عدوه شذوذا وبالله العصمة والتوفيق.

حديث سادس لابن شهاب عن أبي سلمة مسند وهو حديث العمري[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن جابر بن عبد الله أن رسول الله قال "أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فإنها للذي أعطيها لا يرجع إلى الذي أعطاها" لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث هكذا هو هذا الحديث عند كل الرواة عن مالك ورواه معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله قال إنما العمرى التي أجاز رسول الله أن يقول هي لك ولعقبك فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها قال معمر وكان الزهري يفتي بذلك قال محمد بن يحيى الذهلي في حديث معمر هذا إنما منتهاه إلى قوله هي لك ولعقبك وما بعده عندنا من كلام الزهري قال وما رواه أبو الزبير عن جابر يوهن حديث معمر هذا قال وقد رواه ابن أبي ذئب ومالك وابن أخي الزهري وليث على خلاف ما رواه معمر

قال أبو عمر:أما رواية ابن أبي ذئب فرواه في موطئه عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر عن النبي أنه قضى فيمن أعمرعمري له ولعقبه فهي له بتلة لا يجوز للمعطي فيها شرط ولا مثنوية قال أبو سلمة لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث فقطعت المواريث شرطه وهذا خلاف ما قاله الذهلي وقد جوده ابن أبي ذئب فبين فيه موضع الرفع وجعل سائره من قول أبي سلمة لا من قول الزهري

ورواه الأوزاعي قال حدثني أبو سلمة قال حدثني جابر عن النبي قال "العمري لمن أعمرها هي له ولعقبه" هكذا حدثناه الوليد بن مسلم وغيره عنه ورواه الليث عن ابن شهاب بإسناده قال "من أعمر رجلا عمري له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمرها ولعقبه" حدثنا بحديث الليث أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو النضر قال حدثنا الليث بن سعد قال حدثني الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال سمعت رسول الله يقول فذكره حرفا بحرف.

قال أبو عمر :فهذا ما في حديث ابن شهاب والمعنى في ذلك متقارب يشد بعضه بعضا لكن مالك رحمه الله لم يقل بظاهر هذا الحديث لما رواه عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن القاسم أنه سمع مكحولا الدمشقي يسأل القاسم بن محمد عن العمري وما يقول الناس فيها فقال القاسم ما أدركت الناس إلا على شروطهم في أموالهم وفيما أعطوا

والقاسم قد أدرك جماعة من الصحابة وكبار التابعين.

وقال مالك الأمر عندنا أن العمرى ترجع إلى الذي أعمرها إذا لم يقل لك ولعقبك إذا مات المعمر وكذلك إذا قال هي لك ولعقبك ترجع إلى صاحبها أيضا بعد انقراض عقب المعمر لأنه على شرطه في عقب المعمر كما هو على شرطه في المعمر ورقبتها عند مالك وأصحابه على ملك صاحبها أبدا ترجع إليه إن كان حيا أو إلى ورثته بعده وضمانها منهم ولا يملك بلفظ العمرى والأعمار عند مالك رقبة شيء من العطايا وإنما ذلك عنده كلفظ السكنى والإسكان سواء لا يملك بذلك إلا المنافع دون الرقاب وهي ألفاظ عندهم لا يملك بها الرقاب وإنما يملك بها المنافع منها العمري والسكنى والعارية والإطراق والمنحة والأحبال والأفقار وما كان مثلها قال أبو إسحاق الحربي سمعت ابن الأعرابي يقول لم تختلف العرب في أن هذه الأسماء على ملك أربابها ومنافعها لمن جعلت له العمري والرقبى والأفقار والأحبال والعرية والسكنى والإطراق ومما احتج به أصحاب مالك فيما ذهبوا إليه من رد حديث جابر هذا بأن قالوا هو حديث منسوخ ولم يصحبه العمل

وقال بعضهم لعل حامله وهم ومثل هذا من القول لا يعترض به الأحاديث الثابتة عند أحد من العلماء إلا بأن يتبين النسخ بما لا مدفع فيه ومما احتجوا به أيضا ما رواه ابن القاسم وغيره عن مالك قال رأيت محمدا وعبد الله ابني أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم فسمعت عبد الله يعاتب محمدا ومحمد يومئذ قاض فيقول له مالك لا تقضي بالحديث الذي جاء عن رسول الله في العمري حديث ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر فيقول له محمد يا أخي لم أجد الناس على هذا وأباه الناس فهو يكلمه ومحمد يأباه قال مالك ليس عليه العمل ولوددت أني محي ومن أحسن ما احتجوا به أن قالوا ملك المعمر المعطى ثابت بإجماع قبل أن يحدث العمري فلما أحدثها اختلف العلماء فقال بعضهم قد أزال لفظه ذلك ملكه عن رقبة ما أعمره وقال بعضهم لم يزل ملكه عن رقبة ماله بهذا اللفظ والواجب بحق النظر أن لا يزول ملكه إلا بيقين وهو الإجماع لأن الاختلاف لا يثبت به يقين وقد ثبت أن الأعمال بالنيات وهذا الرجل لم ينو بلفظه ذلك إخراج شيء عن ملكه وقد اشترط فيه شرطا فهو على شرطه لقول رسول الله "المسلمون على شروطهم"

قال أبو عمر:نحن نذكر اختلاف الفقهاء في هذا الباب على شرطنا في هذا الكتاب لنبين بذلك موضع الصواب وبالله التوفيق فأما مالك رحمه الله فقد ذكرنا أن العمرى والسكنى عنده سواء وهو قول الليث وقول القاسم بن محمد ويزيد بن قسيط قال مالك فإذا أعمره حياته وأسكنه حياته فهو شيء واحد فإن أراد المعمر أن يكريها فإنه يكريها قليلا قليلا ولا يبعد الكراء قال وللمعمر أن يبيع منافع الدار وسكناه فيها من الذي أعمره ولا يبيعها من غيره

وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما وهو قول الثوري والحسن بن حي وابن شبرمة وأحمد بن حنبل وأبي عبيد العمرى بهذا اللفظ هبة مبتوتة يملكها المعمر ملكا تاما رقبتها ومنافعها واشترطوا فيها القبض على أصولهم في الهبات قالوا ومن أعمر رجلا شيئا في حياته فهو له حياته وبعد وفاته لورثته لأنه قد ملك رقبتها وشرط المعطى وذكره العمرى والحياة باطل لأن رسول الله أبطل شرطه وجعلها بتلة للمعطى وسواء قال هي ملك حياتك وهي لك ولعقبك بعدك عمري حياتهم أو ما عشت وعاشوا كل ذلك باطل لأن رسول الله أبطل الشرط في ذلك وإذا بطل شرطه لنفسه في حياة المعمر فكذلك حياة عقبه الشرط أيضا باطل وكل شرط أبطله الله أو رسوله فهو مردود لأن في إنفاذه تحليل الحرام وقد قال رسول الله "المؤمنون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا"

وقال "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" يعني ليس في حكم الله وفيما أباحه الله في كتابه وعلى لسان رسوله وقد قال عليه الصلاة والسلام "أنه من أعطى شيئا حياته فهو له ولورثته فأمسكوا عليكم أموالكم" قالوا والسكنى عارية لا يملك بها رقبة إنما يملك بها المنافع على شروط المسكن ومن حجتهم فيما ذهبوا إليه في العمرى ما رواه ابن جريج والثوري وجماعة عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله قال "من أعمر شيئا حياته فهو له حياته وموته"

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا يحيى بن هشام قال حدثني يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله " العمرى لمن وهبت له" فجعلها هبة والفائدة في هذا الخطاب في تملكه الرقبة لأن المنافع أوضح من أن يحتاج إلى أن تعرف لمن هي في ذلك والله أعلم

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد الصائغ قال حدثنا محمد بن سابق قال حدثنا إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله "أيها الناس أمسكوا عليكم أموالكم ولا تعمروا أحدا شيئا فإن من أعمر أحدا شيئا حياته فهو له حياته ومماته" وذكر الشافعي عن ابن علية عن الحجاج بن أبي عثمان عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله يا معشر الأنصار أمسكوا عليكم أموالكم ولا تعمروا أحدا شيئا فإن من أعمر شيئا حياته فهو لمن أعمره حياته ومماته

وروى حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن جابر مثله سواء وهو قول جابر وابن عمر وابن عباس ذكر معمر عن أيوب بن حبيب بن أبي ثابت قال سمعت ابن عمر وسأله أعرابي أعطى ابنه ناقة له حياته فأنتجها فكانت إبلا فقال ابن عمر هي له حياته ومماته قال أفرأيت إن كان تصدق عليه قال فذلك أبعد له وهذا الخبر يدل على أن مذهب ابن عمر في العمرى أنها خلاف السكنى ذلك أنه ورث حفصة بنت عمر دارها قال وكانت حفصة قد أسكنت بنت زيد بن الخطاب ما عاشت فلما توفيت ابنة زيد قبض عبد الله بن عمر المسكن ورأى أنه له وقوله ورث حفصة دارها يريد من حفصة دارها ومن هذا قول أبي الحجناء

أضحت جياد ابن قعقاع مقسمة ... في الأقربين بلا من ولا ثمن

ورثتهم فتسلوا عنك إذ ورثوا ... وما ورثتك غير الهم والحزن

أي ما ورثت منك غير الهم

وقالت زينب الطبرية ترثى أخاها إدريس :مضى وورثناه دريس مفاضة

وعلى هذا أكثر العلماء وجماعة أهل الفتوى في الفرق بين العمري والسكنى وقالوا لا تنصرف إلى صاحبها أبدا وكان الشعبي يقول إذا قال هو لك سكنى حتى تموت فهو له حياته وموته وإذا قال داري هذه اسكنها حتى تموت فإنها ترجع إلى صاحبها وأما قول جابر فذكر عبد الرزاق عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال أعمرت امرأة بالمدينة حائطا لها ابنا لها ثم توفي وترك ولدا وتوفيت بعده وتركت ولدين أخوين سوى المعمر أظنه قال فقال ولد المعمرة يرجع الحائط إلينا وقال ولد المعمر بل كان لأبينا حياته وموته فاختصموا إلى طارق مولى عثمان فدخل جابر فشهد على رسول الله بالعمرى لصاحبها فقضى بذلك طارق ثم كتب إلى عبد الملك فأخبره بذلك وأخبره بشهادة جابر فقال عبد الملك صدق جابر وأمضى ذلك طارق وقال ذلك الحائط لبني المعمر حتى اليوم

وروى يعلى بن عبيد وغيره عن الثوري عن أبي الزبير عن طاووس عن ابن عباس قال لا تحل العمرى ولا الرقبى فمن أعمر شيئا فهو له ومن أرقب شيئا فهو له وهو قول طاووس ومجاهد وسليمان بن يسار وبه كان يقضي شريح وقال من ذهب إلى هذا القول أنه لا يصح لأحد أن يدعي العمل في هذه المسألة بالمدينة لأن الخلاف في المدينة فيها قديما وحديثا أشهر من أن يحتاج إلى ذكره واحتجوا أيضا بما حدثناه عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود قال ثنا يحيى بن سعيد القطان عن سعيد عن قتادة عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عن أبي هريرة عن النبي قال "العمرى جائزة لأهلها أو ميراث لأهلها"

وروى حماد بن سلمة عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن معاوية بن أبي سفيان عن النبي قال "العمرى جائزة لأهلها" وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عبيد الله بن عمر قال حدثنا خالد بن الحارث قال حدثنا سعيد عن قتادة عن عطاء عن جابر بن عبد الله أن النبي قال "العمرى ميراث لأهلها"

وحدثني أحمد بن قاسم قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن سليمان بن يسار قال قضى طارق بالمدينة العمرى للوارث على قول جابر بن عبد الله أن رسول الله قضى فيها

وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق قال حدثنا محمد بن عبد الله الزرقي قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن يعني الطفاوي قال حدثنا أيوب عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله أن المهاجرين لما قدموا على الأنصار جعل الأنصار يعمرونهم دورهم حياتهم فبلغ ذلك رسول الله فقال للأنصار "أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها فإنه من أعمر شيئا فهو له ولورثته إذا مات"

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا عمرو بن دينار أنه سمع طارقا يحدث عن حجر المدري عن زيد بن ثابت أن رسول الله "قضى بالعمرى للوارث "

وفي هذه المسألة قول ثالث قاله أبو ثور وداود بن علي وهو قول أبي سلمة بن عبد الرحمن وابن شهاب وابن أبي ذئب قالوا إذا قال الرجل هذه الدار وهذا الشيء لك عمري أو عمرك أو حياتي أو حياتك فإن ذلك ينصرف إلى المعطي إذا مات المعطي وانقضى الشرط فإن مات المعطي قبل انقضاء الشرط انصرف إلى ورثته وليس في هذا تمليك شيء من الرقاب حتى يكون فيه ذكر العقب وإذا قال المعطي هو لك ولعقبك زال ملك المعطي عنها وصارت ملكا للمعطى يورث عنه

وقد روي عن يزيد بن قسيط مثل هذا القول أيضا وحجة من ذهب إليه حديث أبي سلمة عن جابر من رواية مالك وغيره عن ابن شهاب وقد تقدم ذكره قالوا فهذا هو الثابت عن النبي من رواية الثقات الفقهاء الأثبات قالوا وليس حديث أبي الزبير مما يعارض به حديث ابن شهاب ولا في حديث أبي هريرة وزيد بن ثابت ومعاوية بيان وهي محتملة للتأويل وحديث ابن شهاب عن أبي سلمة عن جابر حديث مفسر يرتفع معه الأشكال لأنه جعل لذكر العقب حكما وللسكوت عنه حكما يخالفه وبه أفتى أبو سلمة وإليه كان يذهب ابن شهاب وهم رواة الحديث وإليهم ينصرف في تأويله مع موضعهم من الفقه والجلالة وليس من خالفهم ممن يقاس بهم قالوا وحديث معمر حديث صحيح لا معنى لقول من تكلم فيه لأن معمرا من أثبت الناس في ابن شهاب وأحسنهم نقلا عنه لا سيما ما حدث به باليمن من كتبه وإنما وجد عليه شيئا من الغلط فيما حدث به من حفظه بالعراق وحديثه هذا من رواية أهل اليمن عنه صحيح هذا كله معنى ما احتج به القوم ومن ذهب مذهبهم وبالله التوفيق

حدثني محمد بن عبد الله بن حكم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال حدثنا هشام بن عمار قال حدثنا عبد الحميد كاتب الأوزاعي قال قلت للزهري الرجل يقول للرجل جاريتي هذه لك حياتك أيحل له فرجها قال لا فقال فإن قال هي لك عمري أيحل له فرجها قال لا حتى يبتها له إنما العمري التي لا يكون للمعطى فيها شيء أن يعطيها للرجل ولعقبه ليس للمعطي فيها مثنوية

حديث سابع لابن شهاب عن أبي سلمة مسند صحيح[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي أنها قالت سئل رسول الله عن البتع فقال "كل شراب أسكر فهو حرام" لا أعلم عن مالك خلافا في إسناد هذا الحديث إلا أن إبراهيم بن طهمان في ذلك وعنده أيضا حديث مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة والمشهور فيه عن مالك حديث أبي سلمة وهو حديث صحيح مجتمع على صحته لا خلاف بين أهل العلم بالحديث في ذلك وهو أثبت شيء يروى عن النبي في تحريم المسكر وقد سئل يحيى بن معين عن أصح حديث روي في تحريم المسكر فقال حديث ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة أن رسول الله سئل عن البتع فقال "كل شراب أسكر فهو حرام" قال وأنا أقف عنده

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا علي بن محمد بن إسماعيل الطوسي حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز وحدثنا خلف بن إبراهيم بن محمد إسماعيل الطوسي حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز وحدثنا خلف بن إبراهيم بن محمد الدبيلي حدثنا موسى بن هرون الجمال قالا حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبد الرحمن بن مهدي وقتيبة بن سعيد وحدثناه خلف حدثنا الحسين بن جعفر الزيات حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار حدثنا محمد بن المثنى حدثنا بشر بن عمر الزهراني قالوا حدثنا مالك بن أنس عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة عن النبي أنه سئل عن البتع فقال "كل شراب أسكر فهو حرام"

قال أبو عمر:والبتع شراب العسل لا خلاف علمته في ذلك بين أهل الفقه ولا بين أهل اللغة وإذا خرج الخبر بتحريم المسكر على شراب العسل فكل مسكر مثله في الحكم وكذلك

قال ابن عمر :"كل مسكر خمر" حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال أنبأنا شعبة عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى أن النبي لما بعث أبا موسى ومعاذا إلى اليمن قال لهما "يسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تنفرا" فقال له أبو موسى يا رسول الله إن لنا شرابا يصنع بأرضنا من العسل يقال له البتع ومن الشعير يقال له المزر فقال له النبي "كل مسكر حرام"

قال وقال معاذ لأبي موسى كيف تقرأ القرآن قال أقرأه في صلاتي وعلى راحلتي وقائما وقاعدا ومضطجعا وأتفوقه تفوقا فقال معاذ لكني أنام ثم أقوم فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي قال فكأن معاذا فضل عليه

قال أبو عمر:وقد أتينا من القول في تحريم المسكر بما فيه كفاية في كتابنا هذا في باب إسحاق بن أبي طلحة فأغنى عن إعادته هاهنا ولا خلاف بين أهل المدينة في تحريم المسكر قرنا بعد قرن يأخذ ذلك كافتهم عن كافتهم وما لأهل المدينة في شيء من أبواب الفقه إجماع كإجماعهم على تحريم المسكر فإنه لا خلاف بينهم في ذلك وسائر أبواب العلم قل ما تجد فيه قولا لعراقي أو لشامي إلا وقد تقدم من أهل المدينة به قائل إلا تحريم المسكر فإنهم لم يختلفوا فيه فيما علمت ولا يصح عن عمر بن الخطاب ما روي عنه في ذلك وما أجمع عليه أهل المدينة فهو الحق إن شاء الله ولم يجمع أهل العراق على تحليل المسكر ما لم يسكر شاربه لأن جماعة منهم يذهبون في ذلك مذهب أهل الحجاز

حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا سليم حدثنا قاسم حدثنا أحمد ابن عيسى حدثنا إبراهيم بن أحمد حدثنا محمد بن الصباح حدثنا الوليد بن مسلم قال سمعت مخلد بن حسن وعبد الله بن المبارك وعيسى بن يونس وأبا إسحاق الفزارى وهؤلاء أفضل من بقى يومئذ من علماء المشرق وقد أجمعوا على ترك الحديث في تحليل النبيذ وإظهار الرواية في تحريمه حدثني عبد الله بن محمد بن يوسف قال حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال حدثنا أبو جعفر الصائغ قال حدثنا إبراهيم بن المنذر قال حدثني عبد الله بن نافع قال حدثني ابن أبي سهل عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن زيد بن ثابت قال إذا رأيت أهل المدينة على شيء فاعلم أنه سنة وقال أبو بكر بن عبد الرحمن هو الحق الذي لا شك فيه

حديث ثامن لابن شهاب عن أبي سلمة يشارك فيه أبا سلمة أبو عبد الله الأغر[عدل]

واسمه سلمان ثقة رضي

مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وأبي عبد الله الأغر جميعا عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له"

هذا حديث ثابت من جهة النقل صحيح الإسناد لا يختلف أهل الحديث في صحته رواه أكثر الرواة عن مالك هكذا كما رواه يحيى ومن رواة الموطأ من يرويه عن مالك عن ابن شهاب عن أبي عبد الله الأغر لا يذكر أبا سلمة وهو حديث منقول من طرق متواترة ووجوه كثيرة من أخبار العدول عن النبي

وقد روى عن الحنيني عن مالك عن الزهري عن أبي عبيد مولى ابن عوف عن أبي هريرة ولا يصح هذا الإسناد عن مالك وهو عندي وهم وإنما هو عن الأعرج عن أبي هريرة وكذلك لا يصح فيه رواية عبد الله بن صالح عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة وصوابه عن الزهري عن الأعرج وأبي سلمة جميعا عن أبي هريرة

ورواه زيد بن يحيى بن عبيد الله الدمشقي وروح بن عبادة وإسحاق بن عيسى الطباع عن مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة وفيه دليل على أن الله عز وجل في السماء على العرش من فوق سبع سموات كما قالت الجماعة وهو من حجتهم على المعتزلة والجهمية في قولهم إن الله عز وجل في كل مكان وليس على العرش والدليل على صحة ما قالوه أهل الحق في ذلك قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 7 وقوله عز وجل {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ} 8 وقوله {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} 9 وقوله { إِذاً لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً} 10 وقوله تبارك اسمه {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} 11 وقوله تعالى {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} الأعراف: 143]</ref> وقال {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ} 12 وقال جل ذكره {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} 13 وهذا من العلو

وكذلك قوله {الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} و {الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ} و {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ} 14 {ويَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} 15 والجهمي يزعم أنه أسفل وقال جل ذكره {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ} 16 وقوله {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} 17 وقال لعيسى {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} 18 وقال {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} 19 وقال {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} 20 وقال {وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ} 21 وقال {لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ} 22 والعروج هو الصعود وأما قوله تعالى {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ} 23 فمعناه من على السماء يعني على العرش وقد يكون في بمعنى على ألا ترى إلى قوله تعالى {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ} 24 أي على الأرض وكذلك قوله {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} 25 وهذا كله يعضده قوله تعالى {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} 26 وما كان مثله مما تلونا من الآيات في هذا الباب

وهذه الآيات كلها واضحات في إبطال قول المعتزلة وأما ادعاؤهم المجاز في الاستواء وقولهم في تأويل استوى استولى فلا معنى له لأنه غير ظاهر في اللغة ومعنى الاستيلاء في اللغة المغالبة والله لا يغالبه ولا يعلوه أحد وهو الواحد الصمد ومن حق الكلام أن يحمل على حقيقته حتى تتفق الأمة أنه أريد به المجاز إذ لا سبيل إلى اتباع ما أنزل إلينا من ربنا إلا على ذلك وإنما يوجه كلام الله عز وجل إلى الأشهر والأظهر من وجوهه ما لم يمنع من ذلك ما يجب له التسليم ولو ساغ ادعاء المجاز لكل مدع ما ثبت شيء من العبارات وجل الله عز وجل عن أن يخاطب إلا بما تفهمه العرب في معهود مخاطباتها مما يصح معناه عند السامعين والاستواء معلوم في اللغة ومفهوم وهو العلو والارتفاع على الشيء والاستقرار والتمكن فيه قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {اسْتَوَى} قال علا قال وتقول العرب استويت فوق الدابة واستويت فوق البيت وقال غيره استوى أي انتهى شبابه واستقر فلم يكن في شبابه مزيد

قال أبو عمر:الاستواء الاستقرار في العلو وبهذا خاطبنا الله عز وجل وقال :{لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِا} 27 وقال :{وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ} 28 وقال {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ} 29 وقال الشاعر

فأوردتهم ماء بفيفاء قفرة ... وقد حلق النجم اليماني فاستوى

وهذا لا يجوز أن يتأول فيه أحد استولى لأن النجم لا يستولي وقد ذكر النضر بن شميل وكان ثقة مأمونا جليلا في علم الديانة واللغة قال حدثني الخليل وحسبك بالخليل قال أتيت أبا ربيعة الأعرابي وكان من أعلم من رأيت فإذا هو على سطح فسلمنا فرد علينا السلام وقال لنا استووا فبقينا متحيرين ولم ندر ما قال قال فقال لنا أعرابي إلى جنبه أنه أمركم أن ترتفعوا قال الخليل هو من قول الله عز وجل {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ} 30 فصعدنا إليه فقال هل لكم في خبز فطير ولبن هجير وماء نمير فقلنا الساعة فارقناه فقال سلاما فلم ندر ما قال فقال الأعرابي أنه سالمكم متاركة لا خير فيها ولا شر قال الخليل هو من قول الله عز وجل {وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} 31

وأما نزع من نزع منهم بحديث يرويه عبد الله بن واقد الواسطي عن إبراهيم بن عبد الصمد عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 32 على جميع بريته فلا يخلو منه مكان فالجواب عن هذا أن هذا حديث منكر عن ابن عباس ونقلته مجهولون ضعفاء فأما عبد الله بن داود الواسطي وعبد الوهاب بن مجاهد فضعيفان وإبراهيم بن عبد الصمد مجهول لا يعرف وهم لا يقبلون أخبار الآحاد العدول فكيف يسوغ لهم الاحتجاج بمثل هذا من الحديث لو عقلوا أو أنصفوا أما سمعوا الله عز وجل حيث يقول {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِباً} 33 فدل على أن موسى عليه السلام كان يقول الهي في السماء وفرعون يظنه كاذبا

فسبحان من لا يقدر الخلق قدره ... ومن هو فوق العرش فرد موحد

مليك على عرش السماء مهيمن ... لعزته تعنو الوجوه وتسجد

وهذا الشعر لأمية بن أبي الصلت وفيه يقول في وصف الملائكة:

فمن حامل إحدى قوائم عرشه ... ولولا إله الخلق كلوا وأبلدوا

قيام على الأقدام عانون تحته ... فرائصهم من شدة الخوف ترعد

قال أبو عمر:فإن احتجوا بقول الله عز وجل {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} 34 وبقوله {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} 35 وبقوله {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} 36 الآية

وزعموا أن الله تبارك وتعالى في كل مكان بنفسه وذاته تبارك وتعالى قيل لهم لا خلاف بيننا وبينكم وبين سائر الأمة أنه ليس في الأرض دون السماء بذاته فوجب حمل هذه الآيات على المعنى الصحيح المجتمع عليه وذلك أنه في السماء إله معبود من أهل السماء وفي الأرض إله معبود من أهل الأرض وكذلك قال أهل العلم بالتفسير فظاهر التنزيل يشهد أنه على العرش والاختلاف في ذلك بيننا فقط وأسعد الناس به من ساعده الظاهر وأما قوله في الآية الأخرى {وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ} 37

فالإجماع والاتفاق قد بين المراد بأنه معبود من أهل الأرض فتدبر هذا فإنه قاطع إن شاء الله ومن الحجة أيضا في أنه عز وجل على العرش فوق السموات السبع أن الموحدين أجمعين من العرب والعجم إذا كربهم أمر أو نزلت بهم شدة رفعوا وجوههم إلى السماء يستغيثون ربهم تبارك وتعالى وهذا أشهر وأعرف عند الخاصة والعامة من أن يحتاج فيه إلى أكثر من حكايته لأنه اضطرار لم يؤنبهم عليه أحد ولا أنكره عليهم مسلم وقد قال للأمة التي أراد مولاها عتقها إن كانت مؤمنة فاختبرها رسول الله بأن قال لها أين الله فأشارت إلى السماء ثم قال لها من أنا قالت رسول الله قال "أعتقها فإنها مؤمنة"

فاكتفى رسول الله منها برفعها رأسها إلى السماء واستغنى بذلك عما سواه

أخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا أبو المغيرة قال حدثنا الأوزاعي قال حدثنا يحيى بن أبي كثير عن هلال بن أبي ميمونة عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم قال أطلقت غنيمة لي ترعاها جارية لي في ناحية أحد فوجدت الذئب قد أصاب شاة منها وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون فصككتها صكة ثم انصرفت إلى النبي فأخبرته فعظم علي قال فقلت يا رسول الله فهلا أعتقها قال "فأتني بها" قال فجئت بها إلى النبي فقال لها أين الله فقالت في السماء فقال من أنا قالت أنت رسول الله قال "إنها مؤمنة فأعتقها" مختصر أنا اختصرته من حديثه الطويل من رواية الأوزاعي وهو من حديث مالك أيضا وسيأتي في موضعه من كتابنا إن شاء الله

وأما احتجاجهم لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأن ما أحاطت به الأمكنة واحتوته مخلوق فشيء لا يلزم ولا معنى له لأنه عز وجل ليس كمثله شيء من خلقه ولا يقاس بشيء من بريته لا يدرك بقياس ولا يقاس بالناس لا إله إلا هو كان قبل كل شيء ثم خلق الأمكنة والسموات والأرض وما بينهما وهو الباقي بعد كل شيء وخالق كل شيء لا شريك له وقد قال المسلمون وكل ذي عقل أنه لا يعقل كائن لا في مكان منا وما ليس في مكان فهو عدم وقد صح في المعقول وثبت بالواضح من الدليل أنه كان في الأزل لا في مكان وليس بمعدوم فكيف يقاس على شيء من خلقه أو يجري بينه وبينهم تمثيل أو تشبيه تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا الذي لا يبلغ من وصفه إلا إلى ما وصف به نفسه أو وصفه به نبيه ورسوله أو اجتمعت عليه الأمة الحنيفية عنه

فإن قال قائل منهم إنا وصفنا ربنا أنه كان لا في مكان ثم خلق الأماكن فصار في مكان وفي ذلك إقرار منا بالتغيير والانتقال إذ زال عن صفته في الأزل وصار في مكان دون مكان قيل له وكذلك زعمت أنت أنه كان لا في مكان وانتقل إلى صفة هي الكون في كل مكان فقد تغير عندك معبودك وانتقل من لا مكان إلى كل مكان وهذا لا ينفك منه لأنه إن زعم أنه في الأزل في كل مكان كما هو الآن فقد أوجب الأماكن والأشياء موجودة معه في أزله وهذا فاسد فإن قيل فهل يجوز عندك أن ينتقل من لا مكان في الأزل إلى مكان قيل له أما الانتقال وتغير الحال فلا سبيل إلى إطلاق ذلك عليه لأن كونه في الأزل لا يوجب مكانا وكذلك نقله لا يوجب مكانا وليس في ذلك كالخلق لأن كون ما كونه يوجب مكانا من الخلق ونقلته توجب مكانا ويصير منتقلا من مكان إلى مكان والله عز وجل ليس كذلك لأنه في الأزل غير كائن في مكان وكذلك نقلته لا توجب مكانا وهذا ما لا تقدر العقول على دفعه ولكنا نقول استوى من لا مكان إلى مكان ولا نقول انتقل وإن كان المعنى في ذلك واحدا ألا ترى أنا نقول له عرش ولا نقول له سرير ومعناهما واحد ونقول هو الحكيم ولا نقول هو العاقل ونقول خليل إبراهيم ولانقول صديق إبراهيم وإن كان المعنى في ذلك كله واحدا لا نسميه ولا نصفه ولا نطلق عليه إلا ما سمى به نفسه على ما تقدم ذكرنا له من وصفه لنفسه لا شريك له ولا ندفع ما وصف به نفسه لأنه دفع للقرآن وقد قال الله عز وجل {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} 38

وليس مجيئه حركة ولا زوالا ولا انتقالا لأن ذلك إنما يكون إذا كان الجائي جسما أو جوهرا فلما ثبت أنه ليس بجسم ولا جوهر لم يجب أن يكون مجيئه حركة ولا نقلة ولو اعتبرت ذلك بقولهم جاءت فلانا قيامته وجاءه الموت وجاءه المرض وشبه ذلك مما هو موجود نازل به ولا مجيء لبان لك وبالله العصمة والتوفيق فإن قال إنه لا يكون مستويا على مكان إلا مقرونا بالتكييف قيل قد يكون الاستواء واجبا والتكييف مرتفع وليس رفع التكييف يوجب رفع الاستواء ولو لزم هذا لزم التكييف في الأزل لأنه لا يكون كائن في لا مكان إلا مقرونا بالتكييف وقد عقلنا وأدركنا بحواسنا أن لنا أرواحا في أبداننا ولا نعلم كيفية ذلك وليس جهلنا بكيفية الأرواح يوجب أن ليس لنا أرواح وكذلك ليس جهلنا بكيفية على عرشه يوجب أنه ليس على عرشه

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الخزاعي قال حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع ابن حرس عن عمه أبي رزين العقيلي قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا تبارك وتعالى قبل أن يخلق السماء والأرض قال "كان ما فوقه هواء وما تحته هواء ثم خلق عرشه على الماء"

قال أبو عمر:قال غيره في هذا الحديث كان في عماء فوقه هواء وتحته هواء والهاء في قوله فوقه وتحته راجعة إلى العماء وقال أبو عبيد العماء هو الغمام وهو ممدود وقال ثعلب هو عما مقصور أي في عما عن خلقه والمقصود الظلم ومن عمى عن شيء فقد أظلم عليه

أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا سريج بن النعمان قال حدثنا عبد الله بن نافع قال قال مالك بن أنس الله عز وجل في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه مكان قال وقيل لمالك الرحمن على العرش استوى كيف استوى فقال مالك رحمه الله استواؤه معقول وكيفيته مجهولة وسؤالك عن هذا بدعة وأراك رجل سوء وقد روينا عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أنه قال في قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 39

مثل قول مالك هذا سواء وأما احتجاجهم بقوله عز {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} 40 فلا حجة لهم في ظاهر هذه الآية لأن علماء الصحابة والتابعين الذين حملت عنهم التآويل في القرآن قالوا في تأويل هذه الآية هو على العرش وعلمه في كل مكان وما خالفهم في ذلك أحد يحتج بقوله ذكر سنيد عن مقاتل بن حيان عن الضحاك بن مزاحم في قوله {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} 41 الآية

قال هو على عرشه وعلمه معهم أين ما كانوا قال وبلغني عن سفيان الثوري مثله قال سنيد وحدثنا حماد بن زيد عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال الله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمالكم قال سنيد وحدثنا هشيم عن أبي بشر عن مجاهد قال إن بين العرش وبين الملائكة سبعين حجابا حجاب من نور وحجاب من ظلمة وأخبرنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد ابن عثمان قال حدثنا سعيد بن جبير وسعيد بن عثمان قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هرون عن حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن زر عن عبد الله بن مسعود قال ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام وما بين كل سماء إلى الأخرى مسيرة خمسمائة عام وما بين السماء السابعة إلى الكرسي مسيرة خمسمائة والعرش على الماء والله تبارك وتعالى على العرش يعلم أعمالكم

قال أبو عمر:لا أعلم في هذا الباب حديثا مرفوعا إلا حديث عبد الله بن عميرة وهو حديث مشهور بهذا الإسناد رواه عن سماك جماعة منهم أبو خالد الدالاني وعمرو بن أبي عمرو بن أبي قيس وشعيب بن أبي خالد وابن أبي المقدام وإبراهيم بن طهمان والوليد بن أبي ثور وهو حديث كوفي

أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وأنبأنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن إسماعيل قالا حدثنا محمد بن الصباح الدولابي البزار قال حدثنا الوليد بن أبي ثور عن سماك عن عبد الله بن عميرة عن الأحنف بن قيس عن العباس بن عبد المطلب أن رسول الله نظر إلى سحابة مرت فقال ما تسمون هذه قالوا السحاب قال "والمزن" قالوا والمزن قال " والعنان" قالوا نعم قال "كم ترون بينكم وبين السماء" قالوا لا ندري قال "بينكم وبينها إما واحدة أو اثنتين أو ثلاث وسبعون سنة والسماء فوقها كذلك بينهما مثل ذلك حتى عد سبع سموات ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلى سماء ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ثم الله فوق ذلك" وفي رواية فروة بن أبي المغراء هذا الحديث عن الوليد بن أبي ثور قال في الأوعال "ما بين رؤوسهم إلى أظلافهم مثل ذلك"

"يعني ما بين سماء إلى سماء ثم فوقهم العرش ما بين أعلاه وأسفله مثل ذلك ثم الله فوق ذلك" وفيه حديث جبير بن مطعم مرفوعا أيضا

وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا وهب بن جرير قال حدثنا أبي قال سمعت محمد بن إسحاق يحدث عن يعقوب بن عتبة عن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال أتى النبي أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاع العيال ونهكت الأموال فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك فقال رسول الله "ويحك أتدري ما تقول" وسبح رسول الله فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال "ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك وتدري ما الله إن الله على عرشه على سمواته وأرضه لهكذا" وأشار بأصابعه الخمس مثل القبة وأشار يحيى بن معين بأصابعه كهيئة القبة " وإنه ليئط أطيط الرحل بالراكب"

أخبرني أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق بن واضح قال حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث قال حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق قال حدثنا عبد الله بن موسى الضبي قال سألت سفيان الثوري عن قوله تعالى {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} قال علمه قال علي بن الحسن وسمعت ابن المبارك يقول إن كان بخراسان أحد من الأبدال فهو معدان

قال أبو داود وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثنا يحيى بن موسى وعلي بن الحسن بن شقيق عن ابن المبارك قال الرب تبارك وتعالى على السماء السابعة على العرش قيل له بحد ذلك قال نعم هو على العرش فوق سبع سموات قال وحدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال حدثني محمد بن عمرو الكلابي قال سمعت وكيعا يقول كفر بشر بن المريسي في صفته هذه قال هو في كل شيء قيل له وفي قلنسوتك هذه قال نعم قيل له وفي جوف حمار قال نعم وقال عبد الله بن المبارك إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية

وأما قوله في هذا الحديث "ينزل تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا" فقد أكثر الناس التنازع فيه والذي عليه جمهور أئمة أهل السنة أنهم يقولون ينزل كما قال رسول الله ويصدقون بهذا الحديث ولا يكيفون والقول في كيفية النزول كالقول في كيفية الاستواء والمجيء والحجة في ذلك واحدة وقد قال قوم من أهل الأثر أيضا أنه ينزل أمره وتنزل رحمته وروى ذلك عن حبيب كاتب مالك وغيره وأنكره منهم آخرون وقالوا هذا ليس بشيء لأن أمره ورحمته لا يزالان ينزلان أبدا في الليل والنهار وتعالى الملك الجبار الذي إذا أراد أمرا قال له كن فيكون في أي وقت شاء ويختص برحمته من يشاء متى شاء لا إله إلا هو الكبير المتعال وقد روى محمد بن علي الجبلي وكان من ثقات المسلمين بالقيروان قال حدثنا جامع بن سوادة بمصر قال حدثنا مطرف عن مالك بن أنس أنه سئل عن الحديث "إن الله ينزل في الليل إلى سماء الدنيا"

فقال مالك يتنزل أمره وقد يحتمل أن يكون كما قال مالك رحمه الله على معنى أنه تتنزل رحمته وقضاؤه بالعفو والاستجابة وذلك من أمره أي أكثر ما يكون ذلك في ذلك الوقت والله أعلم ولذلك ما جاء فيه الترغيب في الدعاء وقد روي من حديث أبي ذر أنه قال يا رسول الله أي الليل أسمع قال جوف الليل الغابر يعني الآخر وهذا على معنى ما ذكرنا ويكون ذلك الوقت مندوبا فيه إلى الدعاء كما ندب إلى الدعاء عند الزوال وعند النداء وعند نزول غيث السماء وما كان مثله من الساعات المستجاب فيها الدعاء والله أعلم وقال آخرون ينزل بذاته أخبرنا أحمد بن عبد الله أن أباه أخبره قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح بمصر قال سمعت نعيم بن حماد يقول حديث النزول يرد على الجهمية قولهم قال وقال نعيم ينزل بذاته وهو على كرسيه

قال أبو عمر:ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة لأن هذا كيفية وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عيانا وقد جل الله وتعالى عن ذلك وما غاب عن العيون فلا يصفه ذوو العقول إلا بخبر ولا خبر في صفات الله إلا ما وصف نفسه به في كتابه أو على لسان رسوله فلا نتعدى ذلك إلى تشبيه أو قياس أو تمثيل أو تنظير فإنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير

قال أبو عمر:أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز إلا أنهم لا يكيفون شيئا من ذلك ولا يحدون فيه صفة محصورة وأما أهل البدع والجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم ينكرها ولا يحمل شيئا منها على الحقيقة ويزعمون أن من أقر بها مشبه وهم عند من أثبتها نافون للمعبود والحق فيما قاله القائلون بما نطق به كتاب الله وسنة رسوله وهم أئمة الجماعة والحمد لله روى حرملة بن يحيى قال سمعت عبد الله بن وهب يقول سمعت مالك بن أنس يقول من وصف شيئا من ذات الله مثل قوله {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} 42 وأشار بيده إلى عنقه ومثل قوله {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} 43

فأشار إلى عينيه أو أذنه أو شيئا من بدنه قطع ذلك منه لأنه شبه الله بنفسه ثم قال مالك أما سمعت قول البراء حين حدث أن النبي قال "لا يضحى بأربع من الضحايا" وأشار البراء بيده كما أشار النبي بيده قال البراء ويدي أقصر من يد رسول الله فكره البراء أن يصف رسول الله إجلالا له وهو مخلوق فكيف الخالق الذي ليس كمثله شيء

أخبرنا عبد الله بن محمد بن بكر حدثنا أبو داود حدثنا هرون بن معروف حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله "لا يزال الناس يتساءلون حتى يقولوا هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله"

وأخبرنا عبد الله حدثنا محمد حدثنا أبو داود حدثنا محمد بن عمرو حدثنا سلمة بن الفضل حدثني محمد بن إسحاق قال حدثني عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله فذكر نحوه قال "فإذا قالوا ذلك فقولوا الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ثم ليتفل عن يساره ثلاثا ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم"

وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال لا تقوم الساعة حتى تكون خصومة الناس في ربهم وقد روي ذلك مرفوعا عن النبي وقال سحنون من العلم بالله الجهل بما لم يخبر به عن نفسه وهذا الكلام أخذه سحنون عن ابن الماجشون قال أخبرني الثقة عن الثقة عن الحسن بن أبي الحسن قال لقد تكلم مطرف بن عبد الله بن الشخير على هذه الأعواد بكلام ما قيل قبله ولا يقال بعده قالوا وما هو يا أبا سعيد قال قال الحمد لله الذي من الإيمان به الجهل بغير ما وصف من نفسه

أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا الحسن بن سلمة قال حدثنا ابن الجارود قال حدثنا سحنون بن منصور قال قلت لأحمد بن حنبل ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا أليس تقول بهذه الأحاديث ويرى أهل الجنة ربهم وبحديث "لا تقبحوا الوجوه فإن الله خلق آدم على صورته" واشتكت النار إلى ربها حتى يضع الله فيها قدمه وأن موسى عليه السلام لطم ملك الموت صلوات الله عليه قال أحمد كل هذا صحيح وقال إسحاق كل هذا صحيح ولا يدعه إلا مبتدع أو ضعيف الرأي

قال أبو عمر:الذي عليه أهل السنة وأئمة الفقه والأثر في هذه المسألة وما أشبهها الإيمان بما جاء عن النبي فيها والتصديق بذلك وترك التحديد والكيفية في شيء منه

أخبرنا أبو القاسم خلف بن القاسم قال حدثنا عبد الله بن جعفر بن الورد قال حدثنا أحمد بن إسحاق قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن إبراهيم عن أحمد بن نصر أنه سأل سفيان بن عيينة قال حديث عبد الله "إن الله عز وجل يجعل السماء على أصبع" وحديث "إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن" "وإن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق" وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا كل ليلة ونحو هذه الأحاديث فقال هذه الأحاديث نرويها ونقر بها كما جاءت بلا كيف

قال أبو داود وحدثنا الحسن بن محمد قال سمعت الهيثم بن خارجة قال حدثني الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التي جاءت في الصفات فقالوا أمروها كما جاءت بلا كيف وذكر عباس الدوري قال سمعت يحيى بن معين يقول شهدت زكريا بن عدي سأل وكيع بن الجراح فقال يا أبا سفيان هذه الأحاديث يعني مثل الكرسي موضع القدمين ونحو هذا فقال أدركت إسماعيل بن أبي خالد وسفيان ومسعرا يحدثون بهذه الأحاديث ولا يفسرون شيئا

قال عباس بن محمد الدوري وسمعت أبا عبيد القاسم بن سلام وذكر له عن رجل من أهل السنة أنه كان يقول هذه الأحاديث التي تروى في الرؤية والكرسي موضع القدمين وضحك ربنا من قنوط عباده وأن جهنم لتمتلئ وأشباه هذه الأحاديث وقالوا أن فلانا يقول يقع في قلوبنا أن هذه الأحاديث حق فقال ضعفتم عندي أمره هذه الأحاديث حق لا شك فيها رواها الثقات بعضهم عن بعض إلا أنا إذا سئلنا عن تفسير هذه الأحاديث لم نفسرها ولم نذكر أحدا يفسرها وقد كان مالك ينكر على من حدث بمثل هذه الأحاديث ذكره أصبغ

وعيسى عن ابن القاسم قال سألت مالكا عمن يحدث الحديث "إن الله خلق آدم على صورته" والحديث "إن الله يكشف عن ساقه يوم القيامة" وأنه يدخل في النار يده حتى يخرج من أراد فأنكر ذلك إنكارا شديدا ونهى أن يحدث به أحدا وإنما كره ذلك مالك خشية الخوض في التشبيه بكيف هاهنا وأخبرنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثني أبي قال حدثنا أحمد بن خالد قال سمعت ابن وضاح سألت يحيى بن معين عن التنزل فقال أقر به ولا تحد فيه بقول كل من لقيت من أهل السنة يصدق بحديث التنزل قال وقال لي ابن معين صدق به ولا تصفه وحدثنا أحمد بن سعيد بن بشر قال حدثنا ابن أبي دليم قال حدثنا ابن وضاح قال سألت يحيى بن معين عن التنزل فقال أقر به ولا تحد فيه

وأخبرنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا بكار بن عبد الله القرشي قال حدثنا مهدي بن جعفر عن مالك بن أنس أنه سأله عن قول الله عز وجل {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} 44 كيف استوى قال فأطرق مالك ثم قال استواؤه مجهول والفعل منه غير معقول والمسألة عن هذا بدعة قال بقي وحدثنا أيوب بن صلاح المخزومي بالرملة قال كنا عند مالك إذ جاءه عراقي فقال له يا أبا عبد الله مسألة أريد أن أسألك عنها فطأطأ مالك رأسه فقال له يا أبا عبد الله {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى قال سألت عن غير مجهول وتكلمت في غير معقول إنك امرؤ سوء أخرجوه فأخذوا بضبعيه فأخرجوه وقال يحيى بن إبراهيم بن مزين إنما كره مالك أن يتحدث بتلك الأحاديث لأن فيها حدا وصفة وتشبيها والنجاة في هذا الانتهاء إلى ما قال الله عز وجل ووصف به نفسه بوجه ويدين وبسط واستواء وكلام فقال {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} 45 وقال {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} 46

وقال :{وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} 47 وقال {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} فليقل قائل بما قال الله ولينته إليه ولا يعدوه ولا يفسره ولا يقل كيف فإن في ذلك الهلاك لأن الله كلف عبيده الإيمان بالتنزيل ولم يكلفهم الخوض في التأويل الذي لا يعلمه غيره وقد بلغني عن ابن القاسم أنه لم ير بأسا برواية الحديث أن الله ضحك وذلك لأن الضحك من الله والتنزل والملالة والتعجب منه ليس على جهة ما يكون من عباده

قال أبو عمر:الذي أقول أنه من نظر إلى إسلام أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وسعد وعبد الرحمن وسائر المهاجرين والأنصار وجميع الوفود الذين دخلوا في دين الله أفواجا علم أن الله عز وجل لم يعرفه واحد منهم إلا بتصديق النبيين بأعلام النبوة ودلائل الرسالة لا من قبل حركة ولا من باب الكل والبعض ولا من باب كان ويكون ولو كان النظر في الحركة والسكون عليهم واجبا وفي الجسم ونفيه والتشبيه ونفيه لازما ما أضاعوه ولو أضاعوا الواجب ما نطق القرآن بتزكيتهم وتقديمهم ولا أطنب في مدحهم وتعظيمهم ولو كان ذلك من عملهم مشهورا أو من أخلاقهم معروفا لاستفاض عنهم ولشهروا به كما شهروا بالقرآن والروايات

وقول رسول الله "ينزل ربنا إلى السماء الدنيا" عندهم مثل قول الله عز وجل {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} 48 ومثل قوله {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} 49 "كلهم يقول ينزل ويتجلى ويجيء بلا كيف لا يقولون كيف يجيء وكيف يتجلى وكيف ينزل ولا من أين جاء ولا من أين تجلى ولا من أين ينزل لأنه ليس كشيء من خلقه وتعالى عن الأشياء ولا شريك له وفي قول الله عز وجل {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} دلالة واضحة أنه لم يكن قبل ذلك متجليا للجبل وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التنزيل ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عز وجل {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} فلينظر في تفسير بقي بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق

وفي قول الله عز وجل {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} 50 دلالة واضحة لمن أراد الله هداه أنه يرى إذا شاء ولم يشأ ذلك في الدنيا بقوله {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} 51 وقد شاء ذلك في الجنة بقوله :{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 52 ولو كان لا يراه أهل الجنة لما قال {فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي} وفي هذا بيان أنه لا يرى في الدنيا لأن أبصار الخلائق لم تعط في الدنيا تلك القوة والدليل على أنه ممكن أن يرى في الآخرة بشرطه في الرؤية ما يمكن من استقرار الجبل ولا يستحيل وقوعه ولو كان محالا كون الرؤية لقيدها بما يستحيل وجوده كما فعل بدخول الكافرين الجنة قيد قبل ذلك بما يستحيل من دخول الجمل في سم الخياط ولا يشك مسلم أن موسى كان عارفا بربه وما يجوز عليه فلو كان عنده مستحيلا لم يسأله ذلك ولكان بسؤاله إياه كافرا كما لو سأله أن يتخذ شريكا أو صاحبة وإذا امتنع أن يرى في الدنيا بما ذكرنا لم يكن لقوله {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 53 وجه إلا النظر إليه في القيامة على ما جاء في الآثار الصحاح عن النبي وأصحابه وأهل اللسان وجعل الله عز وجل الرؤية لأوليائه يوم القيامة ومنعها من أعدائه ألم تسمع إلى قوله عز وجل {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} 54

وإنما يحتجب الله عن أعدائه المكذبين ويتجلى لأوليائه المؤمنين وهذا معنى قول مالك في تفسير هذه الآية وأما قوله في تأويل قول الله عز وجل {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 55 فإن أشهب روى عن مالك أنه سمعه وسئل عن قول الله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} 56 قال ينظرون إلى الله عز وجل قال موسى {رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ} 57 وعلى هذا التأويل في هذه الآية جماعة أهل السنة وأئمة الحديث والرأي ذكر أسد بن موسى قال حدثنا جرير عن ليث عن عبد الرحمن بن سابط في قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} قال من النعمة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال تنظر إلى الله قال وحدثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبيه قال صلى بنا عمار بن ياسر وكان في دعائه اللهم إني أسألك النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك

وقد جاء أن موسى قال له ربه حينئذ لن تراني عين إلا ماتت إنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلى أجسادهم وجاء عن الحسن أنه قال لما كلم موسى ربه دخل قلبه من السرور بكلامه ما لم يدخل قلبه مثله فدعته نفسه إلى أن يريه نفسه وعن قتادة وأبي بكر بن أبي شيبة وجماعة مثل ذلك وذكر سنيد عن حجاج عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية في قوله {تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} قال أول من آمن بك أنه لا يراك أحد إلا يوم القيامة ولو كان فيها عهد إلى موسى قبل ذلك أنه لا يرى لم يسأل ربه ما يعلم أنه لا يعطيه إياه ولو كان ذلك عنده غير ممكن لما سأله ما لا يمكن عنده.

وأهل البدع المخالفون لنا في هذا التأويل يقولون إن من جوز مثل هذا وأمكن عنده فقد كفر فيلزمهم تكفير موسى نبي الله وكفى بتكفيره كفرا وجهلا

حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد الأعرابي قال حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال حدثنا وكيع قال حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله قال كنا جلوسا عند رسول الله فنظر إلى القمر ليلة البدر فقال "أما إنكم ستعرضون على ربكم فترونه كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته"

وذكر الحديث قال حدثنا وكيع قال حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى} قال الجنة {وَزِيَادَةٌ} قال هو النظر إلى وجه الله عز وجل ورواه الثوري عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن سعيد بن يمان عن أبي بكر الصديق مثله

وحدثنا إبراهيم بن شاكر قال حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان قال حدثنا سعيد بن جبير وسعيد بن عثمان قالا حدثنا أحمد بن عبد الله بن صالح قال حدثنا يزيد بن هارون وأخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثنا عفان وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن قال حدثنا عفان بن مسلم وعبيد الله بن عائشة قالوا حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن ابن أبي علي عن صهيب عن النبي قال "إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة لكم عند الله موعد يريد أن ينجزكموه فيقولون وما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويجرنا من النار ويدخلنا الجنة فيكشف الحجاب فينظرون إليه" وقال إبراهيم وقال الآخر "فينظرون إلى الله تعالى" قال " فوالله ما أعطاهم الله شيئا أقر لأعينهم ولا أحب إليه من النظر إليه"

ثم تلا هذه الآية {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} 58 واللفظ لحديث عبد الوارث والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا فإن قيل فقد روى سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد في قول الله عز وجل{ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} قال حسنة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} قال تنظر الثواب ذكره وكيع وغيره عن سفيان فالجواب أنا لم ندع الإجماع في هذه المسألة ولو كانت إجماعا ما احتجنا فيها إلى قول ولكن قول مجاهد هذا مردود بالسنة الثابتة عن النبي وأقاويل الصحابة وجمهور السلف وهو قول عند أهل السنة مهجور والذي عليه جماعتهم ما ثبت في ذلك عن نبيهم وليس من العلماء أحد إلا وهو يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ومجاهد وإن كان أحد المقدمين في العلم بتأويل القرآن فإن له قولين في تأويل اثنين هما مهجوران عند العلماء مرغوب عنهما أحدهما هذا والآخر قوله في قول الله عز وجل {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً} 59

حدثنا أحمد بن عبد الله حدثنا أبو أمية الطرسوسي حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً} قال يوسع له على العرش فيجلسه معه وهذا قول مخالف للجماعة من الصحابة ومن بعدهم فالذي عليه العلماء في تأويل هذه الآية أن المقام المحمود الشفاعة والكلام في هذه المسألة من جهة النظر يطول وله موضع غير كتابنا هذا وبالله التوفيق.

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا القاسم بن خارجة قال حدثنا الوليد بن مسلم قال سألت الأوزاعي وسفيان الثوري ومالك بن أنس وليث بن سعد غير مرة عن الأحاديث التي فيها ذكر الرؤية فقال أمروها كيف جاءت بلا كيف وفي هذا الحديث أيضا دليل على غفران الذنوب وإجابة الدعوة ودليل على أن من أجزاء الليل وقتا يجاب فيه الدعاء ولكن من مقدار ثلث الليل الآخر وقد قيل من مقدار نصف الليل إلى آخره وكل هذا قد روي في أحاديث صحاح ولم يزل الصالحون يرغبون في الدعاء والاستغفار بالأسحار لهذا الحديث ولقوله عز وجل:{ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} 60

حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد قال حدثنا الحسن بن إسماعيل قال حدثنا عبد الملك بن بحر قال حدثنا محمد بن إسماعيل قال حدثنا سنيد بن داود قال حدثنا هشيم قال أنبأنا عبد الرحمن بن إسحاق عن محارب بن دثار عن عمه قال كنت آتي المسجد في السحر فأمر بدار ابن مسعود فأسمعه يقول اللهم إنك أمرتني فأطعت ودعوتني فأجبت وهذا سحر فاغفر لي فلقيت ابن مسعود فقلت كلمات أسمعك تقولهن في السحر فقال إن يعقوب أخر بنيه إلى السحر

وعن أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن الفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا مسلمة بن جنادة السدي قال حدثنا ابن إدريس قال سمعت عبد الرحمن بن إسحاق يذكر عن محارب بن دثار قال كان عمي يأتي المسجد فيسمع أنسا يقول اللهم دعوتني فأجبت وأمرتني فأطعت وهذا سحر فاغفر لي قال فأستمع الصوت فإذا هو من دار عبد الله بن مسعود فسأل عبد الله عن ذلك فقال إن يعقوب عليه السلام أخر بنيه إلى السحر بقوله {قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي} 61 وروى حماد بن سلمة عن الجريري أن داود عليه السلام سأل جبريل فقال أي الليل أسمع قال لا أدري غير أن العرش يهتز في السحر

ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف[عدل]

القرشي الزهري له ثمانية أحاديث منها ستة مسندة شركه في أحدها محمد بن النعمان بن بشير واحد مرسل وآخر موقوف لا يدرك مثله بالرأي وهو محفوظ مسند من وجوه وأم حميد بن عبد الرحمن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وهو شقيق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف وليس أبو سلمة شقيقا لهما وحميد أحد الثقات الأثبات حجة فيما نقل روى عن بعض ولده أن كنيته أبو إبراهيم وقال البخاري كنيته أبو عبد الرحمن

قال أبو عمر:توفي حميد بن عبد الرحمن بن عوف سنة خمس وتسعين وهو ابن ثلاث وسبعين روى عن عمر وعثمان وعن أبيه وسعيد بن زيد وأبي هريرة والنعمان بن بشير ومعاوية ويختلف في سماعه من عمر وعثمان ومن أبيه وقال ابن سعد قد سمعت من يذكر أنه توفي سنة خمس ومائة قال وهذا غلط وليس يمكن أن يكون كذلك لا في سنه ولا في روايته قال والصواب والله أعلم ما ذكره الواقدي يعني سنة خمس وتسعين

حديث أول لابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف مسند[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة" أن رجلا أفطر في رمضان فأمره رسول الله أن يكفر بعتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا فقال لا أجد فأتى رسول الله بعرق تمر قال "خذ هذا فتصدق به" فقال يا رسول الله ما أجد أحوج مني فضحك رسول الله حتى بدت أنيابه ثم قال "كله"

هكذا روي هذا الحديث عن مالك لم يختلف رواة الموطأ عليه فيه بلفظ التخيير في العتق والصوم والإطعام ولم يذكر الفطر بأي شيء كان هل كان بجماع أو بأكل بل أبهم ذلك وتابعه على روايته هذه ابن جريج وأبو أويس عن ابن شهاب

وكذلك رواه أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن ابن شهاب بإسناده مثله ورواه أشهب عن مالكو الليث جميعا والمعروف فيه عن الليث كرواية ابن عيينة ومعمر وإبراهيم بن سعد ومن تابعهم وروى هذا الحديث جماعة من أصحاب ابن شهاب عن ابن شهاب بإسناده هذا فذكروه عن النبي على ترتيب كفارة الظهار "هل تستطيع أن تعتق رقبة" قال لا قال "فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين" قال لا ثم ذكروا الإطعام" إلى آخر الحديث

وكذلك رواه الوليد بن مسلم عن مالك ذكره صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم قال قلت للأوزاعي رجل واقع امرأته في شهر رمضان نهارا ثم جاء تائبا قال يؤمر بالكفارة بما أخبرني الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله أمر الذي واقع امرأته في يوم من شهر رمضان بعتق رقبة قال لا أجد قال "فصم شهرين متتابعين" قال لا أستطيع قال "أطعم ستين مسكينا" قال لا أجد قال الوليد

وأخبرني مالك بن أنس والليث بن سعد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي نحوه هكذا قال الوليد وهو وهم منه على مالك والصواب عن مالك ما في الموطأ أن رجلا أفطر فخيره النبي أن يعتق أو يصوم أو يطعم فذهب مالك رحمه الله إلى أن المفطر عامدا في رمضان بأكل أو بشرب أو جماع أن عليه الكفارة المذكورة في هذا الحديث على ظاهره لأنه ليس في روايته فطر مخصوص بشيء دون شيء فكل ما وقع عليه اسم فطر متعمدا فالكفارة لازمة لفاعله على ظاهر هذا الحديث وروي عن الشعبي في المفطر عامدا في رمضان أن عليه عتق رقبة أو إطعام ستين مسكينا أو صيام شهرين متتابعين مع قضاء اليوم وهذا مثل قول مالك سواء إلا أن مالكا يختار الإطعام لأنه شبه البدل من الصيام ألا ترى إلى أن الحامل والمرضع والشيخ الكبير والمفرط في قضاء رمضان حتى يدخل عليه رمضان آخر لا يؤمر واحد منهم بعتق ولا صيام مع القضاء وإنما يؤمر بالإطعام فصار الإطعام له مدخل في الصيام ونظائره من الأصول

فهذا ما اختاره مالك وأصحابه وقال ابن وهب عن مالك الإطعام أحب إلي في ذلك من العتق وغيره وقال ابن القاسم عنه أنه لا يعرف إلا الإطعام ولا يؤخذ بالعتق ولا بالصيام وقد روي عن عائشة قصة الواقع على أهله في رمضان بهذا الخبر ولم يذكر فيه إلا الإطعام وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا عيسى بن حماد قال أنبأنا الليث بن سعد عن عبد الرحمن بن القاسم عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عباد بن عبد الله بن الزبير عن عائشة قالت أن رجلا أتى رسول الله

فقال احترقت ثم قال وطئت امرأتي في رمضان نهارا قال "تصدق تصدق" فقال ما عندي شيء وأمره أن يمكث فجاءه عرق تمر فيه طعام فأمره أن يتصدق به" ورواه عن يحيى بن سعيد بهذا الإسناد جماعة منهم حماد بن سلمة وغيره كلهم يقول فيه أنه وطئ امرأته في رمضان ورواه عبد الوهاب عن يحيى بن سعيد بإسناده وقال فيه أفطرت في رمضان لم يذكر الوطء وذكره ابن وهب قال

أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه أن محمد بن جعفر بن الزبير حدثه أن عباد بن عبد الله بن الزبير حدثه أنه سمع عائشة تقول أتى رجل إلى رسول الله في المسجد في رمضان فقال يا رسول الله احترقت فسأله رسول الله "ما شأنه" قال أصبت أهلي قال "تصدق" قال والله يا نبي الله ما لي شيء ولا أقدر عليه قال "اجلس" فجلس فبينا هو على ذلك إذ أقبل رجل يسوق حمارا عليه طعام فقال رسول الله "أين المحترق آنفا" فقام الرجل فقال رسول الله "تصدق بهذا" فقال يا رسول الله أعلى غيرنا فوالله إنا لجياع قال "كلوه" ففي هذا الحديث بيان ما ذهب إليه مالك رحمه الله في اختياره الإطعام دون غيره وقد كان الشافعي وابن علية يقولان أن مالكا ترك في هذا الباب ما رواه إلى رأيه وليس كما ظنا والأغلب أن مالكا سمع الحديث لأنه مدني فذهب إليه في اختياره الإطعام مع ما ذكرناه من شهود الأصول له بدخول الإطعام في البدل من الصيام والله أعلم وقد كان ابن أبي ليلى يقول في الذي يأتي أهله في رمضان نهارا هو مخير في العتق والصيام قال وإن لم يقدر على واحد منهما أطعم وإلى هذا ذهب أبو جعفر محمد بن جرير الطبري قال لا سبيل إلى الإطعام إلا عند العجز عن العتق والصيام وهو مخير في العتق والصيام

وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والأوزاعي والشافعي والحسن بن صالح بن حي وأبو ثور في المجامع أهله في رمضان نهارا عليه القضاء والكفارة والكفارة عندهم مثل كفارة الظهار عتق رقبة فإن لم يجد

صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينا ولا سبيل عندهم في هذه الكفارة إلى الصيام إلا عند العجز عن العتق وكذلك لا سبيل عندهم فيها إلى الإطعام إلا عند عدم القدرة على الصيام ككفارة الظهار في الرتبة سواء وروى سفيان بن عيينة ومعمر وشعيب بن أبي حمزة والأوزاعي وعبد الرحمن بن خالد بن مسافر والليث بن سعد وإبراهيم بن سعد والحجاج بن أرطاة كلهم عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن النبي أنه قال للذي استفتاه حين وقع على امرأته في رمضان "هل تجد رقبة" قال لا قال "فهل تستطيع صيام شهرين وبعضهم يقول متتابعين قال لا قال فأطعم ستين مسكينا"

وكذلك رواه منصور بن المعتمر وعراك بن مالك عن الزهري بإسناده مثله في رجل واقع امرأته في رمضان على هذا الترتيب وذكر التتابع في الشهرين وكل من قال بهذا الخبر من علماء المسلمين يقول الشهران في صيام الكفارة متتابعان إلا ابن أبي ليلى فإنه قال: ليس الشهران في ذلك متتابعان والحجة في قول من حفظ الشيء وشهد به

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الهيثم أبو الأحوص قال حدثنا يحيى بن بكير قال

حدثني بكر يعني ابن منصور عن جعفر بن زمعة عن عراك بن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي فأخبره أنه وطئ امرأته في رمضان فقال له رسول الله "هل تجد رقبة" قال لا أجد فأعطاه رسول الله تمرا فأمره أن يتصدق به قال فذكر لرسول الله حاجته فأمره أن يأكله هو رواه أبو الأسود وإسحاق بن بكر بن مضر عن بكر بن مضر بإسناده مثله سواء إلا أنهما قالا شهرين متتابعين ذكره النسائي عن الربيع بن سليمان عنهما

وأخبرني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا معاوية بن عمرو قال حدثنا زائدة عن منصور عن الزهري قال حدثني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رجل أتى النبي فقال إني وقعت على امرأتي في رمضان قال "أتجد عتق رقبة" قال لا قال "أتستطيع صيام شهرين متتابعين" قال لا قال "أفتجد إطعام ستين مسكينا" قال لا قال فأتى بعرق تمر فقال "تصدق به" قال على أفقر منا ما بين لابتيها أحد أحوج إليه منا قال أطعمه عيالك

وذكره عبد الرزاق عن معمر عن الزهري بإسناده مثله سواء بمعناه وزاد قال الزهري وإنما كان هذا رخصة له خاصة ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير واختلف العلماء في قضاء ذلك اليوم مع الكفارة فقال مالك الذي آخذ به في الذي يصيب أهله في شهر رمضان إطعام ستين مسكينا وصيام ذلك اليوم قال وليس العتق والصوم من كفارة رمضان في شيء وقال الأوزاعي إن كفر بالعتق أو بالطعام صام يوما مكان ذلك اليوم الذي أفطره وإن صام شهرين متتابعين دخل فيهما قضاء يومه ذلك وقال الثوري يقضي اليوم ويكفر كفارة الظهار وقال الشافعي يحتمل إن كفر أن تكون الكفارة بدلا من الصيام ويحتمل أن يكون الصيام مع الكفارة ولكل وجه وأحب إلي أن يكفر ويصوم مع الكفارة هذه رواية الربيع عنه وقال المزني عنه من وطئ امرأته فأولج عامدا كان عليه القضاء والكفارة وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق يقضي يوما مكانه ويكفر مثل كفارة الظهار

وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله الذي يجامع في رمضان فكفر أليس عليه أن يصوم يوما مكانه قال ولا بد من أن يصوم يوما مكانه ومن حجة من لم ير مع الكفارة قضاء أنه ليس في خبر أبي هريرة ولا خبر عائشة ولا في شيء من الأخبار التي لا علة فيها ذكر القضاء وإنما فيه الكفارة فقط ولو كان القضاء واجبا لذكره مع الكفارة ومن حجة من رأى القضاء حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا جاء ينتف شعره وقال يا رسول الله وقعت على امرأتي في رمضان فذكر مثل حديث أبي هريرة وزاد وأمره رسول الله أن يقضي يوما مكانه

أخبرنا أحمد بن محمد قال حدثنا أحمد بن المفضل قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا أبو كريب قال حدثنا أبو خالد الأحمر عن حجاج بن أرطاة عن عمرو بن شعيب فذكره وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا جعفر بن مسافر قال حدثنا ابن أبي فديك قال حدثنا هشام بن سعد عن أبي سلمة عن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رجلا أفطر في رمضان بهذا الحديث قال فأتى بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا وقال فيه "كله أنت وأهل بيتك وصم يوما واستغفر الله" وهشام بن سعد لا يحتج به في حديث ابن شهاب ومن جهة النظر والقياس لا يسقط القضاء لأن الكفارة عقوبة الذنب الذي ركبه والقضاء بدل من اليوم الذي أفسده وكما لا يسقط عن المفسد حجه بالوطء إذا أهدي القضاء للبدل بالهدي فكذلك قضاء ذلك اليوم والله أعلم

واختلف العلماء أيضا فيمن أفطر في رمضان بأكل أو بشرب متعمدا فقال مالك وأصحابه والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وأبو ثور عليه من الكفارة ما على المجامع كل واحد منهم على أصله الذي قدمنا ذكره وإلى هذا ذهب أبو جعفر محمد بن جرير وروى مثل ذلك أيضا عن عطاء في رواية وعن الحسن والزهري وقال الشافعي وأحمد بن حنبل عليه القضاء ولا كفارة عليه وهو قول سعيد بن جبير وابن سيرين وجابر بن زيد والشعبي وقتادة وروى مغيرة عن إبراهيم مثله وقال الشافعي عليه مع القضاء العقوبة لانتهاكه حرمة الشهر وسائر من ذكرنا قوله من التابعين قال يقضي يوما مكانه ويستغفر الله ويتوب إليه قال بعضهم ويصنع معروفا ولم يذكر عنهم عقوبة وقال أحمد بن حنبل لا أقول بالكفارة إلا في الغشيان ذكره عنه الأثرم قال وقيل له مرة أخرى رجل أكل متعمدا في رمضان فقال هذا الذي أتهيبه أن أفتي بكفارة أقول يقضي يوما مكانه وإن كفر لم يضره وقد روي عن عطاء أيضا أن من أفطر يوما من رمضان من غير علة كان عليه تحرير رقبة فإن لم يجد فبدنة أو بقرة أو عشرين صاعا من طعام يطعم المساكين

وعن ابن عباس أنه قال عليه عتق رقبة أو صوم شهر أو إطعام ثلاثين مسكينا حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا محمد بن معاوية حدثنا أحمد بن شعيب أنبأنا محمد بن عبد الأعلى قال قال قرأت على فضيل عن أبي حريز أن أيفع حدثه أنه سأل سعيد بن جبير عمن أفطر في رمضان فقال كان ابن عباس يقول من أفطر في رمضان فعليه عتق رقبة أو صوم شهر أو إطعام ثلاثين مسكينا قال قلت ومن وقع على امرأته وهي حائض أو سمع أذان الجمعة فلم يجمع وليس له عذر قال كذلك عتق رقبة وعن سعيد بن المسيب أنه قال عليه صيام شهر وعنه أيضا وهو قول ربيعة أن عليه أن يصوم اثني عشر يوما وكان ربيعة يحتج لقوله هذا بأن شهر رمضان فضل على اثني عشر شهرا فمن أفطر فيه يوما كان عليه اثنا عشر يوما

وكان الشافعي رحمه الله يعجب من هذا ويتنقص فيه ربيعة ويهجنه وكان لا يرضى عنه ولربيعة رحمه الله شذوذ كثير منها في المحرم يقتل جرادة قال عليه صاع من قمح قال لأنه أدنى الصيد ومنها فيمن طلق امرأة من نسائه الأربع وجهلها بعينها أنه لا يلزمه فيهن شيء ولا يمنع من وطئهن إلى أشياء يطول ذكرها ليس بنا حاجة إلى الإتيان بها وروى معمر عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه سأله عن رجل أكل في رمضان عامدا قال عليه صيام شهر قال قلت يومين قال صيام شهر قال فعددت أياما فقال صيام شهر

هكذا قال معمر عن قتادة وهي رواية مفسرة وأظنه ذهب إلى التتابع في الشهر لا يخلطه بفطر كأنه يقول من أفسده بفطر يوم أو أكثر قضاه كله نسقا والله أعلم وروى هشام عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الرجل يفطر يوما من رمضان متعمدا قال يصوم شهرا ولم يزد وكذلك رواية سعيد بن أبي عروبة وأبي عوانة عن قتادة عن سعيد بن المسيب في الذي يفطر يوما من رمضان متعمدا قال يصوم شهرا وذكر ابن أبي شيبة عن عبدة عن عاصم قال أرسل أبو قلابة إلى سعيد بن المسيب في رجل أفطر يوما من رمضان متعمدا فقال سعيد يصوم عن مكان كل يوم أفطر شهرا وهذه الرواية عندي وهم عن سعيد والله أعلم والصحيح عنه ما تقدم

وذكر معمر أيضا عن أيوب عن ابن سيرين قال يقضي يوما ويستغفر الله وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير وروي عن إبراهيم النخعي روى بكار بن قتيبة حدثنا هلال بن يحيى بن مسلم قال حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن إبراهيم في رجل أفطر يوما من رمضان قال يستغفر الله ولا يعد ويصوم يوما مكانه وروى حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم أنه قال من أفطر يوما من رمضان متعمدا فعليه صيام ثلاثة آلاف يوم وهذا لا وجه له إلا أن يكون كلاما خرج على التغليظ والغضب لما روي عن النبي وعن ابن مسعود وعلي من أفطر في رمضان عامدا لم يكفره صيام الدهر

وقد تقدم عن إبراهيم من رواية مغيرة وغيره ما يوضح لك هذا على أن أقاويل التابعين بالحجاز والعراق في هذا الباب كما ترى لا وجه لها عند أهل الفقه والنظر وجماعة أهل الأثر ولا دليل عليها ولا يلتفت إليها لمخالفتها للسنة في ذلك وإنما في المسألة قولان أحدهما قول مالك ومن تابعه والحجة لهم من جهة الأثر حديث ابن شهاب هذا ومن جهة النظر أن الآكل والشارب في القياس كالمجامع سواء لأن الصوم في الشريعة في وجه واحد شيء واحد فسبيل نظيره في الحكم سبيله والنكتة الجامعة بينهما انتهاك حرمة الشهر بما يفسد الصوم عمدا

وقد تقدم أن لفظ حديث مالك في هذا الباب يجمع كل فطر والقول الثاني قول الشافعي ومن تابعه والحجة لهم أن الحديث ورد في المجامع أهله وليس الأكل مثله بدليل إجماعهم على أن المستقيء عمدا إنما عليه القضاء وليس عليه كفارة وهو مفطر عمدا وكذلك مزدرد الحصاة عمدا عليه القضاء وهو مفطر متعمدا وليس عليه كفارة لأن الذمة بريئة فلا يثبت فيها شيء إلا بيقين والآكل عمدا لا يرجم ولا يجلد ولا يجب عليه غسل فليس كالمجامع والكلام في هذه المسألة يطول وفيما لوحنا به كفاية إن شاء الله وقد روى أبو المطوس عن أبيه عن أبي هريرة عن رسول الله أنه قال "من أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يجزه صيام الدهر وإن صامه"

وروي عن علي وابن مسعود وهذا يحتمل أن يكون لو صح على التغليظ وهو حديث ضعيف لا يحتج بمثله وقد جاءت الكفارة بأسانيد صحاح والكفارة تغطية الذنب وغفرانه ولله الحمد واختلف العلماء أيضا فيما يجزي من الإطعام عمن يجب عليه أن يكفر به عن فساد يوم من شهر رمضان فقال مالك والشافعي وأصحابهما والأوزاعي يطعم ستين مدا بمد النبي لستين مسكينا مدا لكل مسكين

والحجة لمن قال هذا القول ما حدثناه أحمد بن محمد بن أحمد قال حدثنا أحمد بن المفضل بن العباس قال حدثنا محمد بن جرير قال حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا أيوب بن سويد الرملي عن الأوزاعي عن الزهري قال حدثني حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وحدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الهيثم قال حدثنا أبو صالح قال حدثنا هقل قال حدثنا الأوزاعي قال حدثني الزهري قال حدثني حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال حدثني أبو هريرة قال بينما أنا عند رسول الله جالس إذ جاءه رجل فقال يا رسول الله قد هلكت قال "ويحك وما صنعت" قال وقعت على أهلي قال "أعتق رقبة" قال ما أجدها قال "فصم شهرين متتابعين" قال لا أستطيع قال "فأطعم ستين مسكينا" قال ما أجد فأتى رسول الله بعرق فيه خمسة عشر صاعا

وفي حديث أيوب بن سويد بمكتل فيه خمسة عشر صاعا من تمر فقال "أين السائل" فقال ها أنا يا رسول الله قال "خذه وتصدق به على ستين مسكينا" فقال يا رسول الله أعلى غير أهلي فو الذي نفسي بيده ما بين لابتي المدينة أحد أحوج مني فضحك رسول الله حتى بدت أنيابه وقال "خذه واستغفر ربك" وإذا أطعم خمسة عشر ستين أصاب كل مسكين منهم ربع صاع وذلك مد بمد النبي وهذا قاطع في موضع الخلاف.

وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه لا يجزيه أقل من مدين بمد النبي وذلك نصف صاع لكل مسكين تتمة ثلاثين صاعا قياسا منهم على إجماع العلماء أن ذلك هو المقدار الذي لا يجزى أقل منه في فدية الأداء وقول مالك ومن تابعه أولى لأنه نص لا قياس وقد روى هشام بن سعد هذا الحديث عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن أبي هريرة فذكر فيه خمسة عشر صاعا إلا أنه جعله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وإنما هو لحميد بن عبد الرحمن وهشام بن سعد لين ضعيف سيما في ابن شهاب وأيوب بن سليمان وأبو بكر الأويسي ضعيفان وإنما ذكرته لتقف عليه وتعرفه وتعرف أن الحديث لا يصح لابن شهاب إلا عن حميد والله أعلم

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي قال حدثنا أيوب بن سليمان قال حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال عن هشام بن سعد عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله أفطر في رمضان قال "أعتق رقبة" قال لا أجدها قال "صم شهرين متتابعين" قال لا أستطيع قال "أطعم ستين مسكينا" قال لا أجد قال فأتى النبي بعرق فيه تمر قدر خمسة عشر صاعا قال "خذ هذا فتصدق به" قال ما أحد أحوج مني ومن أهل بيتي قال "كله أنت وأهل بيتك وصم يوما مكانه" واختلف العلماء أيضا في الواطئ أهله في رمضان إذا وجب عليه التكفير بالإطعام دون غيره ولم يجد ما يطعم وكان في حكم الرجل الذي ورد هذا الحديث فيه فأما مالك فلم أجد عنه في ذلك شيئا منصوصا وكان عيسى بن دينار يقول إنها على المعسر واجبة فإذا أيسر أداها وقد يخرج قول ابن شهاب على هذا لأنه جعل إباحة النبي لذلك الرجل أكل الكفارة رخصة له وخصوصا قال ابن شهاب ولو أن رجلا فعل ذلك اليوم لم يكن له بد من التكفير

وقال الأوزاعي وسئل عن رجل أفطر في شهر رمضان متعمدا فلم يجد كفارة المفطر ولم يقدر على الصيام أيسأل في الكفارة فقال رد رسول الله كفارة المفطر على أهله فليستغفر الله ولا يعد ولم ير عليه شيئا إذا كان في وقت وجوب الكفارة عليه معسرا وقال الشافعي قول رسول الله "كله وأطعمه أهلك" يحتمل معانيا منها أنه لما كان في الوقت الذي أصاب فيه أهله ليس ممن يقدر على واحدة من الكفارات تطوع رسول الله بأن قال له في شيء أتى به "كفر به" فلما ذكر الحاجة ولم يكن الرجل قبضه قال له "كله وأطعمه أهلك" وجعل التمليك له حينئذ مع القبض ويحتمل أن يكون لما ملكه وهو محتاج وكان إنما تكون الكفارة عليه إذا كان عنده فضل ولم يكن عنده فضل كان له أن يأكله هو وأهله لحاجته ويحتمل في هذا أن تكون الكفارة دينا عليه متى أطاقها أداها وإن كان ذلك ليس في الخبر وكان هذا أحب إلينا وأقرب من الاحتياط قال ويحتمل إذا كان لا يقدر على شيء من الكفارات وكان لغيره أن يكفر عنه وأن يكون لغيره أن يتصدق عليه وعلى أهله إذا كانوا محتاجين بتلك الكفارة وتجزى عنه ويحتمل أن يكون إذا لم يقدر على شيء في حاله تلك أن تكون الكفارة ساقطة عنه إذا كان مغلوبا كما سقطت الصلاة عن المغمي عليه إذا كان مغلوبا والله أعلم.

وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة عن النبي قال "أطعم عيالك" أتقول به قال نعم إذا كان محتاجا ولكن لا يكون في شيء من الكفارات إلا في هذا بعينه في الجماع في رمضان لا في كفارة اليمين ولا في كفارة الظهار ولا في غيرها إلا في الجماع وحده قيل له أليس في حديث سلمة بن صخر حين ظاهر من امرأته ووقع عليها نحو هذا فقال ولمن تقول هذا إنما حديث سلمة بن صخر "تصدق بكذا واستعن بسائره على أهلك" فإنما أمر له بما يبقى قلت له فإن كان المجامع في رمضان محتاجا فأطعمه عياله فقد أجزأ عنه قال نعم أجزأ عنه قلت ولا يكفر مرة أخرى إذا وجد قال لا قد أجزأت عنه إلا أنه خاص في الجماع في رمضان وحده وزعم الطبري أن قياس قول الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور أن الكفارة دين عليه لا يسقطها عنه إعساره بها وعليه أن يأتي بها إذا قدر عليها وذلك أن قولهم في كل كفارة لزمت إنسانا فسبيلها عندهم الوجوب في ذمة المعسر يؤديها إذا أيسر فكذلك سبيل كفارة المفطر في رمضان في قياس قولهم

قال أبو عمر:إن احتج محتج في إسقاط الكفارة عن المعسر بأن رسول الله إذ قال له "كله أنت وعيالك" لم يقل له وتؤديها إذا أيسرت ولو كانت واجبة لم يسكت عنه حتى يبين ذلك له قيل له ولا قال له رسول الله "أنها ساقطة عنك لعسرتك" بعد أن أخبره بوجوبها عليه وكل ما وجب أداؤه في اليسار لزم الذمة إلى الميسرة على وجهه والله أعلم واختلفوا في الكفارة على المرأة إذا وطئها زوجها وهي طائعة في رمضان فقال مالك إذا طاوعته زوجته فعلى كل واحد منهما كفارة وإن أكرهها فعليه كفارتان عنه وعنها وكذلك إذا وطئ أمته كفر كفارتين وقال الأوزاعي سواء طاوعته أو أكرهها فليس عليهما إلا أيسرت ولو كانت واجبة لم يسكت عنه حتى يبين ذلك له قيل له ولا قال له رسول الله "أنها ساقطة عنك لعسرتك" بعد أن أخبره بوجوبها عليه وكل ما وجب أداؤه في اليسار لزم الذمة إلى الميسرة على وجهه والله أعلم

واختلفوا في الكفارة على المرأة إذا وطئها زوجها وهي طائعة في رمضان فقال مالك إذا طاوعته زوجته فعلى كل واحد منهما كفارة وإن أكرهها فعليه كفارتان عنه وعنها وكذلك إذا وطئ أمته كفر كفارتين وقال الأوزاعي سواء طاوعته أو أكرهها فليس عليهما إلا كفارة واحدة إن كفر بالعتق أو بالإطعام فإن كفر بالصيام فعلى كل واحد منهما صيام شهرين متتابعين وقال الشافعي رحمه الله والعتق والإطعام سواء ليس عليهما إلا كفارة واحدة وسواء طاوعته أو أكرهها لأن النبي إنما أجاب السائل بكفارة واحدة ولم يسأله أطاوعته امرأته أو أكرهها ولو كان الحكم في ذلك مختلفا لما ترك رسول الله تبيين ذلك وهو قول داود وأهل الظاهر وقد أجمعوا أن كفارة المظاهر واحدة وإن وطئ وقال أبو حنيفة وأصحابه إن طاوعته فعلى كل واحد منهما كفارة وإن أكرهها فعليه كفارة واحدة لا غير ولا شيء عليها

ومن حجة من رأى الكفارة لازمة عليها إن طاوعته القياس على قضاء ذلك اليوم فلما وجب عليها قضاء ذلك اليوم وجب عليها الكفارة عنه واختلفوا فيمن جامع ناسيا لصومه فقال الشافعي والثوري في رواية الأشجعي وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حي وأبو ثور وإسحاق بن راهويه ليس عليه شيء لا قضاء ولا كفارة بمنزلة من أكل ناسيا عندهم وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم وقال مالك والليث بن سعد والأوزاعي والثوري في رواية المعافي عليه القضاء ولا كفارة وروي مثل ذلك عن عطاء وقد روي عن عطاء أنه رأى عليه الكفارة مع القضاء وقال مثل هذا لا ينسى

حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن الجهم حدثنا روح بن عبادة حدثنا ابن جريج قال كنت إذا سألت عطاء عن الرجل يصيب أهله ناسيا لا يجعل له عذرا ويقول لا ينسى هذا ولا يجهله وقال قوم من أهل الظاهر سواء وطئ ناسيا أو عامدا عليه القضاء والكفارة وهو قول ابن الماجشون عبد الملك وإليه ذهب أحمد بن حنبل لأن الحديث الموجب للكفارة لم يفرق بين الناسي والعامد واختلفوا أيضا فيمن أكل أو شرب ناسيا فقال الثوري وابن أبي ذئب والأوزاعي والشافعي وأبو ثور وإسحاق وأحمد وأبو حنيفة وأصحابه وداود لا شي عليه ويتم صومه وهو قول جمهور التابعين وقال ربيعة ومالك عليه القضاء وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عمن أكل ناسيا في رمضان فقال ليس عليه شيء على حديث أبي هريرة ثم قال أبو عبد الله مالك زعموا أنه يقول عليه القضاء وضحك وحديث أبي هريرة في ذلك أحسن

حدثنا عبد الله ابن محمد حدثنا محمد بن بكير حدثنا أبو داود حدثنا موسى بن إسماعيل وحدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن أحمد بن كامل قال حدثنا أحمد بن علي بن المثنى قال حدثنا عبد الأعلى بن حماد قالا جميعا حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب وحبيب وهشام عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي فقال إني كنت صائما فأكلت وشربت ناسيا فقال رسول الله "الله أطعمك وسقاك أتم صومك"

حدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا محمد بن الجهم حدثنا روح بن عبادة حدثنا سعيد عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة أن رسول الله قال "من أكل أو شرب ناسيا فليمض في صومه فإن الله عز وجل أطعمه وسقاه" وروي عن جماعة في المفطر ناسيا بأكل أو شرب أنه لا شيء عليه منهم علي رضي الله عنه وابن عمر وعلقمة وإبراهيم وابن سيرين وجابر بن زيد قال الأثرم قيل لأبي عبد الله يعني أحمد بن حنبل رجل نسي فجامع فقال ليس الجماع مثل الأكل عليه القضاء والكفارة ناسيا كان أو عامدا لأن الذي جاء إلى النبي قال وقعت على امرأتي ولم يسأله النبي أنسيت أم تعمدت؟

قال أبو عبد الله وظاهر قول الرجل للنبي وقعت على امرأتي النسيان والجهالة فلم يسأله أنسيت أم تعمدت وأفتاه على ظاهر الفعل وأجمعوا على أن المجامع في قضاء رمضان عامدا لا كفارة عليه حاشا قتادة وحده وأجمعوا أن المفطر في قضاء رمضان لا يقضيه وإنما عليه ذلك اليوم الذي كان عليه من رمضان إلا ابن وهب فإنه جعل عليه يومين قياسا على الحج وأجمعوا على أن من وطئ في يوم واحد مرتين أو أكثر أنه ليس عليه إلا كفارة واحدة واختلفوا فيمن أفطر مرتين أو مرارا في أيام من أيام رمضان

فقال مالك والليث والشافعي والحسن بن حي عليه لكل يوم كفارة وسواء وطئ المرة الأخرى قبل أن يكفر أو بعد أن يكفر وقال أبو حنيفة وأصحابه إذا جامع أياما في رمضان فعليه كفارة واحدة ما لم يكفر ثم يعود وكذلك الآكل والشارب عندهم فإن كفر ثم عاد فعليه كفارة أخرى قالوا وإن أفطر في رمضان فعليه كفارتان وروى آخر عن أبي حنيفة إذا أفطر وكفر ثم عاد فلا كفارة عليه لإفطاره الثاني إذا كان في شهر واحد واختلف عن الثوري فروي عنه مثل قول أبي حنيفة رواية أبي يوسف وروي عنه غير ذلك

وأما قوله في الحديث فأتى بعرق تمر فأكثرهم يرويه بسكون الراء والصواب عند أهل الإتقان فيه فتح الراء وكذلك قول أهل اللغة وقد زعم ابن حبيب ما رواه عن مطرف عن مالك إلا بتحريك الراء وبالفتح قال والعرق بتسكين الراء هو العظم قال وتأويل العرق بفتح الراء المكتل العظيم الذي يسع قدر خمسة عشر صاعا وهو ستون مدا كذلك سمعت مطرفا وابن الماجشون يقولان قال عبد الملك بن حبيب وإنما سمي العرق لضفره لأن كل شيء مضفور فهو عرق ولذلك سمي المكتل عرقا لأنه مضفور بالخوص قال أبو كبير الهذلي:

نغزو فنترك في المزاحف من ثوى ... ونمر في العرقات من لم نقتل

يقول نأسرهم فنشدهم في العرقات يعني النسوع لأنها مضفورة قال وكل شيء مصطف مثل الطير إذا صفت في السماء فهي عرقة لأنها شبهت بالشيء المضفور وقال أحمد بن عمران الأخفش المكتل العظيم فإنما سمي عرقا لأنه يعمل عرقة عرقة ثم يضم والعرق الطريقة العريضة لذلك سميت طرة الكتاب عرقة لعرضها واصطفافها وكذلك إذا مرت الطير مصطفة يقال مرت بنا عرقة من طير وكذلك إذا جاءت الخيل صفا قيل قد جاءت الخيل على عرقة واحدة وقال غير الأخفش يقال عرقة وعرق كما يقال علقة وعلق

قال أبو عمر:وكل ما ذكرنا من المسائل والتوجيهات في هذا الباب موجودة المعنى في حديث ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة فلذلك ذكرناها وذكرنا اختلاف الفقهاء فيها لتكمل الفائدة ويبين الحق على شرطنا وبالله توفيقنا.

حديث ثان لابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله قال "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة نودي من باب الصلاة وإن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة وإن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان" فقال أبو بكر يا رسول الله ما على من يدعى من هذه الأبواب من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها قال "نعم وأرجو أن تكون منهم" تابع يحيى على توصيل هذا جماعة الرواة إلا ابن بكير فإنه أرسله عن حميد عن النبي وكذلك رواه عبد الله بن يوسف عن مالك عن ابن شهاب عن حميد مرسلا وقد أسنده جلة عن مالك منهم معن وابن المبارك حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الطاهر عبد الله بن محمد حدثنا جعفر بن محمد الفريابي

حدثنا إسحاق بن موسى الأنصاري حدثنا معن بن عيسى حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله قال "من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان فقال أبو بكر بأبي أنت وأمي ما على من دعي من هذه الأبواب كلها من ضرورة فهل يدعى أحد من هذه الأبواب كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم"

حدثنا خلف بن قاسم حدثنا أبو الحسن علي بن أحمد بن علي الحربي الأنصاري حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد حدثنا الحسين بن الحسن حدثنا عبد الله بن المبارك عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله "من أنفق زوجين في الله نودي إلى الجنة يا عبد الله هذا خير" وذكر الحديث وليس هو عند القعنبي لا مرسلا ولا مسندا وفي هذا الحديث من الفقه والفضائل الحض على الإنفاق في سبيل الخير والحرص على الصوم وفيه أن أعمال البر لا يفتح في الأغلب للإنسان الواحد في جميعها وأن من فتح له في شيء منها حرم غيرها في الأغلب وأنه قد تفتح في جميعها للقليل من الناس وأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه من ذلك القليل وفيه أن من أكثر من شيء عرف به ونسب إليه ألا ترى إلى قوله "فمن كان من أهل الصلاة" يريد من أكثر منها فنسب إليها لأن الجميع من أهل الصلاة وكذلك من أكثر من الجهاد ومن الصيام على هذا المعنى ونسب إليه دعي من بابه ذلك والله أعلم ومما يشبه ما ذكرنا ما جاوب به مالك رحمه الله العمري العابد

وذلك أن عبد الله بن عبد العزيز العمري العابد كتب إلى مالك يحضه إلى الانفراد والعمل ويرغب به عن الاجتماع إليه في العلم فكتب إليه مالك أن الله عز وجل قسم الأعمال كما قسم الأرزاق فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصيام وآخر فتح له في الجهاد ولم يفتح له في الصلاة ونشر العلم وتعليمه من أفضل أعمال البر وقد رضيت بما فتح الله لي فيه من ذلك وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه وأرجو أن يكون كلانا على خير ويجب على كل واحد منا أن يرضى بما قسم له والسلام هذا معنى كلام مالك لأني كتبته من حفظي وسقط عني في حين كتابتي أصلي منه وأما قوله "من أنفق زوجين" معناه عند أهل العلم من أنفق شيئين من نوع واحد نحو درهمين أو دينارين أو فرسين أو قميصين وكذلك من صلى ركعتين ومشى في سبيل الله خطوتين أو صام يومين ونحو ذلك كله وإنما أراد والله أعلم أقل التكرار وأقل وجوه المداومة على العمل من أعمال البر لأن الاثنين أقل الجمع ومن أعلى من روينا عنه هذا التفسير في زوجين في هذا الحديث الحسن البصري رحمه الله

وحدثني أحمد بن فتح قال حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا النيسابوري قال حدثني عمي أبو زكرياء يحيى بن زكريا قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا يزيد بن هارون قال أنبأنا هشام عن الحسن قال حدثني صعصعة بن معاوية قال لقيت أبا ذر وهو يقود بعيرا له في عنقه قربة فقلت يا أبا ذر مالك قال لي عمل قلت حدثني حديثا سمعته من رسول الله قال سمعت رسول الله يقول "ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله بفضل رحمته إياهم الجنة وما من مسلم أنفق زوجين من ماله في سبيل الله إلا ابتدرته حجبة الجنة" قال فكان الحسن يقول زوجين درهمين دينارين عبدين من كل شيء اثنان وفي هذا الحديث دليل على أن للجنة أبوابا

وقد قيل أن أبواب الجنة ثمانية وأبواب جهنم سبعة أجارنا الله من جهنم وأدخلنا الجنة برحمته آمين وقد قال بعض أهل العلم بالقرآن واللغة أن الواو في قوله عز وجل {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} 62 فذكر ذلك بالواو وقال في جهنم {فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} بلا واو قال فالواو في ذكر الجنة هي واو الثمانية لأن للجنة ثمانية أبواب فمن هناك ذكرت الواو في ذلك وواو الثمانية عندهم معروفة من ذلك قول الله عز وجل {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ} 63 فأدخل الواو في الصفة الثامنة دون غيرها

ومن ذلك قوله عز وجل {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} 64 فأدخل الواو في الصفة الثامنة

فسموا هذه الواو واو الثمانية ومنها عندهم قول الله عز وجل {سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ} 65 وما قالوا من ذلك عندي حسن وقد كان بعضهم يقول إن الواو في قوله {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً} 66 ليست واو الثمانية ولا وجه لما أنكر من ذلك والله أعلم

وقد حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن محمد بن شيبة قال حدثنا أبو مصعب قال حدثني إبراهيم بن محمد بن ثابت عن أبيه عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله "من توضأ فأسبغ وضوءه ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله صادقا من نفسه أو من قلبه شك أيهما قال فتح له من أبواب الجنة ثمانية أبواب يوم القيامة يدخل من أيها شاء" هكذا قال فتح له من أبواب الجنة

وذكر أبو داود عن حسين بن علي البسطامي قال حدثنا عبد الله بن يزيد المقري قال حدثنا حيوة بن شريح قال حدثنا أبو عقيل عن ابن عمه عن عقبة بن عامر قال قال لي عمر بن الخطاب قال رسول الله "من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء فقال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء" ليس هذا الحديث عند جماعة من رواة مصنف أبي داود

وحدثني محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال أنبأنا محمد بن علي بن حرب قال حدثنا زيد بن حباب قال حدثنا معاوية بن صالح عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله "من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فتحت له ثمانية أبواب من الجنة يدخل من أيها شاء" هكذا في هذه الأخبار كلها من الجنة وقد جاء في غير هذه الأسانيد في خبر عمر هذا "فتح له ثمانية أبواب الجنة" ليس فيها ذكر من والله أعلم

أخبرنا عبيد الله بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عبد الله بن صالح قال حدثني معاوية بن صالح عن أبي عثمان عن جبير وربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني جميعا عن عقبة بن عامر عن عمر بن الخطاب عن النبي أنه قال "ما من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء فيقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" فعلى هذا اللفظ أبواب الجنة ثمانية كما قالوا

وكذلك ما حدثنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عاصم بن علي قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر الجهني عن عمر بن الخطاب عن النبي قال "ما من رجل يتوضأ فيسبغ الوضوء فيقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء"

وقد روينا من حديث مالك في هذا الباب حديثا غريبا حدثنا خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي حدثنا أبي حدثنا محمد بن عبد الله بن بحير بن يسار حدثني أبي حدثنا مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال قال رسول الله "ما من أحد ينفق زوجين من ماله إلا دعي من أبواب الجنة الثمانية يا عبد الله هذا خير فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان" لا يصح هذا الإسناد عن مالك ومحمد بن عبد الله بن بحير وأبوه يتهمان بوضع الأحاديث والأسانيد

وقد ذكر البزار عن حاجب بن سليمان حدثنا وكيع حدثنا الثوري عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال قال رسول الله "إن للجنة بابا يدعى الريان يدخل منه الصائمون فإذا أدخل آخرهم أغلق" وأما قوله "ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان" والريان فعلان من الري وفي الحديث دليل على أن من صام يومين محتسبا بهما وجه الله يعطش فيهما نفسه سقاه الله وأرواه يوم القيامة وإنما قلنا يومين ولم نقل يوما واحدا وإن كان جاء في غير هذا الحديث لقوله "من أنفق زوجين في سبيل الله" ثم قال "وإن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان" ومن أرواه الله يوم القيامة لم يظمأ ولم ينل بؤسا وتلك حال من غفر له وأدخل الجنة برحمة الله لا حرمنا الله ذلك برحمته آمين

وقد روي عن النبي أنه قال "للجنة باب يقال له الريان لا يدخل منه إلا الصائمون" وهذا مما يدل أيضا على أن للجنة أبوابا وفي حديثنا هذا أيضا دليل على فضل أبي بكر رضي الله عنه وأنه من أهل الجنة وأنه ممن جمع له الأعمال الصالحة وأنه ينادى يوم القيامة من جميع أبواب الجنة لتقدمه في أعمال البر ورجاء رسول الله يقين إن شاء الله ومعنى الدعاء من تلك الأبواب إعطاؤه ثواب العاملين ونيله ذلك والله أعلم

حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن قال حدثني عبيد الله بن إدريس قال حدثنا يحيى بن عبد العزيز قال حدثني عبد الغني بن أبي عقيل قال حدثنا نعيم بن سالم عن أنس بن مالك قال كان رسول الله جالسا في جماعة من أصحابه فقال "من صام اليوم" فقال أبو بكر أنا قال "من تصدق اليوم" قال أبو بكر أنا قال "من عاد اليوم مريضا" قال أبو بكر أنا قال "فمن شهد اليوم جنازة" قال أبو بكر أنا فقال "وجبت لك وجبت لك"

قال أبو عمر:يعني الجنة فهنيئا له رضي الله عنه الجنة وعن جماعة الصحابة.

حديث ثالث لابن شهاب عن حميد يسند من وجوه[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أنه قال "لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع كل وضوء"

هذا الحديث يدخل في المسند لاتصاله من غير ما وجه ولما يدل عليه اللفظ وبهذا اللفظ رواه أكثر الرواة عن مالك وممن رواه كذلك كما رواه يحيى أبو المصعب وابن بكير والقعنبي وابن القاسم وابن وهب وابن نافع ورواه معن بن عيسى وأيوب بن صالح وعبد الرحمن بن مهدي وحوثرة وأبو قرة موسى بن طارق وإسماعيل بن أبي أويس ومطرف بن عبد الله اليساري اللأصم وبشر بن عمر وروح ابن عبادة وسعيد بن عفير عن مالك وسحنون عن ابن القاسم عن مالك بإسناده عن أبي هريرة أن رسول الله قال "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" وبعضهم يقول "مع كل صلاة"

وكذلك رواه علي بن داود عن ابن بكير والصحيح عن ابن بكير في الموطأ ما ذكرنا حدثنا عبد الوارث بن سفيان وأحمد بن قاسم قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا ابن أبي أويس قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله قال "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء"

حدثنا علي بن إبراهيم قال حدثنا حسن بن رشيق قال حدثنا أبو العلاء محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا مطرف وإسماعيل بن أبي أويس وعبد الله بن وهب وقرأته على ابن نافع قالوا حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة" ولم يرفعه ابن وهب ولا ابن نافع

وحدثنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا محمد بن يحيى قال حدثنا بشر بن عمر وحدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى المقري قال حدثنا إدريس بن علي بن إسحاق البغدادي قال حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد النيسابوري قال حدثنا محمد بن يحيى وإبراهيم بن مرزوق قالا حدثنا بشر بن عمر قال حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله قال "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء"

في هذا الحديث إباحة السواك في كل الأوقات لقوله "مع كل وضوء" "ومع كل صلاة" والصلاة قد تجب في أكثر الساعات بالعشي والهجير والغدوات وقد روي عن النبي أنه كان يستاك وهو صائم وعن عمر وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وعائشة وكره مالك وأصحابه والحسن بن يحيى السواك الرطب للصائم وأجازوا اليابس منه في كل الأوقات للصائم وقال الثوري وأبو حنيفة والليث لا بأس بالسواك الرطب للصائم

وكذلك قال الشافعي إلا أنه قال أكرهه بالعشي للخلوف وقال ابن علية السواك سنة للصائم والمفطر والرطب واليابس في ذلك سواء لأنه ليس بمأكول ولا مشروب

حدثنا خلف حدثنا علي بن الحسن بن عبد الله حدثنا علي بن داود حدثنا يحيى بن بكير حدثنا مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن رسول الله قال "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك" وحدثنا خلف بن قاسم حدثنا محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيويه حدثنا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق حدثنا أحمد بن عبد الله بن علي بن سويد بن منجوف حدثنا روح بن عبادة حدثنا مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عن رسول الله قال "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة".

وفي هذا الحديث أدل الدلائل على فضل السواك والرغبة فيه وفيه أيضا دليل على فضل التيسير في أمور الديانة وأن ما يشق منها مكروه

قال الله عز وجل {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} 67 ألا ترى أن رسول الله لم يخير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما فإن كان إثما كان أبعد الناس منه وفضل السواك مجتمع عليه لا اختلاف فيه والصلاة عند الجميع بعد السواك أفضل منها قبله وقال الأوزاعي رحمه الله أدركت أهل العلم يحافظون على السواك مع وضوء الصبح والظهر وكانوا يستحبونه مع كل وضوء وكانوا أشد محافظة عليه عند هاتين الصلاتين وقال الأوزاعي السواك شطر الوضوء وقال وركعة على أثر سواك أفضل من سبعين ركعة بغير سواك

وقال يحيى بن معين لا يصح حديث الصلاة بأثر السواك أفضل من الصلاة بغير سواك وهو باطل وقال الشافعي أحب السواك للصلاة عند كل حال تغير فيها الفم نحو الاستيقاظ من النوم والأزم وكل ما يغير الفم لأن رسول الله قال "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" قال الشافعي ولو كان واجبا لأمرهم شق أو لم يشق وروينا من حديث عائشة أن النبي قال "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"

وقد كره جماعة من أهل العلم السواك الذي يغير الفم ويصبغه لما فيه من الشبه بزينة النساء والسواك المندوب إليه هو المعروف عند العرب وفي عصر النبي وكذلك الأراك والبشام وكل ما يجلو الأسنان إذا لم يكن فيه صبغ ولون فهو مثل ذلك ما خلا الريحان والقصب فإنهما يكرهان وقالت طائفة من العلماء أن الأصبع تغني من السواك وتأول بعضهم في الحديث المروي أن رسول الله كان يشوص فاه بالسواك أنه كان يدلك أسنانه بأصبعه ويستجزي بذلك من السواك والله أعلم

حديث رابع لابن شهاب عن حميد مسند[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يوم عاشوراء عام حج وهو على المنبر يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله يقول لهذا اليوم "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر"

قال أبو عمر:لا يختلف العلماء أن يوم عاشوراء ليس بفرض صيامه ولا فرض إلا صوم رمضان وفي هذا الحديث دليل على فضل صوم عاشوراء لأنه لم يخصه بقوله "وأنا صائم" إلا لفضل فيه وفي رسول الله الأسوة الحسنة

حدثنا سعيد بن نصر قال ثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا حامد بن يحيى قال حدثنا سفيان عن عبيد الله بن يزيد قال سمعت ابن عباس يقول ما علمت رسول الله صام يوما يتحرى فضله على الأيام إلا هذا اليوم يعني يوم عاشوراء وأما قوله فمن شاء فليصمه ومن شاء فليفطره فإن هذه إباحة وردت بعد وجوب وذلك أن طائفة من العلماء قالوا إن صوم يوم عاشوراء كان فرضا ثم نسخ بشهر رمضان فلهذا ما أخبرهم بهذا الكلام واحتجوا بحديث الزهري عن عروة عن عائشة قالت كان صيام عاشوراء قبل أن ينزل رمضان الحديث رواه ابن عيينة وجماعة عن ابن شهاب

وقد ذكرنا عن ابن شهاب في باب حديثه عن عروة في المواقيت أنه كان قد فرض الصيام بالمدينة قبل بدر يعني صيام شهر رمضان حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن الجهم قال حدثنا روح بن عبادة قال حدثنا محمد بن أبي حفصة عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان وكان يوما تستر فيه الكعبة فلما فرض الله رمضان قال رسول الله "من شاء أن يصومه فليصمه ومن شاء أن يتركه فليتركه"

ورواه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب فقال فيه أن رسول الله "كان يصوم يوم عاشوراء ويأمر بصيامه" وقد روى شيخ يسمى محمد بن عبد الله بن قوهى عن معن بن عيسى عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة " أن رسول الله كان يصوم عاشوراء ويأمر بصيامه" ورواه عبد الكريم أيضا عن أبي علي الحنفي عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة مثله وهو غير محفوظ عن مالك بهذا الإسناد وأما حديث ابن أبي ذئب عن الزهري عن عروة عن عائشة فمحفوظ ولا يصح فيه عن مالك عن الزهري إلا إسناد الموطأ وسائر ذلك عنه خطأ ولكن هذا الحديث رواه عن عروة ابن شهاب وهشام بن عروة وعراك بن مالك وغيرهم.

قال أبو عمر:لما فرض رمضان صامه رسول الله على وجه التبرك والتبرر وأمر بصيامه على ذلك وأخبر بفضل صومه وفعل ذلك بعده أصحابه ألا ترى أن عمر بن الخطاب كتب إلى الحارث بن هشام إن غدا يوم عاشوراء فصم وأمر أهلك أن يصوموا وعن علي بن أبي طالب مثل ذلك

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا يوسف بن عدي قال حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي أنه كان يأمر بصوم يوم عاشوراء

وقد روى عبد الله بن عمر عن النبي في ذلك مثل رواية عائشة رواه عبيد الله بن عمر وأيوب عن نافع عن ابن عمر أنه قال في صوم عاشوراء صامه رسول الله وأمر بصومه فلما فرض رمضان ترك فكان عبد الله لا يصومه من أجل حديثه هذا وخفي عليه ما ندب رسول الله من صيامه وصومه له

حدثنا عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن عبد السلام حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى القطان عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال كان عاشوراء يوما تصومه أهل الجاهلية فلما نزل رمضان سئل رسول الله فقال "يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه" وحدثنا عبد الوارث حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير حدثنا القاسم بن سلام أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال صامه رسول الله وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك فكان ابن عمر لا يصومه إلا أن يأتي على صومه يعني يوم عاشوراء.

قال أبو عمر:وكان طاووس لا يصومه لأنه والله أعلم لم يبلغه ما جاء فيه من الفضل وليس فيما خفي عليه على ما علمه غيره حجة ومعلوم أن قوله عز وجل {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ} 68 لا تدفع هذه الإباحة فضل انتظار الصلاة في المسجد وعملها والله تعالى أعلم وعلى هذا يحمل حديث معاوية المذكور في هذا الباب أن تخييره إنما كان لسقوط وجوب صيامه لا أنه لا معنى لصومه ولما سقط وجوبه صيم على جهة الفضل والآثار تدل على ذلك وهذا عندي مثل قيام الليل كان في أول الإسلام فريضة حولا كاملا فلما فرضت الصلاة الخمس صار قيام الليل فضيلة بعد فريضة.

وأخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قالا أنبأ زياد بن أيوب قال حدثنا هشيم قال أنبأ أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال لما قدم النبي المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فسئلوا عن ذلك فقالوا هو اليوم الذي أظهر الله فيه موسى على فرعون ونحن نصومه تعظيما له فقال رسول الله "نحن أولى بموسى منكم" وأمر بصيامه فهذا دليل على أن رسول الله لم يصمه أيضا إلا تعظيما له

وقد روينا عن طارق بن شهاب أنه قال كان يوم عاشوراء لأهل يثرب يلبس فيه النساء شارتهن فقال رسول الله "خالفوهم فصوموه" وروينا عن ابن مسعود وجابر بن سمرة وقيس بن سعد قالوا كنا نؤمر بصوم عاشوراء فلما نزل رمضان لم نؤمر به ولم ننه عنه ونحن نفعله وقال علقمة أتيت ابن مسعود فيما بين رمضان إلى رمضان ما من يوم إلا أتيته فيه فما رأيته في يوم صائما إلا يوم عاشوراء.

قال أبو عمر:قول رسول الله في حديث معاوية المذكور في هذا الباب يا أهل المدينة سمعت رسول الله يقول "هذا يوم عاشوراء ولم يفرض الله عليكم صيامه وأنا صائم" الحديث دليل على أن له فضلا قال الله عز وجل {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} 69 وقد جاء بهذا اللفظ في هذا الحديث قوله وأنا صائم عن جماعة من الحفاظ منهم مالك وابن عيينة ثم ما جاء عن عمر وعلي وابن مسعود وغيرهم من الصحابة وما جاء في ذلك عن التابعين أكثر من أن يحصى مع ما روي عن النبي أنه قال "صيام يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية"

رواه أبو قتادة عن النبي حدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا محمد بن إسماعيل وأحمد بن زهير قالا حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا داود بن شابور عن أبي قزعة عن أبي الخليل عن أبي حرملة عن أبي قتادة أن رسول الله قال "صيام يوم عرفة يكفر هذه السنة والتي تليها وصيام يوم عاشوراء يكفر سنة".

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا ابن أبي دليم وقاسم بن أصبغ قالا حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود قال حدثنا يحيى القطان عن يزيد بن أبي عبيد وحدثنا عبد الوارث وسعيد قالا حدثنا قاسم حدثنا ابن وضاح حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا شبابة حدثنا شعبة حدثنا غيلان بن جرير المعولي عن عبد الله بن معبد الزماني عن أبي قتادة عن النبي بمعناه ومما يدل على فضله والترغيب في صيامه ما روي عن النبي أنه أمر قوما قد طعموا يوم عاشوراء أن يكفوا عن الطعام ويصوموا باقي يومهم

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا ابن أبي دليم وقاسم بن أصبغ قالا حدثنا ابن وضاح قال حدثنا محمد بن مسعود قال حدثنا يحيى القطان عن يزيد بن أبي عبيد قال حدثنا سلمة بن الأكوع أن النبي قال لرجل "أذن في قومك يوم عاشوراء من أكل فليصم بقية يومه ومن لم يأكل فليتم صيامه" وروي من حديث أسماء بن حارثة وغيره عن النبي مثله واختلف العلماء في يوم عاشوراء فقالت طائفة هو اليوم العاشر من المحرم وممن روى ذلك عنه سعيد بن المسيب والحسن بن أبي الحسن البصري

وقال آخرون هو اليوم التاسع منه واحتجوا بحديث الحكم بن الأعرج قال أتيت ابن عباس في المسجد الحرام فسألته عن يوم عاشوراء فقال اعدد فإذا أصبحت يوم التاسع فأصبح صائما قلت كذلك كان محمد يصوم قال نعم وقد روي عن ابن عباس القولان جميعا وقال قوم من أهل العلم من أحب صوم عاشوراء صام يومين التاسع والعاشر وأظن ذلك احتياطا منهم والله أعلم وممن روي عنه ذلك ابن عباس أيضا وأبو رافع صاحب أبي هريرة وابن سيرين وقاله الشافعي وأحمد وإسحاق

وروى يحيى القطان عن ابن أبي ذئب عن شعبة مولى ابن عباس قال كان ابن عباس يصوم عاشوراء في السفر ويوالي بين اليومين مخافة أن يفوته وروى ابن عون عن محمد بن سيرين أنه كان يصوم العاشر فبلغه أن ابن عباس كان يصوم التاسع والعاشر فكان ابن سيرين يصوم التاسع والعاشر وذكر عبد الرزاق قال أنبأ ابن جريج أخبرني عطاء أنه سمع ابن عباس يقول خالفوا اليهود وصوموا التاسع

وفي اختلاف العلماء في يوم عاشوراء واهتبالهم بذلك دليل على فضله والله أعلم حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إبراهيم بن إسحاق النيسابوري قال حدثنا محمد بن جعفر الوركاني قال حدثنا سلام بن سالم الطويل عن زيد العمي عن معاوية بن قرة عن معقل بن يسار وابن عباس أنهما قالا يوم عاشوراء اليوم التاسع ولكن اسمه العاشوراء.

وروى وكيع عن ابن أبي ذئب عن القاسم بن غنام عن عبد الله بن عمير مولى ابن عباس عن ابن عباس قال قال رسول الله "لئن بقيت إلى قابل لأصومن اليوم التاسع" ذكره ابن أبي شيبة وغيره عن وكيع وروى ابن وهب عن يحيى بن أيوب أن إسماعيل بن أمية حدثه أنه سمع أبا غطفان يقول سمعت عبد الله بن عباس يقول حين صام رسول الله يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا يا رسول الله إنه يوم يعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله "فإذا كان العام المقبل صمنا التاسع" فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله

وذكره أبو داود عن سليمان بن داود المهري عن ابن وهب وفي هذا دليل على أنه كان يصوم العاشر إلى أن مات ولم يزل يصومه حتى قدم المدينة وذلك محفوظ من حديث ابن عباس وفي مواظبته على صيامه دليل على فضله والله أعلم والآثار عن ابن عباس في هذا الباب مضطربة مختلفة ولكن ما ذكره ابن وهب ووكيع أصح من حديث زيد العمي ومن حديث الحكم بن الأعرج والله أعلم ومن صام يومين كان على يقين من صيام عاشوراء وقال صاحب العين عاشوراء اليوم العاشر من المحرم قال ويقال التاسع

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا ابن وضاح حدثنا ابن مقلاص عن ابن وهب قال حدثني معاوية قال حدثنا أبو خليفة قال كنا مع ابن شهاب يوم عاشوراء في سفر وكان يأمر بفطر رمضان في السفر قال فرأيته صائما في يوم عاشوراء فقلت يا أبا بكر تصوم يوم عاشوراء في السفر وأنت تفطر في رمضان في السفر فقال إن رمضان له عدة من أيام أخر وعاشوراء يفوت.

حديث خامس لابن شهاب عن حميد[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن أنه سمع معاوية بن أبي سفيان عام حج وهو على المنبر وتناول قصة من شعر كانت في يد حرسي يقول يا أهل المدينة أين علماؤكم سمعت رسول الله ينهى عن مثل هذه ويقول "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم"

في هذا الحديث من الفقه صعود الإمام على المنبر للخطبة وتناوله في الخطبة الشيء يراه إذا كان في تناوله ذلك شيء من أمر الدين ليعلمه من جهله وفيه الحديث عن رسول الله في الخطبة وتعليم ما جهلوه من أمر دينهم في الخطبة وفيه إباحة الحديث عن بني إسرائيل في الخطبة وغيرها وفيه دليل على الاعتبار والتنظير والحكم بالقياس ألا تراه خاف على هذه الأمة الهلاك إن ظهر فيهم مثل ذلك العمل الذي كان ظاهرا في بني إسرائيل حين أهلكوا ففي هذا دليل واضح على أن الله عز وجل إذا أهلك قوما بعمل وجب على كل مؤمن اجتناب ذلك العمل دليل ذلك قول الله عز وجل { فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} 70

يعني والله أعلم أن من فعل فعلهم استحق أن يناله ما نالهم أو يعفو الله كذلك قال أهل العلم وهو الصحيح ويحتمل قوله "إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذها نساؤهم" أنه من الأمر الذي لم يفش في بني إسرائيل ولم يشتهر في نسائهم إلا في حين ارتكابهم الكبائر وإعلانهم المناكر فكأنها علامة لا تكاد تظهر إلا في أهل الفسوق والمعاصي والله أعلم لا أنها فعلة يستحق من فعلها الهلاك عليها دون أن يجامعها غيرها وقد يحتمل أن يكون بنو إسرائيل نهوا عن ذلك في كتابهم نهيا محرما ففعلوا ذلك مع علمهم تحريم ذلك استخفافا فاستحقوا العقوبة والذي منع من ذلك بني إسرائيل قد جاء عن نبينا مثله من كراهية اتخاذ النساء الشعور المستعارة ووصلهن بذلك شعورهن وفيه ورود الحديث بلعن الواصلة والمستوصلة والواصلة هي الفاعلة لذلك والمستوصلة الطالبة أن يفعل ذلك بها

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال حدثنا عبيد الله بن محمد بن حبابة قال حدثنا البغوي قال حدثنا علي بن الجعد قال حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة قال سمعت الحسن بن مسلم بن يناق يحدث عن صفية ابنة شيبة عن عائشة قالت تزوجت امرأة من الأنصار فمرضت وتمرط شعرها فأرادوا أن يصلوا فيه فسئل رسول الله عن ذلك فلعن رسول الله "الواصلة والمستوصلة"

وروى عبد الرزاق وغيره عن الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال قال عبد الله لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فقالت يا أبا عبد الرحمن بلغني أنك لعنت كيت وكيت فقال ومالي لا ألعن من لعنه رسول الله ومن هو في كتاب الله قالت إني لأقرأ ما بين اللوحين فما أجده قال إن كنت قرأته لقد وجدته أما قرأت {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} قالت بلى قال فإنه قد نهى عنه رسول الله قالت إني لأظن أهلك يفعلون بعض ذلك قال فاذهبي فانظري قال فدخلت فلم تر شيئا قال فقال عبد الله لو كانت كذلك لم تجامعنا

وقال ابن سيرين لرجل سأله فقال إن أمي كانت تمشط النساء أترى لي أن آكل من مالها وأرثه عنها فقال إن كانت لا تصل فلا بأس هذا من ورع ابن سيرين رحمه الله وفي هذا الحديث دليل على أن شعر بني آدم طاهر ألا ترى إلى تناول معاوية وهو في الخطبة قصة الشعر وعلى هذا أكثر العلماء وقد كان الشافعي رحمه الله يقول إن شعر بني آدم نجس لقوله "ما قطع من حي فهو ميت" ثم رجع عن ذلك لهذا الحديث وأشباهه ولإجماعهم على الصوف من الحي أنه طاهر وأما الصوف من الميتة فمختلف فيه وأما الكلام في الخطبة بالمواعظ والسنن وما أشبه ذلك فمباح لا خلاف بين العلماء في ذلك واختلفوا في سائر الكلام في الخطبة للمأموم والإمام نحو تشميت العاطس ورد السلام وللكلام في ذلك موضع من كتابنا غير هذا وبالله توفيقنا

واحتج بهذا الحديث أيضا من زعم أن عمل أهل المدينة لا حجة فيه وقال ألا ترى أن معاوية رضي الله عنه يقول أين علماؤكم يريد أين علماؤكم عن تغيير مثل هذا والحفظ له والعمل به ونشره يريد أن المدينة قد يظهر فيها ويعمل بين ظهراني أهلها بما ليس بسنة وإنما هو بدعة

واحتج قائل هذا القول برواية مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه وكان من كبار التابعين أنه قال ما أعرف شيئا مما أدركت الناس عليه إلا النداء بالصلاة وقد حكى إسماعيل بن أبي أويس عن مالك أنه سئل عما يصنع أهل المدينة ومكة من إخراج إمائهم عراة متزرات وأبدانهن ظاهرة وصدورهن وعما يصنع تجارهم من عرض جواريهم للبيع على تلك الحال فكرهه كراهية شديدة ونهى عنه وقال ليس ذلك من أمر من مضى من أهل الفقه والخير ولا أمر من يفتي من أهل الفقه والخير وإنما هو من عمل من لا ورع له من الناس وقال أنس بن عياض سمعت هشام بن عروة يقول لما اتخذ عروة قصره بالعقيق عوتب في ذلك وقيل له جفوت عن مسجد رسول الله فقال إني رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية والفاحشة في فجاجكم عالية فكان فيما هنالك عما أنتم فيه عافية ثم قال ومن بقي إنما بقي شامت بنكبة أو حاسد على نعمة قالوا فهذا عروة يخبر عن المدينة بما ذكرنا فكيف يحتج بشيء من عمل أهلها لا دليل عليه

قال أبو عمر:والذي أقول به أن مالكا رحمه الله إنما يحتج في موطئه وغيره بعمل أهل المدينة يريد بذلك عمل العلماء والخيار والفضلاء لا عمل العامة السوداء وقد ذكرنا هذا الخبر ومثله في موضعه من كتابنا كتاب العلم بإسناده فأغنى عن إعادته هاهنا حديث مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله قال "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" ليس عند يحيى عن مالك و قد ذكرنا طرق هذا الحديث في باب ابن شهاب عن أبي سلمة.

حديث سادس لابن شهاب عن حميد فيه محمد بن النعمان بن بشير[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف وعن محمد بن النعمان بن بشير يحدثانه عن النعمان بن بشير أن أباه أتى به رسول الله فقال إني نحلت ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله "أكل ولدك نحلته مثل هذا" قال لا قال رسول الله "فأرجعه"

قال صاحب كتاب العين النحل والنحلة العطاء بلا استعاضة ونحل المرأة مهرها وقال أبو عبيدة صدقاتهن مهورهن عن طيب نفس منك وقال غيره نحلة أي هبة من الله يعني أن المهور هبة من الله للنساء وفريضة عليكم وهكذا روى هذا الحديث جماعة من أصحاب ابن شهاب بهذا الإسناد وهذا المعنى كلهم يقول فيه أن النبي قال له "فأرجعه" وربما قال بعضهم "فاردده"

ولفظ حديث ابن شهاب هذا قوله فأرجعه قد تابعه عليه هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان ابن بشير على اختلاف عن هشام في ذلك وهذا حديث قد رواه جماعة عن النعمان بن بشير منهم الشعبي وغيره بألفاظ مختلفة توجب أحكاما سنذكرها في هذا الباب إن شاء الله

فأما حديث عروة بن الزبير فحدثناه عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر التمار قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن هشام بن عروة عن أبيه قال حدثني النعمان بن بشير قال أعطاه أبوه غلاما قال له رسول الله ما هذا الغلام قال غلام أعطانيه أبي قال "أفكل إخوتك أعطاهم كما أعطاك" قال لا قال "فاردده" ففي هذا الخبر أنه خاطب بهذا القول النعمان بن بشير

وفي حديث ابن شهاب أنه خاطب بذلك أباه بشيرا المعطي وهو الأكثر والأشهر حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد قال حدثنا سعد أن ابن نصر قال حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن النعمان بن بشير أن أباه نحله نحلا فقالت أمه أشهد عليه لابني رسول الله فأتى النبي فذكر ذلك له فقال "أكل ولدك أعطيته مثل ما أعطيت هذا" قال لا قال فكره رسول الله أن يشهد له

ورواه سعد بن إبراهيم فخالفه في هذه اللفظة قرأت على عبد الوارث أن قاسم بن أصبغ حدثهم قال حدثنا أبو قلابة قال حدثنا عبد الصمد قال حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عروة بن الزبير عن النعمان بن بشير أن أباه نحله نحلة فأتى النبي ليشهده فقال "أكل بنيك أعطيت مثل هذا" قال لا فأبى أن يشهد له وفي هذا الحديث من الفقه جواز العطية من الآباء للأبناء وهذا في صحة الآباء لأن فعل المريض في ماله وصية والوصية للوارث باطلة وهذا أمر مجتمع عليه يستغني عن القول فيه وقد بينا هذا المعنى في باب ابن شهاب عن عامر بن سعد وفيه التسوية بين الأبناء في العطاء لقوله "أكل ولدك أعطيت مثل هذا"

واختلف الفقهاء في هذا المعنى هل هو على الإيجاب أو على الندب فأما مالك والليث والثوري والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه فأجازوا أن يخص بعض ولده دون بعض بالنحلة والعطية على كراهية من بعضهم على ما يأتي من أقاويلهم في هذا الباب والتسوية أحب إلى جميعهم وكان مالك يقول إنما معنى هذا الحديث الذي جاء فيه فيمن نحل بعض ولده ماله كله قال وقد نحل أبو بكر رضي الله عنه عائشة دون سائر ولده حكى ذلك عنه ابن القاسم "وأشهب"

وقال الشافعي ترك التفضيل في عطية الأبناء فيه حسن الأدب ويجوز له ذلك في الحكم قال وله أن يرجع فيما وهب لابنه لقول النبي "فأرجعه" واستدل الشافعي بأن هذا الحديث على الندب بنحو ما استدل به مالك رحمه الله من عطية أبي بكر عائشة وبما رواه داود بن أبي هند عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال نحلني أبي نحلا وانطلق بي إلى النبي ليشهده على ذلك فقال "أكل ولدك نحلته مثل هذا" فقال لا قال "أيسرك أن يكونوا لك في البر كلهم سواء" قال نعم قال "فأشهد على هذا غيري" قال وهذا يدل على صحة الهبة لأنه لم يأمره بردها وإنما أمره بتأكيدها بإشهاد غيره عليها وإنما لم يشهد عليه السلام "عليها" لتقصيره عن أولى الأشياء به وتركه الأفضل وقال الثوري لا بأس أن يخص الرجل بعض ولده بما شاء وقال أبو يوسف لا بأس بذلك إذا لم يرد الإضرار وينبغي أن يسوي بينهم الذكر والأنثى سواء

وقد روي عن الثوري أنه كره أن يفضل الرجل بعض ولده على بعض في العطية وكره عبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل أن يفضل بعض ولده على بعض في العطايا وكان إسحاق يقول مثل هذا ثم رجع إلى مثل قول الشافعي وكل هؤلاء يقول إن فعل ذلك أحد نفذ ولم يرد واختلف في ذلك عن أحمد بن حنبل وأصح شيء عنه في ذلك ما ذكره الخرقي في مختصره عنه قال وإذا فاضل بين ولده في العطية أمر برده كما أمر رسول الله فإن فات ولم يردده فقد ثبت لمن وهب له إذا كان ذلك في صحته وقال طاووس لا يجوز لأحد أن يفضل بعض ولده على بعض فإن فعل لم ينفذ وفسخ وبه قال أهل الظاهر منهم داود وغيره وروي عن أحمد بن حنبل مثله.

وحجتهم في ذلك حديث مالك عن ابن شهاب المذكور في هذا الباب قوله "فأرجعه" حملوه على الوجوب وأبطلوا عطية الأب لبعض ولده دون بعض لقوله "فأرجعه" ولقوله في حديث جابر في هذه القصة "هذا لا يصلح ولا أشهد إلا على حق" قالوا وما لم يكن حقا فهو باطل وقد قال بعضهم في هذا الحديث عن النعمان "هذا جور ولا أشهد على جور"

ونحو هذا مما احتج به أهل الظاهر

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن جعفر بن حمدان قال حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال حدثنا يعلى قال حدثنا أبو حباب عن الشعبي عن النعمان بن بشير بهذا الحديث قال فقال رسول الله يا بشير "ألك ابن غير هذا" ؟ قال نعم قال "فوهبت له مثل الذي وهبت لهذا" ؟ قال لا قال "فلا تشهدني على جور"

قال أحمد وثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حاجب بن الفضل بن المهلب عن أبيه قال سمعت النعمان ابن بشير يخطب قال قال رسول الله "اعدلوا بين أبنائكم" حملوا هذا على الوجوب.

وحدثني محمد بن إبراهيم بن سعيد قال حدثنا أحمد بن مطرف بن عبد الرحمن قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا إسحاق بن إسماعيل الأيلي قال حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن طاووس قال كان إذا سألوه عن الرجل يفضل بعض ولده يقرأ {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} 71

قال سفيان ونقلت عن طاووس أنه قال لا يجوز للرجل أن يفضل بعض ولده ولو كان رغيفا محترقا وبهذا الإسناد عن سفيان عنمالك بن مغول عن أبي معشر الكوفي قال قال إبراهيم كانوا يحبون أن يسووا بينهم حتى في القبلة.

قال أبو عمر :أكثر الفقهاء على أن معنى هذا الحديث الندب إلى الخير والبر والفضل لا أن ذلك واجب فرضا أن لا يعطي الرجل بعض ولده دون بعض على ما ذهب إليه أهل الظاهر والدليل على أن ذلك "كذلك" على الندب لا على الإيجاب مما احتج به الشافعي وغيره إجماع العلماء على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز أن يخرج "جميع ولده عن ماله جاز له أن يخرج" عن ذلك بعضهم وأما قصة النعمان بن بشير هذه فقد روي في حديثه ألفاظ مختلفة أكثرها تدل على أن ذلك على الندب لا على الإيجاب منها ما رواه داود بن أبي هند عن الشعبي عنه مما قدمنا ذكره ورواية حصين عن الشعبي في هذا الحديث نحو ذلك.

حدثنا عبد الله بن محمد بن راشد قال حدثنا سعيد بن عثمان بن السكن قال حدثنا محمد بن يوسف قال حدثنا البخاري قال حدثنا حامد بن عمر قال حدثنا أبو عوانة عن حصين عن عامر قال سمعت النعمان بن بشير وهو على المنبر يقول أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله فأتى رسول الله فقال إن ابنى من عمرة ابنة رواحة أعطيته فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله قال "أعطيت سائر ولدك مثل هذا" قال لا قال "فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم" قال فرجع فرد عطيته فلم يذكر في هذا الحديث أن رسول الله أمره أن يرجع في عطيته وإنما فيه رجع فرد عطيته

وأخبرني عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن قال حدثنا محمد بن بكر التمار البصري بالبصرة قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا هشيم قال حدثنا سيار ومغيرة وداود ومجالد وإسماعيل بن سالم عن الشعبي عن النعمان بن بشير قال نحلني أبي نحلا قال إسماعيل بن سالم من بين القوم نحلة غلاما له قال فقالت له أمي عمرة بنت رواحة ائت رسول الله فأشهده قال فأتى النبي فذكر ذلك له فقال إني نحلت ابني النعمان نحلا وإن عمرة سألتني أن أشهدك على ذلك فقال ألك ولد سواه قلت نعم قال "فكلهم أعطيته مثل ما أعطيت النعمان؟" قال قلت لا قال هشيم قال بعض هؤلاء المحدثين "هذا جور" وقال بعضهم "هذه تلجئة فأشهد على هذا غيري" وقال المغيرة في حديثه "أليس يسرك أن يكونوا في البر واللطف سواء" قال نعم قال "فأشهد على هذا غيري" وذكر مجالد في حديثه "إن لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما أن لك عليهم من الحق أن يبروك"

وحدثنا عبد الله بن محمد حدثنا ابن حمدان حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا يحيى بن سعيد عن مجالد قال حدثنا عامر قال سمعت النعمان بن بشير بهذا الحديث قال فقال رسول الله "إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم فلا تشهدني على جور" فهذه الألفاظ كلها مع قوله "أشهد على هذا غيري" دليل واضح على جواز العطية وأما رواية من روى عن الشعبي عن النعمان بن بشير في هذا الحديث أكل ولدك أعطيته قال لا قال "فإني لا أشهد إلا على حق"

وكذلك رواية جابر عن النبي في قصة النعمان بن بشير هذه فيحتمل أن لا يكون مخالفا لما تقدم لاحتماله أن يكون أراد الحق الذي لا تقصير فيه عن أعلى مراتب الحق وإن كان ما دونه حقا

فصح بهذا كله مذهب مالك والثوري والشافعي ومن قال بقولهم في استحباب ترك التفضيل بين الأبناء في العطية وإمضائه إذا وقع لأن غاية ما في ذلك ترك الأفضل كما لو أعطى لغير رحمه وترك رحمه كان مقصرا عن الحق وتاركا للأفضل ونفذ مع ذلك فعله على أن حديث جابر يدل على أن مشاورة بشير بن سعد لرسول الله في هذه القصة إنما كانت قبل الهبة فدله رسول الله على الأولى به والأوكد عليه وما فيه الفضل له

وحديث جابر هذا حدثنيه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا زهير قال حدثنا أبو الزبير عن جابر قال قالت امرأة بشير انحل ابنك غلاما وأشهد لي رسول الله قال فأتى رسول الله فقال إن ابنة فلان سألتني أن أنحل ابنها غلاما وقالت أشهد رسول الله فقال "أله إخوة؟" قال نعم قال "وكلهم أعطيته؟" فقال لا فقال "ليس يصلح هذا وإني لا أشهد إلا على حق"

وذكر الطحاوي هذا الخبر ثم قال حديث جابر أولى من حديث النعمان بن بشير لأن جابرا أحفظ لهذا المعنى وأضبط له لأن النعمان كان صغيرا قال وفي حديث جابر أن بشير بن سعد ذكر ذلك لرسول الله قبل أن يهب فأخبره رسول الله بأجمل الأمور وأولاها وأما قوله في حديثنا المذكور في هذا الباب "أكل ولدك نحلته مثل هذا؟" فإن العلماء مجمعون على استحباب التسوية في العطية بين الأبناء إلا ما ذكرنا عن أهل الظاهر من إيجاب ذلك ومع إجماع الفقهاء على ما ذكرنا من استحبابهم فإنهم اختلفوا في كيفية التسوية بين الأبناء في العطية فقال منهم قائلون التسوية بينهم أن يعطى الذكر مثل ما يعطى الأنثى وممن قال بذلك سفيان الثوري وابن المبارك قال ابن المبارك ألا ترى الحديث يروى عن النبي قال "سووا بين أولادكم فلو كنت مؤثرا أحدا آثرت النساء على الرجال"

وقال آخرون التسوية أن يعطى الذكر مثل حظ الأنثيين قياسا على قسم الله الميراث بينهم فإذا قسم في الحياة قسم بحكم الله عز وجل وممن قال هذا القول عطاء بن أبي رباح رواه ابن جريج عنه وهو قول محمد بن الحسن وإليه ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ولا أحفظ لمالك في هذه المسألة قولا

وأما قوله "فأرجعه" ففيه دليل على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه على ظاهر حديث ابن شهاب وغيره وهذا المعنى قد اختلف فيه الفقهاء فذهب مالك وأهل المدينة أن للأب أن يعتصر ما وهب لابنه ومعنى الاعتصار عندهم الرجوع في الهبة وليس ذلك لغير الأب عندهم وإنما ذلك للأب وحده وللأم أيضا إن وهبت لابنها شيئا وأبوه حي أن ترجع فإن كان يتيما لم يكن لها الرجوع فيما وهبت له لأن الهبة لليتيم كالصدقة التي لا رجوع فيها لأحد فإن وهبت لابنها وأبوه حي ثم مات وأرادت أن ترجع في هبتها تلك فقد اختلف أصحاب مالك في ذلك والمشهور من المذهب أنها لا ترجع وأما الأب فله أن يرجع أبدا في هبته لابنه هذا إذا كان الولد الموهوب له لم يستحدث دينا يداينه الناس ويأمنونه عليه من أجل تلك الهبة أو ينكح فإذا تداين أو نكح لم يكن للأب حينئذ الرجوع فيما وهب له وهذا إنما يكون في الهبة فإن كانت صدقة لم يكن له فيها رجوع لأن الصدقة إنما يراد بها وجه الله فلا رجوع لأحد فيها أبا كان أو غيره

وقول مالك في الهبة للثواب أن الواهب على هبته إذا أراد بها الثواب حتى يثاب منها أبا كان أو غيره إلا أن تتغير بزيادة أو نقصان عند الموهوب له أو تهلك فإن كان ذلك الثواب فإنما له قيمتها يوم قبضها وكان إسحاق بن راهويه يذهب إلى هذا وكان مالك يذهب إلى أن قول رسول الله في حديثه في هذا الباب "فأرجعه" أمر إيجاب لا ندب وكان يقول إنما أمره رسول الله بذلك لأنه نحله من بين سائر بنيه ماله كله ولم يكن له مال غير ذلك العبد حكى ذلك أشهب عن مالك قال أشهب فقيل لمالك فإذا لم يكن للناحل مال غيره أيرتجعه بعد النحلة فقال إن ذلك ليقال وقد قضى به عندنا بالمدينة

وقال غير مالك لا يعرف ما ذكره مالك من أن بشيرا لم يكن له مال غير ذلك العبد قال وإنما أمره رسول الله برد تلك العطية من أجل ما يولد ذلك من العداوة بين البنين وربما أبغضوا أباهم على ذلك فكره ذلك رسول الله لا من جهة التحريم قال ولو كان ذلك حراما ما نحل أبو بكر عائشة من بين سائر ولده وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري وأكثر العراقيين من وهب هبة لذي رحم ولدا كان أو غيره فلا رجوع له فيها لأنها والصدقة سواء إذا أراد بها صلة الرحم وهو قول إسحاق بن راهويه في مراعاة الرحم المحرم وأنه لا يعتصر ولا يرجع من وهب هبة لذي رحم محرم وإنها كالصدقة لله لا يرجع في شيء منها وجملة قول الكوفيين أنهم قالوا من وهب لولده هبة مقسومة معلومة فإن كان الولد صغيرا غلاما أو جارية فالهبة له جائزة وليس للوالد أن يرجع في ذلك ولا يعتصره وإن كان الولد كبيرا لم تجز الهبة حتى يقبضها الولد فإذا قبضها فهي له جائزة وليس للوالد أن يرجع فيها ولا يعتصرها قالوا وكذلك النحل والصدقة والزوجان عندهم فيما يهب بعضهما لبعض كذي الرحم المحرم لا يجوز لأحدهما أن يرجع في شيء مما أعطى صاحبه

ومن حجتهم فيما ذهبوا إليه من ذلك ما رواه مالك عن داود بن الحصين عن أبي غطفان بن طريف المري عن مروان بن الحكم أن عمر بن الخطاب قال من وهب هبة يرى أنه أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها وروى الأسود عن عمر نحو حديث مروان هذا فيمن وهب لصلة رحم أو قرابة وليس في حديث عمر ذكر الزوجين وقولهم في الهبة للثواب أنها جائزة على نحو ما قاله مالك إلا أنها إن زادت عند الموهوب له للثواب أو نقصت أو هلكت لم يكن فيها رجوع عندهم وهو قول الثوري وهبة المشاع عندهم غير صحيحة لأن الهبة لا تصح إلا بالقبض ولا سبيل إلى قبض المشاع فيما زعموا ولو قبض الجميع لم يكن قبضا عندهم وإنما القبض عندهم أن يقبض مفروزا مقسوما

وهذا كله فيما ينقسم فلم يقسم وما لم يكن قبض فهي عندهم عدة لا تلزم الواهب وأما مالك فإنه يجيز هبة المشاع إذا قبض الموهوب له جميع الشيء المشاع وبان به وتصح الهبة عنده بالقول وتتم بالقبض وللموهوب له أن يطالب الواهب بها ولورثته أن يقوموا في ذلك مقامه بعده فإن مات الواهب قبل قبض الهبة فهي باطلة حينئذ لأنهم أنزلوها حين وهب ولم يسلم ما وهب حتى مات على أن الهبة لم تكن في الباطن صحيحة وإنما هو كلام تكلم به الواهب لتكون الهبة بيده كما كانت حتى إذا مات خرجت عن ورثته فالهبة على هذا باطل

وهو معنى حديث عمر عندهم الذي رواه مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر بن الخطاب قال ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها فإن مات ابن أحدهم قال مالي بيدي لم أعطه أحدا وإن مات هو قال هو لابني قد كنت أعطيته إياه من نحل نحلة فلم يحزها الذي نحلها حتى يكون إن مات لورثته فهي باطل وقال الشافعي ليس لأحد أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما وهب لبنيه وليس في الصدقة رجوع لأنه أريد بها وجه الله عز وجل وهبة المشاع عنده جائزة والقبض فيها كالقبض في البيوع والهبة للثواب عنده باطل لأنها معاوضة على مجهول وذلك بيع لا يجوز ولا معنى عنده للهبة على الثواب وهي مردودة ليست بشيء.

وحجته فيما ذهب إليه من تخصيص الولد بالرجوع في الهبة حديث حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاووس عن ابن عمر وابن عباس جميعا عن النبي أنه قال "لا يحل لأحد أن يرجع في هبته إلا الوالد"

ومن حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي مثله ومن مراسيل طاووس عن النبي مثله ولا تصح الهبة عند الشافعي لكل أجنبي ولكل ابن بالغ إلا بالقبض على نحو قول العراقيين سواء قال محمد بن نصر أبو عبد الله المروزي وقد اتفق أبو بكر وعمر وعثمان وعلي على أن الهبة لا تجوز إلا مقبوضة.

قال أبو عمر:وللأب عند الشافعي أن يرجع فيما وهب لبنيه وسواء استحدث الابن دينا أو نكح أو لم يفعل شيئا من ذلك فإن كان الابن صغيرا في مذهب الشافعي فإشهاد أبيه وإعلانه بما يعطيه حيازة له لا يشركه فيها أحد من ورثة أبيه إن مات وهي للصغير أبدا وإن كبر وبلغ رشيدا ولا يحتاج فيها إلى قبض آخر وما لم يرجع فيها أبوه بإشهاد يبين به رجوعه في تلك الهبة فهي للابن وعلى ملكه فإن رجع فيها الأب بالقول والإعلان وعرف ذلك كان ذلك له وإلا فهي للابن وعلى ملكه على أصل إشهاده بالهبة له وهو صغير ولا يضره موته وهي بيده لأنها قد نفذت له وهو صغير فما لم يرجع فيها الأب بالقول فهي على

ذلك الأصل في مذهبه عندي والله أعلم وسنذكر قول مالك في ذلك بعد هذا إن شاء الله وقال أبو ثور وأحمد بن حنبل تصح الهبة مقبوضة وسواء كانت الهبة مشاعا أو غير مشاع والقبض فيهما عندهما كالقبض في البيع وروي عن علي بن أبي طالب أن الهبة تجوز وتصح وإن لم تقبض من وجه ضعيف لا نحتج بمثله ولم يختلف قول أبي ثور في ذلك في شيء من كتبه

وأما أحمد بن حنبل فقد اختلف عنه في ذلك وأصح شيء في ذلك عن أحمد أن الهبة والصدقة فيما يكال أو يوزن لا يصح شيء منها إلا بالقبض وما عدا المكيل والموزون فالهبة صحيحة جائزة بالقول وإن لم يقبض وذلك كله إذا قبلها الموهوب له والمشاع وغير المشاع في ذلك سواء كالبيع وقال أبو ثور كل من عدا الأب فليس له أن يرجع في هبته سواء أراد بها الثواب أو لم يرد

وحجته في ذلك كحجة الشافعي حديث ابن عباس المذكور عن النبي قوله "لا يحل لأحد أن يرجع في هبته إلا الوالد" وهو قول طاووس والحسن وأما أحمد بن حنبل فقال لا يحل لواهب أن يرجع في هبته ولا لمهد أن يرجع في هديته وإن لم يثب عليها

واحتج بقول رسول الله "العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" وهو قول قتادة قال قتادة لا أعلم القيء إلا حراما والجد عند أبي ثور كالأب وقالت طائفة يرجع الوالدان والجد فيما وهبوا ولا يرجع غيرهم

وقال إسحاق ما وهب الرجل لامرأته فليس له أن يرجع فيه وما وهبت المرأة لزوجها فلها أن ترجع فيه وهو قول شريح وغيره من التابعين ويحتج من ذهب هذا المذهب بحديث مروان عن عمر بن الخطاب قال إن النساء يعطين رغبة ورهبة وأجاز إسحاق الهبة للثواب على نحو قول مالك وأبي حنيفة ومن تابعهم وأجمع الفقهاء أن عطية الأب لابنه الصغير في حجره لا يحتاج فيها إلى قبض وأن الإشهاد فيها يغني عن القبض وأنها صحيحة وأن وليها أبوه لخصوصه بذلك ما دام صغيرا على حديث عثمان إلا أنهم اختلفوا من هذا المعنى في هبة الورق والذهب للولد الصغير فقال قوم إن الإشهاد يغني في ذلك كسائر الأشياء

وقال آخرون لا تصح الهبة في ذلك إلا بأن يعزلها ويعينها قال مالك الأمر عندنا أن من نحل ابنا له صغيرا ذهبا أو ورقا ثم هلك وهو يليه أنه لا شيء للابن من ذلك إلا أن يكون عزلها بعينها أو دفعها إلى رجل وضعها لابنه عند ذلك الرجل فإن فعل ذلك فهو جائز للابن.

قال أبو عمر:في حديث عثمان الذي هو أصل هذه المسألة عندهم اشتراط الإشهاد في هبة الرجل لابنه الصغير وذلك أن يشهد على الشيء يعينه شهودا يقفون عليه ويعينونه إذا احتيج إلى شهادتهم وإن كان شيئا يطبع عليه طبع الشهود عليه دون الأب وما لم يقف الشهود عليه في حين الإشهاد فليس بشيء

وحديث عثمان رواه مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عثمان بن عفان قال من نحل ولدا له صغيرا لم يبلغ أن يحوز نحله فأعلن ذلك وأشهد عليها فهي جائزة وإن وليها أبوه ولا أعلم خلافا أنه إذا تصدق على ابنه الصغير بدار أو ثوب أو سائر العروض أن إعلان ذلك بالإشهاد عليه يدخله في ملك الابن الصغير ويخرجه عن ملك الأب وتصح بذلك العطية للابن الصغير من هبة أو صدقة أو نحلة إلا أن يبلغ القبض لنفسه ببلوغه ورشده فلا يقبض تلك الهبة بما يقبض به مثلها وتتمادى في يد الأب كما كانت حتى يموت فإن كان كذلك بطلت حينئذ الهبة عند مالك وأصحابه

فإن بلغ الابن رشدا ومنعه الأب منها كان له مطالبته بها عندهم حتى يقبضها ويحوزها لنفسه فإن ادعى الأب أنه رجع فيها ولم يكن على الابن دين يمنع من رجوعها كان له ذلك في الهبة إذا لم يقل فيها إنها لله فإن قال إنها لله كانت كالصدقة ولا رجوع له فيها وأجبر على تسليمها إلى ابنه إذا بلغ رشدا هذا كله قول مالك وأصحابه وقد مضى قول الشافعي

وغيره في ذلك قال مالك وإذا وهب لابنه دنانير أو دراهم فأخرجها عن نفسه إلى غيره وعينها وجعلها لابنه على يد غيره فهي جائزة نافذة إذا مات الأب وفي حياته بحيازة القابض لها للابن واختلف أصحاب مالك إذا وهب لابنه الصغير دنانير أو دراهم فجعلها في ظرف معلوم وختم عليها وتوجد عنده مختوما عليها فروى ابن القاسم عن مالك أنها لا تجوز إلا أن يخرجها عن يده إلى غيره وسواء طبع عليها أو لم يطبع لا تجوز حتى يخرجها إلى غيره

وقال ابن الماجشون ومطرف هي عطية جائزة إذا وجدت بعينها وهو ظاهر حديث عثمان وظاهر قول مالك في موطئه على ما ذكرناه هنا من قوله الأمر عندنا وقد أجمعوا أنه إذا تصدق على ابن له صغير بدين له على رجل ثم اقتضاه أنه للابن وأن ذلك بمنزلة العبد يتصدق به على ابن له صغير ثم يبيعه فالثمن للابن وأجمعوا أن الوالد لا يعتصر الفرج إذا وهبه لابنه فوطئه ولا أعلم أحدا قال إن الولد يعتصر أيضا ما وهب لوالده إلا ربيعة ذكره ابن وهب عن يونس عنه فهذا ما يقوم من معاني حديث هذا الباب وبالله التوفيق.

قال أبو عمر:من حجة من لم يجز الهبة إلا مقبوضة حديث أم كلثوم أن النبي أهدى للنجاشي مسكا وقال لأهله "أحسبه مات فإن رجع إلي أعطيتكم منه" فكان كذلك ووجد قد مات فرجع المسك إليه فأعطاهن منه ولو كانت الهبة والعطية تحتاز بالكلام.

لما رجع النبي في هبته ولا هديته وكيف كان يتصرف في ذلك وهو القائل "ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه" وجاء عن أبي بكر الصديق وعائشة مثل هذا المعنى من حديث مالك وغيره عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة وعن عمر مثله أيضا وقد ذكرناه فهذا كله يدل على أن الهبات لا تتم إلا بالقبض وقد أجمعوا على ثبوت ملك الولهب

واختلفوا في زواله من جهة الهبة بالقول وحده فهو على أصل ملك الواهب حتى يجمعوا ولم يجمعوا إلا مع القبض وكان أبو ثور يقول لا تجوز الهبة إلا معلومة وإن كانت مشاعة فيكون الجزء معلوما وإلا لم تصح قال وإنما بطلت عطية أبي بكر رضي الله عنه لعائشة لأنها لم تكن معلومة ولا سهما من سهام معلومة قال وكل هبة أو صدقة على هذا فغير جائزة فهذا كله في معنى حديث النعمان بن بشير المذكور في هذا الباب وهو محمول على أنه كان صحيحا والناس على الصحة حتى يثبت المرض الطارئ وللقول في هبات المريض موضع غير هذا من كتابنا وبالله توفيقنا.

حديث سابع لابن شهاب عن حميد مرسل[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أن رجلا أتى النبي فقال يا رسول الله علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى فقال رسول الله "لا تغضب"

هكذا رواه جماعة الرواة عن مالك في الموطأ مرسلا وهو الصحيح فيه عن مالك وقد رواه ابن سبرة المدني عن مطرف عن مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ورواه إسحاق بن بشير الكاهلي عن مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيه

وكلاهما خطأ والصواب فيه عن مالك مرسل كما في الموطأ ورواه ابن عيينة عن ابن شهاب عن حميد عن رجل من أصحاب النبي مثله فوصله وقد روى هذا الحديث من غير طريق مالك ومن غير طريق ابن شهاب مسندا من وجوه ثابتة عن أبي هريرة من حديث أبي صالح عن أبي هريرة ومعنى هذا الحديث عندي والله أعلم أنه أراد علمني ما ينفعني بكلمات قليلة لئلا أنسى إن أكثرت علي فأجابه بلفظ يسير جامع لمعان كثيرة خطيرة ولو أراد علمني كلمات من الذكر ما أجابه بمثل ذلك الجواب وإنما أراد علمني بكلمات يسيرة والله أعلم.

ومن طرق هذا الحديث متصلا ما حدثني به خلف بن القاسم الحافظ قال حدثنا أبو محمد شعبة بن أحمد بن جعفر الفهري قال حدثنا عبد الله بن سعيد بن الحكم بن أبي مريم قال حدثنا عمرو بن أبي سلمة قال حدثنا صدقة بن عبد الله عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن عمه أنه قال يا رسول الله قل لي قولا ينفعني الله به وأقلل لعلي أعقله قال "لا تغضب" فأعاد عليه مرارا كلها يرجع إليه رسول الله "لا تغضب"

ورواه حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف عن عمه أنه قال يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا وأقلل لعلي أعقله قال "لا تغضب" حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة فذكره سواء ورواه ابن نمير عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن عمه جارية بن قدامة أنه سأل رسول الله قل لي ثم ذكر مثله إلا أنه قال فأعاد عليه فقال "لا تغضب" فأعاد عليه مرارا كل ذلك يقول "لا تغضب" وذكره ابن أبي شيبة عن ابن نمير ورواه يحيى القطان عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن حارثة بن قدامة مثل لفظ حديث حماد بن سلمة حرفا بحرف ورواه وهب عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس عن بعض عمومته قال قلت يا رسول الله مثله سواء ورواه الليث بن سعد والمفضل بن فضالة عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف بن قيس أن ابن عم له قال يا رسول الله فذكر الحديث مثله سواء بمعناه هكذا قال الليث والمفضل عن ابن عم.

وقال من ذكرنا من الحفاظ عن هشام بن عروة عن أبيه عن الأحنف عن عمه وبعضهم سماه كما تراه جارية بن قدامة وهو جارية ابن قدامة بن مالك بن زهير تميمي سعدي له صحبة صحيحة ورواية

وقد ذكرناه في كتابنا في الصحابة والأحنف بن قيس قيل اسمه الضحاك بن قيس وقيل صخر بن قيس بن معاوية بن حصين بن حفص بن عبيد تميمي سعدي أيضا من بني سعد بن زيد مناة بن تميم وممكن أن يكون ابن عمه في نسبه وعمه أخو أبيه لأمه والله أعلم وروى ابن أبي الزناد هذا الحديث عن أبيه عن عروة بن الزبير بإسناده المتقدم

كما قال حماد بن سلمة ومن تابعه عن هشام بن عروة حدثناه عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا يحيى بن عبد الحميد قال حدثنا ابن أبي الزناد عن أبيه عن عروة عن الأحنف بن قيس عن جارية بن قدامة عن النبي مثله

وروى هذا الحديث أيضا من حديث أبي سعيد وأبي هريرة حدثناه خلف بن القاسم قال حدثنا محمد بن زكريا المقدسي ببيت المقدس قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا أبو إسماعيل المؤدب عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا قال يا رسول الله أوصني بعمل أعمله قال " لا تغضب"

وحدثناه خلف بن قاسم قال حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا مضر بن محمد قال حدثنا محمد بن المنهال أخو حجاج بن منهال حدثنا عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري قال قال رجل يا رسول دلني على عمل أعمله وأقلل لعلي أحفظه قال "لا تغضب" قال مضر سمعت يحيى بن معين يقول الحديث حديث عبد الواحد بن زياد والقول قوله

قال أبو عمر:الحديث عند غير ابن معين على ما رواه أبو إسماعيل المؤدب عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة لا عن أبي سعيد وقد تابعه على ذلك الحسين بن واقد عن الأعمش وكذلك رواه أبو حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة.

ذكره البزار عن ابن شبويه عن علي بن الحسن بن شقيق عن الحسين بن رافع وذكره أيضا عن إسماعيل بن حفص عن إسماعيل بن عياش عن أبي حصين وحدثني خلف بن القاسم قال حدثنا أحمد بن إبراهيم بن أحمد الحداد قال حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي قال حدثنا عبيد الله بن عبد الخالق قال حدثنا علي بن الحسن بن شقيق عن الحسين بن واقد عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رجلا أتى النبي فقال دلني يا رسول الله على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال "لا تغضب".

قال أبو عمر:هذا من الكلام القليل الألفاظ الجامع للمعاني الكثيرة والفوائد الجليلة ومن كظم غيظه ورد غضبه أخزى شيطانه وسلمت مروءته ودينه ولقد أحسن القائل:لا يعرف الحلم إلا ساعة الغضب

وقال علي بن ثابت:

العقل آفته الإعجاب والغضب ... والمال آفته التبذير والنهب

وقال أبو العتاهية:

ولم أر في الأعداء حين خبرتهم... عدوا لعقل المرء أعدى من الغضب

وكل هؤلاء إنما حاولوا ودندنوا حول معنى هذا الحديث وكان رسول الله قد أوتي جوامع الكلم حدثنا عبد الرحمن بن يحيى حدثنا علي ابن محمد حدثنا أحمد بن داود حدثنا سحنون بن سعيد حدثنا عبد الله بن وهب قال أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال سألت رسول الله فقلت يا رسول الله ما يبعدني من غضب الله قال "لا تغضب" حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي قال حدثنا أبي قال حدثنا عبد الله بن يونس قال حدثنا بقي بن مخلد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا خالد قال حدثنا ضرار بن مرة أبو سنان عن عبد الله بن الهذيل قال لما رأى يحيى أن عيسى مفارقه قال له أوصني قال "لا تغضب" قال لا أستطيع قال لا تقني مالا قال عسى.

حديث ثامن لابن شهاب عن حميد لا يجوز أن يكون مثله رأيا[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه أخبره "أن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن وأن {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ} تجادل عن صاحبها" أدخلنا هذا في كتابنا لأن مثله لا يقال من جهة الرأي ولا بد أن يكون توقيفا لأن هذا لا يدرك بنظر وإنما فيه التسليم مع أنه قد ثبت عن النبي من وجوه ومن شرطنا أن كل ما يمكن إضافته إلى النبي مما قد ذكره مالك في موطئه ذكرناه في كتابنا هذا وبالله عوننا وتوفيقنا لا شريك له

وقد روى هذا الحديث ابن أخي ابن شهاب عن عمه عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه عن النبي فأسنده ووصله حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا إسماعيل بن إسحاق قال حدثنا القعنبي قال حدثنا محمد بن عبيد الله بن مسلم عن عمه عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أن رسول الله سئل عن {قل هو الله أحد } فقال "ثلث القرآن أو تعدله".

قال أبو عمر:أم حميد هذه هي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت من المبايعات ومن جلة الصحابيات وقد ذكرناها وذكرنا خبرها ونسبها في كتاب النساء من كتابنا في الصحابة فأغنى عن ذكرها ها هنا وحدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال حدثنا عمر بن محمد الجمحي قال حدثنا علي بن عبد الغني البغوي قال حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي قال حدثنا محمد بن عبيد الله بن مسلم بن أخي الزهري عن عمه ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن عن أمه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أن رسول الله سئل عن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فقال "ثلث القرآن أو تعدله"

ومن أصح المسندات في هذا الباب حديث مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد الخدري عن النبي في "{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن" وسيأتي في موضعه من كتابنا هذا إن شاء الله وهناك يأتي القول في معنى حديث هذا الباب إن شاء الله تعالى وحديث مالك أيضا عن عبد الله أو عبيد الله بن عبد الرحمن والصواب عبيد الله عن عبيد بن حنين عن أبي هريرة عن النبي أنه سمع رجلا يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} إلى آخرها فقال "وجبت له الجنة" حديث صحيح.

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان وسعيد بن نصر قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا خالد بن مخلد قال حدثنا سليمان بن بلال قال حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله "{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن"

وروي هذا الحديث عن أبي هريرة مرفوعا من وجوه وروي مرفوعا أيضا من حديث أبي أيوب وأبي الدرداء وابن عمر وابن عباس وأنس بن مالك وقتادة بن النعمان أخبرنا يعيش بن سعيد قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أبو إسحاق السراج قال حدثنا عبيد الله بن معاذ قال حدثني أبي قال حدثنا شعبة عن علي بن مدرك عن إبراهيم النخعي عن الربيع بن خثيم عن عبد الله عن النبي أنه قال " أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن كل ليلة" قالوا ومن يطيق ذلك قال " بلى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} "

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا بكر بن حماد قال حدثنا مسدد قال حدثنا بشر بن المفضل قال حدثنا شعبة عن أبي قيس قال سمعت عمرو بن ميمون يحدث عن أبي مسعود عن النبي أنه قال "يغلب أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في كل ليلة؟" قالوا وما ذاك قال " {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} "

هكذا روى هذا الحديث أبو قيس الأودي هنا وكذلك رواه الثوري عنه أيضا كما رواه شعبة بهذا الإسناد عن عمرو بن ميمون عن أبي مسعود ورواه وكيع وابن مهدي وأبو نعيم وغيرهم عن الثوري عن أبي قيس بإسناده هذا مثله وهو عندي خطأ والله أعلم

والصواب عندي فيه حديث منصور عن هلال عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال

حدثنا حسين بن علي وحدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن عبد السلام قال حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي جميعا عن زائدة عن منصور عن هلال بن يساف عن ربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب قال قال رسول الله "من قرأ قل هو الله أحد فكأنما قرأ ثلث القرآن"

واللفظ لحديث ابن أبي شيبة وأخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن سنجر قال حدثنا عبيد الله بن موسى قال حدثنا إسرائيل عن منصور عن هلال بن يساف عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب قال أتاها فقال ألا ترين ما أتى به رسول الله قالت رب خير أتى به رسول الله فما هو قال قال لنا "أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟" قال فأشفقنا أن يريدنا على أمر نعجز عنه فلم نرجع إليه شيئا حتى قالها ثلاث مرات ثم قال "أما يستطيع أحدكم أن يقرأ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ}" ورواه أبو الزناد عن النبي أيضا

أخبرنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال أنبأ سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء قال قال رسول الله "أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟" قيل يا رسول الله ومن يطيق ذلك قال "يقرأ قل هو الله أحد"

وحدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم قال حدثنا ابن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا عفان وأخبرنا قاسم بن محمد قال حدثنا خالد بن سعيد قال حدثنا أحمد بن عمرو بن منصور قال حدثنا ابن سنجر قال حدثنا مسلم بن إبراهيم قالا حدثنا أبان العطار قال حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء أن رسول الله قال "أيعجز أحدكم أن يقرأ كل ليلة ثلث القرآن" قالوا نحن أعجز من ذلك وأضعف قال "إن الله عز وجل جزأ القرآن ثلاث أجزاء فجعل {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} جزأ من أجزاء القرآن"

ووجدت في أصل سماع أبي بخط يده رحمه الله أن محمد بن قاسم بن هلال حدثهم قال حدثنا سعيد بن عثمان قال حدثنا نصر بن مرزوق قال حدثنا أسد بن موسى قال حدثنا أبو معاوية عن موسى الصغير عن هلال بن يساف عن أم الدرداء عن أبي الدرداء أن رسول الله قال "{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن"

قال البزار موسى النخعي رجل كوفي حدث عنه الناس قال وهذا إسناد صحيح

وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا عمرو بن عثمان بن أخي علي بن عاصم الواسطي قال حدثنا أبو تميلة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن يزيد عن زيد بن أبي أنيسة عن نفيع بن الحارث عن ابن عمر قال سمعت رسول الله يقرأ في الركعتين قبل الصبح قل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد قال وسمعته يقول "نعم السورتان {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تعدل ربع القرآن" قال أبو تميلة قال ابن إسحاق وأنا أجمعهما جميعا.

قال أبو عمر:ليس هذا الإسناد بالقوي وأخبرنا يعيش بن سعيد وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن غالب التمتام قال حدثنا مسلم قال حدثنا يمان بن المغيرة قال حدثنا عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال قال رسول الله "من قرأ {إِذَا زُلْزِلَتِ} فنصف القرآن ومن قرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} فربع القرآن و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثلث القرآن"

وأخبرنا خلف بن سعيد قال حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا أحمد بن خالد قال حدثنا علي بن عبد العزيز قال حدثنا مالك بن إسماعيل قال حدثنا مندل قال حدثنا جعفر بن أبي جعفر الأشجعي عن أبيه عن ابن عمر قال صلى النبي بأصحابه صلاة الفجر في سفر فقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ثم قال "قد قرأت لكم ثلث القرآن وربعه"

وأخبرنا عبيد بن محمد قال حدثنا عبد الله بن مسرور قال حدثنا عيسى بن مسكين قال حدثنا محمد بن عبد الله بن سنجر قال حدثنا زكريا بن عطية البصري قال حدثنا سعد بن محمد بن المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال سمعت سعد بن إبراهيم يحدث عن عمه أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة قال قال رسول الله "من قرأ بعد الصبح {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} اثنا عشر مرة فكأنما ختم القرآن أربع مرات وكان خير أهل الأرض في ذلك اليوم إذا اتقى".

قال أبو عمر:هذا الحديث والأحاديث التي قبله من أحاديث الشيوخ ليست من أحاديث الأئمة وقد صحت عن النبي في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أحاديث عدة من جهة نقل الآحاد لا نقطع على عينها ونحن نقول كما قال رسول الله ولا نناظر فيها والقرآن عندنا صفة من صفات الله وهو كلام الله فسبحان المحيط علما بما أراد رسوله بقوله هذا حدثنا خلف بن قاسم حدثنا الحسن بن رشيق حدثنا أحمد بن الحسن الصباحي حدثنا أبو بشر بن الهيثم حدثنا سدوس بن علقمة حدثني والدي قال كنت عند أنس بن مالك فقال سمعت رسول الله يقول "سورة من القرآن تشفع لصاحبها" فتدخله الجنة قال وهي {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

حدثنا سعيد بن نصر قال حدثنا محمد بن وضاح قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو أسامة عن شعبة عن قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النبي قال "سورة في القرآن ثلاثون آية شفعت لصاحبها حتى غفر له" وحدثنا عبد الوارث قال حدثنا قاسم حدثنا أحمد بن زهير قال حدثنا أبي قال حدثنا يحيى القطان عن شعبة قال حدثني قتادة عن عباس الجشمي عن أبي هريرة عن النبي مثله.

ابن شهاب عن عيسى بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي[عدل]

قد ذكرنا أباه في كتاب الصحابة فلا وجه لذكره هاهنا وعيسى بن طلحة هذا مدني تابعي ثقة روى عنه ابن شهاب ومحمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي ومحمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة وغيرهم وأمه سعدى ابنة ابن خارجة بن سنان بن أبي خارجة وهو شقيق يحيى بن طلحة وتوفي عيسى بن طلحة بن عبيد الله سنة مائة

قال أبو الزبير كان عيسى بن طلحة صديقا لعروة بن الزبير وذكر خبره في تعزيته له في رجله قال وأخبرني مصعب بن عثمان قال قيل لعيسى بن طلحة ما الحلم قال الذل

لـمالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلـحة بن عبـيد الله هذا حديث واحد، مسند فـي الـموطأ[عدل]

مالك عن ابن شهاب عن عيسى بن طلـحة بن عبـيد الله عن عبد الله بن عمرو قال : وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ للِنَّاسِ فِـي حِجَّةِ اْلوِدَاع بِمِنًى يَسْأَلُونَهُ فَجْاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَـمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِذْبَحْ وَلاَ حَرَجْ» فَجَاءَ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَـمْ أَشْعُرْ فَنَـحَرْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ؟ فَقَالَ: «إِرْمِ وَلاَ حَرَجَ» قَالَ: فَمَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ شَيءٍ قُدِمَ وَلاَ أُخِرَ، إِلاَّ قَالَ: «إِفْعَلَ وَلاَ حَرَجَ»

هذا حديث صحيح لا يختلف فـي إسناده. ولا أعلـم عن مالك اختلافًا فـي ألفاظه إلا ما رواه يحيى بن سلام عن مالك. ذكره الدارقطنـي عن الـحسن بن رشيق عن يوسف بن عبد الأحد عن سليمان بن شعيب عن أبـي سلام عن مالك عن الزهري عن عيسى بن طلـحة عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله وقف للناس فـي حجة الوداع. فقال رجل: يا رسول الله حلقت قبل أن أذبح؟ فقال رسول الله : «إذبح ولا حرج» قال آخر: يا رسول الله ذبحت قبل أن أرمي؟ قال: «إرم ولا حرج» قال آخر: يا رسول الله طفت بالبـيت قبل أن أذبح؟ قال: «إذبح ولا حرج»

قال فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال لا حرج لا حرج ولم يقل أحد في هذا الحديث طفت بالبيت قبل أن أذبح إلا يحيى بن سلام ولم يتابع عليه وهكذا رواه جمهور أصحاب ابن شهاب كما رواه مالك في موطئه وزاد فيه صالح بن أبي الأخضر عن ابن شهاب وقف رسول الله على ناقته ولهذا مع ما روي عنه من حديث جابر ما استحب العلماء والله أعلم أن يرمي الرجل جمرة العقبة راكبا وممن استحب ذلك مالك والشافعي وجماعة قال مالك رحمه الله يرمي جمرة العقبة يوم النحر راكبا وفي غير يوم النحر ماشيا.

وفي هذا الحديث من الفقه وجوه كثيرة من أحكام الحج منها ما أجمعوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه فأما قوله فحلقت قبل أن أذبح فإن العلماء مجمعون كافة عن كافة أن واجبا على المحرم أن لا يأخذ من شعره شيئا من حين يحرم بالحج إلى أن يرمي جمرة العقبة في وقت رميها فإن اضطر إلى حلق شعره لضرورة لازمة فالحكم فيه ما نص الله في كتابه وبينه رسول الله في حديث كعب بن عجرة وقد شرحنا ذلك فيما تقدم من كتابنا هذا وأجمعوا أن النبي حلق رأسه في حجته بعد ما رمى جمرة العقبة يوم النحر بعد أن نحر وقال "اللهم اغفر للمحلقين"

وأجمعوا أن التقصير يجزي عن الحلق لمن لم يلبد ولم يعقص ولم يضفر وأجمعوا أن الحلاق أفضل من التقصير وأن ليس على النساء حلق وأن سنتهن التقصير وروى أنس ابن مالك أن رسول الله رمى جمرة العقبة يوم النحر ونحر بدنه أو أمر بها فنحرت وقال للحلاق "دونك" فحلق شقه الأيمن ثم شقه الأيسر وناول شعر أحد الشقين أبا طلحة وقسم الآخر بين من يليه الشعرة والشعرتين

وهذا الحديث رواه هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك وعلى العمل به جماعة المسلمين إلا ما كان من قسم الشعر فإن ذلك لرسول الله خاصة تبركا به وجعل أبو بكر بن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن هشام في هذا الحديث موضع أبي طلحة أم سليم زوجته وسائر من رواه يقولون إنه حلق شقه الأيمن وأعطاه أبا طلحة وربما قال بعضهم إن الذي حلق من شعر رأسه الأيسر هو الذي أعطاه أبا طلحة فلا خلاف بين العلماء أن سنة الحاج أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر ثم ينحر هديا إن كان معه ثم يحلق رأسه فمن قدم شيئا من ذلك عن موضعه أو أخره فللعلماء في ذلك ما نذكره بعون الله وحوله إن شاء الله ووقت رمي جمرة العقبة يوم النحر ضحى بعد طلوع الشمس إلى الغروب

وأجمع علماء المسلمين على أن رسول الله إنما رماها ضحى ذلك اليوم وأجمعوا أن رسول الله لم يرم من الجمرات يوم جمرة العقبة وأجمعوا على أن من رماها من طلوع الشمس إلى الزوال يوم النحر فقد أصاب سنتها ووقتها المختار وأجمعوا أن من رماها يوم النحر قبل المغيب فقد رماها في وقت لها وإن لم يكن ذلك مستحسنا له واختلفوا فيمن أخر رميها حتى غربت الشمس من يوم النحر فذكر ابن القاسم أن مالكا رحمه الله كان يقول مرة عليه دم ومرة لا يرى عليه شيئا قال وقد تأخرت صفية امرأة ابن عمر على ابنة أخيها حتى أتت منى بعد ما غابت الشمس فرمت يوم النحر ولم يبلغنا أن ابن عمر أمرها بشيء ذكر ذلك أبو ثابت عن ابن القاسم

وقال الثوري من أخرها عامدا إلى الليل فعليه دم وقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي يرميها من الغد ولا شيء عليه إن كان تركها عامدا والناسي لا شيء عليه وقد قيل على العامد لذلك دم واختلفوا فيمن رمى جمرة العقبة وقتها قبل أو بعد فأما اختلافهم فيمن رماها قبل طلوع الفجر يوم النحر فأكثر العلماء على أن ذلك لا يجزئ وعلى من فعله الإعادة وهو قول مالك والثوري وأبي حنيفة وأصحابه وأبي ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق

قال مالك في الموطأ أنه سمع بعض أهل العلم يكره رمي الجمرة حتى يطلع الفجر من يوم النحر قال فإن رمى قبل الفجر فقد حل له النحر قال مالك ولم يبلغنا أن رسول الله أرخص لأحد برمي قبل الفجر فمن رماها فقد حل له الحلق وقال عطاء بن أبي رباح وابن أبي مليكة وعكرمة بن خالد وجماعة المكيين في الذي يرمي جمرة العقبة قبل طلوع الفجر إن ذلك بجزيء ولا إعادة على من فعل ذلك وبه قال الشافعي وأصحابه إذا كان الرمي بعد نصف الليل

قال الشافعي وكذلك إن نحر بعد نصف الليل وقبل الفجر أجزأه وروي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت ترمي الجمار بالليل واحتج الشافعي بحديث أم سلمة وقال أنبأ داود بن داود بن عبد الرحمن وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه قال دار رسول الله إلى أم سلمة يوم النحر وأمرها أن تعجل الإفاضة من جمع حتى ترمي الجمرة وتوافي صلاة الصبح بمكة وكان يومها وأحب أن توافيه قال وأنبأ الثقة عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أم سلمة عن أم سلمة عن النبي مثله قال الشافعي وهذا لا يكون إلا وقد رمت الجمرة قبل الفجر بساعة.

قال أبو عمر:كان أحمد بن حنبل يدفع حديث أم سلمة هذا ويضعفه وأما اختلافهم في رمي جمرة العقبة بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس فإن أكثر الفقهاء يجيزون ذلك وممن أجازها مالك والشافعي وأبو حنيفة ومن قال بقولهم وقال أبو ثور إن اختلفوا في رميها قبل طلوع الشمس لم تجز من رماها وكان عليه الإعادة وإن أجمعوا سلمنا للإجماع وحجته أن رسول الله رماها بعد طلوع الشمس ومن رماها قبل طلوع الشمس كان مخالفا للسنة ولزمه إعادتها في وقتها لأن رسول الله جعل لها وقتا فمن تقدمه لم يجزه وزعم ابن المنذر أنه لا يعلم خلافا فيمن رماها قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر أنه يجزيه قال ولو علمت في ذلك خلافا لأوجبت على فاعل ذلك الإعادة ولم يعرف قول أبي ثور الذي حكيناه.

وقد ذكره الطحاوي عن الثوري وذكره ابن خواز منداد أيضا فهذا حكم جمرة العقبة التي ترمى يوم النحر ولا يرمى من الجمار يوم النحر غيرها وهي ركن من أركان الحج لو وطئ المحرم قبل رميها لفسد حجه عند مالك وأصحابه فإن وطئ بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة فعليه عندهم أن يعتمر ويهدي وإنما أمروه بالعمرة ليكون طوافه للإفاضة في إحرام صحيح وهذا هو المشهور من مذهب مالك عند أصحابه وذكر ابن أبي حازم أن مالكا رجع عن هذا القول إلى أن قال من وطئ بعد رمي جمرة العقبة وقبل الإفاضة فعليه هدي بدنة لا غير ومن وطئ قبل جمرة العقبة وبعد الوقوف بعرفة اعتمر وأهدى وأجزأ عنه هذه رواية ابن أبي حازم عن مالك وهي رواية شاذة عند المالكيين لا يعرفونها والمعروف عندهم ما قدمنا ذكره وعلى رواية ابن أبي حازم عن مالك جماعة من العلماء منهم الشافعي وأبو حنيفة والثوري

وقد روى مالك عن أبي الزبير عن عطاء عن ابن عباس في الذي يطأ أهله بعد رمي جمرة العقبة وقبل أن يفيض أنه ينحر بدنة ويجزيه وروي عن ثور بن زيد عن عكرمة أظنه عن ابن عباس أنه يعتمر ويهدي ورواية ثور عن عكرمة في هذا ضعيفة لأن أيوب روى عن عكرمة أنه قال ما أفتيت برأي قط إلا في ثلاث مسائل إحداهن في الذي يصيب أهله قبل أن يطوف للإفاضة يعتمر ويهدي

وقال مالك وجمهور أصحابه في الذي يطأ أهله بعد يوم النحر قبل رمي جمرة العقبة أنه يرمي الجمرة ويطوف للإفاضة وعليه أن يعتمر ويهدي ليس عليه غير ذلك وإنما يفسد حجه عندهم إذا وطئها يوم النحر قبل أن يرمي الجمرة وأما إن وطئها بعد يوم النحر فإن عليه أن يعتمر ويهدي وسواء وطئها قبل رمي جمرة العقبة أو بعد إذا كان قد وقف ليلا بعرفة وكان وطؤه بعد يوم النحر وقد ذكر ابن حبيب عن مالك وأصحابه فيمن وطئ قبل رمي جمرة العقبة أنه يفسد حجه وان كان بعد يوم النحر هذا غير معروف في مذهب مالك وأصحابه والمعروف ما ذكرت لك فهذه أحكام جمرة يوم النحر فيمن وطئ قبلها أو بعدها وليس لشيء من الجمار حكمها وأما الجمار التي ترمى في أيام منى بعد يوم النحر فأجمع علماء المسلمين أن وقت الرمي في غير يوم النحر بعد زوال الشمس وقال مالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأبو يوسف لا يجزئ الرمي في غير يوم النحر إلا بعد الزوال

وقال أبو حنيفة إن فعله أحد قبل الزوال أجزأه وعن عطاء وطاووس وعكرمة مثل قول أبي حنيفة إلا أن طاووسا قال إن شاء رمى من أول النهار ونفر وقال عكرمة إن رمى أول النهار لم ينفر حتى تزول الشمس وعن عمر وابن عباس وابن عمر وجماعة التابعين مثل قول مالك في ذلك.

أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول رأيت رسول الله يرمي يوم النحر ضحى فأما بعد ذلك فبعد زوال الشمس وكان يرميها على راحلته ويقول لنا "خذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد حجتي هذه" وقال مالك في الموطأ السنة الثابتة التي لا اختلاف فيها عندنا أن أحدا لا يحلق رأسه ولا يأخذ من شعره حتى ينحر هديا إن كان معه وذلك أن الله عز وجل يقول في كتابه {وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} 72

وقال مالك الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا أن من قرن بين الحج والعمرة لم يأخذ من شعره شيئا حتى ينحر هديا إن كان معه ولا يحل من شيء كان حرم عليه حتى يحل يوم النحر بمنى وسئل مالك عن الرجل ينسى الحلاق في الحج بمنى أواسع له أن يحلق بمكة قال ذلك واسع والحلاق بمنى أحب إلي قال أبو ثابت قلت لابن القاسم ما قول مالك فيمن حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة فقال قال مالك عليه الفدية قيل له فما قول مالك فيمن حلق قبل أن يذبح قال لا شيء عليه وهو يجزئه قيل له فما قول مالك إن ذبح قبل أن يرمي قال يجزئه ولا شيء عليه.

قال أبو عمر:لم يختلف قول مالك وأصحابه فيمن حلق قبل أن يرمي جمرة العقبة أن عليه الفدية ويمر بعد ذلك الموسى على رأسه وذكر ابن عبد الحكم فيمن طاف طواف الإفاضة قبل أن يرمي جمرة العقبة يوم النحر أنه يرمي ثم يحلق رأسه ثم يعيد الطواف للإفاضة قال ومن طاف للإفاضة قبل الحلاق إلا أنه قد رمى جمرة العقبة فإنه يحلق رأسه ثم يعيد طواف الإفاضة فإن لم يعد الطواف فلا شيء عليه لأنه قد طاف

وقال إسماعيل القاضي من حلق قبل أن يذبح لم يكن عليه شيء لأن الظاهر يدل على أنه من رمى جمرة العقبة ثم حلق قبل أن يذبح فلا شيء عليه وقد كان ينبغي له أن يذبح ثم يحلق بعد الذبح فلما بدأ بالحلاق كان قد أخطأ ولم يكن عليه شيء لأن الرمي يحل به الحلق ألا ترى أن رجلا لو لم يكن معه هدي ثم رمى جمرة العقبة حل له الحلق ولبس الثياب وما أشبه ذلك فلهذا المعنى لم يكن على من بدأ بالحلق قبل الذبح شيء.

قال إسماعيل وإذا نحر قبل أن يرمي لم يكن أيضا عليه شيء لأن الهدي قد بلغ محله ألا ترى أن معتمرا لو ساق معه هديا فنحره حين بلغ مكة قبل أن يطوف ويسعى لكان قد أخطأ ولم يكن عليه إبدال الهدي وإنما كان ينبغي له أن لا ينحر الهدي حتى يخلو من طوافه وسعيه فينحر الهدي ثم يحلق فلما أخطأ لم يكن عليه الإبدال لأن الهدي قد بلغ محله ولم يكن في شيء من ذلك انتقاص لعمرته لأن الرجل قد يعتمر ولا يسوق هديا فتكون عمرته تامة ولو نحر هديه قبل أن يبلغ محله في الحج لم يكن عليه غير إبدال الهدي خاصة ولا يكون عليه في ذلك انتقاص لشيء من أمر الحج

قال إسماعيل وهاتان الخلتان هما المبتغتان في حديث الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو قال إسماعيل والذي رواه هشام بن حسان عن عطاء عن ابن عباس مثله في المعنى والذي رواه وهيب عن ابن طاووس مجمل غير أنه لا يبين فيه خلاف حديث الزهري والذي رواه خالد عن عكرمة عن ابن عباس ذكر فيه أنه رمى بعدما أمسى وهذا أيضا ليس فيه انتقاص للحج وإنما كان ينبغي له أن يرمي جمرة العقبة في ذلك اليوم قبل الزوال فلما أخطأ وأخرها إلى بعد الزوال لم يكن عليه شيء لأن مالكا قال إذا رمى جمرة العقبة يوم النحر في بقية النهار لم يكن عليه شيء وإن أخرها إلى الليل فإن أبا ثابت حكى عن ابن القاسم قال كان مالك مرة يقول عليه دم ومرة لا يراه عليه قال وقد تأخرت صفية امرأة ابن عمر عن ابنة أخيها حتى أتت منى بعد ما غابت الشمس يوم النحر فرمت ولم يبلغنا أن ابن عمر أمرها بشيء.

قال أبو عمر:قد روى سحنون عن ابن القاسم أن مالكا لم يأخذ برخصة ابن عمر لصفية في ذلك ورأى أن من أخر رمي جمرة العقبة حتى الليل ورماها بالليل عليه لذلك دم والذي رواه أبو ثابت عن ابن القاسم أتم وأكثر العلماء على أنه ليس في ذلك دم وقد ذكرنا هذه المسألة وما للعلماء فيها من الأقوال فيما تقدم من هذا الباب والحمد لله

قال إسماعيل وحديث عكرمة يدل على أن الرجل رمى بالعشي لأنه حكى أن النبي سئل يومئذ فعلم أن المسألة كانت في اليوم قال والظاهر أيضا في قوله بعدما أمسيت يدل على العشي لأنه الغالب في كلام الناس فهذا هو النص القوي في الحديث الصحيح عن النبي فأما ما يزاد في الأحاديث الضعيفة فهو شيء لا يدرى كيف صحته والله أعلم به.

قال أبو عمر:اللفظ الذي أنكره إسماعيل في هذا الحديث على من ذكره وزاده وأتى به هو قوله حلقت قبل أن أرمي وهو محفوظ في الأحاديث ثم ذكر إسماعيل حديث ابن شهاب فقال حدثنا علي بن المديني قال حدثنا يزيد بن زريع قال حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال كان رسول الله يسأل يومئذ فيقول "لا حرج" فسأله رجل فقال حلقت قبل أن أذبح فقال "لا حرج" فقال رميت بعد ما أمسيت قال "لا حرج"

قال إسماعيل وثنا نصر بن علي عن يزيد بن زريع مثله قال وحدثنا إبراهيم بن الحجاج قال حدثنا وهيب عن ابن طاووس عن طاووس عن ابن عباس أن النبي قيل له يوم النحر وهو بمنى في الرمي والحلق والتقديم والتأخير فقال "لا حرج" قال إسماعيل وثنا نصر بن علي قال حدثنا هشام عن عطاء عن ابن عباس أن النبي سئل يوم النحر عن رجل حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يرمي وأشباه هذا فأكثروا في التقديم والتأخير فما سأله أحد يومئذ عن شيء من هذا النحو إلا قال "لا حرج" وقال أبو ثابت عن ابن القاسم قال مالك إن ذبح المحرم ذبيحته قبل الفجر أعاد ذبيحته.

قال أبو عمر:قوله هذا معناه عندي على أصله أن الذبح بالليل لا يجزئ في الهدي والضحايا ولا وجه له عندي غير ذلك على مذهبه ألا ترى إلى ما قدمنا من قوله أن من رمى قبل الفجر وإن كان لا يجزئه رميه أن النحر قد حل له وقوله أن من قدم نحره قبل رميه لا شيء عليه قال إسماعيل ولا يضره ذلك ولا ينتقص من حجه شيء لأن هديه قد بلغمحله فإذا لم يفسد عليه ما قدمه من نحره قبل رميه شيئا من حجه ولا أوجب عليه شيئا فلا وجه لإعادة ما نحره من هديه إلا من أجل أنه ذبحه بالليل وذلك لا يجزئه عنده لقول الله عز وجل {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} 73 فذكر الأيام دون الليالي وعند غيره الليالي تبع للأيام والله أعلم.

قال أبو عمر:اختلف العلماء فيمن قدم نسكا قبل نسك أو أخره مما يصنعه الحاج يوم النحر خاصة مثل تقديم النحر قبل الرمي أو الحلق قبل النحر أو قبل الرمي فأما اختلافهم فيمن حلق قبل أن يرمي فإن مالكا قال ما تقدم ذكره عنه وعليه أصحابه في إيجاب الفدية في ذلك قال ومن ذبح قبل أن يرمي أو حلق قبل أن يذبح فلا شيء عليه

وروي عن ابن عباس أنه قال من قدم من حجه شيئا أو أخره فعليه دم ولا يصح ذلك عنه وعن إبراهيم وجابر بن زيد مثل قول مالك في إيجاب الفدية على من حلق قبل أن يرمي وهو قول الكوفيين

وقال الشافعي وأبو ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود والطبري لا شيء على من حلق قبل أن يرمي ولا على من قدم شيئا أو أخره ساهيا مما يفعل يوم النحر وروي عن الحسن وطاووس أنه لا شيء على من حلق قبل أن يرمي مثل قول الشافعي ومن تابعه وعن عطاء بن أبي رباح من قدم نسكا قبل نسك فلا حرج وروي ذلك عن سعيد بن جبير وطاووس ومجاهد وعكرمة وقتادة وذكر ابن المنذر عن الشافعي في هذه المسألة من حلق قبل أن يرمي أن عليه دما وزعم أن ذلك حفظه عن الشافعي وهو خطأ على الشافعي والمشهور من مذهبه في كتبه وعند أصحابه أنه لا شيء على من قدم أو أخر من أعمال الحج كلها شيئا إذا كان ساهيا

وأما اختلافهم فيمن حلق قبل أن يذبح فجمهور العلماء على أن لا شيء عليه كذلك قال عطاء وطاووس وسعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والحسن وقتادة وهو قول مالك والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد وإسحاق وداود ومحمد بن جرير وقال إبراهيم النخعي من حلق قبل أن يذبح أهراق دما وقال جابر بن زيد عليه الفدية وقال أبو حنيفة عليه دم قال وإن كان قارنا فعليه دمان دم للقران ودم للحلق وقال زفر على القارن إذا حلق قبل أن ينحر ثلاثة دماء دم للقران ودمان للحلق قبل النحر ولا أعلم خلافا فيمن نحر قبل أن يرمي أنه لا شيء عليه وذلك والله أعلم

لأن الهدي قد بلغ محله مع ما جاء في حديث ابن شهاب هذا من قوله لمن نحر قبل أن يرمي أو حلق قبل أن يذبح "لا حرج" وحجة من لم يوجب على من قدم شيئا من نسك يوم النحر أو أخره ساهيا الأخبار التي رويت عن النبي ففي بعضها من قدم نسكا قبل نسك لا حرج وفي بعضها أن القائل قال حلقت قبل أن أرمي وحلقت قبل أن أذبح وذبحت قبل أن أرمي

أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا محمد بن شعيب قال أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عيسى بن طلحة عن عبد الله بن عمرو قال سئل النبي عن رجل حلق قبل أن يذبح قال "اذبح ولا حرج" وقال آخر ذبحت قبل أن أرمي قال "ارم ولا حرج" قال فما سئل عن شيء قدمه رجل قبل شيء إلا قال "افعل ولا حرج".

قال أبو عمر:فقوله في هذا الحديث فما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال افعل ولا حرج من رواية مالك وغيره به احتج الشافعي ومن تابعه وبالله التوفيق.

حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال حدثنا جرير عن الشيباني عن زياد بن علاقة عن أسامة بن زيد عن أسامة بن شريك قال خرجت مع النبي حاجا فكان الناس يسألونه فمن قال سعيت قبل أن أطوف أو أخرت شيئا أو قدمت شيئا فكان يقول لا حرج واختلفوا فيمن أفاض قبل أن يحلق بعد الرمي فكان ابن عمر يقول يرجع فيحلق أو يقصر ثم يرجع إلى البيت فيفيض وقال عطاء ومالك والشافعي وسائر الفقهاء تجزئه الإفاضة ويحلق أو يقصر ولا شيء عليه وهذا كله في معنى الحديث

أخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال أخبرنا أحمد بن شعيب قال أخبرنا يعقوب قال حدثنا هشيم قال أخبرنا منصور عن عطاء عن ابن عباس أن النبي سئل عمن حلق قبل أن يذبح أو ذبح قبل أن يرمي فجعل يقول "لا حرج لا حرج" ورواه قيس بن سعد عن عطاء عن جابر مرفوعا مثله وزاد فيه وقال آخر طفت بالبيت قبل أن أذبح قال "اذبح ولا حرج" وحديث قيس بن سعد عن عطاء عن جابر رواه حماد بن سلمة عن قيس هكذا كما ذكرنا.

وأخبرنا محمد بن إبراهيم قال حدثنا محمد بن معاوية قال حدثنا أحمد بن شعيب قال حدثنا عمرو بن منصور قال حدثنا المعلى بن أسد قال حدثنا وهيب عن عبد الله بن طاووس عن أبيه عن ابن عباس عن النبي أنه قيل له يوم النحر بمنى في النحر والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال "لا حرج".



هامش

  1. [الفاتحة:7]
  2. [الجمعة:9]
  3. [يونس:89]
  4. [الانفطار:10]
  5. [الانفطار:11]
  6. [هود:114]
  7. [طه:5]
  8. [السجدة:4]
  9. [فصلت:11]
  10. [الإسراء:42]
  11. [فاطر:10]
  12. [الملك: 16]
  13. [الأعلى:1]
  14. [غافر:15]
  15. [النحل:50]
  16. [السجدة: من الآية5]
  17. [المعارج:4]
  18. [آل عمران:55]
  19. [النساء:158]
  20. [فصلت:38]
  21. [الأنبياء:19]
  22. [المعارج:2-3]
  23. [الملك:16]
  24. [التوبة:2]
  25. [طه:71)]
  26. [المعارج:4]
  27. [الزخرف:13]
  28. [هود:44]
  29. [المؤمنون:28]
  30. [فصلت:11]
  31. [الفرقان:63]
  32. [طه:5]
  33. [سورة غافر: الآية36-37]
  34. [الزخرف:84]
  35. [الأنعام:3]
  36. [المجادلة:7]
  37. [الزخرف:84)]
  38. [الفجر:22]
  39. [طه:5]
  40. [المجادلة:7]
  41. [المجادلة:7]
  42. [المائدة:64]
  43. [الشورى: 11]
  44. [طه:5]
  45. [البقرة: الآية115]
  46. [المائدة:64]
  47. [الزمر:67]
  48. [الأعراف:143]
  49. [الفجر:22]
  50. [الأعراف:143]
  51. [الأنعام:103]
  52. [القيامة:22-23]
  53. [القيامة:23]
  54. [المطففين:15]
  55. [القيامة: الآية22-23]
  56. [القيامة: 22-23]
  57. [الأعراف:143]
  58. [يونس:26]
  59. [الإسراء:79]
  60. [آل عمران:17]
  61. [يوسف:98]
  62. [الزمر:73]
  63. [التوبة:112]
  64. [التحريم:5]
  65. [الكهف:22]
  66. [التحريم:5]
  67. [البقرة:185]
  68. [الجمعة: من الآية10]
  69. [الأحزاب: من الآية21]
  70. [الحشر:2]
  71. [المائدة:50]
  72. [البقرة:196]
  73. [الحج:28]