انتقل إلى المحتوى

هل آجل مما أؤمل عاجل

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

هل آجِلٌ ممّا أُؤمِّلُ عاجِلُ

​هل آجِلٌ ممّا أُؤمِّلُ عاجِلُ​ المؤلف ابن هانئ الأندلسي



هل آجِلٌ ممّا أُؤمِّلُ عاجِلُ
 
أرجو زماناً والزمانُ حُلاحِل
وأعَزُّ مفْقُودٍ شبابٌ عائِدٌ
 
من بعدِ ما ولّى وإلْفٌ واصلُ
ما أحسَنَ الدّنْيا بشَمْلٍ جامَعٍ
 
لكنّهَا أُمُّ البَنينَ الثّاكِلُ
جرتِ اللّيالي والتّنائي بيننا
 
أمُّ اللّيالي والتّنائي بيننا هابلُ
إلاّ وكيِرانُ المَطِيِّ وذائل
 
و كانّما دهرٌ لدهرٍ آكلُ
أعَلى الشّبابِ أم الخليطِ تَلَدُّدي
 
هذا يفارقني وذاك يزائلُ
في كلِّ يومٍ أستزيدُ تجارباً
 
كم عالمٍ بالشيْءِ وهو يسائلُ
ما العِيسُ ترحلُ بالقِبابِ حميدة ً
 
لكنّها عَصْرُ الشبابِ الراحلُ
ما الخمرُ إلاّ ما تعتَّقهُ النّوى
 
أوْ أُختُهَا ممّا تُعَتِّقُ بابل
فمزاجُ كأسِ البابليّة ِ أولقٌ
 
و مزاجُ تلك دمُ الأفاعي القاتل
و لقد مررتُ على الدّيارِ بمنعجٍ
 
و بها الذي بي غيرَ أنّي السائل
فتوافقَ الطّللانِ هذا دارسٌ
 
في بُرْدَتيْ عَصْبٍ وهذا ماثل
فمحا معالمَ ذا نجيعٍ سافكٌ
 
و محا معالمَ ذا ملثٌّ وابل
يا دارُ أشبهتِ المها فيكِ المها
 
والسَّرْبَ إلاّ أنّهنَّ مَطافل
نَضحَتْ جوانحَكِ الرْياحُ بلؤلؤ
 
للطَّلِّ فيه ردعُ مسكٍ جائل
و غدتْ بجيبٍ فيكِ مشقوقٍ لها
 
نفسٌ تردِّدهُ ودمعٌ هامل
هلاّ كعهدكِ والأراكُ أرائكٌ
 
و الأثلُ بانٌ والطُّلولُ خمائل
إذ ذلك الوادي قَناً وأسِنّة ٌ
 
و إذِ الدِّيارُ مشاهدٌ ومحافل
وعوابسٌ وقَوانِسٌ وفَوارِسٌ
 
و كوانسٌ وأوانسٌ وعقائل
و إذِ العراصُ تبيتُ يسحبُ لأمة ً
 
فيها ابنُ هيجاءٍ ويصفنُ صاهل
وتَضِجُّ أيْسارٌ ويَصْدَحُ شاربٌ
 
وتَرِنُّ سُّمارٌ ويَهْدِرُ جامل
بُعْداً للَيْلاتٍ لنا أفِدَتْ ولا
 
بعدتْ ليالٍ بالغميمِ قلائل
إذ عيشنا في مثلِ دولة ِ جعفرٍ
 
والعَدْلُ فيها ضاحكٌ والنّائل
نَدعوهُ سيفاً والمنيّة ُ حَدُّهُ
 
و سنانُ حربٍ والكتيبة ُ عامل
هذا الَّذي لولا بقيّة ُ عدلهِ
 
ما كان في الدنيا قضاءٌ عادل
لو أشربَ اللَّهُ القلوبَ حنانهُ
 
أو رِفْقَهُ أحيْا القتيلَ القاتل
ولوَ أنّ كل مُطاعِ قومٍ مثلُه
 
ما غيَّرَ الدُّولاتِ دهرٌ دائلِ
فكأنّهُنّ على العُيونِ غَياهِبٌ
 
بشرٌ فليسَ على البسيطة ِ جاهل
يوماهُ طعنٌ في الكريهة ِ فيصلٌ
 
أبداً وحكمٌ في المقامة ِ فاصل
بطلٌ إذا ما شاءَ حَلّى رُمْحَهُ
 
بدمٍ وقربَ منهُ رمحٌ عاطل
أعطى فأكثرَ واستَقَلَّ هِباتِهِ
 
فاسْتَحْيَتِ الأنواءُ وهي هوامل
فاسمُ الغمامِ لديه وهو كَنَهْوَرٌ
 
آلٌ وأسماءُ البحورِ جداول
 
وسعتْ لهُ فيها لهى ً وفواضل
إن لجَّ هذا الودقُ منه ولم يفق
 
عمَّا أرى هذا الصَّبيرُ الوابل
فسينقضي طلبٌ ويفقدُ طالبٌ
 
وتَقِلُّ آمالٌ ويُعْدَمُ آملُ
شِيَمٌ مَخِيلَتُها السَّماحُ وقَلّما
 
تهمي سحابٌ ما لهنَّ مخايل
هبَّتْ قبولاً والرِّياحُ رواكدٌ
 
و أتتْ سماءً والغيومُ غوافل
تسمو بهِ العينُ الطَّموحُ إلى الَّتي
 
تَفنى الرِّقابُ بها ويفْنى النائل
نَظَرَتْ إلى الأعداءِ أوّلَ نَظْرَة ٍ
 
فَتَزَايلَتْ منْهُ طُلى ً ومَفاصل
وثَنَتْ إلى الدنيا بأُخرى مثلِها
 
فتقسَّمتْ في النّاَسِ وهي نوافل
لم تخلُ أرضٌ من نداهُ ولا خلا
 
من شكْرِ ما يولي لسانٌ قائل
وطئَ المحولَ فلم يقدِّمْ خطوة ً
 
وأكنافُ البِلادِ خَمائِل
تاتي لهُ خلفَ الخطوبِ عزائمٌ
 
تذكى لها خلفَ الصَّباحِ مشاعل
 
وكأنّهُنّ على النّفوسِ حبائل
المُدركاتُ عدْوهُ ولوَ أنّهُ
 
قمرُ السَّماءِ لهُ النُّجومُ معاقل
و إذا عقابُ الجوِّ هدهدَ ريشها
 
صعقتْ شواهينٌ لها وأجادل
مَلِكٌ إذا صَدِئَتْ عليهِ دروعُهُ
 
فلها منَ الهيجاءِ يومٌ صاقل
و إذا الدِّماءُ جرتْ على أطواقها
 
فمن الدِّماءِ لها طَهورٌ غاسل
مُلِئَتْ قلوبُ الإنسِ منه مهابَة ً
 
وأطاعَهُ جِنُّ الصَّريمِ الخابل
فإذا سمِعتَ على البِعادِ زَئيرَهُ
 
فاذهبْ فقد طرقَ الهزبرُ الباسل
لو يدَّعِيهِ غيرُ حيٍّ ناطِقٍ
 
لغدت أسودُ الغابِ فيهِ تجادل
تَنْسَى له فُرسانَها قيسٌ ولمْ
 
تظلم وتعرض عن كليبٍ واثل
هَجَماتُ عَزْمٍ ما لهُنّ مُقابلٌ
 
وجِهاتُ عَزْمٍ ما لهُنّ مُخاتِل
فانهض بأعباءِ الخلافة ِ كلَّها
 
يَدمَى نَساً منه ويَشْخُبُ فائل
ولقد تكونُ لكَ الأسِنّة ُ مَضْجَعاً
 
حتَّى كأنَّكَ من حمامكَ غافل
تَغْدو على مُهَج الليوثِ مُجاهِراً
 
حتَّى كأنَّكَ من بدارِ خاتل
تلكَ الخلافَة ُ هاشمٌ أربابُهَا
 
و الدِّينُ هاديها وأنتَ الكاهل
هل جاءها بالأمسِ منكَ على النَّوى
 
يومٌ كيومكَ للمسامع هائل
و سراكَ لا تثنيكَ حدَّة ُ مأتمٍ
 
رجفٌ نوادبهُ وخبلٌ خابل
وقد التَقَتْ بيدٌ وقطرٌ صائبٌ
 
ومسالكٌ دُعْجٌ وليلٌ لائل
وجَرَتْ شِعابٌ ما لهُنَّ مَذانبٌ
 
و طمتْ بحارٌ ما لهنَّ سواحل
تمضي ويتبعكَ الغمامُ بوبلهِ
 
فكأنّهُ لك حيثُ كنتَ مُساجل
سارٍ كأنَّ قتيرَ درعكَ فوقهُ
 
كُفَفاً وجُودُ يَدَيكَ منه هامل
ووراءَ سيفكَ مصلِّتاً وأمامهُ
 
جيشٌ لجيش الله فيه مَنازل
مثعنجرٌ يبرينُ فيهِ وعالجٌ
 
و الأخشبانِ متالعٌ ومواسل
فكأنَّما الهضباتُ منهُ أجارعٌ
 
و كأنَّما البكراتُ منهُ أصائل
و كأنَّما هوَ من سماءٍ خارجٌ
 
و كأنَّما هوَ في سماءٍ داخل
 
فكأنَّما الآفاقُ منهُ خمائل
و الحيرة ُ البيضاءُ فيهِ صوارمٌ
 
بجميعِهِ طلٌّ وهَذا وابل
و الأسدُ كلُّ الأسدِ فيه فوارسٌ
 
والأرضُ كل الأرضِ فيه قَساطل
تُطْفي له شعَلَ النجوم أسِنّة ٌ
 
و يغيِّرُ الآفاقَ منهُ غياطل
كالمزنِ يدلحُ فرعودُ غمائمٌ
 
في حجرتيهِ والبروقُ مناصل
فدَمٌ كقَطْرٍ صائبٍ لكِنّ ذا
 
بجميعهِ طلٌّ وذا وابل
فيه المذاكي كلُّ أجْرَدَ صِلدِم
 
يدمى نساً منهُ ويخشبُ فائل
من طائراتٍ ما لهنَّ قوادمٌ
 
أو مقرَّباتٍ ما لهنَّ أياطل
فكأنَّما عشمتْ لهنَّ مرافقٌ
 
وكأنّما زَفَرَتْ لهُنّ مَراكِل
الّلاءِ لا يعرفنَّ إلاّ غارة ً
 
شعواءَ فهي إلى الكماة ِ صواهل
الَّلاحقاتُ وراءها وأمامها
 
فكأنَّهنَّ جنائبٌ وشمائل
مُقْوَرَّة ٌ يكْرَعنَ في حوض الردى
 
وِرْدَ القَطا في البِيدِ وهي نواهل
فالنجدُ في لهواتها والغورُ والفـ
 
ـلَق المُلمَّعُ والظّلامُ الحائل
والمجدُ يلقى المجْدَ بين فُروجِهَا
 
ذا راحلٌ معها وهذا قافل
حتَّى أنختَ على الخيامِ إناخة ً
 
وقطينُهُ فيه أتِيٌّ سائل
فاجَأتَهُ مَحْلاً وفجَّرْتَ الطُّلى
 
فجَرَتْ مَحانِ تحتَه وجداول
ووطِئتَ بينَ كِناسِهِ وعرينِهِ
 
فأُصيبَ خادِرُهُ ورِيعَ الخاذل
غادرتهُ والموتُ في عرصاتهِ
 
حقٌّ وتضليلُ الأماني باطل
تَمْكو عليه فرائصٌ وتَرائِبٌ
 
وتَرِنُّ فيه سواجِعٌ وثواكل
لا النّارُ أذكتْ حجرتيهِ وإنّما
 
مزعتْ جيادكَ فيه وهي جوافل
لا رأيَ إلاّ ما رأيتَ صَوابَهُ
 
في المشكلاتِ وكلُّ رأيٍ فائل
لو كان للغَيْبِ المُستَّرِ مُدرِكٌ
 
في النّاسِ أدركَهُ اللّبيبُ العاقِل
و الحازمُ الدّاهي يكابدُ نفسهُ
 
أعداءَهُ فتراهُ وهو مُجامل
ويكادُ يَخفَى عن بَناتِ ضميرِهِ
 
مكتومُ ما هو مُبتَغٍ ومحاول
إذهبْ فلا يعدمك أبيضُ صارمٌ
 
تَسْطو به قِدْماً وأسمَرُ ذابل
لا عرّيتْ منكَ الليالي إنّها
 
بك حلِّيتْ والذّاهباتُ عواطل
ما العُربُ لولا أنْتَ إلاّ أيْنُقٌ
 
زمّتْ لطيَّتها وحيٌّّ راحلُ
ما الملكُ دونَ يديكَ إلاّ عروة ٌ
 
مفصُومَة ٌ وعَمودَ سَمْكٍ مائل
 
لكَ مسلكٌ بين الكواكبِ سابل
قد أُكرِهُ الحافي فمَرّ على الثَّرَى
 
رَسْفاً وطار على القَتادِ الناّعل
كلُّ الكِرامِ من البَريّة ِ قائِلٌ
 
في المكرماتِ وأنتَ وحدكَ فاعل
لو أنّ عَدْلكَ للأحِبّة ِ لم تَبِتْ
 
بالعاشقينَ صبابة ٌ وبلابل
فتركتَ أرضَ الزّابِ لا يأسى أبٌ
 
لابنٍ ولا تبكي البعولَ حلائلُ
و لقد شهدتَ الحربَ فيها يافعاً
 
إذ لا بنفسكَ غيرُ نفسكَ صائل
والمُلْكُ يومئِذٍ لواءٌ خافِقٌ
 
يَلقَى الرّياحَ وليسَ غيرُكَ حامل
فسعيتَ سعيَ أبيكَ وهو المعتلي
 
وورِثْتَ سيْفَ أبيكَ وهو القاصل
أيّامَ لم تُضْمَم إليكَ مَضارِبٌ
 
منه ولم تَقْلُصْ عليك حَمائل
فخضبتهُ إذ لا تكادُ تهزُّهُ
 
حتى تنوءَ بهِ يدٌ وأنامل
وافى بنانَ الكفِّ وهي أصاغرٌ
 
فسطتْ به الهمّاتُ وهي جلائل
من كان يَكفُلُ شُعْبَة ً من قومِهِ
 
كرماً فأنتَ لكلِّ شعبٍ كافل
فإذا حللتَ فكلُّ وادٍ ممرعٌ
 
و إذا ظعنتَ فكلُّ شعبٍ ماحل
وإذا بَعُدْتَ فكُلُّ شيءٍ ناقِصٌ
 
وإذا قَرُبْتَ فكلُّ شيءٍ كامل
خلقَ الإلهُ الأرضَ وهي بلاقعٌ
 
ومكانُ مَا تَطَأونَ منها آهِل
وبرا الملوكَ فجادَ منهم جعفَرٌ
 
و بنو أبيهِ وكلُّ حيٍّ باخل
لو لم تَطيِبُوا لم يَقِلَّ عَديدُكُم
 
وكذاكَ أفْرادُ النُّجومِ قلائل