مذكراتي عن الثورة العربية الكبرى/الخاتمة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


الخاتمة

لم أكد أمسح القلم من كتابة فصول هذه المذكرات ، حتى خاصرتي فكرة وضع خاتمة تكون منها كالملاحة ، تشف عن غاية ما جاء فيها ، وتوضح ما قد يستهم من حقائقها ، وتلفت النظر الى ما ينبغي الوقوف عنده

وكدت أرجع عن هذه العزيمة حين عن لي أن من حق القاريء ألا تفرض عليه آراء بعينها قد يستخلص غيرها على ما يوافق حرية تفكيره ، ثم لأن الحقيقة لا يمكن إلا أن تنم عن نفسها مهما غشت علها حجب الاستنهام . إلا أني عدت فذكرت أن القراء ليسوا سواء وهم أنواع وأصناف في التفكير ، وأنا لم أضع مؤاتي الفئة خاصة دون أخرى فلا مناص اذن من الاخذ بالاجمال والاسهاب ، كل في موطنه . فأنا ههنا لا أفرض الرأي فرضا وانما أستخرج الرأي من بين ركام الحوادث التي أخذ بعضها برقاب بعض على ما يؤدي الى اظهار الحقيقة ناصعة بعيدة عن التأويل والالتباس . وهذا لا يناهض حرية القاريء في استخلاص ما يشاء ، بل بالعكس يمهد له الطريق ويفتح دونه الآفاق مشرقة إلى التفسير السديد ، ويحول دون انحصار نظره في الأجزاء التي كثيرا ما تدل على غير معناها ، لأن من شروط الحكم أن يؤخذ مأخذ الكمال الشامل غير منقوص ولا مجزأ

واذا كان لنا أن نضرب مثلا على ما تقدم فان مثلنا هو الثورة ، وهي تصویر العربية الكبرى التي عنينا بوضعه بهذه «المنكرات ، ، عنها ، فهل كان من الاحسان القيام بها أم لا؟ وهل كان بطلها الملك حسين أول من أطلق أول رصاصة فيها في مكة ممن دخل التاريخ مخلصا ، أمين) ، مصيبا ، أم هو على الضد ؟ وكذا نجله فيصل ، أترانا ماذا تحكم عليه ، سلبا أم البابا ؟ كل هذه الأسئلة اذا أحدها القارىء من بعض وجوهها مالت به إلى غير ما تميل فيما لو غير وجهة نظره إلى سواها، وفي ذلك دليل أكبر دليل ، على وجوب الاخذ بالشمول ، و عدم اعتماد القياس مجزأ لانه يتحيته الحقيقة ولا تحسر إلا عن بعضها من أجل هذا رأيتني أميل إلى وضع هذه الخاتمة ، وأحرص على إثباتها استم ) للفائدة واستكمالا للغاية المنشودة الثورة العربية بصورتها الصحيحة الناتجة من غير مويه أو تعصب أو نقصان ، وبخاصة اني واكبتها من أأنها إلى يائها ، وكنت أحد العاملين فيها وعلى كثب من أقطابها ما تخفي علي خافية وإني لاجمل الرأي في الحقائق الرئيسية ، وهي : نشأة الحركه القومية الحديثة في البلدان العربية الاسيوية وخاصتها في أسها، ثم ما قامت به جمعية « الفتاة ، التي أدت دورها كاملا ، ما تحاجات قيد شهرة عن مبادئها التي أعلنتها منذ تأسيسها ، ثم العوامل التي أهابت بالملك حسين الى نفخ الثورة واعلانها على الاتراك وهم في سلطانهم الممتد و تحالفهم مع ألمانيا أقوى دولة على الأرض في ذلك العهد، ثم كيف تفككت الفكرة العربية وما أصابها من انحلال حولها عن وجهها الجامعة الشاملة ، ثم التحدث عن شخصية فيصل وحكومته بما لهما وعلهما گا 9 - ۲۸۳ . الحقيقة ينبغي وأخيرا فضل السياسية السلبية التي استنها سورية إلى أن تسنى لهما التفلت من نير الانتداب أما الحركة العربية الحديثة فقد انبثقت أول ما انبثقت في الآستانة متأثرة بالروح القومية التي ذاعت وشاعت بين الأمم ، و با اشعور الوطني الذي عم المشاعر يومئذ وعمل عمله بين المثقفين في البلاد العربية ، ولم تكن اقليمية كما قد يتبادر إلى بعض الأذهان ، لم تكن حجازية أو عراقية أو سورية أو ما إلى ذلك ، وانما كانت من العرب والي العرب جميعا دون تفريق ولا تمييز بين الأقطار الناطقة بالضاد . هذه ألا ينساها القاريء كي لا تتهم الثورة بما ليس فيها ، ولا يتهم القائمون بها بالنوازع الخاصة ، ولكي بارك القاری، بانها نتاج شعور عام شامل لا جماعة أو قطر دون غيرهما . وجمعية « الفتاة التي كنت من العاملين فيها ، وا والتي أسست كأول حزب وطني للقضية العربية ، انما واكبت الوعي أول انبثاقه ، وكانت في مرامها حزبا نكال تحت أي نجم واحد ، ويستهدف نوال الاستقلال للعرب أسوة بغيرهم من الأم التي انفردت عن الدولة العثمانية وأدركت حريتها ولم تكن أكثر استعدادا من العرب ؛ ولم تكن الجمعية تضهر أي عداء للدولة العثمانية أول الأمر ، ولم تنقلب علمها إلا بعد أن استوثقت من سوء نوايا القائمين على حكمها . ومما يلاحظ أن أعضاء ها كانوا من خيرة الشباب المثقف الواعي المتحمس ، وممن تحرروا من عنعنات القديم والجمود ، وتحسوا بالمذاهب الحرة السائدة في العالم ولعل في طريقة الانتساب إليهم دليلا على الطريقة الحرة في السرية 6 کس لیا 6 - ۲۸۳ والاستخفاء ما لم يكن معروفة آنذاك إلا بين جماعة الاحرار المقاومين للاستعمار ، و الارستقراطية المتأبية ، والتعسف الغاشم . وثورة الحسين لم تتدر خطوتها الأولى إلا بادافع من الغيرة على العرب و بنية استنقاذه من الذلة والصغار ، وتحكم الأتراك بأقدارهم والامعان في تعسفهم .. والواقع أن الملاك حسين تردد كثيرا قبل القيام ثورته ، وبذل غاية الوسع في سبيل التفاهم مع الاتراك لإنصاف العرب ولم يأل في النصح لهم ، وما زال حتى يئس وأدرك أن لا خير فهم وأنهم يبتون الدسيسة لتتريك العرب والقضاء على قوميتهم . ولولا هذا مسكله ما حرك ساكنا لاسيما وان الحرب في أول اندلاعها والغلبة تبدو تلعثمانيين باتحادهم مع ألمانيا القوية ، وكفة الحلفاء لا ترين راجحة . والحقيقة ان الملك حسين كان بصيرة فما فعل ، وكان مضحا ، وكان في حدسه کالم مصير الحرب . ولولا انضمامه إلى الحلفاء لكان مصير العرب مما لا محمد بعد أن أحرزوا النصر على العثمانيين وحلفاتهم . هذا وقد سيد الهاشمين أن يبث الفكرة العربية قوية بعد أن كانت مضطربة حائرة ، وجعل لها حسابها في الموقف الدولي فرحت كفة النمر في بلادنا كما شهد بذلك أقطاب السياسة والحرب . واذا كان ثمة خطأ فهو خطأ العثمانيين الذين لم يعرفوا كيف تحافظون على العرب في صفهم ، ولم يستسيغوا اعطاءهم حقوقهم المشروعة ، بل شنقوا أحراره و نفوا سراتهم ، وضيقوا عليهم جوعا وفقة ، وأهلكوا قسما كبيرا عمید) في ساحات القتال ان التاريخ ليذكر الحسين بطلا أول للثورة العربية الكبرى ، ومؤسسة أول الوحدة العربية المنشودة ، وباعة أول الشهور القومي ، وسمع سه ۲۸ 6 ورسو" أمينا للقضية العربية ، افتدي نفسه وملكه في سبيلها من غير أن يميل ذات الشمال والعين أو تأخذه في الحق لومة لائم . واذا كانت انكلترة قد خانت عهده ولم تبر بالوعود التي قطعتها له، فما يلحقه من ذلاث نقد أو غميزة إذا ما كان لأي كان سواه في مثل موقفه أن استوثق بأكثر مما استوثق . وأطالما خانت السياسة ومارت وضربت بالمواثيق عرض الحائط . لقد وضع الحسين لأمته الأسس وفتح في وجهها السبل ، و علمها استكمال البناء والانتهاء الى حيث تشاء البنت الفكرة العربية بعيدة عن الاقليمية إلى أن دارت ها بعض العوامل فأحالتها غير صورتها ، مشذبة من اطرافها ، ضيقة محصورة . ومن هذه العوامل فكرة و الاتحاد السوري ، التي تعمل لها آل الطف الله وجماعته با خلاص ، ثم ميل بعض ضعفاء النفوس التلاث الفكرة ، وهم ممن يشترون بالمال والوظائف من قبل المستعمر ، ثم حر افف من الذوات والأرستقراطيين على عنجهياتهم ، فقد رأوا أن الخير لهم في أن يكون السورية مركزها المرموق وحكمها الذاتي . وهذا ظهر التصدع في الفكرة الوطنية وجهها وأخذت الفكرة الاقليمية تذيع منتشرة کواجب لا بد منه . هذا إلى الحديث عن شخصية فيصل قلنا أنه ما من شك في أنه صاحب قدم سابقة في الجهاد ، وصاحب بد سابقة على الأمة العربية بما قدم وبذل . وقد بدت غيرته على أمته منذ كان في دمشق إلى جانب جمال الطاغية ، ثم ظهرت عبقريته الادارية وذكاؤه الملتمع للعثمانیین و تحشيعهم الهزيمة تلو الحزمة ، ثم كان له تعصره السياسي في الاستباق إلى دخول دمشق كفاح علي إلى جانب جیوش فاذا انتقلنا خلال حرية سے ۲۸۰ 6 الحلفاء ، وتساهه مقادة الحك وتصريفه الامور طبق سياسة حازت رضی الجميع و تأبيده . والواقع الذي لا ينكر ان فيصلا كان موفقا في اورية مواقفه الحازمة وسياسته المثلى ، وقد وجد من الرئيس ولسن خير ظهير . ولكن حدلان انكلترة اياه تنفيذ الاتفاقها مع فرنسا على اقتسام البلاد المنفصلة عن تركيا ، وانعدال أمريكا عن التدخل في السياسة الاوربية ، ومؤامرة عصبة الأمم في توزيع الانتدابات على الأمم الضعيفة مخالفة بذلك مبدأ تقرير المصير الذي أعلنه ولسن وارتضته كافة الدول في سياستها حالت دون تحقيق غاياته النبيلة . زد على ذلك تعت الفرنسيين واصرارهم على احتلال سورية ولبنان كيف كان ، ، وهم الذين رون في ذلك تحقيقا لمطامعهم القديمة التي تجلت منذ القرن السادس عشر أيام لويس السادس عشر الذي انشأ علاقاته موارنة لبنان ، ثم أيام نابليون الثالث الذي أرسل حملته العسكرية للدفاع عن نصارى لبنان عقب حوادث ۱۸۹۰ ما بين المسيحيين والدروز، ولولا استنجان الدولة العثمانية يومئذ دول أوربة وتألب هذه الدول على فرنسا لما خرجت من لبنان ولبقيت فيه منيت الدولة الفيصلية بهذه العوامل الضارة في السياسة الخارجية ومنيت كذلك بعوامل هدامة في السياسة الداخلية ، كتشكيل الأحزاب المناوئة والاحزاب الرجعية والاحزاب الميالة إلى المسالمة ، ثم تسرح الجيش الذي دخل دمشق وعدم امکان تسليح جيش جديد قوي يصمد الحوادث ويدافع عن حوزة البلاد كل هذه العوامل اصالحت مجتمعة على فيصل عقبة في طريقه لم تمكنه من اتباع سياسة ثابتة هادئة ، ثم انتهت بسقوط دولته في سورية وانطواء صفحتها أوشك ما يكون . - ۲۸۶ . كان فيصل مخلصة ذكيا مجد ، وكان يعتمد في سياسته على الرئيس واسن والانكليز ، ولكنهم خانوه وخانه كثير من حوله ، إلا أنه حتى في خدلانه لم يه في رأينا ظافرا منتصرة إذ لو انحشد ما انحشد من المقاومات و المعاكسات لاأعظم انسان ] أن مخرج منها غير مخرجه ولا أن تكون له نتيجة غير نتيجته ... فهو لم يدع وسيلة أو حيلة إلا تذرع بها ، ماشي تطور الحوادث و قاومها ، وأخذ بالمسالمة والعداء ، وسالت كل طريق لحماية البلاد والفوز باستقلالها ، ولكن العوامل من حوله کانت أقوى منه لقد أخطأ وأصاب ، شأن كل انسان ، ولكن ما عساه يفعل هو أو أي داعية في السياسة ، والاتراك قد استغلوا الحركة العربية حتى فازوا بما يريدون من الفرنسيين ، والأنكاز عرفوا كيف يساومون على الموصل الغنية بترولها فتنازلوا أفرنسا عن ضمان حقوق العرب في سورية لقاء تنازلا عن الموصل يسع فيصل أن يفعل ومن حوله لم تمرسوا على السياسة ولكل من غاياته السياسية وجهة هو موليها ، و تعا کس وجهة سواه ؟... ومما يسجله التاريخ الفيصل مداد الفخر والقدر ما بثه في النفوس والافكار من روح الوعي والتمرد على الظلم والشعور بالقومية ، رغم ان دولته كانت في عمرها قصيرة ، ولقد رأينا كيف أن الروح التي نفخها قد آتت أكلها في الثورات المتداركة التي نشبت في سورية والعراق وفلسطين ثم امتدت إلى الشمال الإفريقي ، فنغصت على المستعمرين عيشهم ، وآذتهم في سياستهم ، كم آذتهم في الضحايا التي ذهبت طعمتها . نضيف إلى هذا ما اضطلع به فيصل في ميادين الاصلاح الاجتماعي والعمراني ، ماذا د ۲۸۷ انتقاد ، ورنه والأداري ، فقد خلف وراءه نزوعا قويا إلى استحياء الاتحاد العربية كما أسس كثيرا من دور العلم ، واليه الفضل في وضع أساس الجامعة السورية ، وتجديد الجهاز الحكومي الذي خلفه الاتراك بالیا سقيم) . ان السياسة السلمية التي اتبعتها سورية منذ عهد الدولة الفيصلية كانت سياسة صائبة رشيدة ، على رغم ما يرد عليها من ما جرت من مصائب على البلاد ، اذ لولاها لما خرجت فرنسا من سورية ولبنان بسرعة بعد الحرب العامة الأخيرة ، ولما وجدت انكلترا وأمريكا ذريعة لتعضيد السوريين واجبارها على الجلاء عن بلاد الا مواثيق تربطها بها وانما هي تحكمها منتدبة من عصبة الأمم وقد زالت من عالم الوجود وتحكمها مع: صية برغم ا ارادة السكان، وهذا ما لا تجوزه الشرائع الدولية . والخلاصة هي ان استقلالنا مدين لهؤلاء المخلصين الذين عرفوا كيف يوجهون سياسة البلاد في طريق المقاومة السلبية للحصول عليه ، على رغم ما نالهم من استقلالنا مدين لأولئك الذين احتسبوا حياتهم في سبيل الوطن ... استقلالنا مدين للعاملين الذين تثبتوا على العهد ولم يميلوا مع الأهواء ، و كانوا منذ اليوم الأول على علم بأن معنی الانتداب الفرنسي الاستعباد والاسترقاق مهما تاونت صوره وزخرفت قيوده . الأذى و و و س- ۲۸۸