انتقل إلى المحتوى

الفؤاد المفجع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
​الفؤاد المفجع​ المؤلف محمود سامي البارودي


مَتَى يَشْتَفِي هَذَا الْفُـؤَادُ الْمُفَجَّـعُ
وَفِي كُلِّ يَوْمٍ رَاحِلٌ لَيْـسَ يَرْجـعُ
نَمِيلُ مِنَ الدُّنْيَـا إِلَى ظِـلِّ مُزْنَـةٍ
لَهَـا بَـارِقٌ فِيـهِ الْمَنِيَّـةُ تَلْمَـعُ
وَكَيْفَ يَطِيبُ الْعَيْشُ وَالْمَرْءُ قَائِـمٌ
عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَـوْلِ مَـا يَتَوَقَّـعُ
بِنَا كُـلَّ يَـومٍ لِلْحَـوَادِثِ وَقْعَـةٌ
تَسِيـلُ لَهَا مِنَّـا نُفُـوسٌ وَأَدْمُـعُ
فَأَجْسَادُنَا فِي مَطْرَحِ الأَرْضِ هُمَّـدٌ
وَأَرْوَاحُنَا فِي مَسْرَحِ الْجَـوِّ رُتَّـعُ
وَمِنْ عَجَبٍ أَنَّـا نُسَـاءُ وَنَرْتَضِـي
وَنُدْرِكُ أَسبَـابَ الْفَنَـاءِ وَنَطْمَـعُ
وَلَوْ عَلِمَ الإِنْسَـانُ عُقْبَـانَ أَمْـرِهِ
لَهَـانَ عَلَيْـهِ مَا يَسُـرُّ وَيَفْجَـعُ
تَسِيرُ بِنَا الأَيَّـامُ وَالْمَـوتُ مَوْعِـدٌ
وَتَدْفَعُنَـا الأَرْحَـامُ وَالأَرْضُ تَبْلَـعُ
عَفَـاءٌ عَلَى الدُّنْيَـا فَمَـا لِعِدَاتِهَـا
وَفَـاءٌ وَلا فِـي عَيْشِـهَا مُتَمَتَّـعُ
أَبَعْدَ سَمِيرِ الْفَضْلِ أَحْمَـدَ فَـارِسٍ
تَقِرُّ جُنُـوبٌ أَوْ يُلائِـمُ مَضْجَـعُ
كَفَى حَزناً أَنَّ النَّوَى صَدَعَـتْ بِـهِ
فُـؤَاداً مِنَ الْحِدْثَـانِ لا يَتَصَـدَّعُ
وَمَا كُنْتُ مِجْزَاعاً وَلَكِنَّ ذَا الأَسَـى
إِذَا لَمْ يُسَاعِـدْهُ التَّصَبُّـرُ يَجْـزَعُ
فَقَدْنَاهُ فِقْدَانَ الشَّـرَابِ عَلَى الظَـمَا
فَفِي كُلِّ قَلْبٍ غُلَّـةٌ لَيْـسَ تُنْقَـعُ
وَأَيُّ فُـؤَادٍ لَـمْ يَبِـتْ لِمُصَابِـهِ
عَلَى لَوْعَةٍ أَوْ مُقْلَـةٍ لَيْـسَ تَدْمَـعُ
إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلدَّمْعِ فِي الْخَدِّ مَسْـرَبٌ
رَوِيٌّ فَمَا لِلْحُزْنِ فِي الْقَلْبِ مَوْضِـعُ
مَضَـى وَوَرِثْنَـاهُ عُلُومـاً غَزِيـرَةً
تَظَلُّ بِهَا هِيـمُ الْخَوَاطِـرِ تَشْـرَعُ
إِذَا تُلِيَـتْ آيَاتُهَـا فِـي مَقَـامَـةٍ
تَنَافَسَ قَلْبٌ فِي هَوَاهَـا وَمسْمَـعُ
سَقَى جَدثاً فِي أَرْضِ لُبْنَانَ عَـارِضٌ
مِنَ الْمُزْنِ فَيَّاضُ الْجَـدَاوِلِ مُتْـرَعُ
فَـإِنَّ بِـهِ لِلْمَكْرُمَـاتِ حُشَاشَـةً
طَوَاهَا الرَّدَى فَالْقَلْبُ حَرَّانُ مُوجَـعُ
فَإِنْ يَكُنِ الشِّدْيَاقُ خَلَّـى مَكَانَـهُ
فَإِنَّ ابْنَهُ عَنْ حَوْزَةِ الْمَجْـدِ يَدْفَـعُ
وَمَا مَاتَ مَنْ أَبْقَى عَلَى الدَّهْرِ فَاضِلاً
يُؤَلِّفُ أَشْتَـاتَ الْمَعَالِـي وَيَجْمَـعُ
رَزِينُ حَصَاةِ الْحِلْـمِ لا يَسْتَخِفُّـهُ
إِلَى اللَّهْوِ طَبْعٌ فَهْوَ بِالْجِـدِّ مُولَـعُ
تَلُوحُ عَلَيـهِ مِـنْ أَبِيـهِ شَمَائِـلٌ
تَدُلُّ عَلَى طِيبِ الْخِـلالِ وَتَنْـزِعُ
فَصَبْـرَاً جَمِيـلاً يَا سَلِيـمُ فَإِنَّمَـا
يُسِيغُ الْفَتَى بِالصَّبْـرِ مَـا يَتَجَـرَّعُ
إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى مَـا أَصَابَـهُ
فَمَاذَا تُراهُ فِـي الْمُقَـدَّرِ يَصْنَـعُ
وَمِثْـلُكَ مَنْ رَازَ الأُمُـورَ بِعَقْلِـهِ
وَأَدْرَكَ مِنْـهَا مَـا يَضُـرُّ وَيَنْفَـعُ
فَلا تُعْطِيَنَّ الحُزْنَ قَلْبَـكَ وَاسْتَعِـنْ
عَلَيْهِ بِصَبْرٍ فَهْوَ فِي الْحُـزْنِ أَنْجَـعُ
وَهَاكَ عَلَـى بُعْـدِ الْمَـزَارِ قَرِيبَـةً
إِلَى النَّفْسِ يَدْعُوهَا الْوَفَـاءُ فَتَتْبَـعُ
رَعَيْتُ بِهَا حَقَّ الْوِدَادِ عَلَى النَّـوَى
وَلِلْحَقِّ فِي حُكْمِ الْبَصِيـرَةِ مَقْطَـعُ
ديوان البارودي
أبشروا بمحمد | إلى الله أشكو | خوف معشوقة | بادر الفرصة | أعد يا دهر | الفؤاد المفجع | أحموقة الغي | أفتانة العينين | يا من رأى | أراك الحمى | في رثاء أمه