انتقل إلى المحتوى

العقد الفريد (1953)/الجزء الأول/كتاب اللؤلؤة في السلطان/حسن السيرة والرفق بالرعية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


حسن السيرة والرفق بالرعية

مما جاء في الكتاب والسنة في معنى هذا العنوان

قال الله تعالى لنبيه صلّى الله عليه وسلّم فيما أوصاه به من الرفق بالرعية: ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ.

وقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «من أعطي حظّه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير كله، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير كله» .

مشورة سالم وابن كعب على عمر بن عبد العزيز حين ولي الخلافة

ولما استخلف عمر بن عبد العزيز أرسل إلى سالم بن عبد الله ومحمد بن كعب.

فقال لهما: أشيرا عليّ. فقال له سالم: اجعل الناس أبا وأخا وابنا، فبرّ أباك، واحفظ أخاك، وارحم ابنك. وقال محمد بن كعب: أحبب للناس ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك، واعلم أنك أول خليفة يموت.

بين عمر بن عبد العزيز وابنه في الرفق

وقال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه عمر: يا أبت، مالك لا تنفذ في الأمور، فو الله لا أبالي في الحق لو غلت بي وبك القدور. قال له عمر: لا تعجل يا بني، فإن الله تعالى ذم الخمر في القرآن مرتين وحرّمها في الثالثة، وأنا أخاف أن أحمل الناس على الحق جملة فيدفعوه وتكون فتنة.

من عمر إلى ابن أرطاة في الرفق

وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عديّ بن أرطأة: أما بعد، فإن أمكنتك القدرة على المخلوق فاذكر قدرة الخالق عليك، واعلم أن مالك عند الله مثل ما للرعية عندك.

مما وصى المنصور به ابنه

وقال المنصور لولده عبد الله المهدي: لا تبرم «1» أمرا حتى تفكر فيه؛ فإن فكرة العاقل مرآته تريه حسناته وسيآته؛ واعلم أن الخليفة لا يصلحه إلا التقوى، والسلطان لا تصلحه إلا الطاعة، والرعية لا يصلحها إلا العدل وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.

وصية خالد القسري لبلال

وقال خالد بن عبد الله القسريّ لبلال بن أبي بردة: لا يحملنّك فضل المقدرة على شدّة السطوة، ولا تطلب من رعيّتك إلا ما تبذله لها؛ ف ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.

وقال أبو عبد الله كاتب المهديّ: ما أحوج ذا القدرة والسلطان إلى من العقد الفريد ۳۱ (۱) (۲) ۱۰ قرين يحجزه، وحياء يكفه ، وعقل يعقله ، وإلى تجربة طويلة ، وعين حفيظة وأعراق تسري إليه ، و أخلاق تسهل الأمور عليه ؛ وإلى جليس شفيق، وصاحب رقيق ، وإلى عين تبصر العواقب ، وقلب يخاف الغير . ومن لم يعرف لؤم الكبر لم يسلم من فلات اللسان ، ولم يتعاظم ذنبا وإن عظم ، ولا ثناء وإن سمج . وكتب أردشير إلى رعيته : من أردشير المؤيد ملك الملوك ووارث العظياء ، إلى الفقهاء الذين هم حملة الدين ، والأساورة التين هم حفظة البيضة ، والكتاب النين هم زينة المملكة ، وذوي الحرث الذين هم عماد البلاد : السلام عليكم ، فإنا بحمد الله إليكم سالمون : فقد وضعنا عن رعيتنا بفضل رأفتنا بها إتاوتها الموضوعة عليها ، ونحن مع ذلك كا تبون إليكم بوصة فاحفظوها : لاتستشعروا الحقد فيد هيكم العدو ، ولا تحتكروا فيشملكم التحمل ؛ وتزوجوا في الأقارب فإنه أمس للرحيم وأثبت للنسب ، ولا دوا هذه الدنيا شيئا ؛ فإنها لا تبقي على أحد، ولاترفضوها فإن الآخر لأدرك إلا با . ولا التصرف مروان بن الحكم من مصر إلى الشام استعمال عبد العزيز ابنه ومبة مروان على مصر ، وقال له دين ودعه : أرسل حكها ولا توصة . أي بي ، انظر إلى العبد العزيز ابنته تمالك ، فإن كان لهم عندك حق غدوة فلا تؤخرهم إلى عشية ، وإن كان لهم عشية حيز والا، مصر فلا تؤخرهم إلى شد وة ، وأعطاهم حقوقهم عند محلها تستوجب بذلك الطاعة منهم.) وإياك أن يظهر لرعيتك منك كذب ، فإنهم إن ظهر لهم منك كذب لم يصدقوك في الحق. واستشر جلساءك وأهل العلم ، فإن لم يتبين لك فاكتب إلى يأتك رأي فيه إن شاء الله تعالى . وإن كان بك غضب على أحد من رغبتك فلا تؤاخذه به عند سورة النضب ، وأحبس عنه عقوبتك حتى يسكن غضبك ثم يكون منك ما يكون وأنت ساكن الغضب منطفى الجمرة ، فإن أول من جمال السجن كان 10 ۳۰ (۱) في بعض الأصول و دین . (۲) في بعض الأصول و ذم » (۲) انظر عيون الأخبار (۷:۱) حليما ذا أناة. ثم انظر إلى ذوي الحسب والدين والمروءة فليكونوا أصحابك وجلساءك؛ ثم ارفع1 منازلهم منك على غيرهم، على غير استرسال ولا انقباض، أقول هذا واستخلف الله عليك.

من معاوية إلى زياد في رجل فر إليه

قال أبو بكر بن أبي شيبة عن عبد الله بن مجالد عن الشعبي، قال: قال زياد: ما غلبني أمير المؤمنين معاوية في شيء من السياسة إلا مرة واحدة، استعملت رجلا فكسر خراجه، فخشي أن أعاقبه ففرّ إليه واستجار به فأمنه؛ فكتبت إليه: إن هذا أدب سوّأ من قبلي. فكتب إليّ: إنه لا ينبغي أن نسوس الناس سياسة واحدة، لا نلن جميعا فتمرح الناس في المعصية، ولا نستبد جميعا فنحمل الناس على المهالك. ولكن تكون أنت للشدة والغلظة وأكون أنا للرأفة والرحمة2.


  1. في بعض الأصول «أعرف».
  2. الخبر في لباب الآداب.