انتقل إلى المحتوى

البداية والنهاية/كتاب الفتن والملاحم/مقدمة المصنف

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


[ص:3] بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم يسر وأعن.

قال الشيخ الإمام العالم العلامة أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن كثير، رحمه الله تعالى: هذا كتاب الفتن والملاحم الواقعة في آخر الزمان مما أخبر به رسول الله ، وذكر أشراط الساعة والأمور العظام التي تكون قبل يوم القيامة، مما يجب الإيمان بها. الصادق المصدوق قد أخبر بها، وهو لا ينطق عن الهوى.

وقد ذكرنا فيما تقدم من كتابنا هذا إخباره عن الغيوب الماضية، وبسطناه في بدء الخلق، وقصص الأنبياء، وأيام الناس إلى زماننا، وأتبعنا ذلك بذكر سيرته وأيامه، وذكر شمائله ودلائل نبوته، وذكرنا فيها ما أخبر به من الغيوب التي وقعت بعده طبق إخباره، كما شوهد ذلك عيانا قبل زماننا هذا، وقد أوردنا جملة ذلك في آخر كتاب دلائل النبوة من سيرته، وذكرنا عند كل زمان ما ورد فيه من الحديث الخاص به عند ذكر حوادث الزمان، ووفيات الأعيان، كما بسطنا في كل سنة ما حدث فيها من الأمور الغريبة، وترجمنا من توفي فيها من مشاهير الناس; من الصحابة والخلفاء، والملوك والوزراء والأمراء، والفقهاء والصلحاء، والشعراء والنحاة والأدباء، والمتكلمين ذوي الآراء، وغيرهم من النبلاء، ولو أعدنا الأحاديث المذكورة [ص:4] فيما تقدم لطال ذلك، ولكن نشير إلى ذلك، إشارة لطيفة، ثم نعود إلى ما قصدنا له هاهنا وبالله المستعان.

فمن ذلك قوله لتلك المرأة التي قالت: أرأيت إن لم أجدك؟ كأنها تريد الموت، فقال: «إن لم تجديني فأتي أبا بكر». رواه البخاري، فكان القائم بالأمر بعده أبو بكر. وقوله حين أراد أن يكتب للصديق كتابا بالخلافة فتركه; لعلمه أن أصحابه لا يعدلون عن أبي بكر إلى غيره; لعلمهم بسابقته وأفضليته، رضي الله عنه، فقال: «يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر». وهو في الصحيح أيضا. وقوله : «اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر، وعمر». رواه أحمد، وابن ماجه، والترمذي وحسنه، وصححه ابن حبان، وهو من رواية حذيفة بن اليمان. وقد روي من طريق ابن مسعود، وابن عمر، وأبي الدرداء، رضي الله عنهم. وقد بسطنا القول في هذا في فضائل الشيخين.

والمقصود: أنه وقع الأمر كذلك؟ ولي أبو بكر الصديق الخلافة بعد رسول الله ، ثم وليها بعده عمر، كما أخبر سواء بسواء.

وروى مالك والليث، عن الزهري، عن ابن لكعب بن مالك، عن أبيه، أن رسول الله قال: «إذا افتتحتم مصر فاستوصوا بالقبط». وفي رواية: «فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما». وقد افتتحها عمرو بن العاص [ص:5] في سنة عشرين، أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وفي « صحيح مسلم» عن أبي ذر، عن رسول الله قال: «إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا; فإن لهم ذمة ورحما».

وقد مصر في أيام عمر بن الخطاب المصران; البصرة والكوفة. فروى أبو داود، حدثنا عبد الله بن الصباح، ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد، ثنا موسى الحناط - لا أعلم إلا أنه ذكره عن موسى بن أنس، عن أنس بن مالك - أن رسول الله قال: «يا أنس، إن الناس يمصرون أمصارا، وإن مصرا منها يقال له: البصرة - أو البصيرة - فإن أنت مررت بها أو دخلتها فإياك وسباخها وكلاءها، وسوقها وأبواب أمرائها، وعليك بضواحيها; فإنه يكون بها خسف وقذف ورجف، وقوم يمسخون قردة وخنازير».