انتقل إلى المحتوى

البداية والنهاية/الجزء الرابع/فصل فيما تقاول به المؤمنون والكفار في وقعة أحد من الأشعار

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



فصل فيما تقاول به المؤمنون والكفار في وقعة أحد من الأشعار


وإنما نورد شعر الكفار لنذكر جوابها من شعر الإسلام، ليكون أبلغ في وقعها من الأسماع والأفهام، وأقطع لشبهة الكفرة الطغام.

قال الإمام محمد بن إسحاق - رحمه الله -: وكان مما قيل من الشعر يوم أحد قول هبيرة بن أبي وهب المخزومي، وهو على دين قومه من قريش فقال:

ما بال همٍّ عميدٍ بات يطرقني * بالود من هند إذ تعدو عواديها

باتت تعاتبني هندٌ وتعذلني * والحربُ قد شَغلت عني مواليها

مهلا فلا تعذليني إن من خُلُقي * ما قد علمتِ وما إن لستُ أُخفيها

مساعفٌ لبني كعبٍ بما كلفوا * حمال عبءٍ وأثقال أعانيها

وقد حملتُ سلاحي فوق مُشترفٍ * ساطٍ سبوحٍ إذا يجري يباريها

كأنه إذ جرى عَيرٌ بفدفدةٍ * مكدّمٌ لاحقٌ بالعون يحميها

من آل أعوجَ يرتاح النديُّ له * كجذع شعراءَ مستعلٍ مراقيها

أعددته ورقاقَ الحدّ منتخِلا * ومارنا لخطوبٍ قد ألاقيها

هذا وبيضاءُ مثلُ النُّهيِ محكمةٌ * لظَّت عليَّ فما تبدو مساويها

سُقْنا كنانة من أطراف ذي يمَنٍ * عرضَ البلادِ على ما كان يزجيها

قالت كنانةُ أنى تذهبون بنا * قلنا: النخيل فأموها ومن فيها

نحن الفوارس يوم الجرّ من أحد * هابتْ معدٌّ فقلنا نحن نأتيها

هابوا ضرابا وطعنا صادقا خذِما * مما يرون وقد ضُمَّت قواصيها

ثمتَّ رحنا كأنا عارض برد * وقام هام بني النجار يبكيها

كأن هامهم عند الوغى فلقٌ * من قيضِ ربدٍ نفتْه عن أداحيها

أو حنظلٌ ذعذعته الريحُ في غصن * بالٍ تعاوَرُه منها سوافيها

قد نبذل المالَ سحا لا حساب له * ونطعنُ الخيل شزرا في مآقيها

وليلةٍ يصطلي بالفرث جازرُها * يختص بالنَّقَرى المثرين داعيها

وليلةٍ من جمادى ذات أندية * جربا جمُاديةٍ قد بتُّ أسريها

لا ينبحُ الكلب فيها غيرَ واحدةٍ * من القَريس ولا تسري أفاعيها

أوقدت فيها لذي الضراء جاحمةً * كالبرق ذاكيةَ الأركان أحميها

أورثني ذلكم عمروٌ ووالده * من قبله كان بالمشتى يُغاليها

كانوا يُبارونَ أنواء النجوم فما * دنت عن السَوْرة العَليا مساعيها

قال ابن إسحاق: فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه فقال: قال ابن هشام: وتروى لكعب بن مالك وغيره.

قلت: وقول ابن إسحاق أشهر وأكثر، والله أعلم:

سقتم كنانة جهلا من سفاهتكم * إلى الرسول فجندُ الله مخزيها

أوردتموها حياضَ الموت ضاحيةً * فالنار موعدُها والقتل لاقيها

جمعتموهم أحابيشا بلا حسب * أئمة الكفرِ غرَّتكم طواغيها

ألا اعتبرتم بخيلِ الله إذ قتلت * أهل القليب ومن ألقيتَه فيها

كم من أسير فككناهُ بلا ثمنٍ * وجزِّ ناصيةٍ كنا مواليها

قال ابن إسحاق: وقال كعب بن مالك يجيب هبيرة بن أبي وهب المخزومي أيضا:

ألا هل أتى غسان عنا ودونهم * من الأرض خرقٌ سيرُهُ متنعنع

صحارى و أعلام كأنّ قتامها * من البعدِ نقعٌ هامدً متقطع

تظل به البُزْلُ العراميس رُزَّحا * ويحلو به غيثُ السنين فيمرع

به جيفُ الحسرى يلوحُ صَليها * كما لاح كَتّان التِّجار الموضع

به العين والآرام يمشين خُلفةً * وبيض نعام قيضُه يتقلّع

مجالدنا عن ديننا كل فخمةٍ * مذرَّبةٍ فيها القوانس تلمع

وكلُّ صموتٍ في الصِّوان كأنها * إذا لبست نهي من الماء مُترع

ولكن ببدرٍ سائلوا من لقيتمُ * من الناس والأنباءُ بالغيب تنفع

وأنا بأرض الخوف لو كان أهلها * سوانا لقد أجلوا بليل فأقشعوا

إذا جاء منا راكبٌ كان قولُه * أعِدّوا لما يزجي ابنُ حربٍ ويجمع

فمهما يهمُّ الناس مما يكيدنا * فنحن له من سائر الناس أوسع

فلو غيرُنا كانت جميعا تكيدُه * البرِيَّة قد أعطوا يدا وتوزَّعوا

نُجالد لا تبقى علينا قبيلةٌ * من الناس إلا أن يهابوا ويفظعوا

ولما ابتنوا بالعِرضِ قالت سراتنا * علام إذا لم نمنع العرض نزرع

وفينا رسول الله نتبع أمره * إذا قال فينا القول لا نتظلع

تدلى عليه الروح من عند ربه * ينزَّل من جوّ السماء ويُرفع

نشاوره فيما نريد وقصرُنا * إذا ما اشتهى أنا نطيع ونسمع

وقال رسول الله لما بدوا لنا * ذروا عنكمُ هول المنيّات وأطعموا

وكونوا كمن يشري الحياة تقرُّبا * إلى ملك يحيا لديه ويُرجَع

ولكن خُذوا أسيافكم وتوكلوا * على الله إن الأمر لله أجمع

فسرنا إليهم جهرةً في رحالهم * ضُحيّا علينا البيضُ لا نتخشع

بملمومةٍ فيها السنوَّر والقَنا * إذا ضربوا أقدامها لا تورّع

فجئنا إلى موجٍ من البحر وسطه * أحابيش منهم حاسر ومُقنَّع

ثلاثة آلاف ونحن نصيَّة * ثلاث مئين إن كثرنا فأربع

نغاورهم تجري المنية بيننا * نشارعهم حوض المنايا ونشرع

تهادي قسي النبع فينا وفيهم * وما هو إلا اليثربي المقطع

ومنجوفة حرمية صاعدية * يذر عليها السم ساعة تصنع

تصوب بأبدان الرجال وتارة * تمر بأعراض البِصَار تُقعقع

وخيل تراها بالفضاء كأنها * جراد صبا في قرة يتريع

فلما تلاقينا ودارت بنا الرحا * وليس لأمر حمه الله مدفع

ضربناهم حتى تركنا سراتهم * كأنهم بالقاع خشب مصرع

لدن غدوة حتى استفقنا عشية * كأن ذُكانا حر نار تلفع

وراحوا سراعا موجعين كأنهم * جهام هراقت ماءه الريح مقلع

ورحنا وأخرانا بطاء كأننا * أسود على لحم ببشة ضُلّع

فنلنا ونال القوم منا وربما * فعلنا ولكن ما لدى الله أوسع

ودارت رحانا واستدارت رحاهم * وقد جعلوا كل من الشر يشبع

ونحن أناس لا نرى القتل سبة * على كل من يحمي الذمار ويمنع

جلاد على ريب الحوادث لا نرى * على هالك عينا لنا الدهر تدمع

بنو الحرب لا نعيا بشيء نقوله * ولا نحن مما جرت الحرب نجزع

بنو الحرب إن نظفر فلسنا بفحش * ولا نحن من أظفارنا نتوجع

وكنا شهابا يتقي الناس حره * ويُفرِج عنه من يليه ويسفع

فخرت علي ابن الزِّبَعْري وقد سرى * لكم طلب من آخر الليل متبع

فسل عنك في عليا معد وغيرها * من الناس من أخزى مقاما وأشنع

ومن هو لم يترك له الحرب مفخرا * ومن خده يوم الكريهة أضرع

شددنا بحول الله والنصر شدة * عليكم وأطراف الأسنة شرع

تكر القنا فيكم كأن فروعها * عزالى مزاد ماؤها يتهزع

عمدنا إلى أهل اللواء ومن يَطِر * بذكر اللواء فهو في الحمد أسرع

فحانوا وقد أعطوا يدا وتخاذلوا * أبى الله إلا أمره وهو أصنع

قال ابن إسحاق: وقال عبد الله بن الزبعري في يوم أحد وهو يومئذ مشرك بعد:

يا غراب البين أسمعت فقل * إنما تنطق شيئا قد فعل

إن للخير وللشر مدى * وكلا ذلك وجه وقبل

والعطيات خساس بينهم * وسواء قبر مثر ومقل

كل عيش ونعيم زائل * وبنات الدهر يلعبن بكل

أبلغا حسان عني آية * فقريض الشعر يشفي ذا الغلل

كم ترى بالجر من جمجمة * وأكف قد أترت ورجل

وسرابيل حسان سريت * عن كماة أهلكوا في المنتزل

كم قتلنا من كريم سيد * ماجد الجدين مقدام بطل

صادق النجدة قِرْم بارع * غير ملتاث لدى وقع الأسل

فسل المهراس ما ساكنه * بين أقحاف وهام كالحجل

ليت أشياخي ببدر شهدوا * جزع الخزرج من وقع الأسل

حين حكت بقباء بركها * واستحر القتل في عبد الأشل

ثم خفوا عن ذاكم رقصا * رقص الحفان يعلو في الجبل

فقتلنا الضعف من أشرافهم * وعدلنا ميل بدر فاعتدل

لا ألوم النفس إلا أننا * لو كررنا لفعلنا المفتعل

بسيوف الهند تعلو هامهم * عَلَلا تعلوهم بعد نهل

قال ابن إسحاق: فأجابه حسان بن ثابت رضي الله عنه:

ذهبت بابن الزبعري وقعة * كان منا الفضل فيها لو عدل

ولقد نلتم ونلنا منكم * وكذاك الحرب أحيانا دُول

نضع الأسياف في أكتافكم * حيث نهوى عَللا بعد نهَل

نخرج الأصبح من أستاهكم * كسلاح النِّيب يأكلن العصل

إذ تولون على أعقابكم * هربا في الشعب أشباه الرِسَل

إذ شددنا شدة صادقة * فاجأناكم إلى سفح الجبل

بخناطيل كأشداق الملا * من يلاقوه من الناس يهل

ضاق عنا الشِّعب إذ نجزعه * وملأنا الفرط منه والرجل

برجال لستم أمثالهم * أيدوا جبريل نصرا فنزل

وعلونا يوم بدر بالتقى * طاعة الله وتصديق الرسل

وقتلنا كل رأس منهم * وقتلنا كل جحجاج رفل

وتركنا في قريش عورة * يوم بدر وأحاديث المثل

ورسول الله حقا شاهدا * يوم بدر والتنابيل الهبل

في قريش من جموع جمعوا * مثل ما يجمع في الخصب الهمل

نحن لا أمثالكم وُلْد آستِها * نحضر البأس إذا البأس نزل

قال ابن إسحاق: وقال كعب يبكي حمزة ومن قتل من المسلمين يوم أحد رضي الله عنهم:

نشجت وهل لك من منشج * وكنت متى تدكر تلجج

تذكر قوم أتاني لهم * أحاديث في الزمن الأعوج

فقلبك من ذكرهم خافق * من الشوق والحزن المنضج

وقتلاهم في جنان النعيم * كرام المداخل والمخرج

بما صبروا تحت ظل اللواء * لواء الرسول بذي الأضوج

غداة أجابت بأسيافها * جميعا بنو الأوس والخزرج

وأشياع أحمد إذ شايعوا * على الحق ذي النور والمنهج

فما برحوا يضربون الكماة * ويمضون في القسطل المرهج

كذلك حتى دعاهم مليك * إلى جنة دوحة المولج

وكلهم مات حر البلاء * على ملة الله لم يحرج

كحمزة لما وفى صادقا * بذي هبة صارم سلجج

فلاقاه عبد بني نوفل * يبربر كالجمل الأدعج

فأوجره حربة كالشهاب * تلهب في اللهب الموهج

ونعمان أوفى بميثاقه * وحنظلة الخير لم يحُنج

عن الحق حتى غدت روحه * إلى منزل فاخر الزبرج

أولئك لا من ثوى منكم * من النار في الدرك المرتج

قال ابن إسحاق: وقال حسان بن ثابت يبكي حمزة ومن أصيب من المسلمين يوم أحد، وهي على روي قصيدة أمية بن أبي الصلت في قتلى المشركين يوم بدر.

قال ابن هشام: ومن أهل العلم بالشعر من ينكر هذه لحسان والله أعلم:

يا ميُّ قومي فاندبي بسحيرة شجو النوائح * كالحاملات الوقر بالثقل الملحات الدوالح

المعولات الخامشات وجوه حرات صحائح * وكأن سيل دموعها الأنصاب تخضب بالذبائح

ينقضن أشعارا لهن هناك بادية المسائح * وكأنها أذناب خيل بالضحى شمس روامح

من بين مشرور ومجزور يذعذع بالبوارح * يبكين شجو مسَّلبات كدحتهن الكوادح

ولقد أصاب قلوبها مجل له جلب قوارح * إذ أقصد الحدثان من كنا نرجي إذ نشايح

أصحاب أحد غالهم دهر ألم له جوارح * من كان فارسنا وحامينا إذا بعث المسالح

يا حمزُ لا والله لا أنساك ما صرَّ اللقائح * لمناخ أيتام وأضياف وأرملة تلامح

ولما ينوب الدهر في حرب لحرب وهي لافح * يا فارسا يا مدرها يا حمز قد كنت المصامح

عنا شديدات الخطوب إذا ينوب لهن فادح * ذكرتني أسد الرسول وذاك مدرهنا المنافح

عنا وكان يعد إذ عد الشريفون الجحاجح * يعلو القماقم جهرة سبط اليدين أغر واضح

لا طائش رعش ولا ذو علة بالحمل آنح * بحر فليس يغب جارا منه سَيْبُ أو منادح

أودى شباب إلى الحفائظ والثقيلون المراجح * المطعمون إذا المشاتي ما يصفقهن ناضح

لحم الجلاد وفوقه من شحمه شطب شرائح * ليدافعوا عن جارهم ما رأم ذو الضغن المكاشح

لهفي لشبان رُزئناهم كأنهم المصابح * شم بطارقة غطارفة خضارمة مسامح

المشترون الحمد بالأموال أن الحمد رابح * والجامزون بلجمهم يوما إذا ما صاح صائح

من كان يرمي بالنواقر من زمان غير صالح * ما أن تزال ركابه يرسمن في غبر صحاصح

راحت تَبارى وهو في ركب صدورهم رواشح * حتى تؤوب له المعالي ليس من فوز السفائح

يا حمز قد أوحدتني كالعود شذبه الكوافح * أشكو إليك وفوقك الترب المكور والصفائح

من جندل يلقيه فوقك إذ أجاد الضرح ضارح * في واسع يحشونه بالترب سوته المماسح

فعزاؤنا أنا نقول وقولنا برح بوارح * من كان أمسى وهو عما أوقع الحدثان جانح

فليأتنا فلتبك عيناه لهلكانا النوافح * القائلين الفاعلين ذوي السماحة والممادح

من لا يزال ندى يديه له طوال الدهر مائح

قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لحسان.

قال ابن إسحاق: وقال كعب بن مالك يبكي حمزة وأصحابه:

طرقت همومك فالرقاد مسهَّد * وجزعت أن سلخ الشباب الأغيد

ودعت فؤادك للهوى ضمرية * فهواك غوري وصحوك منجد

فدع التمادي في الغواية سادرا * قد كنت في طلب الغواية تفند

ولقد أتى لك أن تناهى طائعا * أو تستفيق إذا نهاك المرشد

ولقد هُددتُ لفقد حمزة هدة * ظلت بنات الجوف منها ترعد

ولو أنه فجعت حراء بمثله * لرأيت رأسي صخرها يتبدد

قِرم تمكن في ذؤابة هاشم * حيث النبوة والندى والسؤدد

والعاقر الكوم الجلاد إذا غدت * ريح يكاد الماء منها يجمد

والتارك القِرنَ الكميَّ مجدلا * يوم الكريهة والقنا يتقصد

وتراه يرفل في الحديد كأنه * ذو لِبدة شَثن البراثن أربد

عم النبي محمد وصفيه * ورد الحمام فطاب ذاك المورد

وأتى المنية معلما في أسرة * نصروا النبي ومنهم المستشهد

ولقد إخال بذاك هندا بشرت * لتميت داخل غصة لا تبرد

مما صبحنا بالعقنقل قومها * يوما تغيب فيه عنها الأسعد

وببئر بدر إذ يرد وجوههم * جبريل تحت لوائنا ومحمد

حتى رأيت لدى النبي سراتهم * قسمين نقتل من نشاء ونطرد

فأقام بالعطن المعطن منهم * سبعون عتبة منهم والأسود

وابن المغيرة قد ضربنا ضربة * فوق الوريد لها رشاش مزبد

وأمية الجمحي قوم مَيْلَه * عضب بأيدي المؤمنين مهند

فأتاك فل المشركين كأنهم * والخيل والخليل تثفنهم نعام شرد

شتان من هو في جهنم ثاويا * أبدا ومن هو في الجنان مخلد

وقال ابن إسحاق: وقال عبد الله بن رواحة يبكي حمزة وأصحابه يوم أحد. قال ابن هشام: وأنشدنيها أبو زيد لكعب بن مالك، فالله أعلم:

بكت عيني وحق لها بكاها * وما يغني البكاء ولا العويل

على أسد الإله غداة قالوا * أحمزةُ ذاكم الرجل القتيل

أصيب المسلمون به جميعا * هناك وقد أصيب به الرسول

أبا يعلى لك الأركان هدت * وأنت الماجد البر الوصول

عليك سلام ربك في جنان * مخالطها نعيم لا يزول

ألا يا هاشم الأخيار صبرا * فكل فعالكم حسن جميل

رسول الله مصطبر كريم * بأمر الله ينطق إذ يقول

ألا من مبلغ عني لؤيا * فبعد اليوم دائلة تدول

وقبل اليوم ما عرفوا وذاقوا * وقائعنا بها يشفى الغليل

نسيتم ضربنا بقليب بدر * غداة أتاكم الموت العجيل

غداة ثوى أبو جهل صريعا * عليه الطير حائمة تجول

وعتبة وابنه خرّا جميعا * وشيبة عضه السيف الصقيل

ومتركنا أمية مجلعبا * وفي حيزومه لدن نبيل

وهام بني ربيعة سائلوها * ففي أسيافنا منها فلول

ألا يا هند فابكي لا تملي * فأنت الواله العبرى الهبول

ألا يا هند لا تبدي شماتا * بحمزة إن عزكم ذليل

قال ابن إسحاق: وقالت صفية بنت عبد المطلب تبكي أخاها حمزة بن عبد المطلب، وهي أم الزبير عمة النبي ورضي الله عنهم أجمعين:

أسائلة أصحاب أحد مخافة * بنات أبي من أعجم وخبير

فقال الخبير إن حمزة قد ثوى * وزير رسول الله خير وزير

دعاه إله الحق ذو العرش دعوة * إلى جنة يحيا بها وسرور

فذاك ما كنا نرجي ونرتجي * لحمزة يوم الحشر خير مصير

فوالله لا أنساك ما هبت الصبا * بكاء وحزنا محضري ومسيري

على أسد الله الذي كان مِدرها * يذود عن الإسلام كل كفور

فياليت شلوي عند ذاك وأعظمي * لدى أضبع تعتادني ونسور

أقول وقد أعلى النعي عشيرتي * جزى الله خيرا من أخ ونصير

قال ابن إسحاق: وقالت نُعم، امرأة شماس بن عثمان تبكي زوجها، والله أعلم، ولله الحمد والمنة:

يا عين جودي بفيض غير إبساس * على كريم من الفتيان لباس

صعب البديهة ميمون نقيبته * حمّال ألوية ركاب أفراس

أقول لما أتى الناعي له جزعا * أودى الجواد وأودى المطعم الكاسي

وقلت لما خلت منه مجالسه * لا يبعد الله منا قرب شماس

قال فأجابها أخوها أبو الحكم بن سعيد بن يربوع يعزيها فقال:

اقني حياءك في ستر وفي كرم * فإنما كان شماس من الناس

لا تقتلي النفس إذ حانت منيته * في طاعة الله يوم الروع والباس

قد كان حمزة ليث الله فاصطبري * فذاق يومئذ من كأس شماس

وقالت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين رجعوا من أحد:

رجعت وفي نفسي بلابل جمّـة * وقد فاتني بعض الذي كان مطلبي

من أصحاب بدر من قريش وغيرهم * بني هاشم منهم ومن أهل يثرب

ولكنني قد نلت شيئا ولم يكن * كما كنت أرجو في مسيري ومركبي

وقد أورد ابن إسحاق في هذا أشعارا كثيرة، تركنا كثيرا منها خشية الإطالة وخوف الملالة، وفيما ذكرنا كفاية ولله الحمد.

وقد أورد الأموي في (مغازيه) من الأشعار أكثر مما ذكره ابن إسحاق كما جرت عادته، ولا سيما ههنا فمن ذلك ما ذكره لحسان بن ثابت أنه قال: أنه قال في غزوة أحد فالله أعلم:

طاوعوا الشيطان إذ أخزاهم * فاستبان الخزي فيهم والفشل

حين صاحوا صيحة واحدة * مع أبي سفيان قالوا اعل هبل

فأجبناهم جميعا كلنا * ربنا الرحمن أعلى وأجَلّ

أثبتوا تستعملوها مرة * من حياض الموت والموت نهل

واعلموا أنا إذا ما نُضَحُتْ * عن خيال الموت قِدْر تشتعل

وكأن هذه الأبيات قطعة من جوابه لعبد الله بن الزبعري والله أعلم.

البداية والنهاية - الجزء الرابع
سنة ثلاث من الهجرة غزوة نجد | غزوة الفرع من بحران | خبر يهود بني قينقاع في المدينة | سرية زيد بن حارثة إلى ذي القردة | مقتل كعب بن الأشرف | غزوة أحد في شوال سنة ثلاث | مقتل حمزة رضي الله عنه | فصل نصر الله للمسلمين يوم بدر | فصل فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ من المشركين قبحهم الله | فصل رد رسول الله عين قتادة بن النعمان عندما سقطت يوم أحد | فصل مشاركة أم عمارة في القتال يوم أحد | فصل في أول من عرف رسول الله بعد الهزيمة كعب بن مالك | دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد | فصل سؤال النبي عليه السلام عن سعد بن الربيع أهو حي أم ميت | الصلاة على حمزة وقتلى أحد | فصل في عدد الشهداء | فصل نعي رسول الله لحمنة بنت جحش أخيها وخالها وزوجها يوم أحد | خروج النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه على ما بهم من القرح والجراح في أثر أبي سفيان | فصل فيما تقاول به المؤمنون والكفار في وقعة أحد من الأشعار | آخر الكلام على وقعة أحد | سنة أربع من الهجرة النبوية | غزوة الرجيع | سرية عمرو بن أمية الضمري | سرية بئر معونة | غزوة بني النضير وفيها سورة الحشر | قصة عمرو بن سعدي القرظي | غزوة بني لحيان | غزوة ذات الرقاع | قصة غورث بن الحارث | قصة الذي أصيبت امرأته يومذاك | قصة جمل جابر | غزوة بدر الآخرة | فصل في جملة من الحوادث الواقعة سنة أربع من الهجرة | سنة خمس من الهجرة النبوية غزوة دومة الجندل | غزوة الخندق أو الأحزاب | فصل نزول قريش بمجتمع الأسيال يوم الخندق | فصل في دعائه عليه السلام على الأحزاب | فصل في غزوة بني قريظة | وفاة سعد بن معاذ رضي الله عنه | فصل الأشعار في الخندق وبني قريظة | مقتل أبي رافع اليهودي | مقتل خالد بن سفيان الهذلي | قصة عمرو بن العاص مع النجاشي | فصل في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بأم حبيبة | تزويجه بزينب بنت جحش | نزول الحجاب صبيحة عرس زينب | سنة ست من الهجرة | غزوة ذي قرد | غزوة بني المصطلق من خزاعة | قصة الإفك | غزوة الحديبية | سياق البخاري لعمرة الحديبية | فصل في السرايا التي كانت في سنة ست من الهجرة | فصل فيما وقع من الحوادث في هذه السنة | سنة سبع من الهجرة غزوة خيبر في أولها | فصل فتح رسول الله عليه السلام للحصون | ذكر قصة صفية بنت حيي النضرية | فصل محاصرة النبي عليه السلام أهل خيبر في حُصنيهم | فصل فتح حصونها وقسيمة أرضها | فصل تخصيص شيء من الغنيمة للعبيد والنساء ممن شهدوا خيبر | ذكر قدوم جعفر بن أبي طالب ومسلمو الحبشة المهاجرون | قصة الشاة المسمومة والبرهان الذي ظهر | فصل انصراف رسول الله إلى وادي القرى ومحاصرة أهله | فصل من استشهد بخيبر من الصحابة | خبر الحجاج بن علاط البهزي | فصل مروره صلى الله عليه وسلم بوادي القرى ومحاصرة اليهود ومصالحتهم | فصل تقسيم الثمار و الزروع في خيبر بين المسلمين و اليهود بالعدل | سرية أبي بكر الصديق إلى بني فزارة | سرية عمر بن الخطاب إلى تُرَبَة وراء مكة بأربعة أميال | سرية عبد الله بن رواحة إلى يسير بن رزام اليهودي | سرية أخرى مع بشير بن سعد | سرية بني حدرد إلى الغابة | السرية التي قتل فيها محلم بن جثامة عامر بن الأضبط | سرية عبد الله بن حذافة السهمي | عمرة القضاء | قصة تزويجه عليه السلام بميمونة | ذكر خروجه صلى الله عليه وسلم من مكة بعد قضاء عمرته | فصل إرسال سرية ابن أبي العوجاء إلى بني سليم | فصل رد رسول الله عليه السلام ابنته زينب على زوجها أبي العاص | سنة ثمان من الهجرة النبوية | طريق إسلام خالد بن الوليد | سرية شجاع بن وهب الأسدي إلى هوازن | سرية كعب بن عمير إلى بني قضاعة | غزوة مؤتة | فصل إصابة جعفر وأصحابه | فصل عطف رسول الله عليه السلام على ابن جعفر عند إصابة أبيه | فصل في فضل زيد وجعفر وعبد الله رضي الله عنهم | فصل في من استشهد يوم مؤتة | ما قيل من الأشعار في غزوة مؤتة | كتاب بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ملوك الآفاق وكتبه إليهم | إرساله صلى الله عليه وسلم إلى ملك العرب من النصارى بالشام | بعثه إلى كسرى ملك الفرس | بعثه صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس صاحب مدينة الإسكندرية واسمه جريج بن مينا القبطي | غزوة ذات السلاسل | سرية أبي عبيدة إلى سيف البحر | غزوة الفتح الأعظم وكانت في رمضان سنة ثمان | قصة حاطب بن أبي بلتعة | فصل استخلاف كلثوم بن حصين الغفاري على المدينة | فصل إسلام العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم | فصل نزول النبي عليه السلام إلى مر الظهران | صفة دخوله صلى الله عليه وسلم مكة | فصل عدد الذين شهدوا فتح مكة | بعثه عليه السلام خالد بن الوليد بعد الفتح إلى بني جذيمة من كنانة | بعث خالد بن الوليد لهدم العزى | فصل في مدة إقامته عليه السلام بمكة | فصل فيما حكم عليه السلام بمكة من الأحكام | فصل مبايعة رسول الله الناس يوم الفتح على الإسلام والشهادة | غزوة هوازن يوم حنين | الوقعة وما كان أول الأمر من الفرار ثم العاقبة للمتقين | فصل هزيمة هوازن | فصل في الغنائم | فصل أمره صلى الله عليه وسلم أن لا يقتل وليدا | غزوة أوطاس | من استشهد يوم حنين وأوطاس | ما قيل من الأشعار في غزوة هوازن | غزوة الطائف | مرجعه عليه السلام من الطائف | قدوم مالك بن عوف النصري على الرسول | اعتراض بعض أهل الشقاق على الرسول | مجيء أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة عليه بالجعرانة | عمرة الجعرانة في ذي القعدة | إسلام كعب بن زهير بن أبي سلمى وذكر قصيدته بانت سعاد | الحوادث المشهورة في سنة ثمان والوفيات