انتقل إلى المحتوى

مجلة الرسالة/العدد 597/قد كنت شيئا. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 597/قد كنت شيئاً. . .

ملاحظات: بتاريخ: 11 - 12 - 1944



للآنسة الفاضلة (دنانير)

أينَ زمانٌ كابتسام الضُّحى ... تُظِلُّني أغصانُهُ الوارفَةْ

أشهى من الدنيا إذا أَقْبَلَتْ ... أينقضي كاللمحة الخاطفَةْ

ما كنتُ إذ حاولتُ إبقاَءهُ ... إلاَّ كمن أُوقظ من رقدتِهْ

مدَّ يدْيِه خلفَ حُلْم سرى ... يودُّ لوْ يُبقيهِ في مقلتِهْ

أخشى على قلبيَ من يقظةٍ ... تسلُبُه أطيافَ أحلامِهِ

فإِنما يحيا بتلك الرُّؤَى ... ومن رؤاهُ فَيْضُ إلهامِهِ

يا من نأى الصدُّ به والنوى ... هلْ ضِقْتَ بالشوقِ وتبريحِهِ

فحاجةُ النفس إلى إلْفِها ... كحاجة الجسم إلى روحِهِ

لكنَّما قلبُكَ غِيضَ الهوى ... منه فأَضحى ناضبَ المنبعِ

وماتَ ممّا جفِّ، فانظرْ إلى ... حُطامِهِ وابكِ عليه معي

أَوْ لا فكيف اليوم عاف الهوى ... وطُهْرَ دنياهُ وعُليَا سماهْ

وراحَ يَهْوى في حضيض الثرى ... يخلِبُهُ جاهُ الغنى والرفاهْ

هل يَسْتوي القلبان هذا مضى ... في الأرض يَسْتَهْويهِ وَهْجُ الذَّهبْ

وذاك في الأفلاكِ تصعيدُهُ ... يفتُنهُ النورُ ووهْجُ اللهبْ

رغائبُ العيش وأطماعُهُ ... رَاوَدْنَ منكَ القلبَ حتى غَوى

يا ضَيْعَة القلبِ إذا لم يكنْ ... لعالم الحبِّ ودنيا الهوى

دُنيا من الطُّهْرِ هَيُوليّةٌ ... وكلُّ ما فيها رقيقٌ شَفِيفْ

خفيّة الألطافِ إلاَّ على ... مَنْ مسَّهُ منها الشعاعُ اللطيفْ

وعالَمٌ أبدعَهُ ساحرٌ ... يَنْفُثُ فيه من هُنا أوْ هُنا

لطافةُ السَّحرِ وإعْجازُهُ ... صاغاهُ جمَّ العَطر جمّ السَّنا

قد كنتَ شيئاً راعني سحُرُه ... صورّهُ وهْمي وصاغَ الخيالْ

واليومَ ما أنتَ؟ لقد بِنْتَ لي=حقيقةً أفرِغَ منها الجمالْ

(فلسطين) (دنانير)