النبذ في أصول الفقه الظاهري/الصفحة الأولى
- الكلام في الإجماع وما هو
بدأنا بالاجماع لأنه لا اختلاف فيه فنقول وبالله تعالى التوفيق أنه لما صح عن الله عز وجل فرض اتباع الإجماع بما ذكرنا وبقوله عز وجل { ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا } وذم تعالى الإختلاف وحرمه يقوله تعالى { واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا } وبقوله تعالى { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } ولم يكن في الدين إلا اجماع أو أختلاف فأخبر تعالى أن الاختلاف ليس من عنده عز وجل فقال تعالى { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } فصح ضرورة ان الأجتماع من عنده تعالى اذ الحق من عنده تعالى وليس في الدنيا إلا اجماع أو اختلاف فالاختلاف لبيس من عند الله تعالى فلم يبقى إلا الاجماع فهو من عند الله تعالى بلا شك ومن خالفه بعد علمه به او قيام الحدة عليه بذلك فقد استحق الوعيد المذكور في الآية.
- فنظرنا في هذا الاجماع المفترض علينا اتباعه فوجدناه لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما:
- أما أن يكون اجماع كل عصر من أول الاسلام الى انقضاء العالم ومجيء يوم القيامة
- أو اجماع عصر دون عصر فلم يجز ان يكون الاجماع الذي افترض الله علينا اتباعه اجماع كل عصر من أول الاسلام الى انقضاء العالم لأنه لو كان ذلك لم يلزم احدا في الناس اتباع الاجماع لأنه ستأتي أعصار بعده بلا شك , فالاجماع اذن لم يتم بعد وكان يكون أمر الله تعالى بذلك باطلا وهذا كفر ممن اجازه اذا علمه وعاند فيه فبطل هذا الوجه بيقين لا شك فيه ولم يبقى إلا الوجه الآخر وهو أنه اجماع عصر دون سائر الأعصار فنظرنا في ذلك لنعلم أي الأعصار هو الذي اجماع أهله هو الذي أذن الله تعالى في ابتاعه وان لا يخرج عنه فوجدنا القول في ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها :
- {الوجه الأول} أما أن يكون ذلك العصر هو عصر من الأعصار التي بعد عصر الصحابة رضي الله عنهم.
- {الوجه الثاني} أو يكون عصر الصحابة فقط .
- {الوجه الثالث} أو يكون عصر الصحابة وأي عصر بعدهم أجمع أهله أيضا على شيء فهو اجماع , فنظرنا في القول الأول فوجدناه فاسدا لوجهين برهانيين كافيين :
- أحدهما أنه محمد ﷺ على أنه باطل لم يقل به أحد قط .
- والثاني أنه دعوى بلا دليل وما كان هكذا فهو ساقط بيقين لبرهانين أحدهما قوله تعالى { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } فصح ان كل من لا برهان له فليس بصادق في دعواه والثاني أنه لا يعجز مخالفه عن أن يدعى كدعواه فيقول أحدهما هو العصر الثاني ويقول الآخر بل الثالث ويقول الثالث بل الرابع وهذا تخليط الاخفاء به فيسقط هذا القول والحمد لله
- فنظرنا في هذا القول الثاني {الوجه الثاني} وهو قول من قال ان أهل العصر الذي اجماعهم هو الاجماع الذي أمر الله تعالى باتباعه
هم الصحابة رضى الله عنهم فقط فوجدناه صحيحا لبرهانين :
- أحدهما أنه اجماع لا خلاف فيه من أحد وما اختلف قط مسلمان في أن ما أجمع عليه جمع الصحابة رضى الله عنهم دون خلاف من أحد منهم اجماعا متيقنا مقطوعا بصحته فانه اجماع صحيح لا يحل لأحد خلافه.
- والثاني أنه قد صح أن الدين قد كمل بقوله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } واذ قد صح ذلك فقد بطل أن يزاد فيه شيء وصح أنه كمل فقد اتفقنا أنه كله منصوص عليه من عند الله عز وجل واذا كان هو كذلك فما كان من عند الله تعالى فلا سبيل الى معرفته إلا من قبل النبي ﷺ الذي يأتيه الوحي من عند الله والا فمن نسب الى الله تعالى أمرا لم يأت به عن الله عهد فهو قائل على الله تعالى مالا علم له به وهذا مقرون بالشرك ووصية ابيلس قال الله تعالى { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } وقال الله تعالى { ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }.
فاذن قد صح أنه لا سبيل الى معرفة ما أراد الله تعالى الا من قبل رسول الله ﷺ ولا يكون الدين الا من عند الله تعالى فالصحابة رضى الله عنهم هم الذين شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعوه فاجمعهم على ما أجمعوا عليه هو الاجماع المفترض اتباعه لأنهم نقلوه عن رسول الله ﷺ عن الله تعالى بلا شك .
- ثم نظرنا في القول الثالث {الوجه الثالث} وهو ان اجماع الصحابة اجماع صحيح وأن اجماع أهل عصر ما ممن بعدهم اجماع ايضا وان لم يصح في ذلك عن الصحابة رضى الله عنهم اجماع فوجدناه باطلا لأنه لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها :
- {الوجه الأول} أما أن يجمع أهل ذلك العصر على ما أجمع عليه الصحابة رضى الله عنهم .
- {الوجه الثاني} واما ان يجمعوا على ما لم يصح فيه اجماع ولا اختلاف لكن اما على أمر لم يحفظ فيه عن أحد من الصحابة رضى الله عنهم قول.
- {الوجه الثالث} وإما على أمر حفظ فيه عن بعضهم قول ولم يحفظ فيه عن سائرهم شيء.
فان كان اجماع أهل العصر المتأخر عنهم على ما أجمع عليه الصحابة رضى الله عنهم فقد غنينا باجماع الصحابة رضى الله عنهم ووجب فرض اتباعه على من بعدهم ولا يجوز أن يزيد اجماع الصحابه قوة في ايجابة موافقة من بعدهم لهم كما لاتقدح فيه مخالفة من بعدهم لو خالفوهم بل من خالفهم وخرق الأجماع المتيقن على علم منه به فهو كافر اذا قامت الحجة عليه بذلك وتبين له الأمر وعاند الحق.
وان كان اجماع العصر المتأخر على ما صح فيه اختلاف بين الصحابة رضى الله عنهم فهذا باطل ولا يجوز ان يجتمع اجماع واختلاف في مسألة واحدة لأنهما ضدان والضدان لا يجتمعان معا واذا صح الاختلاف بين الصحابة رضى الله عنهم فلا يجوز ان يحرم على من بعدهم ما حل لهم من النظر وأن يمنعوا من الاجتمهاد الذي أداهم الى الاختلاف في تلك المسألة اذا أدى انسان بعدهم دليل الى ما أدى اليه دليل بعض الصحابة لأن الدين لا يحدث على ما قلنا قبل وما كان مباحا في وقت ما بعد موت النبي ﷺ فهو مباح ابدا وما كان حرام في وقت ما فلا يجوز بعده أن يحل أبدا قال الله تعالى { اليوم أكملت لكم دينكم } .
وبرهان آخر وهو أن هؤلاء أهل هذا العصر المتأخرين ومن وافقوه من الصحابة أنما هم بعض المؤمنين بيقين اذا لم يدخل فيهم من روى عنه الخلاف في ذلك من الصحابة رضى الله عنهم واذ لا شك في أنهم بعض المؤمنين فقد بطل ان يكون اجماع لأن الاجماع انما هو اجماع جمع المؤمنين لا اجماع بعضهم لأن الله تعالى نص على ذلك بقوله تعالى { وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر }.
فإذا اجمع بعض دون بعض فهي حال تنازع فلم يأمر تعالى فيها باتباع بعض دون بعض لكن بالرد الى الله تعالى والرسول ﷺ فيطل هذا القول بيقين لا مرية فيه ولله الحمد.
ثم نظرنا في القسم الثالث وهو اجماع العصر المتأخر على ما لم يحفظ فيه اجماع ولا خلاف بين الصحابة رضى الله عنهم لكن اما على حكم حفظ فيه قول عن بعض الصحابة رضى الله عنهم دون بعض أو لم يحفظ فيه عن أحد منهم من الصحابة رضى الله عنهم شيء فوجدناه لا يصح لبرهانين:
- أحدهما أنهم بعض المؤمنين لا كلهم ولم يقع قط على أهل عصر بعد الصحابة رضى الله عنهم اسم جميع المؤمنين لأنهم قد سلف قبلهم خيار المؤمنين فاذن أهل كل عصر بعد الصحابة رضى الله عنهم انما هم بعض المؤمنين بلا شك وعليه فقد بطل أن يكون اجماعهم اجماع المؤمنين ولم يوجب الله تعالى علينا قط اتباع سبيل بعض المؤمنين ولا طاعة بعض أولى الأمر وأما الصحابة رضى الله عنهم فانهم في عصرهم كانوا جميع أولى الأمر اذ لم يتكن معهم أحد غيرهم فصح أن اجماعهم هو اجماع جميع المؤمنين بيقين لا شك فيه والحمد لله رب العالمين وبطل ذلك القول جملة اذ لا يحل لأحد أن يوجب في الدين ما لم يوجبه الله تعالى على لسان نبيه ﷺ
- وأيضا فأنه لا يجوز لأحد القطع على صحة اجماع اهل عصر ما بعد الصابة رضى الله عنهم على ما لم يجمع عليه الصحابة بل يكون من قطع بذلك كاذبا بلا شك لأن الأعصار بعد الصحابة رضى الله عنهم من التابعين فمن بعدهم لا يمكن ضبط أقوال جميعهم ولا حصرها أنهم ملاوا الدنيا ولله الحمد من أقصى السند وخراسان وأرمينية وأذربيجان والجزيرة والشام ومصر وافريقية والأندلس وبلاد البربر واليمن وجزيرة العرب والعراق والأهواز وفارس وكرمان ومكران وسجستان وأردبيل وما بين هذه البلاد .
ومن الممتنع أن يحيط أحد بقول كل انسان في هذه البلاد .
وإنما يصح القطع على اجماعهم على ما أجمع عليه الصحابة ببرهان أوضح وهو أن اليقين قد صح على أن كل من وافق من كل هؤلاء اجماع الصحابة رضى الله عنهم فهو مؤمن ومن خالفه جاهلا باجماعهم فهو كافر فقد سقط بذلك عن أن يكون من جملة المؤمنين الذين اجماعهم اجماع وليس هذا الحكم جاريا على من خالف أهل عصر هو منهم وانما صح القطع على اجماع الصحابة رضى الله عنهم لأنهم كانوا عددا محصورا مجتمعين في المدينة ومكة مقطوعا على أنهم مطيعون لرسول الله ﷺ وأن من استحل عصيانة عليه السلام فليس منهم بل هو خارج عن الايمان مبعد عن المؤمنين .
فصح بيقين لا مرية فيه أن الاجماع المفترض علينا اتباعة انما هو اجماع الصحابة رضى الله عنهم فقط ولا يجوز ان يجمع اهل عصر بعدهم على خطأ لأن الله تعالى قد ضمن ذلك لنا بقوله تعالى { ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك } .
والرحمة انما هي للمحسنين بنص القرآن فاذا كان قطع على انه لم يكن خلاف فهو اجماع على حق يوجب الرحمة ولا بد واذا لم يكن قطع تام باجماع على غير ما يوجب الرحمة بنص القرآن مع ما حدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح ثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا أحمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج ثنا سعيد بن منصور وأبو الربيع العتكي وقتيبة قالوا ثنا حماد هو ابن زيد عن أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال قال رسول الله ﷺ {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتى أمر الله} وزاد العتكي وسعيد في روايتهما وهم كذلك .
وأخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله الهمداني ثنا أبو اسحق البلخي ثنا الفربري ثنا البخاري ثنا الحميدي ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن جابر هو ابن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال حدثني عمير ابن هاني أنه سمع معاوية قال سمعت رسول الله ﷺ يقول {لا تزال طائفة من أمتي أمة قائمة بأمر الله ما يضرهم من كذبهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك}
- قال أبو محمد رحمه الله تعالى وبما ذكرنا آنفا في ابطال القسم الثالث بطل قول من قال أن ما صح عن طائفة من الصحابة رضى الله عنهم ولم يعرف عن غيرهم انكار لذلك فانه منهم اجماع لأن هذا انما هو قول بعض المؤمنين كما ذكرنا وأيضا فان من قطع على غير ذلك القائل بأنه موافق لذلك القائل فقد قفا ما لا علم له به وهذا اجرام قال الله تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا }
فليتق الله تعالى كل امريء على نفسه وليفكر في أن الله تعالى سائل سمعه وبصره وفؤاده عما قاله مما لا يقين عنده به ومن قطع على انسان بأمر لم يوقفه عليه فقد واقع المحذور وحصل له الاثم في ذلك .
فان قيل هم أهل الفضل والسبق فلو انكروا شيئا لما ستكتوا عنه ؛ قلنا وبالله تعالى التوفيق؛ هذا لو صح لك انهم كلهم علموه وسكتوا عليه وعذا ما لا سبيل الى وجوده في قول قائل منهم أبدا لأن الصحابة رضى الله عنهم تفرقوا في بلاد اليمن ومكة والكوفة والبصرة والرقة والشام ومصر والبحرين وغيرها فصح ان من ادعى في قول روى عن بعض الصحابة أما من الخلفاء أو من غيرهم ان جميعهم عرفه فقد افترى على جميعهم بلا شك وانما يقطع على اجامعهم فيما يرى أنهم عرفوه كالصوات الخمس وصيام شهر رمضان والتحج الى الكعبة وتحريم الميتة والدم ولحم الخنزير والخمر وسائر ما لا شك في أنهم عرفوه وقاله به بيقين لاشك فيه هذا على أن الفتيا لم ترو إلا عن مائة وثمانية وثلاثين منهم فقط وهم أزيد من عشرين ألفا فبطل ما ظنه أهل هذا القول بلا تحصيل .
واما الحنفيون والمكاليون والشافعيون المحتجون بهذا اذا وافق تقليدهم فهم أشد خلق الله تعالى خلافا لطائقة من الصحابة لا يعرف لهم منهم مخالف كخلافهم ما صح عن علي وابن عباس من ايجاب الغسل لكل صلاة أو صلاتين مجموعتين على المستحاضة .
وعن عائشة أن من يغتسل في كل يوم عند صلاة الظهر ولا مخالف لهم يعرف من الصحابة رضي الله عنهم .
وغير ذلك كثير يبلغ مائتين من المسائل قد جمعناها ولله الحمد في كتاب .
نعم وخالفوا الاجماع الصحيح المتيقن كخلافهم جميع الصحابة أولهم عن آخرهم في اجازتهم مساقاة أهل خيبر الى غير أجل قائلين لهم ولكنا نخرجكم اذا شئنا طول خلافة ابي بكر وعمر ولا مخالفهم لهم أصلا .
وغير ذلك كثير قد تقصيناه عليهم أيضا وبالله تعالى التوفيق .
- فصل في خطأ من أعتبر إجماع أهل المدينة إجماعا
وأما من قال ان الاجماع اجماع أهل المدينة لفضلها ولأن اهلها شهدوا نزول الوحي فقول خطأ من وجوه :
- أحدهما أنها دعوى بلا برهان .
- والثاني ان فضل المدينة باق بحسبه , والغالب على أهلها اليوم الفسق بل الكفر , من غالية الروافض . فنقول : وانا لله وانا اليه راجعون على ذلك .
- والثالث ان الذين شهدوا الوحي إنما هم الصحابة رضى الله عنهم , لا من جاء بعدهم من أهل المدينة وعن الصحابة أخذ التابعون من أهل كل مصر.
- والرابع أن كل خلاف وجد في الأمة فهو موجود في المدينة على ما قد سلف في كتبنا والحمد لله تعالى كثيرا.
- والخامس ان الخلفاء الذين كانوا بالمدينة لا يخلو حالهم من احد وجهين لا ثالث لهما : {الوجه الأول} أما أن يكونوا قد بينوا لأهل الامصار من رعيتهم حكم الدين , أو لم يبينوا فان كانوا قد بينوا لهم الدين فقد استوى اهل المدينة وغيرهم في ذلك {الوجه الثاني} وان كانوا لم يبينوا لهم فهذه صفة سوء قد اعاذهم الله تعالى منها فبطل قول هؤلاء بيقين .
- والسادس أنه انما قال ذلك قوم من المتأخرين ليتوصلوا بذلك الى تقليد مالك بن أنس دون علماء المدينة جميعا ولا سبيل لهم الى مسألة واحدة أجمع عليها جميع فقهاء أهل المدينة المعروفون من الصحابة والتابعين خالفهم فيها سائر الامصار
- والسابع انهم قد خالفوا اجماع اهل المدينة وغيرهم في المساقاة كما ذكرناه في غير ذلك .
- فصل في ترجيح القول المدعم بالنص على غيره
واذا اختلف الناس على قولين فصاعدا فصح النص شاهدا لأحدهما, فهو الحق واجماعهم في تلك المسأله هو الحجة اللازمة لأنه اجماع أهل الحق واجماع اهل الحق حق .
- فصل في نوعين من الاجماع
إذا اجتمعت الامة على اباحة شيء او تحريمه او ايجابه ثم ادعى بعضهم ان ذللك الحكم قد انتقل , لم يلتفت الى قوله إلا بنص ,وإلا فقوله باطل لأنه دعوى لا اجماع معها ولا نص من كتاب ولا سنة فهي ساقطة لقوله تعالى { قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين }
فصح ان من لا برهان له فليس صادقا - أعنى في ذلك - .
وأما اذا جاء نص بحكم ما ثم خص الاجماع بعضه فواجب الانقياد للأجماع فان ادعى مدع ان ذلك التخصيص وخالفه غيره فاواجب قطع ذلك التخصيص والرجوع الى النص اذ هو البرهان.
برهان ذلك ان دعوى التخصيص هاهنا عارية من الاجماع ومخالفة للنص فهي باطل .
- فالأول نسميه استصحاب الحال كقولنا فيما ادعاه قوم من فسخ النكاح بالعنة وبالعيب قد صح النكاح باجماع فلا يزول الا بنص او اجماع .
- والثاني نسميه أقل ما قيل , مثل ان النص ورد بتحريم الأقوال ثم جاء اجماع باباحة شيء منها فلا نبيح ما قاله قائل في ذلك بزيادة على ما اباحه الاجماع فهذا حكم الاجماع وبينه والحمد لله رب العالمين .