هذه أمثلة من الالفاظ المولَّدة في النهضة الاخيرة في الادارة والسياسة والتجارة، والعلم، والصناعة. وهي كما تراها عربية الاصل والاشتقاق، وأكثرها كان معروفا في اللغة ومدوّنا في المعجمات من قبل لِمعان قريبة، مما استعملها له المولَّدون او شبيهة بها على نحو ما حصل في العصر العباسي.. ولكل من هذه الالفاظ تاريخ يدل على ما تقلّبت فيه من الدلالات المتقاربة من زمن الجاهلية، فالعصر الاسلامي، فعصر التدهور الى هذا العصر.
ولا ننكر ان بعض هذه المولَّدات كان في الامكان الاستغناء عن توليدها باستعمال ألفاظ كانت اللغة قبل هذه النهضة، ولها نفس الدلالة المطلوبة، ولكن قضت الاحوال بالتجديد المستمر.. وهو من نواميس الحياة. وأكثر التوليد المذكور حدث تدريجا واعتباطا لأسباب متفرّقة ومختلفة، لا يمكن تعيينها او حصرها.. على أن بعضها وُضع عن رويّة وقصد وهو قليل. واما الاغلب في هذا التوليد ان يدخل اللغة تدريجا مثل تدرّج العادات والآداب في تولّدها ودخولها في جسم الأمة. ومن أوضح الامثلة على ما تتقلب فيه الالفاظ من المعاني او تتدرّج في ابداله، ما اصاب نعوت التفخيم من التغيير العجيب بانتقالها من عصر الى عصر.. فالاديب، والألمعي، والفاضل، والعلامة، والفهّامة، وحضرة وجناب، يستخدمها الكتّاب اليوم لغير ما كان يستخدمها الأقدمون.. وقد يكون الفرق بعيدا بين المعنيين. فالاديب مثلا مشتقة من الادب، وهو يشمل معظم ضروب العلم.. وقد استعملها المولدون في العصور الاسلامية الوسطى لما نستعمل له اليوم لفظ العالم الفاضل، وما زالت دلالتها تتصاغر حتى صاروا يستخدمونها لاصغر خدمة الادب. والحضرة، والجناب كانتا من نعوت الملوك والامراء، فأصبحتا تستخدمان لأحقر العامة. وقس على ذلك سائر الألقاب.. وشأن هذه النعوت في حياتها شأن الرتب وأدوارها، فلفظ "بيك" مثلا معناه الامير، او الملك.. وكانوا يسمّون به كبار الامراء والقواد، ثم جعلوه لقبا ملكيا يمنح لبعض الوجهاء ونحوهم ممن يأتون عملا عظيما، ثم صار الى ما تعلم. ويقال نحو ذلك في سائر الرتب والنعوت، فهي في صعود وهبوط وتولّد ودثور في دلالتها، شأن الطبيعة في كل أحوالها.