انتقل إلى المحتوى

الروضة الندية شرح الدرر البهية/كتاب الصلاة/صفحة واحدة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة


مواقيت الصلاة

قال الله تعالى حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين والأمر بمطلق الصلاة إنما يفيد الإتيان بها في زمان ومكان من دون تعيين ، لأن مطلق الزمان والمكان من ضروريات الفعل ، وأما الوقت الخاص الذي شرع الله فيه الصلاة وكذلك كونها على هيئة مخصومة مع شروط محصورة فهذا لا دلالة للآية عليه بمطابقة ولا تضمن ولا التزام ولم يدل على ذلك إلا السنة الثابتة عنه () قولاً وفعلاً وليس في القرآن من ذلك إلا النادر القليل كقوله تعالى : إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم فإنه في هذه الآية ذكر الوضوء وهو شرط من شروط الصلاة وقيد الأمر به بالقيام إليها فكان ذلك مقيداً لوجوب الفعل . ولا بد للشرطية من دليل أخص من ذلك ، وقد ورد في السنة ما يفيد الشرطية وكذلك ورد في القرآن ذكر بعض هيآت الصلاة كالسجود والركوع ، ولكن بدون ذكر صفة ولا عدد ولا كون ذلك في الموضع الذي بينته السنة المطهرة .

اول وقت الظهر تعيين أول الأوقات وآخرها قد ثبت في الأحاديث الصحيحة من تعليم جبرائيل عليه السلام له () ومن تعليمه () لمن سأله وغير ذلك من أقواله وأفعاله .

الزوال أي زوال الشمس ويبين ذلك باخضرار الجدار إلى جهة الشرق يعرفه كل ذي عينين .

وآخره مصير ظل الشئ مثله سوى فيء الزوال فإن قلت : أخرج النسائي أبو داود من حديث ابن مسعود كان قدر صلاة رسول الله () في الصيف ثلاثة أقدام إلى خمسة أقدام ، وفي الشتاء خمسة أقدام إلى سبعة أقدام قلت : إنهم حملوه على الابراد كما قاله ابن العربي المالكي في القبس وتبعه الحافظ السيوطي وأنه حديث قد قدح فيه فإنه من رواية عبيدة بن حميد الطيبي الكوفي عن أبي مالك سعد بن طارق عن كثير بن مدرك عن الأسود وفي عبيدة وشيخه سعد خلاف ، ففي الميزان في ترجمة سعد وثقه أحمد وابن معين وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه في القبول ، وقد ضعف عبد الحق حديث تقدير صلاة رسول الله () بالأقدام في الشتاء والصيف ، والعجب من الحافظ ابن الحجر في التلخيص لم يتكلم على لفظ الحديث ولا سنده ، وذكر كلام ابن العربي وأبطله السيد محمد الأمير في اليواقيت ، نعم أيام الشتاء يحسن التأني بالظهر حتى يحصل ظن أن الشمس لو كانت في كبد السماء أن قد زالت لأنه يدرك بالحس والمشاهدة إذا كانت من جهة الجنوب لأن ظلها يزداد في جهة الشرق زيادة كثيرة لكن لا إلى الحد الذى يقدر بالاقدام وغايته أن ينظر في إمارات تحصل الظن بالزوال ، وأهل الأقدام ليس معهم إلا الظن لا غير وليس أحد مخاطباً بظن غيره بل بظن نفسه فتأمل .

وهو أول وقت العصر أي صيرورة ظله مثله ، قال ابن القيم : وأنهم كانوا يصلونها مع النبي () ثم يذهب أحدهم إلى العوالي قدر أربعة أميال والشمس مرتفعة وقال أنس صلى بنا رسول الله () العصر فأتاه رجل من بني سلمة فقال يا رسول الله : إنا نريد أن ننحر جزوراً وإنا نحب أن تحضرها . قال : نعم فانطلق وانطلقنا معه فوجد الجزور لم تنحر فنحرت ثم قطعت ثم طبخ منها ثم أكلنا منها قبل أن تغيب الشمس ومحال أن يكون هذا بعد المثلين وفي صحيح مسلم عنه وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر ولا معارض لهذه السنن في الصحة ولا في الصراحة والبيان فردت بالمجمل من قوله () : ومثل أهل الكتاب قبلكم كمثل رجل استأجر أجيراً فقال : من يعمل إلى نصف النهار على قيراط قيراط الخ ... ويالله العجب أي دلالة في هذا على أنه لا يدخل وقت العصر حتى يصير الظل مثلين بنوع من أنواع الدلالة ، وإنما يدل على أن من صلاة العصر إلى غروب الشمس أقصر من نصف النهار إلى وقت العصر وهذا لا ريب فيه انتهى .

وآخره أي آخر وقت العصر صيرورة ظله مثليه . قال الشافعي : آخر الوقت المختار للعصر أن يكون ظل كل شئ مثليه وقيل : إلى أن تصفر الشمس . وآخر وقت الضرورة مغيب الشمس كذا في المسوى ، وفي الحجة البالغة وكثير من الأحاديث يدل على أن آخر وقت العصر أن تتغير الشمس وهو الذي أطبق عليه الفقهاء فلعل المثلين بيان لآخر الوقت المختار والذي يستحب فيه ، أونقول لعل الشرع نظر أولاً إلى المقصود من اشتقاق العصر أن يكون الفصل بين كل صلاتين نحواً من ربع النهار ، فجعل الأمد الآخر بلوغ الظل إلى المثلين ثم ظهر من حوائجهم وأشغالهم ما يوجب الحكم بزيادة الأمد ، وأيضاً معرفة ذلك الحد تحتاج إلى ضرب من التأمل وحفظ الفيء الأصلي ورصد ، وإنما ينبغي أن يخاطب الناس في مثل ذلك بما هو محسوس ظاهر فنفث الله تعالى في روعه () أن يجعل الأمد تغيير قرص الشمس أو ضوئها والله تعالى أعلم .

مادامت الشمس بيضاء نقية فإذا اصفرت خرج وقت العصر لما ورد في ذلك من الأحاديث منها حديث ابن عمرو قال : قال رسول الله صلى وسلم عليه : وقت صلاة الظهر ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ووقت صلاة المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ووقت صلاة الفجر ما لم تطلع الشمس أخرجه مسلم وأحمد والنسائي وأبو داود ، ولا يخالف ما وقع في هذا الحديث في آخر وقت العصر والعشاء ما ورد في بعض الأحاديث أن آخر وقت العصر مصير ظل الشيء مثليه وآخر وقت العشاء ذهاب ثلث الليل فإن هذا الحديث قد تضمن زيادة غير منافية لللأصل لأن وقت اصفرار الشمس هو متأخر عن المثلين إذ هي تبقى بيضاء نقية بعد المثلين ، وكذلك نصف الليل هو متضمن لزيادة غير منافية لما وقع في رواية بلفظ ثلث الليل على أن الرواية المتضمنة للزيادتين هي أصح من الأخرى .

وأول وقت المغرب غروب الشمس أي سقوط القرص وهو وقت الاختيار الذي يجوز أن فيه من غير كراهية والعمدة فيه حديثان: حديث جبرائيل عليه السلام فإنه صلى بالنبي () يومين ، وحديث بريدة ففيه أنه () أجاب السائل عنها أي عن الأوقات بأن صلى يومين ، والمفسر منهما قاض على المبهم وما اختلف يتبع فيه حديث بريدة لأنه مدني متأخر والأول مكي متقدم ، وإنما يتبع الآخر كذا في الحجة .

وآخره ذهاب الشفق الأحمر جميع كتب اللغة مصرحة بهذا وجميع أشعار العرب ومن بعدهم ، زعم أن الشفق في لسان أهل اللغة ، أو لسان أهل الشرع يطلق على البياض فعليه الدليل ولا دليل ، ولو فرض وجود ما يدل على ذلك فلا ينكر ندوره ، كما لاينكر أن الشائع في لسان العرب وأهل الشرع واطلاقه على الحمرة والحمل على الأعم الأغلب هو الواجب ولا يحمل على النادر ، فليس ههنا ما يسوغ اختلاف المذاهب . قال ابن القيم رح تعالى : امتداد وقت المغرب إلى سقوط الشفق كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله ابن عمر وقد تقدم ، وفي صحيحه أيضاص عن أبي موسى أن سائلاً سأل رسول الله () عن المواقيت فذكر الحديث وفيه فأمره فأقام المغرب حين وجبت الشمس فلما كان اليوم الثاني قال : ثم أخر المغرب حتى كان عند سقوط الشفق ثم قال : الوقت ما بين هذين وهذا متأخر عن حديث جبرائيل عليه السلام لأنه كان بمكة وهذا قول وذلك فعل وهذا يدل على الجواز وذلك على الاستحباب ، وهذا في الصحيح وهذا في السنن وهذا يوافق قوله () : وقت كل صلاة ما لم يدخل وقت التي بعدها وإنما خص منه الفجر بالاجماع فما عداها من الصلوات داخل في عمومه والفعل إنما يدل على الاستحباب فلا يعارض العام ولا الخالص .

وهو أي ذهاب الشفق غروبه . أول العشاء للاجماع على دخوله بالشفق ، والأحمر هو المتبادر منه ، لأن وقت الاستحباب الذي يستحب أن يصلي فيه هو أوائل الأوقات إلا العشاء .

وآخره نصف الليل فالمستحب الأصلي تأخيرها وهو قوله () لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء ولأنه أنفع في تصفية الباطن من الأشغال المنسية لذكر الله تعالى وأقطع لمادة السمر بعد العشاء ، لكن التأخير ربما يفضي إلى تقليل الجماعة وتنفير القوم وفيه قلب الموضوع ، فلهذا كان النبي () إذا كثر الناس عجل ، وإذا قلوا أخر كذا في الحجة فهذه علامات ، وكان المعلم لها جبرائيل عليه السلام ثم محمد رسول الله للأمة .

وأول وقت الفجر إذا انشق الفجر أي ظهور الضوء المنتشر ، وبينه () اشفى بيان فقال لهم : أنه يطلع معترضاً في الأفق و أنه ليس الذي يلوح بياضه كذنب السرحان وهذا شئ تدركه الأبصار وقال تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فجاء بلفظ التفعل لإفادة أنه لا يكفي إلا التبين الواضح أي يتبين لكم شيئاً فشيئاً حتى يتضح فإنه لا يتم تبينه وظهوره إلا بعد كمال ظهوره ، فإنه يطلع أولاً تباشير الوضوء ثم ذنب السرحان وهو الفجر الكذاب ثم يتضح نور الصباح الذي أبداه بقدرته فالق الإصباح ولذلك قال الشاعر .

وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه……… وأول الغيث قطر ثم ينسكب

قال ابن القيم : إن النبي () كان يقرأ بالستين آية إلى المائة ثم ينصرف منها والنساء لا يعرفن من الغلس ، وأن صلاته كانت في التغليس حتى توفاه الله تعالى ، وأنه إنما أسفر بها مرة واحدة وكان بين سحوره وصلاته قدر خمسين آية فرد ذلك بمجمل حديث رافع بن خديج أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر وهذا بعد ثبوته إنما المراد به الأسفار بها دواماً لا ابتداء فيدخل فيها مغلساً ويخرج منها مسفراً كما كان يفعله رسول الله () فقوله موافق لفعله لا مناقض له ، وكيف يظن به المواظبة على فعل ما الأجر الأعظم في خلافه انتهى .

وآخره طلوع الشمس ومما ينبغي أن يعلم أن الله عز وجل لم يكلف عباده في تعريف أوقات الصلوات بما يشق عليهم ويتعسر، فالدين يسر والشريعة سمحة سهلة بل جعل صلى الله تعالى عليه وسلم للأوقات علامات حسية يعرفها كل أحد ، فقال في الفجر : طلوع النور الذي هو من أوائل أجزاء النهار يعرفه كل أحد ، وقال في الظهر اذا دحضت الشمس إذا زالت الشمس ، وقال في العصر والشمس بيضاء نقية وقال في المغرب : إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وقال في العشاء من قدر وقت صلاته بأنه كان يصليها وقت غروب الهلال ليلة ثالث الشهر ، وورد التقدير بالشفق ، وورد التقدير بثلث الليل وبنصفه فهذه العلامات لا تلتبس إلا على أكمه ، والنظر في النجوم وإن كنت لا أظن ثبوت ذلك هو النظر الذي يكون في الشمس والقمر والاظلة المقترنة بالنجوم ، والمراد أنه يستدل على دخول وقت كذا بكون النجم في مكان كذا كما يكون مثل ذلك في الشمس والقمر لا أنه النظر المفضي إلى الاشتغال بعلم النجوم المؤدي إلى الوقوع في مضايق عن الشريعة بمعزل ، فإن هذا علم نهى عنه الشارع وحذر عن اتيان صاحبه حتى جعل ذلك كفراً فكيف يجعل طريقاً إلى أمر من أمور الشريعة ومهم من مهماتها ، فمن ظن أن شيئاً من علم الشريعة محتاج إلى علم النجوم المصطلح عليه فهو إما جاهل لا يدري بالشريعة ، أو مغالط قد مالت نفسه إلى ما نهى عنه الشارع وأراد أن يدفع عن نفسه القائلة فاعتل بأنه لم يتعلق بمعرفة ذلك لكونه قد تعلقت به معرفة أوقات الصلوات ، وكثيراً من نسمعه من المشتغلين بذلك يدلي بهذه الحجة الباطلة فيصدقه من لم يثبت قدمه في علم الشريعة المطهرة ، ومن أعظم المروجات لهذه البلية ما وقع من جماعة من المشتغلين بعلم الفقه من تعداد النجوم وتقدير المنازل والاستكثار من ذلك بما لا طائل تحته إلا تأنيس المنجمين فإنا لله وإنا إليه راجعون .

وحاصل الكلام : أن هذه تكاليف موجهة كلف الله تعالى بها عباده ، وعين أوقاتها تعييناً يعرفه العالم والجاهل ، والقروي والبدوي ، والحر والعبد ، والذكر والأنثى على حد سواء اشترك فيه كل هؤلاء لا يحتاج معه إلى شئ آخر .

أمع الصبح للنجوم تجل……….أم مع الشمس للظلام بقاء

قال صاحب سبل السلام : التوقيت في الأيام والشهور والسنوات بالحساب للمنازل القمرية بدعة باتفاق الأمة ، فلا يمكن عالم من علماء الدنيا أن يدعي أن ذلك كان في عصره صلى الله تعالى عليه وسلم أو عصر خلفائه الراشدين ، وإنما هو بدعة لعلها ظهرت في عصر المأمون حين أخرج كتب الفلاسفة وعربها ومنها المنطق والنجوم ، فإنه علم أولئك الذين قال الله تعالى فيهم : فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم فأقل أحوال المقرين على حساب المنازل القمرية أنهم مبتدعون وكل بدعة ضلالة ولقد عظمت هذه البدعة في الحرمين الشريفين ، فإنهم في مكة المكرمة لا يعتمدون إلا على ذلك ولهم فيه أنواع مؤلفات مثل الربع المجيب ونحوه يدرسونه ويقرءونه ويعتمدونه وهو من العلم الذي قال فيه رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم علم لا ينفع وجهل لا يضر وهو من علم أهل الكتاب فإن أعيادهم ونحوها تدور على حساب سير الشمس ، ولعله دخل على المسلمين من علم اليونان وأهل الكتاب ومات رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بعد أن أنزل الله تعالى عليه اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً وكان أهل بيته وأصحابه رض على ذلك لا يعرفون منازل الزيادة والنقصان ولا ما يجعله المتأخرون هو الميزان ولا شيئاً من هذه الأمور التي صار ذلك التكليف الموقت عليها يدور انتهى .

ومن نام عن صلاته أو سها عنها فوقتها حين يذكرها أي وقت القضاء إذا ذكر ، وقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة كحديث أنس عند البخاري ومسلم وغيرهما ، وحديث أبي هريرة عند مسلم وغيره ، وقد ورد هذا المعنى من غير وجه وهو قوله () : من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول في كتابه العزيز : أقم الصلاة لذكري قلت : وعلى هذا أهل العلم ، وقاسوا المفوت قصداً على النائم كذا في المسوى .

ومن كان معذوراً لأن الأوقات للصلوات قد عينها الشارع وحدد أوائلها وأواخرها بعلامات حسية ، وجعل ما بين الوقتين لكل صلاة هو الوقت لتلك الصلاة ، وجعل الصلاة المفعولة في غير هذه الأوقات المعينة صلاة المنافق وصلاة الأمراء الذين يميتون الصلاة ، كقوله في حديث أنس الثابت في الصحيح قال سمعت رسول الله () يقول : تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعاً لا يذكر الله إلا قليلاً . وكقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأبي ذر كيف أنت إذا كان عليك أمراء يميتون الصلاة ، أو يؤخرون الصلاة عن وقتها قلت : فما تأمرني قال : صل الصلاة لوقتها الحديث . ونحو ذلك ، وهكذا أحاديث النهي عن الصلاة بعد العصر وبعد الفجر ، فكان ما ذكرناه دليلاً على أن ادراك الركعة في الوقت الخارج عن الأوقات المضروبة كوقت طلوع الشمس وغروبها وطلوع الفجر هو خاص بالمعذور ، كمن مرض مرضاً شديداً لا يستطع معه تأدية الصلاة ثم شفي وأمكنه ادراك ركعة ، وكالحائض إذا طهرت وأمكنها ادراك ركعة ونحو ذلك .

وأدرك من الصلاة ركعة فقد أدركها أي الصلاة لما ورد في ذلك من الأحاديث الصحيحة ، كحديث أبي هريرة أن رسول الله () قال : من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر وهو في الصحيحين وغيرهما ، ونحو ذلك حديث عائشة عند مسلم وغيره ، وقد ثبت من حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما بلفظ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة وهذا يشمل جميع الصلوات لا يخص شيئاً منها قلت : هذا الحديث يحتمل وجوهاً : أحدها من أدرك ركعة من الصلاة في الوقت فالجميع أداء وإلا فقضاء وهو الأصح عند الشافعية . وقال أبو حنيفة بذلك في العصر خاصة . وثانيها من أدرك من المعذورين من الوقت ما يسع ركعة من الصلاة فقد وجبت عليه تلك الصلاة وهو مذهب أبي حنيفة وقول للشافعي . وثالثها أن الجماعة تدرك بركعة وهو وجه للشافعية ، وقال أبو حنيفة : لو أدرك التشهد كان مدركاً للجماعة كذا في المسوى فمن صلى ركعة في الوقت والباقي خارج الوقت لا يكون عند الشافعي كمن صلى الكل خارج الوقت : وقال أبو حنيفة مثله إلا في صلاة العصر خاصة . وقد رد ابن القيم على من قال بكونها خلاف الأصول ورده بالمتشابه من نهيه () عن الصلاة وقت طلوع الشمس أتم رد في إعلام الموقعين فليرجع إليه .

والتوقيت واجب لما ورد في ذلك من الأوامر الصحيحة بتأدية الصلاة لوقتها والنهي عن فعلها في غير وقتها المضروب لها .

والجمع لعذر جائز أي بين الصلاتين إن كان صورياً وهو فعل الأولى في آخر وقتها والأخرى في أول وقتها ، فليس بجمع في الحقيقة لأن كل صلاة مفعولة في وقتها المضروب لها ، وإنما هو جمع الصورة ، ومنه جمعه () في المدينة المنورة من غير مطر ولا سفر كما في الصحيح من حديث ابن عباس وغيره ، فإنه قد وقع التصريح في بعض الروايات بما يفيد ذلك ، بل فسره من رواه بما يفيد أنه الجمع الصوري ، وقد أوضح الماتن ذلك في رسالة مستقلة ، فالمراد بالجمع الجائز للعذر هو جمع المسافر والمريض ، وفي المطر كما وردت بذلك الأدلة الصحيحة ، وقد اختلف في جواز الجمع بيه الصلاتين لغير هذه الأعذار أو مع عدم العذر ، والحق عدم جواز ذلك كما حققه المجتهد الرباني شيخنا العلامة محمد بن على الشوكاني في الفتح الرباني وغيره من مؤلفاته المباركة عليها ولها وفيها .

والمتيمم وناقص الصلاة كمن به مرض يمنعه عن استيفاء بعض أركانها .

أو الطهارة كمن في بعض أعضاء وضوئه ما يمنعه من غسله بالماء .

يصلون كغيرهم من غير تأخير وجهه أنهم داخلون في الخطاب المشتمل على تعيين الأوقات وبيان أولها وآخرها ، ولم يأت ما يدل على أنهم خارجون عنها وأن صلاتهم لا تجزيء إلا في آخر الوقت ، ولم يعول من أوجب التأخير على شئ تقوم به الحجة بل ليس بيده إلا مجرد الرأي البحت كقولهم إن صلاتهم بدلية ونحو ذلك ، وهذا لا يغني من الحق شيئاً .

أقول : لم يأت ما يدل على وجوب التأخير على من كان ناقص صلاة أو طهارة من كتاب ولا سنة ، بل التيمم مشروع عند عدم الماء إذا حضر وقت الصلاة ، وكذلك من كانت به علة لا يتمكن معها من استيفاء الطهارة أو الصلاة جاز له أن يصلي إذا حضر وقت الصلاة كيف أمكن وذلك هو المطلوب منه والواجب عليه ، ولو كان التأخير واجباً على من كان كذلك لبينه الشارع ، لأنه من الأحكام التي تعم بها البلوى ، ولا فرق بين من كان راجياً لزوال العلة في آخر الوقت ومن كان آيساً من زوالها في الوقت ، ومن زعم أنه يجب تأخير صلاة من الصلوات على فرد من أفراد العباد لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ، وأما ما يقال من أن الصلاة الناقصة أو الطهارة الناقصة بدل عن الصلاة الكاملة أو الطهارة الكاملة ، فكلام لا يتفق في مواطن الخلاف ، ولا تقوم بمثله الحجة على أحد ، على أن البدلية غير مسلمة وعلى فرض تسليمها فلا نسلم أن البدل لا يجزيء إلا عند تعذر المبدل إلى آخر الوقت ، فإنهم يجعلون الظهر أصلاً والجمعة بدلاً والجمعة مجزئة في أول وقت الظهر بل لا يجزيء في ذلك الوقت غيرها لمن لم يكن معذوراً ، ثم لو سلمنا أن البدل لا يجزيء إلا عند تعذر المبدل فوقت التعذر هو وقت الصلاة مثلاً فإذا دخل أول جزء من أجزاء الوقت والمبدل متعذر كان البدل في ذلك الوقت مجزئا ومن زعم غير هذا جاءنا بحجة .

و أما كون أوقات الكراهة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس وعند الزوال وبعد العصر حتى تغرب فلما ثبت في الصحيح عن جماعة من الصحابة مرفوعاً من النهي عن الصلاة بعد الفجر حتى تطلع الشمس وبعد العصر حتى تغرب الشمس وعند الزوال ، وورد في روايات أخر النهي عن الصلاة في الثلاثة الأوقات : وقت الطلوع ، ووقت الزوال ، ووقت الغروب ، قال في الحجة : الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر منها فليفعل ، غير أنه نهىعن خمسة أوقات : ثلاثة منها أو كد نهياً من الباقيين وهي الساعات الثلاث إذا طلعت الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل ، وحين تتضيف للغروب حتى تغرب لأنها أوقات صلاة المجوس ، وأما الآخران فقوله () لا صلاة بعد الصبح حتى تبزغ الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب ولذلك صلى فيهما النبي () تارة ، وروي استثناء نصف النهار يوم الجمعة ، واستنبط جوازها في الأوقات الثلاث في المسجد الحرام من حديث يا بني عبد مناف من ولي منكم من أمر الناس شيئاً فلا يمنعن أحداً طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار وعلى هذا فالسر في ذلك أنهما وقت ظهور شعائر الدين ومكانه فعارضا المانع من الصلاة انتهى .

وأقول : الأحاديث في النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر ، وبعد صلاة العصر ، قد صحت بلا ريب ، وهي عمومات قابلة للتخصيص بما هو أخص منها مطلقاً لا بما هو أعم منها من وجه وأخص منها من وجه ، كأحاديث الأمر بصلاة تحية المسجد ، فإنه من باب تعارض العمومين ، والواجب المصير إلى الترجيح ، فإن أمكن ترجيح أحدهما على الآخر وجب العمل به ، وإن لم يمكن وجب المصير إلى الترجيح بأمور خارجة ، فإن تعذر من جميع الوجوه فالتخيير أو الاطراح في مادة إذا تقرر هذا ، فما عورضت به أحاديث النهي عن الصلاة في الوقتين المذكورين لا يصلح للمعارضة ، أما حديث الرجلين اللذين أمرهما () بالإعادة فقد اختلفت الرواية ، ففي بعض الروايات أنه قال : هذه فريضة وتلك نافلة وفي بعضها عكس ذلك ، وعلى الرواية الأولى لا معارضة ، وعلى الثانية غاية ما هناك أن ذلك يكون مخصصاً لأحاديث النهي بمثل حال الرجلين ، وهو من دخل مسجد جماعة يصلون فيه فريضة في أحد الوقتين ، فإنه يتنفل معهم . وحديث أنه () كان يصلي ركعتين بعد العصر قد تبين في روايات الحديث الثابتة في الأمهات أنه وفد عليه وفد عبد القيس فشغلوه عن ركعتي الظهر فصلاهما بعد العصر وكان هديه () أنه إذا فعل شيئاً داوم عليه حتى سألته بعض نسائه وقالت : هل نقضيهما إذا فاتتانا ؟ فقال : لا وقد ذكر من روى ذلك وما عليه شيخنا العلامة الشوكاني في شرح المنتقي . وأما حديث لا تمنعوا طائفاً فهو مع كونه غير صلاة ، وإن كان مشبهاً بها فليس المشبه كالمشبه به ، هو أيضاً عام مخصص بأحاديث النهي ، أو خاص بنوع من أنواع الصلاة وهو الطواف فليعلم .

باب الأذان

أقول هذه العبادة من أعظم شعائر الإسلام وأشهر معالم الدين ، فإنها وقعت المواظبة عليها منذ شرعها الله سبحانه وتعالى إلى أن مات رسول الله () في ليل ونهار وحضر وسفر ولم يسمع بأنه وقع الاخلال بها أو الترخيص في تركها .

يشرع وقد اختلف في وجوبه والظاهر الوجوب ، لأمره () بذلك في غير حديث ، والحاصل : أنه ما ينبغي في مثل هذه العبادة العظيمة أن يتردد متردد في وجوبها فإنها أشهر من نار على علم وأدلتها هي الشمس المنيرة .

لأهل كل بلد أن يتخذوا مؤذناً وأما كون المؤذن مكلفاً ذكراً فهذا هو الظاهر ، لأن الأذان عبادة شرعية لا تجزيء إلا من مكلف بها ولم يسمع في أيام النبوة ولا في الصحابة فمن بعدهم من التابعين وتابعيهم أنه وقع التأذين المشروع الذي هو إعلام بدخول الوقت ودعاء إلى الصلاة من امرأة قط ، وأما أذان المرأة لنفسها أو لمن يحضر عندها من النساء مع عدم رفع الصوت رفعاً بالغاً فلا مانع من ذلك ، بل الظاهر أن النساء ممن يدخل في الخطاب بالأذان ، ولم يأت ما تقوم به الحجة لا في كون المؤذن طاهراً من الحدث الأكبر ولا من الحدث الأصغر لأن ما هو مرفوع في ذلك لم يصح ، وما هو موقوف على صحابي أو تابعي لا تقوم به الحجة ، وإن كان التطهر للمؤذن من الحدثين هو الأولى والأحسن فقد كره النبي () أن يرد السلام وهو محدث حدثاً أصغر حتى توضأ كما في رواية وتيمم كما في أخري ، والأذان أولى بذلك من مجرد السلام . قال الماتن في حاشية الشفاء وظاهر الأحاديث أنه لا يصح أذان غير المتوضيء وقد ورد حديث يدل على اشتراط كون المؤذن متوضئاً أخرجه الترمذي بلفظ لا يؤذن إلا متوضيء وقد أعل بالانقطاع والإرسال ويشهد له حديث أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان .

ينادي بألفاظ الأذان المشروعة لإعلامهم بمواقيت الصلاة وللتمسك بشعائر الإسلام ، فقد كان الغزاة في أيام النبوة وما بعدها إذا جهلوا حال أهل قرية تركوا حربهم حتى يحضر وقت الصلاة فإن سمعوا أذاناً كفوا عنهم وإن لم يسمعوا قاتلوهم مقاتلة المشركين ، وأما غير أهل البلد كالمسافر والمقيم بفلاة من الأرض فيؤذن لنفسه ويقيم ، فإن كانوا جماعة أذن لهم أحدهم وأقام . وألفاظ الأذان قد ثبتت في أحاديث كثيرة وفي بعضها اختلاف بزيادة ونقص وقد تقرر أن العمل على الزيادة التي لا تنافي المزيد، فما ثبت من وجه صحيح مما فيه زيادة تعين قبوله كتربيع الأذان وترجيع الشهادتين ، ولا تطرح الزيادة إذا كانت أدلة الأصل أقوى منها لأنه لا تعارض حتى يصار إلى الترجيح كما وقع لكثير من أهل العلم في هذا الباب وغيره من الأبواب ، بل الجمع ممكن بضم الزيادة إلى الأصل وهو مقدم على الترجيح ، وقد وقع الاجماع على قبول الزيادة التي لم تكن منافية كما تقرر في الأصول ، وأدلة أفراد الإقامة أقوى من أدلة تشفيعها ولكن التشفيع مشتمل على زيادة خارجة من مخرج صالح للاعتبار فكان العمل على أدلة التشفيع متعيناً .

عند دخول وقت الصلاة إلا الأذان للفجر قبل دخول وقتها لما في الصحيحين من حديث سالم بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم وفي صحيح مسلم عن سمرة عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا يغرنكم نداء بلال ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر وهو في الصحيحين من حديث ابن مسعود ولفظه لا يمنع أحدكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي ليرجع قائمكم وينبه نائمكم قال مالك : لم يزل الصبح ينادي لها قبل الفجر فردت هذه السنة لمخالفتها الأصول والقياس على سائر الصلوات ، وبحديث حماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن بلالاً أذن قبل طلوع الفجر فأمره النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أن يرجع فينادي ألا إن العبد نام ألا إن العبد نام فرجع فنادي ألا إن العبد نام ولا ترد السنة الصحيحة بمثل ذلك فإنها أصل بنفسها ، وقياس وقت الفجر على غيره من الأوقات لو لم يكن فيه إلا مصادمة للسنة لكفى في رده ، فكيف والفرق قد أشار إليه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وهو ما في النداء قبل الوقت من المصلحة والحكمة التي لا تكون في غير الفجر ، وإذا اختص وقتها بأمر لا يكون في سائر الصلوات امتنع الإلحاق ، وأما حديث حماد عن أيوب فحديث معلول عند أئمة الحديث لا تقوم به حجة كذا في أعلام الموقعين وقد أطال ابن القيم في تعليل هذا الحديث والجواب عنه وعن غيره فليرجع إليه .

ويشرع للسامع أن يتابع المؤذن لما قد ثبت في الصحيح من حديث أبي سعيد أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن وفي الباب عن جماعة من الصحابة بنحو هذا ، وورد مفصلاً مبيناً من حديث عمر ابن الخطاب قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر ثم قال : أشهد أن إله إلا الله . قال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمداً رسول الله قال : أشهد أن محمداً رسول الله ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلى بالله ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة أخرجه مسلم وغيره وأخرج نحوه البخاري وقد اختار بعض العلماء الجمع عند الحيعلتين بين المتابعة للمؤذن والحوقلة وهو جمع حسن وإن لم يكن متعيناً .

ثم تشرع الإقامة على الصفة الواردة أقول : قد ثبت تشفيع الأذان وايتاء الإقامة في الصحيحين وغيرهما ، وروي من وجه صحيح تشفيع جميع ألفاظ الإقامة . وورد في الإقامة من وجه صحيح ما يدل على ايتارها ، إلا التكبير في أولها وآخرها ، وقد قامت الصلاة ، فإن ذلك يكون مثنى مثنى ، وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الكل سنة وأيها فعلها المؤذن والمقيم فقد فعل ما هو حق وسنة . قال الماتن في شرح المنتقى بعد ما ذكر اختلاف الناس في ذلك وأطال في بيانه : إذا عرفت هذا تبين لك أن أحاديث تثنية الإقامة صالحة للاحتجاج بها ، وأحاديث إفراد الإقامة وإن كانت أصح منها لكثرة طرقها وكونها في الصحيحين، لكن أحاديث التثنية مشتملة على الزيادة فالمصير إليها لازم لا سيما مع تأخر تاريخ بعضها انتهى . ثم اعلم أن هذا الشعار لا يختص بصلاة الجماعات ، بل كل مصل عليه أن يؤذن ويقيم ، لكن من كان في جماعة كفاه أذان المؤذن لها وإقامته ، ثم الظاهر أن النساء كالرجال لأنهن شقائقهم والأمر لهم أمر لهن ولم يرد ما ينتهض للحجة في عدم الوجوب عليهن فأن الوارد في ذلك في أسانيده متروكون لا يحل الاحتجاج بهم فإن ورد دليل يصلح لإخراجهن فذاك وإلا فهن كالرجال .

باب ويجب على المصلي تطهير ثوبه

لنص القرآن وثيابك فطهر ولقوله () لمن سأله هل يصلي في الثوب الذي يأتي فيه أهله فقال نعم إلا أن يري فيه شيئاً فيغسله أخرجه أحمد وابن ماجه ورجال اسناده ثقات ومثله عن معاوية قال : قلت لأم حبيبة هل كان النبي () يصلي في الثوب الذي يجامع فيه قالت : نعم إذا لم يكن فيه أذى أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه بإسناد رجاله ثقات ومنها حديث خلعه () النعل أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وابن خزيمة وابن حبان وله طريق عن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضاً ومنها الأدلة المتقدمة في تعيين النجاسات .

وبدنه لأنه أولى من تطهير الثوب ولما ورد من وجوب تطهيره .

ومكانه من النجاسة لما ثبت عنه () من رش الذنوب على بول الأعرابي ونحو ذلك ، وقد ذهب الجمهور إلى وجوب تطهير الثلاثة للصلاة ، وذهب جمع إلى أن ذلك شرط لصحة الصلاة ، وذهب آخرون إلى أنه سنة ، والحق الوجوب فمن صلى ملابساً لنجاسة عامداً فقد أخل بواجب وصلاته صحيحة والشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط كما قرره أهل الأصول لا يصلح للدلالة عليها إلا ما كان يفيد ذلك مثل نفي القبول ، أو نحو لا صلاة لمن صلى في مكان متنجس أو النهي عن الصلاة في المكان المتنجس لدلالة النهي على الفساد ، وأما مجرد الأمر فلا يصلح لاثبات الشروط ، اللهم إلا على قول من قال : إن الأمر بالشئ نهي عن ضده فليكن هذا منك على ذكر ، فإنك أن تفطنت له رأيت العجب في كتب الفقه ، فإنهم كثيراً ما يجعلون الشئ شرطاً ولا يستفاد من دليله غير الوجوب وكثيراً ما يجعلون الشئ واجباً ودليله يدل على الشرطية ، والسبب الحامل على ذلك عدم مراعة القواعد الأصولية والذهول عنها .

والحاصل : أن ما دل على الشرطية دل على الوجوب وزيادة وهو تأثير بطلان المشروط ، وما دل على الوجوب لا يدل على الشرطية لأن غاية الواجب أن تاركه يذم ، أما أنه يستلزم بطلان الشئ الذي ذلك الواجب جزء من أجزائه ، أو عارض من عوارضه فلا ، فمن حكم على الشئ بالوجوب وجعل عدمه موجباً للبطلان ، أو حكم على الشئ بالشرطية ولم يجعل عدمه موجباً للبطلان فقد غفل عن هذين المفهومين وفي المقام أدلة مختلفة ومقالات طويلة ليس هذا محل بسطها .

وستر عورته لقوله تعالى : يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد قلت : الزينة ما واري عورتك ولو عباءة قاله مجاهد ، والمسجد الصلاة ، ولما وقع منه () من الأمر بسترها في كل الأحوال كما في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال قلت يا رسول الله : عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال : احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ملكت يمينك قلت : فإذا كان القوم بعضهم في بعض قال : إن استطعت أن لا يراها أحد فلا يرينها قلت : فإذا كان أحدنا خالياً قال الله تبارك وتعالى أحق أن يستحيا منه أخرجه أحمد وأبو اود وابن ماجه والترمذي ، وعلقه البخاري وحسنه الترمذي وصححه الحاكم ومن ذلك قوله () : لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبزار وفي إسناده مقال ولكنه يعضده حديث محمد بن جحش قال : مر رسول الله () على معمر وفخذاه مكشوفتان فقال يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة أخرجه أحمد والبخاري في صحيحه تعليقاً وأخرجه أيضاً في تاريخه والحاكم في المستدرك ، وروى الترمذي وأحمد من حديث ابن عباس مرفوعاً الفخذ عورة . وأخرج نحوه مالك في الموطأ وأحمد وأبو داود الترمذي وحسنه وابن حبان وصححه وعلقه البخاري ، وقد عارض أحاديث الفخذ عورة أحاديث أخر وليس فيها إلا أنه () كشف عن فخذه يوم خيبر أو في بيته ولا يصلح ذلك لمعارضة ما تقدم ، وورد في الركبة ما يفيد أنها تستر وما يخالف ذلك ، وأما المرأة فورد حديث لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة والحاكم ، وقد روي موقوفاً ومرفوعاً من حديث عائشة ومن حديث أبي قتادة ، ومما يفيد وجوب ستر العورة أحاديث النهي عن الصلاة في الثوب الواحد ليس على عاتق المصلي منه شئ وفي بعضها فليخالف بين طرفيه وفي بعضها وإن كان ضيقاً فاتزر به وكلها في الصحيح ولكن ليس فيها ما يستفاد منه الشرطية التي صرح بها جماعة من المصنفين ، وحديث الخمار إذا انتهض للاستدلال به على الشرطية فهو خاص بالمرأة وقد عرفت مما سلف أن الذي يستلزم عدمه عدم الصلاة أي بطلانها هو الشرط ، أو الركن لا الواجب ، فمن زعم أن من ظهر شئ من عورته في الصلاة ، أو صلى بثياب متنجسة كانت صلاته باطلة ، فهو مطالب بالدليل ولا ينفعه مجرد الأوامر بالستر أو التطهير ، فإن غاية ما يستفاد منها الوجوب .

ولا يشتمل الصماء لحديث أبي هريرة أن النبي () نهى أن يشتمل الصماء وهو في الصحيحين وفي لفظ فيهما وأن يشتمل في ازاره إذا ما صلى إلا أن يخالف بطرفيه على عاتقه وأخرج نحوه الجماعة من حديث أبي سعيد ، واشتمال الصماء هو أن يجلل جسده بالثوب لا يرفع منه جانباً ولا يبقي ما يخرج منه يده .

ولا يسدل لحديث النهي عن السدل في الصلاة وهو عند أحمد وأبي داود والترمذي والحاكم في المستدرك ، وفي الباب عن جماعة من الصحابة ، والسدل هو إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه ، بل يلتحف به ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك .

ولا يسبل لما ورد من الأحاديث الصحيحة من النهي عن إرسال الإزار ، والمراد بالإسبال أن يرخي إزاره حتى يجاوز الكعبين .

ولا يكفت لأنه قد ورد النهي عن أن يكفت الرجل ثوبه أو شعره ، أما كفت الثوب فكمن يأخذ طرف ثوبه فيغرزه في حجزته أو نحو ذلك ، وأما كفت الشعر فنحو أن يأخذ منه خصلة مسترسلة فيكفتها في شعر رأسه أو يربطها بخيط إليه أو نحو ذلك .

ولا يصلي في ثوب حرير والأحاديث في ذلك كثيرة وكلها يدل على المنع من لبس ثوب الحرير الخالص ، وأما المشوب فالمذاهب في ذلك معروفة : فبعض الأحاديث يدل على أنه إنما يحرم الخالص لا المشوب كحديث ابن عباس عند أحمد وأبي داود قال : إنما نهى رسول الله () عن الثوب المصمت من القز قال ابن عباس : أما السدى والعلم فلا نرى به بأساً وبعضها يدل على المنع كما ورد في حلة السيراء فإنه غضب لما رأى علياً قد لبسها وقال : إني لم أبعث بها إليك لتلبسها إنما بعثت بها إليك لتشققها خمراً بين النساء وهو في الصحيح ، والسيراء قد قيل إنها المخلوطة بالحرير لا الحرير الخالص ، وقيل انها الحرير الخالص المخطط ، وقيل غير ذلك ، ولكنه قد ورد في طرق من طرق هذا الحديث ما يفيد أنها غير خالصة ، فأخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه والدورقي هذا الحديث بلفظ قال على : أهدى إلى رسول الله () حلة مسيرة أما سداها وأما لحمتها فذكر الحديث .

ولا ثوب شهرة لحديث من لبس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي بإسناد رجاله ثقات من حديث ابن عمر ، وهذا الوعيد يدل على أن لبسه محرم في كل وقت فوقت الصلاة أولى بذلك ، وأما الثوب المصبوغ بالصفرة والحمرة فالأدلة في ذلك متعارضة فلهذا لم نذكره وقد أفرده الماتن برسالة مستقلة .

ولا مغصوب لكونه ملك الغير وهو حرام بالإجماع .

وعليه استقبال عين الكعبة إن كان مشاهداً لها أو في حكم المشاهد وجوباً لأنه قد تمكن من اليقين فلا يعدل إلى الظن ، والأحاديث المتواترة مصرحة بوجوب الاستقبال بل هو نص القرآن الكريم فول وجهك شطر المسجد الحرام وعلى ذلك أجمع المسلمون وهو قطعي من قطعيات الشريعة .

وغير المشاهد ومن في حكمه يستقبل الجهة بعد التحري لأن ذلك هو الذي يمكنه ويدخل تحت استطاعته ولم يكلفه الله تعالى مالا يطيق كما صرح بذلك في كتابه العزيز ، وقد جعل النبي () بين المشرق والمغرب قبلة كما في حديث أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه ، ومثل ذلك ورد عن الخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ، وقد استقبل النبي () الجهة بعد خروجه من مكة المكرمة وشرع للناس ذلك .

أقول : استقبال القبلة هو من ضروريات الدين فمن أمكنه استقبال القبلة تحقيقاً فذلك الواجب عليه مثل القاطن حولها المشاهد لها من دون قطع مسافة ولا تجشم مشقة ، ومن لم يكن كذلك ففرضه استقبال الجهة وليس المراد من تلك الجهة الكعبة على الخصوص بل المراد ما أرشد إليه () من كون بين المشرق والمغرب قبله ، فمن كان في جهات اليمن وعرف جهة المشرق وجهة المغرب توجه بين الجهتين فإن تلك الجهة هي القبلة ، وكذلك من كان بجهة الشام يتوجه بين الجهتين من دون اتعاب للنفس في تقدير الجهات ، فإن ذلك مما لم يرد به الشرع ولا كلف به العباد ، والمحاريب المنصوبة في المساجد والمشاهد المعمورة في بلاد المسلمين الذين لهم عناية بأمر الدين مغنية عن التكلف ، وكذلك اخبار لعدول المرضيين كافية فإن من قال : هذه جهة القبلة ، أو عمر محراباً يأوي إليه الناس لا شك أنه قد بلغ من التحري ما يبلغه من أراد تأدية صلاة أو صلوات في مكان من الأمكنة لأن معرفة الجهة التي عرفناك بها من السير ما تراد لمعرفته لكون الجهات الأربع معلومة لكل عاقل ، وقد يعرض اللبس في بعض المواطن على بعض الأفراد إما لعدم ظهور ما يهتدى به في ظلمة الليل ، أو حيلولة جبال عالية في أرض عالية لا يعرفها مع تلون طرقها التي قد سلكها ، فهذا فرضه أن يمعن النظر في تعريف الجهة ، فإذا أعوزه الأمر توجه حيث شاء ، هذا في الفرائض ، وأما النوافل فقد خفف الشارع فيها وسوغ تأديتها على ظهر الراحلة إلى جهة القبلة وغير جهتها بل سوغ تأدية الفريضة في الأرض في الندية على ظهر الراحلة كما تجد ذلك في المنتقى وشرحه ، فهذا خلاصة ما تعبدنا الله به في أمر القبلة وهو يغنيك عن التفريعات الطويلة والتهويلات المهيلة في كتب الفقه .

باب كيفية الصلاة

وهي علامات تواتر () وتوارثه الأمة أن يتطهر ويستر عورته ويقوم ويستقبل القبلة بوجهه ويتوجه إلى الله تعالى بقلبه ويخلص له العمل ويقول : الله أكبر بلسانه ويقرأ فاتحة الكتاب ويضم معها إلا في ثالثة الفرض ورابعته سورة من القرآن، ثم يركع وينحني بحيث يقتدر على أن يمسح ركبتيه برؤوس أصابعه حتى يطمئن راكعاً ثم يرفع رأسه حتى يطمئن قائماً ، ثم يسجد على الآراب السبعة اليدين والرجلين والركبتين والوجه ثم يرفع رأسه حتى يستوي جالساً ثم يسجد ثانياً كذلك ، فهذه ركعة، ثم يقعد على رأس كل ركعتين ويتشهد فإن كان آخر صلاته صلى على النبي () ودعا أحب الدعاء إليه وسلم على من يليه من الملائكة والمسلمين ، فهذه صلاة النبي () لم يثبت أنه ترك شيئاً من ذلك قط عمداً من غير عذر في فريضة وصلاة الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين وهي التي توارثوا أنها مسمى الصلاة وهي من ضروريات الملة نعم اختلف الفقهاء في أحرف منها هل هي أركان الصلاة لا يعتد بها بدونها ، أو واجباتها التي تنقص بتركها ، أو أبعاض يلام على تركها وتجبر بسجدة السهو ، كذا في الحجة البالغة .

لا تكون شرعية إلا بالنية لقوله تعالى : وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين وروى مالك بإسناده في غير رواية يحيى بن يحيى عن النبي () إنما الأعمال بالنيات قلت : وعلى وجوب النية في ابتداء الصلاة أهل العلم وعندي أن المقدر في حديث إنما الأعمال بالنية أن كان الحصول أو الوجود أو الثبوت أو الصحة أو ما يلاقي هذه الأمور في المعنى الذي لا تكون تلك الصلاة شرعية إلا به ، فالنية في مثل الصلاة شرط من شروطها ، لأنه قد استلزم عدمها عدم الصلاة ، وهذه خاصة الشروط ، وأن كان المقدر الكمال أو ما يلاقيه في المعنى الذي تكون الصلاة شرعية بدونه ، فليست النية بواجبة فضلاً عن أن تكون شرطاً ، لكن قد عرف رجحان التقدير المشعر بالمعنى الأول لكون الحصر في إنما في معنى ما الأعمال إلا بالنية ، وإن اختلفا في أمور خارجة عن هذا كما تقرر في علمي المعاني والأصول ، والنفي يتوجه إلى المعني الحقيقي وهو الذات الشرعية وانتفاؤها ممكن ، لأن الموجود في الخارج ذات غير شرعية ، وعلى فرض وجود مانع عن التوجه إلى المعنى الحقيقي ، فلا ريب أن الصحة أقرب إلى المعنى الحقيقي من الكمال لا ستلزامها لعدم الاعتداد بتلك الذات وترجيح أقرب المجازين متعين ، فظهر بهذا أن القول بأن النية شرط للصلاة أرجح من القول بأنها من جملة واجباتها ، والكلام على هذا يطول ليس هذا موضع ذكره .

وأركانها كلها مفترضة لكونها ماهية الصلاة التي لا يسقط التكليف إلا بفعلها ، وتعدم الصورة المطلوبة بعدمها ، وتكون ناقصة بنقصان بعضها ، وهي القيام فالركوع فالاعتدال فالسجود فالاعتدال فالسجود فالقعود للتشهد ، وقد بين الشارع صفاتها وهيئاتها وكان يجعلها قريباً من السواء كما ثبت في الصحيح عنه .

أقول : وجملة القول في هذا الباب : أنه ينبغي لمن كان يقتدر على تطبيق الفروع على الأصول وارجاع فرع الشئ إلى أصله ، أن يجعل هذه الفروض المذكورة في هذا الباب منقسمة إلى ثلاثة أقسام : واجبات كالتكبير والتسليم والتشهد ، وأركان كالقيام والركوع والاعتدال والسجود والاعتدال والسجود والقعود للتشهد ، وشروط كالنية والقراءة . أما النية فلما قدمنا ، وأما القراءة فلورود ما يدل على شرطيتها كحديث : لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وحديث : لا تجريء صلاة إلا بفاتحة الكتاب ونحوها ، فإن النفي إذا توجه إلى الذات أو إلى صحتها أفاد الشرطية ، إذ هي تأثير عدم الشرط في عدم المشروط ، وأصرح من مطلق النفي النفي المتوجه إلى الإجزاء .

والحاصل : أن شروط الشئ يقتضي عدمها عدمه وأركانه كذلك ، لأن عدم الركن يوجب عدم وجود الصورة المأمور بها على الصفة التي اعتبرها الشارع ، وما كان كذلك لا يجزيء الا أن يقوم دليل على أن مثل ذلك الركن لا يخرج الصورة المأمور بها عن كونها مجزئة ، كما يقول بعض أهل العلم في الاعتدال وقعود التشهد وإن كان الحق خلاف ما قال ، وأما الواجبات فغاية ما يستفاد من دليلها وهو مطلق الأمر أن تركها معصية لا أن عدمها يستلزم عدم الصورة المأمور بها ، إذا تقرر هذا لاح لك أن هذه الفروض المعدودة في هذا الباب متوافقة في ذات بينها ، والفرض والواجب مترادفان على ما ذهب إليه الجمهور وهو الحق ، وحقيقة الواجب ما يمدح فاعله ويذم تاركه ، والمدح على الغعل والذم على الترك لا يستلزمان البطلان بخلاف الشرط ، فإن حقيقته ما يستلزم عدمه عدم المشروط كما عرفت ، فاحفظ هذا التحقيق تنتفع به في مواطن وقع التفريع فيها مخالفاً للتأصيل ، وهو كثير الوجود في مؤلفات الفقهاء من جميع المذاهب ، وكثيراً ما تجد العارف بالأصول ، إذا تكلم في الفروع ، ضاقت عليه المسالك ، وطاحت عنه المعارف ، وصار كأحد الجامدين على علم الفروع ، إلا جماعة منهم وقليل ما هم وقليل من عبادي الشكور .

إلا قعود التشهد الأوسط لكونه لم يأت في الأدلة في ما يدل على وجوبه بخصوصه ، كما ورد في قعود التشهد الأخير ، فإن الأحاديث التي فيها الأوامر بالتشهد . قد اقترنت بما يفيد أن المراد التشهد الأخير ، فإن قلت : قد ذكر التشهد الأوسط في حديث المسيء ، كما في رواية لأبي داود من حديث رفاعة ولم يذكر فيه التشهد الأخير ، قلت : تقوم الحجة بمثل ذلك ، ولا يثبت به التكليف العام ، والتشهد الأخير وان لم يثبت ذكره في حديث المسيء ، فقد وردت به الأوامر ، وصرح الصحابة بافتراضه ، وقد أوضح ذلك شيخنا العلامة الشوكاني في حاشية الشفاء ايضاحاً حسناً فلتراجع .

والاستراحة لكونه لم يأت دليل يفيد وجوبها ، وذكرها في حديث المسيء وهم كما صرح بذلك البخاري .

ولا يجب من أذكارها أي الصلاة إلا التكبير لقوله تعالى : وربك فكبر ولقوله () في حديث المسيء : إذا قمت إلى الصلاة فكبر ولما ورد من أن تحريم الصلاة التكبير .

أقول : تعيين التكبير للدخول في الصلاة محكم صريح لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : لا يقبل الله صلاة أحدكم حتى يضع الوضوء مواضعه ثم يستقبل القبلة ويقول الله أكبر وبما تقدم من النصوص ، وهي نصوص في غاية الصحة ، فردت بالمتشابه من قوله تعالى : وذكر اسم ربه فصلى قال في الحجة : فإذا كبر يرفع يديه إلى أذنيه ومنكبيه وكل ذلك سنة اهـ .

أقول : إن الأدلة على هذه السنة قد تواترت تواتراً لا ينكره من له أدنى إلمام بعلم الأدلة ، واختصت باجتماع العشرة المبشرة بالجنة على روايتها ، ومعهم من الصحابة جماهير ، ونقل جماعة من الحفاظ أنه لم يقع الخلاف في ذلك بين الصحابة بل اتفقوا عليه .

والحاصل : أنه نقل إلينا هذه السنة الذين نقلوا إلينا أعداد ركعات الصلاة ، فإذا لم يثبت بمثل ما ورد فيها مشروعيتها فليس في الدنيا مشروع ، لأن كثيراً مما وقع الاطباق على مشروعيته ، وصار من قطعيات المرويات ، لم يبلغ إلى ما بلغ إليه نقل الرفع ، وليس في المقام ما يصلح لمعارضة هذه السنة ، لا من قوله () ولا من فعله ، ولا عن أصحابه من أقوالهم ولا من أفعالهم ، وقد درج عليها خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، وأما حديث البراء قال : رأيت رسول الله () إذا افتتح الصلاة رفع يديه ثم لم يعد فهو قد تضمن اثبات الرفع عند الإفتتاح ، ولفظ ثم لم يعد قد اتفق الحفاظ على أنه مدرج من قول يزيد بن أبي زياد ، وقد رواء عنه بدونها جماعة من الأئمة منهم : شعبة ، والثوري ، وخالد الطحان ، وزهير ، وغيرهم ، ومع هذا فالحديث من أصله قد أطبق الأئمة على تضعيفه ، وكما ثبت الرفع عند الافتتاح ، ثبت عند الركوع وعند الاعتدال منه بأحاديث تقارب أحاديث الرفع عند الافتتاح ، وكذلك ثبت الرفع عند القيام من التشهد الأوسط بأحاديث صحيحة كما سيأتي بيانه .

والفاتحة في كل ركعة لقوله () في حديث المسيء : ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن وفي لفظ من حديث المسيء لأبي داود : ثم اقرأ بأم القرآن وكذلك لفظ منه لأحمد ، وابن حبان بزيادة ، ثم اصنع ذلك في كل ركعة بعد قوله : ثم اقرأ بأم القرآن فكان ذلك بياناً لما تيسر ، وورد ما يفيد وجوب الفاتحة في غير حديث المسيء كأحاديث لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وهي صحيحة ، ويدل على وجوبها في كل ركعة ، ما وقع في حديث المسيء ، فإنه () وصف له ما يفعل في كل ركعة ، وقد أمره بقراءة الفاتحة ، فكانت من جملة ما يجب في كل ركعة ، كما أنه يجب فعل ما اقترن بها في كل ركعة ، بل ورد ما يفيد ذلك من لفظه () فإنه قال للمسيء : ثم افعل ذلك في الصلاة كلها وهو في الصحيح من حديث أبي هريرة ، قال ذلك بعد أن وصف له ما يفعل في الركعة الواحدة لا في جملة الصلاة، فكان ذلك قرينة على أن المراد بالصلاة كل ركعة تماثل تلك الركعة من الصلاة . قال في الحجة : وما ذكره النبي () بلفظ الركنية كقوله () لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب وقوله : لا يجزيء صلاة الرجل حتى يقيم ظهره في الركوع والسجود وما سمى الشارع الصلاة به ، فإنه تنبيه بليغ على كونه ركناً في الصلاة انتهى .

ولو كان مؤتماً فوجوب الفاتحة في كل ركعة على المؤتم ، لما ورد من الأدلة الدالة على أن المؤتم يقرأها خلف الإمام كحديث لا تفعلوا إلا بفاتحة الكتاب ونحوه ، ولدخول المؤتم تحت هذه الأدلة المقتضية لوجوب الفاتحة في كل ركعة على كل مصل . قال في الحجة البالغة : وان كان مأموماً وجب عليه الإنصات والإستماع ، فإن جهر الإمام لم يقرأ إلا عند الإسكاتة ، وإن خافت فله الخيرة ، فإن قرأ فليقرأ الفاتحة قراءة لا يشوش على الإمام وهذا أولى الأقوال عندي وبه يجمع بين أحاديث الباب انتهى . وفي تنوير العينين دلائل الجانبين فيه قوية ، لكن يظهر بعد التأمل في الدلائل ، أن القراءة أولى من تركها ، فقد عولنا فيه على قول محمد كما نقل عنه صاحب الهداية وتركنا الكلام . وقال ابن القيم في الأعلام : ردت النصوص المحكمة الصريحة الصحيحية في تعيين قراءة الفاتحة فرضاً بالمتشابه من قوله تعالى : فاقرؤوا ما تيسر منه وليس ذلك في الصلاة وإنما يدل على قيام الليل ، وبقوله للأعرابي : ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن وهذا يحتمل أن يكون قبل تعيين الفاتحة للصلاة ، وأن يكون الأعرابي لا يحسنها ، وأن يكون لم يسيء في قراءتها ، فأمره أن يقرأ معها ما تيسر من القرآن ، وأن يكون أمره بالاكتفاء بما تيسرعنها ، فهو متشابه يحتمل هذه الوجوه ، فلا يترك الصريح انتهى . وقال في إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء : روى البيهقي عن يزيد بن شريك : أنه سأل عمر عن القراءة خلف الإمام فقال : اقرأ بفاتحة الكتاب فقلت : وإن كنت أنت قال : وإن كنت أنا قلت : وإن جهرت ؟ قال : وإن جهرت قلت روى أهل الكوفة عن أصحاب عمر الكوفيين ، أن المأموم لا يقرأ شيئاً ، والجمع أن القبيح في الأصل ، أن ينازع الإمام في القرآن ، وقراءة المأموم قد تفضي إلى ذلك ، ثم أن اشتغال المأموم بمناجاة ربه مطلوب فتعارضت مصلحة ومفسدة ، فمن استطاع أن يأتي بالمصلحة بحيث لا تخدشها مفسدة فليفعل ، ومن خاف المفسدة ترك والله تعالى أعلم انتهى .

أقول : الأوجه هو الاتيان بفاتحة الكتاب خلف الإمام كما تشهد له أدلة السنة الصريحة من دون تعارض ، والأمر بالإنصات في قوله تعالى : أنصتوا عام يتناول فاتحة الكتاب وغيرها ، وكذلك حديث : وإذا قرأ فأنصتوا وإن كان فيه مقال لا ينتهض معه للاستدلال ، وعلى فرض انتهاضه فغاية ما فيه أنه اقتضي أن الإنصات حال قراءة الإمام يجب على المؤتم ، ولا يقرأ بفاتحة الكتاب ولا غيرها ، وأما حديث خلطتم على فلا يشك عارف أن خلط المؤتم على إمامه إنما يكون قرأ المؤتم جهراً ، وأما إذا قرأ سراً فلا خلط ، وكذلك المنازعة لا تكون إلا إذا سمع الإمام قراءة المؤتم ، وأما حديث جابر في هذا الباب فهو من قوله : ولم يرفعه إلى النبي () كما في الترمذي والموطأ وغيرهما ، وقول الصحابي لا تقوم به حجة ، فلم يبق ههنا ما يدل على منع قراءة المؤتم خلف اللإمام حال قراءته إلا الآية الكريمة وحديث إذا قرأ فانصتوا وهما عامان كما عرفت ، يتناولان فاتحة الكتاب وغيرها ، والعام معرض للتخصيص ، والمخصص وههنا موجود ، وهو حديث عبادة بن الصامت وهو حديث صحيح ، وبناء العام على الخاص واجب باتفاق أهل الأصول ، فلا معذرة عن قراءة فاتحة الكتاب حال قراءة الإمام ، ولا سيما وقد دل الدليل على وجوبها على كل مصل في كل ركعة من ركعات صلاته .

والتشهد الأخير واجب لورود الأمر به في الأحاديث الصحيحة وألفاظه معروفة ، وقد ورد بألفاظ من طريق جماعة من الصحابة ، وفي كل تشهد ألفاظ تخالف التشهد الآخر ، والحق الذي لا محيص عنه ، أنه يجزيء للمصلي أن يتشهد بكل واحد من تلك التشهدات . الخارجة من مخرج صحيح ، وأصحها التشهد الذي علمه النبي () ابن مسعود ، وهو ثابت في الصحيحين وغيرهما من حديثه بلفظ التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وفي بعض ألفاظه : إذا قعد أحدكم فليقل . قال في الحجة البالغة : وجاء في التشهد صيغ، أصحها تشهد ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، ثم تشهد ابن عباس وعمر رضي الله تعالى عنهما ، وهي كأحرف القرآن كلها كاف وشاف انتهى . قلت : اختار أبو حنيفة تشهد ابن مسعود ، والشافعي تشهد ابن عباس ، ومالك تشهد عمر ، واختلافهم في المختار لا في الأجزاء كذا في المسوى ، وأما الصلاة على النبي () التي يفعلها المصلي في التشهد ، فقد وردت بألفاظ ، وكل ما صح منه أجزأ ، ومن أصح ما ورد ما ثبت في الصحيح بلفظ اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد وزاد في الحجة اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد انتهى . قال الماتن في حاشية الشفاء : ومما ينبغي أن يعلم أن التشهد وألفاظ الصلاة على النبي () وآله عليهم السلاة ، كلها مجزئة إذا وردت من وجه معتبر ، وتخصيص بعضها دون بعض كما يفعله بعض الفقهاء ، قصور باع وتحكم محض ، وأما اختيار الأصح منها وإيثاره مع القول بأجزاء غيره ، فهو من اختيار الأفضل من المتفاضلات ، وهو من صنيع المهرة بعلم الإستدلال والأدلة انتهى . وقال في موضع آخر : التشهدات الثابتة عنه () موجودة في كتب الحديث ، فعلى من رام التمسك بما صح عنه () أن ينظرها في دواوين الإسلام الموضوعة لجمع ما ورد من السنة ، ويختار أصحها ويستمر عليه ، أو يعمل تارة بهذا وتارة بهذا ، مثلاً يتشهد في بعض الصلوات بتشهد ابن مسعود ، وفي بعضها بتشهد ابن عباس ، وفي بعضها بتشهد غيرهما ، فالكل واسع ، والأرجح هو الأصح ، لكن كونه الأصح ، لا ينافي اجزاء الصحيح انتهى . قلت : عامة أهل العلم على أن الصلاة على النبي () مستحبة في التشهد الأخير غير واجبة ، وإلى هذا يشير لفظ ابن عمر وعائشة في باب التشهد ، وإن التشهد الأول ليس محلاً لها ، وذهب الشافعي وحده إلى وجوبها في التشهد الأخير ، فإن لم يصل لم تصح صلاته ، وإلى استحبابها في التشهد الأول . وورد ما يفيد وجوب التعوذ من أربع كما أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله () : إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ بالله من أربع ، من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن شر فتنة المسيح الدجال وورد نحو ذلك من حديث عائشة وهو في الصحيحين وغيرهما . فيكون هذا التعوذ من تمام التشهد ، ثم يتخير المصلي بعد ذلك من الدعاء أعجبه ، كما أرشد إلى ذلك رسول الله () قال في الحجة : وورد في صيغ الدعاء في التشهد اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم وورد اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت .

والتسليم وهو واجب لكون النبي () جعله تحليل الصلاة فلا تحليل لها إلا به ، فأفاد ذلك وجوبه وإن لم يذكر في حديث المسيء ، قال في الحجة : وجب أن لا يكون الخروج من الصلاة إلا بكلام هو أحسن كلام الناس أعني السلام وأن يوجب ذلك انتهى ، قال ابن القيم : إن السنة الصحيحة الصريحة المحكمة عن النبي () التي رواها خمسة عشر نفساً من الصحابة ، أنه كان يسلم في الصلاة عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله ، السلام عليكم ورحمة الله منهم عبد الله بن مسعود بن أبي وقاص ، وجابر ابن سمرة ، وأبو موسى الأشعري ، وعمار بن ياسر ، وعبد الله بن عمر ، والبراء بن عازب ، ووائل بن حجر ، وأبو مالك الأشعري ، وعدي بن عمرة الضمري ، وطلق بن على ، وأوس بن أوس ، وأبو رمثة ، والأحاديث بذلك ما بين صحيح وحسن ، فرد ذلك بخمسة أحاديث مختلف في صحتها واردة في تسليمة واحدة انتهى . وقد أطال في الجواب عنها إلى خمسة أوراق فليرجع إليه ، قلت : وعامة أهل العلم على أنه يسلم تسليمتين عن يمينه وعن شماله ، واحتجوا بحديث عبد الله بن مسعود عن النبي () رواه أبو داود والترمذي ولفظه أن النبي () كان يسلم عن يمينه السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيمن ، السلام عليكم ورحمة الله حتى يرى بياض خده الأيسر رواه النسائي وأحمد وابن حبان والدارقطني وغيرهم ، وفي الباب عن سهل بن سعد وحذيفة ومغيرة بن شعبة وواثلة بن الأسقع ويعقوب بن الحسين ، ووقع في صحيح ابن حبان من حديث ابن مسعود زيادة وبركاته ، وهي عند ابن ماجه أيضاً ، وعند أبي داود أيضاً في حديث وائل بن حجر ، فالعجب من ابن الصلاح كيف يقول أن هذه الزيادة ليست في شئ من كتب الحديث إلا في رواية وائل بن حجر كذا في التلخيص ، وقال مالك يسلم الإمام والمنفرد تسليمة واحدة السلام عليكم لا يزيد على ذلك ، ويستحب للمأموم أن يسلم ثلاثاً عن يمينه وعن شماله وتلقاء وجهه بردها على إمامه كذا في المسوى .

أقول : ورود التسليمة الواحدة فقط لا يعارض الثابت مما فيه زيادة عليها ، وهي أحاديث التسلميتين لما عرفناك غير مرة ، ان الزيادة التي لم تكن منافية يجب قبولها فالقول بتسليمتين أعمال لجميع ما ورد ، بخلاف القول بتسليمة ، فإنه اهدار لأكثر الأدلة بدون مقتض ، وأما كون التسليم واجباً أو غير واجب ، فقد تقرر أن المرجع حديث المسيء ، وأنه لا وجوب لغير ما لم يذكر فيه إلا أن يثبت ايجابه بعد تاريخ حديث المسيء إيجاباً لا يمكن صرفه بوجه من الوجوه ، وأما الطمأنينة في حال الركوع والسجودين فلا خلاف في ذلك ، وأما في حال الاعتدال من الركوع وبي السجدتين فخالف في ذلك قوم ، والحق أنه من آكد فرائض الصلاة في الموطنين بل المشروع اطالتهما ، وقد ثبت عنه () ما يدل على ذلك كما في حديث البراء ، أنه حزر أركان صلاته () وعد من جملتها الاعتدال من الركوع والاعتدال بين السجدتين فوجدها قريباً من السواء ، وهذا يدل على أنه كان يلبث فيهما كما يلبث في الركوع والسجود ، وثبت أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقف في اعتداله من الركوع كاعتداله من السجود ، حتى يظن من رآه أنه قد نسي لإ طالته لهما . وثبت من أدعية فيهما ما يدل على طولهما .

فالحاصل : أن أصل الاطمئنان في الركوع والسجود والاعتدالين ركن من أركان الصلاة لاتتم بدونه ، وأما طول اللبث زيادة على الاطمئنان فمن السنن المؤكدة ، لأنه لم يدكر في حديث المسيء ، وقد صارت هذه السنة متروكة في الاعتدالة إلى غاية ، بل صار الاطمئنان فيهما مما يقل وجوده ، وما أحق من نازعته نفسه إلى اتباع الآثار المصطفوية أن يثبت معتدلاً من ركوعه ومعتدلاً من سجوده ويدعو بالأدعية المأثورة فيهما ويجعل مقدار اللبث كمقدار لبثه في الركوع والسجود ، فذلك هو السنة التي لا يجهل ورودها إلا جاهل والله المستعان .

سنن الصلاة

وما عدا ذلك فسنن لأنه لم يرد فيها ما يفيد وجوبها من أمر بالفعل أو نهي عن الترك غير مصروفين عن المعنى الحقيقي أو وعيد شديد يفيد الوجوب ، ولا ذكر شئ منها في حديث المسيء ، إلا على وجه لا تقوم به الحجة أو تقوم به ، وقد ورد ما يفيد أنه غير واجب .

والحاصل : أن مرجع واجبات الصلاة كلها هو حديث المسيء ، فما ذكره () فيه كان واجباً ، وما لم يذكره فليس بواجب ، لكن قد تشعبت روايات حديث المسيء وثبت في بعضها ما لم يثبت في البعض الآخر ، فعلى من أراد تحقيق الحق أن يجمع طرقه الصحيحة ، ويحكم بوجوب ما اشتملت عليه ، أو شرطيته أو ركنيته ، بحسب ما يقتضيه الدليل ، وما خرج عنه خرج عن ذلك ، وقد جمع ما صح من طرقه شيخنا الحافظ الرباني العلامة الشوكاني في شرح المنتقى في موضع واحد منه فمن رام ذلك فليرجع إليه .

وهي الرفع في المواضع الأربعة أي عند تكبيرة الإحرام ، وعند الركوع ، وعند الاعتدال من الركوع ، هذه الثلاثة المواضع في كل ركعة . والموضع الرابع عند القيام إلى الركعة الثالثة ، فقد دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة ، أما عند التكبير ، فقد روى ذلك عن النبي () نحو خمسين رجلاً من الصحابة ، منهم العشرة المبشرة بالجنة ، ورواه كثير من الأئمة عن جميع الصحابة من غير استثناء . وقال الشافعي : روى الرفع جمع من الصحابة لعله لم يرد قط حديث بعدد أكثر منهم . وقال ابن المنذر : لم يختلف أهل العلم أن رسول الله () كان يرفع يديه . وقال البخاري في جزء رفع اليدين : روى الرفع تسعة عشر نفساً من الصحابة . وسرد البيهقي في السنن وفي الخلافيات ، أسماء من روى الرفع نحواً من ثلاثين صحابياً . وقال الحسن وحميد بن هلال ، كان أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يرفعون أيديهم ولم يستثن أحداً منهم كذا في التلخيص. وقال النووي في شرح مسلم : إنها أجمعت على ذلك عند تكبيرة الإحرام ، وإنما اختلفوا فيما عدا ذلك ، وقد ذهب إلى وجوبه داود الظاهري ، وأبو الحسن أحمد بن سيار ، والنيسابوري والأوزاعي ، والحميدي ، وابن خزيمة وأما الرفع عند الركوع وعند الاعتدال منه فقد رواه زيادة على عشرين رجلاً من الصحابة عن النبي () ، وقال محمد بن نصر المروزي : أنه أجمع علماء الأمصار على ذلك إلا أهل الكوفة ، وأما الرفع عند القيام إلى الركعة الثالثة ، فهو ثابت في الصحيح من حديث ابن عمر ، وأخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه ، وصححه أيضاً أحمد بن حنبل من حديث على بن أبي طالب عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وفي حجة الله البالغة : فإذا أراد أن يركع رفع يديه حذو منكبيه ، وكذلك إذا رفع رأسه من الركوع ، ولا يفعل ذلك في السجود وهو من الهيئات التي فعلها النبي () مرة وتركها أخرى والكل سنة ، وأخذ بكل واحد جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، وهذا أحد المواضع التي اختلف فيها الفريقان : أهل المدينة ، وأهل الكوفة ، ولكل واحد أصل أصيل ، والحق عندي في مثل ذلك أن الكل سنة ونظيره الوتر بركعة واحدة ، أو بثلاث ، والذي يرفع أحب إلي ممن لا يرفع ، فإن أحاديث الرفع أكثر وأثبت ، غير أنه لا ينبغي لإنسان في مثل هذه الصور ، أن يثير على نفسه فتنة عوام بلده ، وهو قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لولا حدثان قومك بالكفر لنقضت الكعبة ولا يبعد أن يكون ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، ظن أن السنة المتقررة آخراً هو تركه لما تلقن ، من أن مبنى الصلاة على سكون الأطراف ، ولم يظهر له أن الرفع فعل تعظيمي ، ولذلك ابتديء به في الصلاة ، أو لما تلقن من أنه فعل ينبيء عن الترك ، فلا يناسب كونه في أثناء الصلاة ولم يظهر له أن تجديد التنبه لترك ما سوى الله تعالى عند كل فعل أصلي من الصلاة مطلوب والله تعالى أعلم ، قوله لا يفعل ذلك في السجود : أقول القومة شرعت فارقة بين الركوع والسجود ، فالرفع معها رفع للسجود ، فلا معنى للتكرار انتهى بحروفه ، وفي التكميل للشيخ رفيع الدين الدهلوي ولد صاحب الحجة البالغة ، اختلفوا في سنية رفع اليدين في الصلاة بعد التحريمة مع اتفاقهم على أنه لم يصح فيه أمر باستحباب ولا بيان فضيلة ، ولا نهى الصحابة عنه قط ، وعلى أنه ثبت عنه () فعله مدة ، إلا أنه زاد ابن مسعود فقال : ألا أصلي بكم صلاة رسول () فلم يرفع يديه إلا في أول مرة ، وظاهر أنه لم يرد تركه أبذاً ، وإنما أراد تركه آخراً ، كما يشعر به بعض ما ينقل عنه ، أن آخر الأمرين ترك الرفع ولا يدري مدة الترك ، فيحتمل أنه تركه في أيام المرض للضعف ، فظن قوم أن سنيته كانت بمجرد الفعل فبطلت بالترك ، وقوم أن الترك بعذر وبغير نهي لا ينفي السنية كترك القيام للفرض بالعذر فهي إذاً باقية ، فلا مناقشة للمجتهدين في أصل سنيته في الجملة ولا في بقاء جوازه ، وإان منعه بعض المتعصبة إذ ليس مما يخالف أفعال الصلاة لبقائة في التحريمة والقنوت والعيدين ، فلا نكير على فاعله لأحد بل فى بقاء سنيته بناء على الظنين ، فلا نزاع إلا في المواظبة والرجحان ، وحيث واظب عليه جمع بلغوا حد الاستفاضة فوق الشهرة ، ولم يتعرض () لفعلهم كما تعرض لرفع اليد في السلام حيث قال : ما بال أيديكم كأنها أذناب خيل شمس وهو () كان يرى خلفه كما يرى أمامه فثبت بقاء سنيته وتركه () أحياناً كما رواه ابن مسعود والبراء بن عازب ، وعدم التعرض لتاركه يقضي بسقوط تأكيده ، ولم يبلغ أبا حنيفة رح تعالى خبر هذا الجمع ، إنما روى له الأوزاعي عن ابن شهاب عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، فرجح عليه أبو حنيفة حماداً عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود بكثرة الفقه لا بكثرة الحفظ ، فكأنه ظن أنه تفطن ابن مسعود للنسخ دون ابن عمر حيث لم يرفع إلا في التحريمة بناء على أن السكوت في معرض البيان يفيد الحصر ، وما يذكر عن الشافعي من عدم الرفع عند قبره مشعر بعدم التأكيد انتهى . وفي تنوير العينين للشيخ محمد اسماعيل الشهيد الدهلوي حفيد صاحب حجة الله البالغة أن رفع اليدين عند الافتتاح والركوع والقيام منه والقيام إلى الثالثة سنة غير مؤكدة من سنن الهدي فيثاب فاعله بقدر ما فعل ، إن دائماً فبحسبه، وإن مرة فبمثله ، ولا يلام تاركه وإن تركه مدة عمره ، وأما الطاعن العالم بالحديث ، أي من ثبت عنده الأحاديث المتعلقة بهذه المسألة ، فلا أخاله إلا فيمن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدي ، ونريد بسنة الهدي ههنا فعل غير فرض ، وغير مختص بالنبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فعله هو والخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم ، أو أمروا به وأقروا عليه قربة ولم ينسخ ولم يترك بالاجماع ، وبغير المؤكدة ما فعلوه مرة وتركوه أخرى . فبقولنا فعل خرج به عدم الرفع ، فإن العدم ليس بفعل ، نعم إذا كان العدم مستمراً في زمان النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، والخلفاء الراشدين رضي الله تعالى عنهم ، فقطعه يكون بدعة ، وليس في مفهوم البدعة إزالة السنة حتى يلزم كون العدم سنة بل مفهومها فعل لم يفهم في زمنهم . وبقولنا غير فرض خرجت الفرائض كلها . وبقولنا غير مختص خرجت النوافل المختصة به صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كالوصال في الصوم . وبقولنا لم ينسخ خرجت السنن المنسوخة كالقيام للجنازة . وبقولنا لم يترك بالاجماع خرجت السنن المتروكة به كالرفع بين السجدتين انتهى . وفيما لا بد منه أن رفع اليدين عند الإمام الأعظم ليس بسنة ، ولكن أكثر الفقهاء والمحدثين يثبتونه انتهى . وفي سفر السعادة ، أن الأخبار والآثار التي رويت في هذا الباب تبلغ إلى أربعمائة انتهى . قال شارحه الشيخ عبد الحق الدهلوي : إن الرفع وعدم الرفع كلاهما سنة انتهى . وقد مر الجواب عنه . وفي سفر السعادة العربي ، وقد ثبت رفع اليدين في هذه المواضع الثلاثة ، ولكثرة رواته شابه المتواتر ، فقد صح في هذا الباب أربعمائة خبر وأثر رواه العشرة المبشرة ، ولم يزل على هذه الكيفية حتى رحل عن هذا العالم ، ولم يثبت غير هذا انتهى بعبارته . ونقل ابن الجوزي في نزهة الناظر للمقيم والمسافر عن المزني أنه قال : سمعت الشافعي يقول : لا يحل لأحد سمع حديث رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في رفع اليدين في افتتاح الصلاة ، وعند الركوع والرفع من الركوع ، أن يرتك الاقتداء بفعله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وهذا صريح في أنه يوجب ذلك انتهى .

وبالجملة : فقد ثبت رفع اليدين في المواضع الأربعة المذكورة بروايات صحيحة ثابتة ، وآثار مرضية راجحة ، ومذاهب حقة صادقة عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وعن كبراء الصحابة ، وعظماء العلماء والفقهاء والمجتهدين بحيث لا يشوبها نسخ ولا تعارض ، حتى ادعى بعضهم التواتر ، ولا أقل من أن تكون مشهورة كذا في التنوير .

والضم لليدين أي اليمنى على اليسرى حال القيام إما على الصدر أو تحت السرة أو بينهما بأحاديث تقارب العشرين في العدد ، ولم يعارض هذه السنن معارض ، ولا قدح أحد من أهل العلم بالحديث في شيء منها ، وقد رواه عن النبي () نحو ثمانية عشر صحابياً ، حتى قال ابن عبد البر : أنه لم يأت فيه عن النبي () خلاف ، وفي تنوير العينين أن وضع اليد على الأخرى أولى من الإرسال ، لأن الإرسال لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أصحابه ، بل ثبت الوضع بروايات صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وعن أصحابة رضي الله تعالى عنهم ، كما روى مالك في الموطأ ، والبخاري في صحيحه عن سهل بن سعد قال : كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة قال أبو حازم : لا أعلم إلا أنه ينمى ذلك إلى النبي () . وروى الترمذي عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال : كان رسول الله () يؤمنا فيأخذ شماله بيمينه قال الترمذي : وفي الباب عن وائل بن حجر ، وغطيف بن الحرث ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وسهل بن سعد قال أبو عيسى : حديث هلب حديث حسن ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي () والتابعين ومن بعدهم يرون أن يضع الرجل يمينه على شماله في الصلاة ، ورأى بعضهم أن يضعهما فوق السرة ، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة وكل ذلك واسع عندهم انتهى . كذلك أخرج مسلم عن وائل بن حجر ، وابن مسعود ، والنسائي عن وائل بن حجر ، والبخاري والحاكم عن على ، وابن أبي شيبة عن غطيف بن الحرث ، وقبيصة بن هلب عن أبيه ، ووائل بن حجر وعلي وأبي بكر الصديق وأبي الدرداء أنه قال : من أخلاق النبيين وضع اليمين على الشمال في الصلاة وعن الحسن أنه قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : كأني أنظر أحبار بني إسرائيل واضعي ايمانهم على شمائلهم في الصلاة وهكذا أخرج عن أبي مجلز ، وأبي عثمان النهدي ، ومجاهد ، وأبي الحوراء ، وأما ما روي من الإرسال عن بعض التابعين من نحو الحسن ، وإبراهيم ، وابن المسيب ، وابن سيرين ، وسعيد بن جبير ، كما أخرجه ابن أبي شيبة ، فإن بلغ عندهم حديث الوضع فمحمول على أنه لم يحسبوه سنة من سنن الهدي ، بل حسبوه عادة من العادات فمالوا إلى الإرسال لأصالته مع جواز الوضع ، فعملوا بالإرسال بناء على الأصل ، إذا الوضع أمر جديد يحتاج إلى الدليل ، وإذ لا دليل لهم ، فاضطروا إلى الإرسال ، لا أنه ثبت عندهم الإرسال ، وإلى ذلك يشير قول ابن سيرين حيث سئل عن الرجل يمسك بيمينه شماله قال : إنما فعل ذلك من أجل الروم كما أخرج ابن أبي شيبة . وأما ما أخرج أبو بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن إبراهيم قال : سمعت عمرو بن دينار قال : كان ابن الزبير إذا صلى يرسل يديه ، فهي رواية شاذة مخالفة لما روى الثقات عنه ، كما أخرج أبو داود عن زرعة بن عبد الرحمن قال : سمعت ابن الزبير يقول : صف القدمين ووضع اليد على اليد من السنة وان سلم السنة ، وقول الصحابي من السنة في حكم الرفع كما حقق في كتب أصول الحديث ، ومع هذا لعله لم ير الوضع من سنن الهدي وفهم الصحابي ليس بحجة كما مضى ، لا سيما إذا كان مخالفاً لأجلة الصحابة كأميري المؤمنين أبي بكر الصديق وعلى المرتضي وابن عباس وابن مسعود وسهل بن سعد ونحوهم ، على أنها مخالفة للأحاديث المرفوعة المشهورة ، وأعمال الصحابة المستفيضة في باب الوضع فينبغي أن لا يعول على الاعتبار ولا يلتفت إليها ، وأما مالك بن أنس فقد اضطربت الروايات عنه ، فالمدنيون من أصحابه رووا عنه أمر الوضع مطلقاً ، سواء كان في الفرض أو النفل ، كما يشهد به حديث الموطأ عن سهل بن سعد ، وأثره عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري ، والمصريون من أصحابه رووا عنه الإرسال في الفرض والوضع في النفل ، وعبد الرحمن بن القاسم روي عنه الإرسال مطلقاً ، وروى أشهب عنه إباحة الوضع ، وتلك الروايات ، أي روايات المصريين وابن القاسم عنه ،وأن عمل بها المتأخرون من المالكلية ، لكنها روايات شاذة مخالفة لرواية جمهور أصحابه ، فلا تخرق الإجماع والإتفاق ، ولا تصادم ما أدعينا من الأطباق ، ولكونها شاذة أولها ابن الحاجب في مختصره في الفقه بالإعتماد على الأرض إذا رفع رأسه من السجدة ونهض إلى القيام ، ووضع اليدين تحت السرة وفوقها متساويان ، لأن كلاً منهما مروي عن أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم . أخرج أبو داود وأحمد وابن أبي شيبة عن علي السنة وضع الكف في الصلاة تحت السرة رواه رزين وغيره ، وفي سفر السعادة وضع الكف تحت الصدر في صحيح ابن خزيمة ، قال الترمذي : رأى بضعهم أن يضعهما فوق السرة ، ورأى بعضهم أن يضعهما تحت السرة ، وكل ذلك واسع عندهم كما ذكرنا سابقاً ، وقال الشيخ ابن الهمام : ولم يثبت حديث صحيح يوجب العمل في كون الوضع تحت الصدر ، وفي كونه تحت السرة . والمعهود من الحنفية هو كونه تحت السرة . وعن الشافعية تحت الصدر . وعند أحمد قولان كالمذهبين . والتحقيق المساواة بينهما كما ذكرنا سابقاً والله تعالى أعلم بأحكامه انتهى . وقال ابن القيم في أعلام الموقعين بعد تخريج الأخبار والآثار في وضع اليمنى على اليسرى : ردت هذه الآثار برواية ابن القاسم عن مالك قال : تركه أحب إلى ولا أعلم شيئاً ردت به سواه انتهى . وفي حاشية الشفاء ، ومن الغرائب أنها صارت في هذه الديار ، وفي هذه الأعصار عند العامة ومن يشابههم ممن يظن أنه قد ارتفع عن طبقتهم من أعظم المنكرات ، حتى أن المتمسك بها يصير في إعتقاد كثير في عداد الخارجين عن الدين ، فترى الأخ يعادي أخاه والوالد يفارق ولده إذا رآه يفعل واحدة منها أي من هذه السنن وكأنه صار متمسكاً بدين آخر ومنتقلاً إلى شريعة غير الشريعة التي كان عليها ، ولو رآه يزني ، أو يشرب الخمر ، أو يقتل النفس ، أو يعق أحد أبويه ، أو يشهد الزور ، أو يحلف الفجور ، لم يجر بينه وبينه من العداوة ما يجري بينه وبينه بسبب التمسك بهذه السنن أو ببعضها ، لا جرم هذه علامات آخر الزمان ودلائل حضور القيامة وقرب الساعة انتهى . والإشارة بقوله بهذه السنن إلى رفع اليدين في المواضع الأربعة ، وضم اليدين في الصلاة قال : وأعجب من فعل العامة الجهلة وأغرب سكوت علماء الدين وأئمة المسلمين عن الإنكار على من جعل المعروف منكراً والمنكر معروفاً وتلاعب بالدين وبسنة سيد المرسلين انتهى .

والتوجه فقد وردت فيه أحاديث بألفاظ مختلفة ، ويجزيء التوجه بواحد منها إذا خرج من مخرج صحيح ، وأصحها الإستفتاح المروي من حديث أبي هريرة ، وهو في الصحيحين وغيرهما ، بل قد قيل إنه تواتر لفظاً وهو اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد قال في الحجة : وقد صح في ذلك صيغ منها اللهم باعد بيني إلى آخره ، ومنها أني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ومنها سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ومنها الله أكبر كبير ثلاثاً ، الحمد لله كثيراً ثلاثاً ، وسبحان الله بكرة وأصيلاً ثلاثاً والأصل في الاستفتاح حديث على في الجملة ، وأبي هريرة وعائشة وجبير بن مطعم وابن عمر وغيرهم ، وحديث عائشة وابن مسعود وأبي هريرة وثوبان وكعب بن عجرة في سائر المواضع ، وغير هؤلاء انتهى ملخصاً . قلت : ذهب الشافي في دعاء الإفتتاح إلى حديث علي رضي الله تعالى عنه أني وجهت وجهي إلخ ، وأبو حنيفة إلى حديث عائشة سبحانك اللهم وبحمدك إلخ وقال مالك : لا نقول شيئاً من ذلك ، ومعنى قوله عندي أنه ليس بسنة لازمة ، وأشار البغوي إلى أن الإختلاف في أذكار الصلاة من دعاء الإفتتاح ، وذكر الركوع والسجود وما بعد التشهد بين الأئمة من الإختلاف المباح ، فذكر كل أصح ما عنده ، وليس أحد ينكر ما عند الآخر .

بعد التكبيرة لأنه لم يأت في ذلك خلاف النبي () بل كل من روي عنه الإستفتاح روى أنه بعد التكبيرة ، ولم يأت في شئ أنه توجه قبلها ، وقد أوضح ذلك العلامة الشوكاني في حاشية الشفاء ، وأما ما يتوجه به فهو الذي قد ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وفيه الصحيح والأصح ، والوقوف على ذلك ممكن بالنظر في مختصر من مختصرات الحديث ، وسبحان الله وبحمده مافعلت هذه المذاهب بأهلها .

و أما التعوذ فقد ثبت بالأحاديث الصحيحة أن النبي () يفعله بعد الإستفتاح قبل القراءة ولفظه أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه كما أخرجه أحمد وأهل السنن من حديث أبي سعيد الخدري ، قال في الحجة : ثم يتعوذ لقوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم وفي التعوذ صيغ منها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومنها استعيذ بالله من الشيطان الرجيم ثم يبسمل سراً لما شرع الله تعالى لنا من تقديم التبرك بإسم الله تعالى على القراءة ، ولأن فيه احتياطاً . إذ قد اختلفت الرواية هل هي آية من الفاتحة أم لا ، فقد صح عن النبي () أنه كان يفتتح الصلاة أي القراءة بالحمد لله رب العالمين ولا يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم انتهى .

أقول : قد وقع الخلاف في البسملة من جهات : الأولى في كونها قرآناً في كل سورة أم لا . الثانية في قراءتها في الصلاة ، أو سراً في السرية وجهراً في الجهرية . ولأهل العلم في كل طرف من هذه الأطراف خلاف طويل ومنازعات كثيرة ، والقراء منهم من يقرؤها في أول كل سورة ومنهم من لا يقرؤها ، وقد أورد شيخنا العلامة الشوكاني في شرح المنتقى ما لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره .

والحاصل : أن الحق ثبوت قراءتها وأنها آية من كل سورة ، وأنها تقرأ في الصلاة جهراً في الجهرية وسراً في السرية في السرية . وأحاديث عدم سماع جهره () بها وإن كانت صحيحة ، فالجمع بينها وبين أحاديث الجهر ممكن بأن يحمل نفي من نفى على أنه عرض له مانع عن سماعها ، فإن وقت قراءة الإمام لها وقت إشتغال المؤتم بالدخول في الصلاة والإحرام والتوجه وتكبير القائمين إلى الصلاة ، ورواة الأسرار هم مثل أنس وعبد الله بن مغفل وهم إذ ذاك من صغار الصحابة قد لا يقفون في الصفوف المتقدمة لأنها موقف كبار الصحابة ، كما ورد الدليل بذلك ، وعلى كل تقدير فالمثبت مقدم على النافي ، وأحاديث الجهر وإن كانت غير سليمة من المقال ، فهي قد بلغت في الكثرة إلى حد يشهد بعضها لبعض مع كونها معتضدة بالرسم في المصاحف ، وهو دليل علمي كما قاله العضد وغيره ، فقد وافقت سائر الآيات القرآنية في ذلك ، فالظاهر مع من قال بأن صفتها وصفة سائر الآيات متفقة ، وأما ما في تنوير العينين من أن ترك الجهر بالتسمية أولى من الجهر بها ، لأن رواية ترك جهره أكثر وأوضح من جهره انتهى فقد دفعه ما تقدم آنفاً .

و أما التأمين فقد ورد به نحو سبعة عشر حديثاً ، وربما تفيد أحاديثه الوجوب على المؤتم إذا أمن إمامه ، كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما بلفظ إذا أمن الإمام فأمنوا فيكون ما في المتن مقيداً بغير المؤتم إذا أمن إمامه ، وقد ذهب إلى مشروعيته جمهور أهل العلم ، ومما يؤكد مشروعيته أن فيه إغاظة لليهود ، لما أخرجه أحمد وابن ماجه والطبراني من حديث عائشة مرفوعاً ما حسدتكم اليهود على شئ ما حسدتكم على قول آمين قال ابن القيم في أعلام الموقعين : السنة المحكمة الصحيحة الجهر بآمين في الصلاة كقوله في الصحيحين : إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه أمين الملائكة غفر له ولولا جهره بالتأمين لما أمكن المأموم أن يؤمن معه ويوافقه في بالتأمين . وأصرح من هذا حديث سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل ، عن حجر ابن عنبس ، عن وائل بن حجر قال : كان رسول الله () إذا قال ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته وفي لفظ وطول بها رواه الترمذي وغيره وإسناده صحيح ، وقد خالف شعبة سفيان في هذا الحديث فقال : وخفض بها صوته وحكم أئمة الحديث وحفاظه في هذا لسفيان فقال الترمذي : سمعت محمد بن اسماعيل يقول : حديث سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل في هذا الباب أصح من حديث شعبة ، وأخطأ شعبة في هذا الحديث في مواضع ، فقال عن حجر أبي العنبس وإنما كنيته أبو السكن ، وزاد فيه عن علقمة بن وائل ، وإنما هو حجر بن عنبس عن وائل بن حجر ليس فيه علقمة وقال : وخفض بها صوته والصحيح أنه جهر بها قال الترمذي : سألت أبا زرعة عن حديث سفيان وشعبة إذا اختلفا فقال : القول قول سفيان ، إلى قوله : فرد هذا كله بقوله تعالى وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا والذي نزلت عليه هذه الآية هو الذي رفع صوته بالتأمين ، والذين أمروا بها رفعوا به أصواتهم ، ولا معارضة بين هذه الآية والسنة بوجه ما أهـ . ثم أطال ابن القيم في بيان أدلة ترجيح هذه السنة وتقريرها ، تركنا ذكرها مخافة الإطالة ، وفي تنوير العينين يظهر بعد التعمق في الروايات والتحقيق أن الجهر بالتأمين أولى من خفضه ، لأن رواية جهره أكثر وأوضح من خفضه اهـ.

وقراءة غير الفاتحة معها لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي قتادة أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يقرأ في الظهر في الأوليين بأم الكتاب وسورتين ، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب وورد ما يشعر بوجوب قرآن مع الفاتحة من غير تعيين ، كحديث أبي هريرة أن النبي () أمره أن يخرج فينادي لاصلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد أخرجه أحمد وأبو داود وفي إسناده مقال ، ولكنه قد أخرج مسلم في صحيحه وغيره من حديث عبادة بن الصامت بلفظ لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعداً وقد أعلها البخاري في جزء القراءة ، وأخرج أبو داود من حديث أبي سعيد بلفظ أمرنا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر قال ابن سيد الناس : وإسناده صحيح ورجاله ثقات . وقال الحافظ ابن حجر : إسناده صحيح . وأخرج ابن ماجة من حديث أبي سعيد بلفظ لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد وسورة وهو حديث ضعيف . وهذه الأحاديث لا تقصر عن إفادة ايجاب قرآن مع الفاتحة من غير تقييد بل مجرد الآية الواحدة يكفي ، وأما زيادة على ذلك كقراءة سورة مع الفاتحة في كل ركعة من الأوليين فليس بواجب ، فيكون ما في المتن مقيداً بما فوق الآية . قال في الحجة البالغة : ثم يرتل سورة الفاتحة وسورة من القرآن ترتيلاً ، يمد الحروف ويقف على رؤس الآي ، يخافت في الظهر والعصر ، ويجهر الإمام في الفجر والمغرب والعشاء ، ويقرأ في الفجر ستين آية إلى مائة تداركاً لقلة ركعاته بطول قراءته ، وفي العشاء سبح اسم ربك الأعلى * والليل إذا يغشى ومثلهما ، وحمل الظهر على الفجر ، والعصر على العشاء ، وفي بعض الروايات الظهر على العشاء والعصر على المغرب ، وفي بعضها وفي المغرب بقصار المفصل لصيق الوقت انتهى .

و أما التشهد الأوسط فلم يرد فيه ألفاظ تخصه ، بل يقول فيه ما يقول في التشهد الأخير ، ولكنه يسرع بذلك . وفي حاشية الشفاء للشوكاني رح وأما ما يقال فيه فهو ما يقال في التشهد الأخير سواء بسواء ، إلا ما ورد تخصيصه بالآخر فيختص به . وظاهر الأدلة الواردة في التشهد شامل للتشهدين جميعاً ، إلا أنه ينبغي تخفيفه كما ورد الدليل بذلك ، وأقل ما يقال فيه تشهد ابن مسعود ، ويضم إليه الصلاة على النبي وآله () بأخصر لفظ ، فهذا لا ينافي التخفيف المشروع انتهى . وقد روي أحمد والنسائي من حديث ابن مسعود قال : إن محمداً قال إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فليدع به ربه عز وجل ورجاله ثقات . وأخرجه الترمذي بلفظ علمنا رسول الله () إذا قعدنا في الركعتين فالتقييد بالقعود في كل ركعتين ، يفيد أن هذا التشهد هو التشهد الأوسط ، ولكن ليس فيه ما ينفي زيادة الصلاة على النبي () ، وقد شرعها رسول الله () في التشهد مقترنة بالسلام على النبي () ، كما ورد بلفظ قد علمنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة وهو في الصحيحين من حديث كعب بن عجرة ، وفي رواية من حديث ابن مسعود فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا ؟ وإنما لم يكن التشهد الأوسط واجباً ولا قعوده ، لأن النبي () تركه سهواً فسبح الصحابة ، فلم يعد له بل استمر وسجد للسهو ، فلو كان واجباً لعاد له عند ذهاب السهو بوقوع التنبيه من الصحابة ، فلا يقال : أن سجود السهو يكون لجبران الواجب كما يكون لجبران غير الواجب ، لأنا نقول : محل الدليل ههنا هو عدم العود لفعله بعد التنبيه على السهو ،

أقول : لا ريب أنه () لازم التشهد الأوسط ، ولم يثبت في حديث من الأحاديث الحاكية لفعله () أنه تركه مرة واحدة ، ولكن هذا القدر لا يثبت به الوجوب وإن كان بياناً لمجمل واجب ، وانضم إليه حديث صلوا كما رأيتموني أصلي لأن الاقتصار في حديث المسيء بعض ما كان يفعله دون بعض ، يشعر بعدم وجوب ما لم يذكر فيه ، وأحاديث التشهد الصحيحة التي فيها لفظ قولوا ، وأن كان أصل الأمر للوجوب ، لكنه مصروف عن حقيقته بحديث المسيء ، ويشكل على ذلك قول ابن مسعود : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد الحديث . . فإن هذه العبارة على أن التشهد من المفترضات ، ويمكن أن يقال : إن فهم ابن مسعود للفرضية لا يستلزم أن يكون الأمر كذلك ، لأنه من مجالات الاجتهادات ، واجتهاده ليس بحجة على أحد ، وأيضاً بعض التشهد تعليم كيفية ، وتعليم الكيفيات وإن كان بلفظ الأمر لا يدل على وجوبها ، وما نحن بصدده من ذلك ، فإنه وقع في جواب كيف نصلي عليك ، وإنما كان كذلك ، لأن جواب السائل عن الكيفية يكون بالأمر وإن كانت غير واجبة إجماعاً تقول كيف أغسل ثوبي وأحمل متاعي ، فيقول المسؤول افعل كذا ، غير مريد لا يجاب ذلك عليك ، بل لمجرد التعليم للهيئة المسؤول عنها بكيف ، فلا بد أن يكون الشئ المسؤل عن كيفيته قد وجب بدليل آخر غير تعليم الكيفية ، وقد وقع في بعض طرق حديث المسيء ذكر للتشهد فراجعه في الموطن ، فإن صحت تلك الطرق كانت هي المفيدة للوجوب ، وأما حديث إذا أحدث المصلي بعد آخر سجدة فليس مما تقوم به الحجة فليعلم .

و أما الأذكار الواردة في كل ركن فكثيرة جداً منها : تكبير الركوع والسجود ، والرفع والخفض ، كما دل عليه حديث ابن مسعود قال : رأيت النبي () يكبر في كل رفع وخفض ، وقيام وقعود وأخرجه أحمد والنسائي والترمذي وصححه . وأخرج نحوه البخاري ومسلم من حديث عمران بن حصين . وأخرج نحوه من حديث أبي هريرة ، وفي الباب أحاديث إلا عند الإرتفاع من الركوع ، فإن الإمام والمنفرد يقولان : سمع الله لمن حمده والمؤتم يقول : اللهم ربنا ولك الحمد وهو في الصحيح من حديث أبي موسى . قال في حاشية الشفاء : الظاهر من الأدله أن الإمام والمنفرد يجمعان بين السمعلة والحمدلة فيقولان : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه وأما المؤتم ففيه احتمال ، وقد أوضحت الصواب فيه في شرح المنتقى انتهى . قال ابن القيم في الأعلام : السنة الصريحة في قول الإمام ربنا لك الحمد كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة كان رسول الله () إذا قال سمع الله لمن حمده قال : اللهم ربنا لك الحمد وفيهما أيضاً عنه كان رسول الله () يكبر حين يقوم ، ثم يكبر حين يركع ، ثم يقول سمع الله لمن حمده حين يرفع صلبه من الركعة ، ثم يقول وهو قائم ربنا لك الحمد وفي صحيح مسلم عن ابن عمر أن النبي () كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : سمع الله لمن حمده اللهم ربنا لك الحمد فردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله () إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد انتهى . وأما ذكر الركوع فهو سبحان ربي العظيم وذكر السجود سبحان ربي الأعلى ويدعو بعد ذلك بما أحب من المأثور وغيره ، وأقل ما يستحب من التسبيح في الركوع والسجود ثلاث ، لحديث ابن مسعود أن النبي () قال : إذا ركع أحدكم فقال في ركوعه سبحان ربي العظيم ثلاث مرات فقد تم ركوعه وذلك أدناه ، وإذا سجد فقال في سجوده سبحان ربي الأعلى ثلاث مرات فقد تم سجوده وذلك أدناه أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجة وفي اسناده انقطاع ، وأما ذكر الاعتدال فقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع قال : اللهم ربنا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض ، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شئ ، بعد أهل الثناء والمجد ، أحق ما قال العبد ، وكلنا لك عبد ، لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ، ولا ينفع ذا الجد منك الجد وأما الذكر بين السجدتين فقد روى الترمذي وأبو داود وابن ماجة والحاكم وصححه من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يقول بين السجدتين : اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني

أقول : قد بين لنا () كيفية تسبيح الركوع والسجود بياناً شافياً ، نقله لنا عنه الذين نقلوا إلينا سائر الأحكام الشرعية ، فقالوا كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم وفي سجوده سبحان ربي الأعلى وكذلك أرشد إليه () قولاً . وأما التقييد بعدد مخصوص فلم يرد ما يدل عليه ، إنما كان الصحابة يقدرون لبثه في ركوعه وسجوده تقادير مختلفة ، والتطويل في الصلاة من السنن الثابتة ما لم يكن المصلي إماماً لقوم ، فإنه يصلي بهم صلاة أخفهم كما أرشد إليه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم .

والأحاديث في الأذكار الكائنة في الصلاة كثيرة جداً فينبغي الاستكثار من الدعاء في الصلاة .

بخيري الدنيا والآخرة بما ورد وبما لم يرد والأولى أن يأتي بهذه الأذكار قبل الرواتب ، فإنه جاء في بعض الأذكار ما يدل على ذلك كقوله : من قال قبل أن ينصرف ويثني رجله من صلاة المغرب والصبح لا إله إلا الله الخ . وكقول الراوي كان إذا سلم من صلاته يقول بصوته الأعلى : لا إله إلا الله الخ . قال ابن عباس كنت أعرف انقضاء صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بالتكبير وفي بعضها ما يدل ظاهراً كقوله : دبر كل صلاة وأما قول عائشة : كان إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول : اللهم أنت السلام الخ . فيحتمل وجوهاً ذكرتها في شرح بلوغ المرام . وبالجملة : فالأدعية كلها بمنزلة أحرف القرآن ، من قرأ منها شيئاً فاز بالثواب الموعود ، وهذا الباب يحتمل البسط ، وليس المراد هنا إلا الإشارة إلى ما يحتاج إليه ، وقد ذكر الماتن هذه المسائل والأذكار في شرح المنتقى ، وأورد كل ما يحتاج إليه على وجه لا يحتاج الناظر فيه إلى غيره .

مبطلات الصلاة

فصل فيما لا يجوز في الصلاة

وتبطل الصلاة بالكلام لحديث زيد بن أرقم في الصحيحين وغيرهما قال : كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل منا صاحبه حتى نزلت وقوموا لله قانتين فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وهكذا حديث ابن مسعود في الصحيحين وغيرهما بلفظ إن في الصلاة لشغلاً وفي رواية لأحمد والنسائي وأبي داود وابن حبان في صحيحه أن الله يحدث من أمره ما شاء وأنه أحدث من أمره أن لا يتكلم في الصلاة ولا خلاف بين أهل العلم أن من تكلم عامداً عالماً فسدت صلاته ، وإنما الخلاف في كلام الساهي ومن لم يعلم بأنه ممنوع ، فأما من لم يعلم فظاهر حديث معاوية بن الحكم السلمي الثابت في الصحيح أنه لا يعيد ، وقد كان شأنه () أن لا يحرج على الجاهل ولا يأمره بالقضاء في غالب الأحوال ، بل يقتصر على تعليمه وعلى اخباره بعدم جواز ما وقع منه ، وقد يأمره بالإعادة كما في حديث المسيء . وأما كلام الساهي والناسي فالظاهر أنه لا فرق بينه وبين العامد العالم في إبطال الصلاة ، قال أبو حنيفة : كلام الناسي يبطل الصلاة ، وحديث أبي هريرة كان قبل تحريم الكلام ثم نسخ وفيه بحث ، لأن تحريم الكلام كان بمكة ، وهذه القصة بالمدينة . وقال الشافعي : كلام الناسي لا يبطل الصلاة ، وكلام العامد يبطلها ولو قل ، وتأويل الحديث عنده أن النبي () كان ناسياً ، بانياً كلامه على أن الصلاة تمت وهو نسيان ، وكلام ذي اليدين على توهم قصر الصلاة فكان حكمه حكم الناسي ، وكلام القوم كان جوابا للرسول ، واجابة الرسول لا تبطل الصلاة ، وقال مالك : إن كان الكلام العمد يسيراً لإصلاح الصلاة لا يبطل مثل أن يقال : لم تكمل ، فيقول : قد أكملت ، وحديث نهينا عن الكلام ولا تكلموا خص منه هذا النوع من الكلام كذا في المسوى . أقول أما فساد صلاة من تكلم ساهياً فلا أعرف دليلاً يدل عليه ، إلا عموم حديث النهي عن الكلام ، وهو مخصص بمثل حديث تكلمه () بعد أن سلم على ركعتين ، كما في حديث ذي اليدين ، فإنه تكلم في تلك الحال ساهياً عن كونه مصلياً ، وهو المراد بكلام الساهي ، لان المراد اصدار الكلام من غير قصد ، فإن قيل إن ثم فرقا بين من تكلم وهو داخل الصلاة لم يخرج منها ، وبين من تكلم وقد خرج منها ساهياً ، فإن الأول أوقع الكلام حال الصلاة والآخر أوقعه خارجها ، واعتداده بما قد فعله قبل الخروج ساهياً ، لا يوجب كونه بعد الخروج قبل الرجوع في صلاة ، وأدل دليل على ذلك تكبيره للدخول بعد الخروج سهواً ، فيقال : الأدلة لواردة في رفع الخطاب عن الساهي مخصصة لذلك العموم ، فاقتضى ذلك أن المفسد هو كلام العامد لا كلام الساهي . وأما عدم أمره لمعاوية بن الحكم بالإعادة كما في الحديث ، فيمكن أن يكون لتنزيل كلام الجاهل بالتحريم منزلة كلام الساهي ، ويمكن أن يكون الجهل عذراً بمجرده .

وبالاشتغال بما ليس منها وذلك مقيد بأن يخرج به المصلي عن هيئة الصلاة كمن يشتغل مثلاً يخياطة أو نجارة أو مشي كثير أو التفات طويل أو نحو ذلك ، وسبب بطلانها بذلك أن الهيئة المطلوبة من المصلي قد صارت بذلك الفعل متغيرة عما كانت عليه ، حتى صار الناظر لصاحبها لا يعده مصلياً .

أقول : اختلفت أنظار أهل العلم في تعريف الفعل الكثير المفسد للصلاة والمبطل لها ، والذي أراه طريقاً إلى معرفة الفعل الكثير ، أن ينظر المتكلم في ذلك إلى ما صدر منه () من الأفعال ، مثل حمله لأمامة بنت أبي العاص ، وطلوعه ونزوله في المنبر وهو في حال الصلاة ، ونحو ذلك مما وقع منه () لا لإصلاح الصلاة فيحكم بأنه غير كثير ، وكذلك ما وقع لقصد اصلاح الصلاة مثل خلعه () للنعل ، واذنه بمقاتلة الحية وما أشبة ذلك ، ينبغي الحكم بأنه غير كثير بالأولى ، وما خرج عن الواقع من أفعاله والمسوغ بأقواله فهو فعل غير مشروع ، ورجع في كونه مفسداً وغير مفسد إلى الدليل، فإن ورد ما يدل على أحد الطرفين كان العمل عليه ، وإن لم يرد فالأصل الصحة ، والفساد خلاف الأصل لا يصار إليه إلا لقيام دليل يدل على الفساد ، ولكنه إذا صدر من المصلي من الأفعال التي لمجرد العبث ما يخرج به عن هيئة من يؤدي هذه العبادة مثل : أن يشتغل بعمل من الأعمال التي لا مدخل لها في الصلاة ولا في إصلاحها نحو : حمل الأثقال ، والخياطة ، والنسخ ونحو ذلك ، فهذا غير مصل ، فإذا قال قائل بفساد صلاته ، فهو من حيث أنه قد فعل ما ينافي الصلاة . وأما الاستدلال بحديث اسكتوا في الصلاة فهو مع كونه لا يفيد إلا الوجوب ، والواجب لا يستلزم عدمه فساد ما هو واجب فيه مخصص بجميع ما فعله () أو أذن به أو قرره ، وما خرج عن ذلك ففعله غير جائز ، بل يجب تركه فقط ، فمن تركه كان ممدوحاً ، ومن فعله كان مذموماً ، ومن قال إن الأمر بالشئ نهي عن ضده ، والنهي يقتضي الفساد ، كما هو مذهب طائفة من أهل الأصول ، فغاية ما هناك أن ذلك الفعل الذي فعله ولم يتركه كما يجب عليه فاسد ، وأما كون الصلاة التي فعل فيها ذلك الفعل فاسدة فشئ آخر ، قال مجد الدين الفيروز ابادي في الصراط المستقيم : ولسماع بكاء الطفل كان يخفف الصلاة ، وأحياناً كان يتعلق به وهو في الصلاة طفل فيحمله على عاتقه ، وأحياناً كان يأتي الحسين وهو في السجود ، فيركب على ظهره المبارك ، فيطيل السجود لأجله ، وأحياناً كانت عائشة تأتي وهو في الصلاة وقد غلق الباب ، فيخطو ليفتح الباب لها ، وأحياناً كان يسلم عليه وهو في الصلاة ، فيجيب بالإشارة باسطاً يده وقد يوميء برأسه المبارك ، كانت عائشه نائمة تجاه صلاته ، فكان عند السجود يضع يده على رجلها لتخلي مكان السجود بضم رجلها ، وكان قد يصل إلى آية السجدة على المنبر ، فيهبط إلى الأرض ليسجد ثم يصعد ، واختصم وليدتان من بني عبد المطلب فتصارعتا ، فلما دنتا منه أمسكهما بيده وفرق بينهما ، وكان يبكي في الصلاة كثيراً ويتنحنح أحياناً لحاجة ، وقال : صلوا في نعالكم خلافا لليهود اهـ قال في الحجة البالغة : إن النبي () قد فعل أشياء في الصلاة بياناً للمشروع ، وقرر على أشياء ، فذلك وما دونه لا يبطل الصلاة .

والحاصل من الاستقراء أن القول اليسير مثل : ألعنك بلعنة الله ، ويرحمك الله ، وياثكل أماه ، وما شأنكم تنظرون إلى . والبطش اليسير مثل : وضع صبية من العاتق ورفعها وغمز الرجل ، ومثل فتح الباب والمشي اليسير كالنزول من درج المنبر إلى مكان ليتأتى منه السجود في أصل المنبر ، والتأخر من موضع الإمام إلى الصف ، والتقدم إلى الباب المقابل ليفتح ، والبكاء خوفاً من الله تعالى ، والإشارة المفهمة ، وقتل الحية والعقرب ، واللحظ يميناً وشمالاً من غير لي العنق لا يفسد ، وإن تعلق القذر بجسده أو ثوبه إذا لم يكن بفعله ، أو كان لا يعلمه لا يفسد ا هـ . قلت : اتفقوا على أن العمل اليسير لا يبطل الصلاة في العالمكيرية إن حمل صبياً أو ثوباً على عاتقه لم تفسد صلاته ، وإن حمل شيئاً يتكلف في حمله فسدت وفي المنهاج الكثرة بالعرف ، فالخطوتان والضربتان قليل ، والثلاث كثير ، وتبطل بالوثبة الفاحشة لا الحركات الخفيفة المتوالية ، كتحريك أصابعه في سبحة أوحك في الأصح . في العالمكيرية لو فتح على غير إمامه تفسد ، إلا إذا عنى به التلاوة دون التعليم ، وإن فتح على إمامه فالصحيح لا تفسد بحال . وفي المنهاج لو نطق بنطم القرآن بقصد التفهيم ، كيا يحيي خذ الكتاب قصد معه قراءة لم تفسد ، وإلا بطلت كذا في المسوى .

وبترك شرط كالوضوء ، فلأن الشرط يؤثر عدمه في عدم المشروط .

أو ركن لكون ذهابه يوجب خروج الصلاة عن هيئتها المطلوبة .

عمداً وإذا ترك الركن فما فوقه سهواً فعله وإن كان قد خرج عن الصلاة ، كما وقع منه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في حديث ذي اليدين ، فإنه سلم على ركعتين ثم أخبر بذلك ، فكبر وفعل الركعتين المتروكتين . وأما ترك ما لم يكن شرطاً ولا ركناً من الواجبات فلا تبطل به الصلاة ، لأنه لا يؤثر عدمه في عدمها ، بل حقيقة الواجب ما يمدح فاعله ويذم تاركه ، وكونه يذم لا يستلزم أن صلاته باطلة .

والحاصل : أن الشروط للشئ هي التي تثبت بدليل يدل على انتفاء المشروط عند انتفاء الشرط ، نحو أن يقول الشارع : من لم يفعل كذا فلا صلاة له ، أو يأتي عن الشارع ما هو تصريح بعدم الصحة أو بعدم القبول أو الأجر ، أو يثبت عنه النهي عن الإتيان بالمشروط بدون الشرط ، لأن النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان على ما هو الحق ، وأما كون الشئ واجباً فهو يثبت بمجرد طلبه من الشارع ، ومجرد الطلب لا يستلزم زيادة على كون الشئ واجباً ، فتدبر هذا تسلم من الخبط والخلط .

فصل فيمن لا تجب عليه الصلاة

ولا تجب الصلوات المكتوبة الخمس على غير مكلف لأن خطاب التكليف لا يتناول غير مكلف ، ولا خلاف في ذلك في الواجبات الشرعية ، وأما ماورد من تعويد الصبيان وتمرينهم فالخطاب في ذلك للمكلفين ، والوجوب عليهم لا على الصغار .

وتسقط عمن عجز عن الإشارة لأن ايجابها على المريض مع بلوغه إلى ذلك الحد هو من تكليف ما لا يطاق ، ولم يكلف الله تعالى أحداً فوق طاقته .

و كذلك عمن أغمي عليه حتى خرج وقتها فلا وجوب عليه لأنه غير مكلف في الوقت .

ويصلي المريض قائماً ثم قاعداً ثم على جنب لحديث عمران بن حصين عند البخاري وأهل السنن وغيرهم قال : كانت بي بواسير ، فسألت النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عن الصلاة فقال : صل قائماً ، فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب وقد نطق بمضمون ذلك القرآن الكريم ، وإذا تعذر على المصلي صفة من صفات صلاة العليل الواردة ، أتي بالصلاة على صفة أخرى مما ورد ، ثم يفعل ما قدر عليه ودخل تحت استطاعته فاتقوا الله ما استطعتم . وإذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم .

باب صلاة التطوع

هي أربع قبل الظهر وأربع بعده وأربع قبل العصر لما ثبت في ذلك من حديث أم حبيبة قالت : سمعت رسول الله () يقول من صلى أربع ركعات قبل الظهر وأربعاً بعدها حرمه الله على النار رواه أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وابن حبان . قال في سفر السعادة : وكان يفصل بين هذه الأربع بتسليمتين . قال أمير المؤمنين على : كان النبي () يصلي قبل الظهر أربع ركعات يفصل بينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن معهم من المسلمين والمؤمنين رواه أحمد والترمذي محسناً ا هـ . وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي عن ابن عمر أن النبي () قال : رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعاً وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان وابن خزيمة .

وركعتان بعد المغرب قال في سفر السعادة : وفي سنة المغرب سنتان : إحداهما أن لا يتكلم بينهما وبين الفريضة لما في الحديث من صلى ركعتين بعد الغرب قال مكحول : يعني قبل أن يتكلم رفعت صلاته في عليين ، الثانية أن تكون في البيت دخل رسول الله () مسجد بني الأشهل وصلى المغرب ، فلما فرغ رأى أهل المسجد اشتغلوا بصلاة السنة فقال : هذه صلاة البيوت وفي لفظ ابن ماجة اركعوا هاتين في بيوتكم . حاصله : أن عادة حضرة سيدنا رسول الله () أنه كان يصلي جميع السنن في بيته إلا أن يكون بسبب ، وكان يقول : أيها الناس صلوا في بيوتكم فإن أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة ا هـ . وقال أيضاً : وكان الصحابة يصلون قبل المغرب ركعتين ولم يمنعهم () من ذلك ، وثبت في الصحيحين أنه () قال : صلوا قبل المغرب وقال في الثالثة : لمن شاء كراهة أن يتخدها الناس سنة ، فصلاتها مندوبة مستحبة ، لكن لا تبلغ درجة الرواتب ا هـ .

وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الفجر لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر قال : حفظت عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ركعتين قبل الظهر وركعتين بعد الظهر وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الغداة وأخرج نحوه مسلم في صحيحه وأحمد والترمذي وصححه من حديث عبد الله بن شقيق . وأخرج نحوه مسلم وأهل السنن من حديث أم حبيبة ، ولا ينافي هذا ما تقدم من الدليل الدال على مشروعية أربع قبل الظهر وأربع بعده ، لأن هذه زيادة مقبولة . وثبت في الصحيحين من حديث عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لم يكن على شئ من النوافل أشد تعاهداً منه على ركعتي الفجر وثبت في صحيح مسلم وغيره من حديثها أن ركعتي الفجر خير من الدنيا وما فيها وفيهما أحاديث كثيرة . قال في سفر السعادة : وكان يحافظ على ركعتي الفجر بحيث أنه كان يواظب عليهما في السفر أيضاً ، ولم يرو أنه () صلى في السفر شيئاً من السنن الرواتب إلا سنة الفجر وصلاة الوتر . وللعلماء في أفضلية سنة الفجر وصلاة الوتر قولان : قال بعضهم : سنة الفجر آكد ، وقال بعضهم : بل الوتر ، وكما أن الوتر واجب عند البعض كذا سنة الفجر تجب عند البعض . وقال بعض المشايخ : سنة الفجر ابتداء العمل ، والوتر ختم العمل ، فلا جرم صرفنا العناية لشأنهما ، ولهذا السبب شرع فيهما قراءة سورة الإخلاص وسورة قل يا لاشتمالهما على توحيد العلم والعمل ، وتوحيد المعرفة والإرادة ، وتوحيد الاعتقاد والقصد كما بيناه في كتاب حاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الاخلاص ا هـ .

وصلاة الضحى والأحاديث فيها متواترة عن جماعة من الصحابة وأقلها ركعتان ، كما في حديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما ، وأكثرها اثنتا عشرة ركعة كما دلت على ذلك الأدلة . وفي الحجة البالغة وللضحى ثلاث درجات أقلها ركعتان ، وفيها أنها تجزي عن الصدقات الواجبة على كل سلامي ابن آدم ، وثانيتها أربع ركعات وفيها عن الله تعالى : يا ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره . وثالثها ما زاد عليها كثماني ركعات وثنتي عشرة ، وأكمل أوقاته حين يرتحل النهار وترمض الفصال اهـ .

وصلاة الليل والأحاديث فيها صحيحة متواترة لا يتسع المقام لبسطها قال تعالى : إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا وقال () : صلوا بالليل والناس نيام وكانت العناية بصلاة التهجد أكثر ، فبين () فضائلها ، وضبط آدابها وأذكارها قال : عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، وهو قربة لكم إلى ربكم ، مكفرة للسيئات ، منهاة عن الإثم وغير ذلك .

وأكثرها ثلاث عشرة ركعة وقد كان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يصلي صلاة الليل على أنحاء مختلفة ، فتارة يصلي ركعتين ركعتين ثم يوتر بركعة ، وتارة يصلي أربعاً أربعاً ، وتارة يجمع بين زيادة على الأربع وذلك كله سنة ثابتة . قال في الحجة البالغة : صلاها النبي () على وجوه والكل سنة . قال في المنح قالت عائشة : ولا أعلم رسول الله () قرأ القرآن كله في ليلة ، ولا قام ليلة حتى أصبح أ هـ .

يوتر في آخرها بركعة إما منفردة ، أو منضمة إلى شفع قبلها . قال ابن القيم : ووردت السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في الوتر بخمس متصلة وسبع متصلة ، كحديث أم سلمة كان رسول الله () يوتر بسبع وبخمس لا يفصل بسلام ولا كلام رواه أحمد ، وكقول عائشة : كان رسول الله () يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس ، لا يجلس إلا في آخرهن متفق عليه ، وكحديث عائشة أنه يصلي من الليل تسع ركعات ، لا يجلس فيها إلا في الثامنة ، فيذكر الله ويحمده ويدعوه ، ثم يسلم تسليماً يسمعنا ، ثم يصلي ركعتين بعدما يسلم وهو قاعد ، فتلك احدى عشرة ركعة ، فلما أسن رسول الله () وأخذه اللحم أوتر بسبع ، وصنع في الركعتين مثل صنيعه في الأول وفي لفظ عنها فلما أسن وأخذه اللحم أوتر بسبع ركعات لم يجلس إلا في السادسة والسابعة . ولم يسلم إلا في السابعة وفي لفظ صلى سبع ركعات لا يفعد إلا في آخرهن وكلها أحاديث صحاح صريحة لا معارض لها ، فردت بقوله () صلاة الليل مثنى مثنى وهو حديث صحيح ، ولكن الذي قاله هو الذي أوتر بالسبع والخمس ، وسنته كلها حق يصدق بعضها بعضاً ، فالنبي () أجاب السائل له عن صلاة الليل بلأنها مثنى مثنى ولم يسأله عن الوتر ، وأما السبع والخمس والتسع والواحدة فهي صلاة الوتر . والوتر اسم للواحدة المنفصلة مما قبلها ، وللخمس والسبع والتسع المتصلة ، كالمغرب اسم للثلاث المتصلة ، فان انفصلت الخمس والسبع بسلامين كالإحدى عشرة ، كان الوتر إسم الركعة المفصولة وحدها قال () : صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي الصبح أوتر بواحدة ، توتر له ما قد صلى فاتفق فعله () وقوله وصدق بعضه بعضاً أ هـ . والحق أن الوتر سنة ، هو أو كد السنن ، بينه علي وابن عمر وعبادة ابن الصامت ، وإليه ذهب أكثر العلماء ، إلا أبا حنيفة خاصة ، فإنه واجب على الصحيح عنده ، وثلاث ركعات لا يزيد ولا ينقص . قال في المسوى : وأقل الوتر ركعة في قول أكثرهم ، وأكثره احدى عشرة ، أو ثلاث عشرة ، وأدنى الكمال ثلاث ، وما زاد فهو أفضل ا هـ . وكان النبي () إذا صلاها ثلاثاً يقرأ في الأولى بسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية بقل يا أيها الكافرون ، وفي الثالثة بقل هو الله أحد والمعوذتين .

أقول : دلت الأخبار على أن وقت الوتر بعد الفراغ من العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر ، وهذا هو عين ما افتى به أبو موسى ، وفتواه هي الثابتة عن رسول الله () ، أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى وسلم عليه : أوتروا قبل أن تصبحوا وأخرج ابن حبان عنه () أنه قال : إذا طلع الفجر ، فقد ذهب كل صلاة الليل والوتر ، فأوتروا قبل طلوع الفجر والأحاديث في الباب كثيرة ، والأحاديث الثابتة في ايتاره () بركعة أكثر من أن تحصى ، فهي صالحة لتخصيص ما هو من العمومات في أعلى طبقة ، فكيف بما لا صحة له قط ؟ وحديث البتيراء لم يصح ، والذي ينبغي التعويل عليه في دفع الوجوب الأحاديث المصرحة بأن الوتر غير واجب ، والوتر عبادة عن آخر صلاة الليل . وقد ثبت في ذلك صفات متعددة بأحاديث صحيحة كما تقدمت الإشارة إلى ذلك .

والحاصل : أن لصلاة الليل باعتبار وترها ثلاث عشرة صفة كما ذكر ذلك ابن حزم في المحلى ، فالقول بأن الوتر ثلاث ركعات فقط لا يجوز أن يكون الايتار بغيرها ضيق عطن ، وقصور باع ، ولمثل هذا صار أكثر فقهاء العصر لا يعرفون الوتر إلا بأنها ثلاث ركعات بعد صلاة العشاء ، حتى أن كثيراً منهم يكون له قيام في الليل وتهجد ، فتراه يصلي الركعات المتعددة ويظن أن الوتر شئ قد فعله ، وأنه لا تعلق له بهذه الصلاة التي يفعلها في الليل ، وهو لايدري أن الوتر هو ختام صلاة الليل ، وأنه لا صلاة بعده إلا الركعتان المعروفتان بسنة الفجر ، وكثيراً ما يقع الإنسان في الابتداع وهو يظن أنه في الاتباع ، والسبب عدم الشغل بالعلم وسؤال أهل الذكر . وأما ما روي عن الحسن البصري أنه قال : أجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن ، فإن أراد أن الإجماع وقع على هذا القدر ، وأنه لا يجوز الايتار بغيره ، فهو من البطلان بمكان لا يخفي على عارف ، فهذه الدفاتر الإسلامية الحاكية لمذاهب الصحابة الذين أدركهم الحسن البصري ولمذاهب التابعين الذين هو واحد منهم قاضية بخلاف هذه الحكاية ، وهي بين أيدينا ، وإن أراد أن هذه الصفة هي إحدى صفات الوتر فنحن نقول بموجب ذلك . فقد روي الايتار بثلاث ، ولكنه روي النهي عن الايتار بثلاث كما أوضح ذلك الماتن رح في شرح المنتقى ، فتعارضت رواية الثلاث ورواية النهي ، والعالم بكيفية الاستدلال لا يخفى عليه الصواب ، وقد تقدم أن حديث البتيراء لا أصل له ، على أن النسخ لا يتم ادعاؤه إلا بعد معرفة التاريخ ، لأن الناسخ لا يكون إلا متأخراً بإجماع المسلمين القائلين بثبوت أصل النسخ في هذه الشريعة المطهرة ، فدعوى النسخ بمجرد الاحتمال مجازفة عظيمة ولا سيما إذا كان المدعي لذلك لم يتعب نفسه في علوم السنة المطهرة .

وتحية المسجد لحديث إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين أخرجه الجماعة من حديث أبي قتادة ، وفي ذلك أحاديث كثيرة ، وقد وقع الاتفاق على مشروعية تحية المسجد ، وذهب أهل الظاهر إلى أنهما واجبتان وذلك غير بعيد ، وقد حقق الماتن المقام في شرح المنتقى وفي رسالة مستقلة .

و صلاة الإستخارة وفيها أحاديث كثيرة منها : حديث جابر عند البخاري وغيره بلفظ كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يعلمنا الإستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة من القرآن يقول : إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ، ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك ، واستقدرك بقدرتك ، وأسألك من فضلك العظيم ، فإنك تقدر ولا أقدر ، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب ، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال عاجل أمري وآجله ، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه ، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال عاجل أمري وآجله ، فاصرفه عني واصرفني عنه وأقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به . قال : ويسمي حاجته قال في الحجة البالغة : وعندي أن إكثار الاستخارة في الأمور ترياق مجرب بتحصل شبه الملائكة ، وضبط النبي () آدابها ودعاءها ، فشرع ركعتين وعلم اللهم إني أستخيرك الخ ... ا هـ .

وركعتان بين كل أذان وإقامة لحديث بين كل أذانين صلاة قال ذلك ثلاث مرات ثم قال : لمن شاء وهو حديث صحيح، والمراد بالأذانين الأذان والإقامة تغليباً كالقمرين والعمرين .

باب صلاة الجماعة

هي من آكد السنن وأعظم الشعائر الإسلامية وأفضل القرب الدينية لما ورد فيها من الترغيبات ، حتى أنه () صرح بأنه تزيد على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة كما في الصحيحين . ووقع منه الاخبار بأنه قد هم بأن يحرق على المتخلفين دورهم . قال ابن القيم : ولم يكن ليحرق مرتكب صغيرة ، فترك الصلاة في الجماعة هو من الكبائر ا هـ . ولازمها () من الوقت الذي شرعها الله تعالى فيه إلى أن قبضه الله تعالى إليه ، ولم يرخص () في تركها لمن سمع النداء ، فإنه سأله الرجل الأعمى أن يصلي في بيته فرخص له ، فلما ولى دعاه فقال : هل تسمع النداء قال نعم قال فأجب وكل ما ذكرناه ثابت في الصحيح . وثبت في الصحيح أيضاً عن ابن مسعود أنه قال : لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق قال ابن القيم : هذا فوق الكبيرة ا هـ . ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتي يقام في الصف .

أقول : أما كونها فريضة متحتمة فالأدلة متعارضة ، ولكن ههنا طريقة أصولية يجمع بها بين هذه الأدلة ، وهي أن أحاديث أفضلية الجماعة مشعرة بأن صلاة المنفرد مجزئة ، وهي أحاديث كثيرة مثل حديث الذي ينتطر الصلاة مع الإمام أفضل من الذي يصلي وحده ثم ينام وهو في الصحيح . ومنه حديث المسيء صلاته المشهور ، فإنه أمره بأن يعيد الصلاة منفرداً . ومنه حديث ألا رجل يتصدق على هذا عند أن رأى رجلاً يصلي منفرداً ، ومن ذلك أحاديث التعليم لأركان الإسلام ، فإنه لم يأمر من علمه بأن لا يصلي إلا في جماعة ، مع أنه قال لمن قال له لا يزيد على ذلك ولا ينقص أفلح وأبيه إن صدق . ونحو ذلك من الأدلة فالجميع صالح لصرف فلا صلاة له الواقع في الأحاديث الدالة على وجوب الجماعة إلى نفي الكمال لا إلى نفي الصحة . وأما ما وقع منه () من الهم بتحريق المتخلفين ، فهو إن لم يكن قولاً ولا فعلاً ولا تقريراً ، لكنه لا يكون ما يهم به إلا جائزاً ، ولا يجوز التحريق بالنار لمن ترك ما لم يفرض عليه ، فالجواب عنه قد بسطه شيخنا العلامة الشوكاني في شرح المنتقى . قال في الحجة البالغة : لما كان في شهود الجماعة حرج للضعيف ، والسقيم ، وذي الحاجة ، اقتضت الحكمة أن يرخص في تركها عند ذلك ، ليتحقق العدل بين الافراط والتفريط ، فمن أنواع الحرج ليلة ذات برد ومطر ، ويستحب عند ذلك قول المؤذن : ألا صلوا في الرحال ، ومنها حاجة يعسر التربص بها كالعشاء إذا حضر ، فإنه ربما يتشوف إليه وربما يضيع الطعام ، وكمدافعة الأخبثين فإنه بمعزل عن فائدة الصلاة مع ما به من اشتغال النفس . ولا اختلاف بين حديث لا صلاة بحضرة الطعام وحديث لا تؤخر الصلاة لطعام ولا غيره إذ يمكن تنزل كل واحد على صورة أو معنى ، والمراد نفي وجوب الحضور سر الباب التعمق وعدم التأخير هو الوظيفة لمن أمن سر التعمق ، وذلك كتنزيل فطر الصائم وعدمه على الحالين ، أو التأخير إذا كان تشوف إلى الطعام أو خوف ضياع وعدمه إذا لم يكن كذلك مأخوذ من حال العلة ، ومنها ما إذا كان خوف فتنة كامرأة أصابت بخوراً . ولا اختلاف بين قوله () إذا استأذنت امرأة أحدكم إلى المسجد فلا يمنعها وبين ما حكم به جمهور الصحابة من منعهن ، إذ المنهي عنه الغيرة التي تنبعث من الأنفة دون خوف الفتنة ، والجائز ما فيه خوف الفتنة ، وذلك قوله () الغيرة غيرتان الحديث : وحديث عائشة أن النساء أحدثن الحديث : ومنها الخوف والمرض ، والأمر فيهما ظاهر. ومعنى قوله () للأعمى أتسمع النداء الخ : أن سؤاله كان في العزيمة فلم يرخص له .

وتنعقد باثنين وليس في ذلك خلاف ، وقد ثبت في الصحيح من حديث ابن عباس أنه صلى بالليل مع النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم وحده وقام عن يساره فأداره إلى يمينه .

و إذا كثر الجمع كان الثواب أكثر لأنه قد ثبت عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده ، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل ، وما كان أكثر فهو أحب إلى الله أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان وصححه ابن السكن والعقيلي والحاكم .

ويصح بعد المفضول لأنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قد صلى بعد أبي بكر وبعد غيره من الصحابة كما في الصحيح، ولعدم وجود دليل يدل على أنه يكون الإمام أفضل ، والأحاديث التي فيها لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه ونحوها لا تقوم بها الحجة ، وعلى فرض أنها تقوم بها الحجة فليس فيها إلا المنع من إمامة من كان ذا جرأة في دينه ، وليس فيها المنع من إمامة المفضول ، وقد عورض ذلك بأحاديث تتضمن الإرشاد إلى الصلاة خلف كل بر وفاجر ، وخلف من قال لا إله إلا الله وهي ضعيفة وليست بأضعف مما عارضها ، والأصل أن الصلاة عبادة تصح تأديتها خلف كل مصل إذا قام بأركانها وأذكارها على وجه لا تخرج به الصلاة عن الصورة المجزئة وإن كان الاإام غير متجنب للمعاصي ولا متورع عن كثير مما يتورع عنه غيره ، ولهذا إن الشارع إنما اعتبر حسن القراءة والعلم والسن ولم يعتبر الورع والعدالة فقال : يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً أخرجه مسلم وغيره من حديث أبي مسعود ، وفي حديث مالك بن الحويرث وليؤمكما أكبركما وهو في الصحيحين وغيرهما ، وقد استخلف النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلي بهم وهو أعمى .

والحاصل : أن الشارع اعتبر الأفضلية في القراءة ، والعلم بالسنة ، وقدم الهجرة ، وعلو السن ، فلا ينبغي للمفضول في مثل هذه الأمور أن يؤم الفاضل إلا بإذنه ، ولا اعتبار بالفضل في غير ذلك .

والأولى أن يكون الإمام من الخيار لحديث ابن عباس قال : قال رسول الله () اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم رواه الدارقطني . وأخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه () إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم قال في منح المنة : وكان () يجيز إمامة الارقاء وكان سالم مولى أبي حذيفة يصلي بالمهاجرين الأولين لما نزلوا بقباء لكونه أكثرهم قرآناً ، وكان () يقول : صلوا خلف كل بر وفاجر وكانت الصحابة خلف الحجاج وقد أحصي الذين قتلهم من الصحابة والتابعين فبلغوا مائة ألف وعشرين ألفاً ا هـ .

أقول : الأحاديث الواردة في الصلاة خلف كل بر وفاجر ، وما قابلها من الأحاديث المقضية للمنع من الصلاة خلف الفاجر ومن كان ذا جرأة ، لم يبلغ منها شئ إلى حد يجوز العمل عليه ، فوجب الرجوع إلى الأصل ، وأما عدم اعتبار قيد العدالة ، فلعدم ورود دليل يدل عليه ، وأما كون الصلاة خلف كامل العدالة ، واسع العلم ، كثير الورع ، أفضل وأحب ، فلا نزاع في ذلك ، إنما النزاع في كون ذلك شرطاً من شروط الجماعة ، مع أنه قد ثبت ما يدل على عدم الاعتبار مثل حديث يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم ، وإن أخطؤا فعلى أنفسهم أو كما قال وهو حديث صحيح .

والحاصل : أن الدين يسر وقد جاءنا () بالشريعة السمحة السهلة ، ولم يأمرما بالكشف عن الحقائق ، وسن أن نصلي بعد من كان بالنسبة إلى الواحد منا في الحضيض ، باعتبار المزايا الموجبة للفضل ، فإنه () بعد أبي بكر وعتاب بن أسيد وهما بالنسبة إليه لا يعدان شيئاً ، ولا ريب أن الذي ينبغي تقديمه لمثل هذه العبادة ليكون وافد المؤتمين به إلى الله هو من أرشد إليه () بقوله : يؤم القوم أقرؤهم إلى آخر الحديث . إنما الشأن فيمن يلعب به الشيطان في الوسوسة المفضية إلى إساءة الظن بأئمة الصلاة المتبعين للسنة ، فيوقع في قلبه العداوة لكل واحد منهم بمجرد خيالات مختلة وضلالات مضلة ، فيقول له هذا العالم لا يصلح للإمامة لكونه كذا ، وهذا الفاضل لا يصلح لها لكونه كذا ، ثم ينقله من درجة إلى درجة ، ومن واحد إلى واحد ، حتى لا يجد على ظهر البسيطة من يصلح لإمامة الصلاة ، فهذا مخدوع قد لعب به الشيطان كيف يشاء حتى أحرمه فضيلة الجماعة التي هي من أعظم شعائر الإسلام وأجل أسباب الأجور ، ومع هذا فهو قد أوقعه في ورطة أخرى وهي حمل جميع المسلمين على غير السلامة ، فصار ظالماً لكل واحد منهم مظلمة يستوفيها منه بين يدي الجبار ، وقد ينضم إلى هذه المصائب أن هذا الذي صار في يد الشيطان يلعب به كيف يشاء قد يعتقد الفضل في نفسه ، وأن الإمامة لم تكن تصلح إلا له ، ولم يكن يصلح إلا لها ، فيجتنب الجماعة ولا يقتدي بأحد من المسلمين ، بل يجمع له جماعة يكون إمامهم فهو أسقى ممن قبله ، لأنه اعتقد أنه لم يبق في أرض الله من عباده الصلحاء سواه ، فلا حياه الله ولا بياه .

ويؤم الرجل بالنساء لا العكس لحديث أنس في الصحيحين وغيرهما ، أنه صف هو واليتيم وراء النبي () والعجوز من ورائهم . وقد أخرج الاسماعيلي عن عائشة أنها قالت : كان النبي () إذا رجع من المسجد صلى بنا وقد كانت النساء يصلين خلفه () في مسجده ، وليس في صلاة النساء خلف الرجل مع الرجال نزاع ، وإنما الخلاف في صلاة الرجل بالنساء فقط ، ومن زعم أن ذلك لا يصح فعليه الدليل . وأما عدم صحة إمامة المرأة بالرجل فلأنها عورة وناقصة عقل ودين ، والرجال قوامون على النساء ، ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة كما ثبت في الصحيح ، ومن ائتم بالمرأة فقد ولاها أمر صلاته .

والمفترض بالمتنفل والعكس لحديث معاذ أنه كان يؤم قومه بعد أن يصلي تلك الصلاة بعد النبي () وهو في الصحيحين وغيرهما ، وهذا دليل على جواز ذلك لأنه كان متنفلاً وهم مفترضون لما في بعض الروايات من تصريح معاذ بأنه كان يصلي بقومه متنفلاً ، وهذه الزيادة المصرحة بالمطلوب وإن كان فيها مقال معروف لكنها معتضدة بما عرف من حرص الصحابة على الأوفر أجراً والأكمل ثواباً ، ولا شك أن الصلاة خلفه () أفضل وأكمل وأتم . وأما الجواب عن حديث معاذ بأنه حكاية فعل فساقط لا ستلزامه لبطلان قسم من أقسام السنة المطهرة ، وهو قسم الأفعال الذي دارت عليه رحى بيانات القرآن وجماهير من أحكام الشريعة ، مع أن هذا الاعتذار غير نافع ههنا ، لأن الحجة هي تقريره () لمعاذ ولقومه على ذلك ، لا نفس فعل معاذ حتى يعتذر عنه بذلك . وأما الجواب بأن فعل آحاد الصحابة لا يكون حجة فكلام صحيح ، ولكن الحجة ليست فعل معاذ بل تقريره () كما عرفت ، وهذا من الوضوح بمكان لا يخفى .

والحاصل : أن الأصل صحة الاقتداء من كل مصل بكل مصل ، فمن زعم أن ثم مانعاً في بعض الصور فعليه الدليل ، فإن نهض به صح ما يقوله ، وإن لم ينهض به بطل . وأما صلاة المتنفل بعد المتنفل فكما فعله () في صلاة الليل وصلى معه ابن عباس ، وكذلك صلاته بأنس واليتيم والعجوز وغير ذلك والكل ثابت في الصحيح .

ويجب المتابعة في غير مبطل لحديث إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وهو ثابت في الصحيح من حديث أبي هريرة وأنس وجابر وثابت خارج الصحيح عن جماعة من الصحابة . وورد الوعيد على المخالفة كحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله () : أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله رأسه رأس حمار ، أو يحول صورته صورة حمار أخرجه الجماعة . ولا يتابعه في شئ يوجب بطلان صلاته ، نحو أن يتكلم الإمام أو يفعل أفعالاً تخرجه عن صورة المصلي ولا خلاف في ذلك . قال في المسوى : هو كذلك عند الجمهور أنه يجب اتباع الإمام في جميع الحالات ، وقوله إذا صلى جالساً فصلوا جلوساً منسوخ . ومعنى كان الناس يصلون بصلاة أبي بكر على الصحيح أنه كان مسمعاً لمن خلفه في العالمكيرية إذا رفع المقتدي رأسه من الركوع والسجود قبل الإمام ينبغي أن يعود ولا يصير ركوعين وسجودين قلت عامة أهل العلم على أن هذا الفعل منهي عنه وصلاته مجزئة وأكثرهم يأمرونه بأن يعود إلى السجود .

ولا يؤم الرجل قوماً هم له كارهون لحديث عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول : ثلاثة لا يقبل الله منهم صلاة . من يقدم قوماً وهم له كارهون . ورجل أتى الصلاة دباراً . ورجل اعتبد محررة أخرجه أبو داود وابن ماجة . وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الافريقي وفيه ضعف . وأخرج الترمذي من حديث أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : ثلاثة لا تجاوز صلاتهم آذانهم العبد الآبق حتى يرجع ، وامرأة باتت وزوجها عليها ساخط ، وإمام قوم وهم له كارهون وقد حسنه الترمذي وضعفه البيهقي . قال النووي في الخلاصة : والأرجح قول الترمذي . وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة يقوي بعضها بعضاً .

أقول : ظاهر الأحاديث الواردة في الترهيب عن ذلك ، أنه لا فرق بين كون الكارهين من أهل الفضل أو من غيرهم ، فيكون مجرد حصول الكراهة عذراً لمن كان يصلح للإمامة في تركها ، وغالب الكراهات الكائنة بين هذا النوع الإنساني خصوصاً في هذه الأزمنة راجعة إلى أغراض دنيوية ، والراجع هنا إلى أغراض دينية أقل قليل ، ومع كونه كذلك فغالبه صادر عن اعتقادات فاسدة وخيالات مختلفة كما يقع بين المتخالفين في المذاهب ، فإن العصبية الناشئة بينهم تعمي بصائرهم عن الصواب ، فلا يقيم أحدهم للآخر وزناً ، ولا ينظر إليه إلا بعين السخط لا بعين الرضا ، فيرى محاسنه مساويء كائنة ما كانت . وقد تفع هذه العداوة بين أهل مذهب واحد باعتبار الاختلاف في كون أحدهم من المشتغلين بالدين والعلم ، والآخر من الجهلة المتهتكين . وكثيراً ما ترى أرباب المعاصي إذا رأوا أرباب الدين والعلم تضيق بهم الأرض بطولها والعرض ولا يطيقونهم بغضاً ، فإن كان ثم دليل يدل على تخصيص الكراهة بما كان منها راجعاً إلى ما هو مختص بالله عز وجل كمن يكره إنسانا لكونه مكباً على المعاصي ، أو متهاوناً بما أوجبه الله عليه ، فهذه الكراهة هي الكبريت الأحمر لا توجد حقيقتها إلا عند أفراد من العباد ، وإن لم يوجد دليل يخصص الكراهة بذلك ، فالأولى لمن عرف أن جماعة من الناس يكرهونه لا لسبب أو لسبب ديني أن لا يؤمهم ، وأجره في الترك يفضل أجره في الفعل .

ويصلي بهم صلاة أخفهم لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء وفي الباب أحاديث صحيحة واردة في التخفيف . قال في الحجة : وكان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يطول ويخفف على ما يرى من المصلحة الخاصة بالوقت ، واختار بعض السور في بعض الصلوات لفوائد من غير حتم ولا طلب مؤكد ، فمن اتبع فقد أحسن ومن لا فلا حرج . وقصة معاذ في الإطالة مشهورة انتهى حاصله . وأما ارتفاع الإمام عن المأموم فلا يضر قدر القامة ولا فوقها ، لا في المسجد ولا في غيره من غير فرق بين الإرتفاع والإنخفاض ، والبعد والحائل ، ومن زعم أن شيئاً من ذلك تفسد به فعليه الدليل ، ولا دليل إلا ما روي عن حذيفة أنه أم الناس بالمدائن على دكان ، الحديث أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم ، وفي رواية للحاكم التصريح برفعه . ورواه أبو داود من وجه آخر وفيه قال له حذيفة : ألم تسمع رسول الله () يقول : إذا أم الرجل القوم فلا يقم أرفع من مقامهم أو نحو ذلك الحديث : وفي إسناده الرجل المجهول . ورواه البيهقي أيضاً ، ففي هذين الحديثين دليل على منع الإمام من الارتفاع عن المؤتم ، ولكن هذا النهي يحمل على التنزيه لحديث صلاته () على المنبر كما في الصحيحين وغيرهما . ومن قال إنه () فعل ذلك للتعليم كما وقع في آخر الحديث فلا يفيده ذلك ، لأنه لا يجوز له في حال التعليم إلا ما هو جائز في غيره ، ولا يصح القول باختصاص ذلك بالنبي () . وقد جمع الماتن رح تعالى في هذا البحث رسالة مستقلة جواباً عن سؤال بعض الأعلام فمن أحب تحقيق المقام فليرجع إليها .

ويقدم السلطان ورب المنزل لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو مرفوعاً لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه وفي لفظ لايؤمن الرجل الرجل في أهله ولا سلطانه وورد تقييد جواز ذلك بالإذن ، وفي لفظ لأبي داود لا يؤم الرجل في بيته وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي عن مالك بن الحويرث قال : سمعت رسول الله () يقول : من زار قوماً فلا يؤمهم وليؤمهم رجل منهم .

والأقرأ ثم الأعلم ثم الأسن لما في حديث أبي مسعود بلفظ يؤم القوم أقرأهم لكتاب الله ، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء ، فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سناً وهو في الصحيح ، وإنما لم يذكر الهجرة في المتن لأنه لا هجرة بعد الفتح كما في الحديث الصحيح .

وإذا اختلت صلاة الإمام كان ذلك عليه لا على المؤتمين به لحديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله وسلم عليه: يصلون بكم فإن أصابوا فلكم ولهم . وإن أخطؤا فلكم وعليهم أخرجه البخاري وغيره . وأخرج ابن ماجه من حديث سهل بن سعد نحوه .

وموقفهم أي المؤتمين خلفه أي خلف الإمام إلا الواحد فعن يمينه لحديث جابر بن عبد الله أنه صلى مع النبي () فجعله عن يمينه ، ثم جاء آخر فقام عن يسار النبي () ، فأخذ بأيديهما فدفعهما حتى أقامهما خلفه وهو في الصحيح . وقد كان هذا فعله وفعل أصحابه في الجماعة يقف الواحد عن يمين الإمام والإثنان فما زاد خلفه . وقد ذهب الجمهور إلى وجوب ذلك . وقال سعيد بن المسيب : إنه مندوب فقط ، وروي عن النخعي أن الواحد يقف خلف الإمام .

وإمامة النساء وسط الصف لما روي من فعل عائشة أنها أمت النساء فقامت وسط الصف أخرجه عبد الرزاق والدارقطني والبيهقي وابن أبي شيبة والحاكم . وروي مثل ذلك عن أم سلمة أخرجه الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق والدارقطني . قال ابن القيم في المسند والسنن من حديث عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة بنت الحرث : أن رسول الله () كان يزورها في بيتها وجعل لها مؤذناً كان يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها قال عبد الرحمن : فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً . ولو لم يكن في المسألة إلا عموم قوله () : تفضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة لكفى . وأخرج البيهقي بسنده عن عائشة أن رسول الله () قال : لا خير في جماعة النساء إلا في صلاة أو جنازة والاعتماد على ما تقدم ، فردت هذه السنن بالمتشابه من قوله () : لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة رواه البخاري ، وهذا إنما هو في الولاية والإمامة العظمى والقضاء . وأما الرواية والشهادة والفتيا والإمامة فلا تدخل في هذا ، ومن العجب أن من خالف هذه السنة جوز للمرأة أن تكون قاضية تلي أمور المسلمين ، فكيف أفلحوا وهي حاكمة عليهم ، ولم تفلح أخواتها من النساء إذا أمتهن . انتهى حاصله .

وتقدم صفوف الرجال ثم الصبيان ثم النساء لحديث أبي مالك الأشعري إن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يجعل الرجال قدام الغلمان ، والغلمان خلفهم ، والنساء خلف الغلمان أخرجه أحمد ، وأخرج بعضه أبو داود وفي إسناده شهر بن حوشب . ويؤيده ما في الصحيحين من حديث أنس أنه قام هو واليتيم خلف النبي () وأم سليم خلفهم .

و أما كون الأحق بالصف الأول هم أولو الأحلام والنهي فلحديث أبي مسعود الأنصاري الثابت في الصحيح أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال ليليني منكم أولو الأحلام والنهي ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وأخرج أحمد وابن ماجه والترمذي والنسائي قال : كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يحب أن يليه المهاجرون والأنصار ليأخذوا عنه قال في الحجة : ولئلا يشق على أولي الأحلام تقدم من دونهم عليهم انتهى .

و أما كون الأمر على الجماعة أن يسووا صفوفهم وأن يسدوا الخلل فلما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : وسطوا الإمام وسدوا الخلل وفي الصحيحين من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : سووا صفوفكم فإن تسوية الصفرف من تمام الصلاة وعنه أيضاً في الصحيحين كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول : تراصوا واعتدلوا وثبت في الصحيح من حديث نعمان بن بشير أنه قال صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : عباد الله لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم قلت وهو قول أهل العلم : أن تسوية الصفوف سنة . وأن يتموا الصف الأول ثم الذي يليه ثم كذلك لما ورد في الأحاديث الصحيحة من أمره صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بإتمام الصف الأول ، ثم الذي يليه ثم كذلك . فالسنة أن لا يقف المؤتم في الصف الثاني وفي الصف الأول سعة ، ثم لايقف في الصف الثالث وفي الصف الثاني سعة ثم كذلك ، وورد أيضاً أن الوقوف يمنة الصف أولى وأفضل . وأما الاعتداد بالركعة التي لحق الإمام فيها راكعاً ففيه خلاف لجماعة من الأئمة ، والحق عدم الاعتداد بها بمجرد إدراك ركوعها من دون قراءة الفاتحة ، ومن أراد الوقوف على الحقيقة فليراجع إلى شرح المنتقي ، وطيب النشز ، والسيل الجرار ، وحاشية الشفاء ، والفتح الرباني ، ودليل الطالب فالمسألة من المعارك . وأما جعل ما أدركه مع الإمام أول صلاته فهذا هو الحق ، فالهيئة المشروعة في الصلاة لا تتغير بتقديم أو تأخير ، بل الأصل الأصيل البقاء على الصفة المشروعة ، فيفعل الداخل مع الإمام بعد أن فاته بعض الركعات ما يفعله لو كان داخلاً معة في الابتداء أو كان منفرداً . وحديث فاقضوا وإن كان صحيحاً فحديث أتموا أصح منه ، وقد أمكن الجمع بحعل معنى القضاء على التمام لأنه أحد معانيه ، ولكن يترك المؤتم مخالفة إمامه في الأركان ، فلا يقعد في موضع ليس بموضع قعود للإمام وإن كان موضع قعود له ، ولا يدع القعود في موضع قعود للإمام وإن لم يكن موضع قعود له ، لأن الاقتداء والمتابعة لا زمان في صلاة الجماعة ، وتركهما يخرج الصلاة عن كونها صلاة جماعة ، وقد ورد الأمر بالمتابعة في الأركان بياناً لقوله لا تختلفوا على إمامكم ولم يرد الأمر بذلك في الأذكار .

باب سجود السهو

سن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما إذا قصر الإنسان في صلاته ، أن يسجد سجدتين تداركاً لما فرط ، ففيه شبه القضاء وشبه الكفارة ، والمواضع التي ظهر فيها النص أربعة وسيأتي . قال في سفر السعادة : من جملة منن الحق تعالى ونعمه على الأمة المحمدية ، أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يسهو في الصلاة لتقتدي الأمة به في التشريع ، وإذ ذاك يقول إنما أنا بشر أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني وقال : إنما أنسى أو أنسى لأسن يعني لأسن ما شرع في جبر ذلك انتهى .

هو سجدتان قبل التسليم أو بعده ووجه التخيير أن النبي () صح عنه أنه سجد قبل التسليم وصح عنه أنه سجد بعده ، أما ما صح عنه مما يدل على أنه قبل التسليم فحديث عبد الرحمن بن عوف عند أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه قال : سمعت رسول الله () يقول إذا شك أحدكم فلم يدر أواحدة صلى أم ثنتين فليجعلها واحدة ، وإذا لم يدر ثنتين صلى أم ثلاثاً فليجعلها ثنتين ، وإذا لم يدر ثلاثاً صلى أم أربعاً فليجعلها ثلاثاً ، ثم يسجد إذا فرع من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين وفي الباب أحاديث منها : ما هو في الصحيح كحديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله () : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدركم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك وليبن على ما تستيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم ومنها ما هو في غير الصحيحين . وأما ما صح عنه مما يدل على أنه بعد التسليم فكحديث ذي اليدين الثابت في الصحيحين ، فإن فيه أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سجد بعدما سلم . وحديث ابن مسعود وهو في الصحيحين وغيرهما مرفوعاً بلفظ إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه ثم ليسلم ثم ليسجد سجدتين وحديث المغيرة بن شعبة أنه صلى بقوم فترك التشهد الأوسط فلما فرغ من صلاته سلم ثم سجد سجدتين وسلم وقال : هكذا صنع بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رواه أحمد والترمذي وصححه . وحديث ابن مسعود الثابت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر خمساً فقيل له أزيد في الصلاة فقال: لا وما ذاك فقالوا : صليت خمساً فسجد سجدتين بعد ما سلم فهذه الأحاديث المصرحة بالسجود تارة قبل التسليم وتارة بعده ، تدل على أنه يجوز جميع ذلك ، ولكنه ينبغي في موارد النصوص أن يفعل كما أرشد إليه الشارع ، فيسجد قبل التسليم فيما أرشد إلى السجود فيه قبل التسليم ، ويسجد بعد التسليم فيما أرشد فيه إلى السجود بعد التسليم ، وما عدا ذلك فهو بالخيار والكل سنة . قال في سفر السعادة : وسجد للسهو قبل السلام في بعض المواضع وبعده في بعضها ، فجعله الإمام الشافعي في كل حال قبل السلام . والإمام أبو حنيفة جعله بعد السلام في كل حال . وقال الاإام مالك : يسجد لسهو النقصان قبل السلام ، ولسهو الزيادة في الصلاة بعد السلام ، وإن اجتمع سهوان أحدهما زائد والآخر ناقص يسجد لهما قبل السلام . وقال الإمام أحمد : يسجد قبل السلام في المحل الذي سجد فيه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قبل السلام ، وما عداه يسجد للسهو بعد السلام . وقال داود الظاهري : لا يسجد للسهو إلا في هذه المواطن الخمس التي سجد فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولوسها في غيرها لا يسجد للسهو ، ولم يعرض له صلى الله عليه وآله وسلم الشك في الصلاة لكن قال : من شك فليبن على اليقين ولم يعتبر الشك ويسجد للسهو قبل السلام . وقال الإمام أبو حنيفة : أن كان له ظن بنى على غالب ظنه ، وإن لم يكن له ظن بنى على اليقين . وقال الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد : بنى على اليقين مطلقاً انتهى . ولا يشك منصف ، أن الأحاديث الصحيحة مصرحة بأنه كان يسجد في بعض الصلوات قبل السلام ، وفي بعضها بعد السلام ، فالجزم بأن محلهما بعد السلام فقط طرح لبعض الأحاديث الصحيحة ، لا لموجب إلا لمجرد مخالفتها لما قاله فلان أو فلان ، كما أن الجزم بأن محلهما قبل التسليم فقط طرح لبعض الأحاديث الصحيحة لمثل ذلك ، والمذاهب في المسألة منتشرة قد بسطها الماتن في شرح المنتقي . والحق عندي أن الكل جائز وسنة ثابتة ، والمصلي مخير بين أن يسجد قبل أن يسلم أو بعد أن يسلم ، وهذا فيما كان من السهو غير موافق للسهو الذي سجد له () قبل السلام أو بعده . وأما في السهو الذي سجد له () فينبغي الاقتداء به في ذلك ، وايقاع السجود في المواضع الذي أوقعه فيه صلى الله تعالى عليه وسلم مع الموافقة في السهو ، وهي مواضع محصورة مشهورة يعرفها من له اشتغال بعلم السنة المطهرة .

و أما كون سجود السهو بإحرام وتشهد وتحليل فقد ثبت عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه كبر وسلم كما في حديث ذي اليدين الثابت في الصحيح وفي غيره من الأحاديث . وأما التشهد فلحديث عمران بن حصين أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم صلى بهم فسها فسجد سجدتين ثم تشهد ثم سلم أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وابن حبان وصححه والحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين وقد روي نحو ذلك من حديث المغيرة وابن مسعود وعائشة .

و أما كونه يشرع لترك مسنون فلحديث سجوده صلى الله تعالى عليه وسلم لترك التشهد الأوسط ، ولحديث لكل سهو سجدتان والكلام فيه معروف . ونحو ذلك إذا كان ذلك المسنون تركه المصلي سهواً ، لأنه قد ثبت أن سجود السهو فيه ترغيم للشيطان كما في حديث أبي سعيد الثابت في الصحيح ، ولا يكون الترغيم إلا مع السهو لأنه من قبل الشيطان ، وأما مع العمد فهو من قبل المصلي وقد فاته ثواب تلك السنة . قلت : مذهب أبي حنيفة والشافعي أن من سلم من ركعتين ساهياً أتم وسجد سجدتين ، وهو في مذهب أبي حنيفة خاص بمن سلم على رأس الركعتين على ظن أنهما أربعة ، فلو سلم على رأسهما على ظن أنهما جمعة أو على أنه مسافر ، فإنه يستقبل الصلاة كذا في العالمكيرية في فصل المفسدات . واستخرج له الشافعي علة ، وهي فعل شئ يبطل الصلاة عمده دون سهوه .

أقول : ما وقع من اصطلاح الفقهاء على تسميته هيئة ، هو لا يخرج به عن كونه مندوباً ، وتخصيص وجوب السجود للسهو بترك ما كان مسنوناً دون ما كان مندوباً لا دليل عليه ، ولا سيما وهذه الأسماء إنما هي اصطلاحات حادثة ، وإلا فالمسنون والمندوب إليه معناهما لغة أعم من معناهما اصطلاحاً ، وأيضاً الفرق بين المسنون والمندوب إنما هو اصطلاح لبعض أهل الأصول دون جمهورهم . وغاية ما هناك أن المسنون هو المندوب المؤكد ، وصدق اسم السهو على ترك المندوب كصدقه على ترك المسنون ، فيندرج تحت حديث لكل سهو سجدتان وتحقق الزيادة والنقص حاصل لكل واحد منهما ، فمدعي التفرقة بينهما مطالب بالدليل . ولا ريب أن بعض ما عدوه من الهيئات لا يتحقق ، مثل ترك نصب القدم وترك وضع اليدين .

و أما كونه يشرع للزيادة ولو ركعة سهواً فللحديث المتقدم وما دون الركعة بالأولى قال في المسوى : عند الحنفية إن سها عن القعدة الآخرة وقام إلى الخامسة رجع إلى القعدة ما لم يسجد وتشهد ثم سجد للسهو ، وإن قيد الخامسة بالسجدة بطل فرضه ، ولو قعد في الرابعة ثم قام ولم يسلم عاد إلى القعدة ما لم يسجد للخامسة وسلم وسجد للسهو ، وإن قيدها بالسجدة تم فرضه فيضم إليها ركعة أخرى لتكونا تطوعاً ، فإن لم يضم وقطع الصلاة لم يلزمه القضاء لأنه إنما شرع ظناً . وعند الشافعية في أية حالة ذكر أنها خامسة قعد وألغى الزائد وراعى ترتيب الصلاة مما قبل الزائد ثم سجد للسهو . وفي معنى الركعة عنده الركوع والسجود ، ويتجه على مذهب الحنفية أن يقال في حديث ابن مسعود : أنه حكاية حال ، فلعله قام بعد القعدة ولم يضم السادسة لبيان أنه غير واجب انتهى .

و أما للشك في العدد ففيه الأحاديث المتقدمة المصرحة بأن من شك في العدد بنى على اليقين وسجد للسهو . قال في الحجة البالغة : وهو الأول من المواضع الأربع التي ظهر فيها النص وفي معناه الشك في الركوع والسجود ، والثاني زيادة الركعة كما سبق وفي معناه زيادة الركن ، والثالث أنه () سلم من ركعتين فقيل له في ذلك فصلى ما ترك وسجد سجدتين ، وأيضاً روي أنه سلم وقد بقي عليه ركعة بمثله وفي معناه أن يفعل سهواً ما يبطل عمده ، الرابع أنه () قام من الركعتين كما مر وفي معناه ترك التشهد في القعود ، وقوله () إذا قام الإمام من الركعتين فإن ذكر قبل أن يستوي قائماً فليجلس وإن استوى قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو .

أقول : في الحديث دليل على أن من كان قريب الاستواء ربما يستوي فإنه لا يجلس خلافاً لما عليه العامة انتهى . وفي المسوى اختلفوا في ذلك ، فعند الشافعية إذا شك في صلاته بنى على اليقين وهو الأقل سواء كان شك في ركعة أو ركن ، وعند الحنفية إن كان ذلك أول مرة سها يستقبل الصلاة ، وإن كان يعرض له كثيراً بنى على أكبر رأيه ، لحديث ابن مسعود إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب وقال أحمد : يطرح الشك إما بأخذ الأقل وإما بالتحري ، فإن اختار الأول سجد قبل السلام ، وإن اختار الثاني سجد بعده انتهى .

وإذا سجد الإمام تابعه المؤتم لأن ذلك من تمام الصلاة ، ولأنه كان يسجد الصحابة إذا سجد النبي () وقد ورد الأمر بمتابعة الإمام كما سبق .

باب القضاء للفوائت

إن كان الترك عمداً لا لعذر فدين الله تعالى أحق أن يقضى وقد اختلف أهل العلم في قضاء الفوائت المتروكة لا لعذر . فذهب الجمهور إلى وجوب القضاء . وذهب داود الظاهري وابن حزم وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه لاقضاء على العامد غير المعذور بل قد باء بإثم ما تركه من الصلاة ، وإليه ذهب شيخ الإسلام تقي الدين ابن تيمية ، ولم يأت الجمهور بدليل يدل على ذلك ، ولم أجد أنا دليلاً لهم من كتاب ولا سنة ، إلا ما ورد في حديث الخثعمية حيث قال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فدين الله أحق أن يقضى وهو حديث صحيح ، وفيه من العموم الذي يفيده المصدر المضاف ما يشمل هذا الباب ، فهذا الدليل ليس بأيدي الموجبين سواه . وقد اختلف أهل الأصول هل القضاء يكفي فيه دليل وجوب المقضى ، أم لا بد من دليل جديد يدل على وجوب القضاء ، والحق أنه لا بد من دليل جديد ، لأن ايجاب القضاء هو تكليف مستقل غير تكليف الأداء ، ومحل الخلاف هو الصلاة المتروكة لغيرعذر عمداً . وأقول : حكمه ما في الأحاديث الصحيحة أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ويحجوا البيت ويصوموا رمضان فمن فعل ذلك فقد عصم دمه وماله إلا بحقه ومن لم يفعل فلا عصمة لدمه وماله ، بل نحن مأمورون بقتاله كما أمر رسول الله () والمقاتلة تستلزم القتل ، ثم التوبة مقبولة فتارك الصلاة إن تاب وأناب وجب علينا أن نخلي سبيله فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم فمن علمنا أنه ترك صلاة من الصلوات الخمس وجب علينا أن نؤذنه بالتوبة ، فإن فعل فذاك وإن لم يفعل قتلناه ، حكم الله ومن أحسن من الله حكماً وأما إطلاق إسم الكفر عليه ، فقد ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة ، وتأويلها لم يوجبه الله علينا ولا أذن لنا فيه ، ومن غرائب بعض الفقهاء التردد في اطلاق اسم الفسق عليه ، معللاً ذلك بأن التفسيق لا يجوز إلا بدليل قطعي ، مع أنه يرمي بالكفر من خالفه في أدنى معتقداته التي لم يأذن الله لنا باعتقادها فضلاً عن التكفير بها والله المستعان . وأما كيفية القضاء فأقول : لا شك أن تقديم المقضية على المؤداة وتقديم الأولى من المقضيات على الأخرى هو الأولى والأحب ولو لم يرد في ذلك إلا فعله () في يوم الخندق لكان فيه كفاية ، وإنما الشأن في كون ذلك متحتماً لا يجوز غيره .

وإن كان أي الترك لعذر من نوم أو سهو أو نسيان أو اشتغال بملاحمة القتال مع عدم إمكان صلاة الخوف والمسايفة فليس بقضاء بل تجب تأدية تلك الصلاة المتروكة عند زوال العذر ، وذلك وقتها وفعلها فيه أداء كما يفيد ذلك أحاديث من نام عن صلاة أو سها عنها فوقتها حين يذكرها وقد تقدمت في أول كتاب الصلاة وفي ذلك خلاف . والحق أن ذلك هو وقت الأداء لا وقت القضاء للتصريح منه () أن وقت الصلاة المنسية أو التي نام عنها المصلي وقت الذكر ، وأما المتروكة لغير نوم وسهو كمن يترك الصلاة لاشتغاله بالقتال كما سبق فقد شغل النبي () وأصحابه يوم الخندق عن صلاة الظهر والعصر وما صلوهما إلا بعد هوي من الليل ، كما أخرجه أحمد والنسائي من حديثأبي سعيد وهو في الصحيحين من حديث جابر وليس فيه ذكر الظهر بل العصر فقط ، ولذلك قال الماتن :

بل أداء في وقت زوال العذر إلا صلاة العيد المتروكة العذر وهو عدم العلم بأن ذلك اليوم يوم عيد .

ففي ثانيه أي تفعل في اليوم الثاني ولا تفعل في يوم العيد بعد خروج الوقت إذا حصل العلم بأن ذلك اليوم يوم عيد ، لحديث عمير بن أنس عن عمومة له أنه غم عليهم الهلال فأصبحوا صياماً ، فجاء ركب من آخر النهار فشهدوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنهم رأوا الهلال بالأمس ، فأمر الناس أن يفطروا من يومهم وأن يخرجوا لعيدهم من الغد أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجة وابن حبان في صحيحه ، وصححه ابن المنذر وابن السكن وابن حزم والخطابي وابن حجر في بلوغ المرام .

أقول : وأما الكافر إذا أسلم فلا يجب عليه القضاء على كل حال ، لأن القائل بأنه غير مخاطب بالشرعيات ينفي عنه الوجوب حال الكفر ، والقائل أنه مخاطب يجعل الخطاب باعتبار الثواب والعقاب لا باعتبار وجوب الأداء أو القضاء ، فالإسلام يجب ما قبله بلا خلاف . والظاهر أن المرتد حكمه حكم غيره من الكفار في عدم وجوب القضاء لأن الدليل يصدق عليه كما يصدق على غيره من الكفار .

باب صلاة الجمعة

تجب على كل مكلف لأن الجمعة فريضة من فرائض الله تعالى ، وقد صرح بذلك كتاب الله عز وجل وما صح من السنة المطهرة ، كحديث أنه () هم بإحراق من يتخلف عنها وهو في الصحيح من حديث ابن مسعود ، وكحديث أبي هريرة لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين أخرجه مسلم وغيره ، ومن ذلك حديث حفصة مرفوعاً رواح الجمعة واجب على كل محتلم أخرجه النسائي بإسناد صحيح ، وحديث طارق بن شهاب الجمعة حق واجب على كل مسلم أخرجه أبو داود وسيأتي . وقد واظب عليها النبي () من الوقت الذي شرعها الله تعالى فيه إلى أن قبضه الله عز وجل . وقد حكى ابن المنذر الاجماع على أنها فرض عين . وقال ابن العربي : الجمعة فرض بإجماع الأمة وقال ابن قدامة في المغني : أجمع المسلمون على وجوب الجمعة وإنما الخلاف هل هي من فروض الأعيان ، أو من فروض الكفايات ؟ ومن نازع في فرضية الجمعة فقد أخطأ ولم يصب . قال في المسوى : اتفقت الأمة على فرضية الجمعة وأكثرهم على أنها من فروض الأعيان ، واتفقوا على أنه لا جمعة في العوالي ، وأنه يشترط لها الجماعة ، وأن الوالي إن حضر فهو الإمام . ثم اختلفوا في الوالي وشرط الموضع والجماعة . قال الشافعي : كل قرية اجتمع فيها أربعون رجلاً أحراراً مقيمين تجب عليهم الجمعة ولا تنعقد إلا بأربعين رجلاً كذلك ، والوالي ليس بشرط . وقال أبو حنيفة : لا جمعة إلا في مصر جامع أو في فنائه وتنعقد بأربعة ، والوالي شرط . وقال مالك : إذا كان جماعة في قرية بيوتها متصلة وفيها سوق ومسجد يجمع فيه وجبت عليهم الجمعة . وفي مختصر ابن الحاجب لا تجزيء الأربعة ونحوها ، ولا بد من قوم تتقري بهم القرية ، ولا يشترط السلطان على الأصح . قال في العالمكيرية : القروي إذا دخل المصر ونوى أن يخرج في يومه ذلك قبل دخول الوقت أو بعد دخوله لا جمعة عليه انتهى .

إلا المرأة والعبد والمسافر والمريض لحديث الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة عبد مملوك ، أو امرأة ، أو صبي ، أو مريض أخرجه أبو داود من حديث طارق بن شهاب عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وقد أخرجه الحاكم من حديث طارق عن أبي موسى قال الحافظ : وصححه غير واحد وفي حديث أبي هريرة وحديث جابر ذكر المسافر . وفي الحديثين مقال معروف ، والغالب أن المسافر لا يسمع النداء وقد ورد أن الجمعة على من سمع النداء ، كما في حديث ابن عمر وعند أبي داود . قال في المسوى : واتفقوا على أنه لا جمعة على مريض ولا مسافر ولا امرأة ولا عبد ، وأنه إن صلاها منهم أحد سقط الفرض ، وعلى أنه إن أم مريض أو مسافر جاز . وفي المنهاج ، وتصح خلف العبد والصبي والمسافر في الأظهر إذا تم العدد بغيره ، وفيه أيضاً ولا جمعة على معذور مرخص في ترك الجماعة . وفي العالمكيرية المطر الشديد والاختفاء من السلطان الظالم مسقط . قال في المنح : وكان صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يرخص في تركها وقت المطر ولو لم يبتل أسفل النعلين ، وكان يرخص في السفر يوم الجمعة لا سيما للجهاد انتهى .

وهي كسائر الصلوات لا تخالفها لكونه لم يأت ما يدل على أنها تخالفها في غير ذلك ، وفي هذا الكلام إشارة إلى رد ما قيل أنه يشترط في وجوبها الإمام الأعظم ، والمصر الجامع ، والعدد المخصوص ، فإن هذه الشروط لم يدل عليها دليل يفيد استحبابها فضلاً عن وجوبها فضلاً عن كونها شروطاً ، بل إذا صلى رجلان الجمعة في مكان لم يكن فيه غيرهما جماعة فقد فعلا ما يجب عليهما ، فإن خطب أحدهما فقد عملا بالسنة وإن تركا الخطبة فهي سنة فقط ، ولولا حديث طارق بن شهاب المذكور قريباً من تقييد الوجوب على كل مسلم بكونه في جماعة ومن عدم اقامتها () في زمنه في غير جماعة لكان فعلها فرادي مجزئاً كغيرها من الصلوات . وأما ما يروي من أربعة إلى الولاة ، فهذا قد صرح أئمة الشأن بأنه ليس من كلام النبوة ولا من كلام من كان في عصرها من الصحابة حتى يحتاج إلى بيان معناه أو تأويله ، وإنما هو من كلام الحسن البصري . ومن تأمل فيما وقع في هذه العبادة الفاضلة التي افترضها الله تعالى عليهم في الأسبوع وجعلها شعاراً من شعائر الإسلام ، وهي صلاة الجمعة من الأقوال الساقطة والمذاهب الزائغة والاجتهادات الداحضة قضى من ذلك العجب ، فقائل يقول : الخطبة كركعتين وأن من فاتته لم تصح جمعته ، وكأنه لم يبلغه ما ورد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من طرق متعددة يقوي بعضها بعضاً ويشد بعضها من عضد بعض أن من فاتته ركعة من ركعتي الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته ولا بلغه غير هذا الحديث من الأدلة . وقائل يقول : لا تنعقد الجمعة إلا بثلاثة مع الإمام . وقائل يقول : بأربعة . قائل يقول : بسبعة . وقائل يقول : بتسعة . وقائل يقول : باثنى عشر . وقال يقول بعشرين . وقائل يقول بثلاثين . وقائل يقول : لا تنعقد إلا بأربعين . وقائل يقول : بخمسين . وقائل يقول : لا تنعقد إلا بسبعين . وقائل يقول : فيما بين ذلك . وقائل يقول : بجمع كثير من غير تقييد . وقائل يقول : إن الجمعة لا تصح إلا في مصر جامع وحده بعضهم بأن يكون الساكنون فيه كذا وكذا من آلاف . وآخر قال : أن يكون فيه جامع وحمام . وآخر قال : أن يكون فيه كذا وكذا . وآخر قال: إنها لا تجب إلا مع الإمام الأعظم فإن لم يوجد أو كان مختل العدالة بوجه من الوجده لم تجب الجمعة ولم تشرع ، ونحو هذه الأقوال التي ليس عليها أثارة من علم ، ولا يوجد في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسول الله () حرف واحد يدل على ما ادعوه من كون هذه الأمور المذكورة شروطاً لصحة الجمعة ، أو فرضاً من فرائضها ، أو ركناً من أركانها فيالله العجب ما يفعل الرأي بأهله ، ومن يخرج من رؤوسهم من الخزعبلات الشبيهة بما يتحدث الناس به في مجامعهم وما يخبرونه في اسمارهم من القصص والأحاديث الملفقة وهي عن الشريعة المطهرة بمعزل يعرف هذا كل عارف بالكتاب والسنة، وكل متصف بصفة الإنصاف وكل من ثبت قدمه ولم يتزلزل عن طريق الحق بالقيل والقال ، ومن جاء بالغلط فغلطه رد عليه مضروب به في وجهه ، والحكم بين العباد هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما قال سبحانه : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول . إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا . فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً فهذه الآيات ونحوها تدل أبلغ دلالة ، وتفيد أعظم فائدة ، أن المرجع مع الاختلاف إلى حكم الله ورسوله ، وحكم الله هو كتابه ، وحكم رسوله بعد أن قبضه الله تعالى هو سنته ليس غير ذلك ، ولم يجعل الله تعالى لأحد من العباد وإن بلغ في العلم أعلى مبلغ وجمع منه ما لا يجمع غيره ، أن يقول في هذه الشريعة بشئ لا دليل عليه من كتاب ولا سنة ، والمجتهد وإن جاءت الرخصة له بالعمل برأيه عند عدم الدليل ، فلا رخصة لغيره أن يأخذ بذلك الرأي كائناً من كان ، وإني كما علم الله ، لا أزال أكثر التعجب من وقوع مثل هذا للمصنفين ، تصديره في كتب الهداية ، وأمر العوام والمقصرين باعتقاده والعمل به ، وهو على شفا جرف هار ، ولم يختص هذا بمذهب من المذاهب ، ولا بقطر من الأقطار ، ولا بعصر من العصور ، بل تبع فيه الآخر ، الأول كأنه أخذه من أم الكتاب وهو حديث خرافة ، وقد كثرت التعيينات في هذه العبادة كما سبقت الإشارة إليها بلا برهان ولا قرآن ولا شرع ولا عقل والبحث في هذا يطول جداً قال الماتن رح : وقد جمعت فيه مصنفين مطولاً ومختصراً ولله الحمد .

إلا في مشروعية الخطبتين قبلها لأن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سن في الجمعة خطبتين يجلس بينهما ، وما صلى بأصحابه جمعة من الجمع إلا وخطب فيها . إنما دعوى الوجوب أن كانت بمجرد فعله المستمر فهذا لا يناسب ما تقرر في الأصول ، ولا يوافق تصرفات الفحول ، وسائر أهل المذهب المنقول ، وأما الأمر بالسعي إلى ذكر الله ، فغايته أن السعي واجب ، وإذا كان هذا الأمر مجملاً فبيانه واجب ، فما كان متضمناً لبيان نفس السعي إلى الذكر يكون واجباً فأين وجوب الخطبة ، فإن قيل أنه لما وجب السعي إليها كانت واجبة بالأولى ، فيقال ليس السعي لمجرد الخطبة بل إليها وإلى الصلاة ، ومعظم ما وجب السعي لأجله هو الصلاة فلا تتم هذه الأولوية وهذا النزاع في نفس الوجوب ، وأما في كون الخطبة شرطاً للصلاة ، فعدم وجود دليل يدل عليه لا يخفى على عارف ، فإن شأن الشرطية أن يؤثر عدمها في عدم المشروط ، فهل من دليل يدل على أن عدم الخطبة يؤثر في عدم الصلاة . ثم اعلم أن الخطبة المشروعة هي ما كان يعتاده صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من ترغيب الناس وترهيبهم ، فهذا في الحقيقة روح الخطبة الذي لأجله شرعت . وأما اشتراط الحمد لله ، أو الصلاة على رسول الله ، أو قراءة شئ من القرآن ، فجميعه خارج عن معظم المقصود من شرعية الخطبة ، واتفاق مثل ذلك في خطبته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لا يدل على أنه مقصود متحتم وشرط لازم . ولا يشك منصف أن معظم المقصود هو الوعظ دون ما يقع قبله من الحمد والصلاة عليه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وقد كان عرف العرب المستمر ، أن أحدهم إذا أراد أن يقوم مقاماً ويقول مقالاً ، شرع بالثناء على الله وعلى رسوله ، وما أحسن هذا وأولاه ، ولكن ليس هو المقصود ، بل المقصود ما بعده . ولو قال قائل أن من قام في محفل من المحافل خطيباً ليس له باعث على ذلك إلا أن يصدر منه الحمد والصلاة لما كان هذا مقبولاً ، بل كل طبع سليم يمجه ويرده . إذا تقرر هذا عرفت أن الوعظ في خطبة الجمعة هو الذي يساق إليه الحديث ، فإذا فعله الخطيب فقد فعل الأمر المشروع ، إلا أنه إذا قدم الثناء على الله وعلى رسوله أو استطرد في وعظه القوارع القرآنية كان أتم وأحسن .

ووقتها وقت الظهر لكونها بدلاً عنه ، وقد ورد ما يدل على أنها تجزيء قبل الزوال كما في حديث أنس أنه كان صلى الله تعالى عليه وسلم يصلي الجمعة ثم يرجعون إلى القائلة يقيلون وهو في الصحيح ، ومثله من حديث سهل بن سعد في الصحيحين وثبت في الصحيح من حديث جابر أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي الجمعة ثم يذهبون إلى جمالهم فيريحونها حين تزول الشمس وهذا فيه التصريح بأنهم صلوها قبل زوال الشمس ، وقد ذهب إلى ذلك أحمد بن حنبل وهو الحق . وذهب الجمهور إلى أن أول وقتها أول وقت الظهر .

وعلى من حضرها أن لا يتخطى رقاب الناس إلا إذا كان إماماً أو كان بين يديه فرجة لا يصلها إلا بتخط كما نقله المحلى عن الروضة ، لحديث عبد الله بن بسر قال : جاء رجل يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة والنبي () يخطب فقال له رسول الله () إجلس فقد آذيت أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره ، ولحديث أرقم بن أبي أرقم المخزومي أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : الذي يتخطى الناس يوم الجمعة ويفرق بين الإثنين بعد خروج الإمام كالجار قصبه في النار أخرجه أحمد والطبراني في الكبير وفي إسناده مقال . وفي الباب أحاديث منها عن معاذ بن أنس عند الترمذي وابن ماجه قال : قال رسول الله ()  : من تخطى رقاب الناس يوم الجمعة اتخذ جسراً إلى جهنم قال الترمذي : حديث غريب ، والعمل عليه عند أهل العلم ، وفي تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين . ومنها تخطي رقاب الناس يوم الجمعة كذا عده الشيخ شمس الدين بن القيم من الكبائر ، وقد صرح النووي وغيره بأنه حرام إنتهى . قلت : وفي الباب عن عثمان وأنس أيضاً .

وأن ينصت حال الخطبتين لحديث أبي هريرة أن النبي () قال : إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت وهو في الصحيحين وغيرهما . وأخرج أحمد وأبو داود من حديث علي قال : من دنا من الإمام فلغا ولم يستمع ولم ينصت كان عليه كفل من الوزر ، ومن قال صه فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له ، ثم قال : هكذا سمعت نبيكم () وفي إسناده مجهول ، وفي الباب أحاديث عن جماعة من الصحابة .

أقول : وحاصل ما يستفاد من الأدلة أن الكلام منهي عنه حال الخطبة نهياً عاماً ، وقد خصص هذا النهي بما يقع من الكلام في صلاة التحية من قراءة وتسبيح وتشهد ودعاء والأحاديث المخصصة لمثل ما ذكر صحيحه ، فلا محيص لمن دخل المسجد حال الخطبة من صلاة ركعتي التحية إن أراد القيام بهذه السنة المؤكدة والوفاء بما دلت عليه الأدلة ، فإنه () أمر سليكاً الغطفاني لما وصل إلى المسجد حال الخطبة فقعد ولم يصل التحية بأن يقوم فيصلي ، فدل هذا على كون ذلك من المشروعات المؤكدة ، بل من الواجبات كما قرره شيخنا العلامة الشوكاني في رسالة مستقلة . وبينت أنا في دليل الطالب إلى أرجح المطالب وجوب صلاة التحية . ومن جملة مخصصات صلاة التحية حديث إذا جاء أحدكم والإمام يخطب فليصل ركعتين وهو حديث صحيح متضمن للنص في محل النزاع ، وأما ما عدا صلاة التحية من الأذكار والأدعية والمتابعة للخطيب في الصلاة على النبي () فلم يأت ما يدل على تخصيصها من ذلك العموم ، والمتابعة في الصلاة عليه () وإن وردت بها أدلة قاضية بمشروعيتها فهي أعم من أحاديث منع الكلام حال الخطبة من وجه ، وأخص منها من وجه ، فيتعارض العمومان وينظر في الراجح منهما ، وهذا إذا كان اللغو المذكور في حديث ومن لغا فلا جمعة له يشمل جميع أنواع الكلام ، وأما إذا كان مختصاً بنوع منه وهو ما لا فائدة فيه ، فليس فيه ما يدل على منع الذكر والدعاء والمتابعة في الصلاة عليه () ، وأما حديث : إذا دخل أحدكم المسجد والإمام يخطب فلا صلاة ولا كلام حتى يفرغ الإمام فقد أخرجه الطبراني في الكبير عن ابن عمر ، وفي سنده ضعف كما قاله صاحب مجمع الزوائد ، فلا تقوم به الحجة ولكنه قد روي ما يقويه ، فأخرج أبو يعلي والبزار عن جابر قال : قال سعد بن أبي وقاص لرجل لا جمعة لك فقال النبي () لم يا سعد ؟ فقال : لأنه تكلم وأنت تخطب ، فقال النبي () صدق سعد وفي إسناده مجالد بن سعيد وهو ضعيف عند الجمهور ، وأخرجه أيضاً ابن أبي شيبة . وقد ذكر العلامة الشوكاني في شرح المنتقى أحاديث تفيد معنى هذا الحديث فليراجع . ويقويها ما يقال أن المراد باللغو المذكور في الحديث التلفظ وإن كان أصله ما لا فائدة فيه بقرينة أن قول من قال لصاحبه أنصت لا يعد من اللغو ، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وقد سماه النبي () لغواً . ويمكن أن يقال أن ذلك الذي قال : أنصت لم يؤمر في ذلك الوقت بأن يقول هذه المقالة ، فكان كلامه لغواً حقيقة من هذه الحيثية .

وندب له التبكير لحديث أبي هريرة في الصحيحين وغيرهما أن رسول الله () قال : من إغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح فكأنما قرب بدنة ، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة ، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة ، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة ، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر وفي الباب أحاديث في شروعية التبكير قال في المسوى شرح الموطأ : الأصح أن هذه الساعات ساعات لطيفة بعد الزوال ، لا الساعات التي يدور عليها حساب الليل والنهار انتهى .

والتطيب والتجمل لحديث أبي سعيد عن النبي () قال : على كل مسلم الغسل يوم الجمعة ويلبس من صالح ثيابه وإن كان له طيب مس منه أخرجه أحمد وأبو داود ، وهو في الصحيحين بلفظ الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن وأن يمس طيباً إن وجد وأخرج أحمد والبخاري وغيرهما من حديث سلمان الفارسي قال : قال النبي صلى تعالى عليه وآله وسلم : لا يغتسل رجل يوم الجمعة ، ويتطهر بما استطاع من طهر ، ويدهن من دهنه ، أو يمس من طيب بيته ، ثم يروح إلى المسجد ولا يفرق بين اثنين ، ثم يصلي ما كتب له ، وثم ينصت للإمام إذا تكلم ، إلا غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة الأخرى وأخرج أحمد وغيره من حديث أبي أيوب قال : سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم يقول : من اغتسل يوم الجمعة ، ومس من طيب إن كان عنده ، ولبس من أحسن ثيابه ، ثم خرج وعليه السكينة حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً ، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي ، كان كفارة لما بينها وبين الجمعة الأخري ورجال إسناده ثقات وفي الباب أحاديث .

والدنو من الإمام لحديث سمرة عند أحمد وأبي داود أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : احضروا الذكر وادنوا من الإمام فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة وإن دخلها وفي إسناده انقطاع وفي الباب أحاديث ومن جملة ما يشرع يوم الجمعة الغسل وقد تقدم الكلام عليه في باب الغسل .

ومن أدرك ركعة منها فقد أدركها لحديث من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فليضف إليها أخرى وقد تمت صلاته فهذا وإن كان فيه مقال غايته الإعلال بالإرسال ، فقد ثبت رفعه من طريق جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة ، فإنه روي عنه من ثلاثة عشر طريقاً ، ومن ثلاث طرق عن ابن عمر ، وبعضها يؤيد بعضاً ، فهي لا تقصر عن رتبة الحسن لغيره . وقد أخرجه الحاكم من ثلاث طرق عن أبي هريرة ، وقال فيها على شرط الشخين ، فالعجب من أن يؤثر على هذا كله قول عمر بن الخطاب ، ويدعم بتلك العصا التي لا يأخذها إلا الزمن ، أو من ضاقت عليه المسالك فيقال : ولم يرد خلافه عن أحد من الصحابة ، والحال أن أول المخالفين له رسول الله () بعموم قوله وخصوصه .

والحاصل : أن الحديث له طرق كثيرة يصير بها حسناً لغيره وقد قدمنا أنها كسائر الصلوات ، وليست الخطبة شرطاً من شروط الجمعة حتى يتوقف إدراك الصلاة على إدراك الخطبة ، فمن زعم أن صلاة الجمعة تختص بحكم يخالف سائر الصلوات فعليه الدليل . وقد أوضح الماتن المقال في أبحاث مطولة وقعت مع بعض الأعلام مشتملة على مايحتاج إليه في هذا البحث فليرجع إلى ذلك فهو مفيد جداً .

وهي في يوم العيد رخصة لحديث زيد بن أرقم أن النبي () صلى العيد في يوم الجمعة ثم رخص في الجمعة فقال من شاء أن يجمع فليجمع أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه والنسائي والحاكم وصححه علي بن المديني . وأخرج أبو داود وابن ماجة والحاكم من حديث أبي هريرة عن النبي () أنه قال : قد اجتمع في يومكم هذا عيدان فمن شاء أجزاه من الجمعة وإنا مجمعون وقد أعل بالإرسال ، وفي إسناده أيضاً بقية بن الوليد ، وفي الباب أحاديث عن ابن عباس وابن الزبير وغيرهما ، وظاهر أحاديث الترخيص يشمل من صلى العيد ومن لم يصل ، بل روى النسائي وأبو داود أن ابن الزبير في أيام خلافته لم يصل بالناس الجمعة بعد صلاة العيد ، فقال ابن عباس لما بلغه ذلك أصاب السنة وفي إسناده مقال .

أقول : الظاهر أن الرخصة عامة للإمام وسائر الناس كما يدل على ذلك ما ورد من الأدلة ، وأما قوله () ونحن مجمعون فغاية ما فيه أنه أخبرهم بأنه سيأخذ بالعزيمة ، وأخذه بها لا يدل على أن لا رخصة في حقه وحق من تقوم بهم الجمعة ، وقد تركها ابن الزبير في أيام خلافته كما تقدم ولم ينكر عليه الصحابة ذلك .

باب صلاة العيدين

قد إختلف أهل العلم هل صلاة العيد واجبة أم لا ؟ والحق الوجوب لأنه () مع ملازمته لها قد أمرنا بالخروج إليها كما في حديث أمره () للناس أن يغدوا إلى مصلاهم بعد أن أخبره الركب برؤية الهلال وهو حديث صحيح . وثبت في الصحيح من حديث أم عطية قالت : أمرنا رسول الله () أن نخرج في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور ، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين فالأمر بالخروج يقتضي الأمر بالصلاة لمن لا عذر لها بفحوى الخطاب ، والرجال أولى من النساء بذلك لأن الخروج وسيلة إليها ، ووجوب الوسيلة يستلزم وجوب المتوسل إليه ، بل ثبت الأمر القرآني بصلاة العيد كما ذكره أئمة التفسير في قوله تعالى : فصل لربك وانحر فإنهم قالوا : المراد صلاة العيد ، ومن الأدلة على وجوبها أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد ، وما ليس بواجب لا يسقط ما كان واجباً .

هي ركعتان يجهر فيهما بالقراءة يقرأ عند إرادة التخفيف سبح اسم ربك الأعلى و هل أتاك وعند الإتمام ق و اقتربت الساعة وعند الشافعي تشرع صلاة العيد جماعة وللمنفرد والعبد والمرأة والمسافر ، و لا يخطب المنفرد ويخطب إمام المسافرين . وعند أبي حنيفة تجب صلاة العيد على كل من تجب عليه صلاة الجمعة ، ويشترط لصلاة العيد ما يشترط لصلاة الجمعة كذا في المسوى وغيره .

في الأولى سبع تكبيرات قبل القراءة وفي الثانية خمس كذلك لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي () كبر في عيد ثنتي عشرة تكبيرة سبعاً في الأولى وخمساً في الثانية أخرجه أحمد وابن ماجه ، وقال أحمد أنا أذهب إلى هذه . قال العراقي إسناده صالح . ونقل الترمذي في العلل المفردة عن البخاري أنه قال : إنه حديث صحيح . وفي رواية لأبي داود والدارقطني التكبير في الفطر سبع في الأولى وخمس في الأخيرة والقراءة بعدهما كلتيهما وإسناد الحديث صالح ، وقد صححه البخاري . وأخرج الترمذي من حديث عمرو بن عوف المزني أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الثانية خمساً قبل القراءة وقد حسنه الترمذي وأنكر عليه تحسينه لأن في إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه عن جده وهو متروك . قال النووي : لعله اعتضد بشواهد وغيرها انتهى . قال العراقي : إن الترمذي إنما تبع في ذلك البخاري فقد قال في كتاب العلل المفردة : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : ليس في هذا الباب شئ أصح منه ، وبه أقول انتهى . وقد أخرجه ابن ماجه بدون ذكر القراءة وأخرجه الدارقطني وابن عدي والبيهقي وفي إسناده كثير بن عبد الله ابن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده . قال الشافعي وأبو داود : أنه ركن من أركان الكذب . وقال ابن حبان : له نسخة موضوعة عن أبيه عن جده . وأخرج ابن ماجة من حديث سعد القرظ المؤذن أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يكبر في العيدين في الأولى سبعاً قبل القراءة وفي الآخرة خسماً قبل القراءة قال العراقي : وإسناده ضعيف . وفي الباب أحاديث تشهد لذلك والجميع يصلح للإحتجاج به . وفي المسألة عشرة مذاهب هذا أرجحها . قال في الحجة : يكبر في الأولى سبعاً قبل القراءة والثانية خمساً قبل القراءة . وعمل الكوفيين أن يكبر أربعاً كتكبير الجنائز في الأولى قبل القراءة وفي الثانية بعدها وهما سنتان وعمل الحرمين أرجح انتهى .

أقول : الذي دلت عليه الأدلة أن يكون التكبير مقدماً على القراءة في الركعتين كما ثبت ذلك من فعله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم في حديث عمرو بن عوف المزني المتقدم ، ولم يأت من قال بمشروعية تقديم القراءة في الركعتين ، أو تأخيرها في الأولى وتقديهما في الثانية بحجة قط .

ثم اعلم أن الحافظ قال في التلخيص قوله : ويقف بين كل تكبيرتين بقدر آية لا طويلة ولا قصيرة . روي مثل ذلك عن ابن مسعود قولاً وفعلاً . قلت : رواه الطبراني والبيهقي موقوفاً وسنده قوي ، وفيه عن حذيفة وأبي موسى مثله ، وعن عمر أنه كان يرفع يديه في التكبيرات رواه البيهقي وفيه ابن لهيعة . واحتج ابن المنذر والبيهقي بحديث روياه من طريق بقية عن الزبيدي عن الزهري عن سالم عن أبيه في الرفع عند الإحرام والركوع والرفع منه وفي آخره يرفعهما في كل تكبيرة يكبرها قبل الركوع انتهى . قال في شرح المنتقى : والظاهر عدم وجوب التكبير كما ذهب إليه الجمهور لعدم وجدان دليل يدل عليه انتهى .

والحاصل : أنه سنة لا تبطل الصلاة بتركه عمداً ولا سهواً . قال ابن قدامة : ولا أعلم فيه خلافاً . قالوا وإن تركه لا يسجد للسهو . وروي عن مالك وأبي حنيفة أنه يسجد للسهو والحق الأول .

ويخطب بعدها يأمر بتقوى الله تعالى ويذكر ويعظ لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد قال : كان النبي () يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى وأول شئ يبدأ به الصلاة ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم وإن كان يريد أن يقطع بعثاً أو يأمر بشئ أمر به ثم ينصرف وفي الباب من حديث جابر عند مسلم وغيره ، وأول من خطب قبل الصلاة في العيد مروان وأنكر عليه ذلك وأخرج النسائي وابن ماجة وأبو داود من حديث عبد الله بن السائب قال : شهدت مع النبي () العيد فلما قضى الصلاة قال : إنا نريد أن نخطب فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس ومن أحب أن يذهب فليذهب .

ويستحب في العيد التجمل بالثياب ، فقد ثبت في الصحيحين أن عمر وجد حلة في السوق من استبرق تباع فأخذها فأتى بها النبي () فقال : يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفد . فقال : إنما هذه لباس من لا خلاق له وأخرج الشافعي عن شيخه إبراهيم بن محمد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن النبي () كان يلبس برد حبرة في كل عيد وشيخ الشافعي ضعيف ولكنه قد تابعه سعيد بن الصلت ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عن ابن عباس بمثله أخرجه الطبراني . وأخرج ابن خزيمة عن جابر أن النبي () كان يلبس البرد الأحمر في العيدين وفي الجمعة .

والخروج إلى خارج البلد لمواظبته () على ذلك ، وصلى بهم () صلاة العيد في المسجد لمطر وقع كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود وابن ماجة والحاكم وفي إسناده مجهول .

ومخالفة الطريق لحديث أبي هريرة عند البخاري وغيره قال : كان النبي () إذا كان يوم العيد خالف الطريق وأخرج أبو داود وابن ماجة نحوه من حديث ابن عمر وفي الباب أحاديث غير ما ذكر .

والأكل قبل الخروج في الفطر دون الأضحى لما ثبت في الصحيح من حديث أنس قال : كان النبي () لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات ويأكلهن وتراً وأخرج أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث بريدة قال : كان رسول الله () لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل ، ولا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع زاد أحمد فيأكل من أضحيته وفي الباب أحاديث .

ووقتها بعد ارتفاع الشمس قدر رمح إلى الزوال لما أخرجه أحمد بن الحسن البناء في كتاب الأضاحي من حديث جندب قال : كان النبي صلى الله تعالى عليه وأله وسلم يصلى بنا يوم الفطر والشمس على قيد رمحين ، والأضحى على قيد رمح وأخرج أبو داود وابن ماجة من حديث عبد الله بن بسر صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه خرج مع الناس يوم عيد فطر أو أضحى فأنكر إبطاء الإمام وقال : إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه وذلك حين التسبيح أي حين وقت صلاة العيد . وأخرج الشافعي مرسلاً أن النبي () كتب إلى عمرو بن حزم وهو بنجران أن عجل الأضحى وأخر الفطر وفي إسناده إبراهيم بن محمد شيخ الشافعي وهو ضعيف ، وقد وقع الإجماع على ما أفادته الأحاديث وإن كانت لا تقوم بمثلها الحجة ، وأما آخر وقت صلاة العيدين فزوال الشمس . وإذا كان الغدو من بعد طلوع الشمس إلى الزوال كما قال بعض أهل العلم ، فحديث أمره () للركب أن يغدوا إلى مصلاهم يدل على ذلك . قال في البحر : وهي من بعد إنبساط الشمس إلى الزوال ولا أعرف فيه خلافاً .

ولا أذان فيها ولا إقامة لما ثبت في الصحيح من حديث جابر بن سمرة قال : صليت مع النبي () غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة وثبت في الصحيحين عن ابن عباس أنه قال : لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى وفي الباب أحاديث . وأما تكبير أيام التشريق فلا شك في مشروعية مطلق التكبير في الأيام المذكورة ، ولم يثبت تعيين لفظ مخصوص ولا وقت مخصوص ولا عدد مخصوص . بل المشروع الإستكثار منه دبر الصلوات وسائر الأوقات . فما جرت عليه عادة الناس اليوم إستناداً إلى بعض الكتب الفقهية من جملة عقب كل صلاة فريضة ثلاث مرات ، وعقب كل صلاة نافلة مرة واحدة . وقصر المشروعية على ذلك فحسب ، ليس عليه أثارة من علم فيما أعلم . وأصح ماورد فيه عن الصحابة أنه من صبح يوم عرفة إلى آخر أيام منى . وأما صفة التكبير فأصح ما ورد فيه ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن سلمان قال كبروا : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً ، قال في شرح المنتقى نقلاً عن الفتح : وقد أحدث في هذا الزمان زيادة في ذلك لا أصل لها انتهى . قال الشوكاني : والظاهر أن تكبير التشريق لا يختص استحبابه بعقب الصلوات ، بل هو مستحب في كل وقت من تلك الأيام كما تدل على ذلك الآثار انتهى .

باب صلاة الخوف

قد صلاها رسول الله () على صفات مختلفة قيل على ستة عشر ، وقيل سبعة عشرة ، وقيل ثمانية عشر ، وقيل أقل من ذلك . وقد صح منها أنواع . فمنها أنه () بكل طائفة ركعتين ، فكان للنبي () أربع وللقوم ركعتان ، وهذه الصفة ثابتة في الصحيحين من حديث جابر . ومنها أنه صلى بكل طائفة ركعة ، فكان له ركعتان وللقوم ركعة ، وهذه الصفة أخرجها النسائي بإسناد رجاله ثقات . ومنها أنه صلى بهم جميعاً ، فكبر وكبروا ، وركع وركعوا ، ورفع ورفعوا ، ثم سجد وسجد معه الصف الذي يليه ، وقام الصف المؤخر في نحر العدو ، فلما قضى النبي () السجود والصف الذي يليه ، إنحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ، ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم وفعلوا كالركعة الأولى ، ولكنه قد صار الصف المؤخر مقدماً والمقدم مؤخراً ، ثم سلم النبي () وسلموا جميعاً . وهذه الصفة ثابتة في صحيح مسلم وغيره من حديث جابر ومن حديث أبي عياش الزرقي عند أحمد وأبي داود والنسائي . ومنها أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو ، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقيلين على العدو وجاء أولئك ، ثم صلى النبي () ثم قضى هؤلاء ركعة . وهذه الصفة ثابتة في الصحيحين من حديث ابن عمر . ومنها أنها قامت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم طائفة وطائفة أخرى مقابل العدو وظهورهم إلى القبلة ، فكبر فكبروا جميعاً الذين معه والذين مقابل العدو ، ثم ركع ركعة واحدة وركعت الطائفة التي معه ، ثم سجد فسجدت التي تليه والآخرون قيام مقابل العدو ، ثم قام وقامت الطائفة التي معه فذهبوا إلى العدو فقابلوهم ، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كما هو ، ثم قاموا فركع ركعة أخرى وركعوا معه وسجد وسجدوا معه ، ثم أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد ومن معه ، ثم كان السلام فسلم وسلموا جميعاً ، فكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعتان ، وللقوم لكل طائفة ركعتان ، وهذه الصفة أخرجها وأحمد والنسائي وأبو داود . ومنها أنه () صلى بطائفة ركعة وطائفة وجاه العدو ، ثم ثبت قائماً فأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا وجاه العدو ، وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت من صلاته فأتموا لأنفسهم فسلم بهم ، وهذه الصفة ثابتة في الصحيحين من حديث سهل بن أبي حثمة ، وإنما اختلفت صلاته () في الخوف ، لأنه كان في كل موطن يتحرى ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة .

وكلها مجزئة لأنها وردت على أنحاء كثيرة وكل نحو روى عن النبي () ، فهو جائز يفعل الإنسان ما هو أخف عليه وأوفق بالمصلحة حالتئذ كذا في الحجة .

أقول : من زعم من أهل العلم أن المشروع من صلاة الخوف ليس إلا صفة من الصفات الثابتة دون ماعداها ، فقد أهدر شريعة ثابتة وأبطل سنة قائمة بلا حجة نيرة . وغالب ما يدعو إلى ذلك ويوقع فيه قصور الباع وعدم الإعتناء بكتب السنة المطهرة . فالحق الحقيق بالقبول جواز جميع ماثبت من الصفات . وقد ذكر هنا صاحب المنتقى أنواعاً هي حاصل ما ذكره المحدثون مما بلغ إلى رتبة الصحيح ، وثم صفات أخر ليست ببالغة إلى تلك الرتبة . فإن قلت : ما الحكمة في وقوع هذه الصلاة على أنواع مختلفة ؟ قلت : أمران : الأول اقتضاء الحادثة لذلك والمقتضيات مختلفة ، ففي بعض المواطن تكون بعض الصفات أنسب من بعض لما يكون فيها من أخذ الحذر والعمل بالحزم ما يناسب الخوف العارض ، فقد يكون الخوف في بعض المواطن شديداً والعدو متصلاً أو قريباً ، وفي بعض المواطن قد يكون الخوف خفيفاً والعدو بعيداً فتكون هذه الصفة أولى بهذا الموطن . وهذه أولى بهذا الموطن . فالأمر الثاني أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فعلها متنوعة إلى تلك الأنواع لقصد التشريع وإرادة البيان للناس ، وأما صلاة المغرب فقد وقع الإجماع على أنه لا يدخلها القصر ، ووقع الخلاف هل الأولى أن يصلي الإمام بالطائفة الأولى ركعتين والثانية ركعة أو العكس ، ولم يثبت في ذلك شئ عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم. وقد روي أن علياً رضي الله تعالى عنه صلاها ليلة الهرير واختلفت الرواية في حكاية فعله كما إختلفت الأقوال . والظاهر أن الكل جائز وأن صلى لكل طائفة ثلاث ركعات فيكون له ست ركعات وللقوم ثلاث ركعات فهو صواب قياساً على فعله في غيرها . وقد تقرر صحة إمامة المتنفل بالمفترض كما سبق .

وإذا اشتد الخوف والتحم القتال صلاها الراجل والراكب ولو إلى غير القبلة ولو بالإيماء ويقال لصلاة الخوف عند إلتحام القتال صلاة المسايف . أخرج البخاري عن ابن عمر في تفسير سورة البقرة بلفظ فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالاً قياماً على أقدامهم ، أو ركباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها . قال مالك قال نافع : لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله () وهو في مسلم من قول ابن عمر بنحو ذلك . وقد رواه ابن ماجه عن ابن عمر أن النبي () وصف صلاة الخوف وقال : فإن كان خوف أشد من ذلك فرجالا وركباناً وأخرج أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن عبد الله بن أنيس قال : بعثني رسول الله () إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرنة وعرفات فقال : إذهب فاقتله . قال : فرأيته وقد حضرت صلاة العصر فقلت : إني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشي وأنا أصلي أوميء إيماء نحوه فلما دنوت منه الحديث . ومن البعيد أن لا يخبر النبي () بذلك ولو أنكره لذكر ذلك .

باب صلاة السفر

يجب القصر لحديث عائشة الثابت في الصحيح أن النبي () قال : فرضت الصلاة ركعتين فزيدت في الحضر وأقرت في السفر فهذا يشعر بأن صلاة السفر باقية على الأصل ، فمن أتم فكأنه صلى في الحضر الثنائية أربعاً والرباعية ثمانياً عمداً . وثبت أيضاً في الصحيح أن النبي () قال : صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته وكان النبي () يقتصر في جميع أسفاره على القصر . قلت : اتفقت الأمة على جواز القصر في السفر ، واختلف المفسرون في قوله تعالى : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أنزلت في السفر وقيد الخوف اتفاقي ، أو في الخوف وقيد السفر اتفاقي ، والمراد من القصر الإيماء في الركوع والسجود . فذهب إلى الأول جماعات من المفسرين ، وإلى الثاني يشير قول ابن عمر ويدل عليه بناء قوله تعالى : وإذا كنت فيهم على آية القصر من غير ذكر الخوف ثانياً . ثم مذهب الأكثرين أن القصر واجب . وقال الشافعي : إن شاء أتم وإن شاء قصر والقصر أفضل كذا في المسوى .

أقول : الحق وجوب القصر والأحاديث مصرحة بما يقتضي ذلك ، وأما ما يروى عن عائشة أن النبي () كان يقصر في الصلاة ويتم ويفطر ويصوم فلم يثبت كما صرح به جماعة من الحفاظ ، وكذلك ماروي عنها أنها فعلت ذلك ولم ينكر عليها رسول الله () ، وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة بما تسقط به حجيته ، وكذلك ماروي عن أن عثمان أتم الصلاة بمنى فلا حجة في ذلك ، وقد صح إنكار بعض الصحابة عليه واعتذاره عن ذلك ، فلم يبق في المقام ما يوجب التردد . والظاهر من الأدلة في القصر والإفطار ، عدم الفرق بين من سفره في طاعة ، ومن سفره في معصية ، لا سيما القصر لأن صلاة المسافر شرعها الله كذلك ، فكما أن الله شرع للمقيم صلاة التمام من غير فرق بين من كان مطيعاً ومن كان عاصياً بلا خلاف ، كذلك شرع للمسافر ركعتين من غير فرق . وأدلة القصر متناولة للعاصي تناولاً زائداً على تناول أدلة الإفطار له ، لأن القصر عزيمة وهي لم تشرع للمطيع دون العاصي ، بل مشروعة لها جميعاً بخلاف الإفطار ، فإنه رخصة للمسافر ، والرخصة تكون لهذا دون هذا في الأصل وإن كانت هنا عامة ، وإنما المراد بطلان القياس ، والركعتان في السفر تمام غير قصر ، ومعناه عند الحنفية أنه لا يكون فرض المسافر غير ركعتين ، وأن صلى أربعاً ولم يقعد للتشهد بطلت صلاته ، وإن قعد أتمها أربعاً والأخريان نقل . وعند الشافعية أن المسافر إذا قصر في السفر فليس عليه ما تركه إذا صار مقيماً بخلاف الصوم ، فإنه يعيد ما أفطر إذا صار مقيماً . وإيجاب القصر على من خرج من بلده قاصداً للسفر وإن كان دون بريد وجهه أن الله تعالى قال : وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة والضرب في الأرض يصدق على كل ضرب ، لكنه خرج الضرب أي المشي لغير السفر لما كان يقع منه () من الخروج إلى بقيع الغرقد ونحوه ولا يقصر ، ولم يأت في تعيين قدر السفر الذي يقصر فيه المسافر شئ ، فوجب الرجوع إلى ما يسمى سفراً لغة وشرعاً . ومن خرج من بلده قاصداً إلى محل يعد في مسيره إليه مسافراً قصر الصلاة وإن كان ذلك المحل دون البريد ، ولم يأت من اعتبر البريد واليوم واليومين والثلاث وما زاد على ذلك بحجة نيرة . وغاية ماجاءوا به حديث لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر ثلاثة أيام بغير ذي محرم وفي رواية يوماً وليلة وفي رواية بريداً وليس في هذا الحديث ذكر القصر ولا هو في سياقه والإحتجاج به مجرد تخمين . وأحسن ما ورد في التقدير ما رواه شعبة عن يحيى بن زيد الهنائي قال : سألت أنساً عن قصر الصلاة فقال : كان رسول الله () إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين والشك في شعبة أخرجه مسلم وغيره . فإن قلت : محل الدليل في نهي المرأة عن السفر تلك المسافة بدون محرم هو كونه () سمى ذلك سفراً . قلت : تسميته سفراً لا تنافي تسمية ما دونه سفراً ، فقد سمى النبي () مسافة الثلاث سفراً ، كما سمى مسافة البريد سفراً في ذلك الحديث باعتبار إختلاف الرواية ، وتسمية البريد سفراً لا ينافي تسمية ما دونه سفراً . فإن قلت أخرج الدارقطني والبيهقي والطبراني من حديث ابن عباس أنه () قال : يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان قلت : هو ضعيف لا تقوم به الحجة ، فإن في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر وهو متروك . قال الماتن وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها لدي . وقال أبو حنيفة : مسيرة ثلاثة أيام ، وفي العالمكيرية الصحيح أنه لا يشترط سير كل اليوم إلى الليل ، فلو بكر في كل يوم ومشى إلى الزوال ثم نزل يصير مسافراً ، وقال الشافعي أربعة برد . وقال مالك . وذلك أحب ما سمعت يقصر فيه الصلاة إلي ، وتفسيرها ستة عشر فرسخاً ، ويتجه على هذا أن قولهما متقاربان . قال الأوزاعي : عامة الفقهاء يقولون مسيرة يوم تام ، وإنما يحل القصر إذا خرج من بيوت القرية . قال العلماء : إذا جاوز عمران المصر قصر . أقول مسألة أقل السفر قد إضطربت فيها الأقوال ، وطال فيها النزاع ، وتشعبت فيها المذاهب ، وليس في ذلك شئ يستند إليه ، إلا مجرد قول الرواة قصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كذا من دون بيان لمقدار يرجع إليه ، وأصرح ما في ذلك ما قاله بعض الرواة أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يقصر إذا سافر ثلاثة أميال ، أو ثلاثة فراسخ هكذا على الشك ، مع أنه لم يبين مقدار المسافة التي هي إنتهاء سفره . وغاية ما وقع التعويل عليه أحاديث لا يحل لامرأة كما تقدمت ، والمعمول عليه ههنا رواية البريد ، لأن ما فوقها يعتبر فيه ذلك بفحوى الخطاب . لكن لا ملازمة بين إعتبار المحرم للمرأة وبين وجوب القصر على غيرها من المسافرين ، لأن علة مشروعية المحرم غير علة مشروعية القصر ، فلم يبق في المسألة ما يصلح للإستناد إليه ، فوجب الرجوع إلى ما يصدق عليه مسمى الضرب في الأرض على وجه يخالف ما يفعله المقيم من ذلك ، وهو يصدق على من أراد سفراً زائداً على الميل لا ما كان ميلاً فما دون ، فقد يتردد المقيم في الجوانب المقاربة لبلد إقامته ، وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يخرج إلى البقيع لزيارة الأموات ولا يقصر ، وإن كان هذا لا يتم الإحتجاج به إلا بعد تسلم أنه خرج إلى هنالك وحضر وقت الصلاة فصلى تماماً وهو ممنوع ، فالتعويل في إستثناء الميل هو ما قدمنا ، وفيه ما فيه لولا أنه أوجب الرجوع إليه البقاء على الأصل ، والفرار من التحكمات التي لا ترجع إلى شئ ، كما يقوله بعض أهل العلم ، إن مسافة القصر ما بين الشام والعراق ونحو ذلك .

فالحاصل : أن الواجب الرجوع إلى ما يصدق عليه إسم السفر شرعاً أو لغة أو عرفاً لأهل الشرع ، فما كان ضرباً في الأرض يصدق عليه أنه سفر وجب فيه القصر . وأما ما رواه سعيد بن منصور أنه كان يصلي الله تعالى عليه وآله وسلم إذا سافر فرسخاً يقصر الصلاة فهو أيضاً لا ينفي السفر فيما دون ذلك .

وإذا أقام ببلد متردداً قصر إلى عشرين يوماً ثم يتم . وجهه أن من حط رحله بدار إقامة ، فقد ذهب عنه حكم السفر وفارقته المشقة ، فلولا أن الشارع سمى من أقام كذلك مسافراً فقال : أتموا يا أهل مكة فإنا قوم سفر لما كان حكم السفر ثابتاً له ، فالواجب الاقتصار في القصر مع الإقامة على المقدار الذي سوغه الشارع ، وما زاد عليه فللمسافر حكم المقيم يجب عليه أن يتم صلاته ، لأنه مقيم لا مسافر ، وقد أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة في غزوة الفتح قيل ثماني عشرة ليلة ، وقيل تسع عشرة ليلة ، وقيل أقل من ذلك . وفي صحيح البخاري وغيره تسع عشرة ليلة . وأخرج أحمد وأبو داود من حديث جابر قال : أقام النبي () بتبوك عشرين ليلة يقصر الصلاة وأخرجه أيضاً ابن حبان والبيهقي وصححه ابن حزم والنووي ، فوجب علينا أن نقتصر علي هذا المقدار وتتم بعد ذلك ولله در الحبر ابن عباس ما أفقهه وما أفهمه للمقاصد الشرعية ، فإنه قال فيما رواه عنه البخاري وغيره : لما فتح النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم مكة ، أقام فيها تسع عشرة يصلي ركعتين قال : فنحن إذا سافرنا فأقمنا تسع عشرة قصرنا وإن زدنا أتممنا .

وأقول : هذا الفقه الدقيق والنظر المبني على أبلغ تحقيق . ولو قال له جابر أقمنا مع رسول الله () بتبوك عشرين ليلة نقصر الصلاة لقال بموجب ذلك . قال الماتن : وفي المسألة مذاهب هذا أرجحها لدي انتهى .

أقول : الظاهر فيمن أقام ببلد وحط الرحل يوماً بعد يوم ، وليلة بعد ليلة ، أنه لا يقصر الصلاة ، لأنه غير مسافر ، فلو لم يرد الدليل الدال على أن من أقام عازماً على السفر ، كان له حكم المسافر لم يثبت القصر في حقه ، فينبغي أن يقتصر على ما ورد ولا يجاوز . أما مع التردد وعدم العزم على إقامة أيام معينة ، فلا يزال يقصر المسافر حتى يبلغ مدة إقامته مقدار المدة التي أقامها رسول الله () بمكة بعد الفتح ، وأكثر ما قيل عشرون ليلة . وقد روي أنه أقام في غزوة تبوك بمكان نحو ذلك وروي أكثر . فإن قيل أن الاقتصار على مقدار إقامته () وعدم تجويز القصر فيما زاد عليها لا يصلح للتمسك به ، لأنه مجرد فعل لا دلالة فيه على قصر الجواز على تلك المدة ، ومن أين لنا أنه لو عرض له ما يوجب إقامته فوق تلك المدة لما قصر الصلاة بل كان يتمها ، فيقال هذا صحيح ، ولم نقل إن هذا الفعل يدل بمجرده على ذلك ، بل قلنا إن من حط رحله بمحل ، فالظاهر أنه في ذلك الوقت غير مسافر فيما كان من الإقامة زائداً على ما يعتاده المسافرون من الإراحة لأنفسهم ودوابهم يوماً أو بعض يوم ، وليلة أبو بعض ليلة ، فإذا سمى بعد إقامته أياماً مسافراً ، فهذه التسمية غير مناسبة لما هو الظاهر ، فوجب الاقتصار على مقدار المدة التي أقامها الشارع وقصر الصلاة فيها وقال : إنا قوم سفر ومن زعم جواز القصر فيما زاد عليها فعليه الدليل ، وأما إذا نوى إقامة أيام معينة ، فقد وقع الاضطراب في ذلك فقيل أربعة أيام ، فإن نوى إقامة أكثر منها قصر ، واستدل هذا القائل بإقامته () في مكة في حجة الوداع أربعة أيام يقصر الصلاة . ووجه الإستدلال بهذا كالوجه الذي ذكرناه مع التردد سواء بسواء ، وهو أشف ما قيل . وغاية ما تمسك به أهل الأقوال الآخرة ما روي عن جماعة من الصحابة من الإجتهادات المختلفة ولا حجة في ذلك . وما يقال من أنها بمنزلة المرفوع لكونها ليست من مسارح الإجتهاد ، فمردود على أن التقدير بالأربع مع كونه أشف ما قيل كما ذكرنا . يمكن أن يقال عليه إنما يتم الإستدلال به بعد ثبوت أنه () عزم على إقامة الأربع ولم ينقل ذلك ، ويمكن أن يجاب بأن أعمال الحج لا يمكن الإتيان بها في دون تلك المدة ، فالعزم على الإقامة قدرها لا بد منه . وأما ما روي عن أنس أنه قال : أقمنا مع النبي () عشراً فهو محمول على جميع أيام الإقامة بمكة ونواحيها ، وأما نفس الإقامة بمكة فليست إلا أربعة أيام فليعلم .

وإذا عزم على إقامة أربع أتم بعدها وجهه ما عرفناك من أن المقيم لا يعامل معاملة المسافر ، إلا على الحد الذي ثبت عن الشارع ، ويجب الإقتصار عليه ، وقد ثبت عنه مع التردد ما قدمنا ذكره ، وأما مع عدم التردد بل العزم على إقامة أيام معينة ، فالواجب الاقتصار على ما اقتصر عليه صلى الله تعالى وآله وسلم مع عزمه على الإقامة في أيام الحج ، فإنه ثبت في الصحيحين أنه قدم مكة صبيحة رابعة من ذي الحجة ، فأقام بها الرابع والخامس والسادس والسابع وصلى الصبح في اليوم الثامن ثم خرج إلى منى ، فلما أقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة أربعة أيام يقصر الصلاة ، مع كونه لا يفعل ذلك إلا عازماً على الإقامة إلى أن يعمل أعمال الحج ، كان ذلك دليلاً على أن العازم على إقامة مدة معينة يقصر إلى تمام أربعة أيام ثم يتم ، وليس ذلك لأجل كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو أقام زيادة على الأربع لأتم فإنا لا نعلم ذلك ، ولكن وجهه ما قدمنا من أن المقيم العازم على إقامة مدة معينة لا يقصر إلا بإذن ، كما أن المتردد كذلك ، ولم يأت االإذن بزيادة على ذلك ولا ثبت عن الشارع غيره . قال الشافعي : لو نوى إقامة أربعة أيام بموضع انقطع سفره بوصوله . قال في المنهاج : ولا يحسب منها يوماً دخوله وخروجه على الصحيح . وقال أبو حنيفة : لا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلدة أو قرية خمسة عشر يوماً . وقول أكثر أهل العلم : أنه يقصر أبداً ما لم يجمع إقامة . وختلف أصحاب الشافعي في حكاية مذهبه . وحكاية البغوي أنه إذا لم يجمع الإقامة فزاد مكثه على أربعة أيام وهو عازم على الخروج أتم ، إلا أن يكون في خوف أو حرب فيقصر . وقد قصر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم عام الفتح بحرب هوازن تسعة عشر أو ثمانية عشر يوماً ، وله قول آخر موافق للجمهور . قال الماتن : واعلم أن هذه الثلاثة الأبحاث المذكورة في هذا الباب ، هي من المعارك التي تتبلد عندها الأذهان ، وقد اضطربت فيها المذاهب اضطراباً شديداً وتباينت فيها الأنظار تبايناً زائداً انتهى .

وله الجمع تقديماً وتأخيراً وجهه ما ثبت في الصحيحين من حديث أنس قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما ، فإن زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب وأخرج أحمد وأبو دواد والترمذي وابن حبان والحاكم والدارقطني ، وحسنه الترمذي من حديث معاذ أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس آخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر يصليهما جميعاً ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم سار وأخرج أحمد من حديث ابن عباس نحوه وزاد المغرب والعشاء . وأخرجه أيضاً البيهقي والدارقطني ، وصحح إسناده ابن العربي وتعقب بأن في إسناده من لا يحتج بحديثه ، وللحديثين طرق يقوي بعضها بعضاً ، وليس فيها من المقال ما يبطل الاحتجاج بمجموعها ، ومن الجمع بين المغرب والعشاء حديث ابن عمر الثابت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان إذا جد به السير أخر المغرب حتى يغيب الشفق ثم يجمع بينها وبين العشاء قال ابن القيم : وكل هذه سنن في غاية الصحة والصراحة ولا معارض لها ، فردت بأنها أخبار آحاد وأوقات الصلوات ثابتة بالتواتر ، لحديث أمامة جبريل عليه السلام للنبي () وقوله للسائل عن المواقيت ، وهذه أحاديث محكمة صحيحة صريحة في تفصيل الأوقات مجمع عليها بين الأمة ، وأحاديث الجمع غير صريحة لجواز أن يكون المراد بها الجمع في الفعل وفي الوقت ، فكيف يترك المبين للمجمل . والجواب أن يقال : الجميع حق ، والذي وقت هذه المواقيت وبينها بفعله وقوله هو الذي شرع الجمع بقوله وفعله ، فلا يؤخذ ببعض السنة ويترك بعضها . فأحاديث الجمع مع أحاديث الأفراد بمنزلة أحاد الأعذار والضرورات مع أحاديث الشروط والواجبات ، فالسنة يبين بعضها بعضاً لا يرد بعضها ببعض . ومن تأمل أحاديث الجمع وجدها كلها صريحة في جمع الوقت لا في جمع الفعل وألفاظ السنة الصريحة ترده ، كذا في أعلام الموقعين . قال في المسوى : أكثر أهل العلم على جواز الجمع في السفر بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في وقت إحداهما . وقالت الحنفية : لا يجوز ، ومعنى الحديث عنهم أن يؤخر إحدى الصلاتين إلى آخر وقتها ويعمل الأخرى في أول وقتها فيحصل الجمع صورة ، رووا ذلك عن علي وسعد بن أبي وقاص ، وأما الجمع للحاج فمتفق عليه انتهى .

بأذان وإقامتين لثبوت ذلك في الصحيحين في جمع مزدلفة .

باب صلاة الكسوفين

وهي صلاة الآيات وهي سنة قال الماتن في شرحه : أي لعدم ورود ما يفيد الوجوب ، ومجرد الفعل لا يفيد زيادة على كون المفعول مسنوناً انتهى . وزاد في السيل الجرار : إعلم أنه قد إجتمع ههنا في صلاة الكسوف الفعل والقول . ومن ذلك قوله () إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله وأنهما لا يكسفان لموت أحد ولا لحياته فإذا رأيتموهما كذلك فافزعوا إلى المساجد وفي رواية فصلوا وادعوا والظاهر الوجوب . فإن صح ما قيل من وقوع الإجماع على عدم الوجوب كان صارفاً وإلا فلا انتهى . قال في الحجة البالغة : قد صح عن النبي () أنه صلاها جماعة ، وأمر أن ينادي بها أن الصلاة جامعة ، وجهر بالقراءة ، فمن اتبع فقد أحسن ، ومن صلى صلاة معتداً بها في الشرع فقد عمل بقوله ()  : فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا انتهى . ورجح ابن القيم الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف لحديث عائشة صحيح البخاري أن رسول الله () قرأ قراءة طويلة يجهر بها في صلاة الكسوف وأما قول سمرة صلى بنا رسول الله () في كسوف ولم نسمع له صوتاً فقال البخاري : حديث عائشة في الجهر أصح من حديث سمرة .

وأصح ما ورد في صفتها ركعتان في كل ركعة ركوعان لثبوت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث عائشة وابن عمر وابن عباس .

وورد ثلاثة ركوعات في ركعة ، فثبت ذلك من حديث جابر عند مسلم وغيره ، ومن حديث ابن عباس عند الترمذي وصححه ، ومن حديث عائشة عند أحمد والنسائي .

و ورد أربعة في كل ركعة ، لما ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث ابن عباس .

و ورد خمسة ركوعات في كل ركعة ، أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي من حديث أبي بن كعب . قال ابن القيم : السنة الصحيحة الصريحة المحكمة في صلاة الكسوف ، تكرار الركوع في كل ركعة لحديث عائشة وابن عباس وجابر وأبي بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري كلهم روى عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم تكرار الركوع في الركعة الواحدة ، والذي رووا تكرار الركوع أكثر عدداً وأجل وأخص برسول الله () من الذين لم يذكروه انتهى .

يقرأ بين كل ركوعين وورد في كل ركعة ركوع فقط في صحيح مسلم من حديث سمرة . وأخرجه أبو داود وأحمد والنسائي والحاكم وصححه ابن عبد البر والحاكم من حديث النعمان بن بشير . وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث قبيصة . قلت : وأجاب ابن القيم عن هذه الروايات من ثلاثة أوجه : أحدها : أن أحاديث تكرار الركوع ، أصح إسناداً وأسلم من العلة والاضطراب ، ولا سيما حديث عبد الله بن عمر الذي في الصحيحين ، وهذا أصح وأصرح من حديث كل ركعة بركوع ، فلم يبق إلا حديث سمرة ونعمان وليس منما شئ في الصحيح . والثاني : أن رواتها من الصحابة أكبر وأكثر وأحفظ وأجل من سمرة ونعمان بن بشير فلا ترد روايتهم بها . والثالث : أنها متضمنة لزيادة صح الأخذ بها انتهى .

وأقول : قد رويت هذه الصلاة من فعله صلى الله تعالى عليه وسلم على أنواع : ركعتين كسائر الصلوات في كل ركعة ركوع واحد ، وركوعين في كل ركعة ، وثلاثة وأربعة وخمسة كما تقدم ، والكل سنة أيها فعل المكلف فقد فعل ما شرع له ، وإختيار الأصح منها على الصحيح هو دأب الراغبين في الفضائل العارفين بكيفية الدلائل ، وقد أورد على هذه الروايات المنسوبة إلى فعله صلى الله تعالى عليه وسلم أشكال هو : أنه لم يصلها صلى الله تعالى عليه وسلم غير مرة واحدة ، فكيف تشعبت الروايات إلى هذه الصفات ؟ وقد أجيب عن ذلك بأجوبة ذكرها الماتن رح في شرح المنتقى . وقد ثبت الجهر بالقراءة وثبت ذلك الأسرار والجهر أصح . والقيام بهذه السنة جماعة أفضل ، وليست الجماعة شرطاً فيها لما في الأحاديث الصحيحة بلفظ فصلوا ولما في حديث قبيصة الهلالي يرفعه أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال : إذا رأيتم ذلك فصلوها كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة أخرجه أحمد والنسائي .

وندب الدعاء والتكبير والتصدق والإستغفار لحديث أسماء فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وتصدقوا وصلوا وهو في الصحيحين ، وفي حديث أبي موسى بلفظ فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه وإستغفاره وهو في الصحيحين أيضاً ، وفي حديث المغيرة فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنجلي وهو أيضاً في الصحيحين .

باب صلاة الإستسقاء

قال في الحجة : وقد استسقى النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأمته مرات على أنحاء كثيرة ، لكن الوجه الذي سنه لأمته أن خرج بالناس إلى المصلى متبذلاً متواضعاً متخشعاً متضرعاً فصلى لهم ركعتين جهر بهم فيهما بالقراءة ثم خطب واستقبل فيها القبلة يدعو ورفع يديه وحول رداءه انتهى .

وهذه الصلاة مسنونة تسن عند الجدب لعد ورود ما يدل على الوجوب . ركعتان بعدهما خطبة لكونه () خرج حين بدأ حاجب الشمس فقعد على المنبر الحديث بطوله وفيه الدعاء وتحويل الرداء وهو في سنن أبي داود ، وأخرجه أبو عوانة وابن حبان والحاكم وصححه ابن السكن . وأخرج أحمد وابن ماجة وغيرهما من حديث أبي هريرة قال : خرج النبي () يوماً يستسقي فصلى بنا ركعتين بلا أذان ولا إقامة ، ثم خطبنا ودعا الله عز وجل وحول وجهه نحو القبلة رافعاً يديه ، ثم قلب رداءه فجعل الأيمن على الأيسر والأيسر على الأيمن وفي الباب أحاديث بمعنى ما ذكر ، وهي متضمنة للدعاء برفع الجدب وبنزول المطر وتحويل الأردية من الإمام وغيره . وروى سعيد بن منصور في سننه أن عمر استسقى فلم يزد على الإستغفار قال أبو حنيفة : لا تسن الصلاة في الإستسقاء . وقال الشافعي : ثبت من حديث عبد الله بن زيد وابن عباس أنه () صلى ، وروي ذلك من حديث جعفر بن محمد عن البني () وأبي بكر وعمر . قال في إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء : الأوجه عندي أن من دعا ولم يصل فقد أصاب أصل الإستسقاء ، وقد فعل ذلك النبي () وعمر ، ومن صلى ودعا فقد أصاب الأكمل الأفضل ، فإن الدعاء أرجى في حرمة الصلاة . وقد ثبت عن النبي () وعمر انتهى . وقد كان () يرفع يديه في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه ، وكان الصحابة فمن بعدهم يستسقون بأهل الصلاح ، ولا سيما من كان من قرابة النبي () كما فعل عمر، فإنه استسقى بالعباس رضي الله تعالى عنهما .

تتضمن الذكر والترغيب في الطاعة والزجر عن المعصية ويستكثر الإمام ومن معه من الإستغفار والدعاء برفع الجدب لأن روح هذه الصلاة وأساسها وعمادها الذي لا تقوم بدونه هو الإستكثار من الإستغفار قبلها وبعدها ، وإخلاص التوبة من الذنوب التي يقارفها الإنسان ، والخروج من التبعات والظلامات في الدماء والأموال والأعراض ، وذلك غير مختص بفرد من الأفراد بل يفعله كل أحد ، ويشرع للإمام أو من يقوم مقامه أن يخطب الناس ويذكرهم بما يفعلونه من الأسباب الموجبة للرحمة . وقد روي عنه () أنه خطب قبل الصلاة وخطب بعدها فالكل سنة . ومن جملة أدعيته () اللهم أغثنا اللهم أغثنا كما في الصحيحين من حديث أنس ، ومن أدعيته () اللهم اسقنا غيثاً مغيثاً مريئاً مريعاً طبقاً غدقاً عاجلاً غير رائث وهذا لفظ ابن ماجة من حديث ابن عباس ، وهذه الألفاظ ثابتة من رواية غيره من الصحابة في غير سنن ابن ماجة . ومنها اللهم أنت الله لا إله إلا أنت ، أنت الغني ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلت لنا قوة وبلاغاً إلى حين وهو في سنن أبي داود بإسناد صحيح من حديث عائشة . ومن دعائه اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت إلى غير ذلك .

ويحولون جميعاً أرديتهم لما روي في ذلك ما تقدم من جعل الأيمن أيسر والأيسر أيمن . وروي أنه قلبه ظهراً لبطن وحول الناس معه أخرجه أحمد من حديث عبد الله بن زيد وأصله في الصحيح