التقرير الختامي لهيئة الإنصاف والمصالحة المغربية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

المصدر: http://www.ier.ma/_rapport_ar.php



التقرير الختامي لهيأة الإنصاف والمصالحة


على إثر انتهاء انتداب هيأة الإنصاف والمصالحة، في 30 نونبر 2005، رفع رئيسها السيد إدريس بنزكري إلى صاحب الجلالة الملك محمد السادس، التقرير الختامي للهيأة، بشأن المهام التي أناطها بها جلالته، بمناسبة تنصيبها، وطبقا لمقتضيات الظهير الشريف المحدد لنظامها الأساسي. وبعد أن اطلع جلالة الملك، على مضمون هذا التقرير الختامي، الذي يأتي في أعقاب 23 شهرا من التحريات والتحقيقات الميدانية لكشف ماضي انتهاكات حقوق الإنسان في المغرب من 1956 إلى 1999 ورد الاعتبار للضحايا وجبر الَأضرار وصيانة الذاكرة الوطنية وتحقيق المصالحة المجتمعية الشاملة، أصدر جلالة الملك توجيهاته السامية بنشره وإطلاع الرأي العام عليه.. موجز مضامين التقرير الختامي


تكونت هيئة الإنصاف والمصالحة من رئيس وستة عشر عضوا، نصفهم من بين أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، والنصف الآخر من خارجه، بما يؤمن تمثيل مشارب وتجارب وتخصصات متنوعة وموحدة المقاصد في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها. وعند تنصيب رئيسها وأعضائها من طرف جلالة الملك بتاريخ 07 يناير 2004، ألقى خطابا ساميا بالمناسبة منح الهيئة بعدا تاريخيا، وأناط بها مسؤوليات جلى، حينما اعتبرها جلالته بمثابة لجنة للحقيقة والإنصاف والمصالحة. قامت الهيئة بوضع نظامها الأساسي، الذي يعتبر بمثابة وثيقة أساسية تتضمن تدقيقا وتفصيلا للمهام المنوطة بها، وتعريفا للانتهاكات موضوع اختصاصاتها، وطرق تنظيم سير أعمالها. وقد صودق على هذا النظام الأساسي بموجب ظهير شريف رقم 1.04.42 صادر في 19 من صفر 1425 )10 أبريل 2004.( وفي أفق تنمية وإثراء سلوك الحوار وإرساء مقومات المصالحة دعما للتحول الديمقراطي لبلادنا وبناء دولة الحق والقانون، وإشاعة قيم وثقافة المواطنة وحقوق الإنسان، اشتغلت الهيئة على الفترة الزمنية الممتدة من سنة 1956 إلى نهاية سنة 1999 ومارست مهاما ترتبط بالتقييم والبحث والتحري والتحكيم والاقتراح، فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي حصلت في الفترة المذكورة أعلاه والمتمثلة في الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتعذيب والاعتداء الجنسي والحرمان من الحق في الحياة نتيجة الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة العمومية والاغتراب الاضطراري. وعليه، قامت الهيئة بإجراء تقييم شامل لمسلسل تسوية ملف الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي بعد مباشرة اتصالات مع السلطات العمومية وجمعيات المجتمع المدني والضحايا وعائلاتهم وممثليهم. كما عملت على الكشف عن الحقيقة بخصوص الانتهاكات الجسيمة من خلال إجراء التحريات وتلقي الإفادات والإطلاع على الأرشيفات الرسمية واستقاء المعلومات والمعطيات من مختلف المصادر بهدف:

  • إثبات نوعية ومدى جسامة تلك الانتهاكات، في سياقاتها، وفي ضوء معايير وقيم حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية ودولة الحق والقانون؛
  • مواصلة البحث بشأن حالات الاختفاء القسري التي لم يعرف مصيرها بعد، وبذل كل الجهود للتحري بشأن الوقائع التي لم يتم استجلاؤها؛ والكشف عن مصير المختفين، مع إيجاد الحلول الملائمة بالنسبة لمن ثبتت وفاتهم؛
  • الوقوف على مسؤوليات أجهزة الدولة أو غيرها في الانتهاكات والوقائع موضوع التحريات.

وفي مجال جبر الأضرار وإنصاف الضحايا، قامت الهيئة بالبت في الطلبات المعروضة عليها والمتعلقة بالتعويض عن الأضرار التي لحقت ضحايا الانتهاكات الجسيمة أو ذوي حقوقهم. كما قامت بتقديم المقترحات والتوصيات من أجل إيجاد حلول لقضايا التأهيل النفسي والصحي والإدماج الاجتماعي، واستكمال حل ما تبقى من المشاكل الإدارية، الوظيفية والقانونية لبعض الضحايا، والقضايا المتعلقة بنزع الممتلكات. وانطلاقا مما وقفت عليه من تضرر بعض الجماعات والمناطق، بشكل مباشر أو غير مباشر، من آثار العنف السياسي والانتهاكات التي حدثت خلالها، أولت الهيئة اهتماما خاصا لجبر الضرر الجماعي، واقترحت تبني ودعم مشاريع برامج للتنمية السوسيو-اقتصادية أو الثقافية لفائدة مجموعة من المدن والمناطق، كما أوصت بشكل خاص بتحويل مراكز الاعتقال غير القانونية السابقة. وأعدت الهيئة تقريرا ختاميا تضمن نتائج وخلاصات الأبحاث والتحريات والتحاليل بشأن الانتهاكات وسياقاتها، والتوصيات والمقترحات الكفيلة بحفظ الذاكرة، وبضمان عدم تكرار ما جرى، ومحو آثار الانتهاكات، واسترجاع الثقة وتقويتها في حكم القانون واحترام حقوق الإنسان، وفيما يلي ملخصا تنفيذيا لمضامينه:

الحقيقة والمسؤولية عن الانتهاكات[عدل]

ملف مجهولي المصير[عدل]

أدى انعدام تعريف دقيق للاختفاء القسري في القانون المغربي، وكذا كونه انتهاكا مركبا يترتب عنه المس بكل حقوق الإنسان المحمية دوليا وعلى رأسها الحق في الحياة، إلى نعته، في إطار النقاش حول قضايا حقوق الإنسان بالمغرب، بأوصاف متعددة من بينها " مجهولو المصير" و"المختطفون مجهولو المصير" و"المختطفون"إلخ.... والحقيقة أن هذه الأوصاف لا تشمل فقط الاختفاء القسري حسب التعريف المتعارف عليه دوليا بقدر ما تحيل على أشكال أخرى من الحرمان التعسفي من الحرية والذي يكون متبوعا في العديد من الحالات بالحرمان من الحق في الحياة، وذلك إما بسبب تجاوز استعمال السلطة أو الاستعمال غير المتناسب أو المفرط للقوة من قبل السلطات العمومية بمناسبة مواجهة أحداث اجتماعية، أو نتيجة التعرض للتعذيب وسوء المعاملة أو خلال مواجهات مسلحة. ومما زاد في هذا اللبس توافر بعض العناصر المكونة للاختفاء القسري في بعض حالات الاعتقال التعسفي، ومنها على الخصوص التستر على مكان الاعتقال ورفض الكشف عن مصير الشخص المحروم من حريته. فبقدر ما واجهت الهيئة أثناء معالجتها لحقيقة الاختفاء القسري وتحديد المسؤولية عنه، انتظارات كبيرة من جهة المجتمع وعائلات الأشخاص المعنيين، بقدر ما وجدت نفسها أمام حالات متنوعة وبالغة التعقيد وتنعدم بصددها المعلومات التي من شأنها تكييف الوقائع المستند إليها كعناصر مكونة لجريمة الاختفاء. ومن خلال تحليل الأحداث والوقائع المرتبطة بحالات الاختفاء القسري الثابتة لدى الهيئة، يمكن القول أن هذا الانتهاك تم اللجوء إليه كنمط من أنماط القمع، قصد تخويف وبث الرعب لدى المعارضين السياسيين والمجتمع. وهكذا خلصت الهيئة بفضل تحليل الملفات المعروضة عليها ونتائج التحريات التي قامت بها حول حالات الاختفاء، إلى أن هذا الأخير تمت ممارسته في حق أشخاص فرادى أو جماعات، بارتباط مع أحداث سياسية طرأت خلال الفترة الزمنية موضوع اختصاص الهيئة في كثير من الأحيان، مما سمح لها من أن تخلص إلى اعتبار الحالات ذات الصلة حالات اختفاء قسري طبقا للتعريف الوارد في نظامها الأساسي. غير أنه تم تسجيل حالات اختفاء أخرى لم يكن للضحايا المعنيين بها أية علاقة مباشرة بنشاط سياسي أو جمعوي أو نقابي. كما وقفت الهيئة، من خلال تحليل الحالات موضوع اختصاصها، على أن الاختفاء القسري قد تم ارتكابه في حق أشخاص معزولين، بصفة عامة، بعد اختطافهم من محلات سكناهم أو في ظروف غير محددة، واحتجازهم في أماكن غير نظامية. اشتغلت هيئة الإنصاف والمصالحة على فترة تاريخية تعد الأطول من نوعها مقارنة مع تجارب أخرى (43 سنة). وبالنظر لكون الانتهاكات الجسيمة المسجلة على امتداد هذه الفترة كانت نتيجة أزمات عنف سياسي ذات طبيعة متعددة شارك فيها فاعلون دولتيون، وغير دولتيين أحيانا، وفي ظل غياب توثيق ذي صدقية، ودراسات أكاديمية تتناول مراحلَ معينة من تاريخ المغرب الراهن، فإن عمل الهيئة من أجل إقرار الحقيقة قد اتخذ أوجها متعددة. فقد مكنت جلسات الاستماع للضحايا التي تم بثها من طرف وسائل الإعلام العمومية، ومئات الإفادات المسجلة والمحفوظة في أرشيفات الهيئة، واللقاءات الأكاديمية وعشرات الندوات المنظمة من طرف الهيئة أو المنظمات غير الحكومية من مختلف القطاعات الجمعوية، من توسيع النقاش العمومي التعددي والرزين حول نصف قرن من التاريخ الوطني. كما مكنت هذه الأنشطة من التقدم بشكل ملموس في عملية إقرار الحقيقة حول عدة وقائع من هذا التاريخ وعدة أنواع من الانتهاكات، ظلت رهينة الصمت أو الطابو أو الشائعات، وعلى رأسها مسألة الاختفاءات القسرية. غير أن هذا المفهوم استعمل خلال النقاشات التي عرفتها بلادنا حول قضايا حقوق الإنسان لوصف حالات وفئات مختلفة من الأشخاص ذوي المصير المجهول، ولتوضيح هذه الحالات، تبنت الهيئة منهجية عمل زاوجت بين التحري الميداني والبحث الوثائقي. التحريات الميدانية: قامت الهيئة بزيارات لعائلات الأشخاص مجهولي المصير و استقبلتهم بمقرها، قصد الاستماع إليهم وتحديد مطالبهم وشرح مقاربة الهيئة والمنهجية المتبعة لتسوية هذا الملف. كما باشرت، في إطار جلسات مغلقة، الاستماع إلى شهود قضوا فترات إلى جانب ضحايا لم يحدد مصيرهم. ونظمت زيارات معاينة لمراكز الاحتجاز السابقة واستمعت إلى أشخاص أشرفوا سابقا على حراسة تلك المراكز. البحث الوثائقي ودراسة السجلات والوثائق: قامت الهيئة بتجميع وتحليل المعطيات المحصلة من مختلف المصادر المتداولة وطنيا ودوليا [لوائح، تقارير..] التي تشير بشكل أو بآخر إلى حالات اختفاء [ لوائح المنظمات الحقوقية الوطنية، لائحة منظمة العفو الدولية، وثائق فريق العمل الأممي المعني بالاختفاء القسري]. كما قامت بدراسة أجوبة الأجهزة الأمنية، والقوات المسلحة الملكية والوثائق المتوفرة لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخصوص المفقودين على إثر النزاع المسلح بالأقاليم الجنوبية.

• أفضى عمل الهيئة المتعلق بالاستماع وإجراء التقاطعات ودراسة الأجوبة التي تلقتها من السلطات العمومية إلى النتائج التالية:

  • اكتشاف أو تدقيق أوتحديد هوية 89 شخصا توفوا رهن الاحتجاز ووقفت على أماكن دفنهم بكل من تازمامارت [31] وأكدز[32] وقلعة مكونة[16] وتاكونيت [8] وكرامة [1] وقرب سد المنصور الذهبي [1].
  • اكتشاف وتحديد هوية 11 شخصا توفوا على إثر مواجهات مسلحة والوقوف على أماكن دفنهم، 7 اشخاص منهم توفوا سنة 1960 [مجموعة بركاتو ومولاي الشافعي] و 4 منهم سنة 1964. [مجموعة شيخ العرب]
  • الانتهاء إلى أن 325 من الأشخاص المدرجة أسماء بعضهم في عداد مجهولي المصير، قد توفوا على إثر الأحداث الاجتماعية الواقعة سنوات 1965 [50 وفاة] و1981 [114 وفاة] و1984 [49 وفاة موزعة كما يلي: 13 بتطوان، 4 بالقصر الكبير، 1 بطنجة، 12 بالحسيمة، 16 بالناظور ونواحيها، 1 بزايو و2 ببركان] و1990 [112 وفاة] بسبب الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة العمومية. وتوصلت الهيئة إلى تحديد أماكن دفن بعضهم ولم تتمكن من التعرف على هوية البعض الآخر وفي حالات أخرى تم التعرف على الهوية دون تحديد مكان الدفن. وباستثناء أحداث 1981 بالدار البيضاء، خلصت الهيئة إلى أن المتوفين قد تم دفنهم ليلا في مقابر عادية وفي غياب عائلاتهم ودون تدخل من النيابة العامة. وبلغ إلى علم الهيئة من مصدر طبي، بأن العدد الإجمالي لضحايا أحداث يونيو 1981 بالدار البيضاء قد بلغ 142 حالة، وهو عدد يلزم التأكد منه.
  • الانتهاء أيضا إلى تحديد وفاة 173 شخصا رهن الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري في الفترة الممتدة من 1956 إلى 1999 في مراكز اعتقال كدار بريشة، ودار المقري ودرب مولاي الشريف وتافنديلت والكوربيس... غير أنها لم تتمكن من تحديد أماكن الدفن. ارتبطت 39 وفاة بالسنوات الأولى للاستقلال في سياق الصراعات بين فاعلين غير دولتيين. و 14 خلال الستينات وسجل عدد مرتفع خلال السبعينات حيث بلغت 109 وفاة، في حين عرف عقد الثمانينات والتسعينات انخفاضا ملحوظا في عدد الوفيات: 9 حالات في الثمانينات و 2 حالات في التسعينات.

في سياق النزاع بالأقاليم الجنوبية، أفضت تحريات الهيئة إلى استجلاء مصير 211 حالة لأشخاص كانوا محسوبين في عداد المختفين كالتالي:

  • وفاة 144 شخصا خلال الاشتباكات المسلحة، تم تحديد هوية وأماكن وفاة ودفن 40 منهم، بينما تم تحديد هوية ومكان الرفات دون التمكن من التعرف على القبور بالنسبة لـ 88 حالة. كما لم تتمكن الهيئة من تحديد هوية 12 شخصا من بين المتوفين، في حين تأكدت الهيئة من أن 4 أشخاص اعتقلوا ونقلوا إلى مستشفيات على إثر إصابتهم بجروح خلال الاشتباكات، وتوفوا بها ودفنوا بمقابر عادية.
  • 67 شخصا كانوا محسوبين في عداد المختفين تبث للهيئة أنهم سلموا للجنة الدولية للصليب الأحمر بتاريخ 31 أكتوبر 1996.

خلاصات:

  • بلغ العدد الإجمالي لحالات الأشخاص الذين تم استجلاء الحقيقة عن مصيرهم: 742 حالة.
  • حصول القناعة بخصوص 66 حالة تمت دراستها تجتمع فيها العناصر المؤسسة للاختفاء القسري وتعتبر الهيئة أن من واجب الدولة متابعة البحث بغية الكشف عن مصيرها. ومكنت التحريات المجراة من قبل الهيئة من التقدم في مجال الكشف عن الحقيقة، ولذلك توصي الهيئة بالاستفادة من التجربة والعناصر والشهادات والمؤشرات وسبل البحث والتحريات المتراكمة، والتي تعتبر جزءا من أرشيف الهيئة.
  • واجهت الهيئة أثناء الكشف عن الحقيقة معيقات من بينها محدودية بعض الشهادات الشفوية وهشاشتها، وتم التغلب على ذلك باللجوء إلى مصادر مكتوبة، وكذا الحالة المزرية التي يوجد عليها الأرشيف الوطني والتعاون غير المتكافئ لبعض الأجهزة، حيث قدم البعض منها أجوبة ناقصة عن ملفات عرضت عليها، كما رفض بعض المسؤولين السابقين المحالين على التقاعد المساهمة في مجهود البحث عن الحقيقة.

ترى الهيئة في نهاية ولايتها أن المهام التي قامت بها تفعيلا لكل اختصاصاتها، شكلت خطوة مهمة في النهوض بالحق في معرفة الحقيقة، من خلال ما ابتدعته من طرق وأشكال لم تكن معهودة، ساهمت في الرفع من مستوى الكشف عن الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها بلادنا خلال الفترة السابقة.

الاعتقال التعسفي[عدل]

على عكس الاختفاء القسري الذي يكون الهدف من ممارسته حرمان ضحيته من أية حماية قانونية، حيث يتم ارتكاب كافة الأفعال المكونة له خارج نطاق القانون مع عدم الاكتراث المطلق بمقتضياته، فإن الاعتقال التعسفي غالبا ما تتم ممارسته في إطار القانون مع خرق بعض أو كل مقتضياته. وغالبا ما كان يتم في بلادنا من خلال خرق المقتضيات القانونية المنظمة للوضع تحت الحراسة النظرية. وعليه يكون الاعتقال التعسفي بوصفه كذلك قد مورس في بلادنا بكيفية ممنهجة منذ بداية الستينات، خاصة في قضايا ذات صبغة سياسية تدخل في نطاق اختصاص المحاكم العادية. ويمكن القول أن ممارسة الاعتقال التعسفي قد تمت، واقعيا، من خلال منح النيابة العامة والشرطة القضائية سلطة واسعة تتجاوز السلطة المعترف بها لمحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية، الملزمة بالنطق بعقوبات سالبة للحرية ضمن الحدود المقررة في القانون الجنائي. أما عن ظروف الاعتقال في الفترة السابقة للمحاكمة في الوضع المفترض فيه أنه حراسة نظرية، فبصفة عامة يمكن القول أنها كانت تتميز بما يلي:
  • إجبار المعتقل على البقاء باستمرار ومنذ حلوله بالمعتقل غير النظامي، باستثناء الفترات التي يتعرض فيها للتعذيب، في وضعية ثابتة، إما قعودا أو انبطاحا على الأرض، مقيد اليدين ومعصوب العينين؛
  • منع الكلام والتواصل بين السجناء؛
  • سوء التغذية من حيث الكيف والكم؛
  • عدم السماح بالذهاب إلى أماكن النظافة إلا نادرا وحسب مشيئة الحراس؛
  • انعدام الشروط الأولية للنظافة وعدم السماح للمعتقل بالاستحمام إلا بعد شهور من الاعتقال. وقد كان هذا الوضع يتسبب للنساء في معاناة نفسية خاصة خلال فترات الحيض.
  • انتشار القمل وغيره من الحشرات المؤذية؛
  • عدم تقديم العلاجات، في حال المرض، وبالنسبة لحالات الاستعجال القصوى، إلا بعد فوات الأوان؛
  • حرمان النساء في حالات معينة من المساعدة الطبية في حالة إسقاط الجنين أو الوضع.

ومن خلال التحريات التي قامت بها الهيئة تم الوقوف، بالإضافة إلى المراكز التي استعملت لأغراض الاحتجاز في حالات الاختفاء القسري، على مراكز غير نظامية أو نظامية استعملت لأغراض الاعتقال التعسفي. مكنت المعلومات المحصل عليها من الضحايا ومن الشهود المستمع إليهم والمعاينات الميدانية التي قامت بها الهيئة بتحديد مجموعة من الأماكن والمراكز التي استعملت لأغراض الاعتقال التعسفي. وتبين للهيئة أن بعض الأجهزة الأمنية عملت، خلال الفترات التي عرفت حدوث انتهاكات جسيمة، على إحكام السيطرة عليها لضمان التستر على الانتهاكات المرتكبة بها. كما شمل هذا التستر أيضا الأجنحة الخاصة باستقبال ضحايا التعذيب بالمستشفيات وأماكن دفن الضحايا المتوفين

التعذيب وسوء المعاملة[عدل]

مكن تحليل المعطيات التي تضمنتها الملفات المعروضة على الهيئة، وكذا الشهادات الشفوية المقدمة خلال جلسات الاستماع العمومية والمغلقة المنظمة بمقرها، من الوقوف على طرق مختلفة مورست بشكل منهجي لتعذيب المعتقلين قصد انتزاع اعترافات منهم أو معاقبتهم. كما مكنت المقارنات المجراة بين الأوصاف المقدمة من قبل الضحايا من التوصل إلى الخلاصات التالية: • تنوع أساليب التعذيب المتبعة حسب طبيعتها من حيث كونها تستهدف إيقاع إما ألم مادي أو معنوي أو هما معا؛ • من بين الأشكال المتبعة لإيقاع الألم الجسدي يمكن ذكر:

  • " التعلاق"[ حيث يتم رفع الضحية إلى أعلى وتكون أطرافه الأربع مكبلة في وضعية تحدث آلاما مبرحة] المصحوب بالضرب على الرجلين وأجزاء أخرى من البدن؛
  • الكي بواسطة السجائر؛
  • اقتلاع الأظافر؛
  • الإرغام على شرب مواد ملوثة؛
  • الإرغام على الجلوس على قنينة؛

وبالإضافة إلى الضرر النفسي والألم الجسدي المترتبين عن ذلك، فقد تسببت هذه الأساليب في بعض الحالات في إصابات خطيرة نتجت عنها مخلفات نفسية وعاهات مستديمة، بل أدت خطورة التعذيب الممارس إلى الوفاة في حالات معينة. ومن بين الأشكال المتبعة لإلحاق الأذى النفسي بالمعتقلين، رجالا ونساء، يمكن ذكر:

  • التهديد بالقتل؛
  • التهديد بالاغتصاب؛
  • السب والقذف واستعمال كافة الوسائل الأخرى التي من شأنها الحط من الكرامة؛
  • وضع أصفاد باليدين وعصابة على العينين قصد حجب الرؤية والمنع من الحركة؛
  • العزل عن العالم الخارجي وما ينتج عنه من إحساس بانعدام الأمان؛
  • الحرمان من النوم؛
  • المنع المطلق من الحديث مع باقي المعتقلين؛
  • تعذيب أحد أفراد العائلة أو الأقارب أو التهديد بذلك.

يمكن القول أن ممارسة التعذيب كانت الوسيلة المفضلة المعتمدة في الاستنطاق والتحقيق مع المعتقلين في القضايا ذات الصبغة السياسية، حيث لم يكن الهدف من وراء اللجوء إليه نزع الاعترافات فحسب، بل أيضا المعاقبة والانتقام والإذلال الجسدي والمعنوي للمتهمين. والجدير بالإشارة أن الرغبة في الحصول على الاعتراف بأية وسيلة والمزاجية وانعدام المهنية، تعتبر كلها عوامل ساعدت على توسيع نطاق ممارسة التعذيب ليشمل حتى الأشخاص المتابعين في جرائم الحق العام.

علاوة على مختلف أشكال التعذيب المذكورة، فإن معاناة النساء تكون أكثر حدة، حيث تتعرض خلال المرحلة السابقة للمتابعة القضائية، لأشكال خاصة من التعذيب. ويرجع ذلك إلى كون التعذيب الممارس على المرأة يتولى القيام به رجال دونما اعتبار لكرامة الضحية، حيث يفرض عليها أحيانا أن تبقى عارية أمام جلاديها وما يرافق ذلك من خطر الاغتصاب والتهديد به كهاجس وكفعل في بعض الأحيان. وتتضاعف معاناة النساء عندما يستعمل الحرمان من وسائل النظافة أثناء فترات الحيض كوسيلة للإمعان في تعذيبهن. 4- الحرمان من الحق في الحياة نتيجة الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة العمومية.

مكن تحليل المعطيات والمعلومات المستقاة من مختلف المصادر، ذات الصلة بالانتهاكات الجسيمة موضوع اختصاص الهيئة، وكذا التحريات المجراة، من الوقوف على مسؤولية أجهزة أمنية مختلفة عن تلك الانتهاكات، في معظم الحالات المعروضة على الهيئة. بل ثبت للهيئة في العديد من الحالات وجود مسؤولية مشتركة، وفي بعض الحالات تضامنية، بين أجهزة متعددة.

مكن تحليل الملفات المعروضة على الهيئة ذات الصلة بالأحداث الواقعة خلال سنوات 1965 و1981 و1984 و1990، والتحريات والدراسات التي أجرتها حول الموضوع من التوصل إلى الخلاصات التالية:

  • شهدت تلك الأحداث ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تمثلت أساسا في المس بالحق في الحياة لعدد من المواطنين من بينهم أطفال ومن بينهم أيضا أشخاص لم تكن لهم أية مشاركة في تلك الأحداث؛
  • كانت تلك الانتهاكات نتيجة لعدم الالتزام بالمعايير والمبادئ الدولية في مجال حقوق الإنسان ذات الصلة بشروط وقيود استعمال القوة العمومية، ترتب عنه استعمال غير متناسب ومفرط لتلك القوة مما تسبب في حدوث وفيات؛
  • مكنت نتائج التحريات المجراة وكذا تحليل الوقائع المرتبطة بتلك الأحداث من الوقوف على قيام السلطات بإطلاق النار بالذخيرة الحية، في العديد من الحالات، وعدم اللجوء إلى استعمال وسائل أخرى تمكن من تفريق المظاهرات دون حدوث وفيات؛
  • يستفاد مما هو مثبت في مختلف السجلات والشهادات المتعلقة بالأحداث المعنية، أن العديد من الضحايا قد توفوا نتيجة إصابتهم بالرصاص على مستوى الجمجمة أو القفص الصدري أو البطن؛
  • سجلت الهيئة وجود عدد مهم من الأطفال من بين المتوفين، بعضهم لا يتجاوز العاشرة من العمر؛
  • قامت الأجهزة المتدخلة، في بعض الحالات، بإطلاق النار داخل المنازل من خلال نوافذ مفتوحة أو من خلال الأبواب، وأصابت أشخاصا من بينهم أطفال وشيوخ ونساء، بعضهم توفي من جراء طلقات الرصاص. وتؤكد هذه الوقائع شهادات قدمت أمام الهيئة، كما تؤكدها سجلات حفظ الأموات التي أثبتت وقوع حالات سحب جثث من داخل المنازل؛
  • عند لجوئها إلى سحب جثت الضحايا الذين أصيبوا داخل منازلهم، حرمت الأجهزة المتدخلة عائلات المتوفين من معرفة الوجهة التي أخذت إليها وتم التستر على أماكن الدفن، بل إن السلطات رفضت إدراج المتوفين في سجلات الوفيات بالمصالح المختصة؛
  • إحجام السلطات عن تقديم العون والمساعدة لمواطنين مصابين بما في ذلك أطفال توفوا نتيجة إطلاق الرصاص؛
  • سجلت الهيئة ممارسات صدرت عن السلطات في بعض الحالات تتعلق بعدم احترام الأموات وذلك بنقلهم مكدسين في شاحنات، بشكل لا يقيم وزنا لحرمتهم؛
  • وقفت الهيئة على أماكن دفن عدد كبير من ضحايا الأحداث الاجتماعية في حالات متعددة، وسجلت أن عمليات الدفن في هذه الحالات، رغم مراعاتها للطقوس الدينية المرعية وحدوثها في مقابر نظامية، قد تمت ليلا ودون إعلام العائلات ودون حضورها في أغلب الحالات المسجلة. وفي مناسبات أخرى، سجلت الهيئة حالات لم تحترم فيها هذه الطقوس، ولم يدفن فيها الضحايا بطريقة نظامية؛
  • تأكدت الهيئة في كل الحالات المتحرى بشأنها، من أن السلطات الأمنية لم تحط النيابة العامة علما بالوفيات وبعددها وبأسبابها، ما عدا في حالة واحدة. وهو ما جعل عمليات الدفن تجري دون علم النيابة العامة ودون قيام المصالح الطبية بالتشريح الذي يفرضه القانون. كما أن النيابة العامة لم تسع إلى فتح تحقيق بصدد الأحداث المذكورة، على الرغم من صدور بلاغات رسمية في شأنها، تقر بحدوث وفيات؛
  • تضمنت البلاغات الرسمية المنشورة عقب كل هذه الأحداث، ما عدا في حالة واحدة (الناظور 1984)، وبشكل منهجي، معلومات غير مطابقة للواقع عن عدد الوفيات وأسبابها.

خلاصات واستنتاجات عامة[عدل]

شكلت المهام التي أنجزتها الهيئة خطوة مهمة في النهوض بالحق في معرفة الحقيقة، من خلال ما ابتدعته من طرق وأشكال لم تكن معهودة، ساهمت في الرفع من مستوى الكشف عن الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها بلادنا خلال الفترة السابقة. ساهمت الشهادات الشفوية، كواحدة من بين المصادر المعتمدة من قبل الهيئة، في توضيح ملابسات الوقائع المرتبطة بالأحداث موضوع التحريات. غير أنه تم تسجيل محدوديتها وهشاشتها في بعض الحالات، حيث تم الحديث عن نفس الوقائع بطرق مغايرة، بل ومتعارضة أحيانا، من قبل فاعلين عايشوها مما جعلها لا تفيد إلا جزئيا في الكشف عن الحقيقة في حالات معينة. وقد تم التغلب على هذا العائق من خلال اللجوء إلى تقاطع المعطيات الواردة بتلك الشهادات، مع معلومات مستقاة من مصادر أخرى، وخصوصا الوثائق والسجلات الرسمية.

أفادت السجلات والوثائق الرسمية في استجلاء الحقيقة حول العديد من الوقائع ذات الصلة بملفات وقضايا لم يكن من اليسير التوصل بشأنها إلى قناعة ثابتة دون مقارنة ما توفر بصددها من معلومات متنوعة ومتعددة بما هو مدون رسميا في سجلات ممسوكة من قبل إدارات عمومية مختلفة. إلا أن الهيئة، وقفت في مناسبات عديدة، على الحالة المزرية للأرشيف، فضلا عن غياب إطار قانوني موحد لضبطه وتنظيمه وتدبير الولوج إليه وترتيب الجزاءات عن إتلافه أو تدميره. كما أنها لم تتمكن من الإطلاع على جزء من السجلات الرسمية تفترض أنها موجودة إما بسبب التردد أو التأخر في تسليمها لها أو لم تتمكن، بحكم أجل عملها المحدود، من الاستغلال الكامل لوثائق وسجلات من الأرشيف قبلت بعض المؤسسات وضعه رهن إشارتها [الأرشيف العسكري المتعلق بتاريخ النزاع المسلح بالأقاليم الجنوبية للمملكة].

مكّن التعاون الفعال للمصالح المركزية والإقليمية التابعة لوزارة الداخلية، من الاستفادة بشكل كبير من التسهيلات المقدمة من طرفها في إنجاز مهام الهيئة الميدانية. وأفضى هذا التعاون أيضا إلى تسهيل وصول الهيئة إلى العديد من الشهود من مختلف الرتب والدرجات الإدارية، الذين ساهمت شهاداتهم في استجلاء العديد من الوقائع.

وبالإضافة إلى ذلك، تم عقد جلسات عمل منتظمة مع المديرية العامة للدراسات والمستندات والمديرية العامة للأمن الوطني، ساهمت في فتح سبل جديدة للتحري بخصوص عدد من الحالات من خلال تسهيلها لعملية الاستماع لبعض المسؤولين السابقين، ولزيارة بعض المراكز و"النقط الثابتة" التي استعملت في الستينات والسبعينات لأغراض الاحتجاز. غير أن هذا المستوى من التعاون لم يشمل كافة الأجهزة، حيث قدم البعض منها أجوبة ناقصة عن ملفات عرضت عليها.

ساهمت جلسات العمل التي عقدت على مستوى عال مع القوات المسلحة الملكية، في وقت مبكر من انطلاق أشغال الهيئة، في التقدم الذي أحرزته في مهامها سواء فيما يتعلق بحالات الأشخاص مجهولي المصير أو بتحليل سياقات الانتهاكات في الأقاليم الجنوبية. كما ساهمت جلسات الاستماع المغلقة لبعض المسؤولين السابقين، في إحراز تقدم في بعض الحالات، غير أن الهيئة سجلت في حالات أخرى، نقصا في الشهادات المقدمة. كما رفض بعض المسؤولين السابقين، تقديم شهاداتهم أمام الهيئة، مما حرمها من مصادر معلومات قد يكون من شأنها المساهمة في استجلاء حقيقة الوقائع المتحرى بشأنها.

ترتب عن تعدد الأجهزة الأمنية المتدخلة قصد حفظ النظام العام أثناء الأحداث الاجتماعية، بشكل متعاقب، أو متواز، أو متداخل تعذر تحديد درجة مسؤولية كل جهاز من تلك الأجهزة في الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في تلك الأحداث.


جبر الأضرار وإنصاف الضحايا[عدل]

يتمثل المفهوم العام لجبر الأضرار في مجموع التدابير والإجراءات الرامية إلى إصلاح ما لحق بضحايا انتهاكات حقوق الإنسان من أضرار. وعادة ما تتخذ هذه التدابير والإجراءات أشكالا متعددة ومتنوعة، سواء الشكل الكلاسيكي منها والمتعلق بالتعويض المالي أو أشكال الجبر الأخرى المتمثلة في إعادة التأهيل أو الإدماج أو استرداد الكرامة أو الحقوق المصادرة واسترجاع ما ضاع أو فات لضحايا الانتهاكات. وانطلاقا من مقاربتها الشمولية لجبر الأضرار، عملت الهيئة على ربط ذلك بمهامها الأخرى في مجالات الكشف عن الحقيقة، وإقرار العدالة والنهوض بمقومات المصالحة. ولذلك حرصت على أن يتخذ جبر الأضرار أبعادا رمزية ومادية متعددة، تهم أفرادا أو جماعات أو مناطق. كما جعلت منه أحد المداخل الرئيسية لإقرار الدولة بمسؤوليتها فيما جرى. ويعتبر ذلك أيضا مدخلا أساسيا للإصلاح المتجه نحو وضع ضمانات عدم تكرار ما جرى وإرساء مقومات بناء المستقبل. ولذلك لا يمكن الاقتصار، في مسار استعادة الثقة، على مجرد التمكين من تعويضات مادية أو خدمات اجتماعية، بل ينبغي العمل على ضمان تمتع الضحايا، كمواطنين، بكامل حقوقهم، بما فيها حق المشاركة في مسلسل الإصلاحات لتعزيز بناء دولة القانون والمؤسسات.

الأسس المرجعية[عدل]

أولت الهيئة أهمية قصوى للمرجعية الدولية في موضوع جبر الأضرار، وعملت، منذ بداية أشغالها، على استحضار التطورات التي يعرفها القانون الدولي على الصعيد النظري أو في الممارسة. ومن خلال الاطلاع على مجموعة من الوثائق والمراجع ذات الصلة، تمكنت الهيئة من الوقوف عند الخلاصات الرئيسية التالية:

  • تتضمن مقتضيات القانون الدولي مبادئ ومعايير مهمة موزعة بين عدد من الصكوك العالمية والإقليمية ذات الصلة بحقوق الإنسان والتي تتضمن مقتضيات صريحة تنص على حق الأشخاص ضحايا انتهاكات جسيمة في الاستفادة من وسائل للتظلم أمام الجهات المختصة على الصعيد الوطني. بل إن بعض الصكوك تتضمن مقتضيات صريحة تنص على حق الضحايا في التعويض وجبر الضرر؛
  • احتل الموضوع مكانة مهمة ضمن الاجتهادات الفقهية والنظرية على صعيد لجنة حقوق الإنسان وباقي اللجان المعنية. فإلى جانب الجهود السياسية المبذولة في إطار اللجنة المذكورة، أفضت تلك الاجتهادات إلى اعتماد وثيقة تتضمن المبادئ العامة والتوجيهية الأساسية المتعلقة بحق ضحايا خروقات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في الانتصاف والجبر؛
  • تعد الوثيقة المذكورة واحدة من بين أهم الوثائق التي تم استحضار مضامينها من قبل الهيئة، بالنظر لما تضمنته من مبادئ توجيهية ومفاهيم محددة خاصة بالموضوع. وقد مكن الإطلاع عليها من تيسير عمل الهيئة المتعلق بمقاربة موضوع جبر الأضرار.

الإطلاع على تجارب لجان الحقيقة عبر العالم[عدل]

أولت الهيئة أهمية قصوى لموضوع جبر الأضرار في تجارب لجان الحقيقة عبر العالم من خلال ما قامت به من دراسات واستشارات معمقة، بتعاون مع خبراء المركز الدولي للعدالة الانتقالية. وقد مكن ذلك الهيئة من الوقوف على حقيقة مفادها عدم وجود نموذج واحد يمكن إتباعه في المجال. وبفضل ذلك تمكنت الهيئة من:

  • الوقوف على المميزات الإيجابية لبعض التجارب، وعلى مكامن النقص بالنسبة للبعض الآخر، وعلى الإضافات التي يمكن للهيئة الاستفادة منها؛
  • القيام بمستنتجات وتحصيل خلاصات فيما يتعلق بفلسفة وأبعاد موضوع جبر الأضرار، وخصوصا فيما يربطه بموضوع الحقيقة وكيفية مواجهة انتهاكات الماضي في إطار ما أصبح متعارفا عليه بالعدالة الانتقالية.

تدوين مقاربة هيئة التحكيم السابقة وتقييم تجربتها[عدل]

انطلاقا من أحد الاختصاصات الموكولة للهيئة، بمقتضى نظامها الأساسي، والقاضي بالقيام بتقييم شامل لمسلسل تسوية ملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، الذي من بين أوجهه الإطلاع على تجربة هيئة التحكيم السابقة، انكبت الهيئة على:

  • دراسة وتحليل مجمل الملفات التي سبق أن اتخذت بشأنها هيئة التحكيم المستقلة للتعويض عن الضرر المادي والمعنوي لضحايا وأصحاب الحقوق ممن تعرضوا للاختفاء القسري والاعتقال التعسفي قرارات تحكيمية سواء بالتعويض أو صرف النظر أو عدم الاختصاص، وذلك بغية تكوين رأي حصيف لدى الهيئة حول طبيعة ونوعية الاجتهاد الذي قدمته الهيئة السابقة؛
  • تدوين مقاربة الهيئة السابقة، بصفة عامة، وذلك فيما يخص الأسس والمرتكزات والقواعد التي اعتمدتها لتقدير واحتساب التعويضات المستحقة للضحايا ولذوي حقوقهم. وفي هذا الإطار، أعدت الهيئة وثيقة حول أعمال هيئة التحكيم السابقة تم اعتمادها كمرجعية في مسار التجربة الوطنية في تسوية ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. كما أن الوثيقة مكنت من توفير بعض عناصر وشروط تقييم هذه التجربة، الأمر الذي سهل ربطها بالمكونات الجديدة لجبر الأضرار، في نطاق الاختصاصات الموسعة لهيئة الإنصاف والمصالحة.

بلورة سياسة وبرامج جبر الأضرار[عدل]

خصصت الهيئة جزءا هاما من اجتماعاتها وأنشطتها لإعداد مقاربتها وسياستها في موضوع جبر الأضرار. وحرصا منها على إشراك الرأي العام الوطني في الموضوع، قامت بمراعاة آراء المنظمات الحقوقية الوطنية، سواء العاملة في المجال على المستوى الوطني أو في دول المهجر، وذلك من خلال ما تم عقده من لقاءات مباشرة مع البعض منها، أو مما تم استخلاصه بعد دراسة المذكرات والمقترحات المعروضة على الهيئة. بالإضافة إلى ذلك، قامت الهيئة بتصنيف وتحليل الملفات المعروضة عليها والمعتبرة داخل الاختصاص. مما مكنها من استخلاص المعطيات والبيانات التي تضمنتها تلك الملفات حول الانتهاكات المصرح بها والأضرار المترتبة عنها واللاحقة بالضحايا أو ذوي حقوقهم. وانطلاقا مما راكمته الهيئة من دراسات وأبحاث وتقييمات في الموضوع على النحو المذكور أعلاه، عملت على بلورة فلسفة ومقاربة وبرامج محددة في مجال جبر الأضرار. فالبنسبة للتعويض المالي، اعتبرته الهيئة حقا من الحقوق الأساسية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فحظي باجتهاد خاص من طرفها، حيث اعتمدت مبادئ ومعايير ووحدات حسابية دقيقة تراعي المساواة والتضامن بين الضحايا، وتروم أساسا التعويض عن الانتهاكات المرتكبة. كما أولت الهيئة نفس الأهمية لباقي الأشكال الأخرى لجبر الأضرار طبقا لمقاربة شمولية. وتبعا لذلك اعتمدت مكونات أخرى في برامجها لجبر الأضرار، بالنظر لكونها تختص أيضا، طبقا لمقتضيات نظامها الأساسي، في جبر باقي الأضرار الفردية المتمثلة في: التأهيل الصحي والنفسي والإدماج الاجتماعي وتسوية الأوضاع الوظيفية الإدارية والمالية وتسوية الأوضاع القانونية والنظر في قضايا نزع الممتلكات. وبنفس قدر الأهمية، اعتبرت الهيئة رد الاعتبار عن طريق الكشف عن الحقيقة ومحو آثار الانتهاكات وحفظ الذاكرة مكونا رئيسيا في مقاربتها لجبر الأضرار. ومن بين المكونات المتميزة في تجربة الهيئة، مقارنة مع باقي تجارب لجان الحقيقة:

  • جبر الضرر على النطاق الجماعي والذي استهدف أساسا المساهمة في رد الاعتبار للمناطق التي شهدت حدوث انتهاكات جسيمة، وتضررت بسبب ذلك جراء ما تعرضت له من تهميش وإقصاء؛
  • إدماج مقاربة النوع من خلال مراعاة الأوضاع الخاصة بالنساء اللواتي تعرضن لانتهاكات جسيمة.

وعموما، يمكن القول أن مقاربة الهيئة لجبر الأضرار، بما في ذلك التعويض المالي، تستند إلى المبادئ والقواعد الأساسية التالية:

  • العدل والإنصاف؛
  • مقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان، والتزامات المغرب الدولية، والدروس والعبر المستفادة من تجارب العدالة الانتقالية عبر العالم؛
  • الاعتراف بالانتهاكات والكشف عن الحقيقة وضمان عدم تكرار ما جرى؛
  • اتخاذ تدابير لجبر الأضرار على النطاقين الفردي والجماعي؛
  • إدماج بعد النوع في سياسة وبرامج جبر الأضرار؛
  • تطوير مقاربة خاصة في مجال جبر الضرر الجماعي؛
  • إشراك المجتمع المدني؛
  • تحديد التزامات كل الشركاء في مجال جبر الأضرار على النطاقين الفردي والجماعي؛
  • استعادة الثقة في حكم القانون والمؤسسات؛
  • تكريم الضحايا ورد الاعتبار لهم، وتكريس الإحساس بالمواطنة.

تجهيز الملفات[عدل]

قامت الهيئة أولا بعملية للتصنيف والتحليل القبلي لكافة الطلبات الواردة عليها، البالغ عددها 20.046 طلبا . وبعد التجهيز النهائي، تم ضبط عدد الطلبات المستوفية لشروط المقبولية، والتي وصل عددها 16861 طلبا، وهذا راجع لكون عدد كبير من الطلبات يتعلق بنفس الحالات أو الأشخاص. وتبين من خلال ذلك أن معظم هذه الطلبات مجرد رسائل تفتقر للمعلومات المتعلقة بهوية الأشخاص المعنيين والبيانات والوثائق ذات الصلة بالادعاءات الواردة بها. ولذلك، وبعد أن عملت الهيئة على فتح ملفات لجميع الطلبات المعروضة عليها، باشرت استكمال المعلومات والبيانات المتصلة بها، وذلك من خلال:

  • تنظيم زيارات ميدانية للمناطق التي ورد منها عدد كبير من الطلبات تميزت بالاستماع إلى المعنيين بالأمر مباشرة، قصد استكمال المعلومات المتعلقة بملفاتهم؛
  • مراسلة باقي الطالبين قصد استكمال البيانات والوثائق المتعلقة بطلباتهم؛
  • تنظيم استقبالات بمقر الهيئة قصد الاستماع إلى الطالبين بهدف استكمال المعلومات المتعلقة بملفاتهم؛
  • إنجاز تقارير ودراسات وتحريات واستماعات حول الوقائع أو الأحداث التي لفها غموض كبير من حيث فضاءات وقوعها وطبيعة وحجم الانتهاكات المرتكبة خلالها، والجهات المنسوب إليها الانتهاك، وعدد ضحاياها وأعمارهم، ومدد الاعتقال.

اعتمدت الهيئة في عملية تجهيز الملفات المعروضة عليها على تصنيفها إلى نوعين:

  • ملفات جاهزة، باعتبارها مكتملة البيانات والوثائق الضرورية للبت وتتوفر وسائل الإثبات بشأن الادعاءات الواردة بها، حيث يتم في هذه الحالة تدقيق تكييف الوقائع المستند إليها وإعداد ملخصات للطلبات ذات الصلة، الأمر الذي ساعد الهيئة على تكوين القناعة بخصوص الانتهاكات المدعاة واتخاذ القرار المناسب؛
  • ملفات غير جاهزة، من حيث انعدام وسائل إثبات يمكنها تأكيد أو نفي الادعاءات الواردة بها، وفي هذه الحالة تفرز كل الملفات من هذا النوع قصد التحري بخصوص الوقائع المستند إليها.

وقد استعانت الهيئة في عملية تجهيز الملفات بمجموعة من المساعدين، من أساتذة وباحثين جامعيين ومحامين، تحت إشراف أعضاء فريق العمل المكلف بجبر الأضرار.

البت في الملفات من زاوية جبر الأضرار[عدل]

لقد مكنت عملية التجهيز على النحو المذكور أعلاه من تحديد وحصر الملفات التي تتعلق بمواضيع لا ينعقد معها الاختصاص، طبقا لمقتضيات النظام الأساسي للهيئة؛ وكذا تحديد تلك التي ينعقد معها الاختصاص مع تحديد الأشخاص الذين يستحقون التعويض، طبقا للمعايير والمقاييس وعناصر التقدير المعتمدة من قبل الهيئة. كما مكنت، من جهة أخرى، من تحديد الملفات التي تحتاج إلى وسائل إثبات لتأكيد أو نفي الادعاءات الواردة بها بخصوص تعرض الأشخاص المعنيين لانتهاكات حقوق الإنسان. وانطلاقا من ذلك، قامت الهيئة بالبت في الملفات من زاوية التعويض المالي وباقي مكونات جبر الأضرار.

التعويض المالي[عدل]

وبناء عليه، تمكنت الهيئة من إصدار مقررات بتحديد التعويض المستحق في كل الحالات التي ثبت لديها تعرض أصحابها لانتهاكات تدخل ضمن اختصاصها.

باقي مكونات جبر الضرر على المستوى الفردي والجماعي[عدل]

أ- باقي مكونات جبر الضرر على النطاق الفردي فيما يتعلق بتسوية الأوضاع القانونية قامت الهيئة بـ:

  • حصر لائحة الأشخاص الذين يعانون من مشاكل مرتبطة بحرية التنقل، وإجراء اتصالات في الموضوع مع وزارة الداخلية قصد رفع المضايقات في مناطق العبور أثناء مغادرة أو العودة إلى أرض الوطن ورفع العراقيل التي لازالت تعترض بعض ضحايا الانتهاكات بشأن حقهم في تسلم جواز السفر.
  • إعداد مشروع مذكرة لتفسير العفو الملكي الشامل الصادر بتاريخ 4 يوليوز 1994 وتوضيح مدلوله.

ب- تسوية الأوضاع الوظيفية: الإدارية والمالية

  • تم حصر حالات الأشخاص الموقوفين أو المطرودين من الوظيفة العمومية أو شبه العمومية الذين لم تتم تسوية وضعيتهم جزئيا أو كليا انطلاقا من المعطيات المتضمنة في الملفات والمذكرات المعروضة على الهيئة،
  • إعداد توصيات ومذكرات متضمنة للحالات والتدابير المقترح اتخاذها من طرف القطاعات الحكومية المعنية.

ج- الإدماج الاجتماعي

  • إعداد لوائح الأشخاص المستحقين للإدماج الاجتماعي حسب الفئات الواردة في الفقرة المخصصة لذلك ضمن مفهوم جبر باقي الأضرار،
  • تنظيم جلسات عمل مع القطاعات الحكومية المعنية ومؤسسة محمد الخامس للتضامن والمؤسسات المسؤولة عن التشغيل والفدرالية العامة للمقاولين لبحث سبل إيجاد حلول للضحايا الذين يحتاجون لإدماج اجتماعي أو لتكوين مهني تأهيلي،
  • بلورة مقترحات لمساعدة الضحايا أو أبناء بعض الضحايا قصد استفادتهم من برامج التعليم والتكوين المهني إذا كانوا في سن يسمح لهم بذلك.
  • جرد الحالات المتعلقة بنزع الممتلكات العقارية وإعداد بطائق تقنية بخصوص حالاتها الواقعية والقانونية وفق التصنيف التالي:
  • حالات نزع ممتلكات من طرف الدولة على إثر الانتهاك الذي تعرض له الضحية،
  • حالات اعتداء مادي مقصود على عقارات، في الفترة التي كان فيها مصير الشخص مجهولا،
  • حالات نزع الملكية لفائدة المنفعة العامة، حيث يتعين دراسة إمكانية إيجاد تسوية مع الإدارة المعنية.
  • إعداد مذكرات بشأن، الاقتراحات المتوصل بها.

د- التأهيل الصحي اعتبرت هيئة الإنصاف والمصالحة الرعاية الصحية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، من أولويات عملها، وعملت على إدراجها في إطار مقاربة شاملة لجبر الأضرار وللمشاكل الصحية التي يعاني منها الضحايا أو ذوي حقوقهم، بغرض تحديدها، والبحث عن السبل الكفيلة بحلها. ومن أجل تشخيص أوضاع الضحايا المشتكين من أمراض عضوية أو نفسية، باشرت الهيئة، من خلال تحليل المعلومات الواردة في الوثائق الطبية التي تضمنتها ملفاتهم، إنجاز دراسة مكنت من إعداد تقرير أولي حول الوضعية الصحية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. تمثل الهدف الرئيسي لهذه الدراسة في تقدير طبيعة وخطورة الأمراض التي يعاني منها ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان، واستشراف البدائل والاستراتيجيات لتحمل دائم للعلاجات، سواء بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من أمراض أو عجز أو بالنسبة لمجموع الضحايا وذوي حقوقهم. نتائج الدراسة من مجموع 15592 ملف لضحايا أو ذوي حقوقهم تم تحليلها من طرف الهيئة، تبين أن 9992 ملفا، أي ما يعادل 64,1%، تتعلق بضحايا صرحوا بمعاناتهم من مشاكل صحية. وضمن هذا العدد من الضحايا، هناك 2006، أي 20,1 %، ضمنوا ملفاتهم وثائق طبية ذات قيمة جيدة أو متوسطة في إثبات وضعيتهم الصحية و/ أو سبق لهم إجراء فحوص طبية، سواء بالوحدة الطبية التابعة للهيئة، أو في إطار الفحوصات التي نظمتها الهيئة ميدانيا، بشراكة مع وزارة الصحة ( الأقاليم الجنوبية). للقيام بعملية تحليل المعلومات الواردة في الوثائق الطبية وصياغة التشخيص أو التشخيصات والخلاصة المتعلقة بحالة كل ضحية، كلفت الهيئة مجموعة من الأطباء الممارسين في الطب العام أو الأخصائيين، والذين وضعتهم وزارة الصحة رهن إشارتها. وقد تم تجميع نتائج تحليل خلاصة الأمراض المشخصة بالنسبة لـ 2006 ضحية، ضمن فصول، وفقا للتصنيف العالمي للأمراض ( النسخة العاشرة)، مما مكن من الوقوف على الجوانب الصحية العامة للأضرار الناتجة عن الانتهاكات، مع تحديد أنواع مختلفة وخاصة من الأمراض المزمنة ترتبط بالسن بالنسبة لفئة من الضحايا، زادت من حدتها آثار الأضرار الجسدية والنفسية المختلفة التي تعرضوا لها. وبالإضافة إلى تدخلات الهيئة، خلال اشتغالها، لفائدة العديد من الضحايا في الحالات الصحية الاستعجالية وغيرها، توصي الهيئة بشمل الضحايا الذين أصدرت قرارات إيجابية لفائدتهم بعدما ثبت لديها تعرضهم لانتهاكات، والبالغ عددهم حوالي 9779، بنظام التغطية الصحية على النحو الوارد في التوصية الخاصة بالموضوع.

جبر الضرر على النطاق الجماعي[عدل]

نص النظام الأساسي للهيئة على مفهوم جبر الضرر على النطاق العام أو الجماعي، ومن هذا الأساس عززت الهيئة مقاربتها للموضوع انطلاقا من نتائج وخلاصات الزيارات الميدانية للمناطق التي عرفت أحداثا في الماضي تميزت بوقوع انتهاكات جسيمة، أو تلك التي عرفت وجود مراكز للاختفاء القسري والاحتجاز السري غير القانوني. وبنفس الدرجة تمت الاستفادة من مستخلصات الدراسات والأبحاث التي توفرت للهيئة والتحاليل والمناقشات المجراة، مما مكن الهيئة من تطوير آلية الوساطة في مجالات تهم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق المعنية. كما ساعد في بلورة هذا التوجه الجديد، المقاربة التشاركية التي اعتمدتها الهيئة مع كافة المعنيين أثناء اشتغالها في المناطق المعنية، سواء بمناسبة التحريات التي قامت بها من أجل الكشف حقيقة الانتهاكات الجسيمة أو بمناسبة استكمال المعلومات والبيانات بخصوص مجموعة من الملفات المعروضة عليها، أو لتدبير القضايا المرتبطة بالمدافن، أو من خلال تنظيم جلسات استماع عمومية بها. كما عملت الهيئة أيضا على إشراك فعاليات المجتمع المدني الحقوقية، والجمعيات العاملة في مجال التنمية المحلية وكذا وكالات ومؤسسات التنمية المتدخلة في تلك المناطق. وانطلاقا من ذلك تمكنت الهيئة، بتعاون وشراكة مع الأطراف المذكورة، من الوقوف على برامج التنمية الاقتصادية، مما مكن بعد جبر الضرر الجماعي من أن يأخذ كافة معانيه ودلالاته في مقاربة جبر الأضرار، الشئ الذي ساعد على تقديم اقتراحات لتعزيز مشاريع قائمة، واقتراح مراعاة مجالات أخرى لم تكن واردة في المشاريع المبرمجة، بما قوى مقاربة جبر الضرر الجماعي وما يرتبط بها من آليات الوساطة.

حصيلة إجمالية لعمل الهيئة في مجال جبر الأضرار[عدل]

على المستوى الفردي[عدل]

أ. عدد الملفات المعروضة على الهيئة: 16861 ب. تصنيف الملفات التي اتخذت بشأنها قرارات إيجابية القرار المتخذ عدد الملفات النسبة التعويض المالي 6385 38,7% التعويض المالي مع توصية بجبر باقي الأضرار 1895 11,5% توصية وحدها 1499 9,1% المجموع 9779 58% ج- تصنيف باقي الملفات القرار المتخذ عدد الملفات النسبة عدم الاختصاص مع إحالة على الجهة المختصة 66 0,4% الحفظ 18 0,1% الرفض 854 5,2% صرف النظر 150 0,9% عدم القبول 927 5,6% عدم الاختصاص 4877 29,6% المجموع 6892 41,7%

على مستوى جبر الضرر الجماعي[عدل]

انطلاقا مما وقفت عليه الهيئة من تضرر بعض الجماعات والمناطق، بشكل مباشر أو غير مباشر، من آثار العنف السياسي والانتهاكات التي حدثت خلالها، أولت الهيئة اهتماما خاصا لجبر الضرر الجماعي من خلال:

  • تنظيم والمساهمة في ندوات بمختلف المدن والمناطق [ فكيك، الحسيمة، الراشيدية، خنيفرة، مراكش......]؛
  • تنظيم منتدى وطني حول جبر الضرر بمشاركة 200 جمعية وخمسين خبيرا وطنيا ودوليا؛
  • عقد لقاءات تشاورية مع السلطات العمومية وفاعلين في المجتمع المدني.

اقترحت الهيئة، في هذا المجال، تبني ودعم مشاريع برامج للتنمية السوسيو-اقتصادية أو الثقافية لفائدة مجموعة من المدن [الدارالبيضاء]، والجماعات [ مع إيلاء عناية خاصة للنساء] والمناطق[ الريف، منطقة فكيك، تازمامارت، أكدز -زكورة والأطلس المتوسط إلخ....] وتوصي الهيئة، بشكل خاص، بتحويل مراكز الاعتقال غير القانونية السابقة[ تازمامارت، أكدز، درب مولاي الشريف بالدارالبيضاء....]. وقد تم بدء مباشرة إجراءات من أجل ذلك، حيث تم إخلاء الثكنة العسكرية الموجودة قرب تازمامارت من قبل القوات المسلحة، كما أن عملية إخلاء وإعادة إسكان قاطني العمارة التي يتواجد بطابقها السفلي مركز الاعتقال السابق بدرب مولاي الشريف وإعادة إسكانهم لا زالت جارية.

مقومات توطيد الإصلاح والمصالحة[عدل]

مسار ومقومات المصالحة[عدل]

انطلق مسلسل تدريجي للمصالحة في بلادنا متنوع الأشكال والمجالات منذ بداية التسعينات، انصب على الاحتكام إلى قواعد المؤسسات الدستورية، وتوج بالتصويت الإيجابي للمعارضة على التعديلات الدستورية لسنة 1996، وتحملها للمسؤولية الحكومية، وحصول توافقات حول جملة من القوانين ذات الصلة بدولة المؤسسات وحقوق الإنسان. وقد عرفت هذه الدينامية إصلاحات تشريعية هامة، بدءا من المقتضيات المنظمة للحريات العامة، والانتخابات، وإلغاء القوانين العائدة إلى العهد الاستعماري، وصولا إلى الاتفاق النوعي الحاصل بين مختلف التيارات السياسية والمذهبية بمناسبة تعديل مدونة الأحوال الشخصية. كما شهدت بلادنا في سياق ذلك، تغييرات نوعية على صعيد الضمانات المؤسساتية ذات الصلة بتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، بدءا من إحداث المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وتطويره في نطاق مبادئ باريز، وإحداث المحاكم الإدارية، وإنشاء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وإحداث مؤسسة ديوان المظالم والهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. وساهم هذا التطور في انتشار الوعي على نطاق واسع بأهمية مشاركة المواطنين في تدبير شؤونهم العامة، الوطنية والمحلية. كما تقوت حريات التعبير والصحافة والانتماء والتجمع. وتترجم هذه التحولات مصالحة المغاربة مع تاريخهم التي أكدها الخطاب الملكي السامي بمناسبة تنصيب هيئة الإنصاف والمصالحة. وعرفت قضية حقوق الإنسان على خلفية هذه التطورات السياسية والمؤسساتية، تقدما ملحوظا ومتسارعا على مستوى الفكر والثقافة، مما مكن الدينامية الحقوقية من الانفتاح على أصول ومدارس جديدة تهم القانون الدولي لحقوق الإنسان وتجارب العدالة الانتقالية عبر العالم، فيما يخص التصدي لملف ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا. وبذلك اختارت التجربة المغربية، انسجاما مع مصالحة المغاربة مع ماضيهم، في مجال التسوية السلمية والعادلة والمنصفة لماضي الانتهاكات، العدالة التصالحية بدل العدالة الاتهامية والحقيقة التاريخية بدل الحقيقة القضائية، لأن مجال هذا النوع من العدالة ليس هو ساحة المحاكم، ولكن الفضاء العمومي، الذي يتسع أفقه ليشمل كافة فضاءات الفعل الاجتماعي والثقافي والسياسي. وتفعيلا لمقتضيات النظام الأساسي للهيئة، وعلى الخصوص الفقرة السابعة من المادة التاسعة منه التي حددت من بين الأهداف الإستراتيجية ، "المساهمة في تنمية وإثراء ثقافة وسلوك الحوار، وإرساء مقومات المصالحة، دعما للتحول الديمقراطي لبلادنا، وبناء دولة الحق والقانون، وإشاعة قيم وثقافة المواطنة وحقوق الإنسان"، واعتبارا لكون المصالحة مسلسل متواصل الحلقات، عملت الهيئة على جعل مهمة توسيع نطاقها موضوعا أفقيا، تم استحضاره في كافة البرامج والأنشطة التي أنجزتها، حيث حرصت منذ انطلاق أشغالها على خلق ظروف النقاش الحر والحوار الجاد حول مقومات المصالحة، عبر تنظيم العديد من الندوات واللقاءات والزيارات الميدانية التي همت معظم أرجاء التراب الوطني، واعتمدت لتحقيق ذلك، منهجية العمل عن قرب والتواصل في بعده الإخباري ومضمونه الاجتماعي بالشراكة مع مختلف الفاعلين، تتوخا التفاهم حول قراءة مشتركة، تساعد على امتلاك مفاتيح فهم ما جرى من انتهاكات و اختلالات و خروقات وتسمح ببناء ذاكرة مشتركة، كثيرا ما غيبت في فترات القمع التي شهدها المجتمع. ويتطلب بناء الذاكرة المشتركة، إطلاق دينامية النقاش والتناظر الحرين والجدل الديمقراطي، إسهاما في إعادة تقوية الهوية المشتركة باعتبارها مقوما من مقومات الأمة. ولذلك يعتبر العمل من أجل كشف الحقيقة وإقرارها وقراءة ما جرى من انتهاكات مساهمة عميقة وبعيدة المدى في إعادة ترتيب عناصر هذه الذاكرة وتجليا من تجليات ترسيخ عناصر المصالحة في معناها الاجتماعي والثقافي بعيدا عن أي فرض قسري لها، أو فرضا لأي شكل من أشكال الصفح أو الصلح الفردي بين الضحايا والمسؤولين المفترضين عن الانتهاكات. وللارتباط الوثيق للمصالحة بحفظ الذاكرة الجماعية، اجتهدت الهيئة في توسيع دائرة المستفيدين من برامج جبر الأضرار، عبر إدماج المناطق التي تولد لدى ساكنتها شعور بتعرضها للتهميش ولنوع من العقاب الجماعي بحكم أحداث تاريخية معينة ارتبطت بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، أو بسبب تواجد مراكز اعتقال واحتجاز سرية بها. وبذلك أصبح برنامج جبر الضرر الجماعي سعيا من أجل ترجمة فعلية لروح المواطنة الايجابية والتضامن الاجتماعي ومساهمة في تدعيم المقاربة الحقوقية والديمقراطية التشاركية في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي انخرطت فيها بلادنا. وبانسجام مع ذلك، وضعت الهيئة في صلب اهتماماتها تمكين الأشخاص المتضررين من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من مداخل التأهيل وإعادة الإدماج استرجاعا للكرامة، بارتباط مع جبر الضرر الجماعي لتمكين المجتمع على الصعيدين المحلي والوطني من الانخراط الايجابي في عملية البناء الديمقراطي الجارية استرجاعا للثقة في دولة المؤسسات وحكم القانون وتأمينا لمساهمته الفعالة من خلال مواطنة ضامنة لترسيخ العدالة الاجتماعية ونجاح مشروع المجتمع الديمقراطي الحداثي. اعتمدت الهيئة مبدأ إقرار الحقيقة حول الانتهاكات بشكل علني وفي إطار من التناظر الحر والمناقشة الرصينة، بصفة جماعية ومفتوحة داخل المجتمع، كاختيار استراتيجي لترجمة مسؤولية الدولة بدل مسؤولية الأفراد. ومن تجليات المصالحة ترجمة قضية ضمان عدم تكرار ما جرى باعتباره مكونا يهم المستقبل ولذلك اعتبرت الهيئة مواصلة الإصلاح الذي انطلق منذ العقد التسعيني من القرن المنصرم ضمانا لاحترام حقوق الإنسان في التشريع وبواسطة المؤسسات وفي الممارسات تعزيزا لمسار بناء دولة القانون حتى لا تتحول الديمقراطية إلى ميكانيزمات وشكليات فقط. وبذلك توخت هيئة الإنصاف والمصالحة من مسار الكشف عن الحقيقة وإنصاف الضحايا التخفيف أولا من معاناتهم ورد الاعتبار لهم، بتمكينهم من استرداد كرامتهم والشعور بالمواطنة الكاملة والإسهام في النهوض بفهم المجتمع لأحداث الماضي، وتنمية انشغاله باحترام حقوق الإنسان كأحد المداخل الأساسية لتقوية التضامن الوطني والتماسك الاجتماعي، خلقا للشروط والظروف الحقيقة لتجاوز التوترات وانعدام الثقة واليأس داخل المجتمع وتدبير النزاعات بطريقة عنيفة.

المداخل الأساسية للمصالحة[عدل]

البوح والاعتراف علنيا بما جرى: جلسات الاستماع العمومية[عدل]

قامت الهيئة، في إطار دعم مسلسل المصالحة، بتنظيم سبع جلسات استماع عمومية بست جهات من المملكة لعينات من ضحايا الانتهاكات الجسيمة الماضية من أجل استرجاع كرامة الضحايا الذين انتهكت حقوقهم وبرد الاعتبار المعنوي لهم، وحفظ الذاكرة الجماعية، ومقاسمة الآلام والمعاناة والتخفيف من المخلفات النفسية الناتجة جراء ذلك. كما لعبت دورا تربويا وبيداغوجيا تجاه المسئولين والرأي العام والمجتمع والأجيال الصاعدة، مشكلة بذلك لحظة ذات أهمية كبيرة في مسار الإنصاف والمصالحة. ولأول مرة يسمح للضحايا بإسماع أصواتهم من منبر عمومي رسمي بالإنصات لشهاداتهم، التي اعتبرت رسالة بيداغوجية للتوعية بأشكال تلك الانتهاكات والآلام المترتبة عنها ومن تم التحسيس بضرورة تضافر كل إرادات الدولة والمجتمع للحيلولة دون تكرارها. وبذلك كانت الجلستان الأولى والثانية المنظمتان بالرباط، بتاريخ 21 و 22 دحنبر 2004، بداية تأسيس "حكي وطني" حول المعاناة والآلام الماضية، مشكلتان بذلك بوابتين إضافيتين لمصالحة المغاربة مع ماضيهم ومع ذواتهم. كما ساهمتا في إشعاع التجربة المغربية وتجديد التأكيد على انخراط المغرب في الديمقراطية والحداثة وتشبثه بهما. كما ارتكزت فكرة تنظيم الجلسات على دورها التربوي والبيداغوجي في خلق استعداد أكبر وقابلية لدى المجتمع والدولة، وترسيخ القناعة لديهما بضرورة التشبث بمبادئ حقوق الإنسان وحمايتها والنهوض بها. وتوخت تكريس واجب العمل على الطي المنصف والنهائي لصفحة الانتهاكات الجسيمة ومنع تكراراها، وذلك عن طريق التعريف والإقرار بشكل رسمي وعلني بالحجم الذي اتخذته تلك الانتهاكات في بلادنا، وبالآلام التي خلفتها لدى الضحايا، وأسرهم وأقربائهم ومعارفهم، وبآثارها النفسية والمعنوية والمادية على المستويين المحلي والوطني. وبالموازاة مع ذلك، عقدت لقاءات مفتوحة للتشاور واستطلاع آراء الفاعلين المحليين فيما يتعلق بالسبل الكفيلة بجبر الضرر الجماعي لمناطقهم وضمان مصالحة المواطنين مع مجالهم وتاريخهم في العديد من المدن والقرى المغربية.

الحوار الوطني حول مقومات الإصلاح والمصالحة[عدل]

حرصت الهيئة، منذ انطلاق أشغالها، على خلق ظروف النقاش الحر والحوار الجاد حول مقومات المصالحة عبر تنظيم العديد من الندوات واللقاءات والزيارات الميدانية التي همت معظم أرجاء التراب الوطني. وفي هذا الإطار قامت الهيئة بتنظيم زيارات ميدانية للمناطق التي عرفت انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في الماضي، من أجل التواصل بصورة مباشرة مع الضحايا أو ذويهم. وشكلت تلك الزيارات مناسبات قوية إما للاستماع للضحايا أو لمرافقتهم النفسية والاجتماعية، أو لاستكمال بيانات ملفاتهم. كما قامت بفتح مراكز، بالتعاون مع مصالح وزارة الداخلية، لاستقبال وتلقي إفادات الطالبين وذوي حقوقهم، في كل من أزيلال وبني ملال وفي الأقاليم الجنوبية والشمالية للمملكة. كما عقدت في نفس المناطق جلسات حوار مع الضحايا وذوي الحقوق، في جو من الصراحة والشفافية، مما جعل من هذه الجلسات، لحظات إشفائية وعلاجية لهم من جراحات الماضي مكملة للدور الذي لعبته جلسات الاستماع العمومية. نظمت أيضا، بمناسبة الزيارات، لقاءات تواصلية مع مكونات الطيف السياسي والنقابي والجمعوي والمنتخبين المحليين في هذه المناطق، تمحورت حول تفسير الأسس العميقة لتجربة المغرب في مجال العدالة الانتقالية ، وأهمية مسار المصالحة مع التاريخ والمجال والذات في تعزيز الانتقال الديموقراطي. وانطلاقا من قناعتها الثابتة بأن مسألة طي صفحة الماضي والمساهمة في بناء دولة حديثة ديمقراطية ومجتمع تصان فيه الحقوق وتقرر فيه الواجبات، شأنٌ مجتمعي يهم كافة المغاربة من خلال التنظيمات الاجتماعية والسياسية والجمعوية التي انخرطوا فيها، لجأت الهيئة إلى عقد سلسلة من اللقاءات الاستشارية والفكرية في رحاب العديد من الجامعات ومع الفعاليات السياسية والنقابية والجمعوية. كما اعتمدت على الخبرات المعرفية والعلمية الوطنية بغية إنجاز دراسات ومشاريع أوراق خلفية للتقرير الختامي، تتعلق بالظواهر والقضايا كالاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والتربية على حقوق الإنسان والنوع الاجتماعي والانتهاكات، وكذا بغية إغناء توصيات ومقترحات الهيئة. كما عقدت الهيئة أربع ندوات فكرية وعلمية عمومية بكل من الرباط ومراكش وطنجة والدار البيضاء تناولت على التوالي:

  • دراسة ونقد أدب الاعتقال السياسي؛
  • إشكالية عنف الدولة من النواحي النظرية والقانونية والسياسية والتاريخية؛
  • مفهوم الحقيقة في أبعادها الفلسفية والإنسانية والقانونية؛
  • المحاكمات والمتابعات ذات الصبغة السياسية التي شهدها المغرب، والتي تندرج ضمن الاختصاص الزمني والموضوعي للهيئة؛
  • بالإضافة إلى منتدى وطني حول جبر الأضرار.

وشاركت في هذه التظاهرات نخبة من نشطاء حقوق الإنسان ومختلف مكونات النسيج الجمعوي وثلة من المثقفين والباحثين الأكاديميين والممارسين. كما نظمت خمس جلسات حوارية، في شكل حلقات نقاش عمومي تم بثها عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والموقع الإليكتروني للهيئة. واستهدفت الجلسات الحوارية إشراك الرأي العام في تفكير صريح و مسئول حول السياقات السياسية والفكرية والتاريخية لانتهاكات حقوق الإنسان التي عرفها المغرب منذ بداية الاستقلال، و حول الأسباب التي أدت إلى حدوثها، والانعكاسات التي خلفتها على التطور السياسي في المغرب. كما توخت الدفع نحو سبل بلورة مشاريع وبرامج عملية ترسخ دولة القانون والمؤسسات الحامية للحريات والضامنة لمنع تكرار الانتهاكات. وشارك في أشغال هذه الجلسات ذوو الخبرة المعرفية والميدانية ومهتمون وفاعلون من المجتمع السياسي والمدني. وانكبت على تحليل السياقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للانتهاكات، والبحث في الوسائل العملية لتجاوز وسائل العقاب المتنافية مع حقوق الإنسان، كما ثم اقتراح الإصلاحات المؤسساتية والقانونية والتربوية الكفيلة بحماية الحريات وترسيخ دولة القانون.

الحفظ الايجابي للذاكرة ومعالجة موضوع الأرشيفات[عدل]

تتطلب المصالحة مع التاريخ، أيضا، إزالة العراقيل التي تحول دون البحث في هذا التاريخ، وتنظيم تراكم التجارب بين الأجيال، وترسيخ التواصل بينها بما يحفظ الذاكرة. مما يستوجب مراجعة شاملة لحالة الأرشيفات العمومية وتهيئ شروط إصلاح عميق لوضعيتها. ولهذه الغاية نظمت الهيئة لقاءا حول موضوع الأرشيف بالمغرب، شارك فيه مختصون في التاريخ والأرشيف والتوثيق انصب على:

  • خلق اهتمام وطني لدى المعنيين بضرورة تنظيم الأرشيف؛
  • تنظيم الأرشيف والمؤسسة الوطنية المشرفة على الأرشيف، في إطار قانوني واضح وشفاف، يضمن صيانة وحفظ وتطوير واستثمار الأرشيف، وتنظيم ولوج المواطنين والباحثين والمؤسسات إليه؛
  • تقوية وتحيين برامج التكوين حول الأرشيف بما يضمن تأهيل موارد بشرية متخصصة في هذا الميدان، تتسم بالدراية والكفاءة اللازمتين لتسيير عقلاني وديمقراطي للأرشيف.

وعملت الهيئة، في إطار برنامج التسوية النهائية لمخلفات الاختفاء القسري، على بلورة مقاربة جديدة لحفظ الذاكرة، تستهدف اقتراح تحويل مراكز الاعتقال أو الاحتجاز السابقة إلى مشاريع منتجة وحافظة للذاكرة. ولهذا الغرض نظمت لقاءات واستشارات مع الفاعلين المحليين من منتخبين وجمعيات وأحزاب وسلطات محلية بالمناطق المعنية بوجود هذه المراكز، إلى جانب الأفراد والمجموعات بالمناطق التي ساد فيها الاعتقاد لدى المواطنين بارتباط تهميشها وعزلتها بماضي الانتهاكات في كل من الأطلس المتوسط والريف والشرق والجنوب الشرقي والحوز.

موجز التوصيات وضمانات عدم التكرار[عدل]

استندت الهيئة في إطار إعداد التوصيات، على:

  • المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والاستفادة من التجارب المقارنة في مجال العدالة الانتقالية في العالم، وكذا الاجتهادات المبلورة فيما يخص علاقة حقوق الإنسان بالديمقراطية في إطار الأمم المتحدة، أو الهيئات البرلمانية الدولية؛
  • مستخلصات التجربة المغربية في موضوع الانتهاكات الجسيمة المرتكبة في الماضي من حيث أنواعها ومداها والمسؤوليات المؤسساتية التي ارتبطت بها وأوجه الخصاص في مجالات القانون والعدالة والحكامة الأمنية؛
  • الدراسات والأبحاث العلمية للنصوص التشريعية والتنظيمية ذات الصلة بحقوق الإنسان أو تلك التي قد يكون لها أثر سلبي أو إيجابي على احترامها والتمتع بها. مما مكن من تبين ما يتعين تعزيزه و تقويته، أو إلغاؤه، أو تتميمه أو وضعه لأول مرة، على صعيد الضمانات والمساطر؛
  • الدراسات التي مكنت من الوقوف على تعزيز صلاحيات ووظائف الجهات المعنية أو المتدخلة في مجال حقوق الإنسان، من حيث ممارستها لمهامها؛
  • اللقاءات الحوارية والتشاورية مع الأحزاب السياسية والجمعيات والمنظمات غير الحكومية المعنية وممثلي السلطات العمومية، مما أفضى إلى تلقي اقتراحات متنوعة حول الموضوع؛
  • إجراء مناقشات معمقة، وعلى مراحل بين أعضاء الهيئة، بصفة جماعية ومن خلال فرقها والمتخصصين على صعيدها، تستمر، وإلى حين الاتفاق النهائي على مضمونها وصياغتها.

ومن أجل ضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا ومن أجل توطيد مسلسل الإصلاحات الجارية، قدمت هيئة الإنصاف والمصالحة مجموعة من التوصيات تتعلق بالإصلاحات المؤسساتية وباستراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب وبتتبع تنفيذ التوصيات.

  1. دعم التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا وذلك عبر ترسيخ مبادئ سمو القانون الدولي على القانون الوطني وقرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة. كما أوصت الهيئة بتعزيز مبدأ فصل السلط وبمنع الدستور لكل تدخل من طرف السلطة التنفيذية في تنظيم وسير السلطة القضائية.

كما أوصت الهيئة بالتنصيص الدستوري الصريح بفحوى الحريات والحقوق الأساسية التي يتضمنها مثل حريات التنقل والتعبير والتظاهر والتنظيم النقابي والسياسي والتجمع والإضراب، وسرية المراسلات وحرمة المسكن واحترام الحياة الخاصة. وأوصت الهيئة أيضا بتقوية المراقبة الدستورية للقوانين والمراسيم التنظيمية المستقلة الصادرة عن الجهاز التنفيذي، مع التنصيص دستوريا على الحق في الدفع استثناء بلا دستورية قانون من القوانين، مع الإحالة على المجلس الدستوري للفصل فيه. وعلى غرار تحريم الحزب الوحيد دستوريا، توصي الهيئة بتحريم الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والإبادة والجرائم الأخرى ضد الإنسانية، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الخالة بالكرامة أو المهينة، وكذا منع كل أشكال التمييز المحرمة دوليا وكل دعوة أو تحريض على العنصرية والكراهية والعنف.

  1. إقرار وتطبيق استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب

تدعو الهيئة بناء على النتائج الواردة في تقريرها الختامي إلى وضع استراتيجية وطنية متكاملة، مندمجة ومتعددة الأطراف في هذا المجال وتعتبر أن مكافحة الإفلات من العقاب تتطلب، إضافة إلى الإصلاحات القضائية، وضع وتطبيق سياسات عمومية في قطاعات العدالة والأمن وحفظ النظام والتربية والتكوين المستمر بمشاركة فاعلة للمجتمع برمته. كما تعتبر الهيئة أن هذه الاستراتيجية يجب أن تستند إلى قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان بملاءمة التشريع الجنائي والالتزامات الدولية للمغرب وذلك بـ :

  • إدماج وتعريف المسؤولية والعقاب المستحق كما حددتهما الأدوات الدولية.
  • تخويل الموظفين العموميين ووكلاء السلطة والأعوان المأتمرين بأوامر رؤسائهم واجب التبليغ عن كل معلومات تدل على فعل أو محاولة ارتكاب الجرائم السالفة الذكر، أيا كانت الجهة الآمرة بذلك.
  • وضع مقتضيات خاصة لحماية ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وذوي حقوقهم عند الاقتضاء من حيث الاستماع أثناء البحث والانتصاب كطرف مدني أمام الجهة القضائية المختصة، ومن حيث التأهيل وجبر الضرر.
  1. تعتبر الهيئة أن توطيد دولة القانون يتطلب إضافة إلى ذلك، إصلاحات في مجالات الأمن والعدالة والتشريع والسياسة الجنائية. ولذا فإنها توصي على الخصوص بـ :

أ‌- الحكامة الأمنية التي تتطلب تأهيل وتوضيح ونشر الإطار القانوني والنصوص التنظيمية المتعلقة بصلاحيات وتنظيم مسلسل اتخاذ القرار الأمني وطرق التدخل أثناء العمليات وأنظمة المراقبة وتقييم عمل الأجهزة الاستخباراتية والسلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام أو تلك التي لها سلطة استعمال القوة العمومية. ب‌- تقوية استقلال القضاء، التي تتطلب فضلا عن التوصيات ذات الطابع الدستوري، مراجعة النظام الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء بواسطة قانون تنظيمي تراجع تشكيلته ووظيفته بما يضمن تمثيلية أطراف أخرى غير قضائية داخله، مع الإقرار باستقلاله الذاتي بشريا وماليا وتمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيم المهنة ووضع ضوابطها وأخلاقياتها وتقييم عمل القضاة وتأديبهم وتخويله إعداد تقرير سنوي عن سير العدالة. ت‌- إعادة تأهيل السياسة والتشريع الجنائيين التي تقتضي تقوية الضمانات القانونية والمسطرية ضد انتهاكات حقوق الإنسان وتفعيل توصيات الندوة الوطنية حول السياسة الجنائية المنعقدة بمكناس سنة 2004، وإدراج تعريف واضح ودقيق للعنف ضد النساء طبقا للمعايير الدولية في المجال، وتفعيل توصيات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الخاصة بالمؤسسات السجنية (توسيع اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات واعتماد عقوبات بديلة...).

  1. آليـات المتابعة

أوصت الهيئة بعد انتهاء ولايتها، إحداث آليات ومساطر لمتابعة القضايا التالية:

  • تنفيذ المقررات المتعلقة بالتعويض ومتابعة تفعيل التوصيات حول الأشكال الأخرى لجبر الأضرار بما فيها التأهيل الصحي والنفسي للضحايا وبرامج جبر الضرر الجماعي؛
  • تفعيل التوصيات الخاصة بالكشف عن الحقيقة بالنسبة للحالات التي لم يتم استجلاؤها؛
  • تفعيل توصيات الهيئة المتعلقة بالإصلاحات؛
  • حفظ أرشيف هيئة الإنصاف والمصالحة والأرشيف العمومي.

بطاقات موجزة


التوصيات وضمان عدم التكرار[عدل]

من أجل ضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا ومن أجل توطيد مسلسل الإصلاحات الجارية، قدمت هيئة الإنصاف والمصالحة مجموعة من التوصيات تتعلق بالإصلاحات المؤسساتية وباستراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب وبتتبع تنفيذ التوصيات. 1- دعم التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا وذلك عبر ترسيخ مبادئ سمو القانون الدولي على القانون الوطني وقرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة. كما أوصت الهيئة بتعزيز مبدأ فصل السلط وبمنع الدستور لكل تدخل من طرف السلطة التنفيذية في تنظيم وسير السلطة القضائية. كما أوصت الهيئة بالتنصيص الدستوري الصريح بفحوى الحريات والحقوق الأساسية التي يتضمنها مثل حريات التنقل والتعبير والتظاهر والتنظيم النقابي والسياسي والتجمع والإضراب، وسرية المراسلات وحرمة المسكن واحترام الحياة الخاصة. وأوصت الهيئة أيضا بتقوية المراقبة الدستورية للقوانين والمراسيم التنظيمية المستقلة الصادرة عن الجهاز التنفيذي، مع التنصيص دستوريا على الحق في الدفع استثناء بلا دستورية قانون من القوانين، مع الإحالة على المجلس الدستوري للفصل فيه. وعلى غرار تحريم الحزب الوحيد دستوريا، توصي الهيئة بتحريم الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي والإبادة والجرائم الأخرى ضد الإنسانية، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو العقوبة القاسية أو اللا إنسانية أو الخالة بالكرامة أو المهينة، وكذا منع كل أشكال التمييز المحرمة دوليا وكل دعوة أو تحريض على العنصرية والكراهية والعنف. 2- إقرار وتطبيق استراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب تدعو الهيئة بناء على النتائج الواردة في تقريرها الختامي إلى وضع استراتيجية وطنية متكاملة، مندمجة ومتعددة الأطراف في هذا المجال وتعتبر أن مكافحة الإفلات من العقاب تتطلب، إضافة إلى الإصلاحات القضائية، وضع وتطبيق سياسات عمومية في قطاعات العدالة والأمن وحفظ النظام والتربية والتكوين المستمر بمشاركة فاعلة للمجتمع برمته. كما تعتبر الهيئة أن هذه الاستراتيجية يجب أن تستند إلى قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان بملاءمة التشريع الجنائي والالتزامات الدولية للمغرب وذلك بـ :

  • إدماج وتعريف المسؤولية والعقاب المستحق كما حددتهما الأدوات الدولية.
  • تخويل الموظفين العموميين ووكلاء السلطة والأعوان المأتمرين بأوامر رؤسائهم واجب التبليغ عن كل معلومات تدل على فعل أو محاولة ارتكاب الجرائم السالفة الذكر، أيا كانت الجهة الآمرة بذلك.
  • وضع مقتضيات خاصة لحماية ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وذوي حقوقهم عند الاقتضاء من حيث الاستماع أثناء البحث والانتصاب كطرف مدني أمام الجهة القضائية المختصة، ومن حيث التأهيل وجبر الضرر.

3- تعتبر الهيئة أن توطيد دولة القانون يتطلب إضافة إلى ذلك، إصلاحات في مجالات الأمن والعدالة والتشريع والسياسة الجنائية. ولذا فإنها توصي على الخصوص بـ : أ- الحكامة الأمنية التي تتطلب تأهيل وتوضيح ونشر الإطار القانوني والنصوص التنظيمية المتعلقة بصلاحيات وتنظيم مسلسل اتخاذ القرار الأمني وطرق التدخل أثناء العمليات وأنظمة المراقبة وتقييم عمل الأجهزة الاستخباراتية والسلطات الإدارية المكلفة بحفظ النظام أو تلك التي لها سلطة استعمال القوة العمومية. ب- تقوية استقلال القضاء، التي تتطلب فضلا عن التوصيات ذات الطابع الدستوري، مراجعة النظام الأساسي للمجلس الأعلى للقضاء بواسطة قانون تنظيمي تراجع تشكيلته ووظيفته بما يضمن تمثيلية وازنة للمجتمع المدني به، مع الإقرار باستقلاله الذاتي بشريا وماليا وتمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيم المهنة ووضع ضوابطها وأخلاقياتها وتقييم عمل القضاة وتأديبهم وتخويله إعداد تقرير سنوي عن سير العدالة. ت- إعادة تأهيل السياسة والتشريع الجنائيين التي تقتضي تقوية الضمانات القانونية والمسطرية ضد انتهاكات حقوق الإنسان وتفعيل توصيات الندوة الوطنية حول السياسة الجنائية المنعقدة بمكناس سنة 2004، وإدراج تعريف واضح ودقيق للعنف ضد النساء طبقا للمعايير الدولية في المجال، وتفعيل توصيات المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الخاصة بالمؤسسات السجنية (توسيع اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات واعتماد عقوبات بديلة...). 4- آليـات المتابعة أوصت الهيئة بعد انتهاء ولايتها، إحداث آليات ومساطر لمتابعة القضايا التالية :

  • تنفيذ المقررات المتعلقة بالتعويض ومتابعة تفعيل التوصيات حول الأشكال الأخرى لجبر الأضرار بما فيها التأهيل الصحي والنفسي للضحايا وبرامج جبر الضرر الجماعي؛
  • تفعيل التوصيات الخاصة بالكشف عن الحقيقة بالنسبة للحالات التي لم يتم استجلاؤها؛
  • تفعيل توصيات الهيئة المتعلقة بالإصلاحات؛
  • حفظ أرشيف هيئة الإنصاف والمصالحة والأرشيف العمومي.

الكشف عن الحقيقة وتحديد المسؤوليات[عدل]

تم تداول مصطلح " مختطفين" وطنيا في إشارة إلى فئات متعددة من الأشخاص مجهولي المصير، ولتوضيح هذه الحالات، تبنت الهيئة منهجية عمل زاوجت بين التحري الميداني والبحث الوثائقي. 1- التحريات الميدانية: قامت الهيئة بزيارات لعائلات الأشخاص مجهولي المصير و استقبلتهم بمقرها، قصد الاستماع إليهم وتحديد مطالبهم وشرح مقاربة الهيئة والمنهجية المتبعة لتسوية هذا الملف. كما باشرت، في إطار جلسات مغلقة، الاستماع إلى شهود قضوا فترات إلى جانب ضحايا لم يحدد مصيرهم. ونظمت زيارات معاينة لمراكز الاحتجاز السابقة واستمعت إلى أشخاص أشرفوا سابقا على حراسة تلك المراكز. 2- البحث الوثائقي ودراسة السجلات والوثائق: قامت الهيئة بتجميع وتحليل المعطيات المحصلة من مختلف المصادر المتداولة وطنيا ودوليا [لوائح، تقارير..] التي تشير بشكل أو بآخر إلى حالات اختفاء [ لوائح المنظمات الحقوقية الوطنية، لائحة منظمة العفو الدولية، وثائق فريق العمل الأممي المعني بالاختفاء القسري]. كما قامت بدراسة أجوبة الأجهزة الأمنية، والقوات المسلحة الملكية والوثائق المتوفرة لدى اللجنة الدولية للصليب الأحمر بخصوص المفقودين على إثر النزاع المسلح بالأقاليم الجنوبية. أفضى عمل الهيئة المتعلق بالاستماع وإجراء التقاطعات ودراسة الأجوبة التي تلقتها من السلطات العمومية إلى النتائج التالية:

  • اكتشاف أو تدقيق أوتحديد هوية 85 شخصا توفوا رهن الاحتجاز ووقفت على أماكن دفنهم بكل من تازمامارت وأكدز وقلعة مكونة وتاكونيت وكرامة وقرب سد المنصور الذهبي.
  • اكتشاف وتحديد هوية 12 شخصا توفوا على إثر مواجهات مسلحة والوقوف على أماكن دفنهم، 7 أشخاص منهم توفوا سنة 1960 و 5 منهم سنة 1964.
  • الانتهاء إلى أن 322 من الأشخاص المدرجة أسماء بعضهم في عداد مجهولي المصير، قد توفوا على إثر الأحداث الاجتماعية الواقعة سنوات 1965 و 1981 و 1984 و 1990 بسبب الاستعمال المفرط وغير المتناسب للقوة العمومية. وتوصلت الهيئة إلى تحديد أماكن دفن بعضهم ولم تتمكن من التعرف على هوية البعض الآخر وفي حالات أخرى تم التعرف على الهوية دون تحديد مكان الدفن. باستثناء أحداث 1981 بالدار البيضاء، خلصت الهيئة إلى أن المتوفين قد تم دفنهم ليلا في مقابر عادية وفي غياب عائلاتهم ودون تدخل من النيابة العامة.

الانتهاء أيضا إلى تحديد وفاة 174 شخصا رهن الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري في الفترة الممتدة من 1956 إلى 1999 في مراكز اعتقال كدار بريشة، ودار المقري ودرب مولاي الشريف وتافنديلت والكوربيس... غير أنها لم تتمكن من تحديد أماكن الدفن. ارتبطت 39 وفاة بالسنوات الأولى للاستقلال في سياق الصراعات بين فاعلين غير دولتيين. وسجل عدد مرتفع خلال السبعينات حيث بلغت 109 وفاة، في حين عرف عقد الثمانينات والتسعينات انخفاضا ملحوظا في عدد الوفيات: 9 حالات في الثمانينات و 2 حالات في التسعينات.

في سياق النزاع بالأقاليم الجنوبية، أفضت تحريات الهيئة إلى استجلاء مصير 220 حالة لأشخاص كانوا محسوبين في عداد المختفين كالتالي:

  • وفاة 153 شخصا خلال الاشتباكات المسلحة، تم تحديد هوية وأماكن وفاة ودفن 40 منهم، بينما تم تحديد هوية ومكان الرفات دون التمكن من التعرف على القبور بالنسبة لـ 88 حالة. كما لم تتمكن الهيئة من تحديد هوية 12 شخصا من بين المتوفين، في حين تأكدت الهيئة من أن 4 أشخاص اعتقلوا ونقلوا إلى مستشفيات على إثر إصابتهم بجروح خلال الاشتباكات، وتوفوا بها ودفنوا بمقابر عادية. ¬ 67 شخصا كانوا محسوبين في عداد المختفين تبث للهيئة أنهم سلموا للجنة الدولية للصليب الأحمر بتاريخ 31 أكتوبر 1996.
  • حصول القناعة بخصوص 66 حالة تمت دراستها تجتمع فيها العناصر المؤسسة للاختفاء القسري وتعتبر الهيئة أن من واجب الدولة متابعة البحث بغية الكشف عن مصيرها.
  • مكنت التحريات المجراة من قبل الهيئة من التقدم في مجال الكشف عن الحقيقة، ولذلك توصي الهيئة بالاستفادة من التجربة والعناصر والشهادات والمؤشرات وسبل البحث والتحريات المتراكمة، والتي تعتبر جزءا من أرشيف الهيئة.

3- واجهت الهيئة أثناء الكشف عن الحقيقة معيقات من بينها محدودية بعض الشهادات الشفوية وهشاشتها، وتم التغلب على ذلك باللجوء إلى مصادر مكتوبة، وكذا الحالة المزرية التي يوجد عليها الأرشيف الوطني والتعاون غير المتكافئ لبعض الأجهزة، حيث قدم البعض منها أجوبة ناقصة عن ملفات عرضت عليها، كما رفض بعض المسؤولين السابقين المحالين على التقاعد المساهمة في مجهود البحث عن الحقيقة. ترى الهيئة في نهاية ولايتها أن المهام التي قامت بها تفعيلا لكل اختصاصاتها، شكلت خطوة مهمة في النهوض بالحق في معرفة الحقيقة، من خلال ما ابتدعته من طرق وأشكال لم تكن معهودة، ساهمت في الرفع من مستوى الكشف عن الحقيقة حول الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي شهدتها بلادنا خلال الفترة السابقة.

إنصاف الضحايا وجبر الأضرار[عدل]

من بين الطلبات المعروضة على الهيئة تم فتح 16861 ملفا تمكنت الهيئة من دراستها واتخاذ مقررات بشأنها. 1- مقررات التعويض أصدرت الهيئة المقررات التالية:

  • مقررات بالتعويض لفائدة 9280 ضحية من بينهم 1895 ضحية صدرت لفائدتهم توصيات إضافية تتعلق بأشكال أخرى لجبر الضرر[الإدماج الاجتماعي، تسوية أوضاع إدارية: وظيفية ومالية وغيرها...]
  • إصدار توصيات تتعلق بأشكال أخرى لجبر الضرر غير التعويض المادي لفائدة 1499 ضحية سبق لهم أن استفادوا من تعويضات مالية بموجب مقررات صادرة عن هيئة التحكيم المستقلة للتعويض.

2- صدرت هذه المقررات لفائدة ضحايا الانتهاكات التالية:

  • الاختفاء القسري؛
  • الاعتقال التعسفي المتبوع أو غير المتبوع بمحاكمة؛ أو المتبوع بوفاة نتيجة تنفيذ حكم قضائي بالإعدام؛
  • الوفاة أو الإصابة بالرصاص أو الاعتقال التعسفي خلال أحداث اجتماعية؛
  • الاغتراب الاضطراري؛
  • الاغتصاب.

3- المعايير المعتمدة في إصدار المقررات:

  • الحرمان من الحرية كمعيار موحد بالنسبة لجميع الضحايا؛ الأمر الذي ترتب عنه تحديد تعويضات متساوية، مع مراعاة المدد التي قضوها في الاختفاء القسري أو الاعتقال التعسفي؛
  • اعتبار خصوصية الاختفاء القسري بوصفه انتهاكا مركبا تنتهك بفعله حقوق أساسية متعددة على رأسها الحق في الحياة، أو يشكل تهديدا مستمرا لهذا الحق؛
  • مراعاة ظروف الاعتقال من حيث التعرض لانتهاكات أخرى مرافقة، كالتعذيب والاعتداء وسوء المعاملة والمس بالكرامة؛
  • تعويضات جزافية على أساس ما ضاع من دخل أو فرص بالنسبة للضحايا الذين لم تسو أوضاعهم الإدارية: الوظيفية والمالية؛
  • مراعاة الأوضاع الخاصة بالنساء وخصوصيات الانتهاكات التي تعرضن لها؛

4- التأهيل الصحي بادرت الهيئة، منذ إنشائها، إلى اتخاذ تدابير لتقديم خدمات صحية للضحايا والتدخل لإسعاف الحالات المستعجلة عبر إنشاء وحدة طبية بمقرها عمل بها أطباء ومختصون في العلاج النفسي. كما قامت الهيئة بدراسة حول الأوضاع الصحية بعد تشخيص حالات الأشخاص المشتكين من أمراض عضوية من خلال تحليل ملفات الضحايا أو ذوي الحقوق الذين صرحوا أنهم يعانون من أضرار صحية والبالغ عددهم 9992. مكنت هذه الدراسة من اعتماد التوصيات التالية:

  • تأمين التغطية الصحية الإجبارية الأساسية للضحايا وذوي حقوقهم؛
  • التحمل الطبي الفوري لفائدة 50 ضحية يعانون من مخلفات صحية خطيرة ومزمنة؛
  • إنشاء جهاز دائم لتوجيه ومساعدة ضحايا الانتهاكات وسوء المعاملة.

5- جبر الضرر الجماعي انطلاقا مما وقفت عليه الهيئة من تضرر بعض الجماعات والمناطق، بشكل مباشر أو غير مباشر، من آثار العنف السياسي والانتهاكات التي حدثت خلالها، أولت الهيئة اهتماما خاصا لجبر الضرر الجماعي من خلال:

  • تنظيم والمساهمة في ندوات بمختلف المدن والمناطق [ فكيك، الحسيمة، الراشيدية، خنيفرة، مراكش......]؛
  • تنظيم منتدى وطني حول جبر الضرر بمشاركة 200 جمعية وخمسين خبيرا وطنيا ودوليا؛
  • عقد لقاءات تشاورية مع السلطات العمومية وفاعلين في المجتمع المدني.

اقترحت الهيئة، في هذا المجال، تبني ودعم مشاريع برامج للتنمية السوسيو-اقتصادية أو الثقافية لفائدة مجموعة من المدن [الدارالبيضاء]، والجماعات [ مع إيلاء عناية خاصة للنساء] والمناطق[ الريف، منطقة فكيك، تازمامارت، أكدز-زكورة والأطلس المتوسط إلخ....] وتوصي الهيئة، بشكل خاص، بتحويل مراكز الاعتقال غير القانونية السابقة[ تازمامارت، أكدز، درب مولاي الشريف بالدارالبيضاء....]. وقد تم بدء مباشرة إجراءات من أجل ذلك، حيث تم إخلاء الثكنة العسكرية الموجودة قرب تازمامارت من قبل القوات المسلحة، كما أن عملية إخلاء سكان العمارة التي يتواجد بطابقها السفلي مركز الاعتقال السابق بدرب مولاي الشريف وإعادة إسكانهم لا زالت جارية