مجلة البيان للبرقوقي/العدد 56/صور مضحكة

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة البيان للبرقوقي/العدد 56/صور مضحكة

ملاحظات: عن الحلاقين About Barbers هي قصة قصيرة بقلم مارك توين. نشرت هذه الترجمة في العدد 56 من مجلة البيان للبرقوقي الذي صدر بتاريخ 1 يونيو 1920



عن الحلاقين[عدل]

للكاتب الهزلي الأمريكي الطائر الصيت مارك توين

كل شيء في الوجود عرضة للتغيير والتبديل إلا الحلاقين وأساليب الحلاقين ومتعلقات الحلاقين. فإنها ثابتة لا تتحول. سرمدية لا تتغير ولا تتبدل. فإن ما يكابده الإنسان عند دخوله دكانة حلاق أول مرة هو عين ما يكابده كلما دخل أشباهها ونظائرها حتى يوافيه أجله.

ذهبت للحلاقة اليوم كالعادة. فلما دنوت من دكان الحلاق بصرت برجل يدنو إليها من الجهة المقابلة، وهذا هو ما يزال يقع ويحدث. فأسرعت نحو الباب وأسرع الرجل وأردت أن أسبقه إليه فسبقني. وهذا أيضاً هو لا زال يقع ويحد. وكذلك دخلها الرجل قبلي بخطوة واحدة واني لا أطأ على عقبه ورأيته وعيني تدمع. وقلبي يبجع. يتبوأ كرسي الحلاقة الوحيد الخالي الواقف عليه أحذق حلاقي الدكان وأمهرهم. وهذا أيضاً هو لا يزال ويقع ويحدث. وكان في الدكان غير ذلك الحلاق الأمهر الأحذق صانعان آخران أحدهما لا بأس به واسميه هنا الحلاق نمرة (1) والثاني طائش اليدين. ثقيل الراحتين. ذو أصبع هوجاء. وانملة خرقاء. وهو فوق ذلك ثرثار مهذار فظ غليظ بارد سمج ثقيل واسميه هنا الحلاق نمرة (2) فقعدت عل أحد المقاعد الخالية وجعلت اتضرع إلى الله أن يورثني الكرسي القائم عليه خير هذين الحلاقين وأن يجنبني شرهما وادعوا على هذا الأخير في سري متمثلاً قول القائل فشركما لخيركما الفداء واكد أملي بلوغ المراد اني رأيت نمرة (1) أقرب إلى الفراغ من زميله المنحوس إذا كان قد شرع يمشط شعره محلوقه على حين أن زميله كان لم يفرغ بعد من مرسه خصل محلوقه ودلكها بالزيت. فلبثت أرقب السباق بينهما بمهجة قلقة ونفس مشفقة. فلما رأيت نمرة (2) المشؤوم الطلعة قد لحق بنمرة (1) وهم أن يسبقه صار اشفاقي لهفاً وفزعاً. ثم لما رأيت نمرة (1) قد وقف في عمله لإصلاح بعض شأنه تحول لهفي وفزعي كرباً وجذعاً. فلما استأنف نمرة (1) عمله ورأيت الزميلين ينتزع كلاهما الفوطة ويمسحان البودرة عن وجهي محلوقيهما وقد أصبحا في التعادل والتكافؤ كفرسي رهان. وقد استوت كفتا الميزان. بهرت واحتبست أنفاسي من شدة القلق والاشفاق.

فلما رأيت نمرة (1) قد وقف في هذه الأزمة الحرجة ليمر مشطه على حاجبي زبونه دفعتين علمت أنه خسر السباق فحينذاك زال الشك وبرح الحفاء.

رجع اليقين مطامعي يأساكما ... رجع اليقين مطامع الملتمس

فانطلقت إذ ذاك من الدكان هارباً من وقوعي في مخالب نمرة (2) ورأيت أن أجول جولة في الطريق ثم أرجع علّ الله يحدث من بعد ذلك أمرا وعسى أن يكون النحس قد أدبر والسعد قد أقبل وقلت إلا ان في كل حركة بركة. ودوام الحال من المحال. وكذلك جعلت اتعلل بهذا وبمثله من الحكم والأمثال. وقد آثرت الفرار من الدكان والعودة بعد فترة على أن اجبه الحلاق نمرة (2) وقد دعاني إلى كرسيه - بالرفض وقولي له أني منتظر زميله. فأنى وربك شديد الخجل مفرط الحياء لا أستطيع أن أخجل إنساناً ولو كان الحلاق نمرة (2). ولو كنت سأذوق على يديه الأمرين.

ثم إني عدت بعد ربع ساعة فألقيت كراسي الحلاقة الثلاثة مشغولة جمعاء. ووجدت بالمكان أربعة رجال في الانتظار صامتين واجمين كأن على رؤسهم الطير تبدو عليهم إمارات القلق والضيق شأن كل من قضى عليه أن ينظر نوبته في دكان حلاق. فرأيت أن أزجي الوقت بإجالة النظر في دواليب المكان وما احتوته من أمتعة وآلات وبتلاوة ما على الجدران من الاعلانات عن كافة أنواع الأدوية والتراكيب والأدهنة والروائح والزيوت وما على الزجاجات من الأسماء الدهنية. وعلى القناني من السطور الزيتية، ثم انتقلت إلي الصور الرخيصة المعلقة على الجدران أنظر ما بها من تصاوير الحروب والمدافع والأساطيل ورجال السياسة والملوك والبرلمانات والسلاطين. ثم أخذت بعد ذلك أتعلل بغناء الكروان وثرثرة الببغاء اللذين لا تكاد تخلو منهما دكانة حلاق. ثم عمدت من بعد ذلك أتعلل بتلاوة ما بها من الأكاذيب والاختلافات.

وبعد أن فنى صبري. وضاق الكون في بصري. سمعت منادياً ينادي باسمي فالتفت فإذا هو نمرة (2) فاستسلمت للأقدار، وأذعنت لحكمة المنتقم الجبار. وهذا هو لا يزال بقع ويحدث. ثم أخذت مجلسي تحت سلطانه، وسألته مبتهلاً متضرعاً أن يسرع إذ كان لدي من الحاجات ما يعجلني ويرهقني. فضاعت عليه تضرعاتي ضياعها على الحجر الأصم. وعلى الوثن والصنم. ثم أنه دفع رأسي يجمع كفه ووضع فوطة من الأمام. وبعد ذلك عاث بمخالبه في شعري وقال انه يحتاج إلى شيء من القص فقلت له إني لا أحتاج إلى شيء من ذلك. فعاث فيه بمخالبه مرة ثانية ثم قال انه أطول مما يلائم ذوق العصر وان الواجب قصه - ولا سيما من الخلف حيث يعاب بقلة الاستواء والانتظام. ثم جعل يتأمل مؤخر رأسي بنظرو ازراء وازدراء وقال وهو يهز رأسه سخطاًُ من الذي قص لك الشعر آخر مرة؟ فقلت مسرعاً أنت الذي فعلت وكذلك أفحمته فخرس ولم يفه بكلمة. ثم انه شرع يقلب الرغوة ويتأمل به في المرآة. وجعل يقطع سير عمله من حين إلى آخر لينعم النظر إلى شخصه يدنو إلى المرآة فيتأمل ذقنه بدقة أو يعاين اثر بثرة. وبعد ذلك رغّى من وجهي وهم بأن يرغى الثانية وإذا بمضاربه من مضاربات الكلاب في فتركني وأسرع إلى نافذة الدكان حيث استمر واقفاً يتفرج على المضاربة وأدوارها إلى النهاية وخر ثلاث شلنات في رهان علي نتيجة مع زملائه فكانت خسارته أسر الأشياء لخاطري وأورحها لنفسي. ثم عاد إلى بعد الفرحة فأكمل الترغية وشرع يدلك صفحتي وجهي يعنف وقوة وبعد ذلك أخذ يشخذ موسى على مسن معلق وقد أبطأ وتوانى في العملية ما شاء إذ جعل يحاور زميله بشأن مرقص متنكر كان شهده ليلة الأمس في زي راعي غنم يحمل عوداً أخضر من النبات وقد بذ الاقران بحسن ورشاقة حركاته ثم بلغ من فرط سروره عند تعريض زميله بما كان بينه وبين الفتيات إذ ذاك من المغازلات والمداعبات وما كان منها من ابدائها الافتتان بمحاسنه وملاحات ما حمله على الاستزادة من الحديث واستطالة المحاورة بإظهاره من تعريضات زميليه والتأفف من تلميحاتهما وتصريحاتهما. ثم كان من هذه المحاورة أنه ألقى الموسى جانباً وأقبل على المرآة يستزيد من النظر إلى والتفرس في خلقته وتبريم شاربيه وإصلاح حاجبيه. وتمشيط لمته. . وتصفيف طرته. وتنضيد فوديه. وتجعيد سالفتيه. وهذا كله الأحكام ونهاية الدقة والنظام. ومن خلال ذلك كانت الرغوة تجف على ديباجتي أكل جلدتي.

وأخيراً تناول الموسي وأخذ يحلق. وقد أقبلي بغرز أصابعه في وجهي ليشد ويمطه ويدفع رأسي ذات اليمين وذات الشمال حسبما يقتضيه أسلوب الحلاقة أثناء ذلك يتنخم ويتنخع فرحاً ومسروراً غير مكترث ولا حافل. وكان قد من موساه محراثاً ومن وجهي حقلاً وأقبل يشق بمحراثه في شفتيه. في خديه. فلم اكترث لذلك عظيم اكتراث ما دام يجر آلته الزراعية البقاع الصلبة الغليظة في وجهي. فلما انتهى إلى المواضع الرقيقة اللينة وأخذ فيها ويمزق في أديمها عضضت على نواجذي من سوء سلوكه. وتحدر الدمع من عيني تحدر الدر من سلوكه. وبعد ذلك اتخذ من أنفي يداً أو مقبضاً مستعيناً بذلك على حلق الشفة العليا. فاستنتجت من ذلك أن الرجل قبل اشتغاله حلاقاً يزاول مهنة (عرقسوسي) أو (حملي) لكثرة ما اعتاد القبض على أيدي الأباريق والأواني.

في هذه الآونة كنت أرجم الظنون فيما عسى أن يكون الضربة التالية وأين من وجهي سيكون موقعها ولكن الحلاق الحاذق سبق الظن بالواقع وأكد الشك باليقين إذ جرحني في طرف ذقني قبل أن يستقر تخميني على شيء دون آخر. وحينذاك أدرك خطأه فأقبل يشحذ الموسى. أبعدك الله وأخزاك يا شر الحلاقين. وعار المزيين. هلا فطنت إلى ذلك من قبل احداث الجراح. واتيانك جرائم السافك السفاح؟ ثم اني حاولت أيها القارئ الشقيق أن أصرفه عن إعادة الكرة معتذراً إليه بأني لا أحب التفريط وأن وجها (اووشا - في اصطلاح المزيين واحداً فيه الكفاية ولكنه أبى واستكبر وقال لا بد من إعطاء الصنعة حقها وأنه ما كان ليخاطر بسمعته في الكار. إجابة لرجاء واعتذار. وكان في جانب ذقني بثرة أخشى عليها مرّ السلاح فيبنما أنا في منتهى الحيرة والكرب والاشفاق إذا بالفارس الكرار. والبطل المغوار. قد استباح من ذقني تلك البقعة المحرمة. وأجال فيها حسامه القاطع بلا رأفة ولا مرحمة وهنا نبع الدم المحقون. وكان الذي خفت أن يكون.

ثم انه نقع فوطته في زجاجة من الروم ثم ضرب بها وجهيي بلا رفق ولا أناة. كأنه ظن أنه قد رؤي أو سمع بإنسان أو حيوان غسل له وجهه هكذا ثم نشف وجهي بضربه اياه بالجزء اليابس من الفوطة كأنه ظن أنه قد رؤي أو سمع بإنسان أو حيوان نشف له وجهه هكذا. ولكن الحلاق قلما يشبه خلق الله في أي شيء. وبعد ذلك حشا الجرح (بالروم) بطرف فوطته ثم بالغراء المسحوق ثم بالروم ثم بالغراء المسحوق ولا شك أنه كان مستمراً في عمله هذا إلى يوم القيامة لولا معارضتي واحتجاجي. والحاحي ولجاجي. ثم أنه طلا وجهي بالبودرة ونصب صلبي وعدل رأسي وأسرع يرتع أنامله في شعري وهو أثناء ذلك ساهي الطرف شاخص البصر كالذاهل والمتذاهل. ثم اقترح أن يبيعني نوعاً من الدهان زعم أنه يطري الشعر ويلينه فخبرته أن لدي من هذا الدهان كمّا وافراً. فاقترح ضرباً من الزيت زعم أنه يصقل الشعر ويلمعه فأبيت.؟؟؟؟؟ يقرظ لي صنفاً جديداًُ من الغالية. قائلاً أنه ذكي من نفح الطيب وأرج الحبيب.؟؟؟؟؟ أيضاً: فعرض علي مصيبة من (غسول أسنان) من اختراعه وإبداعه فلما أبيت؟؟؟؟ أن يتاجر معي في المقصات والسكاكين.

فلما فشل في مشروعه الأخير استأنف العمل فرشني بالماء الممسك من فرعي إلى؟؟؟؟ ولم يدع فيّ ذرة ولا جزئياً. بالرغم من معارضتي ودفاعي ثم دهن رأسي وأقبل؟؟؟؟؟؟ ويدلكه بعنف وقسوة حتى تطاير منه شيء كثير انتزعه من جذوره اقتلاع أعاصير النبات والشجر ثم فرقه وثنى على الجبين تلك الخصلة السرمدية المعروفة. ثم؟؟؟؟؟ يمشط حاجبي النزر الخفيف بمنتهى البطء والكسل وجعل خلال ذلك بسرد قصة طوية عن بعض أجداده وأسلافه نمت واستيقظت أثناءها ولما انتبهت النومة الثالثة سمعت صفارة الظهر وعلمت أن القطار قد فاتني بخمس دقائق. ثم اجتذب الفوطة ونفضها على وجهي بخفة وأمر مشطه على حاجبي كرة أخرى وصاح؟؟؟؟ (الذي بعده).

بعد هذا الحادث بساعتين أصيب الحلاق المذكور بسكتة قلبية أخمدت حسه.؟؟؟؟؟ رمسه - وقد أجلت السفر لا فوز بلذة الشماتة والانتقام وسأشيع بمعونة الله؟؟؟؟؟ غداً الساعة الثالة بعد الظهر. . .

محمد السباعي