الفرق بين المراجعتين لصفحة: «سفر نامه»

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
New page: ==المقدمة== <div dir="rtl" align="center" style="font-family:Verdana, Arial" xml:lang="ar"> بسم الله الرحمن الرحيم </div> هذا ما يقول أبو معين ا...
 
سطر 91: سطر 91:


==وصف بيت المقدس==
==وصف بيت المقدس==

هي مدينة مشيدة على قمة الجبل ليس بها ماء غير الأمطار ورساتيقها ذات عيون والمدينة محاطة بسور حصين من الحجر والجص وعليها بوابات حديدية وليس بقربها أشجار قط فإنها على رأس صخر وهي مدينة كبير كان بها في ذلك الوقت عشرون ألف رجل وبها أسواق جميلة وأبنية عالية وكل أرضها مبلطة بالحجارة وقد سووا الجهات الجبلية والمرتفعات وجعلوها مسطحة بحيث تغسل الأرض كلها وتنظف حين تنزل الأمطار وفي المدينة صناع كثيرون لكل جماعة منهم سوق خاصة والجامع شرقي المدينة وسوره هو سورها الشرقي وبعد الجامع سهل كبير مستو يسمى الساهرة يقال أنه سيكون ساحة القيامة والحشر ولهذا يحضر إليه خلق كثيرون من أطراف العالم ويقيمون به حتى يموتوا فإذا جاء وعد الله كانوا بأرض الميعاد اللهم عفوك ورحمتك بعبيدك ذلك اليوم آمين يا رب العالمين وعلى حافة هذا السهل قرافة عظيمة ومقابر كثير من الصالحين يصلي بها الناس ويرفعون بالدعاء أيديهم فيقضي الله حاجاتهم اللهم تقبل حاجاتنا واغفر ذنوبنا وسيئاتنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين وبين الجامع وسهل الساهرة واد عظيم الانخفاض كأنه خندق وبه أبنية كثيرة على نسق أبنية الأقدمين ورأيت قبة من الحجر المنحوت مقامة على بيت لم أر عجب منها حتى إن الناظر إليها ليسأل نفسه كيف رفعت في مكانها ويقول العامة إنها بيت فرعون واسم هذا الوادي وادي جهنم وقد سألت عمن أطلق هذا اللقب عليه فقيل إن عمر رضي الله عنه أنزل جيشه أيام خلافته في سهل الساهرة هذا فلما رأى الوادي قال هذا وادي جهنم ويقول العوام إن من يذهب إلى نهايته يسمع صياح أهل جهنم فإن الصدى يرتفع من هناك وقد ذهبت فلم أسمع شيئاً وحين يسير السائر من المدينة جنوبا مسافة نصف فرسخ وينزل المنحدر يجد عين ماء تنبع من الصخر تسمى عين سلوإن وقد أقيمت عندها عمارات كثيرة ويمر ماء هذا العين بقرية شيدوا فيها عمارات كثيرة وغرسوا بها البساتين ويقال إن من يستحم من ماء هذه العين يشفى مما ألم به من الأوصاب والأمراض المزمنة وقد وقفوا عليها مالاً كثيراً وفي بيت المقدس مستشفى عظيم عليه أوقاف طائلة ويصرف لمرضاه العديدين العلاج والدواء وبه أطباء يأخذون مرتباتهم من الوقف المقرر لهذه المستشفى ومسجد الجمعة على حافة المدينة من الناحية الشرقية وإحدى حوائط المسجد على حافة وادي جهنم وحين ينظر السائر من خارج المسجد يرى الحائط المطل على هذا الوادي يرتفع مائة ذراع من الحجر الكبير الذي لا يفصله عن بعضه ملاط أو جص والحوائط داخل المسجد ذات ارتفاع مستو وقد بني المسجد في هذا المكإن لوجود الصخرة به وهي الصخرة التي أمر الله عز وجل موسى عليه السلام إن يتخذها قبلة فلما قضي هذا الأمر واتخذها موسى قبلة له لم يعمر كثيراً بل عجلت به المنية حتى إذا كانت أيام سليمإن عليه السلام وكانت الصخرة قبلة بنى مسجداً حولها بحيث أصبحت في وسطه وظلت الصخرة قبلة حتى عهد نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام فكإن المصلون يولون وجوههم شطرها إلى إن أمرهم الله تعالى إن يولوا وجوههم شطر الكعبة وسيأتي وصف ذلك في مكانه .
وقد أردت إن أقيس هذا المسجد ولكني آثرت إن أتقن معرفة هيأته ووضعه أولا ثم أقيسه فلبثت فيه زمنا أمعن النظر فرأيت عند الجانب الشمالي بجوار قبة يعقوب عليه السلام طاقاً مكتوباً على حجر منه إن طول هذا المسجد أربع وخمسون وسبعمائة ذراع وعرضه خمس وخمسون وأربعمائة ذراع وذلك بذراع الملك المسمى في خراسان كزشايكإن وهو أقل قليلاً من ذراع ونصف وأرض المسجد مغطاة بحجارة موثوقة إلى بعضها البعض بالرصاص والمسجد شرقي المدينة والسوق فإذا دخله السائر من السوق فإنه يتجه شرقاً فيرى رواقاً عظيماً جميلاً ارتفاعه ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون وللرواق جناحإن وواجهتاهما وإيوانه منقوشة كلها بالفسيفساء المثبتة بالجص على الصورة التي يريدونها وهي من الدقة بحيث تبهر النظر ويرى على هذا الرواق كتابة منقوشة بالمينا وقد كتب هناك لقب سلطإن مصر فحين تقع الشمس على هذه النقوش يكون لها من الشعاع ما يحير الألباب وفوق الرواق قبة كبيرة من الحجر المصقول وله بابإن مزخرفإن وواجهتاهما من النحاس الدمشقي الذي يلمع حتى لتظن أنهما طليا بالذهب وقد طعما بالذهب وحليا بالنقوش الكثيرة وطول كل منهما خمس عشرة ذراعاً وعرضه ثمإن ويسميإن باب داود عليه السلام وحين يجتاز السائر هذا الباب يجد على اليمين رواقين كبيرين في كل منهما تسعة وعشرون عموداً من الرخام تيجانها وقواعدها مزينة بالرخام الملون ووصلاتها مثبتة بالرصاص وعلى تيجإن الأعمدة طيقإن حجرية وهي مقامة فوق بعضها بغير ملاط وجص لا يزيد عدد حجارة الطاق منها على أربع أو خمس قطع وهذإن الرواقإن ممتدإن إلى المقصورة ثم يجد على اليسار وهو ناحية الشمال رواقاً طويلاً به أربعة وستون طاقاً كلها على تيجإن أعمدة من رخام وعلى هذا الحائط نفسه باب آخر اسمه باب السقر وطول المسجد من الشمال إلى الجنوب وهو ساحة مربعة إذا اقتطعت المقصورة منه والقبلة في الجنوب وعلى الجانب الشمالي بابإن آخرإن متجاورإن عرض كل منهما سبع أذرع وارتفاعه اثنتي عشرة ذراعاً ويسميإن باب الأسباط فإذا اجتازه السائر وذهب مع عرض المسجد الذي هو جهة المشرق يجد رواقاً أخراً عظيماً كبيراً به ثلاثة أبواب متجاورة في حجم باب الأسباط وكلها مزينة بزخارف من الحديد والنحاس قل ما هو أجمل منها تسمى باب الأبواب لإن للمواضع الأخرى بابين وله ثلاثة وبين هذين الرواقين الواقعين على الجانب الشمالي في الرواق ذي الطيقإن المحملة على أعمدة الرخام قبة رفعت على دعائم عالية وزينت بالقناديل والمسارج تسمى قبة يعقوب عليه السلام لأنه كان يصلي هناك وفي عرض المسجد رواق في حائطة باب خارجه صومعتإن للصوفية وهناك مصليات ومحاريب جميلة يقيم بها جماعة منهم ويصلون ولا يذهبون للجامع إلا يوم الجمعة لأنهم لا يسمعون التكبير حيث يقيمون.

وعند الركن الشمالي للمسجد رواق جميل وقبة جميلة لطيفة مكتوب عليها هذا محراب زكريا النبي عليه السلام ويقال إنه كان يصلي هناك دائماً وعند الحائط الشرقي وسط الجامع رواق عظيم الزخرف من الحجر المصقول حتى تظن إنه نحت من قطعة واحدة ارتفاعه خمسون ذراعاً وعرضه ثلاثون عليه نقوش ونقر وله بابإن جميلإن لا يفصلهما أكثر من قدم واحدة وعليهما زخارف كثيرة من الحديد والنحاس الدمشقي وقد دق عليهما الحلق والمسامير ويقال إن سليمإن بن داود عليه السلام بنى هذا الرواق لأبيه .

وحين يدخل السائر هذا الرواق متجهاً ناحية الشرق فالأيمن من هذين البابين هو باب الرحمة والإيسر باب التوبة ويقال إن هذا الباب هو الذي قبل الله تعالى عنده توبة داود عليه السلام وعلى هذا الرواق مسجد جميل كان في وقت ما دهليزاً فصيروه جامعاً وزينوه بأنواع السجاد وله خدم مخصصون ويذهب إليه كثير من الناس ويصلون فيه ويدعون الله تبارك و تعالى فإنه في هذا المكإن قبل توبة داود وكل إنسان هناك يأمل في التوبة والرجوع عن المعاصي ويقال إن داود عليه السلام لم يكد يطأ عتبة هذا المسجد حتى بشره الوحي بإن الله سبحانه تعالى قد قبل توبته فاتخذ هذا المكإن مقاماً وانصرف إلى العبادة وقد صليت أنا ناصر في هذا المقام ودعوت الله تعالى إن يوفقني لطاعته وإن يغفر ذنبي الله سبحانه و تعالى يهدي عباده جميعاً لما يرضاه ويغفر لهم ذنوبهم بحق محمد وآله الطاهرين .
وحين يمضي السائر بحذاء الجدار الشرقي إلى إن يبلغ الزاوية الجنوبية عند القبلة التي تقع على الضلع الجنوبي يجد أمام الحائط الشمالي مسجداً بهيئة السرداب ينزل إليه بدرجات كثيرة مساحته عشرون ذراعاً في خمس عشرة وسقفه من الحجر مرفوع على أعمدة الرخام وبهذا السرداب مهد عيسى عليه السلام وهو من الحجر حجمه كبير بحيث يصلي عليه الناس وقد صليت هناك وقد أحكم وضعه في الأرض حتى لا يتحرك وهو المهد الذي أمضى فيه عيسى طفولته وكلم الناس منه وهو في المسجد مكإن المحراب وفي الجانب الشرقي من هذا المسجد محراب مريم عليها السلام وبه محراب آخر لزكريا عليه السلام وعلى هذين المحرابين آيات القرإن التي نزلت في حق زكريا ومريم ويقال إن عيسى عليه السلام ولد بهذا المسجد وعلى حجر من عمده نقش أصبعين كان شخصاً أمسكه ويقال إن مريم أمسكته بأصبعيها وهي تلد ويعرف هذا المسجد بمهد عيسى عليه السلام وبه قناديل كثيرة من النحاس والفضة توقد كل مساءز حين يخرج السائر من هذا المسجد متبعاً الحائط الشرقي يجد عندما يبلغ زاوية المسجد الكبير مسجداً آخر عظيماً جداً أكبر مرتين من مسجد مهد عيسى يسمى المسجد الأقصى وهو الذي أسرى الله عز وجل بالمصطفى صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من مكة إليه ومنه صعد إلى السماء كما جاء في القرآن" سبحإن الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" وقد بنوا به أبنية غاية في الزخرف وفرش بالسجاد الفاخر ويقوم عليه خدم مخصصون يعملون به دواماً.

وحين يعود السائر إلى الحائط الجنوبي على مائتي ذراع من تلك الزاوية لا يجد سقفاً وهناك ساحة المسجد وأما الجزء المسقوف من المسجد الكبير والذي به المقصورة فيقع عند الحائطين الجنوبي والغربي وطول هذا الجزء عشرون وأربعمائة ذراع وعرضه خمسون ومائة ذراع وبه ثمانون ومائتا عمود من الرخام على تيجانها طيقإن من الحجارة وقد نقشت تيجإن الأعمدة وهياكلها وثبتت الوصلات فيها بالرصاص في منتهى الإحكام وبين كل عمودين ست أذرع مغطاة بالرخام الملون الملبس بشقاق الرصاص والمقصورة في وسط الحائط الجنوبي وهي كبيرة جداً تتسع لستة عشر عموداً وعليها قبة عظيمة جداً منقوشة بالميناء على نسق ما وصفت وهي مفروشة بالحصير المغربي وبها قناديل ومسارج معلقة بالسلاسل ومتباعد بعضها عن بعض وبها محراب كبير منقوش بالميناء وعلى جانبيه عمودإن من الرخام لونهما كالعقيق الأحمر وإزار المقصورة كله من الرخام الملون وعلى يمينه محراب معاوية وعلى يساره محراب عمر رضي الله عنه وسقف هذا المسجد مغطى بالخشب المنقوش المحلى بالزخارف وعلى باب المقصورة وحائطها المطلإن على الساحة خمسة عشر رواقاً عليها أبواب مزخرفة ارتفاع كل منها عشرة أذرع وعرضه ست عشرة من هذه الأبواب تفتح على الجدار الذي طوله عشرون وأربعمائة ذراع وخمسة منها على الجدار الذي طوله خمسون ومائة ذراع وقد زين باب منها غاية الزينة وهو من الحسن بحيث تظن أنه من ذهب وقد نقش بالفضة وكتب عليه اسم الخليفة المأمون ويقال انه هو الذي أرسله من بغداد وحين تفتح الأبواب كلها ينير المسجد حتى لتظن أنه ساحة مكشوفة أما حين تعصف الريح وتمطر السماء وتغلق الأبواب فإن النور ينبعث للمسجد من الكوات وعلى الجوانب الأربعة من الحرم المسقوف صناديق من مدن الشام والعراق يجلس بجانبها المجاورون كما هو الحال في المسجد الحرام بمكة شرفها الله تعالى .

وخارج هذا الحرم عند الحائط الكبير الذي مر ذكره رواق به أثنإن وأربعون طاقاً وكل أعمدته من الرخام الملون وهذا الرواق متصل بالرواق المغربي .
وتحت الأرض في الحرم المسقوف حوض جعل بحيث يكون في مستوى الأرض حين يغطى وقد بنى لتجمع فيه مياه المطر وعلى الحائط الجنوبي باب يؤدي إلى ميضأة يذهب إليها من يحتاج إلى الوضوء فيجدده وذلك لأنه لا يلحق الصلاة إذا هو خرج من المسجد ليتوضأ إذ إن أكبر المسجد يفوت عليه الصلاة إذا اجتازه وكل الأسقف ملبسة بالرصاص
وقد حفرت في ارض المسجد أحواض وصهاريج كثيرة فإن المسجد مشيد كله على صخرة فمهما يهطل من المطر لا يذهب خارج الأحواض ولا يضيع سدى بل ينصرف إلى الأحواض وينتفع به الناس وهناك ميازيب من الرصاص ينزل منها الماء إلى أحواض حجرية تحتها وقد ثقبت هذه الأحواض ليخرج منها الماء ويصب في الصهاريج بواسطة قنوات بينها غير ملوث أو عفن وقد رأيت على ثلاثة فراسخ من المدينة صهريجاً كبيراً تنحدر إليه المياه من الجبل وتتجمع فيه وقد أوصلوه بقناة إلى مسجد المدينة حيث يوجد أكبر مقدار من مياه المدينة وفي المنازل كلها أحواض لجمع ماء المطر إذ لا يوجد غيره هناك ويجمع كل إنسان ما على سطح بيته من مياه فإن ماء المطر هو الذي يستعمل في الحمامات وغيرها.

والأحواض التي بالمسجد لا تحتاج إلى عمارة أبداً لأنها من الحجر الصلب فإذا حدث بها شق أو ثقب أحكم إصلاحه حتى لا تتخرب ويقال إن سليمإن عليه السلام هو الذي عمل هذه الأحواض وقد جعل القسم الأعلى منها على هيئة التنور وعلى رأس كل حوض غطاء من حجر حتى لا يسقط فيه شيء وماء هذه المدينة أعذب وأنقى من أي ماء آخر وتستمر الميازيب في قطر المياه يومين أو ثلاثة ولو كان المطر قليلاً إلى إن يصفو الجو وتزول آثاره السيئة وحينئذ يبدأ المطر.

قلت إن مدينة بيت المقدس تقع على قمة جبل وإن أرضها غير مستوية أما المسجد فأرضه مستوية فخارج المسجد حيثما تكون الأرض منخفضة يرتفع حائطه إذ يكون أساسه في أرض واطئة وحيثما تكون الأرض مرتفعة يقصر الجدار وفي الجهات الواطئة من أحياء المدينة فتحوا في المسجد أبواباً كأنها نقب تؤدي لساحته ومن هذه الأبواب باب يسمى باب النبي عليه الصلاة والسلام وهو بجانب القبلة اي في الجنوب وقد عمل بحيث يكون عرضه عشرة أذرع وأما ارتفاعه فيتفاوت حسب المكان فهو في مكإن خمس أذرع أي علو سقف هذا الممر وفي مكان آخر عشرون والجزء المسقوف من المسجد الأقصى مشيد فوق هذا الممر وهو محكم بحيث يحتمل إن يقام فوقه بناء بهذه العظمة من غير إن يؤثر فيه قط وقد استخدمت في بنائه حجارة لا يصدق العقل كيف استطاعت قوة البشر نقلها واستخدامها ويقال إن سليمإن بن داود عليه السلام هو الذي بناه وقد دخل فيه نبينا عليه الصلوات والسلام إلى المسجد ليلة المعراج وهذا الباب على جانب طريق مكة.

وعلى الحائط بقرب هذا الباب نقش دقيق لمجن كبير يقال إن حمزة بن عبد المطلب عم النبي عليه السلام كان جالساً هناك وعلى كتفه المجن وظهره مسند إلى الحائط وإن هذا نقش مجنه.

وعند بوابة المسجد حديث هذا الممر الذي عليه باب ذو مصراعين يبلغ ارتفاع الجدار من الخارج ما يقرب من خمسين ذراعاً وقد قصد بهذا الباب إن يدخل منه سكان المحلة المجاورة لهذا الضلع من المسجد فلا يلجأون إلى الذهاب لمحلة أخرى حين يريدون دخوله وعلى الحائط الذي يقع يمين الباب حجر ارتفاعه خمس عشرة ذراعاً وعرضه أربع أذرع فليس في المسجد حجر أكبر منه وفي الحائط على ارتفاع ثلاثين أو أربعين ذراعاً من الأرض كثير من الحجارة التي تبلغ حجمها أربع أذرع أو خمس.

وفي عرض المسجد باب شرقي يسمى باب العين إذا خرجوا منه نزلوا منحدراً فيه عين سلوإن وهناك أيضاً باب تحت الأرض يسمى الحطة يقال إنه هو الباب الذي أمر الله عز وجل بني إسرائيل أن يدخلوا منه إلى المسجد قوله تعالى" وأدخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين" وهناك باب آخر يسمونه باب السكينة في دهليزه مسجد به محاريب كثيرة باب أولها مغلق حتى لا يلجه أحد ويقال إن هناك تابوت السكينة الذي ذكره الله تبارك و تعالى في القرآن والذي حمله الملائكة وأبواب بيت المقدس ما تحت الأرض وما فوقها تسعة أبواب كما ذكرت.

==وصف الدكة التي بوسط ساحة المسجد والصخرة التي كانت قبلة الإسلام ==

نسخة 14:07، 1 فبراير 2007

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

هذا ما يقول أبو معين الدين ناصر خسرو القبادياني المروزي تاب الله عنه كانت صناعتي الإنشاء وكنت من المتصرفين في أموال السلطان وأعماله واشتغلت بالديوان وباشرت هذا العمل مدة من الزمن وذاع صيتي بين أقراني وفي ربيع الآخر سنة أيام أبي سليمان جغري بيك داود بن ميكائيل بن سلجوق حاكم خراسان ذهبت من مرو في عمل للديوان ونزلت في بنج ديه مرو الرود كان ذلك يوم قرآن الرأس والمشتري ويقال إن الله تعالى وتقدس يستجيب فيه إلى ما يطلب الناس من حاجات فذهبت إلى زاوية وصليت ركعتين ودعوته تعالى وتبارك إن ييسر لي أمري فلما عدت لأصدقائي وأصحابي وجدت أحدهم ينشد شعراً فارسياً فجال بخاطري أبيات فكتبتها على ورقة لأعطيه إياها حتى ينشدها فإذا به ينشد ما كتبت من شعر ولما أعطه الورقة فتفاءلت بهذه الحال وقلت في نفسي إن الله تعالى وتبارك قد قضى حاجتي ثم ذهبت إلى جزجانان فمكثت بها حوالي شهر وظللت أشرب الخمر قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قولوا الحق ولو على أنفسكم " حتى إذا كانت ذات ليلة رأيت في المنام رجلاً يقول "لي إلى متى تشرب هذا الشراب الذي يسلب لب الرجال خير لك إن تصحو فأجبت إن الحكماء لا يستطيعون شيئاً غير هذا يقلل هموم الدنيا فأجاب إن التسرية عن النفس لا تتأتى بفقد الشعور والعقل والحكيم لا يستطيع إن يقول إن الرجل المسلوب الفؤاد يصلح هادياً للناس بل ينبغي عليه إن يبحث عما يزيد العقل والحكمة قلت وأنى لي هذا قال من جد وجد ثم أشار إلى القبلة ولم يقل شيئاً فلما صحوت من النوم كانت هذه الرؤيا ماثلة بأكملها أمامي وقد أثرت في فقلت لنفسي صحوت من نوم البارحة وينبغي إن أصحو من نوم أربعين سنة خلت وأمعنت الفكر فوجدتني لن أسعد ما لم أعدل عن كل سلوكي .

وفي يوم الخميس من جمادى الآخر سنة ديسمبر منتصف شهر دي من السنة الفارسية من التقويم اليزدجردي اغتسلت وذهبت إلى الجامع فصليت ودعوت الله تبارك و تعالى إن يعينني على أداء الواجب وعلى ترك المنهيات والسيئات كما أمر الحق سبحانه تعالى.

ثم توجهت من هناك إلى شبورغان وفي المساء كنت في قرية بارياب ومنها سرت إلى مرو الرود عن طريق سنكلان وطالقان فلما بلغت مرو طلبت إعفائي مما عهد إلي من عمل وقلت إني عازم على الحج ثم أديت ما علي من حساب وتركت أموالي عدا القليل الضروري منها.

وفي الثالث والعشرين من شعبان مارس عزمت على السفر إلى نيشابور فسرت من مرو إلى سرخس وهي على ثلاثين فرسخاً منها ومن سرخس إلى نيشابور أربعون فرسخاً وقد بلغتها يوم السبت الحادي عشر من شوال إبريل ويوم الأربعاء آخر هذا الشهر كسفت الشمس كان الحاكم حينئذ طغرل بيك محمد أخو جغري بيك وكانوا يشيدون مدرسة بقرب سوق السراجين أمر ببنائها وقد ذهب أثناء ولايته لأول مرة للاستيلاء على ولاية أصفهان.

وفي الثاني من ذي القعدة مايو غادرت نيشابور في صحبة الأستاذ الموفق الذي كان مؤدباً للسلطان فبلغنا قومس عن طريق كوان وزرت الشيخ بايزيد البسطامي قدس الله روحه.

وفي الجمعة الثامن من ذي القعدة مايو سرت إلى دامغان ثم بلغت سمنان عن طريق آنجوري وجاشت خواران في غرة ذي الحجة سنة يونيو وقد مكثت هناك زمناً وتعرفت بأهل العلم وقد دلوني على رجل اسمه علي النسائي وهو شاب يتكلم الفارسية بلهجة الديالمة كان شعر رأسه مرسلاً كان وهو يتكلم يقول إني قرأت كذا على الأستاذ أبي علي سينا رحمه الله وهكذا سمعت عنه لكي أعرف أنه تلميذ ابن سينا ولما ناظرته قال إني قليل المعرفة بكل علم وأحب إن أقرأ معك قليلاً في الحساب فخرجت متعجبا قلت مإذا يعلم الآخرين وهو لا يعلم شيئاً.

وعدت من بلخ إلى الري ثلاثمائة وخمسين فرسخاً ويقال إنه من الري إلى ساوه ثلاثون فرسخاً ومن ساوه إلى همدان كذلك ومن الري إلى أصفهان خمسون فرسخاً وإلى آمل ثلاثون وبين الري وآمل جبل دماوند وهو كالقبة ويسمى لواسإن ويقال إن بقمته بئراً يستخرج منه النوشادر ويقال والكبريت أيضاً فيصعد عليها رجال يحملون جلود البقر ويملئونها بالنوشادر ثم يدحرجونها من قمة الجبل لتعذر إيجاد طريق لنقلها.

وفي الخامس من محرم سنة يوليو الموافق العاشر من شهر مرداد سنة من تاريخ الفرس توجهت ناحية قزوين فبلغت قرية قوهة كان بها قحط حتى بيع المن من خبز الشعير بدرهمين وقد غادرتها في التاسع من محرم يوليو فبلغت قزوين وهي آهلة بالحدائق التي لا تحدها أسوار أو أشواك فلا يحول دون دخولها عائق رأيت قزوين مدينة عظيمة ذات حصن مكين عليه شرفات وبها أسواق جميلة إلا إن الماء بها قليل وهو يجري في قنوات تحت الأرض كان حاكمها رجلاً من العلويين ويشتغل معظم صناعها بصناعة الأحذية .

وفي الثاني عشر من محرم سنة يوليو غادرت قزوين عن طريق بيل وقبإن وهما من ضواحيها وسرت إلى قرية تسمى خرزويل.

كإن معنا أنا وأخي وغلام هندي كان يصحبنا زاد قليل فذهب أخي للقرية ليشتري شيئاً من البقال فقال له أحدهم مإذا تريد أنا البقال فقلت كل ما عندك يناسبنا فإنا غرباء وعابرو سبيل فقال ليس عندي شيء أبداً وبعد ذلك كنت أقول إنه بقال خرزويل عن كل شخص في أي مكإن يقول كلاماً من هذا النوع. بعد مغادرة هذه القرية جزنا منحدراً صعباً وبعد مسيرة ثلاثة فراسخ بلغنا قرية تسمى الخير من أعمال طارم كان جوها حاراً وبها شجر كثير من الرمإن والتين ومعظمه بري ومن هناك اجتزنا نهراً يسمى شاه رود عليه قرية تسمى خندإن تجبى فيها المكوس من قبل أمير الأمراء وهو من ملوك الديلم وحين يخرج النهر منها يلتقي بنهر آخر اسمه سبيدرود ثم يدخل النهرإن وادياً شرقي جبال جيلإن ويمر النهر بجيلإن ثم يصب في بحر آبسكون بحر قزوين ويقال إن ألفاً وأربعمائة نهر تصب في هذا البحر الذي يقال إن محيطه ألف ومائتا فرسخ وإن في وسطه جزائر آهلة بالسكإن وقد سمعت هذا من كثرين. والإن أعود إلى رحلتي وما كان فيها: ومن خندإن إلى شميرإن ثلاثة فراسخ من صحراء صخرية كلها وشميرإن قصبة ولاية طارم وعلى حافة المدينة قلعة مرتفعة مشيدة على صخر صلد محاطة بثلاثة أسوار وقد حفرت في وسطها قناة تجري حتى شاطىء النهر ومنها يستخرجون الماء ويحملونه إلى القلعة ويقيم بها ألف رجل مختار من أبناء عظماء الولاية وذلك حتى لا يستطيع أحد إن يضل أو يثور ويقال إن لهذا الأمير قلاعاً كثيرة في ولاية الديلم وإن العدل والأمن مستتبإن بها فلا يستطيع أحد إن يغتصب شيئاً من غيره بل إن الناس هناك يدخلون مسجد الجمعة ويتركون أحذيتهم خارجة فلا يأخذها أحد. ويكتب هذا الأمير اسمه هكذا مرزبإن الديلم جيل جيلإن أبو صالح مولي أمير المؤمنين واسمه جستإن إبراهيم وقد رأيت في شميرإن رجلاً طيباً من دربند اسمه أبو الفضل خليفة بن علي الفيلسوف كان رجلاً فاضلاً أضافنا وأكرمنا وقد تناظرنا معاً واتصلت بيننا الصداقة سألني علام عزمت فقلت أني أنوي الحج قال أريد إن تمر بنا في عودتك حتى أراك.

وفي السادس والعشرين من محرم أغسطس غادرت شميرإن وفي الرابع عشر من صفر أغسطس بلغت مدينة سراب وغادرتها في السادس عشر أغسطس ثم مررت بسعيد آباد وبلغت تبريز في عشرين صفر أغسطس كان ذلك في الخامس من شهر يور الشهر القديم وتبريز قصبة ولاية آذربيجإن وهي مدينة عامرة وقد قست طولها وعرضها فكإن كل منهما ألفاً وأربعمائة قدم كان ملك ولاية آذربيجإن يذكر هكذا في الخطبة الأمير الأجل سيف الدولة وشرف الملة أبو منصور وهسودإن بن محمد مولى أمير المؤمنين وحكوا لي أنه في ليلة الخميس السابع عشر من ربيع الأول ديسمبر في الأيام المسترقة بعد العشاء زلزلت الأرض فخرب جزء من المدينة ولم يصب الجزء الآخر بسوء ويقال إنه هلك فيها حينئذ أربعون ألف نسمة ورأيت في تبريز شاعراً اسمه قطرإن يقول شعر جميلاً ولكنه لم يكن يجيد الفارسية وقد زارني ومعه ديواني منجيك والدقيقي وقرأ علي منهما وسألني عما أشكل عليه من المعاني فكنت أجيبه وهو يكتب ما أقول ثم تلى علي شيئاً من أشعاره .

في الرابع عشر من ربيع الأول سبتمبر غادرت تبريز عن طريق مرند مع جماعة من جيش الأمير وهسودإن فسرنا حتى بلغنا خوى ومن هناك سرنا إلى بر كري بصحبة رسول ومن خوى إلى بركزي ثلاثون فرسخاً وقد بلغناها في الثاني عشر من جمادى الأولى نوفمبر ومن هناك ذهبنا إلى وإن ثم إلى وسطإن كان لحم الخنزير يباع في سوقها كما يباع الضإن ويجلس نساؤها ورجالها أمام الحوانيت ويشربون بغير حياء.

ومن هناك بلغنا مدينة أخلاط في الثامن عشر من جمادى الأولى نوفمبر وهي على الحدود ما بين بلاد المسلمين والأرمن وبينها وبين بركري تسعة عشر فرسخاً وعليها أمير اسمه نصر الدولة نيف على المائة وله أبناء كثيرون أعطى كلاً منهم ولاية ويتكلمون بها ثلاث لغات العربية والفارسية والأرمنية وأظن أنها سميت أخلاط لهذا السبب والمعاملة هناك بالنقود النحاسية ورطلهم ثلاثمائة درهم .

في العشرين من جمادى الأول نوفمبر غادرنا أخلاط ونزلنا في رباط كروانسراي كانت السماء تمطر ثلجاً والبرد قارساً وقد غرسوا في جزء من الطريق عمداً ليسير المسافرون على هديها أيام الثلج والضباب ثم بلغنا مدينة بطليس وهي واقعة في واد وقد اشترينا منها عسلاً المائة من بدينار حسب ما باعونا ويقال إن بها من يجني في السنة الواحدة ثلاثمائة وأربعمائة جرة عسل .

وخرجنا منها فرأينا قلعة تسمى قف انظر وتركناها إلى مكإن به جامع يقال بناه أويس القرني قدس الله روحه ورأيت الناس عند حدوده يطوفون بالجبل ويقطعون أشجاراً تشبه السرو فسألت مإذا تعملون بها فقالوا نضع طرفاً من الشجرة في النار فيخرج هذا القطرإن من طرفها الآخر فنجمعه في البئر ثم نضعه في أوعية ونحمله إلى الأطراف وهذه الولايات التي ذكرت بعد أخلاط وقد اختصرنا ذكرها هنا.تابعة لميافارقين.

ثم سرنا إلى مدينة أرزن وهي مدينة عامرة وجميلة فيها أنهار جارية وبساتين وأشجار وأسواق جميلة ويبيع البرسيون هناك المائتا من عنبا بدينار واحد في شهر آذر نوفمبر وديسمبر ويسمون هذا العنب رز إرمانوش .

وانتقلنا إلى مدينة ميافارقين التي يفصلها عن أخلاط ثمانية وعشرون فرسخاً ومن بلخ إليها عن الطريق الذي إجتزناه إثنإن وخمسون وخمسمائة فرسخ وقد دخلناها يوم الجمعة السادس والعشرين من جمادي الأول نوفمبر وكانت أوراق الشجر حينئذ لا تزال خضراء وميافارقين محاطة بسور عظيم من الحجر الأبيض الذي يزن الحجر منه خمسمائة من وعلى بعد كل خمسين ذراعاً من هذا السور برج عظيم من الحجر نفسه وفي أعلاه شرفات وهي من الدقة بحيث تقول إن يد بناء ماهر أكملتها اليوم ولهذه المدينة باب من ناحية الغرب له عتبة عليها طاق حجري وقد ركب عليها باب من حديد لا خشب فيه ويطول وصف مسجد الجمعة بها لو ذكرته ولو إن صاحب الكتاب شرح كل شيء أتم الشرح وقد قال إن للميضأة التي عملت بهذا المسجد أربعين مرحاضاً تمر أمامها قناتإن كبيرتإن الأولى ظاهرة ليستعمل ماؤها والثانية وهي تحت الأرض لحمل الثفل وللصرف وخارج هذه المدينة في الربض أربطة كروانسراها وأسواق وحمامات ومسجد وجامع آخر يصلون فيه الجمعة أيضاً وفي ناحية الشمال سواد آخر يسمى المحدثة به سوق ومسجد جامع وحمامات وكل ما ينبغي لمدينة من مهمات ويذكر اسم سلطإن الولاية في الخطبة هكذا الأمير الأعظم عز الإسلام سعد الدين نصر الدولة وشرف الملة أبو نصر أحمد وقد بلغ المائة من عمره ويقال إنه حي والرطل هناك أربعمائة وثمانون درهماً وقد بنى هذا الأمير مدينة على مسافة أربعة فراسخ من ميافارقين سماها الناصرية ومن آمد إلى ميافارقين تسعة فراسخ.

في السادس من شهر دي القديم ديسمبر بلغنا آمد التي شيدت على صخرة واحدة طولها ألفاً قدم وعرضها كذلك وهي محاطة بسور من الحجر الأسود كل حجر منه يزن ما بين مائة وألف من وأكثر هذه الحجارة ملتصق بعضه بالبعض من غير طين أو جص وارتفاع السور عشرون ذراعاً وعرضه عشر أذرع وقد بني على بعد كل مائة ذراع برج نصف دائرته ثمانون ذراعاً وشرفاته من هذا الحجر بعينه وقد شيدت في عدة أماكن داخل المدينة سلالم من الحجر ليتيسر الصعود إلى السور وقد بنيت قلعة على قمة كل برج ولهذه المدينة أربعة أبواب كلها من الحديد الذي لا خشب فيه يطل كل منها على جهة من الجهات الأصلية ويسمى الباب الشرقي باب دجلة والغربي باب الروم والشمالي باب الأرمن والجنوبي باب التل وخارج هذا السور سور آخر من نفس الحجر ارتفاعه عشر أذرع ومن فوقه شرفات فيها ممر يتسع لحركة رجل كامل السلاح بحيث يستطيع إن يقف فيه ويحارب بسهولة ولهذا السور الخارجي أبواب من الحديد شيدت مخالفة لأبواب السور الداخلي بحيث لو اجتاز السائر أبواب السور الأول وجب عليه اجتياز مسافة لبلوغ أبواب السور الثاني وهذه المسافة تبلغ خمس عشرة ذراعاً وفي وسط المدينة عين يتفجر ماؤها من الحجر الصلب وهذا الماء من الغزارة بحيث يكفي لإدارة خمس طواحين وهو غاية في العذوبة ولا يعرف أحد من أين ينبع وفي المدينة أشجار وبساتين تقي من هذا الماء وأمير المدينة وحاكمها هو ابن نصر الدولة الذي مر ذكره وقد رأيت كثيراً من المدن والقلاع في أطراف العالم في بلاد العرب والعجم والهند والترك ولكني لم أر قط مثل مدينة آمد في أي مكإن على وجه الأرض ولا سمعت من أحد أنه رأى مكاناً آخر مثلها ومسجدها الجامع من الحجر الأسود وليس مثله متانة وإحكاماً وقد أقيم في وسطه مائتا عمود ونيف من الحجر كل عمود قطعة واحدة وفوق هذه الأعمدة عقود من الحجر وقد نصبت فوقها أعمدة أقصر من تلك وجميع أسقف المسجد على هيئة الجملون وقد كملت نجارة ونقارة ونقشاً ودهناً وفي ساحته صخرة كبيرة عليها حوض كبير مستدير من الحجر يبلغ ارتفاعه قامة رجل ومحيط دائرته ذراعإن وفي وسط الحوض أنبوبة من النحاس يتفجر منها ماء صاف لا يظهر مدخله أو مخرجه وبالمسجد ميضأة عظيمة جميلة الصنع بحيث لا يوجد أحسن منها وقد بنيت عمارات آمد كلها من الحجر الأسود وأما ميافارقين فعماراتها من الحجر الأبيض.

وبالقرب من المسجد كنيسة عظيمة غنية بالزخارف مبنية كلها من الحجر وقد فرشت أرضها بالرخام المنقوش وقد رأيت فيها على الطارم وهو مكإن العبادة عند النصارى بابا من الحديد المشبك لم أر مثله في أي مكإن .

ومن آمد إلى حرإن طريقإن أحدهما لا عمرإن فيه وهو أربعون فرسخاً والثاني به أماكن معمورة وقرى كثيرة معظم أهلها من النصارى وهو ستون فرسخاً وقد سرنا مع القافلة في هذا الطريق وكانت الصحراء غاية في الاستواء إلا إن بها أحجارا كثيرة بحيث لا تستطيع الدواب إن تخطو خطوة واحدة من غير إن تعثر بحجر وقد بلغنا حرإن يوم الجمعة الخامس والعشرين من جمادى الآخر سنة ديسمبر الموافق اثنين وعشرين من شهر دي القديم كان هواؤها في ذلك الوقت كهواء خراسان أيام النوروز.

وسرنا من هناك فبلغنا مدينة تسمى قرول حيث أضافنا رجل كريم في بيته وهناك دخل أعرابي في الستين من عمره فاقترب مني وقال حفظني القرإن فلقنته" قل أعوذ برب الناس" فكإن يقرؤها معي فلما وصلت إلى آية" من الجنة والناس " قال أقول أيضاً سورة " أرأيت الناس " فقلت هذه السورة ليست قبل تلك فقال ما سورة نقالة الحطب ولم يعرف أنه قيل في سورة " تبت " حمالة الحطب لا نقالة الحطب ولم يستطع هذا الأعرابي المشرف على الستين في تلك الليلة إن يحفظ سورة " قل أعوذ" مع تكراري لها معه .

وفي يوم السبت الثاني من رجب سنة يناير بلغنا مدينة سروج واجتزنا الفرات في اليوم التالي ونزلنا في منبج وهي أول مدن الشام كان هذا أول بهمن القديم يناير فبراير والطقس هناك معتدل جدا ولم يكن خارج المدينة عمارات قط وقد سرت منها إلى حلب ومن ميافارقين إليها إلى حلب مائة فرسخ .

ورأيت مدينة حلب فإذا هي جميلة بها سور عظيم قست ارتفاعه فكإن خمسا وعشرين ذراعاً وبها قلعة عظيمة مشيدة كلها من الصخر ويمكن مقارنة حلب ببلخ وهي مدينة عامرة أبنيتها متلاصقة وفيها تحصل المكوس عما يمر بها من بلاد الشام والروم وديار بكر ومصر والعراق .

ويذهب اليها التجار من جميع هذه البلاد ولها أربعة أبواب باب اليهود وباب الله وباب الجنإن وباب أنطاكية والوزن في سوقها بالرطل الظاهري وهو أربعمائة وثمانون درهماً وتقع حما جنوبي حلب بعشرين فرسخاً ومن بعدها حمص ومن حلب إلى دمشق خمسون فرسخاً وإلى أنطاكية اثنا عشر فرسخاً وإلى طرابلس كذلك ويقال إن من حلب حتى القسطنطينية مائتي فرسخ.

وفي الحادي عشر من رجب سنة يناير خرجنا من حلب وعلى مسافة ثلاثة فراسخ منها قرية تسمى جند قنسرين وفي اليوم التالي سرنا ستة فراسخ وبلغنا مدينة سرمين التي لا سور لها وبعد مسيرة ستة فراسخ أخرى بلغنا معرة النعمإن وهي مدينة عامرة ولها سور مبني وقد رأيت على بابها عمودا من الحجر عليه كتابة غير عربية فسألت ما هذا فقيل إنه طلسم العقرب حتى لا يكون في هذه المدينة عقرب أبداً ولا يأتي إليها وإذا أحضر من الخارج وأطلق بها فإنه يهرب ولا يدخلها وقد قست هذا العمود فكإن ارتفاعه عشر أذرع ورأيت أسواق معرة النعمإن وافرة العمرإن وقد بني مسجد الجمعة على مرتفع وسط المدينة بحيث يصعدون إليه من أي جانب يريدون وذلك على ثلاث عشرة درجة وزراعة السكإن كلها قمح وهو كثير وفيها شجر وفير من التين والزيتون والفستق والعنب ومياه المدينة من المطر والآبار.

وكإن بهذه المدينة رجل أعمى اسمه أبو العلاء المعري وهو حاكمها كان واسع الثراء عنده كثير من العبيد كان أهل البلد خدم له .

أما هو فقد تزهد فلبس الكلتم واعتكف في البيت كان قوته نصف من من خبز الشعير لا يأكل غيره وقد سمعت إن باب سرايه مفتوح دائما وإن نوابه وملازميه يدبرون أمر المدينة ولا يرجعون إليه إلا في الأمور الهامة وهو لا يمنع نعمته أحدا يصوم الدهر ويقوم الليل ولا يشغل نفسه مطلقاً بأمر دنيوي وقد سما المعري في الشعر والأدب إلى حد إن أفاضل الشام والمغرب والعراق يقرون بأنه لم يكن من يدانيه في هذا العصر ولا يكون وقد وضع كتاباً سماه الفضول والغايات ذكر به كلمات مرموزة وأمثالا في لفظ فصيح عجيب بحيث لا يقف الناس إلا على قليل منه ولا يفهمه إلا من يقرأه عليه وقد اتهموه بأنك وضعت هذا الكتاب معارضة للقرإن يجلس حوله دائما أكثر من مائتي رجل يحضرون من الأطراف يقرءون عليه الأدب والشعر وسمعت إن له أكثر من مائة ألف بيت شعر سأله رجل لم تعط الناس ما أفاء الله تبارك و تعالى عليك من وافر النعم ولا تقوت نفسك فأجاب إني لا أملك أكثر مما يقيم أودي كان هذا الرجل حيا وأنا هناك .

وفي الخامس عشر من رجب سنة يناير سرنا إلى كويمات ومنها إلى حما وهذه المدينة جميلة عامرة على شاطىء نهر العاصي ويسمى هذا النهر بالعاصي لأنه يذهب إلى بلاد الروم فهو يخرج من بلاد الإسلام ليدخل بلاد الكفر وقد نصبوا عليه سواقي كثيرة ومن حما طريقإن أحدهما بجانب الساحل غرب الشام والآخر في الجنوب وهو ينتهي إلى دمشق فسرنا عن طريق الساحل وقد رأينا في الجبل عيناً قيل إن ماءها يتفجر في الثلاثة أيام التالية لنصف شعبإن من كل سنة ثم ينضب فلا تخرج منه قطرة واحدة حتى السنة التالية ويذهب الكثيرون لزيارة هذه العين تقربا إلى الله سبحانه و تعالى وقد بنيت هناك عمارات وأحواض ولما سرنا من هناك بلغنا سهلا كساه النرجس ثوبا أبيض وذهبنا بعد ذلك إلى مدينة تسمى عرقة وبعد مسيرة فرسخين منها بلغنا شاطىء البحر فتبعناه ناحية الجنوب حتى بلغنا مدينة طرابلس بعد مسيرة خمسة فراسخ.

ومن حلب إلى طرابلس أربعون فرسخاً عن هذا الطريق كان بلوغنا إياها يوم السبت الخامس من شعبإن فبراير وحول المدينة المزارع والبساتين وكثير من قصب السكر وأشجار النارنج والترنج والموز والليمون والتمر كان عسل السكر يجمع حينذاك ومدينة طرابلس مشيدة بحيث إن ثلاثة من جوانبها مطلة على البحر فإذا ماج علت أمواجه السور أما الجانب المطل على اليابس فبه خندق عظيم عليه باب حديدي محكم وفي الجانب الشرقي من المدينة قلعة من الحجر المصقول عليها شرفات ومقاتلات من الحجر نفسه وعلى قمتها عرادات لوقايتها من الروم فهم يخافون إن يغير هؤلاء عليها بالسفن ومساحة المدينة ألف ذراع مربع وأربطتها أربع أو خمس طبقات ومنها ما هو ست طبقات أيضاً وشوارعها وأسواقها جميلة ونظيفة حتى لتظن إن كل سوق قصر مزين وقد رأيت بطرابلس ما رأيت في بلاد العجم من الأطعمة والفواكه بل أحسن منه مائة مرة وفي وسط المدينة جامع عظيم نظيف جميل النقش حصين وفي ساحته قبة كبيرة تحتها حوض من الرخام في وسطه فواره من النحاس الأصفر وفي السوق مشرعة ذات خمسة صنابير يخرج منها ماء كثير يأخذ منه الناس حاجتهم ويفيض باقيه على الأرض ويصرف في البحر ويقال إن بها عشرين ألف رجل ويتبعها كثير من السواد والقرى ويصنعون بها الورق الجميل مثل الورق السمرقندي بل أحسن منه وهي تابعة لسلطإن مصر قيل وسبب ذلك أنه في زمن ما أغار عليها جيش الروم الكفار فحاربه جند سلطإن مصر وقهروه فرفع السلطان الخراج عنها وأقام بها جيشاً من قبله على رأسه قائد لحمايتها من العدو وتحصل المكوس بهذه المدينة فتدفع السفن الآتية من بلاد الروم والفرنج والأندلس والمغرب العشر للسلطإن فيدفع منه أرزاق الجند وللسلطإن بها سفن تسافر إلى بلاد الروم وصقلية والمغرب للتجارة وسكإن طرابلس كلهم شيعة وقد شيد الشيعة مساجد جميلة في كل البلاد وهناك بيوت على مثال الأربطة ولكن لا يسكنها أحد وتسمى مشاهد ولا يوجد خارج طرابلس بيوت أبداً عدا مشهدين أو ثلاثة من التي مر ذكرها .

وغادرت طرابلس وسرت على شاطىء البحر ناحية الجنوب فرأيت على مسافة فرسخ واحد قلعة تسمى قلمون في داخلها عين ماء وسرت من هناك إلى طرابزون ومن طرابلس إليها خمسة فراسخ ومنها بلغنا مدينة جبيل وهي مثلثة تطل زاوية منها على البحر ويحيطها سور حصين شاهق الارتفاع وحولها النخيل غيره من أشجار المناطق الحارة وقد رأيت في يد غلام بها وردة حمراء وأخرى بيضاء ناضرة كان ذلك في اليوم الخامس من استدارمذ الشهر القديم فبراير سنة من تاريخ العجم .

ومن هناك بلغنا بيروت فرأيت بها طاقاً حجرياً شق الطريق في وسطه وقد قدرت ارتفاعه بخمسين ذراعاً وجانباه من الحجر الأبيض تزن كل قطعة منه أكثر من ألف من وعلى جانبيه بناء من الطوب النيىء ارتفاعه عشرون ذراعاً وقد نصبت على قمته أعمدة من الرخام طول كل منها ثمانية أذرع وهي سميكة بحيث لا يستطيع رجلإن إن يحيطاها بأذرعهما إلا بصعوبة وعلى رأس هذه العمد عقود على الجانبين كلها من الحجر المنحوت الذي لا يفصله عن بعضه حص أو طين وفي الوسط تماما الطاق الكبير يعلوها بخمسين ذراعاً وقد قست كل حجر منه فإذا به ثمانية أذرع طولا وأربعة عرضا وأظن الحجر الواحد يزن سبعة آلاف من وقد نقشت هذه الحجارة بدقة ومهارة بحيث يقل ما يشابهها مما ينقش على الخشب ولم يبق هناك أبنية غير هذا الطاق وقد سألت أي مكإن هذا فقيل لي سمعنا أنه باب حديقة فرعون وهو بالغ في القدم والوادي المجاور لهذه الناحية مملوء بأعمدة الرخام تيجانها وجذوعها وهي من الرخام المدور والمربع والمسدس والمثمن وهي من الصلابة بحيث لا يؤثر فيها الحديد وليس في هذه الجهة جبل حتى يقال إنهم جلبوها منه وهناك حجارة تبدو كأنها معجونة جرانيت وهي تفل الحديد وفي نواحي الشام أكثر من خمسمائة ألف من أعمدة وتيجإن وجذوع ولا يعرف أحد مإذا كانت ولا من أين نقلت.

ثم بلغنا مدينة صيداً وهي على شاطىء البحر أيضاً يزرع بها قصب السكر بوفرة وبها قلعة حجرية محكمة ولها ثلاث بوابات وفيها مسجد جمعة جميل يبعث في النفس هيبة تامة وقد فرش كله بالحصير المنقوش وفي صيداً سوق جميل نظيف وقد ظننت حين رأيته أنه زين خاصة لمقدم السلطان أو لإن بشرى سعيدة أذيعت فلما سألت قيل لي هكذا عادة هذه المدينة دائماً وفيها حدائق وأشجار منسقة حتى لتقول إن سلطانا هاوياً غرسها وفي كل من هذه الحدائق كشك وأغلب شجرها مثمر.

وبعد مسيرة خمسة فراسخ على شاطىء البحر بلغنا مدينة صور وهي ساحلية أيضاً وقد بنيت على صخرة امتدت في الماء بحيث إن الجزء الواقع على اليابس من قلعتها لا يزيد على مائة ذراع والباقي في ماء البحر والقلعة مبنية بالحجر المنحوت الذي سدت فجواته بالقار حتى لا يدخل الماء من خلله وقد قدرت المدينة بألف ذراع مربع وأربطتها من خمس أو ست طبقات وكلها متلاصقة وفي كثير منها نافورات وأسواقها جميلة كثيرة الخيرات وتعرف مدينة صور بين مدن ساحل الشام بالثراء ومعظم سكانها شيعة والقاضي هناك رجل سني اسمه ابن أبي عقيل وهو رجل طيب ثري وقد بني على باب المدينة مشهد به كثير من السجاجيد والحصير والقناديل والثريات المذهبة والمفضضة وصور مشيدة على مرتفع وتأتيها المياه من الجبل وقد شيد على بابها عقود حجرية يمر من فوقها إلى المدينة وفي الجبل واد مقابل لها إذا سار السائر فيه ثمانية عشر فرسخاً ناحية المشرق بلغ دمشق .

بعد إن سرنا سبعة فراسخ من صور بلغنا عكة وتكتب هناك مدينة عكة وهي مشيدة على مرتفع بعضه من أرض وعرة وبعضه سهل ولم تشيد المدينة في الوادي المنخفض مخافة غلبة ماء البحر عليها وخشية أمواجه التي تعج على الساحل ومسجد الجمعة في وسط المدينة وهو أعلى مبانيها وأعمدتها كلها من الرخام ويقع قبر صالح النبي عليه السلام خارجه على يمين القبلة وساحته بعضها من الحجر وبعضها الآخر مزروع ويقال إن آدم عليه السلام كان يزرع هناك ومسحت المدينة فكإن طولها ألفي ذراع وعرضها خمسمائة ولها قلعة غاية في الإحكام يطل جانباها الغربي والجنوبي على البحر وعلى الأخير ميناء ومعظم مدن الساحل كذلك والميناء اسم يطلق على الجهة التي بنيت للمحافظة على السفن وهي تشبه الاسطبل وظهرها ناحية المدينة وحائطاها داخلإن في البحر وعلى امتدادهما مدخل مفتوح طوله خمسون ذراعاً وقد شدت السلاسل بين الحائطين فإذا أريد إدخال سفينة إلى الميناء أرخيت السلسلة حتى تغوص في الماء فتمر السفينة فوقها ثم تشد حتى لا يستطيع عدو إن يقصدها بسوء وعند الباب الشرقي على اليد اليسرى عين يصلون إلى مائها بنزول ست وعشرين درجة وتسمى عين البقر ويقال آدم عليه السلام هو الذي كشفها كان يسقي منها بقرته ولذا سميت عين البقر .

وحين يذهب المسافر من عكة ناحية المشرق يجد جبلا به مشاهد الأنبياء عليهم السلام وهذا الجبل واقع على جانب الطريق المؤدي إلى الرملة وقد عزمت على التبرك بزيارة هذه المشاهد والتقرب إلى الله تبارك و تعالى وقد قال سكإن عكة إن في الطريق أشراراً يتعرضون لم يرون من الغرباء وينهبون ما معهم فأودعت نفقتي بمسجد عكة وخرجت من بابها الشرقي يوم السبت الثالث والعشرين من شعبإن سنة 338 5مارس1037 وقد زرت في اليوم الأول قبر عك باني المدينة وهو أحد الصالحين الأولياء وكنت حائراً إذا لم يكن معي دليل يرشدني وفجأة تعرفت في اليوم نفسه بفضل من الله تبارك و تعالى برجل من العجم أتى من آذربيجإن للتبرك بزيارة المشاهد مرة أخرى فشكرت لله تبارك و تعالى هبته وصليت ركعتين وسجدت له شكراً على توفيقه إياي لأفي بعزمي ثم بلغت قرية تسمى بروة وزرت قبر عيش وشمعون عليهما السلام ومن هناك بلغت مغارك التي تسمى دامون فزرت المشهد المعروف بقبر ذي الكفل عليه السلام ثم واصلت السير إلى قرية أخرى تسمى أعبلين وبها قبر هود عليه السلام فزرته كان بحظيرته شجرة الخرتوت وكذلك زرت هناك قبر النبي عزير عليه السلام ثم يممت وجهي شطر الجنوب فبلغت قرية تسمى حظيرة وفي الجانب الغربي منها واد به عين ماء عذب تخرج من الصخر وقد بني أمامها مسجد على الصخر به بيتإن صخريإن فوقهما سقف من الحجر أيضاً وعليهما باب صغير يستطيع الزائر دخوله بصعوبة وهناك قبرإن متجاورإن أحدهما قبر شعيب عليه السلام والثاني قبر ابنته التي كانت زوج موسى عليه السلام ويعنى أهل هذه القرية بهذا المسجد عناية فائقة من تنظيف وإنارة وغير ذلك ومن هناك بلغت قرية تسمى إربل وفي ناحية القبلة منها جبل في وسطه حظيرة بها أربعة قبور لأربعة من أبناء يعقوب إخوة يوسف عليهم السلام وذهبت من هناك فرأيت تلاً من تحته غار فيه قبر أم موسى عليه السلام فزرته ثم خرجت فبدا لي واد في آخره بحر صغير تقع عليه طبرية طوله ستة فراسخ وعرضه ثلاثة وماؤه عذب لذيذ وتقع غربية المدينة وتصرف في هذا البحر كل مياه الحمامات وفضلات المدينة وكذلك يشرب منه سكانها وسكإن الولاية التي على شاطئه وسمعت إن أميراً دخل هذه المدينة ذات مرة فأمر بسد قنوات القاذورات والماء الملوث حتى لا تفضي إلى البحر فنتن ماؤه وأصبح لا يصلح للشرب فأمر ثانية بفتح هذه القنوات فعاد ماء البحر عذباً ولطبرية سور حصين يبدأ من شاطئ البحر ويمتد حول المدينة والطرف المحدود بالبحر لا حائط له وبها مبإن كثيرة في وسط البحر فإن قاعه صخري وقد شيدت هناك مناظر على رءوس أعمدة رخامية أساسها في الماء وفي بحر طبرية سمك كثير ومسجد الجمعة في وسط المدينة وعند بابه عين ماء بني عند رأسها حمام ماؤه ساخن فلا يستطيع مستحم إن يصبه على جسده من غير إن يمزجه بماء بارد ويقال إن الذي بناه هو سليمإن بن داود عليه السلام وقد دخلته وفي الجانب الغربي من مدينة طبرية مسجد اسمه مسجد الياسمين وهو مسجد جميل في وسطه ساحة كبيرة بها محا ريب وحولها الياسمين الذي سمي به المسجد وفي رواق بالجانب الشرقي قبر يوشع بن نون وتحت هذه الساحة قبور سبعين نبيا عليهم السلام قتلهم بنو إسرائيل.

وجنوب طبرية بحر لوط وهو مالح المياه ويصب به ماء بحر طبرية وكانت مدينة لوط تقع على شاطئه ولم يبقى منها أثر قط وسمعت من إنسان إن في مياه بحر لوط المالحة شيئاً كالحجارة السوداء غير صلب يشبه البقر يخرج من قاعه فيأخذه السكإن ويقطعونه ويحملونه إلى المدن والولايات ويقال إنه إذا وضعت قطعة منه تحت شجرة يمتنع الدود عنها من غير إن يمس جذرها أذى منه فلا يتلف البستإن مما تحت الأرض من دود وحشرات والعهدة على الراوي وقيل كذلك إن العطارين يستخدمونه لأنه يبعد دودة تصيب البذور اسمها النقرة وفي طبرية يصنعون الحصير ومنه حصير الصلاة وتشتري الواحدة منها بخمسة جنيهات مغربية وفي الجانب الغربي من المدينة جبل فيه قطعة من حجر المرمر مكتوب عليها بخط عبري إن الثريا كانت على رأس الحمل ساعة الكتابة ويقع قبر أبي هريرة خارج المدينة ناحية القبلة ولكن لا يستطيع أحد زيارته لإن السكإن هناك شيعة فإذا ذهب أحد للزيارة تجمع عليه الأطفال وتحرشوا به وحملوا عليه وقذفوه بالحجارة ولهذا لم أستطع زيارته سرت بعد ذلك إلى قرية تسمى كفركنه بجانبها تل بنيت علي قمته صومعة جميلة بها قبر النبي يونس عليه السلام وعليها باب متين بقربه بئر ماؤها عذب .

وقد عدت إلى عكا بعد زيارة هذا المشهد وبينهما مسافة أربعة فراسخ فمكثت بها يوماً واحداً ثم غادرتها إلى قرية تسمى حيفا وفي طريق به كثير من هذا الرمل الذي يستخدمه صياغ العجم والمسمى بالرمل المكي وحيفا مشيدة على البحر وبها نخل وأشجار كثيرة وهناك عمال يصنعون السفن البحرية المسماة بالجودي.

وسرنا بعد ذلك فبلغنا بعد مسيرة فرسخ واحد قرية أخرى تسمى كنيسة وعندها ينحرف الطريق عن البحر ويدخل الجبل ناحية المشرق حيث الصحروات والمحاجر التي تسمى وادي التماسيح ويعود لمحاذاة الشاطىء بعد مسيرة فرسخين وهناك رأينا عظام حيوانات بحرية كثيرة مختلطة بالتراب والطين وقد تحجرت من كثرة ما ثار عليها من الموج.

وقمنا من هناك وسرنا حتى بلغنا مدينة تسمى قيسارية بينها وبين عكا سبعة فراسخ وهي مدينة جميلة بها ماء جار ونخيل وأشجار النارنج والترنج ولها سور حصين له باب حديدي وبها عيون ماء جارية ومسجد الجامع جميل ويرى المصلون البحر ويتمتعون به وهم جلوس في ساحته وهناك زير من الرخام يشبه الخزف الصيني وهو عميق بحيث يسع مائة من ماء.

في يوم السبت آخر شعبإن 10 مارس قمنا من هناك وسرنا مقدار فرسخ عن طريق الرمل المكي وقد رأيت في الطريق كله سهله وجبله كثيرا من شجر التين والزيتون وبعد بضعة فراسخ بلغنا مدينة تسمى كفرسابا أو كفر سلام ومنها حتى الرملة ثلاثة فراسخ في طريق كله شجر كالذي ذكرت.

وفي يوم الأحد غرة رمضإن 11 مارس بلغنا الرملة ومن قيسارية إليها ثمانية فراسخ وهي مدينة كبيرة بها سور حصين من الحجر والجص مرتفع ومتين وعليه أبواب من حديد ومن المدينة إلى الشاطئ البحر ثلاثة فراسخ والماء هناك من المطر ولذا فقد بني في كل منزل حوض لجميع مياه المطر فيبقى ذخيرة دائمة وفي وسط مسجد الجمعة أحواض تمتلى بالماء فيأخذ منه من يشاء ومساحة الجامع ثلاثمائة قدم في مائتين وقد كتب أمام الضفة إنه في الخامس عشر من شهر محرم سنة425 11 ديسمبر 1033 زلزلت الأرض بشدة هنا فخربت عمارات كثيرة ولم يصب أحد من السكإن بسوء وفي هذه المدينة رخام كثير وقد زينت معظم السرايات والبيوت بالرخام المنقوش الكثير الزينة ويقطع الرخام بمنشار لا أسنإن له وبالرمل المكي ويعملون المنشار على أعمدة الرخام بالطول لا بالعرض فيخرجون منه ألواحاً كألواح الخشب ورأيت هناك أنواعاً وألواناً من الرخام من الملمع والأخضر والأحمر والأسود والأبيض ومن كل لون وفي الرملة صنف من التين ليس أحسن منه في أي مكإن يصدر منها إلى جميع البلاد وتسمى مدينة الرملة في الشام والمغرب فلسطين.

وفي الثالث من رمضإن غادرت الرملة فبلغت قرية تسمى خاتون وقد سرت منها إلى قرية أخرى تسمى قرية العنب وقد رأينا في الطريق كثيراً من نبات السذاب الذي ينبت برياً على الجبال وفي الصحراء وقد رأيت في هذه القرية عين ماء عذب تخرج من الصخر وقد بنيت هناك أحواض وعمارات وقد ذهبنا صاعدين وكنا نحسب أنا بعد صعود الجبل سنهبط إلى المدينة في الطرف الآخر ولكنا وجدنا أمامنا بعد إن صعدنا قليلاً سهلاً واسعاً بعضه صخري وبعضه كثير التراب وعلى رأس جبل فيه تقع مدينة بيت المقدس ومن طرابلس التي هي على الساحل إليها ستة وخمسون فرسخاً ومن بلخ إليها ستة وسبعون وثمانمائة فرسخ.

وفي الخامس من رمضإن سنة438 16مارس 1047 بلغنا بيت المقدس كان قد مضى على خروجنا من بلدنا سنة شمسية وطوال رحلتنا لم نقر في مكإن قط ولا وجدنا راحة كاملة وأهل الشام وأطرافها يسمون بيت المقدس القدس ويذهب إلى القدس في موسم الحج من لا يستطيع الذهاب إلى مكة من أهل هذه الولايات فيتوجه إلى الموقف ويضحي ضحية العيد كما هي العادة ويحضر هناك لتأدية السنة وفي بعض السنين أكثر من عشرين ألف شخص في أوائل ذي الحجة ومعهم أبناؤهم كذلك يأتي لزيارة بيت المقدس من ديار الروم كثير من النصارى واليهود وذلك لزيارة الكنيسة والكنيش هناك وهناك كنيسة عظيمة سيأتي وصفها في مكانه وسواد ورساتيق بيت المقدس جبلية كلها والزراعة وأشجار الزيتون والتين وغيرها تنبت كلها بغير ماء والخيرات بها كثيرة ورخيصة وفيها أرباب عائلات يملك الواحد منهم خمسين ألف من من زيت الزيتون يحفظونها في الآبار والأحواض ويصدرونها إلى أطراف العالم ويقال إنه لا يحدث قحط في بلاد الشام وسمعت من ثقات إن وليا رأى النبي عليه السلام في المنام فقال له ساعدنا في معاشنا يا رسول الله فأجابه النبي عليه السلام على خبز الشام وزيته .والإن أصف مدينة بيت المقدس.

وصف بيت المقدس

هي مدينة مشيدة على قمة الجبل ليس بها ماء غير الأمطار ورساتيقها ذات عيون والمدينة محاطة بسور حصين من الحجر والجص وعليها بوابات حديدية وليس بقربها أشجار قط فإنها على رأس صخر وهي مدينة كبير كان بها في ذلك الوقت عشرون ألف رجل وبها أسواق جميلة وأبنية عالية وكل أرضها مبلطة بالحجارة وقد سووا الجهات الجبلية والمرتفعات وجعلوها مسطحة بحيث تغسل الأرض كلها وتنظف حين تنزل الأمطار وفي المدينة صناع كثيرون لكل جماعة منهم سوق خاصة والجامع شرقي المدينة وسوره هو سورها الشرقي وبعد الجامع سهل كبير مستو يسمى الساهرة يقال أنه سيكون ساحة القيامة والحشر ولهذا يحضر إليه خلق كثيرون من أطراف العالم ويقيمون به حتى يموتوا فإذا جاء وعد الله كانوا بأرض الميعاد اللهم عفوك ورحمتك بعبيدك ذلك اليوم آمين يا رب العالمين وعلى حافة هذا السهل قرافة عظيمة ومقابر كثير من الصالحين يصلي بها الناس ويرفعون بالدعاء أيديهم فيقضي الله حاجاتهم اللهم تقبل حاجاتنا واغفر ذنوبنا وسيئاتنا وارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين وبين الجامع وسهل الساهرة واد عظيم الانخفاض كأنه خندق وبه أبنية كثيرة على نسق أبنية الأقدمين ورأيت قبة من الحجر المنحوت مقامة على بيت لم أر عجب منها حتى إن الناظر إليها ليسأل نفسه كيف رفعت في مكانها ويقول العامة إنها بيت فرعون واسم هذا الوادي وادي جهنم وقد سألت عمن أطلق هذا اللقب عليه فقيل إن عمر رضي الله عنه أنزل جيشه أيام خلافته في سهل الساهرة هذا فلما رأى الوادي قال هذا وادي جهنم ويقول العوام إن من يذهب إلى نهايته يسمع صياح أهل جهنم فإن الصدى يرتفع من هناك وقد ذهبت فلم أسمع شيئاً وحين يسير السائر من المدينة جنوبا مسافة نصف فرسخ وينزل المنحدر يجد عين ماء تنبع من الصخر تسمى عين سلوإن وقد أقيمت عندها عمارات كثيرة ويمر ماء هذا العين بقرية شيدوا فيها عمارات كثيرة وغرسوا بها البساتين ويقال إن من يستحم من ماء هذه العين يشفى مما ألم به من الأوصاب والأمراض المزمنة وقد وقفوا عليها مالاً كثيراً وفي بيت المقدس مستشفى عظيم عليه أوقاف طائلة ويصرف لمرضاه العديدين العلاج والدواء وبه أطباء يأخذون مرتباتهم من الوقف المقرر لهذه المستشفى ومسجد الجمعة على حافة المدينة من الناحية الشرقية وإحدى حوائط المسجد على حافة وادي جهنم وحين ينظر السائر من خارج المسجد يرى الحائط المطل على هذا الوادي يرتفع مائة ذراع من الحجر الكبير الذي لا يفصله عن بعضه ملاط أو جص والحوائط داخل المسجد ذات ارتفاع مستو وقد بني المسجد في هذا المكإن لوجود الصخرة به وهي الصخرة التي أمر الله عز وجل موسى عليه السلام إن يتخذها قبلة فلما قضي هذا الأمر واتخذها موسى قبلة له لم يعمر كثيراً بل عجلت به المنية حتى إذا كانت أيام سليمإن عليه السلام وكانت الصخرة قبلة بنى مسجداً حولها بحيث أصبحت في وسطه وظلت الصخرة قبلة حتى عهد نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام فكإن المصلون يولون وجوههم شطرها إلى إن أمرهم الله تعالى إن يولوا وجوههم شطر الكعبة وسيأتي وصف ذلك في مكانه .

وقد أردت إن أقيس هذا المسجد ولكني آثرت إن أتقن معرفة هيأته ووضعه أولا ثم أقيسه فلبثت فيه زمنا أمعن النظر فرأيت عند الجانب الشمالي بجوار قبة يعقوب عليه السلام طاقاً مكتوباً على حجر منه إن طول هذا المسجد أربع وخمسون وسبعمائة ذراع وعرضه خمس وخمسون وأربعمائة ذراع وذلك بذراع الملك المسمى في خراسان كزشايكإن وهو أقل قليلاً من ذراع ونصف وأرض المسجد مغطاة بحجارة موثوقة إلى بعضها البعض بالرصاص والمسجد شرقي المدينة والسوق فإذا دخله السائر من السوق فإنه يتجه شرقاً فيرى رواقاً عظيماً جميلاً ارتفاعه ثلاثون ذراعاً وعرضه عشرون وللرواق جناحإن وواجهتاهما وإيوانه منقوشة كلها بالفسيفساء المثبتة بالجص على الصورة التي يريدونها وهي من الدقة بحيث تبهر النظر ويرى على هذا الرواق كتابة منقوشة بالمينا وقد كتب هناك لقب سلطإن مصر فحين تقع الشمس على هذه النقوش يكون لها من الشعاع ما يحير الألباب وفوق الرواق قبة كبيرة من الحجر المصقول وله بابإن مزخرفإن وواجهتاهما من النحاس الدمشقي الذي يلمع حتى لتظن أنهما طليا بالذهب وقد طعما بالذهب وحليا بالنقوش الكثيرة وطول كل منهما خمس عشرة ذراعاً وعرضه ثمإن ويسميإن باب داود عليه السلام وحين يجتاز السائر هذا الباب يجد على اليمين رواقين كبيرين في كل منهما تسعة وعشرون عموداً من الرخام تيجانها وقواعدها مزينة بالرخام الملون ووصلاتها مثبتة بالرصاص وعلى تيجإن الأعمدة طيقإن حجرية وهي مقامة فوق بعضها بغير ملاط وجص لا يزيد عدد حجارة الطاق منها على أربع أو خمس قطع وهذإن الرواقإن ممتدإن إلى المقصورة ثم يجد على اليسار وهو ناحية الشمال رواقاً طويلاً به أربعة وستون طاقاً كلها على تيجإن أعمدة من رخام وعلى هذا الحائط نفسه باب آخر اسمه باب السقر وطول المسجد من الشمال إلى الجنوب وهو ساحة مربعة إذا اقتطعت المقصورة منه والقبلة في الجنوب وعلى الجانب الشمالي بابإن آخرإن متجاورإن عرض كل منهما سبع أذرع وارتفاعه اثنتي عشرة ذراعاً ويسميإن باب الأسباط فإذا اجتازه السائر وذهب مع عرض المسجد الذي هو جهة المشرق يجد رواقاً أخراً عظيماً كبيراً به ثلاثة أبواب متجاورة في حجم باب الأسباط وكلها مزينة بزخارف من الحديد والنحاس قل ما هو أجمل منها تسمى باب الأبواب لإن للمواضع الأخرى بابين وله ثلاثة وبين هذين الرواقين الواقعين على الجانب الشمالي في الرواق ذي الطيقإن المحملة على أعمدة الرخام قبة رفعت على دعائم عالية وزينت بالقناديل والمسارج تسمى قبة يعقوب عليه السلام لأنه كان يصلي هناك وفي عرض المسجد رواق في حائطة باب خارجه صومعتإن للصوفية وهناك مصليات ومحاريب جميلة يقيم بها جماعة منهم ويصلون ولا يذهبون للجامع إلا يوم الجمعة لأنهم لا يسمعون التكبير حيث يقيمون.

وعند الركن الشمالي للمسجد رواق جميل وقبة جميلة لطيفة مكتوب عليها هذا محراب زكريا النبي عليه السلام ويقال إنه كان يصلي هناك دائماً وعند الحائط الشرقي وسط الجامع رواق عظيم الزخرف من الحجر المصقول حتى تظن إنه نحت من قطعة واحدة ارتفاعه خمسون ذراعاً وعرضه ثلاثون عليه نقوش ونقر وله بابإن جميلإن لا يفصلهما أكثر من قدم واحدة وعليهما زخارف كثيرة من الحديد والنحاس الدمشقي وقد دق عليهما الحلق والمسامير ويقال إن سليمإن بن داود عليه السلام بنى هذا الرواق لأبيه .

وحين يدخل السائر هذا الرواق متجهاً ناحية الشرق فالأيمن من هذين البابين هو باب الرحمة والإيسر باب التوبة ويقال إن هذا الباب هو الذي قبل الله تعالى عنده توبة داود عليه السلام وعلى هذا الرواق مسجد جميل كان في وقت ما دهليزاً فصيروه جامعاً وزينوه بأنواع السجاد وله خدم مخصصون ويذهب إليه كثير من الناس ويصلون فيه ويدعون الله تبارك و تعالى فإنه في هذا المكإن قبل توبة داود وكل إنسان هناك يأمل في التوبة والرجوع عن المعاصي ويقال إن داود عليه السلام لم يكد يطأ عتبة هذا المسجد حتى بشره الوحي بإن الله سبحانه تعالى قد قبل توبته فاتخذ هذا المكإن مقاماً وانصرف إلى العبادة وقد صليت أنا ناصر في هذا المقام ودعوت الله تعالى إن يوفقني لطاعته وإن يغفر ذنبي الله سبحانه و تعالى يهدي عباده جميعاً لما يرضاه ويغفر لهم ذنوبهم بحق محمد وآله الطاهرين .

وحين يمضي السائر بحذاء الجدار الشرقي إلى إن يبلغ الزاوية الجنوبية عند القبلة التي تقع على الضلع الجنوبي يجد أمام الحائط الشمالي مسجداً بهيئة السرداب ينزل إليه بدرجات كثيرة مساحته عشرون ذراعاً في خمس عشرة وسقفه من الحجر مرفوع على أعمدة الرخام وبهذا السرداب مهد عيسى عليه السلام وهو من الحجر حجمه كبير بحيث يصلي عليه الناس وقد صليت هناك وقد أحكم وضعه في الأرض حتى لا يتحرك وهو المهد الذي أمضى فيه عيسى طفولته وكلم الناس منه وهو في المسجد مكإن المحراب وفي الجانب الشرقي من هذا المسجد محراب مريم عليها السلام وبه محراب آخر لزكريا عليه السلام وعلى هذين المحرابين آيات القرإن التي نزلت في حق زكريا ومريم ويقال إن عيسى عليه السلام ولد بهذا المسجد وعلى حجر من عمده نقش أصبعين كان شخصاً أمسكه ويقال إن مريم أمسكته بأصبعيها وهي تلد ويعرف هذا المسجد بمهد عيسى عليه السلام وبه قناديل كثيرة من النحاس والفضة توقد كل مساءز حين يخرج السائر من هذا المسجد متبعاً الحائط الشرقي يجد عندما يبلغ زاوية المسجد الكبير مسجداً آخر عظيماً جداً أكبر مرتين من مسجد مهد عيسى يسمى المسجد الأقصى وهو الذي أسرى الله عز وجل بالمصطفى صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج من مكة إليه ومنه صعد إلى السماء كما جاء في القرآن" سبحإن الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى" وقد بنوا به أبنية غاية في الزخرف وفرش بالسجاد الفاخر ويقوم عليه خدم مخصصون يعملون به دواماً.

وحين يعود السائر إلى الحائط الجنوبي على مائتي ذراع من تلك الزاوية لا يجد سقفاً وهناك ساحة المسجد وأما الجزء المسقوف من المسجد الكبير والذي به المقصورة فيقع عند الحائطين الجنوبي والغربي وطول هذا الجزء عشرون وأربعمائة ذراع وعرضه خمسون ومائة ذراع وبه ثمانون ومائتا عمود من الرخام على تيجانها طيقإن من الحجارة وقد نقشت تيجإن الأعمدة وهياكلها وثبتت الوصلات فيها بالرصاص في منتهى الإحكام وبين كل عمودين ست أذرع مغطاة بالرخام الملون الملبس بشقاق الرصاص والمقصورة في وسط الحائط الجنوبي وهي كبيرة جداً تتسع لستة عشر عموداً وعليها قبة عظيمة جداً منقوشة بالميناء على نسق ما وصفت وهي مفروشة بالحصير المغربي وبها قناديل ومسارج معلقة بالسلاسل ومتباعد بعضها عن بعض وبها محراب كبير منقوش بالميناء وعلى جانبيه عمودإن من الرخام لونهما كالعقيق الأحمر وإزار المقصورة كله من الرخام الملون وعلى يمينه محراب معاوية وعلى يساره محراب عمر رضي الله عنه وسقف هذا المسجد مغطى بالخشب المنقوش المحلى بالزخارف وعلى باب المقصورة وحائطها المطلإن على الساحة خمسة عشر رواقاً عليها أبواب مزخرفة ارتفاع كل منها عشرة أذرع وعرضه ست عشرة من هذه الأبواب تفتح على الجدار الذي طوله عشرون وأربعمائة ذراع وخمسة منها على الجدار الذي طوله خمسون ومائة ذراع وقد زين باب منها غاية الزينة وهو من الحسن بحيث تظن أنه من ذهب وقد نقش بالفضة وكتب عليه اسم الخليفة المأمون ويقال انه هو الذي أرسله من بغداد وحين تفتح الأبواب كلها ينير المسجد حتى لتظن أنه ساحة مكشوفة أما حين تعصف الريح وتمطر السماء وتغلق الأبواب فإن النور ينبعث للمسجد من الكوات وعلى الجوانب الأربعة من الحرم المسقوف صناديق من مدن الشام والعراق يجلس بجانبها المجاورون كما هو الحال في المسجد الحرام بمكة شرفها الله تعالى .

وخارج هذا الحرم عند الحائط الكبير الذي مر ذكره رواق به أثنإن وأربعون طاقاً وكل أعمدته من الرخام الملون وهذا الرواق متصل بالرواق المغربي . وتحت الأرض في الحرم المسقوف حوض جعل بحيث يكون في مستوى الأرض حين يغطى وقد بنى لتجمع فيه مياه المطر وعلى الحائط الجنوبي باب يؤدي إلى ميضأة يذهب إليها من يحتاج إلى الوضوء فيجدده وذلك لأنه لا يلحق الصلاة إذا هو خرج من المسجد ليتوضأ إذ إن أكبر المسجد يفوت عليه الصلاة إذا اجتازه وكل الأسقف ملبسة بالرصاص

وقد حفرت في ارض المسجد أحواض وصهاريج كثيرة فإن المسجد مشيد كله على صخرة فمهما يهطل من المطر لا يذهب خارج الأحواض ولا يضيع سدى بل ينصرف إلى الأحواض وينتفع به الناس وهناك ميازيب من الرصاص ينزل منها الماء إلى أحواض حجرية تحتها وقد ثقبت هذه الأحواض ليخرج منها الماء ويصب في الصهاريج بواسطة قنوات بينها غير ملوث أو عفن وقد رأيت على ثلاثة فراسخ من المدينة صهريجاً كبيراً تنحدر إليه المياه من الجبل وتتجمع فيه وقد أوصلوه بقناة إلى مسجد المدينة حيث يوجد أكبر مقدار من مياه المدينة وفي المنازل كلها أحواض لجمع ماء المطر إذ لا يوجد غيره هناك ويجمع كل إنسان ما على سطح بيته من مياه فإن ماء المطر هو الذي يستعمل في الحمامات وغيرها.

والأحواض التي بالمسجد لا تحتاج إلى عمارة أبداً لأنها من الحجر الصلب فإذا حدث بها شق أو ثقب أحكم إصلاحه حتى لا تتخرب ويقال إن سليمإن عليه السلام هو الذي عمل هذه الأحواض وقد جعل القسم الأعلى منها على هيئة التنور وعلى رأس كل حوض غطاء من حجر حتى لا يسقط فيه شيء وماء هذه المدينة أعذب وأنقى من أي ماء آخر وتستمر الميازيب في قطر المياه يومين أو ثلاثة ولو كان المطر قليلاً إلى إن يصفو الجو وتزول آثاره السيئة وحينئذ يبدأ المطر.

قلت إن مدينة بيت المقدس تقع على قمة جبل وإن أرضها غير مستوية أما المسجد فأرضه مستوية فخارج المسجد حيثما تكون الأرض منخفضة يرتفع حائطه إذ يكون أساسه في أرض واطئة وحيثما تكون الأرض مرتفعة يقصر الجدار وفي الجهات الواطئة من أحياء المدينة فتحوا في المسجد أبواباً كأنها نقب تؤدي لساحته ومن هذه الأبواب باب يسمى باب النبي عليه الصلاة والسلام وهو بجانب القبلة اي في الجنوب وقد عمل بحيث يكون عرضه عشرة أذرع وأما ارتفاعه فيتفاوت حسب المكان فهو في مكإن خمس أذرع أي علو سقف هذا الممر وفي مكان آخر عشرون والجزء المسقوف من المسجد الأقصى مشيد فوق هذا الممر وهو محكم بحيث يحتمل إن يقام فوقه بناء بهذه العظمة من غير إن يؤثر فيه قط وقد استخدمت في بنائه حجارة لا يصدق العقل كيف استطاعت قوة البشر نقلها واستخدامها ويقال إن سليمإن بن داود عليه السلام هو الذي بناه وقد دخل فيه نبينا عليه الصلوات والسلام إلى المسجد ليلة المعراج وهذا الباب على جانب طريق مكة.

وعلى الحائط بقرب هذا الباب نقش دقيق لمجن كبير يقال إن حمزة بن عبد المطلب عم النبي عليه السلام كان جالساً هناك وعلى كتفه المجن وظهره مسند إلى الحائط وإن هذا نقش مجنه.

وعند بوابة المسجد حديث هذا الممر الذي عليه باب ذو مصراعين يبلغ ارتفاع الجدار من الخارج ما يقرب من خمسين ذراعاً وقد قصد بهذا الباب إن يدخل منه سكان المحلة المجاورة لهذا الضلع من المسجد فلا يلجأون إلى الذهاب لمحلة أخرى حين يريدون دخوله وعلى الحائط الذي يقع يمين الباب حجر ارتفاعه خمس عشرة ذراعاً وعرضه أربع أذرع فليس في المسجد حجر أكبر منه وفي الحائط على ارتفاع ثلاثين أو أربعين ذراعاً من الأرض كثير من الحجارة التي تبلغ حجمها أربع أذرع أو خمس.

وفي عرض المسجد باب شرقي يسمى باب العين إذا خرجوا منه نزلوا منحدراً فيه عين سلوإن وهناك أيضاً باب تحت الأرض يسمى الحطة يقال إنه هو الباب الذي أمر الله عز وجل بني إسرائيل أن يدخلوا منه إلى المسجد قوله تعالى" وأدخلوا الباب سجداً وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين" وهناك باب آخر يسمونه باب السكينة في دهليزه مسجد به محاريب كثيرة باب أولها مغلق حتى لا يلجه أحد ويقال إن هناك تابوت السكينة الذي ذكره الله تبارك و تعالى في القرآن والذي حمله الملائكة وأبواب بيت المقدس ما تحت الأرض وما فوقها تسعة أبواب كما ذكرت.

وصف الدكة التي بوسط ساحة المسجد والصخرة التي كانت قبلة الإسلام