الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء السابع عشر»

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 64 كلمة مستهدفة حالياً.
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
سطر 66: سطر 66:
[ 22 ]
[ 22 ]
(باب الرجوع عن الشهادة في الحدود وغيرها) (قال رحمه الله وإذا شهد شاهدان على رجل بسرقة ألف درهم بعينها فقطعت يده ثم رجعا ضمنا دية اليد في مالهما ولا قصاص عليهما عندنا) لان لوجوب منهما بسبب القصاص والقصاص يعتمد المساواة ولا مساواة بين المباشرة والسبب ولان اليدين لا يقطعان بيد واحدة هكذا ذكره ابراهيم رحمه الله عن على رضى الله عنه قال لا يقطع يدان بيد فإذا امتنع وجوب القود عليهما ضمنا دية اليد في مالهما لان رجوعهما عن الشهادة قول وهو ليس بحجة في حق العاقلة وضمنا الالف أيضا لانهما أتلفاه على المشهود عليه وكذلك كل قصاص في نفس أو دونها والشافعي رحمه الله يوجب القود على الشهود عند الرجوع والمسألة في الديات. ولو شهد أربعة على رجل بالزنا ولم يحصن فجلده الامام وجرحته السياط ثم رجعوا عن الشهادة فعند أبى حنيفة رحمه الله ليس عليهم أرش الجراحة خلافا لهما وقد بينا في الحدود. ولو لم تجرحه السياط فلا ضمان عليهم بالاتلاف كما لو باشروا ضربا غير مؤثر وعلى هذا حد القذف وحد الخمر والتعزير. ولو شهد رجلان على رجل انه أعتق عبده وشهد عليه أربعة بالزنا والاحصان فاجاز القاضى شهادتهم وأعتقه ورجمه ثم رجعوا فعلى شهود العتق قيمة العبد لمولاه لانهم أتلفوا مالية المولى فيه بشهادتهم بالعتق وعلى شهود الزنا الدية لمولاه أيضا ان لم يكن له وارث غيره لانهم أتلفوا نفسه بشهادتهم عليه بالزنا والاحصان بغير حق فان (قيل) المولى كان جاحدا للعتق فكيف يضمنون الشهود الدية (قلنا) لان القاضى حكم بعتقه وزعم المولى بخلاف ما قضى القاضى بعد قضائه غير معتبر فان (قيل) كيف يجب للمولى بدلان عن نفس واحدة (قلنا) وجوب القيمة على شهود العتق بدل عن المالية ووجوب الدية باعتبار النفسية ثم الدية لا تجب للمولى ولكن للمقتول حتى تنفذ منه وصاياه ويقضى ديونه (ألا ترى) انه لو كان له ابن حر كانت الدية له دون مولاه أرأيت لو شهدوا أنه ابنه وشهد آخرون بالزنا والاحصان ثم رجعوا أما كان على شهود النسب القيمة وعلى شهود الزنا الدية وكذلك لو كان شاهدا العتق بعض شهود الزنا فعليهما من القيمة حصتهما من الدية لان المشهود به مختلف فاتحاد الشهود في ذلك واختلافهم سواء. وكذلك لو كان شهود العتق رجلا ووامرأتين لان العتق ليس بسبب للحد وهما مما يثبت مع الشبهات فشهادة رجل وامرأتين به كشهادة رجلين ولو شهد أربعة على العتق والزنا والاحصان
(باب الرجوع عن الشهادة في الحدود وغيرها) (قال رحمه الله وإذا شهد شاهدان على رجل بسرقة ألف درهم بعينها فقطعت يده ثم رجعا ضمنا دية اليد في مالهما ولا قصاص عليهما عندنا) لان لوجوب منهما بسبب القصاص والقصاص يعتمد المساواة ولا مساواة بين المباشرة والسبب ولان اليدين لا يقطعان بيد واحدة هكذا ذكره إبراهيم رحمه الله عن على رضى الله عنه قال لا يقطع يدان بيد فإذا امتنع وجوب القود عليهما ضمنا دية اليد في مالهما لان رجوعهما عن الشهادة قول وهو ليس بحجة في حق العاقلة وضمنا الالف أيضا لانهما أتلفاه على المشهود عليه وكذلك كل قصاص في نفس أو دونها والشافعي رحمه الله يوجب القود على الشهود عند الرجوع والمسألة في الديات. ولو شهد أربعة على رجل بالزنا ولم يحصن فجلده الامام وجرحته السياط ثم رجعوا عن الشهادة فعند أبى حنيفة رحمه الله ليس عليهم أرش الجراحة خلافا لهما وقد بينا في الحدود. ولو لم تجرحه السياط فلا ضمان عليهم بالاتلاف كما لو باشروا ضربا غير مؤثر وعلى هذا حد القذف وحد الخمر والتعزير. ولو شهد رجلان على رجل انه أعتق عبده وشهد عليه أربعة بالزنا والاحصان فاجاز القاضى شهادتهم وأعتقه ورجمه ثم رجعوا فعلى شهود العتق قيمة العبد لمولاه لانهم أتلفوا مالية المولى فيه بشهادتهم بالعتق وعلى شهود الزنا الدية لمولاه أيضا ان لم يكن له وارث غيره لانهم أتلفوا نفسه بشهادتهم عليه بالزنا والاحصان بغير حق فان (قيل) المولى كان جاحدا للعتق فكيف يضمنون الشهود الدية (قلنا) لان القاضى حكم بعتقه وزعم المولى بخلاف ما قضى القاضى بعد قضائه غير معتبر فان (قيل) كيف يجب للمولى بدلان عن نفس واحدة (قلنا) وجوب القيمة على شهود العتق بدل عن المالية ووجوب الدية باعتبار النفسية ثم الدية لا تجب للمولى ولكن للمقتول حتى تنفذ منه وصاياه ويقضى ديونه (ألا ترى) انه لو كان له ابن حر كانت الدية له دون مولاه أرأيت لو شهدوا أنه ابنه وشهد آخرون بالزنا والاحصان ثم رجعوا أما كان على شهود النسب القيمة وعلى شهود الزنا الدية وكذلك لو كان شاهدا العتق بعض شهود الزنا فعليهما من القيمة حصتهما من الدية لان المشهود به مختلف فاتحاد الشهود في ذلك واختلافهم سواء. وكذلك لو كان شهود العتق رجلا ووامرأتين لان العتق ليس بسبب للحد وهما مما يثبت مع الشبهات فشهادة رجل وامرأتين به كشهادة رجلين ولو شهد أربعة على العتق والزنا والاحصان
[ 23 ]
[ 23 ]
سطر 87: سطر 87:
[ 29 ]
[ 29 ]
ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان في شريعة من قبله وفى هذا الحديث بيان ان المدعي غير المدعى عليه لانه صلى الله عليه وسلم ميز بينهما وذلك تنصيص على المغايرة كما في قوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر يكون تنصيصا على أن العاهر غير صاحب الفراش والمدعى لغة من يقصد ايجاب حق على غيره فالمدعى فعل يتعدي مفعوله فيكون المدعى اسما لفاعل الدعوى كالضارب والقاتل الا ان اطلاق اسم المدعي في عرف اللسان يتناول من لا حجة له ولا يتناول من له حجة فان القاضي يسميه مدعيا قبل اقامة البينة فاما بعد اقامة البينة يسميه محقا لا مدعيا ويقال لمسيلمة مدعي النبوة ولا يقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى النبوة لانه قد أثبته بالمعجزة فعرفنا ان اطلاق الاسم على من لا حجة له عرفا وهذا الحديث يشتمل على أحكام بعضها يعرف عقلا وبعضها شرعا فقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى يدل على انه لا يستحق بمجرد الدعوى وهذا معقول لانه خبر متمثل بين الصدق والكذب والمحتمل لا يكون حجة فدل على انه يستحق بالبينة وهذا شرعى وفي خبر الشهود الاحتمال قائم ولا يزول بظهور العدالة لان العدل غير معصوم عن الكذب أو القصد إلى الكذب فحصول البينات أو الاستحقاق بشهادتهم شرعى وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعى عليه ففيه دليل على ان القول قوله وهذا معقول لانه متمسك بالاصل فالاصل براءة ذمته وانتفاء حق الغير عما في يده وفيه دليل توجه اليمين عليه وهذا شرعي وكان المعنى فيه والله أعلم ان المدعى يزعم انه صار متويا حقه بانكاره فالشرع جعل له حق استحلافه حتى ان كان الامر كما زعم فاليمين العمومي مهلكة للمدعى عليه فيكون أتوا بمقابلة اتواء وهو مشروع وان كان بخلاف ما زعم نال المدعى عليه الثواب بذكر اسم الله تعالى على سبيل التعظيم صادقا ولا يتضرر به وفيه دليل على ان حبس البينات في جانب المدعيين لا دخال الالف واللام في البينة فلا تبقى بينة في جانب المدعى عليه لان مطلق التقسيم يقتضى انتفاء مشاركة كل واحد منهما عن قسم صاحبه فيكون حجة لنا ان بينة ذى اليد على اثبات الملك لنفسه غير مقبولة في معارضة بينة الخارج ويدل على أن جنس الايمان في جانب المدعى عليه ولا يمين في جانب المدعى فيكون دليلا لنا في انه لا يرد اليمين على المدعي عند نكول المدعى عليه وهكذا ذكره عن ابراهيم رحمه الله في الكتاب فقال كان لا يرد يعنى عملا بالحديث كان لا يرد اليمين ويكون حجة لنا في أنه لا يجوز القضاء بشاهد واحد مع
ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان في شريعة من قبله وفى هذا الحديث بيان ان المدعي غير المدعى عليه لانه صلى الله عليه وسلم ميز بينهما وذلك تنصيص على المغايرة كما في قوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر يكون تنصيصا على أن العاهر غير صاحب الفراش والمدعى لغة من يقصد ايجاب حق على غيره فالمدعى فعل يتعدي مفعوله فيكون المدعى اسما لفاعل الدعوى كالضارب والقاتل الا ان اطلاق اسم المدعي في عرف اللسان يتناول من لا حجة له ولا يتناول من له حجة فان القاضي يسميه مدعيا قبل اقامة البينة فاما بعد اقامة البينة يسميه محقا لا مدعيا ويقال لمسيلمة مدعي النبوة ولا يقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى النبوة لانه قد أثبته بالمعجزة فعرفنا ان اطلاق الاسم على من لا حجة له عرفا وهذا الحديث يشتمل على أحكام بعضها يعرف عقلا وبعضها شرعا فقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى يدل على انه لا يستحق بمجرد الدعوى وهذا معقول لانه خبر متمثل بين الصدق والكذب والمحتمل لا يكون حجة فدل على انه يستحق بالبينة وهذا شرعى وفي خبر الشهود الاحتمال قائم ولا يزول بظهور العدالة لان العدل غير معصوم عن الكذب أو القصد إلى الكذب فحصول البينات أو الاستحقاق بشهادتهم شرعى وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعى عليه ففيه دليل على ان القول قوله وهذا معقول لانه متمسك بالاصل فالاصل براءة ذمته وانتفاء حق الغير عما في يده وفيه دليل توجه اليمين عليه وهذا شرعي وكان المعنى فيه والله أعلم ان المدعى يزعم انه صار متويا حقه بانكاره فالشرع جعل له حق استحلافه حتى ان كان الامر كما زعم فاليمين العمومي مهلكة للمدعى عليه فيكون أتوا بمقابلة اتواء وهو مشروع وان كان بخلاف ما زعم نال المدعى عليه الثواب بذكر اسم الله تعالى على سبيل التعظيم صادقا ولا يتضرر به وفيه دليل على ان حبس البينات في جانب المدعيين لا دخال الالف واللام في البينة فلا تبقى بينة في جانب المدعى عليه لان مطلق التقسيم يقتضى انتفاء مشاركة كل واحد منهما عن قسم صاحبه فيكون حجة لنا ان بينة ذى اليد على اثبات الملك لنفسه غير مقبولة في معارضة بينة الخارج ويدل على أن جنس الايمان في جانب المدعى عليه ولا يمين في جانب المدعى فيكون دليلا لنا في انه لا يرد اليمين على المدعي عند نكول المدعى عليه وهكذا ذكره عن إبراهيم رحمه الله في الكتاب فقال كان لا يرد يعنى عملا بالحديث كان لا يرد اليمين ويكون حجة لنا في أنه لا يجوز القضاء بشاهد واحد مع
[ 30 ]
[ 30 ]
سطر 210: سطر 210:
[ 70 ]
[ 70 ]
ما في السقف وموضعه ظاهر فالقول قول الآجر وان كان يخالف ذلك فالقول قول المستأجر وفي الموضع الذى لا يوجب القائف يسار إلى الاقراع كما هو مذهبه في جواز استعمال القرعة لتعيين المستحق عند الاقرار وقد استعمله على رضى الله عنه في دعوى النسب حين كان باليمن * وحجتنا في ابطال المصير إلى قول القائف ان الله تعالى شرع حكم اللعان بين الزوجين عند نفى النسب ولم يأمر بالرجوع إلى قول الفائق فلو كان قوله حجة لامر بالمصير إليه عند الاشتباه ولان قول القائف رجم بالغيب ودعوى لما استأثر الله عزوجل بعلمه وهو ما في الارحام كما قال الله تعالى ويعلم ما في الارحام ولا برهان له على هذه الدعوى وعند انعدام البرهان كان في قوله قذف المحصنات ونسبة الاولاد إلى غير الآباء ومجرد الشبه غير معتبر فقد يشبه الولد أباه الادنى وقد يشبه الاب الاعلى الذى باعتباره يصير منسوبا إلى الاجانب في الحال واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه رجل فقال أنا أسود شديد السواد وقد ولدت امرأتي ولد أبيض فليس منى فقال صلى الله عليه وسلم هل لك من ابل فقال نعم فقال صلى الله عليه وسلم ما لونها قال حمر فقال صلى الله عليه وسلم هل فيها من أورق فقال نعم فقال صلى الله عليه وسلم من ذاك فقال لعل عرق نزع أو فقال صلى الله عليه وسلم ولعل هذا عرقا نزع فبين النبي صلى الله عليه وسلم انه لا عبرة للشبه وفى متاع البيت عندنا الترجيح بالاستعمال لا بالشبه وفى اللوح الترجيح بالظاهر لا بالشبه (ألا ترى) أن اسكافا وعطارا لو تنازعا في اداة الاساكفة لا يترجح الاسكاف بالشبه وثبوت نسب اسامة رضى الله عنه كان بالفراش لا بقول الفائف الا أن المشركين كانوا يطعنون في ذلك لاختلاف لونهما وكانوا يعتقدون ان عند القافة علم بذلك وان بنى المدلج هم المختصون بعمل القيافة ومجز ريشهم فلما قال ما قال كان قوله رد الطعن المشركين فانما سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا لا لان قول القائف حجة في النسب شرعا فاما الدليل على اثبات النسب منهما حديث عمر وعلى رضى الله عنهما حين قال في هذه الحادثة ان لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما هو أبنهما يرثهما ويرثانه وهو للباقى منهما والمعنى فيه انهما استويا في سبب الاستحقاق والمدعى قابل للاشتراك فيستويان في الاستحقاق وبيان ذلك أن ثبوت النسب من الرجل باعتبار الفراش لا بحقيقة انخلاقه من مائه لان ذلك لا طريق إلى معرفته ولا باعتبار الوطئ لانه سر عن غير الواطئين فاقام الشرع الفراش مقامه تيسيرا فقال صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وكل واحد من البينتين
ما في السقف وموضعه ظاهر فالقول قول الآجر وان كان يخالف ذلك فالقول قول المستأجر وفي الموضع الذى لا يوجب القائف يسار إلى الاقراع كما هو مذهبه في جواز استعمال القرعة لتعيين المستحق عند الاقرار وقد استعمله على رضى الله عنه في دعوى النسب حين كان باليمن * وحجتنا في ابطال المصير إلى قول القائف ان الله تعالى شرع حكم اللعان بين الزوجين عند نفى النسب ولم يأمر بالرجوع إلى قول الفائق فلو كان قوله حجة لامر بالمصير إليه عند الاشتباه ولان قول القائف رجم بالغيب ودعوى لما استأثر الله عزوجل بعلمه وهو ما في الارحام كما قال الله تعالى ويعلم ما في الارحام ولا برهان له على هذه الدعوى وعند انعدام البرهان كان في قوله قذف المحصنات ونسبة الاولاد إلى غير الآباء ومجرد الشبه غير معتبر فقد يشبه الولد أباه الادنى وقد يشبه الاب الاعلى الذى باعتباره يصير منسوبا إلى الاجانب في الحال واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه رجل فقال أنا أسود شديد السواد وقد ولدت امرأتي ولد أبيض فليس منى فقال صلى الله عليه وسلم هل لك من ابل فقال نعم فقال صلى الله عليه وسلم ما لونها قال حمر فقال صلى الله عليه وسلم هل فيها من أورق فقال نعم فقال صلى الله عليه وسلم من ذاك فقال لعل عرق نزع أو فقال صلى الله عليه وسلم ولعل هذا عرقا نزع فبين النبي صلى الله عليه وسلم انه لا عبرة للشبه وفى متاع البيت عندنا الترجيح بالاستعمال لا بالشبه وفى اللوح الترجيح بالظاهر لا بالشبه (ألا ترى) أن اسكافا وعطارا لو تنازعا في اداة الاساكفة لا يترجح الاسكاف بالشبه وثبوت نسب أسامة رضى الله عنه كان بالفراش لا بقول الفائف الا أن المشركين كانوا يطعنون في ذلك لاختلاف لونهما وكانوا يعتقدون ان عند القافة علم بذلك وان بنى المدلج هم المختصون بعمل القيافة ومجز ريشهم فلما قال ما قال كان قوله رد الطعن المشركين فانما سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا لا لان قول القائف حجة في النسب شرعا فاما الدليل على اثبات النسب منهما حديث عمر وعلى رضى الله عنهما حين قال في هذه الحادثة ان لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما هو أبنهما يرثهما ويرثانه وهو للباقى منهما والمعنى فيه انهما استويا في سبب الاستحقاق والمدعى قابل للاشتراك فيستويان في الاستحقاق وبيان ذلك أن ثبوت النسب من الرجل باعتبار الفراش لا بحقيقة انخلاقه من مائه لان ذلك لا طريق إلى معرفته ولا باعتبار الوطئ لانه سر عن غير الواطئين فاقام الشرع الفراش مقامه تيسيرا فقال صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وكل واحد من البينتين
[ 71 ]
[ 71 ]

نسخة 07:23، 18 ديسمبر 2007

المبسوط السرخسي ج 17

[ 1 ] (الجزء السابع عشر من) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي وكتب ظاهر الرواية أتت * ستا وبالاصول أيظا سميت صنفها محمد الشيباني * حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير والكبير * والسير الكبير والصغير ثم الزيادات مع المبسوط * تواترت بالسند المضبوط ويجمع الست كتاب الكافي * للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس * مبسوط شمس الامة السرخسي (تنبية) قد باشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم والله المستعان وعليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان

[ 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم (باب الرجوع عن الشهادة في الطلاق والنكاح) (قال رحمه الله وإذا شهد رجل وامرأتان علي طلاق امرأة ورجل وامرأتان على دخوله بها فقضى القاضى بالصداق والطلاق ثم رجعوا فعلى شهود الدخول ثلاثة أرباع المهر وعلى شهود الطلاق ربع المهر) لان شهود الطلاق ألزموه نصف المهر بدليل أنهم لو انفردوا قضى القاضى على الزوج بنصف المهر وشهود الدخول ألزموه جميع المهر بدليل أنهم لو انفردوا قضي القاضى عليه بجميع المهر فنصف المهر اختص بشهود الدخول بايجابه على الزوج فعند الرجوع ضمانه عليهم ونصف المهر اشتركوا فيه فضمانه عند الرجوع على كلا الفريقين نصفان فان (قيل) لا كذلك بل جميع المهر واجب على الزوج بالعقد فما ألزمه واحد من الفريقين شيأ من المهر بما شهدوا به (قلنا) نعم وجب جميع المهر بالعقد ولكن بمقابلة البضع على أنه فوت تسليم البضع على وجه لا ينتهى به النكاح فلا شئ على الزوج منه وقد تحقق ذلك بالفرقة بينهما ولولا شهادة شهود الطلاق لم يكن عليه نصف المهر ولولا شهادة شهود الدخول لم يكن عليه جميع المهر ولكنهما حين شهدا بوجود التسليم قبل ظهور الفرقة فكأنهما ألزماه جميع المهر وحين شهدا الآخران بالفرقة قبل التسليم مضافا إلى الزوج فكأنهما ألزماه نصف المهر فيحب ضمان ذلك عند الرجوع عليهم لانهم حالوا بينه وبين المهر بشهادتهم فكلهم غصبوه ذلك أحد الفريقين النصف والفريق الآخر الكل. ولو رجع شاهد الدخول وحده ضمن ربع المهر لان النصف الذى اختص شهود الدخول بالزامه بقى فيه امرأتان على الشهادة وببقائهما يبقى نصف ذلك النصف فيجب على الراجع نصف ذلك النصف وفي النصف الآخر قد بقى على الشهادة حجة تامة ولو رجع شاهد الطلاق وحده لم يضمن شيأ لان في النصف الذى لزم بشهادة شهود الطلاق قد بقى على الشهادة حجة كاملة ولو رجع شهود الدخول كلهم ضمنوا النصف لان النصف الآخر قد بقى على الشهادة حجة كاملة ولو كان شهود

[ 3 ] الطلاق هم الذين رجعوا لم يضمنوا شيأ لانه بقى على الشهادة بجميع المهر حجة تامة وهم شهود الدخول ولو رجعت امرأة من شهود الطلاق وامرأة من شهود الدخول فعلى الراجعة من شهود الدخول ثمن المهر لان النصف الذى اختص به شهود الدخول بقى علي الشهادة فله رجل وامرأة فبقى الحجة في ثلاثة أرباعه بتفاوتهما ويجب على الراجعة ربع ذلك النصف ولا ضمان على شاهد الطلاق لانه بقى على الشهادة في ذلك النصف حجة كاملة بعد رجوعها. ولو شهد شاهدان أنه طلق امرأته واحدة وآخران أنه طلقها ثلاثا ولم يكن دخل بها فقضى بالفرقة وبنصف المهر لها ثم رجعوا جميعا فضمان نصف المهر على شهود الثلث ولا ضمان على شهود الواحدة لان أصحاب الثلث هم الذين قطعت بشهادتهم (ألا ترى) انها لا تحل له قبل الزوج ومعنى هذا ان بالثلث يثبت في المحل صفة الحرمة وشئ من تلك الحرمة لا يثبت بالواحدة لان حرمة المحل لا تحتمل التجزي وانما قضى القاضي بحرمة المحل وذلك من موجبات ما شهد به شهود الثلث خاصة فعرفنا ان القضاء كان بشهادتهم فالضمان عند الرجوع عليهم وهو نظير ما ذكر بعده ولو شهد شاهدان انه حلف لا يقربها يوم النحر وآخران انه طلقها يوم النحر فابانها القاضي منه ولم يكن دخل بها وألزمه نصف المهر ثم رجعوا فالضمان على شهود الطلاق دون شهود الايلاء لانه انما قضى بالفرقه بشهادة شهود الطلاق دون شهادة شهود الايلاء وهذه المسألة حجة لابي حنيفة رحمه الله في أن الثلاث غير الواحدة وقد بيناه فيما إذا شهد أحد الشاهدين بتطليقه والاخر بثلاث. وإذا شهد على رجل انه تزوج امرأة على الف درهم وهى مهر مثلها قضي بذلك ونقدها الالف ثم رجعا لم يضمنا شيئا أيهما كان المدعى في ذلك لانه ان كانت المرأة هي المدعية فقد ألزما الزوج الالف وأدخلا في ملكه البضع بمقابلته والبضع عند دخوله في ملك الزوج متقوم لانه يتملك البضع ومن ضرورة التملك يقوم المملوك به كالاستيلاء لما كان يتملك به الحربى يتقوم به نفسه وقد بينا ان الاتلاف بعوض يعدله لا يوجب الضمان ولو كان الزوج هو المدعى فقد اثبتنا عليه الملك وعوضاها بمقابلته ما يعدله وهو الالف فان كان مهر مثلها خمسمائة وكان الزوج منكرا ضمنا له الفضل لانهما الزماه الالف وعوضاه ما يتقوم بخسمائة فقيمة البضع مهر المثل فالخمسمائة الاخرى أتلفاها عليه بغير عوض وان كان المدعي هو الزوج فلا ضمان عليهما سواء كان مهر مثلها أقل أو أكثر لانهما أتلفا البضع عليهما بغير عوض دون قيمة البضع ولكن البضع لا يتقوم على المتلف

[ 4 ] وانما يتقوم على المتملك لضرورة التملك فلم يضمن الشاهدان لهما شيئا وعند الشافعي رحمه الله يضمنان ما زاد على الالف إلى تمام مهر مثلها وأصل المسألة ما إذا شهد شاهدان بالتطليقات الثلاث بعد الدخول ثم رجعا بعد القضاء بالفرقة لم يضمنا شيئا عندنا وعند الشافعي رحمه الله يضمنان للزوج مهر المثل وكذلك ان قتل المرأة رجل لم يضمن القاتل للزوج شيئا من المهر عندنا وعند الشافعي يضمن مهر المثل وكذلك لو ارتدت المرأة بعد الدخول لم يغرم للزوج شيئا عندنا وعند الشافعي للزوج مهر المثل على القاتل وعليها وان ارتدت لان البضع متقوم بدليل أنه متقوم عند دخوله في ملك الزوج فيقوم عند خروجه من ملكه أيضا لانه انما يخرج من ملكه عين ما دخل في ملكه فمن ضرورة التقوم في احدى الحالتين التقوم في الحالة الاخرى كملك اليمين فانه يتقوم عند ثبوته ابتداء ويتقوم أيضا عند الازالة بطريق الابطال وهو العتق حتى يضمن شهود العتق القيمة إذا رجعوا والدليل عليه أن شهود الطلاق قبل الدخول إذا رجعوا ضمنوا نصف المهر فلو لم يكن البضع متقوما عند الطلاق لما ضمنوا شيئا وإذا ثبت التقوم قلنا المتقوم مضمون بالاتلاف مالا أو غير مال كالنفس * وحجتنا في ذلك أن البضع غير متقوم بالمال عند الاتلاف لان ضمان الاتلاف يتقدر بالمثل ولا مماثلة بين البضع والمال صورة ومعنى فاما عند دخوله في ملك الزوج المتقوم هو المملوك دون الملك الوارد عليه وكان تقومه لاظهار خطر ذلك المحل حتى يكون مصونا عن الابتدال ولا يملك مجانا فان ما يملكه المرء مجانا لا يعظم خطره عنده وذلك محل له خطر مثل خطر النفوس لان النسل يحصل به وهذا المعنى لا توجد في طرف الازالة فانها لا تتملك على الزوج شيئا ولكن يبطل ملك الزوج عنها (ألا ترى) ان ما هو مشروط لمعنى الخطر عند التملك كالشهود والولى لا يشترط شيئا منه عند الازالة وأن الاب لو زوج ابنه الصغير بماله يصح ذلك ولو خلع ابنته الصغيرة بمالها من زوجها لم يصح ذلك وهذا بخلاف ملك اليمين فهو ملك مال والمال مثل المال صورة ومعنى فعند الاتلاف يضمن بالمال وهذا بخلاف ما إذا شهدا بالطلاق قبل الدخول لانهما لا يغرمان هناك قيمة البضع فقيمة البضع مهر المثل ولا يغرمان شيئا من ذلك عندنا وانما يغرمان نصف الصداق لانهما أكدا على الزوج ما كان على شرف السقوط فان المرأة إذا ارتدت يسقط عنه المهر وكذلك إذا قتلت ابن زوجها فهما أكدا عليه ما كان على شرف السقوط فكأنهما ألزماه ذلك هو عبارة المتقدمين رحمهم الله ولا وجه أن

[ 5 ] نقول وقوع الفرقة قبل الدخول مسقط جميع الصداق إذا لم يكن مضافا إلى الزوج ولا كان متهيئا للنكاح للفقه الذى ذكرنا في أول الباب فهما باضافة الفرقة منعا العلة المسقطة من أن يعمل عليها في النصف فكأنهما ألزما الزوج ذلك النصف بشهادتهما فيضمنان له ذلك عند الرجوع وفي هذا أيضا نوع من الشبهة فان الابن إذا أكره امرأة أبيه حتى زنا بها قبل الدخول يغرم الاب نصف المهر ويرجع به على الابن ولم يوجد منه ما تصير به الفرقة مضافة إلى الاب ولكنا نقول هو باكراهه اياها منع صيرورة الفرقة مضافة إليها وذا موجب نصف الصداق على الاب فكأنه ألزمه ذلك وعلى هذا الخلاف شهود العفو عن القصاص إذا رجعوا لم يضمنوا شيئا عندنا وعند الشافعي رحمه الله يضمنون الدية لان القصاص ملك متقوم للولي (ألا ترى) أن القاتل إذا صالح في مرضه على الدية يعتبر ذلك من جميع المال وقد أتلفوا عليه ذلك بشهادتهم فيضمنون عند الرجوع وان لم يكن مالا كما تضمن النفس بالاتلاف حالة الخطأ ولكنا نقول ملك القصاص كملك البضع للزوج من حيث انه لا يظهر الا في حق الاستيفاء وقد بينا ان ملك البضع غير متقوم وانما المتقوم المحل المملوك فكذلك ملك القصاص الا أن بالصلح القاتل انما يلتزم الدية بمقابلة ما هو من أصول حوائجه فهو محتاج إلى هذا الصلح لابقاء نفسه وحاجته مقدمة على حق الوارث فيعتبر من جميع المال لهذا والمريضة إذا اختلعت فانما التزمت المال لا بمقابلة ما هو من أصول حوائجها فاعتبر من الثلت كذلك ولانه يسلم للقاتل المحل المملوك وهو نفسه وذلك متقوم وهنا بالطلاق بطل ملك الزوج من غير ان يسلم لها شئ كان قد أشرف على الزوال عنها وقد بينا أنه لا قيمة للملك الوارد على المحل فاما تقوم النفس بالدية عند الاتلاف فللصيانة عن الهدر واظهار خطر المحل وهذا لا يوجد في ملك القصاص فالعفو مندوب إليه فيكون اهداره حسنا بهذا الطريق لان القصاص حياة حكما وفي العفو حياة حقيقة فلا يمكن ايجاب الضمان على المتلف هنا بمعنى الصيانة ولو لم يكن فرض الزوج لها مهرا فشهدا بالطلاق قبل الدخول وقضى القاضى لها بالمتعة ثم رجعا غرما المتعة له لان المتعة في نكاح لا تسمية فيه بمنزلة نصف الصداق في نكاح فيه تسمية فكما أن هناك عند الرجوع يغرمان للزوج ما قضى به القاضى وهو نصف المهر فكذلك هنا يغرمان له ما قضى به القاضى وهو المتعة وزفر رحمه الله يقول في الفصلين لا يغرمان شيئا لان جميع المهر وجب على الزوج بالعقد وانما يسقط عنه نصفه بالطلاق قبل الدخول فهما

[ 6 ] أسقطا عنه البعض وما أوجبا عليه شيئا وانما ضمنا فانما ينبغى أن يضمنا لها لانهما أتلفا ملكها في بعض الصداق وفيما قررنا جواب عن كلام زفر رحمه الله ولو شهد شاهدان على رجل أنه تزوج امرأة على الف والزوج يجحد ومهر مثلها خمسمائة وشهد آخران أنه طلق قبل الدخول فقضى بذلك ثم رجعوا فعلى شاهدى النكاح مائتان وخمسون لان ما زاد علي الخمسمائة إلى تمام الف ألزمه شهود العقد من غير عوض بمقابلته وقد سقط عنه نصف ذلك بالطلاق وبقى النصف فيغرمان له ذلك عند الرجوع وذلك مائتان وخمسون ومقدار الخمسمائة ألزماه بعوض فلا ضمان عليهما في ذلك ولكن شهود الطلاق قبل الدخول كأنهما ألزماه نصف ذلك النصف تمنعهما العلة المسقطة من أن يعمل عملها حين أضافا الفرقة إلى الزوج فيضمنان ذلك عند الرجوع ولو شهد آخران أيضا بالدخول فألزمه القاضى الف درهم ثم رجعوا فعلى شاهدي النكاح خمسمائة الفضل على مهر مثلها لانهما ألزماه ذلك بغير عوض وأما الخمسمائة الاخرى ألزماه بعوض يعدله فلا يضمنان له شيأ من ذلك ولكن بقى في ذلك شاهدا الدخول وشاهدا التطليق فثلاثة أرباعه على شاهدى الدخول وربعه علي شاهدى الطلاق بمنزلة جميع المسمى في مسألة أول الباب على ما قررنا. وإذا شهد شاهدان على امرأة أنها اختلعت من زوجها قبل أن يدخل بها علي ان برأته من المهر والزوج يدعى ذلك وهى تجحد فقضى بذلك ثم رجعا ضمنا نصف المهر لانه لولا شهادتهما لكان لها نصف المهر لوقوع الفرقة قبل الدخول باقرار الزوج فهما أتلفا عليهما ذلك النصف بشهادتهما ولو كان دخل بها بعد الزوج والمهر عليه ضمنا لها جميع المهر لانه لولا شهادتهما لكان لها جميع المهر على الزوج لان الفرقة وقعت باقراره بعد الدخول فهما أتلفا جميع المهر عليها بشهادتهما بالخلع والابراء من المهر فيضمنان ذلك لها عند الرجوع كشاهدي الابراء في سائر الديون. ولو ادعي رجل أنه تزوج امرأة على مائة درهم وقالت المرأة بل تزوجني على الف درهم وذلك مهر مثلها فاقام الزوج شاهدين بما ادعى وقضى بذلك وقد دخل بها ثم رجعا ضمنا لها تسعمائة في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما ولم يضمنا لها شيئا في قول أبى يوسف رحمه الله وهو بناء على مسألة كتاب النكاح إذا اختلفا الزوجان في المهر ومهر المثل مثل ما تقوله المرأة فعندهما القول قولها وعنده القول قول الزوج ولولا شهادة الشاهدين لكان يقضى لها على الزوج بالالف فهما أتلفا عليها بشهادتهما مقدار تسعمائة فيضمنان لها ذلك عند الرجوع وعند أبى يوسف رحمه

[ 7 ] الله القول قول الزوج في المهر فالشاهدان لم يتلفا على المرأة شيئا فبهذا يتبين أن الصحيح في معنى المستنكر عند أبى يوسف رحمه الله أن يدعى الزوج دون العشرة فاما إذا ادعى نقصانا كثيرا عن مهر المثل فالقول قوله كما فسره في هذه المسألة ولو طلقها قبل الدخول لم يضمنا لها شيئا بالاتفاق لان القول قول الزوج بعد الطلاق كما ذكره في كتاب النكاح فلا يضمنان لها شيئا لذلك وذكر في بعض نسخ الاصل يضمنان لها أربعمائة وخمسين درهما وهذا ان صح فهو بناء على ما ذكره في الجامع من تحكيم المتعة بعد الطلاق عندهما أن تكون متعتها خمسمائة فقد أتلفا عليها ما زاد على الخمسين وذلك أربعمائة وخمسون فيضمنان ذلك لها وكذلك ان كانت لم تقر بالنكاح لم يضمنا لها شيئا لانهما ما أتلفا عليها شيئا من المال انما أتلفا عليها ملك البضع بشهادتهما وقد بينا أن البضع لا يتقوم على غير المتملك ولو ادعت امرأة علي زوجها أنه صالح من نفقتها على عشرة دراهم كل شهر فقال الزوج صالحتك على خمسة فشهد شاهدان أنه صالحها على عشرة فقضى بها ثم رجعا فان كانت نفقة مثلها عشرة أو أكثر فلا ضمان عليهما لان القول قولها في مقدار نفقة مثلها فالشهود ما الزموا الزوج شيأ بغير عوض وان كانت نفقة مثلها أقل من عشرة ضمنا الفضل للزوج فيما مضى لانه لولا شهادتهما لكان القول قول لزوج في انكاره الفضل على نفقة مثلها فانما ألزماه ذلك بشهادتهما. وإذا قضى القاضى لامرأة بمهر أو متعة أو نفقة فمضت مدة ثم شهد شاهدان عليها بالاستيفاء وقضى به ثم رجعا ضمنا ذلك للمرأة لان ذلك كان دينا مستحقا لها على الزوج فنفقة الزوجة تصير دينا بقضاء القاضى وقد بينا أن الشهادة باستيفاء الدين موجب الضمان عند الرجوع وكذلك الولد وكل ذى رحم محرم ممن فرض له القاضى النفقة وهذا على رواية الجامع حيث يقول أن نفقة ذوى الارحام تصير دينا بقضاء القاضى فاما علي رواية كتاب النكاح يقول لا تصير ذلك دينا بعد مضي المدة وان قضي القاضى فعلى تلك الرواية شهود الاستيفاء لا يضمنون شيئا وقد بينا وجه التوفيق بين الروايتين فيما أملينا من شرح الجامع. ولو شهد رجلان على الطلاق ورجلان على الدخول ثم رجع شاهد الطلاق وأحد شاهدى الدخول ضمنوا جميعا نصف المهر على شاهد الدخول من ذلك نصفه والنصف الباقي عليهم أثلاثا لان في النصف الذى لزمه بشهادة شاهدى الدخول خاصة بقى أحدهما على الشهادة فتبقى الحجة في نصف ذلك النصف ببقائه فعلى الراجع منهما نصف ذلك النصف وفي النصف الباقي يبقى نصفه

[ 8 ] أيضا ببقائه على الشهادة وانما انعدمت الحجة في نصف ذلك النصف وقد كان ثبت بشهادتهم جميعا فعند الرجوع يجب ضمان ذلك النصف عليهم أثلاثا. وإذا طلق الرجل امرأته ولم يدخل بها ولم يفرض لها مهر فشهد شاهدان أنه صالحها من المتعة على عبد ودفعه إليها وقبضته وهى تنكر ذلك ثم رجعا عن شهادتهما فانهما يضمنا المتعة لها وهى ثلاثة أثواب مثل كسوتها في بيتها ولا يضمنان لها العبد لان أصل حقها هو المتعة وقد أتلفا بشهادتهما ذلك عليها فاما العبد كان ملكا للزوج لولا شهادتهما فلا يضمنان لها العبد وان شهدا عليها بقبضه لان وجوب ذلك لها بشهادتهما وهى تنكر فلا يكون لها أن تضمنهما قيمة العبد مع ما سبق من انكارها وانما تضمنهما أصل حقها وهو المتعة فان كان مهر مثلها عشرة دراهم ضمنا له خمسة دراهم لانه لا يراد بالمتعة على نصف مهر المثل فلولا شهادتهما كان لها هذه الخمسة فلهذا ضمنا لها عند الرجوع الخمسة. ولو شهد شاهدان على الطلاق وشاهدان على الدخول ولم يكن سمى لها مهرا فقضي بذلك ثم رجعوا ضمن شاهدا الطلاق نصف المتعة وشاهدا الدخول بقية المهر لان المتعة في نكاح لا تسمية فيه كنصف المسمى في نكاح فيه تسمية المهر وقد بينا أن هناك شهود الطلاق يغرمون ربع المسمى فكذلك هنا يغرمون نصف المتعة وما زاد على ذلك إلى تمام مهر المثل ثابت بشهادة شهود الدخول فيغرمون ذلك عند الرجوع. ولو شهد شاهدان على مائة درهم بعينها في يد رجل أنها لرجل آخر وآخران على مائة منها أنها له فقضى له بذلك ثم رجع أحد شاهدى المائتين ضمن خمسين لان مقدار المائة استحق بشهادته وشهادة صاحبه خاصة وقد بقى نصفه ببقاء صاحبه على الشهادة فيغرم نصفه وذلك خمسون وان رجع أحد شاهدى المائة أيضا لم يضمن شيأ لان مقدار المائة ثبت بشهادة الاربع وقد بقى اثنان على الشهادة بتلك المائة فلا يغرم الراجعان شيئا من ذلك والله أعلم بالصواب (باب عن الرجوع عن الشهادة أيضا) (قال رحمه الله وإذا شهد شاهدان ذميا لذمى على ذمى بمال أو خمر أو خنزير فقضي بذلك ثم رجعا ضمنا المال وقيمة الخمر مثل قيمة الخنزير) لان ضمان الرجوع بمنزلة ضمان الغصب والاتلاف وأهل الذمة في ذلك يستوون بالمسلمين ويضمنون في الخمر المثل وفي الخنزير القيمة وان كان الشاهدان أسلما ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا قيمة الخنزير لان الخنزير ليس من

[ 9 ] ذوات الامثال وكان الواجب عليهما ضمان القيمة بنفس الاتلاف واسلامهما لا يمنع نفوذ ذلك وفي الخمر عند محمد رحمه الله يضمنان القيمة وعند أبى يوسف رحمه الله لا يضمنان شيئا بناء على اسلام المسلمين المطلوب بعد اتلاف الخمر وقد بيناه في الغصب ولو لم يسلم الشاهدان وأسلم المشهود عليه ثم رجعا ضمنا قيمة الخنزير ولم يضمنا الخمر لان الواجب عليهما مثل الخمر واسلام الطالب يسقط الخمر لا إلى بدل فالمشهود عليه في حقهما طالب فاما اتلاف الخنزير يوجب القيمة واسلام الطالب لا يمنع بقاءها واستيفاءها ولو شهد ذميان بمال على ذمى وأسلم المشهود عليه قبل أن يقضي القاضي بشهادتهما لم يقض بها لان اسلام المشهود عليه لو اقترن بشهادتهما منع العمل بها فكذلك إذا طرأ قبل القضاء وهذا لان القاضى لا يقضى الا بحجة وشهادة أهل الذمة لا تكون حجة على المسلمين. وإذا شهد محدودان بقذف بشهادة ولم يعلم القاضى بذلك حتى قضى بشهادتهما ثم علم بذلك وليس من رأيه امضاؤه فانه يرد القضاء ويأخذ المال من المقضى له لانه ظهر له الخطأ في قضائه وهذا بناء على ان قضاء القاضى في المجتهدات انما ينفذ إذا صدر عن اجتهاد فأما إذا لم يكن عن اجتهاد وانما كان عن تلبيس واشتباه لم ينفذ وهو ظاهر المذهب على ما أشار إليه في الجامع ذكره الخصاف وقد روى عن أبى حنيفة رحمه الله ان قضاءه في المجتهدات نافذ وان لم يكن عن اجتهاد منه لانه لا ينقض قضاءه ما لم يتبين له الخطأ بيقين وفي الاجتهاد لا يتبين ذلك فعلى تلك الرواية لا ينقض القضاء. هنا أيضا (قال) وكذلك لو علم أنهما عبدان أو كافران أو أعميان أما في العبدين والكافرين فقد ظهر أن قضاءه كان بخلاف الاجماع فهو باطل وفي الاعميين الجواب مثل الجواب في المحدودين في القذف لان قضاءه حصل فيما هو مجتهد فيه وان لم يقصد الاجتهاد وقد نص على أنه قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله يعنى رد القضاء وأخذ المال من المقضى له. وإذا شهد شاهدان على رجل انه أعتق عبده وقضي القاضي بذلك ثم رجعا ضمنا قيمة العبد لانهما أتلفا عليه ملكا هو مال متقوم ولا يمنع وجوب الضمان عليهما بثبوت الولاء للمولى لان الولاء ليس بمال متقوم بل هو كالنسب فلا يكون عوضا عما أتلفا عليه من ملك المال ولو شهدا عليه أنه دبره فقضى القاضى بذلك ثم رجعا ضمنا ما نقصه التدبير لانهما أوجبا حق العتق للعبد بذلك ثم رجعا ضمنا ما نقصه التدبير لانهما أوجبا حق العتق للعبد وبذلك ينقض ملك المالية للمولى فيضمنان ذلك النقصان وقد بينا في كتاب العتاق مقدار نقصان التدبير فان مات المولى يخرج

[ 10 ] العبد من ثلثه عتق وضمن الشاهدان قيمته مدبرا لان تلف ما بقى من المال عند موت المولى حصل بشهادتهما فالتدبير موجب حق العتق في الحال وحقيقة العتق في الثلث بعد الموت وقد كان ضمنا ما أتلفاه معجلا وما زاد على ذلك كان مؤجلا فيضمنان ذلك عند تحقق الاتلاف وذلك بعد موت المولى وان لم يكن له مال غيره عتق ثلثه ويسعى في ثلثى قيمته ويضمن الشاهدان ثلث القيمة إذا عجل العبد الثلثين فان بدل ما زاد على الثلث قد سلم للورثة من جهة العبد فاتلاف الشاهدين لذلك حصل بعوض فلا يضمنانه عند الرجوع فاما مقدار الثلث أتلفاه على الورثة بغير عوض فيضمنان ثلث قيمته مدبرا ولا يرجعان بذلك الثلث على العبد لان رجوعهما غير مقبول في حق العبد وان لم يعجل العبد الثلثين من القيمة وعجز عنها فللورثة ان يرجعوا به على الشاهدين لانهما حالا بين الورثة وبين ذلك القدر من ماليته بشهادتهما والعوض في ذمة المفلس فكأنهما أتلفا ذلك بغير عوض فيضمنان للورثة كالثلث ويرجع الشاهدان بذلك على العبد لانهما قاما مقام الورثة حين ضمنا ذلك وقد كان للورثة حق الرجوع على العبد بذلك فكذلك لمن قام مقامه بخلاف ثلث القيمة وحالهما في الثلثين كحال شهود الكتابة فانهما لو شهدا عليه أنه كاتب عبده على ألف درهم إلى سنة فقضى بذلك ثم رجعا وهو يساوي ألفين أو ألفا فانهما يضمنان قيمته لانهما حالا بين المولى وبين مالية العبد بشهادتهما عليه بالكتابة فكانا بمنزلة الغاصبين ضامنين للقيمة ثم يتبعان المكاتب بالمكاتبة على نحوهما لانهما قاما مقام المولى في ذلك حين ضمنا قيمته ولا يعتق المكاتب حتى يؤدى ما عليه لانه قبل رجوع الشاهدين ما كان يعتق الا بعد أداء جميع الالف إلى المولى فكذلك حاله مع الشاهدين بعد ما ضمنا القيمة فإذا أداه عتق والولاء للذى كاتبه لان الشاهدين قاما مقام المولى في قبض بدل الكتابة منه فاداؤه اليهما كادائه إلى المولى وهذا لان رجوعهما في حق المكاتب غير صحيح وقد استحق المكاتب ان يعتق على المولى ويكون ولاؤه له فلا يبطل ذلك الحق برجوع الشاهدين وان عجز ورد في الرق كان لمولاه لان رقبته لم تصر مملوكة للشاهدين فالمكاتب ليس بمحل النقل من ملك إلى ملك فرجوعهما غير صحيح في حقه ويرد المولى ما أخذ من الشهود عليهم لان الحيلولة قد زالت بعجز المكاتب فهو نظير غاصب المدبر إذا ضمن القيمة بعد ما أبق ثم رجع فيكون مردودا على مولاه ويرد المولى على الغاصب ما أخذ منه. ولو شهد شاهدان أنه حلف بعتقه ان دخل هذه الدار وشهد آخران أنه قد دخلها فقضي بعتقه ثم

[ 11 ] رجعوا جميعا ضمن شاهد اليمين قيمة العبد ولا ضمان على شاهدى الدخول عندنا وقال زفر رحمه الله الضمان عليهم جميعا لان تلف المال حصل بشهادة الفريقين جميعا ولكنا نقول شهود اليمين أثبتوا بشهادتهم العلة الموجبة للعتق وهو قوله أنت حر وشهود الدخول انما أثبتوا شرط العتق والشرط لا يعارض العلة في احالة الحكم عليه فالحكم يضاف إلى علته حقيقة لانه واجب بها شرعا والى الشرط مجازا لانه موجود عند الشرط لابه والمجاز لا يعارض الحقيقة بل متى كانت العلة صالحة لاضافة الحكم إليها لا يضاف شئ إلى الشرط وهو نظير حافر البئر مع الملقي فان الضمان على الملقى دون الحافر وعلى القائد دون الممسك لهذا المعنى وقد بينا هذا في مسألة شهود الاحصان في كتاب الحدود ولم يذكر هنا أن اليمين لو كانت ثابتة باقرار المولى وشهد شاهدان بالشرط ثم رجعا ظن بعض مشايخنا رحمهم الله أنهما يضمنان في هذا الفصل وقالوا ان العلة لا تصلح لاضافة الحكم إليها هنا فانها ليست تتعدى فيكون الحكم مضافا إلى الشرط علي أن الشرط يجعل حلفا عن العلة هنا باعتبار أن الحكم يضاف إليه وجودا عنده وشبه هذا حفر البئر وهو غلط بل الصحيح من المذهب أن شهود الشرط لا يضمنون بحال نص عليه في لزيادات وهذا لان قوله أنت حر مباشرة الاتلاف للمالية وعند وجود مباشرة الاتلاف الحكم يضاف إليه دون الشرط سواء كان بطريق التعدي بخلاف مسألة الحفر فالعلة هناك ثقل الماشي وذلك ليس من مباشرة الاتلاف في شئ فلهذا يجعل الاتلاف مضافا إلى الشرط وهو ازالة المسكة بحفر البئر الذى في الطريق. ولو شهد شاهدان على رجل انه أعتق عبده عن مدبر منه وآخران انه أعتق عبده البتة فقضى به ثم رجعوا فضمان القيمة على شاهدي العتق ولا ضمان على شاهدى التدبير لان القضاء كان بشهادة شاهدى العتق فمنع جر العتق المضاف إلى ما بعد الموت. ولو شهد شاهدا التدبير فقضى القاضي به ثم شهد شاهدا العتق فقضى به ثم رجعوا فعلى شاهدى التدبير لان ضمان ما نقصه التدبير ذلك الجر تلف بشهادتهما حين قضي بها القاضى ويضمن شاهدا العتق قيمته مدبرا لانهما أتلفا مالية المولى بشهادتهما وعند شهادتهما كان هو مدبرا فيضمنان ذلك عند الرجوع ولو كان شاهدا العتق على الثياب شهدا أنه أعتقه قبل التدبير فاعتقه القاضى ثم رجعوا ضمن شاهدا العتق قيمته ولا ضمان على شاهدى التدبير لانه تبين أن شاهدى التدبير ما أتلفا عليه شيئا وأن القاضي أخطأ في قضائه بالتدبير حين قامت الحجة على الحرية قبل ذلك فانما حصل تلف المالية بشهادة شاهدى العتق فالضمان عليهما

[ 12 ] عند الرجوع (ألا تري) أنهما لو شهدا أنه باع عبده من هذا بالف درهم ووقتا لذلك وقتا قبل التدبير فان القاضي يبطل التدبير وينفذ البيع فان رجعوا بعد ذلك لم يضمن شهود التدبير شيئا وضمن شهود البيع فضل القيمة على الثمن لان الاتلاف في الفضل حصل بشهادتهم بغير عوض وان كانت القيمة أقل من الثمن والمشترى هو المنكر ضمنا للمشترى فضل الثمن على القيمة لانهما أتلفا عليه الفضل بغير عوض ولو كان سواء وشهدا أنه نقد الثمن والبائع منكر ثم رجعا عن البيع ولم يرجعا عن نقد الثمن لم يضمنا شيئا لانهما بالشهادة على البيع أزال ملكه عن العبد بعوض يعدله وهما ثابتان على شاهدتهما بنقد الثمن فهو وما لو شهد به غيرهما سواء ولو رجع عن نقد الثمن ضمن الثمن لانهما أقرا بالرجوع أنهما أتلفا ملك البائع في الثمن بشهادتهما عليه باستيفاء ولو كان البائع هو المدعى والمشترى يحجد لم يضمنا شيئا لانهما أدخلا في ملك المشترى ما يعدل ما ألزماه من الثمن. ولو شهد شاهدان على رجل أنه كاتب عبده على الف درهم إلى سنة وقيمته خمسمائة فاجاز القاضى ذلك ثم رجعا فاختار المولي ضمان الشاهدين فله ذلك لانهما حالا بينه وبين مالية العبد بشهادتهما وبدل الكتابة في ذمة العبد المفلس كالتاوى فان قبض المولى منهما القيمة لم يعتق المكاتب حتى يؤدي الف درهم إلى الشاهدين لانهما قاما مقام المولى في استيفاء بدل الكتابة حين ضمنهما القيمة ويتصدقان بالفضل لان ذلك ربح حصل لهما بكسب خبيث وهو شهادة الزور وان لم يجبر المولى يضمنهما ولكن جعل يتقاضى المكاتب حتى قبض منه مائة درهم أو لم يقبضها غير أنه علم برجوع الشاهدين فهذا اختيار للمكاتبة ولا يضمن الشاهدان شيئا أبدا ما خلا خصلة واحدة وهى أن تكون المكاتبة أقل من القيمة فان هنا له أن يأخذ المكاتب بالمكاتبة ويرجع على الشاهدين بفضل القيمة لانه بعد ما علم برجوع الشاهدين كان مخيرا بين تضمين الشاهدين القيمة ومطالبة المكاتب ببدل الكتابة فاختاره اتباع المكاتب بالتقاضى منه يتضمن براءة الشاهدين كما في الغصب مع غاصب الغاصب ولكن هذا في مقدار بدل الكتابة فأما ما زاد عليه إلى تمام القيمة فحقه فيه قبل الشاهدين خاصة فلا يكون اختياره اتباع المكاتب ببدل الكتابة أبرأ الشاهدين عن ذلك الفضل فلهذا يرجع عليهما به ولو شهدا أنه باع عبده من رجل بالف درهم إلى سنة وقيمته خمسمائة والمشترى يدعي ذلك والبائع يجحد فاجاز القاضى ثم رجعا فهو مخير بين أن يبيع المشترى الثمن وبين أن يضمن الشاهدين القيمة لاتيانهما الحيلولة بينه وبين ملكه في الحال والبدل لا يصل إليه الا بعد مضي الاجل فان

[ 13 ] ضمن الشاهدين القيمة قاما مقامه في الرجوع على المشترى بالثمن وتصدقا بالفضل لانه حصل لهما بكسب خبيث ولانه من وجه كالملك للثمن منهما فان استوفى منهما من القيمة وتمليك الالف بالخمسمائة ربا فلشبهه بالربا يلزمهما التصدق بالفضل وان اختار المولى ابتاع المشتري بالثمن لم يرجع على الشاهدين بشى أبدا لان ذلك منه رضا بالبيع بالثمن المؤجل. وكذلك لو تقاضى المشترى بعد رجوعهما فذلك منه رضا بالثمن في ذمة المشترى فيكون مبرئا لهما باختيار اتباع المشترى فلا يتبع الشاهدين بشئ بعده أبدا نوي ماله على المشترى أو خرج. وإذا شهد رجلان على رجل أنه حلف بعتق عبده ان في قيده عشرة أرطال وحلف الرجل بعتقه بين يدى القاضى أن لا يحل القيد أبدا فشهد شاهدان على المولى أن في قيده خمسة أرطال فاعتقه القاضى بشهادتهما ثم أطلقه من القيد ثم نظر إلى القيد فإذا فيه عشرة أرطال فان أبا حنيفة رحمه الله قال على الشاهدين قيمة العبد وهو قول أبى يوسف الاول رحمه الله وفي قوله الاخر لا ضمان على الشاهدين وهو قول محمد رحمه الله وهو بناء علي ما تقدم من اختلافهم في نفوذ قضاء القاضي شهادة الزور باطنا فعند أبى حنيفة رحمه الله لما نفذ قضاؤه ظاهرا وباطنا فانما عتق بشهادتهما قبل أن يحل القيد وعندهما لم ينفذ قضاؤه باطنا فانما عتق بحل القيد لا بشهادتهما والشهود في الصورة يشهدون بالشرط ولكن في المعنى يشهدون بتنجيز العتق لان تعليق العتق بشرط موجود تنجيز ولا يقال كيف ينفذ قضاء القاضى باطنا وظاهرا هنا وقد تيقنا بكذبهم بمعرفة وزن القيد فيكون هذا بمنزلة ما لو ظهر نص بخلاف قضاء القاضى أو ظهران الشهود عبيد أو كفار وهذا لان القاضى حين قضى بالعتق لم يكن مخاطبا بمعرفة وزن القيد حقيقة لانه لا طريق إليه ما لم يحل القيد وحل القيد معتق للعبد وقضاؤه انما ينفذ باطنا باعتبار انه سقط عنه تعرف مالا طريق له إلى معرفته وهذا موجود هنا ولو لم يحله وعلم أنهما شهدا بباطل رد في الرق عندهما لان قضاء القاضى لم ينفذ باطنا وكذلك لو هلك العبد وأقر أنهما شهدا بزور فهو وما سبق سواء لانهما رجعا عن شهادتهما في مجلس القاضى فذلك كمعرفة القاضى كذبهما أو أقوى منه في ايجاب الضمان عليهما. ولو شهد رجلان على رجل أنه أعتق عبده عام أول في من رمضان فأجاز القاضي شهادتهما وأعتقه ثم رجعا وضمنهما القيمة أو لم يضمنهما حتى شهد شاهدان انه اعتقه عام أول في شوال فانه لا تقبل شهادة الآخرين لانه حكم بعتقه بشهادة الاولين في أول يوم من رمضان (ألا ترى) ان حكمه في ذلك الوقت في جزاء

[ 14 ] جنايته وحدوده وغير ذلك حكم الاحرار فالفريق الثاني انما شهدوا باعتاق من هو محكوم بحريته وذلك لغو وعلى الاولين ضمان القيمة يوم أعتقه القاضى لانهما بالرجوع أقرا أنهما أتلفا عليه ماليته حين أعتقه القاضى بشهادتهما بالزور واقرارهما حجة عليهما فيضمنان قيمته في ذلك الوقت وكذلك لو شهدا على ان مولاه أقر به حين ولد أنه لهذا الرجل وأنكر المولى وشهد يوم شهدوا والعبد رجل شاب ثم قضي به القاضي ثم رجعا ضمنا قيمته يوم قضى القاضى لانهما أتلفا عليه ماليته فيه يومئذ ولو شهدا عليه انه أعتق عبده عام أول في رمضان فقضى به القاضي ثم رجعا ثم شهد آخران أنه اعتقه أول يوم من رمضان أول من عام الاول فان شهادة الآخرين مقبولة ولا ضمان على الاولين وهذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فاما عند أبى حنيفة رحمه الله لا تقبل شهادة الفريق الثاني لان من أصله أن الشهادة على عتق العبد لا تقبل من غير دعوى ولا مدعى لما شهد به الفريق الثاني لان العبد محكوم بحريته فلا يمكنه ان يدعى بشهادتهما والفريق الاول لا تصح منهم الدعوى لان كلامهم متناقض وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الشهادة على عتق العبد مقبولة من غير دعوى فيثبت بشهادة الفريق الثاني في عتقه في وقت سابق على الوقت الذي شهد به الفريق الاول ويتبين به انهما شهدا بانه أعتق حرا فيسقط الضمان عنهما كذلك بخلاف ما إذا كانت شهادة الفريق الثاني بالعتق بعد وقت العتق الاول حتى قالوا إذا كان هناك من يدعي حريته في وقت سابق على الوقت الذى شهد به الفريق الاول بان كان يدعى عليه حدا أو قصاصا في الطريق فان شهادة الفريق الثاني مقبولة ويسقط به الضمان عن الفريق الاول لوجود المدعى لما شهد به الفريق الثاني ولو شهدوا عليه انه طلق امرأته عام أول في رمضان قبل ان يدخل بها فقضى به القاضي وألزمه بنصف المهر ثم رجعا فضمنهما القاضى بنصف المهر ثم شهد شاهدان انه طلقها عام أول في شوال قبل ان يدخل بها لم يقبل ذلك ولم ينتفع به الاولان لانها صارت مطلقة بقضاء القاضى في وقت سابق على الوقت الذى شهد به الفريق الثاني فانما شهد به الفريق الثاني بطلاق من هي أجنبية منه في الحكم فكان ذلك لغوا ولو أقر الزوج بذلك عند القاضى لم يكن على الشاهدين ضمان ورد عليهما ما كان ضمنا له. وكذلك اقرار المولى في العتق لان المولى باقراره يزعم أنه تلف المالية عليه وتقرر نصف الصداق كان بمباشرته الطلاق والعتاق لا بشهادتهما ومباشرة ذلك رضا منه ضرورة واقراره حجة عليه فتبين به ان الشهود ما أتلفوا عليه شيئا حين قضى القاضى

[ 15 ] بشهادتهم بخلاف البينة فانها لا تكون الا بقضاء القاضي والقاضي لا يقضى بشهادة الفريق الثاني بعد ما قضى بالطلاق والعتاق في وقت متقدم بشهادة الفريق الاول ولو شهد الفريق الثاني بالطلاق في وقت متقدم على الوقت الذى شهد به الفريق الاول قبلت الشهادة لان الشهادة على الطلاق تقبل حسبة من غير دعوى وتبين بهذه الشهادة ان الفريق الاول ما اكد عليه شيئا من الصداق بشهادتهما فيسقط الضمان عنهما ولو شهدا عليه انه حلف بعتق عبده انه لا يدخل هذه الدار وأنكر ذلك المولى ثم دخل العبد الدار فقضى القاضى بعتقه ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا قيمته لانهما أثبتا سبب اتلاف المالية بشهادتهما وهو اليمين فعند وجود الشرط انما يعتق العبد باليمين لا بوجود الشرط ولو ادعى العبد أن مولاه كاتبه على ألف درهم وهى قيمته وقال المولى كاتبته على ألفين وأقام البينة فقضى القاضى بذلك على المكاتب فأداها ثم رجعا فان القاضي يضمنهما ألف درهم للمكاتب لانه لولا شهادتهما لكان القول قول المكاتب لانكاره الزيادة في قول أبى حنيفة رحمه الله الآخر فما زاد على الالف انما لزمه بشهادتهما فيضمنان له ذلك عند الرجوع ولو كان المكاتب لم يدع المكاتبة وقال مولاه كاتبته على ألفين فجحد المكاتب ذلك وأقام المولى بينة فانه لا تقبل بينته على ذلك لان البينة انما تقبل إذا كانت ملزمة وهذه بينة لا يلزم العبد شيئا فانه يتمكن من ان يعجز نفسه ليفسخ الكتابة فلا معنى لقبول البينة من المولى على ذلك ولكن يقال للمكاتب ان شئت فامض على الكتابة وان شئت فدعها وكن رقيقا بخلاف الاول فهناك يدعى العبد الكتابة فند دعواه الكتابة انما يلزمه مقدار الالفين بشهادتهما فلهذا وجب قبول شهادتهما فان كان المكاتب يدعى انه حر فجاء المولى بشاهدين فشهدا أنه كاتبه على ألفين فقضى عليه بذلك وأدى المال ثم رجعا ضمنا الالفين للمكاتب وان كانت قيمته أقل من ذلك لانهما ألزماه الالفين بشهادتهما فانه لولا شهادتهما لكان القول قول من يدعى أنه حر وقد أقر بالرجوع انهما ألزماه الالفين بغير حق بشهادتهما فيضمنان له ذلك. ولو شهد شاهدان على رجل انه عبد لهذا الرجل فقضى القاضى به ثم أعتقه على مال ثم رجعا عن شهادتهما لم يضمنا للمشهود عليه شيئا لانهما ما ألزماه مالا بالشهادة انما أبطلا حريته وألزماه لرق بشهادتهما وذلك ليس بمال وقد بينا أن ما ليس بمال لا يضمن بالمال بالشهادة الباطلة ثم العبد التزم المال باختياره حين قبل العتق بجعل وذلك لا يوجب الضمان على الشهود بخلاف الاول فقد ألزه المال هناك * يوضحه أنهما لو ضمنا انما يضمنان باعتبار قضاء

[ 16 ] القاضى برقه فذلك الضمان يكون للمولى لانه محكوم بانه عبده فماله يكون لمولاه والمولى يكذبهما في الرجوع بخلاف مسألة المكاتب فهناك انما يضمنان المال للمشهود عليه لا لمولاه وهو مصدق لهما في الرجوع. ولو شهدا على رجل انه أعتق عبده على خمسمائة وقيمته ألف درهم فاعتقه القاضى ثم رجعا فالمشهود عليه مخير ان شاء ضمن الشاهدين الالف ويرجعان على العبد بخمسمائة لانهما قاما مقام المولى في ذلك وان شاء رجع على العبد بخمسمائة وأيهما ما اختار ضمانه لم يكن له أن يرجع على الآخر بعد ذلك بشئ أبدا بمنزلة الغاصب مع غاصب الغاصب إذا اختار المغصوب منه تضمين أحدهما والله أعلم بالصواب (باب الرجوع عن الشهادة في النسب والولاء والمواريث) (قال رحمه الله وإذا ادعى رجل انه ابن رجل والاب يجحد فاقام البينة انه ابنه ولد على فراشه وأنه وارثه فقضى بذلك ثم رجعوا عن شهادتهم فلا ضمان عليهم) لانهم لم يشهدوا عليه بمال انما ألزموه النسب بشهادتهم والنسب ليس بمال ولا يدرى أيهما يموت قبل الآخر فيرثه الآخر وكذلك لو أقام شاهدين أن هذا مولاه أعتقه وهو يملكه وقال المشهود عليه أنا حر الاصل ثم رجعوا بعد القضاء بشهادتهم لم يضمنوا شيئا لانهم ألزموه الولاء بشهادتهم والولاء كالنسب ليس بمال ولو مات فورثه ثم رجعوا عن شهادتهم لم يضمنوا شيئا أبدا لان شهادتهم بالنسب أو الولاء كانت في حال الحياة وذلك لا يكون شهادة بالميراث وهذا لان استحقاق الميراث بالنسب والموت جميعا فكان حكما متعلقا بعلة ذات وصفين فانما يحال به على آخر الوصفين وجودا لان العلة تتم به وثبوت الحكم باعتبار كمال العلة وهذا بخلاف ما إذا شهد واحد ثم آخر فقضى القاضى ثم رجعا فانهما يضمنان ولا يحال بالاتلاف على شهادة الثاني لان الشهادة لا توجب شيئا بدون القضاء وانما يقضى القاضى بشهادتهما جميعا فهو وما لو شهدا معا سواء وهنا السبب قد ثبت قبل الموت ثم الموت لم يكن مشهودا به واستحقاق الميراث به لانه آخر الوصفين وجودا ولو شهدا على رجل أنه ابن هذا القتيل لا وارث له غيره والقاتل يقر أنه قتله عمدا يقضي القاضى بالقصاص وقتله الابن ثم رجعوا عن شهادتهم فلا ضمان عليهم في القصاص لان القصاص ليس بمال فلا يضمنونه للورثة المعروفين وان أتلفوه بشهادتهم عليهم كما لو شهدوا بالعفو عن القصاص على المولى يضمنون كل مال ورثه هذا الابن من القتيل لورثته

[ 17 ] المعروفين لانهم شهدوا بالنسب بعد الموت فكان المشهود به متمما علة استحقاق الميراث فانما يحال باستحقاق الميراث على شهادتهم وقد أقروا بالرجوع ثم أنهم أتلفوه على الورثة المعروفين بغير حق ولو رجع شهود العفو قبل أن يقضى القاضى بها كان القصاص واجبا على حاله لان الشهادة لا توجب شيأ ما لم يقض القاضي بها ولا يتمكن القاضى من القضاء بها بعد ما رجعوا ولو شهدوا لرجل مسلم كان أبوه كافرا أن أباه مات مسلما وللميت ابن كافر فقضى القاضى بمال ابنه للمسلم ثم رجعوا عن شهادتهم ضمنوا الميراث كله للكافر لانه لولا شهادتهم لكان القول قول الابن الكافر والميراث كله له لانه عرف كفر أبيه في الاصل فانما صار الميراث كله مستحقا للابن المسلم بشهادتهما فعند الرجوع يضمنان ذلك. ولو أسلم كافر ثم مات وله ابنان مسلمان كل واحد منهما يدعى أنه أسلم قبل موت أبيه وأقام كل واحد منهما شاهدين فورثهما القاضى ثم رجع شهود أحدهما ضمنوا جميع ما ورثه الآخر لان الآخر ببينته أثبت استحقاق جميع الميراث لنفسه لو لا شهادتهما فالمشهود له انما أخذ نصف ذلك بشهادتهما له وقد أقر بالرجوع انهما شهدا بغير حق وكذلك ان مات رجل عن أخ معروف فادعى آخر أنه ابنه وشهد له به شاهدان وحكم له بالميراث ثم رجعا ضمنا جميع ذلك للاخ لان الاخ كان مستحقا بجميع الميراث لو لا شهادتهما بنسب الابن وقد أقر بالرجوع أنهما أتلفا ذلك عليه بغير حق. ولو كان صبى في يد رجل لا يعرف أنه حر أو عبد فشهد شاهدان على اقراره انه ابنه فاثبت القاضى نسبه منه ثم مات الرجل فقضى له بميراثه ثم رجعا لم يضمنا شيأ لانهما شهدا بالنسب في حياته واستحقاق الميراث انما يحال به على آخر الوصفين وجودا وهو الموت دون ما شهدا به وكذلك لو شهدا لامرأة بالنكاح على مهر مثلها فقضى به ثم مات الرجل فورثت منه ثم رجعا فلا ضمان عليهما ولو كانت الشهادة بعد الموت ضمنا جميع ما أخذته المرأة لان آخر الوصفين ما شهد به الشهود هنا وبه يتم علة استحقاق الميراث. ولو كان في يد رجل عبد صغير وأمة فشهد شاهدان أنه أقر أن الصبي ابنه وشهد آخران أنه أعتق هذه الامة ثم تزوجها على الف درهم وهو يجحد ذلك فقضى القاضى بجميع ذلك ثم مات الرجل عن بنتين سوى الصبي فقضى القاضى للمرأة بالمهر وقسم المال بينهم على الميراث ثم رجع الشهود عن شهادتهم فان شهود الابن يضمنون قيمة الابن للورثة الا نصيب الابن منها لانهم أتلفوا ملكه في العبد بشهادتهم فانه لو لا شهادتهم لكان القول قوله أن الصغير عبده فانه لا يعبر عن نفسه

[ 18 ] وقد أقر عند الرجوع أنهما أتلفا عليه ذلك بغير حق فيضمنان قيمته للمولى ويصير ذلك ميراثا عنه لورثته لا أنه يطرح عنهما حصة الابن المشهود له لانه يكذبهما في الرجوع ويزعم أنهما كانا صادقين في الشهادة بنسبه وانه لا ضمان عليهما وزعمه معتبر في نصيبه ويضمن شهود الامة قيمة الامة الا ميراث الامة منها لهذا المعنى لا يضمنون غير ذلك الا أن يكون المهر أكثر من مهر مثلها فيضمنون الفضل لاقرارهم أنهم الزموه ذلك الفضل بغير عوض ولكن يطرح من ذلك حصتها منه بميراثها لانها تكذبهم في الرجوع وتصدقهم في الشهادة فيعتبر زعمها في حصتها ولا ضمان علي أحد من الشهود فيما أخذ المشهود له من الميراث لما بينا أنهم شهدوا بالنسب والنكاح في حالة الحياة. وإذا مات الرجل فادعى رجل أنه أوصى له بالثلث من كل شئ وأقام شاهدين فقضى له ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا الثلث لان المشهود له استحق الثلث بشهادتهما فكذلك لو شهدوا أنه أوصى له بالثلث في حياة الميت ولم يختصموا في ذلك حتى مات وفي هذا نوع اشكال فالوصية أخت الميراث وقد بينا أنهم لو شهدوا بالنسب في حال الحياة لم يضمنوا شيئا بعد الموت. وإذا شهدوا بالوصية ضمنوا لان استحقاق الوصية عند الموت بالعقد لا بالموت فان الملك للموصى له ملك متجدد ثابت بالعقد بخلاف الميراث فانه خلافه على معنى أنه يبقى للوارث من الملك ما كان ثابتا للمورث وهذه الخلافة لا تتحقق الا بالموت * يوضح الفرق أن الشهادة بالنسب في حالة الحياة وان كانت توجب الميراث بعد الموت ففيها معنى المعاوضة لجواز أن يموت المشهود له أولا فيرثه المشهود عليه فلهذا لا يجب الضمان على الشهود ولا تتحقق مثل هذه المعاوضة في الشهادة بالوصية بالثلث فكان هذا بمنزلة الشهادة على النسب بعد الموت فيكون موجبا للضمان عليهما إذا رجعا ولو شهدا بعد موته أنه أوصى بهذه الجارية لهذا المدعى وهى تخرج من ثلثه فقضى له بها فاستولدها ثم رجعا عن الشهادة ضمنا قيمتها يوم قضي بها ولم يضمنا العقر ولا قيمة الولد لانهما أتلفا ملك الرقبة على الورثة بشهادتهما الملك للموصى له فيضمان قيمة الرقبة كذلك بمنزلة مالو شهدا بالهبة والتسليم في حياة صاحبها وكذلك لو ولدت من غيره لم يضمنا للورثة شيئا من قيمة الولد لانهم ما استحقوا الولد لاستحقاق لا يثبت الا بعد الوجود وعند وجود لولد هي مملوكة للموصى له بحكم الحاكم دون الورثة وان كانت ميتة فالقول في قيمتها قول الشاهدين في قيمتها لانكارهما الزيادة؟ وان كانت حية فقال الشاهدان قد ازدادت قيمتها لم يصدقا على ذلك وضمنا قيمتها اليوم الا أن يقيم البينة علي ما قالا لان قيمتها

[ 19 ] في الحال دليل ظاهر على قيمتها فيما مضى والبناء على الظاهر واجب وعلى من يدعى خلاف الظاهر اقامة البينة فان أقام البينة أخذ بذلك الا أن تقيم الورثة البينة على ان قيمتها يوم شهدا أكثر مما قال شهودهما فيؤخذ ببينة الورثة لما فيها من اثبات الزيادة. ولو شهدا ان الميت أوصى إلى هذا في تركته فقضى القاضى بذلك ثم رجعا لم يضمنا شيئا لانهما ما أتلفا على الميت ولا على الورثة شيئا بشهادتهما انما نصبا من يحفظ المال عليهم ويقوم التصرف فيه لهم وذلك غير موجب اتلاف شئ عليهم فان استهلك الوصي المال فهو ضامن لانه كان أمانة في يده ولا ضمان على الشاهدين لانهما لم يشهدا على استحقاق في علمه المال بعينه وانما أتلف المال باستهلاك الوصي باختياره فيكون ضمانه عليه والله أعلم (باب الرجوع عن الشهادة على الشهادة) (قال رحمه الله وإذا شهد شاهدان علي شهادة أربعة وشاهدان على شهادة شاهدين بحق فقضي به ثم رجعوا فعلى الشاهدين الذين شهدوا على شهادة الاربعة الثلثان وعلى الشاهدين الآخرين الثلث في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله الضمان علي الفريقين نصفين) لان شهادة كل فريق على شهادة غيره في حكم الضمان عند الرجوع بمنزلة شهادته على شهادة نفسه (ألا ترى) ان الاتلاف يحصل بشهادة كل فريق إذا انفرد سواء شهد على شهادة نفسه أو على شهادة غيره وسواء شهد على شهادة شاهدين أو شهادة أربعة فلما استويا في علة الاتلاف يستويان في الضمان عند الرجوع وهذا لان شهادة الاثنين على شهادة الاربعة أضعف من شهادتهما على الحق بعينه لانهما في الشهادة على الحق بعينه يشهدان على معاينة وفي الشهادة على شهادة الاربعة يشهدان عن خبر ثم لو شهدا على الحق بعينه وشهد آخران كذلك ثم رجعوا كان الضمان على الفريقين نصفين كذا هنا وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله قال اللذان شهدا على شهادة الاربعة في الصورة اثنان وفي المعنى أربعة لان القضاء يكون بشهادة الاصول لا بشهادة الفروع ولهذا يعتبر عدالة الاصول وهذا لان الفروع ينقلون شهادة الاصول إلى مجلس القاضي فكان الاصول حضروا بانفسهم وشهدوا وإذا ثبت هذا كان بمنزلة ما لو شهد أربعة على الحق واثنان على الحق ثم رجعوا جميعا بعد القضاء فيكون الضمان عليهم أسداسا ثم ما يجب على الاربعة لو حضروا وشهدوا يقضى به على من

[ 20 ] أثبت شهادتهم في مجلس القاضى بشهادته وهما اللذان شهدا على شهادة الاربعة قال (ألا ترى) أن أربعة لو شهدوا على شهادة اثنين وشهد اثنان على شهادة اثنين ثم رجعوا بعد القضاء أن نصف الضمان على الاربعة ونصفه على الاثنين وما كان ذلك الا باعتبار عدد الاصول دون الفروع وكذلك في الفصل الاول الا أن محمدا رحمه الله يفرق بينهما ويقول شهادة الاربعة على شهادة المثنى أضعف من شهادتهم على الحق بعينه فلهذا لا يجب عليهم ما يلزمهم أن لو شهدوا على الحق بعينه وفي الاول كذلك يقول شهادة الاثنين على شهادة الاربعة أضعف من شهادتهما على الحق فلا يجوز أن يلزمهما به أكثر مما يلزمهما أن لو شهدوا على الحق بعينه فانما أنظر في الوجهين إلى الاقل مما يلزم الشهود بشهادتهم وشهادة من شهدوا على شهادته فالزمهم الاقل من ذلك وهذا نوع استحسان فيه والقياس ما ذهب إليه أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله. وإذا شهد شاهدان على شهادة شاهدين وشاهدان على شهادة شاهدين فقضى القاضى بذلك ثم رجع واحد من هؤلاء وواحد من هؤلاء فعلى الراجعين ربع المال لان ببقاء أحد الشاهدين من أحد الفريقين يبقى نصف المال فانه مع صاحبه كان حجة تامة في جميع المال فيبقى ببقائه نصف المال وكذلك بقاء الواحد من الفريق الآخر يبقى نصف المال الا أن هذا النصف شائع نصفه مما هو باق بشهادة الواحد من الفريق الاول فانما يعتبر بقاء نصف هذا النصف ببقائه على الشهادة وانما انعدمت الحجة في ربع المال فيضمن الراجعان ذلك (وقع) في بعض النسخ فعلى كل واحد من الراجعين ربع المال ووجهه أنهم لو رجعوا جميعا ضمن كل واحد منهم ربع المال وبقاء المثنى هنا على الشهادة لم تبق الحجة بجميع المال فيجب على الراجعين ما يلزمهما لو رجعوا وذلك نصف المال وقيل هذا قول أبى يوسف رحمه الله فأما عند محمد رحمه الله على الراجعين ثمنان ونصف على ما ذكره في الجامع وهى مسألة الفئة معروفة بناء على اعتبار حال من بقى على الشهادة في القوة والضعف فقد ذكر هناك مسألة الرجوع لا كمال الحجة فيها وجه واحد واوجب على الراجعين ثلاثة أثمان المال وذكر مسألة لا كمال الحجة فيها ثلاثة وجوه وأوجب على الراجعين ثمني المال ثم قال في هذه المسألة لاكمال الحجة وجهان أن يشهد واحد على شهادة هذين أو يشهد واحد على شهادة الآخرين فكان حال من بقى على الشهادة في هذا الفصل دون حاله في الوجه الثاني وفوق حاله في الوجه الاول فباعتبار ذلك أوجب على الراجعين ثمنين ونصفا وقد بينا ذلك فيما أمليناه من شرح الجامع. وإذا شهد شاهدان على

[ 21 ] شهادة شاهدين فقضى به القاضى ثم ان الشاهدين الاولين أتيا القاضى فقالا لم نشهدهم على شهادتنا فقضاء القاضى ماض على حاله لان انكارهما الاشهاد خبر متمثل بين الكذب والصدق فلا يبطل قضاء القاضى كما لو شهدا بانفسهما وقضى القاضى ثم رجعا ولكن لا ضمان عليهما هنا لانهما ينكران سبب الاتلاف وهو الاشهاد على شهادتهما ولو قال كنا أشهدناهم على شهادتنا ولكنا رجعنا عن ذلك فكذلك الجواب عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله هما ضامنان للمال لان الفرعين قاما مقامهما في نقل شهادتهما إلى مجلس القاضى فاما القضاء حصل بشهادة الاصلين ولهذا تعتبر عدالتهما فكأنهم حضرا بانفسهما وشهدا ثم رجعا فيلزمهما الضمان وهما قال الموجود منهما شهادة في غير مجلس القضاء والشهادة في غير مجلس القضاء لا تكون سببا لاتلاف شئ فلا يلزمهما الضمان وان رجعا عن ذلك لان الشهادة تختص بمجلس القضاء كالرجوع وقد بينا أن الرجوع في غير مجلس القضاء لا يوجب الضمان على الشهود فكذلك الشهادة في غير مجلس القضاء ولا نقول أن الفروع نائبون عن الاصول في نقل شهاتهم إلى مجلس القاضى فانهم بعد الاشهاد لو منعوهم عن أداء الشهادة كان عليهم الاداء إذا طلب المدعى ولو كانوا نائبين عن الاصول لما كان لهم ذلك إذا منعهم الاصول عن الاداء ولكنهم يشهدون على ما تحملوا وهو اشهاد الاصول اياهم على شهاتهم ولو شهدوا على الحق بعينه ما كانوا نائبين فيه عن أحد فكذلك إذا شهدوا على شهادة الاصول ولو رجع الفروع والاصول جميعا فالضمان على الفروع خاصة في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لما بينا أن سبب الاتلاف الشهادة القائمة في مجلس القاضى وانما وجد ذلك من الفروع دون الاصول فالضمان عليهم عند الرجوع وعند محمد رحمه الله المشهود عليه بالخيار ان شاء ضمن الفروع وان شاء ضمن الاصول لان كل واحد من الفريقين لو رجع وحده كان ضامنا للمال المقضى به عند محمد رحمه الله فإذا رجع الفريقان يجعل في حق كل فريق كأنه هو المنفرد بالرجوع ويتخير المشهود عليه لانه لا يجانس بين شهادة الفريقين فقد كانت شهادة الاصول على أصل الحق وشهادة الفروع على شهادة الاصول ولا مجانسة بينهما ليجعل الكل في حكم شهادة واحدة فيكون الضمان عليهم جميعا بل يجعل كل فريق كالمنفرد للمشهود عليه بالخيار يضمن أي الفريقين شاء كالغاصب مع غاصب الغاصب للمغصوب منه أن يضمن أيهما شاء والله أعلم

[ 22 ] (باب الرجوع عن الشهادة في الحدود وغيرها) (قال رحمه الله وإذا شهد شاهدان على رجل بسرقة ألف درهم بعينها فقطعت يده ثم رجعا ضمنا دية اليد في مالهما ولا قصاص عليهما عندنا) لان لوجوب منهما بسبب القصاص والقصاص يعتمد المساواة ولا مساواة بين المباشرة والسبب ولان اليدين لا يقطعان بيد واحدة هكذا ذكره إبراهيم رحمه الله عن على رضى الله عنه قال لا يقطع يدان بيد فإذا امتنع وجوب القود عليهما ضمنا دية اليد في مالهما لان رجوعهما عن الشهادة قول وهو ليس بحجة في حق العاقلة وضمنا الالف أيضا لانهما أتلفاه على المشهود عليه وكذلك كل قصاص في نفس أو دونها والشافعي رحمه الله يوجب القود على الشهود عند الرجوع والمسألة في الديات. ولو شهد أربعة على رجل بالزنا ولم يحصن فجلده الامام وجرحته السياط ثم رجعوا عن الشهادة فعند أبى حنيفة رحمه الله ليس عليهم أرش الجراحة خلافا لهما وقد بينا في الحدود. ولو لم تجرحه السياط فلا ضمان عليهم بالاتلاف كما لو باشروا ضربا غير مؤثر وعلى هذا حد القذف وحد الخمر والتعزير. ولو شهد رجلان على رجل انه أعتق عبده وشهد عليه أربعة بالزنا والاحصان فاجاز القاضى شهادتهم وأعتقه ورجمه ثم رجعوا فعلى شهود العتق قيمة العبد لمولاه لانهم أتلفوا مالية المولى فيه بشهادتهم بالعتق وعلى شهود الزنا الدية لمولاه أيضا ان لم يكن له وارث غيره لانهم أتلفوا نفسه بشهادتهم عليه بالزنا والاحصان بغير حق فان (قيل) المولى كان جاحدا للعتق فكيف يضمنون الشهود الدية (قلنا) لان القاضى حكم بعتقه وزعم المولى بخلاف ما قضى القاضى بعد قضائه غير معتبر فان (قيل) كيف يجب للمولى بدلان عن نفس واحدة (قلنا) وجوب القيمة على شهود العتق بدل عن المالية ووجوب الدية باعتبار النفسية ثم الدية لا تجب للمولى ولكن للمقتول حتى تنفذ منه وصاياه ويقضى ديونه (ألا ترى) انه لو كان له ابن حر كانت الدية له دون مولاه أرأيت لو شهدوا أنه ابنه وشهد آخرون بالزنا والاحصان ثم رجعوا أما كان على شهود النسب القيمة وعلى شهود الزنا الدية وكذلك لو كان شاهدا العتق بعض شهود الزنا فعليهما من القيمة حصتهما من الدية لان المشهود به مختلف فاتحاد الشهود في ذلك واختلافهم سواء. وكذلك لو كان شهود العتق رجلا ووامرأتين لان العتق ليس بسبب للحد وهما مما يثبت مع الشبهات فشهادة رجل وامرأتين به كشهادة رجلين ولو شهد أربعة على العتق والزنا والاحصان

[ 23 ] فامضى القاضى ذلك كله ثم رجعوا عن العتق ضمنوا القيمة لاقرارهم بالرجوع لانهم أتلفوا مالية المولى فيه بغير حق ولا شئ عليهم من الدية لانهم مصرون على الشهادة عليه بالزنا وفي حق العتق هم بمنزلة شهود لاحصان ورجوع شهود الاحصان لا يوجب الضمان عليهم عندنا ولو رجع اثنان عن الزنا واثنان آخران عن العتق فلا ضمان على شهود العتق لانه قد بقى على العتق حجة كاملة وعلى اللذين رجعا عن الزنا نصف الدية لان الباقي على الشهادة في حكم الرجم نصف الحجة فيجب على الراجعين نصف الدية وحد القذف. ولو شهد أربعة على رجل بالزنا والاحصان فقضى القاضي بذلك وأمر برجمه فرجعوا عن الشهادة وقد جرحته الحجارة وهو حى فان القاضى يدرأ عنه الرجم بمنزلة ما لو رجعوا قبل أن يأخذوا في رجمه وهذا لان الامام لا يتمكن من استيفاء الحد الا بحجة قائمة ولم تبق الحجة بعد رجوعهم وهم ضامنون أرش جراحته لان ذلك مما استحق بشهادتهم فضمانه عليهم عند الرجوع. ولو شهدا أنه صالحه من دم عمدا على ألف درهم ثم رجعا لم يضمنا شيئا أيهما كان المنكر للصلح لانه إذا كان المنكر للصلح هو المولى فقد شهدا عليه بسقوط حقه بعوض وقد بينا أنهما لو شهدا عليه بالعفو بغير عوض ثم رجعا لم يضمنا فهذا أولى وان كان المنكر هو القاتل فقد سلم له بنفسه وما ألزماه من العوض دون بدل نفسه وقد بينا تقوم النفس في حقه ولهذا لو صالح في مرضه على قدر الدية أو دونه اعتبر من جميع المال فلا يضمنان له شيئا لذلك. ولو شهدا أنه صالحه على عشرين ألفا والقاتل يجحد ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا الفضل على الدية لانهما الزماه ما زاد على الدية بغير عوض. وكذلك هذا فيما دون النفس ان شهدوا على الصلح على مقدار الارش أو دونه لم يضمنا عند الرجوع شيئا وان شهدا على الصلح على أكثر من الارش ضمنا الفضل للجارح إذا كان جاحدا لذلك. ولو قال الطالب صالحتك على ألف درهم وقال المدعى عليه بل على خمسمائه فالقول قوله مع يمينه لانكاره الزيادة فان أقام الطالب بينة على ألف درهم فقضى له بها ثم رجع شهوده ضمنوا الخمسمائة التى وجبت بشهادتهم لانه لو لا شهادتهم لكان القول قول المنكر فانما لزمته تلك الزيادة بشهادتهم. وإذا شهد شاهدان على رجل أنه عفا عن دم خطأ أو جراحة خطأ أو عمدا فيها أرش فقضى بذلك ثم. رجعا ضمن الدية وأرش تلك الجراحة لانهما أتلفا على المشهود عليه المال بشهادتهما فالخطأ موجب للضمان فيضمنان ذلك عند الرجوع ولكن بالصفة التى كانت واجبة وقد كانت

[ 24 ] الدية واجبة مؤجلة في ثلاث سنين فيجب عليهما ضمانها في ثلاث سنين أيضا وما بلغ من أرش الجراحة خمسمائة فصاعدا إلى ثلث الدية في سنة وما زاد على ذلك إلى الثلث ففى سنة أخرى وان كان الارش أقل من خمسمائة ضمناه حالا. وكذلك الدية ان كانت قد وجبت حالة ولم يؤخذ منها شئ فشهدا أنه أبرأه منها وقضي بالبراءة ثم رجعا ضمنا ذلك حالا لانهما كذلك أتلفاه بشهادتهما على المشهود عليه (ألا ترى) أنهما يضمنان الجيد بمثله والرديئ بمثله وهذا لان وجوب الضمان عليهما بطريق الجبران وانما يتحقق ذلك إذا كان الضمان نصفه الفائت. وإذا شهد شاهدان على عبد في يد رجل أنه لفلان فقضى القاضى له به والذى في يده العبد يجحد ذلك ثم رجعا وضمنهما القاضى القيمة فادياها أو لم يؤدها حتى وهب المشهود له العبد من المشهود عليه وقبضه فان الشاهدين يبرآن من الضمان ويرجعان فيما أديا لان وجوب الضمان عليهما لاجل الجبران وقد انعدمت الحاجة إلى ذلك برجوع العبد إلى يد المولى من غير عوض وهو يزعم أن العبد سلم له بملكه القديم لا بالهبة التى باشرها المشهود له فزعمه معتبر في حقه فان رجع الواهب في العبد وقبضه رجع المشهود عليه بالضمان على الشاهدين لان فوات ملكه ويده كان بسبب شهادتهما لولا ذلك لما تمكن المشهود له من استرداد العبد منه ولان الهبة لما انفسخت بالرجوع صارت كان لم تكن. وان مات المشهود له فورث المشهود عليه منه العبد رجع عليه الشاهدان بما أعطياه من القيمة لانه يزعم أن وصول العبد إلى يده بقديم ملكه لا بالموت. وكذلك لو كان العبد قتل فاخذ المشهود له القيمة فورث المشهود عليه منه تلك القيمة لان عود بدل العبد إليه كعود عينه، وكذلك لو ورث مثلها من تركته لان في زعمه أن القيمة دين له على المشهود وانه استوفى تركته بحساب الدين دون الميراث وكذلك ان كان معه وارث آخر وفي حصته من تركة الميت وفاء بالقيمة ففى حقه يجعل ذلك سالما له بجهة دينه كما يزعم وينعدم النقصان بسببه فلا يجب ضمانه على المشهود بطريق الجبران. ولو شهد شاهدان على رجل انه تزوج هذه المرأة على ألف درهم وهى مهر مثلها والزوج يجحده فقضى القاضى بذلك ثم طلقها عند القاضى ثم رجعا فلا شئ عليها لانهما أدخلا في ملكه ما هو مثل لما ألزماه فالبضع عند دخوله في ملك الزوج تقوم ثم تقرر نصف الصداق على الزوج كان بايقاعه الطلاق باختياره. ولو كان الزوج قال تزوجتها بغير تسمية مهر كان على الشاهدين فضل ما بين المتعة إلى الخمسمائة التى غرمها الزوج لان النكاح قد ثبت هنا

[ 25 ] بتصادقهما والقول قول المنكر للتسمية لولا شهادتهما ولا يلزمه أكثر من المتعة عند الطلاق فما زاد على المتعة إلى تمام الخمسمائة انما لزمه بشهادتهما فيضمنان ذلك له عند الرجوع ولو شهد آخران على الدخول قبل الطلاق ثم رجعوا فعلى شهود الدخول خمسمائة خاصة لان تلك الخمسمائة انما لزمته قبل الطلاق بشهادتهما عليه بالدخول وعليهما وعلى الشاهدين بالالف فضل ما بين المتعة والخمسمائة نصفان لان لزوم ذلك القدر اياه بشهادة الفريقين جميعا. ولو شهد آخران أيضا على الطلاق فقضى القاضى بجميع ذلك ثم رجعوا فعلى شاهدى الدخول خمسمائة لان لزوم ذلك بشهادتهما خاصة وعليهما أيضا وعلى شاهدى التسمية فضل ما بين المتعة إلى نصف الاول وعلى شاهدى الدخول وشاهدي التسمية وشاهدي الطلاق قدر المتعة أثلاثا على كل شاهدين ثلث ذلك لان تقرر ذلك القدر كان بشهادتهم جميعا ولو شهد شاهدان على رجل انه تزوج امرأة على ألف درهم ومهر مثلها خمسمائة وشهد آخران على الدخول وآخران على الطلاق والزوج يجحد ذلك كله ثم رجعوا فعلى شاهدي النكاح خمسمائة لانهما ألزماه ألفا وعوضاه من ذلك ما يساوى خمسمائة فما زاد على ذلك أتلفاه بغير عوض فيضمنان ذلك له وليس عليهما غير ذلك (ألا ترى) أنهما لو شهدا عليه بالنكاح بخمسمائة لم يضمنا شيئا فاما في الخمسمائة الباقية فيضيف ذلك على شاهدى الدخول خاصة لان ذلك انما لزمه بشهادتهما على الدخول فالخمسمائة التى ضمنهما شهود العفو شائعة فكذلك الخمسمائة الاخرى تكون شائعة نصف ذلك مما يتقرر عليه بالدخول فيجب ضمان ذلك على شاهدى الدخول ونصف هذه الخمسمائة عليهما وعلى شاهدى الطلاق نصفان لان تقرر ذلك عليه بشهادة الفريقين وإذا شهد أربعة نفر على رجل بحق فشهد عليه اثنان بخمسمائة واثنان بالف فقضى به القاضي ثم رجع أحد شاهدى الالف فعليه ربع الالف لان نصف الالف ثبت بشهادته وشهادة صاحبه على الشهادة وانما انعدمت الحجة في نصفه فان رجع معه شاهد الخمسمائة كان على شاهدى الالف ربع الالف كما بينا وعليه أيضا وعلى الآخرين ربع سهم أثلاثا لان الشهود على النصف الآخر كانوا أربعة وقد بقى نصفه ببقاء الواحد على الشهادة فيجب على الذين رجعوا نصف ذلك النصف بينهم اثلاثا وان رجع أحد شاهدي الخمسمائة وحده أو هما جميعا فلا شئ عليهما لانه قد بقى على الشهادة بتلك الخمسمائة من يتم الحجة بشهادته وان رجعوا جميعا كان على شاهدي الالف خمسمائة خاصة لان ذلك يستحق بشهادتهما خاصة والخمسمائة الاخرى عليهم

[ 26 ] أثلاثا أرباعا لانها ثابتة بشهادة الاربعة فعند الرجوع ضمانها عليهم ارباعا وان رجع شاهدا الالف وأحد شاهدي الخمسمائة فنصف الالف على شاهدى الالف خاصة والربع عليهم أثلاثا لان الحجة بقيت في ربع الالف ببقاء أحد شاهدى الخمسمائة على شهادته وإذا شهد على مجهول الحال انه عبد لهذا الرجل فقضى بشهادتهما ثم رجعا فلا شهادة عليهما للعبد لانهما أبطلا عليه الحرية الثابتة له باعتبار الظاهر والحربة ليست بمال ولانهما لو ضمنا انما يضمنان للعبد وما يكون للعبد فهو لمولاه منكرا لرجوعهما فان كان العبد كاتب نفسه على مال أو اشترى نفسه بمال ثم رجع فلا شئ له على الشاهدين لانهما لو رجعا قبل العتق والمكاتبة لم يضمنا شيئا فكذلك بعده ولان هذا المال التزمه العبد باختياره فلا يستوجب الرجوع به على الشاهدين. رجل مات وترك عبدين وأمة ومالا فشهد شاهدان أن هذا الرجل أخوه لابيه وأمه ووارثه لا وارث له غيره فقضي بالمال له والعبدين والامة ثم شهد شاهدان بعد ذلك ان أحد العبدين بعينه ابن الميت فاجاز القاضى شهادتهما وأعطاه الميراث كله ثم شهد آخران أن العبد الثاني ابن الميت فقضي به أيضا ثم شهد آخران أن الميت أعتق هذه الامة وتزوجها في حياته وصحته فقضى بذلك وجعلها وارثة معهم ثم رجع اللذان شهدا للعبد الاول ضمنا قيمته بين الابن الآخر والمرأة أيمانا لانه لولا شهادتهما لكانت رقبة المشهود له بين الآخر والمرأة على ثمانية فانما تلف ذلك عليهما بشهادتهما فقد أقرا بالرجوع أنهما أتلفا ذلك بغير عوض وكذلك لو لم يرجع ورجع شهود الابن الثاني ضمنا قيمته بين الابن الاول والمرأة أثمانا لما قلنا ويضمنان ميراثه لاخته دون المرأة لان جميع الميراث كان مستحقا له بقضاء القاضي قبل شهادتهما فانما أتلفا عليه ذلك بشهادتهما وما أتلقا شيئا من الميراث على المرأة بشهادتهما لان استحقاقها عند الشهادة لم يكن ثابتا وانما ثبت بالبينة على نكاحها بعد ذلك ولهذا في الفصل الاول لا يضمن الشهود شيأ مما يورث الابن الاول لانهما لم يثبتا استحقاق ذلك على الابن الثاني والمرأة بشهادتهما فالاستحقاق لم يكن ظاهرا عند شهادتهما وانما ثبت بثبوت سببه بعد ذلك ولا يضمنان للاخ أيضا لان ما استحق بشهادتهما على الاخ مستحق عليه بشهادة غيرهما ففى حق الاخ بقيت الشهادة حجة تامة في حق استحقاق الميراث عليه ولو لم يرجع هذان ورجع شاهدا المرأة ضمنا قيمتها وميراثها بين الابنين لانهما أتلفا بشهادتهما ملك الابنين في رقبتها وأثبت استحقاقها الميراث عليهما بشهادتهما بالنكاح وقد

[ 27 ] أقرا بالرجوع أنهما شهدا بذلك كله بغير حق وان كان الشاهدان للمرأة هما الشاهدان على نسب الابن الاول والابن الآخر ثم رجعوا عن الشهادة كلها كان الضمان عليهم كذلك لان المشهود به مختلف فلا فرق بين اتحاد المشهود واختلافهم في ذلك وسواء رجعوا معا أو متفرقين لان أصل الشهادة كان مختلفا بعضها قبل بعض والضمان عليهم عند الرجوع باعتبار الشهادة السابقة. ولو شهد شاهدان على ذلك كله معا وبعضهم لا يصدق بعضا ثم رجعا ضمنا ثمن المرأة وقيمتها بين الاثنين لانهما أتلفا على الاثنين فلولا شهادتهما بذلك لكان ذلك مستحقا للاثنين بقضاء القاضى بينهما ويضمنان من قيمة كل ابن لصاحبه سبعة أسهم من ثمانية أسهم وللمرأة الثمن كما لو شهد بكل شى شاهدان آخران وكذلك لو رجعا عن الشهادة واحد بعد واحد كان الحكم كما بينا والله أعلم (باب من الرجوع أيضا) (قال رحمه الله رجل له جاريتان لكل واحدة منهما ولد ولدته في ملكه فشهد شاهدان لا حد الابنين أن الرجل أعاده وهو منكر وشهد آخران للولد الآخر بمثل ذلك فقضي القاضى بايهما أتياه وجعل الامتين كالولد ثم رجعوا عن شهادتهم والولد حي ضمن كل شاهدين منه قيمة الولد الذى شهدوا له وبين قيمتها أمة إلى قيمتها أم ولد لانهما أتلفا عليه ذلك القدر بشهادتهما فالثابت في شهادتهما في حياته حرية الولد ونقصان الاستيلاء في الام فإذا غرما ذلك واستهلكه الاب ثم مات ولا وارث له غيرهما وكل واحد من الاثنين يجحد صاحبه ضمن كل شاهدين للولد الآخر نصف قيمة أم الولد الذى شهدوا له لانها عتقت عند الموت بشهادتهما فيضمنان ما بقى من قيمتها الا أن ذلك ميراث بين الابنين نصفان والابن المشهود له يصدقهما في الشهادة ويكذبهما في الرجوع فسقطت حصته من ذلك فانما يبقى على كل فريق حصة الابن الآخر لانه مدعى لذلك عليهما ويرجع شاهدا كل ولد في الميراث الذى ورثه الولد الذى شهدا له بجميع ما أخذ منهما الوالد في حياته لان المشهود له يقران ذلك دينا لهما على الاب وانه قد استوفى ذلك منهما بغير حق لانهما صادقان في الشهادة وأحد الوارثين إذا أقر بدين على الميت يستوفي جميع ذلك من نصيبه ولا يرجعان في نصيبه بما ضمهنما؟ أخوه من نصف قيمة أمه لانهما يزعمان أنهما شهدا بغير حق فكانا ضامنين جميع ذلك له وإذا شهد شاهدان

[ 28 ] على الرجل بطلاق وهو يجحده فقضى القاضى بالفرقة وبنصف المهر لها ثم مات الرجل ثم رجعا عن شهادتهما غرما لورثة الزوج نصف المهر الذى أخذته المرأة لانهما لو رجع في حياة الزوج كان ضامنين ذلك له وقد نبه بعد موته أنهم يحلفونه فيضمنون ذلك للورثة إذا رجعوا بعد الموت أيضا ولا ميراث للمرأة منه ان كانت ادعت الطلاق أو لم تدع ان أقر الورثة أنه طلقها أو لم يطلقها لانها قد بانت في حياته وانما تستحق الميراث بالنكاح إذا انتهى بالوفاة فإذا بانت في حياته وصحته بقضاء القاضى لم تكن هي وارثة له فلا ينفعها قول الورثة والشهود ما أتلفوا عليها شيئا من الميراث لانهم شهدوا بالفرقة في حياة الزوج ولم تكن هي مستحقة للميراث عند ذلك لجواز ان تموت قبله ولو كان شهدا بذلك بعد موت الزوج وادعى ذلك الورثة فقضى القاضى لها بنصف المهر في ماله ثم رجعا عن شهادتهما ضمنا للمرأة نصف المهر والميراث لان حقها في جميع المهر قد تقرر بموت الزوج واستحقت الميراث أيضا فانما بطل حقها عن نصف المهر وعن الميراث بشهادتهما بالفرقة في حال الحياة فيضمنان ذلك عند الرجوع ولا يضمنان لسائر الورثة شيئا لانهما لم يتلفا على سائر الورثة شيئا قد تقرر حقها في جميع المهر بموت الزوج قبل ظهور الفرقة فهما نفعا للورثة باسقاط نصف مهرها وميراثها عنهم فلهذا لم يضمنا للورثة شيئا والله أعلم بالصواب (كتاب الدعوى) (قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخي إملاء اعلم بان الله تعالى خلق الخلق أطوارا علومهم شتى متباينة ولتباين الهمم تقع الخصومات بينهم فالسبيل في الخصومة قطعها) لما في امتدادها من الفساد والله تعالى لا يحب الفساد وطريق فصل الخصومات للقضاة بما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه وهذا وان كان من اختيار الاحاد فقد تلقته العلماء رحمهم الله بالقبول والعمل به فصار في حيز التواتر وعد هذا من جوامع الكلم على ما قال عليه الصلاة والسلام أو تيت جوامع الكلم واختصر لى الحديث اختصارا فقد تكلم كلمتين استنبط العلماء رحمهم الله منهما ما بلغ دفاتر فقال قتادة في قوله تعالى وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب ان الحكمة النبوة وفصل الخطاب البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه فهذا دليل على ان

[ 29 ] ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان في شريعة من قبله وفى هذا الحديث بيان ان المدعي غير المدعى عليه لانه صلى الله عليه وسلم ميز بينهما وذلك تنصيص على المغايرة كما في قوله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر يكون تنصيصا على أن العاهر غير صاحب الفراش والمدعى لغة من يقصد ايجاب حق على غيره فالمدعى فعل يتعدي مفعوله فيكون المدعى اسما لفاعل الدعوى كالضارب والقاتل الا ان اطلاق اسم المدعي في عرف اللسان يتناول من لا حجة له ولا يتناول من له حجة فان القاضي يسميه مدعيا قبل اقامة البينة فاما بعد اقامة البينة يسميه محقا لا مدعيا ويقال لمسيلمة مدعي النبوة ولا يقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى النبوة لانه قد أثبته بالمعجزة فعرفنا ان اطلاق الاسم على من لا حجة له عرفا وهذا الحديث يشتمل على أحكام بعضها يعرف عقلا وبعضها شرعا فقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى يدل على انه لا يستحق بمجرد الدعوى وهذا معقول لانه خبر متمثل بين الصدق والكذب والمحتمل لا يكون حجة فدل على انه يستحق بالبينة وهذا شرعى وفي خبر الشهود الاحتمال قائم ولا يزول بظهور العدالة لان العدل غير معصوم عن الكذب أو القصد إلى الكذب فحصول البينات أو الاستحقاق بشهادتهم شرعى وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم اليمين على المدعى عليه ففيه دليل على ان القول قوله وهذا معقول لانه متمسك بالاصل فالاصل براءة ذمته وانتفاء حق الغير عما في يده وفيه دليل توجه اليمين عليه وهذا شرعي وكان المعنى فيه والله أعلم ان المدعى يزعم انه صار متويا حقه بانكاره فالشرع جعل له حق استحلافه حتى ان كان الامر كما زعم فاليمين العمومي مهلكة للمدعى عليه فيكون أتوا بمقابلة اتواء وهو مشروع وان كان بخلاف ما زعم نال المدعى عليه الثواب بذكر اسم الله تعالى على سبيل التعظيم صادقا ولا يتضرر به وفيه دليل على ان حبس البينات في جانب المدعيين لا دخال الالف واللام في البينة فلا تبقى بينة في جانب المدعى عليه لان مطلق التقسيم يقتضى انتفاء مشاركة كل واحد منهما عن قسم صاحبه فيكون حجة لنا ان بينة ذى اليد على اثبات الملك لنفسه غير مقبولة في معارضة بينة الخارج ويدل على أن جنس الايمان في جانب المدعى عليه ولا يمين في جانب المدعى فيكون دليلا لنا في انه لا يرد اليمين على المدعي عند نكول المدعى عليه وهكذا ذكره عن إبراهيم رحمه الله في الكتاب فقال كان لا يرد يعنى عملا بالحديث كان لا يرد اليمين ويكون حجة لنا في أنه لا يجوز القضاء بشاهد واحد مع

[ 30 ] يمين المدعى إذ لا يمين في جانب المدعى ولانه جعل الفاصل للخصومة سببين بينة في جانب المدعى ويمينا في جانب المدعى عليه والشاهد واليمين ليست بينة ولا يمين المدعى عليه فكون أثبات طريق ثالث وهو مخالف لهذا الحديث وقوله صلى الله عليه وسلم المدعي عام لم يدخله خصوص فالمدعى لا يستحق بنفس الدعوى ويستحق بالبينة في الخصومات كلها وقوله صلى الله عليه وسلم واليمين على المدعي عليه عام دخله خصوص وهو مالا يجرى فيه الاستحلاف من الحدود وغيرها (قال) وإذا كانت الدار في يدى رجل فادعى رجل كلها أو طائفة منها فالبينة على المدعى واليمين على من الدار في يديه ويحتاج هنا إلى معرفة أشياء أحدها أن الدعوى نوعان صحيحة وفاسدة فالصحيحة ما يتعلق بها أحكامها وهو احتضار الخصم والمطالبة بالجواب واليمين إذا أنكرو مثل هذه الدعوى يمكن اثباتها بالبينة والدعوى الفاسدة ما لا يتعلق بها لاحكام التى بيناها وفساد الدعوى باحد معينين اما أن لا يكون ملزما لخصم شيئا وانما ثبتت كمن ادعى على غيره أنه وكيله أو أن يكون مجهولا في نفسه فالمجهول لا يمكن اثباته بالبينة فان القاضى لا يتمكن من القضا بالمجهول بينة المدعي ولا بنكول المدعي عليه ثم الدعوى الصحيحة لا توجب استحقاق المدعى للمدعى بنفسها فان النبي صلى الله عليه وسلم قال لو أعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم لكن البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه وفي رواية على من أنكر ولان على القاضى تحسين الظن بكل واحد فلو جعلنا نفس الدعوى موجبة استحقاق المدعى للمدعى فيه اساءة الظن بالآخر وذلك لا يجوز ولكن على المدعي البينة لاثبات استحقاقه بها فيطالبه القاضى بذلك لا على وجه الالزام عليه بل على وجه التذكير له فلعله يغفل عن ذلك وفيه نظر للآخر أيضا فانه لو حلفه ثم أقام المدعى البينة افتضح باليمين الكاذبة فلهذا بدأ بطلب البينة من المدعى فإذا لم يكن له بينة فاليمين على ذى اليد لانه منكر واليمين على من أنكر وهذه اليمين حق المدعي فإذا لم يكن له بينة فاليمين على ذى اليد وهذه حق لا يستوفى الا بطلبه هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الحضرمي والكندي للمدعى منهما ألك بينة فقال لا قال عليه الصلاة والسلام لك يمين فقال يحلف ولا يبالى فقال صلوات الله عليه ليس لك الا هذا شاهداك أو يمينه فذلك تنصيص على ان اليمين حق المدعى فان (قيل) كيف يستحقها بنفس الدعوى (قلنا) كما يستحق الاحضار والجواب وذلك ثابت بالنص قال الله تعالى وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم الآية فقد ألحق الوعيد بمن امتنع من الحضور

[ 31 ] بعد ما طولب به وذلك دليل أن الحضور مستحق عليه والضرر عليه في الحضور والانقطاع عن أشغاله فوق الضرر عليه في الجواب واليمين فإذا ثبت ذلك بالنص ثبت هذا بطريق الاولى مع ان دعوى المدعى وانكار المدعى عليه خبران قد تعارضا ولا يتمكن القاضي من تركهما على ذلك لما فيه من امتداد الخصومة بينهما فلا بد من طلب رجحان جانب الصدق في خبر أحدهما وذلك في بينة المدعي أو يمين المدعى عليه وهذا يدل على ان هذه اليمين حق للمدعى عليه لان ما ترجح صدقه يكون حقا له الا أنه لما كان لا يستحق الا بطلب المدعى فذلك دليل على أنه حق المدعى ومعنى حقه فيه أنه يوصله إلى حقه عند نكول المدعي عليه ويرجح معنى الصدق في جانبه فلهذا يصير القاضى إليه بمجرد طلب المدعى ويستوى فيما ذكرنا صنوف الاملاك وأنواع المدعيين من حر أو عبد مسلم أو ذمى مستأمن أو مرتد فالقاضي مأمور بالعدالة والانصاف في حق كل واحد. وكذلك إذا ادعاه شراء من ذى اليد أو هبة أو صدقة أو اجارة أو رهنا لانه يدعى استحقاق ملك العين أو المنفعة واليد على ذي اليد ببعض هذه الاسباب فكان مدعيا ولا يتوصل إلى اثبات ما ادعاه الا باثبات سببه فيصير السبب مقصودا بالاثبات بالبينة لان مالا يتوصل إلى المطلوب الا به يكون مقصودا قال وأصل معرفة المدعى من المدعا عليه أن ينظر إلى المنكر منهما فهو المدعى عليه والآخر المدعى وهذا أهم ما يحتاج إلى معرفته في هذا الكتاب وما ذكره في الكتاب كلام صحيح فان النبي صلى الله عليه وسلم جعل المدعى عليه المنكر بقوله صلى الله عليه وسلم واليمين على من أنكر ولكن تمام بيان الحد لا يحصل بها فقد يكون مدعيا صورة واليمين في جانبه كالمودع يدعي رد الوديعة أو هلاكها وذو اليد إذا قال العين لى فهو مدع صورة ولا يخرج من أن يكون مدعيا عليه ولكن الفرق بينهما على ما قاله بعض أصحابنا رحمهم الله أن المدعى من يستدعى على الغير بقوله وإذا ترك الخصومة يترك والمدعا عليه من يستدعى عليه بقول الغير وإذا ترك الخصومة لا يترك وقيل المدعى من يشتمل كلامه على الاثبات ولا يصير خصما بالتكلم بالنفى فان الخارج لو قال لذى اليد هذا الشئ ليس لك لا يكون خصما مدعيا ما لم يقل هو لى والمدعى عليه من يشتمل كلامه على النفي فيكتفى به منه فان ذا اليد إذا قال ليس هذا لك كان خصما بهذا القدر وقوله هو لى فصل من الكلام غير محتاج إليه وقيل المدعى من لا يستحق الا بحجة كالخارج والمدعى عليه من يكون مستحقا بقوله من غير

[ 32 ] حجة كذى اليد فانه إذا قال هو لى كان مستحقا له ما لم يثبت الغير استحقاقه فاما المودع يدعى رد لوديعة أو هلاكها فهو مقبول القول في ذلك لان الخصم سلطه على ذلك فيثبت بمجرد قوله فكان مدعى عليه أو لانه منكر الضمان في ذمته فكان مدعا عليه فعلى الوجه الاول يحلف لنفى التهمة وعلى الوجه الآخر يحلف لانكاره الضمان (ألا ترى) أن الرد لا يثبت بيمينه حتى لو ادعى الرد على الوصي لا يكون الوصي ضامنا وان كان الذى في يديه ادعى أنه باعه من هذا الرجل أو أجره فهو المدعى وعليه البينة لانه يدعى سبب نقل الملك في العين أو المنفعة إليه واستحقاقه العوض عليه فيكون مدعيا محتاجا إلى اثبات صدقه وعلى الآخر اليمين لانكاره قال وان ادعى دينا على رجل بوجه من الوجوه فانكر الآخر فالبينة على المدعى بدعواه أمرا عارضا وهو اشتغال ذمة الغير بحقه والمدعى عليه هو المنكر لتمسكه بالاصل وهو براءة ذمته فان أقر بالدين وقال قد قبضته اياه كان هو المدعى لان القضاء يعترض الوجوب فهو الذى يدعى الآن أمرا عارضا وكذلك ان ادعى الابراء أو التأجيل فهو المدعى لان الابراء مفرغ لذمته بعد اشتغالها باتفاقهما والتأجيل يؤخر المطالبة بعد تقر السبب بوجه المطالبة باتفاقهما فهو الذى يدعى أمرا عارضا فعليه البينة ويدعى الآخر اليمين قال دار في يد رجلين كل واحد منهما يدعى أنها له وكل واحد منهما يدعي لما في يد صاحبه لان في يد كل واحد منهما نصف الدار فكأن الدار الواحدة بمنزلة دارين في يد كل واحد منهما أو أحدهما وكل واحد منهما يدعيها فكان كل واحد منهما مدعيا لما في يد صاحبه فعليه البينة ومنكر الدعوى صاحبه فيما في يده فان أقاما البينة قضى لكل واحد منهما بالنصف الذى في يد صاحبه فرجحنا بينة الخارج على بينة ذى اليد في دعوى الملك المطلق فلو لم يقم لهما بينة يحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه وأيهما حلف برئ منهما وأيهما نكل عن اليمين لزمه دعوى صاحبه لان نكوله قائم مقام اقراره لما ادعاه صاحبه فقد أسلمت هذه البينة على فصلين أحدهما ان بينة الخارج وبينة ذى اليد إذا تعارضتا على الملك المطلق فبينة الخارج أولى بالقبول عندنا وفي أحد قولى الشافعي تتهاثر البينتان ويكون المدعى لذى اليد كان في يده لاقضائه له وفي القول الآخر ترجح بينة ذى اليد فيقضى به لذى اليد فقضاء ملك بالبينة وطريقه على القول الاول أن بينة الخارج حجة يجوز دفعها بالطعن فيها فيجوز دفعها بالمعارضة كالادلة الشرعية فإذا تحقق التعارض فالقاضي تيقن بكذب أحدهما لان العين الواحدة في وقت واحد لا تكون كلها

[ 33 ] ملكا لكل واحد منهما فبطلت البينتان وبقي اليمين في يد ذى اليد بحكم يده وطريقه على القول الآخر أن ذا اليد له نوعان من الحجة اليد والبينة وللخارج نوع واحد وذو الحجتين يترجح على ذى حجة واحدة كما في دعوى النكاح وما في معناه وكما لو ادعيا تلقى الملك من واحد وأحدهما قابض فاقاما البينة وهذا لان بينة ذى اليد وجب قبولها الآن لصيرورته محتاجا إلى اقامتها باقامة الخارج البينة ولنا في المسألة طريقان أحدهما أن بينة ذى اليد تقوم على ما شهد له الظاهر به فلا تكون حجة كبينة المدين على أن لا دين عليه (ألا ترى) أنه لو أقامها قبل أقامة الخارج البينة لم تقبل وهو محتاج إليها في اسقاط اليمين عن نفسه والبينة تقبل لهذه الحاجة كما لو أقام المودع البينة على رد الوديعة أو هلاكها فكذلك بعد اقامة الخارج البينة وهذا لان شهود ذى اليد يشهدون له باعتبار يده القائمة ولا طريق لمعرفة الملك الا اليد وبينة الخارج لا تندفع بيد ذى اليد وان كان القاضي يعاينها فكذلك لا تندفع ببينة تعتمد تلك اليد بخلاف النتاج فان باعتبار اليد لا يجوز لهم الشهادة على النتاج وانما اعتمدوا سببا آخر ذلك غير ظاهر عند القاضي فلا بد من قبول البينة عليه وبخلاف بينة مجهول الحال على حريته لان الشهود لا يجوز لهم ان يشهدوا بحريته بسبب الدار فانما اعتمدوا شيئا آخر ذلك غير ظاهر عند القاضى وكذلك شهود الشراء لذى اليد الذى اعتمدوا سببا ذلك غير ظاهر أيضا عند القاضى فوجب قبول بينته ثم يترجح بيده والطريق الآخر ان البينات تترجح بزيادة الاثبات والاثبات في بينة الخارج أكثر لانه يثبت الملك على خصم هو مالك وبينة ذى اليد لا تثبت الملك على خصم هو مالك لان بمجرد اقامة الخارج البينة لم تثبت الاستحقاق له قبل القضاء فلا يصير هو مقضيا عليه لو قضى ببينة ذى اليد وإذا قضى ببينة الخارج صار ذو اليد مقضيا عليه فلزيادة الاثبات رجحنا بينة الخارج بخلاف دعوى الخارج فان كل واحد من البينتين هناك يثبت أولية المالك لصاحبه وذلك لا يكون استحقاقا على غيره ولهذا لا يصير ذو اليد مقضيا عليه إذا أقام البينة على النتاج حتى لو أقام ذو اليد البينة على النتاج بعد قضاء القاضى للخارج وجب قبول بينته فلما استويا في الاثبات رجحنا بينة ذى اليد وكذلك إذا دعيا تلقى الملك من واحد فقد استوت البينات في الاثبات لان استحقاق كل واحد منهما على البائغ فرجحنا بينة ذى اليد لتأكيد شرائه بالقبض وهذا بخلاف الادلة الشرعية فانها حجة في النفى والاثبات فيتحقق التعارض وهنا البينتان للاثبات لا للنفي وحاجة

[ 34 ] ذى اليد إلى استحقاق الخارج فلم يتحقق التعارض والفصل الثاني ان يكون المدعى عليه عن اليمين موجب للقضاء عليه بالمال عندنا ولكن ينبغى للقاضى ان يعرض عليه اليمين ثلاث مرات ويخبره في كل مرة ان من رأيه القضاء بالنكول ايلاء لعذره فان لم يحلف قضى عليه وعند الشافعي رحمة الله يرد اليمين على المدعى فان حلف أخذ المال وان أبى انقطعت المنازعة بينهما وحجته في منع القضاء بالنكول انه سكوت في نفسه فلا يكون حجة للقضاء عليه كسكوته عن الجواب في الابتداء وهذا لانه محتمل قد يكون للتورع عن اليمين الكاذبة وقد يكون للترفع عن اليمين الصادقة كما فعله عثمان رضى الله عنه وقال خشيت ان يوافق قدر يمينى فيقال أصيب بيمينه والمحتمل لا يكون حجة وحجته في رد اليمين على المدعى على ما روى أن عثمان رضى الله عنه ادعى مالا على المقداد بن الاسود الكندى رضى الله عنه بين يدى عمر رضى الله عنة الحديث إلى ان قال المقداد رضي الله عنه ليحلف عثمان رضى الله عنه ليحلف عثمان رضي الله عنه ويأخذ حقه فقال عمر رضى الله عنه لقد أنصف المقداد وعن على رضي الله عنه أنه حلف المدعى بعد نكول المدعى عليه والمعنى فيه أن اليمين في جانب المدعى عليه في الابتداء لكون الظاهر شاهد له وبنكوله صار الظاهر شاهدا للمدعي فيعود اليمين إلى جانبه ولهذا بدأنا في اللعان بايمان الخروج لشهادة الظاهر له فانه لا يلوث فراشه كاذبا وبدأت أنا في القيامة بيمين الولى للشهادة الظاهرة فان المسألة فيما إذا كانت العداوة ظاهرة بين القيل وأهل المحلة وكان العهد قريبا بدخولهم في محلتهم إلى ان وجد قتيلا ولنا في المسألة حديث عمر رضى الله عنه فانه قضى على الزوج بالطلاق في قوله حملك على غاربك عند نكوله عن اليمين على ارادة الطلاق وقضى أبو موسى الاشعري رضى الله عنه لصحة الرجعة عند نكولها عن اليمين على أنها كانت بعد حل الصلاة لها وقال أبن مليكة رضى الله عنه كنت قاضيا بالبصرة فاختصم إلى امرأتان في سوار فطلبت البينة من المدعية فلم أجد وعرضت اليمين على الاخرى فنكلت فكتبت إلى أبى موسى رضى الله عنه فورد كتابه ان أحضرهما واتل عليهما قوله تعالى ان الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا الآية ثم أعرض اليمين على المدعية عليها فان نكلت فاقضى عليها وقضي شريح رحمه الله بالنكول بين يدى على رضي الله عنه فقال له (قالون) وهى بالغة العربية أصبت وما روى عن علي رضى الله عنه انه حلف المدعي فبناء على مذهبه لانه كان يحلف مع تمام حجة القضاء بالبينة ولسنا نأخذ بذلك وتأويل حديث المقداد رضى الله عنه أنه ادعى الايفاء على

[ 35 ] عثمان رضى الله عنه وبه نقول ومن حيث المعنى اما طريقان أحدهما أن حق المدعى قبل المدعى عليه هو الجواب وهو جواب يوصله إلى حقه وهو الاقرار فإذا فوت عليه ذلك بانكاره حوله الشرع إلى اليمين خلفا عن أصل حقه فإذا منعه الحلف يعود إليه أصل حقه لانه لا يتمكن من منع الحلف شرعا الا بايفاء ما هو أصل الحق وهذا الطريق علي قولهما وأنهما يجعلان النكول بمنزلة الاقرار والطريق الآخر أن الدعوة لما صحت من المدعي يخير المدعا عليه بين بدل المال وبين اليمين فإذا امتنع منهما وأحدهما تجرى فيه النيابة دون الآخر ناب القاضى منابه فيما تجري فيه النيابة وهذا لان تمكنه من المنازعة شرعا بشرط ان يحلف فإذا أبى ذلك صار تاركا للمنازعة بتفويت شرطها فكأنه قال لا أنازعك في هذا المال فيتمكن المدعى من أخذه لانه يدعيه ولا منازع له فيه وهذا الطريق على أصل أبى حنيفة رحمه الله حيث جعل النكول بدلا ولا عبرة للاحتمال في النكول لان الشرع ألزمه التورع عن اليمين الكاذبة دون الترفع عن الصادقة فيترجح هذا الجانب في نكوله ولانه لا يتمكن من الترفع عن اليمين الا ببدل المال فانه انما يرتفع ملتزما الضرر على نفسه لا ملحقا الضرر بالغير بمنع الحق والذى قال من شهادة الظاهر للمدعى عند نكول المدعى عليه لا يكون ذلك الا بترجح جانب الصدق في دعوى المدعي وذلك موجب للقضاء ثم اليمين مشروعة للنفي لا للاثبات وحاجة المدعي إلى الاثبات فلا تكون اليمين حجة له هذا معنى تعليل محمد رحمه الله لا أحول اليمين عن موضعه وهذا لانها في النفى لا توجب النفى حتى تقبل بينة المدعى بعد يمين المدعى عليه ففى غير موضعه وهو الاثبات أولى أن لا يوجب الاثبات والشهادات للاثبات ثم لا يستحق المدعى بشهادته لنفسه شيئا بحال فلان لا يستحق بيمينه لنفسه وهو في غير موضع الاثبات كان أولي وإذا تنازع رجلان في دار كل واحد منهما يدعى أنها في يده فعلى كل واحد منهما البينة لان دعوى اليد مقصودة كما أن دعوى الملك مقصودة لان باليد يتوصل إلى الانتفاع بالملك والتصرف فيه فان أقام كل واحد منهما البينة انها في يديه جعل يد كل واحد منهما نصفها لتعارض البينتين وتساويهما فالمساواة في سبب الاستحقاق توجب المساواة في الاستحقاق فان كان المدعي قابلا للاشتراك يقضى لكل واحد منها بالنصف لمعنى الضيق والمزاحمة في المحل قال فإذا أقام أحدهما البينة أنها له قضيت بها له لانه استحق بالبينة الملك فيما في يد صاحبه ولم يعامله صحابه بمثله ولا منافاه بين القضاء باليد لصاحبه والملك له بالبينة وقد كان أصحابنا رحمهم الله يقولون إذا قال المدعى هذا

[ 36 ] الشئ ملكى وفى يدى لم يسمع القاضى دعواه وقال له إذا كان ملك في يدك فماذى تطلب مني فتأويل تلك المسألة أن الخصم لا يدعى إليه لنفسه وهنا الخصم يدعى اليد لنفسه فلهذا قبل دعوى اليد لنفسه وقضى له بها عند اقامة البينة. وذكر الخصاف رحمه الله أن من ادعى دارا في يد غيره وانها له وأقام البينة فما لم يشهد الشهود أنها في يد المدعى عليه تقبل بينته لجواز أن يكون تواضعا في محدود في يد ثالث على أن يدعيه احدهما ويقر الآخر بانه في يده ليقيم البينة عليه بذلك وهو في يد غيرهما ولكن تأويل تلك المسألة أن الخصم الآخر لم يثبت يده بالبينة وهنا قد أثبت كل واحد منهما يد البينة فلهذا قبلنا بينة أحدهما على صاحبه باثبات الملك له وان لم يقم لهما بينة على اليد وطلب كل واحد منهما يمين صاحب ماهى في يده فعلى كل واحد منهما أن يحلف البينة ما هي في يد صاحبه لانه لو أقر لصاحبه بما ادعى لزمه حقه فإذا أنكر حلف عليه وان لم يجعلها القاضي في يد واحد منهما لان حجة القضاء باليد لم تقم لواحد منهما ولكن يمنعهما من المنازعة والخصومة من غير حجة فايهما نكل عن اليمين لم يجعلها في يده لان صاحبه قد حلف ولم يجعلها في يد الذى حلف بنكول هذا الناكل أيضا لجواز أن تكون في يد ثالث وأنهما تواضعا للتلبيس على القاضى وذلك يمنع الناكل عن منازعة الآخر لان نكوله حجة عليه فان وجدها في يد آخر لم ينزعها من يده الذى انفذه بين هذين لان نكولهما ليس بحجة على غيرهما والقضاء بحسب الحجة. قال عبد في يدى رجلين ادعاه آخر وأقام البينة أنه كان في يده أمس لم يقبل ذلك منه لانهم شهدوا بعد عرف القاضى زوالهما ولم يثبت سبب الزوال ومثل هذه الشهادة لا تكون مقبولة لان الشهادة على ما كان في الزمان الماضي انما تقبل بطريق أن ما عرف ثبوته فالاصل بقاؤه واستصحاب الحال انما يجوز بقاؤه والعمل به فيما لم يتيقن بزواله وروي أصحاب الاملاء عن أبى يوسف رحمه الله أن الشهادة تقبل بناء على أصله أنهم لو شهدوا أنه كان في ملكه أمس عنده تقبل ولكن هذا القياس غير صحيح فان الملك غير معاين ولا يتيقن القاضى بزوال ما شهدوا به في الحال فكان لاستصحاب الحال طريقان بخلاف اليد فانه معاين قد علم القاضى انفساخ يده باليد الظاهرة للغير فلا طريق لاستصحاب الحال فيه ولو أقر ذو اليد أنه كان في يد المدعى أمس أمر بالرد عليه لان الاقرار ملزم بنفسه قبل اتصال القضاء به فيظهر باقراره يد المدعى أمس فيؤمر بالرد عليه ما لم يثبت حقا لنفسه فاما الشهادة لا توجب الحق الا باتصال القضاء بها ويتعذر على القاضى القضاء بشئ يعلم والحال

[ 37 ] خلافه وكذلك لو شهدوا على اقرار ذى اليد انه كان في يد المدعى أمس أمر بالرد عليه لان الثابت من اقراره بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو أقام المدعى البينة أن هذا العبد أخذه منه هذا أو انتزعه منه أو غصبه منه أو غلبه عليه فأخذه منه أو أرسله في حاجته فاعترضه هذا في الطريق أو أبق منى هذا فأخذه هذا الرجل فهذه الشهادة جائزة ويقضى بالعبد له لانهم أثبتوا سبب زوال يده فصار ذلك كالمعاين للقاضى وأثبتوا أن وصوله إلى يد ذى اليد كان بأخذ المدعى عليه منه فعليه رده لقوله صلى الله عليه وسلم على اليد ما أخذت حتى ترد واحدة من غير حق ظاهر له في المأخوذ عدوان والفعل الذى هو عدوان واجب الفسخ شرعا وذلك بالرد. قال ولو ادعى عينا في يد رجل أنه له وقال الذي هو في يديه أودعينه فلان أو أعارينه أو وكلنى بحفظه لم يخرج من خصومة المدعى الا أن يقيم البينة على ما قال عندنا وقال ابن أبى ليلى رحمه الله يخرج من خصومته بمجرد قوله من غير بينة وقال ابن شبرمة لا يخرج من خصومته وان أقام البينة على ما قال أما ابن أبى ليلى رحمه الله فان كلام ذى اليد اقرار منه بالملك للغائب والاقرار يوجب الحق بنفسه لقوله تعالى بل الانسان على نفسه بصيرة ولانه لا تهمة فيما يقر به على نفسه فيثبت ما أقر به بنفس الاقرار ويتبين ان يده يد حفظ لا يد خصومة والدليل على صحة هذه القاعدة ان من أقر بعين لغائب ثم أقر به لحاضر فرجع الغائب وصدقه يؤمر بالتسليم إليه وكذلك لو أقر لغيره بشئ ثم مرض فصدقه المقر له كان اقراره اقرار صحة وأما ابن شبرمة رحمه الله فقال انه بهذه البينة يثبت الملك للغائب وهو ليس بخصم في اثبات الملك لغيره لانه لا ولاية لاحد على غيره في ادخال شئ في ملكه بغير رضاه ثم خروجه عن الخصومة في ضمن اثبات الملك لغيره فإذا لم يثبت ما هو الاصل لا يثبت ما في ضمنه كالوصية بالمحاباة إذا ثبت في ضمن البيع فيبطلان البيع بطلب الوصية ولنا ان هذه البينة تثبت أمرين أحدهما الملك للغائب والحاضر ليس بخصم فيه والثانى دفع خصومة المدعى عنه وهو خصم في ذلك فكانت مقبولة فيما وجدت فيكون خصما فيه كمن وكل وكيلا بنقل امرأته أو أمته وقامت البينة أن الزوج طلقها ثلاثا وان المولى أعتقها تقبل هذه البينة في أقصر يد الوكيل عنها ولا تقبل في وقوع الطلاق والعتاق ما لم يحضر الغائب وهذا لان مقصود ذى اليد ليس هو اثبات الملك للغائب انما مقصوده اثباته ان يده يد حفظ وليست بيد خصومة وفى هذا المدعى خصم له فيجعل اثباته عليه بالبينة بمنزلة اقرار خصمه به وهذا بخلاف ما إذا ادعى غصبا على ذى اليد

[ 38 ] حيث لا تندفع الخصومة عنه بهذه البينة لان هناك انما صار خصما بدعوى الفعل عليه دون اليد فاما في الملك المطلق انما صار خصما بيده (ألا ترى) أن دعوى الغصب مسموعة على غير ذى اليد ودعوى الملك غير مسموعة فإذا أثبت أن يده غيره التحق في الحكم بما ليس في يده فلهذا قلنا ان بمجرد قوله قبل اقامة البينة لا تندفع الخصومة عنه لان المدعى استحق عليه الجواب فصار هو خصما له بظهور الشئ في يده فلا يملك اسقاطه بمجرد قوله وهو لا يثبت اقراره بالبينة كما زعم هو انما يثبت عليه اسقاط حق مستحق عليه عن نفسه وهو جواب الخصم وعن أبى يوسف رحمه الله ان كان ذو اليد رجلا معروفا بالحيل لم تندفع الخصومة عنه باقامة البينة وان كان صالحا تندفع الخصومة عنه رجع إلى هذا حين ابتلى بالقضاء وعرف أحوال الناس فقال قد يحتال المحتال ويدفع ماله إلى من يريد شراء ويأمر من يودعه علانية حتى إذا ادعاه انسان يقيم البينة على انه مودع ليدفع الخصومة عن نفسه ومقصوده من ذلك الاضرار بالمدعى ليتعذر عليه اثبات حقه بالبينة فلا تندفع الخصومة عنه إذا كان متهما بمثل هذه الحيلة فان شهد شهود ذى اليد أنه أودعه رجل لا يعرفه لم تندفع الخصومة عنه فلعل ذلك الرجل هو الذى حضر ينازعه وليس في هذه الشهادة ما يوجب دفع الخصومة والثانى أن الخصومة انما تندفع عن ذى اليد إذا حوله إلى غيره بالبينة والتحويل انما يتحقق إذا أحاله على رجل يمكنه اتباعه ليخاصمه فإذا أحاله إلى مجهول ولا يمكنه اتباع المجهول كان ذلك باطلا لا يجوز وان قال الشهود أودعه رجل نعرفه بوجهه إذا رأيناه ولا نعرفه باسمه ونسبه فعلى قول محمد رحمه الله لا تندفع الخصومة عنه وعند أبى حنيفة رحمه الله تندفع الخصومة عنه ذكره في الجامع وجه قول محمد رحمه الله انه أحاله على مجهول لا يمكنه اتباعه ليخاصمه فكان هذا بمنزلة قولهم أودعه رجل لا نعرفه وهذا لان المعرفة بالوجه لا تكون معرفة على ماروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لرجل أتعرف فلانا فقال نعم قال صلى الله عليه وسلم هل يعرف اسمه قال لا قال صلوات الله عليه إذا لا تعرفه ومن حلف لا يعرف فلانا وهو يعرف وجهه دون اسمه ونسبه لا يحنث وأبو حنيفة رحمه الله قال قد أثبت ببينته انه ليس بخصم للمدعى فانا نعلم ان مودعه ليس هو المدعى لان الشهود يعرفون المودع بوجهه ويعلمون أنه غير هذا المدعى ومقصود ذى اليد اثبات ان يده يد حفظ وانه ليس بخصم لهذا الحاضر وهذه البينة كافية في هذا المقصود ثم ان تضرر المدعى بان لم يقدر على اتباع خصمه فذلك الضرر يلحقه من قبل انه جهل خصمه لا من جهة

[ 39 ] ذى اليد ونحن نسلم ان المعرفة بالوجه لا تكون معرفة تامة فان الغائب لا يمكن استحضاره به ولكن ليس على ذى اليد تعريف خصم المدعى له وانما عليه ان يثبت انه ليس بخصم له وهذا كله بناء على أصلنا ان القضاء على الغائب بالبينة لا يجوز فلا بد من خصم حاضر للمدعى ليقيم عليه البينة فاما عند الشافعي رحمه الله القضاء على الغائب بالبينة جائز ويستوى في ذلك ان كان غائبا عن البلدة أو عن مجلس الحكم حاضرا في البلدة وهو الصحيح من قوله وانما يحضره القاضى لرجاء اقراره حتى يقصر به المسافة عليه ولا يحتاج المدعى إلى تكلف البينة واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعى فاشتراط حضور الخصم لاقامة البينة تكون زيادة ولما قالت هند لرسول الله صلى الله عليه وسلم ان أبا سفيان رجل شحيح لا يعطينى ما يكفيني وولدي فقال صلوات الله عليه وسلامه خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف من مال أبى سفيان فقد قضى رسول الله صلى الله وسلم بالنفقة وهو غائب ولان هذه بينة عادلة مسموعة فيجب القضاء بها كما لو كان الخصم حاضرا وبيان الوصف ان عندكم تسمع هذه البينة للكتاب بها وتأثيره ان بغيبة الخصم ما فات الا انكاره وانكاره غير مؤثر في ايصال المدعي إلى حقه ولان الاصل هو الانكار فيجب التمسك به وإذا ثبت انكاره بهذا الطريق قبلت البينة عليه ولو كان مقرا كان القضاء متوجها عليه لاجماعنا ان القضاء على الغائب بالاقرار جائز فعليه نقيس فعله انه احدى حجتى القضاء ولنا قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضى الله عنه لا تقض لاحد الخصمين حتى تسمع كلام الآخر فانك إذا سمعت كلام الآخر علمت كيف تقضى فبين ان الجهالة تمنعه من القضاء وانها لا ترتفع الا بسماع كلامهما فاما قوله صلى الله عليه وسلم البينة على المدعي فدليلنا أن البينة اسم لما يحصل به البيان وليس المراد في حق المدعى لانه حاصل بقوله ولا في حق القاضى لانه حاصل بقول المدعى إذا لم يكن له منازع انما الحاجة إلى البيان في حق الخصم الجاحد وذلك لا يكون الا بحضوره (ألا ترى) أنه جعل البينة على المدعى في حال لو ادعي عدمها استحلف الخصم فقال واليمين على من أنكر وذلك لا يكون الا بمحضر منه وهذا لان البينة اسم للحجة ولا تكون حجة عليه ما لم يظهر عجزه عن الدفع والطعن والقرآن صار حجة على الناس حين ظهر عجزهم عن المعارضة وظهور عجزه لا يكون الا بمحضر منه ولا حجة في حديث هند لان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان عالما بسبب استحقاق النفقة علي أبى سفيان وهو النكاح الظاهر (ألا تري) أنها لم تقم البينة والمعنى فيه أنه أحد المتداعين فيشترط

[ 40 ] حضوره للقضاء بالبينة كالمدعى بل أولى فان المدعى ينتفع بالقضاء والمدعي عليه يتضرر به وتأثيره أن دعوى المدعى وان كان الخصم شرط للعمل بالبينة حتى لا يسمع البينة على المقر ولا يقضى بها إذا اعترض الاقرار قبل القضاء بها وبغيبة المدعى يفوت أحد الشرطين وهو الدعوى وبغيبة المدعى عليه يفوت الشرط الآخر وهو الانكار وفوات شرط الشئ كفوات ركنه في امتناع العمل به وانكاره ان كان ثابتا بطريق الظاهر فالشرط بطريق الظاهر لا يثبت عندنا ما لم يتقين به ولهذا إذا قال لعبده ان لم أدخل الدار اليوم فانت حر فمضى اليوم فقال قد دخلت وقال العبد لم تدخل لم يعتق وان كان عدم الدخول ثابتا بطريق الظاهر وعلى هذا قال أبو يوسف رحمه الله لو حضر وأنكر فاقيم عليه البينة ثم غاب يقضى عليه لان انكاره سمع نصا وقال محمد رحمه الله لا يقضى عليه لان اصراره على الانكار إلى وقت القضاء شرط وذلك ثابت بعد غيبته باستصحاب الحال لا بالنص وقوله أنها مسموعة عندنا غير مسموعة للقضاء حتى أن الخصم وان حضر لا يجوز القضاء بها انما هي مسموعة لنقلها إلى قاضى تلك البلدة بالكتاب بمنزلة شهادة الاصول عند الفروع مسموعة لنقل شهادتهم لا للقضاء بها واعتبار البينة بالاقرار فاسد لان الاقرار موجب للحق بنفسه دون القضاء بخلاف البينة (ألا ترى) أن الاقرار للغائب صحيح بخلاف البينة وهذا لانه ليس للمقر حق الطعن في اقرار نفسه فليس في القضاء عليه مع غيبته بالاقرار تفويت حق الطعن عليه بخلاف البينة. قال دار في يد رجل ادعاها رجل انها له آجرها من ذى اليد وادعى آخر انها له أودعها اياه وأقام البينة قضي بها بينهما نصفين لان كل واحد منهما أثبت ببينته أن وصولها إلى يد ذى اليد من جهته فتتحقق المساواة بينهما في سبب الاستحقاق وذلك يوجب المساواة في الاستحقاق عندنا على ما نبينه في الباب الثاني ان شاء الله تعالى. قال وإذا كان العبد في يد رجل الدعى انه غصبه اياه أو أقام البينة وادعى آخر أنه له وديعة في يد ذى اليد قضى به لصاحب الغصب لان بينته طاعنة في البينة الاخرى فانه يثبت بها أن يد ذى اليد كانت غصبا من جهته وذلك يتقى كونه وديعة للآخر فلهذا رجحنا بينة الغصب وقضينا به لصاحبها والله أعلم (باب الدعوى في الميراث) (قال رحمه الله عبد في يد رجل فاقام رجل البينة أن أباه مات وتركه ميراثا له لا يعلمون

[ 41 ] له وارثا غيره وأقام آخر البينة أن أباه مات وتركه ميراثا له لا يعلمون له وارثا غيره فانه يقضى بالعبد بينهما نصفان) لان كل واحد من الوارثين خصم عن مورثه فكأن المورثين حيان وأقام البينة على ملك مطلق لهما في يد ثالث وفي هذا يقضى بالملك بينهما نصفان عندنا وعلى قول مالك رحمه الله يقضي باعدل البينتين وعند الاوزاعي رحمه الله يقضي لاكثرهما عددا في الشهود وفي أحد قولي الشافعي رحمه الله تهاتر البينتان وفى القول الآخر يقرع بينهما ويقضى لمن خرجت قرعته فمالك يقول الشهادة انما تصير حجة بالعدالة فالاعدل في كونه حجة أقوى والضعيف لا يزاحم القوى والاوزاعي رحمه الله يقول طمأنيه القلب إلى قول الجماعة أكثر منه إلى قول المثنى فيترجح أكثرهما شهودا بزيادة طمأنية القلب في قولهم والشافعي على القول الذى يقول بالتهاتر يقول قد تيقن القاضي بكذب أحد الفريقين ولا يعرف الصادق من الكاذب فيمتنع العمل بهما كما لو شهد شاهدان أنه طلق امرأته يوم النحر بمكة وآخران أنه أعتق عبده بالكوفة في ذلك اليوم وهذا لان تهمة الكذب تمنع العمل بالشهادة فالتيقن بالكذب أولى واستدل بملك النكاح فانه لو تنازع اثنان في امرأة وأقام كل واحد منهما البينة أنها امرأته لم يقضى القاضى بواحدة منهما وعلى القول الذى يقول بالقرعة استدل بحديث سعيد بن المسيب رضي الله عنه أن رجلين تنازعا في أمة بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقام كل واحد منهما البينة انها أمته فاقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما وقال اللهم أنت تقضى بين عبادك بالحق ثم قضى بها لمن خرجت قرعته وروي أن رجلين تنازعا في بغلة بين يدى على رضى الله عنه فاقام أحدهما شاهدين والآخر خمسة من الشهود فقال على رضى الله عنه لاصحابه ماذا ترون فقالوا يعطى لاكثرهما شهودا فقال فلعل الشاهدين خير من خمسة ثم قال في هذا قضاء وصلح أما الصلح أن يجعل البغلة بينهما سهاما على عدد شهودهما وأما القضاء أن يحلف أحدهما ويأخذ البغلة فان تشاحا على الحلف أقرعت بينهما وقضيت بها لمن خرجت قرعته ولان استعمال القرعة لتعيين المستحق أصل في الشرع كما في قسمة المال المشترك ولنا حديث تميم بن طرفة رضى الله عنه أن رجلين تنازعا في عين بين يدى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقام البينة فقضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين وعن أبى الدرداء رضى الله عنه أن رجلين اختصما في شئ بين يديه وأقام البينة فقال ما أحوجكما إلى سلسلة كسلسلة بنى إسرائيل كان داود عليه السلام إذا جلس لفصل الخصومات نزلت سلسلة من السماء فاخذت بعنق الظالم ثم

[ 42 ] قضى بينهما نصفين وما روى من استعمال القرعة فقد كان في وقت كان القمار مباحا ثم انتسخ ذلك بحرمة القمار لان تعيين المستحق بمنزلة الاستحقاق ابتداء فكما أن تعليق الاستحقاق بخروج القرعة يكون قمارا فكذلك تعيين المستحق بخلاف قسمة المال المشترك فللقاضي هنا ولاية التعيين من غير قرعة وانما يقرع تطبيبا لقلوبهما ونفيا لتهمة الميل عن نفسه فلا يكون ذلك في معنى القمار وحديث علي رضى الله عنه يعارضه ما روى عن عمر وعلي رضى الله عنهما في رجلين تنازعا في ولد أنهما قضيا بانه ابنيهما ولم يستعملا القرعة فيه وقد كان علي رضى عنه استعمل القرعة في مثل هذه الحادثة واليمين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل أنه عرف انتساخ ذلك الحكم بحرمة القمار والمعنى فيه أنهما استويا في سبب الاستحقاق والمدعى قابل للاشتراك فيستويان في الاستحقاق كالغريمين في التركة إذا كانت التركة بقدر حق أحدهما والموصى لهما كل واحد منهما بالثلث يقتسمان الثلث بينهما نصفين وبيان الوصف أن المدعي يقبل الاشتراك وهو ملك العين بخلاف ملك النكاح فانه لا يحتمل الاشتراك وهذا لان البينات حجج فيجب العمل بها بحسب الامكان وكيف يترك في يد ذى اليد وقد اتفق الفريقان على استحقاق الملك عليه وقوله القاضى تيقن بكذب أحد الفريقين ضعيف فكل واحد منهما اعتمد سببا أطلق به أداء الشهادة وهو معاينة اليد لمن شهد له وبه فارق مسألة مكة والكوفة فقد علمنا هناك أن أحدهما كاذب بيقين لان الشخص الواحد في يوم واحد لا يكون بمكة والكوفة وقد تتوالى يدان لشخصين على عين واحدة في وقتين فلهذا أوجبنا القضاء هنا بحسب الامكان وكذلك لو وقت شهود أحدهما سنة ولم يوقت شهود الآخر فقضى به بينهما نصفين لان تنصيص أحدهما على التوقيت لا يدل على سبق ملكه على الآخر فلعل ملك الآخر أسبق منه وان لم تؤقت شهوده وذكر المسألة في النوادر في دعوى الملك من خارجين إذا وقت شهود أحدهما ولم يوقت شهود الآخر عند أبى حنيفة رحمه الله يقضى به بينهما نصفين وعند أبى يوسف رحمه الله يقضي به للذي وقت شهوده وعند محمد رحمه الله يقضى به للذى لم يوقت شهوده * وجه قول أبى حنيفة رحمه الله ما بينا أن التاريخ ليس بسبب للملك وتنصيص أحدهما عليه لا يبقى مساواة الآخر أو سفه عليه فكان ذكره وجودا وعدما بمنزلة وأبو يوسف يقول قيام المنازعة بينهما في الملك للحال والذى وقت شهودة ثبت الملك له من حين أرخ شهوده ولا منازعة له في ذلك الوقت فلا يستحق عليه

[ 43 ] الملك بعد ذلك الا بسبب من جهته كما لو أقام البينة على النتاج ومحمد رحمه الله يقول البينة على الملك المطلق تثبت الاستحقاق من الاصل ولهذا تستحق به الزوائد ويرجع الباعة بعضهم على البعض بالثمن فكان التاريخ الذى لم يوقت شهوده أسبق من هذا الوجه ولكن يبطل هذا بفصلين أحدهما إذا أقام أحدهما البينة على النتاج والآخر على الملك المطلق فصاحب النتاج أولى فلو كانت البينة على الملك المطلق تثبت الاستحقاق من الاصل لاستويا والثانى إذا ادعى عبد على مولاه أنه مملوكه أعتقه وادعى رجل انه ملكه وأقام البينة فبينة العتق أولى ولو كان الاستحقاق يثبت لمدعى الملك المطلق من الاصل لصار هو أولى من مدعى العتق وان وقتت بينة أحدهما سنة وبينة الآخر سنتين قضى بالعبد لصاحب السنتين في قول أبى يوسف الآخر وهو قول محمد رحمه الله وفي قوله الاول العبد بينهما نصفان والوقت وغير الوقت في ذلك سواء هكذا ذكر في نسخ أبى حفص رحمه الله وقال في نسخ أبى سليمان رحمه الله على وقت أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر رحمهما الله يقضى به لصاحب السنتين وعلى قول أبي يوسف الاول وهو قول محمد رحمهما الله يقضي به بينهما نصفين فاشتبه مذهب محمد رحمه الله لاختلاف النسخ وجه قول أبى يوسف الآخر أن صاحب التاريخ السابق أثبت الملك لنفسه في وقت لا منازع له فيه فيثبت ملكه في ذلك الوقت ثم لا يستحق عليه الملك الا لسبب من جهته والآخر لا يدعي الملك بسبب من جهته وهو نظير ما لو ادعا الملك بالشراء كل واحد منهما من رجل أو من واحد وأرخا وأحدهما أسبق تاريخا كان صاحب أسبق التاريخين أولى فهذا مثله * وجه قوله الاول أن التاريخ ليس بسبب للملك فوجود ذكره كعدمه ثم كل واحد منهما ينتصب خصما عن مورثه في اثبات الملك له ولا تاريخ في ملك المورثين فيقضى به بينهما نصفين حتى لو أرخا ملك المورثين وتاريخ أحدهما أسبق كان هو أولى هكذا ذكر هشام في نوادره عن محمد رحمهما الله فاما مسألة الشراء فقد ذكر في الاملاء عن محمد رحمه الله أنهما إذا لم يؤرخوا ملك البائعين يقضى به بينهما نصفين فعلى هذه الرواية لا فرق بين الفصلين فاما على ظاهر الرواية الفرق بينهما أن ملك المشترى لا ينبنى على ملك البائع ولكن يحدث للمشتري ملك جديد بسبب جديد وهو الشراء فاسبقهما تاريخا أثبت ملكا متجددا لنفسه في وقت لا ينازعه فيه غيره فكان هو أولى فاما ملك الوارثين ينبنى على ملك المورثين لان الوراثة خلافة ولا تاريخ في ملك المورثين فاستويا لهذا. قال وان أقام رجل البينة ان أباه

[ 44 ] مات وتركه ميراثا منذ سنة وأقام ذو اليد البينة ان أباه مات وتركه ميراثا له منذ سنة أو لم يوقتوا وقتا أو وقتوا أقل من سنة فانه يقضى به للخارج أما إذا وقت شهود ذي اليد أقل مما وقت شهود الخارج أو لم يوقتوا فلا شك فيه لان الخارج أثبت ملكه في وقت لا ينازعه فيه ذو اليد وان وقت شهود ذى اليد مثل ما وقت شهود الخارج فقد استوت البينتان ومن أصلنا ان بينة الخارج تترجح على بينة ذي اليد عند التساوى في دعوى الملك وذكر التاريخ لم يفد شيئا هنا فكأنهما لم يذكراه وان وقت شهود ذى اليد سنتين فهو لذى اليد في قول أبى حنيفة وأبى يوسف الآخر وهو قول محمد رحمهم الله وفي قوله الاول هو للمدعى وهذا الخلاف بناء على الفصل الاول وقد ذكرنا هناك أن على قول أبى يوسف الاول لا غيره للتاريخ وكأنهما لم يذكراه فكذلك هنا لان غيره للتاريخ فيقضي به للخارج وفي قوله الآخر صاحب أسبق التاريخين أثبت الملك لنفسه في وقت لا ينازعه فيه غيره فهو أولى خارجا كان أو صاحب يد وهذا لان يد ذى اليد تدل على الملك ولكن لا تدل على سبق التاريخ فوجب قبول بينته على التاريخ كما يجب قبول بينته على النتاج وإذا وجب قبول بينته وتاريخه أسبق كان هو أولى وذكر ابن سماعة رحمه الله في نوادره أن محمدا رحمه الله رجع عن هذا القول بعد انصرافه من الرقة قال لا أقبل من ذى اليد بينة على تاريخ ولا غيره الا النتاج وما في معناه لان التاريخ ليس بسبب لاولية الملك بخلاف النتاج. قال ولو كانت أرض في يد رجل أقام رجل البينة ان أباه مات وهى في يديه لا يعلمون له وارثا غيره وأقام آخر البينة ان أباه مات وتركها ميراثا له لا يعلمون له وارثا غيره قضى بها بينهما نصفين لان شهادة شهود الاول انه مات وهى في يديه مثل شهادتهم انه مات وتركها ميراثا له فانهم شهدوا بيد مجهولة له عند الموت والايدى المجهولة عند الموت تنقلب يد ملك ولهذا إذا مات المودع مجهولا للوديعة صار متملكا ضامنا والملك إذا ثبت له عند الموت ينتقل إلى ورثته فكان هو وشهادتهم بانه تركها ميراثا له سواء. وكذلك ان أقام أحدهما البينة فان أباه مات وتركها ميراثا وأقام آخر البينة انها له قضى بها بينهما نصفين لان الوارث ينتصب خصما عن مورثه فكأن مورثه كان حيا مدعيا للملك والآخر خصما عن نفسه في دعوى الملك فاستويا فكان المدعى بينهما نصفين فان اقام أحدهما البينة ان أباه مات وتركها ميراثا له وأقام آخر البينة انه اشتراها من أب المدعى بمائة درهم ونقده الثمن قضي بها للمشترى لان الوارث خصم عن مورثه في

[ 45 ] اثبات الشراء عليه وما يثبت شراؤه منه في حياته لا يصير ميراثا لوارثه بعد موته انما يخلفه الوارث في ملك قائم عند الموت فكان بينة مدعي الشراء طاعنة في بينة مدعي الميراث فجعل هو أولى فكذلك لو ادعى صدقة أو هبة مقبوضة من الميت في صحته فاقام البينة لما بينا انه أثبت خروجه عن ملك مورثه في حياته إليه وكذلك لو أقام البينة ان أب هذا تزوج أمة عليها وأن أمه ماتت وتركها ميراثا له لانه خصم عن أمه وقد أثبت سبب تملكها على أب آخر في حياته وهو النكاح فلا يتصور ان يكون ميراثا له عن أبيه وقد ثبت خروجه من ملك أبيه في حياته. قال وان ادعاها انها له فشهد شاهدان أنها لابيه ولم يشهدوا أنه مات وتركها ميراثا لم يقض له بها لان الدعوى خالفت الشهادة فانه ادعى الملك لنفسه والشهود شهدوا بالملك لابنه وهذا اللفظ يوجب ان الاب حي فالميت ليس باهل للملك ولا حق له في ملك الاب في حياته وان كان الاب ميتا فقد شهدوا بملك عرف القاضى زواله فلا تقبل شهادتهم لهذا وكذلك لو شهدوا انها كانت لابيه حين مات في قول أبى حنيفة ومحمد وهو قول أبى يوسف الاول رحمهم الله ثم رجع فقال شهادتهم مقبولة لانهم أثبتوا ملك الاب في الزمان الماضي وما عرف ثبوته فالاصل بقاؤه الا أن يتبين سبب زواله ولم يتبين لزوال ملكه سببا سوى الموت وهو ناقل إلى الوارث فكانت هذه الشهادة بالملك له من هذا الوجه فيجب قبولها كما لو صرحوا بهذا لان الثابت لمقتضى الكلام فيما يرجع إلى تصحيح الكلام كالمصرح به * يوضحه أنه لو أقر ذو اليد انها كانت لابيه أو قامت البينة على اقراره بذلك أمر بالتسليم إليه فكذلك إذا ثبت بالبينة وجه قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله انهم شهدوا بملك عرف القاضى زواله ولم يبينوا سبب الزوال فلا تقبل شهادتهم كما لو ادعى ملكا بالشراء فشهدوا انها كانت لبائعه وهذا لان القاضى لا يتمكن في الحال من ان يقضي بالملك لابنه لعلمه بزوال ملكه فلا يمكنه ان يقضى بالملك للمدعى لان خلافته لابيه بطريق الميراث ابقاء له ما كان ثابتا لابيه لا أن يوجب اثبات الملك ابتداء ولان قيام ملك الاب وقت الموت شرط الانتقال إلى الوارث وقد بينا ان الشرط لا يثبت بالظاهر بل بالنص فإذا نص الشهود على انتقاله بالميراث يثبت بالشرط وان لم ينصوا عليه لم يثبت ما هو الشرط والملك الذى كان له في حياته لا يكون دليل ملكه عند الموت نصا بخلاف الاقرار فانه يوجب الحق بنفسه وقد بينا هذا الفرق في اليد للمدعى أمس فكذلك هنا ثم على قول أبى يوسف الآخر رحمه الله ما لم يقم المدعي البينة على عدد الورثة لم ينفذ القضاء لاحتمال أن

[ 46 ] تكون الورثة عددا فلا يرث هو الكل ولو أقام البينة أن أباه مات وتركها ميراثا ولم يعرفوا الورثة فان القاضى يقول قد ثبت بهذه البينة الملك لفلان وقت الموت وذلك يوجب الانتقال إلى ورثته ولكن لم يثبت عندي انكم ورثته فهاتوا بينة أنكم ولده وانه لا وارث للميت غيركم فإذا أقاموا البينة على هذا قضى بها لهم ولو لم يقيموا البينة على أنهم لا يعلمون له وارثا غيرهم بتأنى القاضى في ذلك ثم يدفع إليهم لان وراثتهم قد ثبتت ووجود مزاحم لهم في الميراث محتمل فعلى القاضى أن يتأنى لكيلا يبتلى بالخطأ ولا يحتاج إلى نقض قضائه ولم يتبين في الكتاب مدة التأني وذلك على حسب ما يراه القاضى لان ذلك يختلف باختلاف أحوال الميت في الشهرة والخمولة وباختلاف أحوال ورثته في الغيبة والحضور وذكر الطحاوي أن التقدير لمدة التأني أن التقدير لمدة التأني الحول فان المقصود ايلاء العذر في حق وارث غائب عسي؟ والحول مدة تامة لايلاء العذر قال القائل * إلى الحول ثم اسم السلام عليكما * ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر * وهو نظير أجل العنين ويأخذ منهم كفيلا بما دفع إليهم وهذا قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فما عند أبى حنيفة رحمه الله لا يأخذ منهم كفيلا وقال في الجامع الصغير هذا شئ احتاطته القضاة وهو ظلم * وجه قولهما أن القاضى مأمور بالنظر لكل من عجز عن النظر لنفسه ومن الجائز أن للميت غريما أو وارثا غائبا فلو لم يأخذ من الحاضر كفيلا بما يدفع إليه يفوت حق الغائب ففى أخذ الكفيل نظر للغائب ولا ضرر فيه للحاضر وهو نظير الآبق واللقطة إذا دفعها القاضى إلى رجل أثبت عنده أنه صاحبها أخذ منه كفيلا بها لهذا المعنى ولان عليه صيانة قضاء نفسه وهذه الصيانة انما تتحقق بأخذ الكفيل حتى إذا حضر غريم أو وارث لا يتعذر عليه ايصاله إلى حقه وأبو حنيفة رحمه الله يقول حق الحاضر ثابت معلوم وحق الغائب موهوم ولا يقابل الموهوم المعلوم فلا يؤخر القاضى تسليم حقه إليه إلى اعطاء الكفيل أرأيت لو لم يجد كفيلا أكان يمنعه حقه هذا ظلم منه وما ذكر في الآبق واللقطة قولهما لا قول أبى حنيفة رحمه الله ولانه لو أخذ الكفيل انما يأخذ المجهول والكفالة للمجهول لا تصح ولا يقال يأخذ الكفيل لنفسه لانه ليس بخصم ولا يقال يأخذه للميت لان حق الميت في تسليم ماله إلى وارثه وقد أثبت الحاضر ورثته فلا معنى للاشتغال باخذ الكفيل ولو أقام البينة أنها كانت لجده مات وتركها ميراثا له لم يقض له حتى يشهدوا أنه وارث جده لا يعلمون له ارثا غيره ولو شهدوا ان الجد مات وتركها ميراثا لابنه لم يقض له حتى يشهدوا أنه وارث

[ 47 ] وجده لا يعلمون له وارثا غيره أو شهدوا ان الجدمات وتركها ميراثا لابيه ثم مات أبوه وتركها ميراثا له لا يعلمون له وارثا غيره في قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله وقال أبو يوسف أقضى بها للجد وأضعها على يدى عدل حتى يصححوا عدد ورثة الجد وهو قول ابن أبى ليلى رحمه الله وهذا نظير الفصل الاول أن عند أبى يوسف رحمه الله يجب القضاء بما لو قامت البينة عليه وعندهما لم يجيزا الميراث إليه لا يظهر استحقاقه وكونه خصما في اثبات ملك الجد فلا يقضى القاضى بشى الا ان يخيروا الميراث كما بينا قال دار في يدى رجل أقام رجل البينة أن أباه مات وتركها ميراثا له ولاخيه فلان لا وارث له غيرهما وأخوه غائب قضي القاضى بحصته لانه أثبت استحقاقه بالحجه وهو خصم عن الميت في اثبات ملكه فاما نصيب الغائب يترك في يدى ذى اليد حتى يحضر في قول أبى حنيفة رحمه الله وهو القياس في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله ان كان ذو اليد منكرا أخرج القاضي نصيب الغائب من يده ووضعه على يد عدل ولو كان مقرا ترك نصيب الغائب في يده وهذا استحسانا * ووجهه ان القاضى مأمور بالنظر للغائب فإذا كان ذو اليد مقرا فالنظر في تركه في يده لظهور أمانته عنده وإذا كان منكرا فليس من النظر تركه في يده لانه قد ظهرت خيانته مرة بالجحود فلا يأمن بان يجحده فيتعذر على الغائب إذا حضر استيفاء حقه منه لان الحجة لا توجد في كل وقت فكان النظر في اخراجه من يده ووضعه على يدى عدل ولان ذ اليد إذا كان منكرا لا يمتنع من التصرف فيه عدلا كان أو غير عدل فانه يزعم انه مالك والعدل لا يمتنع من التصرف فيما عنده أنه ملكه وإذا كان مقرا يمتنع من التصرف فيه فيجوز تركه في يده وأبو حنيفة رحمه الله يقول الحاضر ليس بخصم عن الغائب في استيفاء ملكه فيجعل في حق الغائب وجود حضوره كعدمه وقد عرفها القاضى في يد ذى اليد فلا يتعرض لها الا بخصم يحضر لانه لو أخرجها من يده احتاج إلى وضعها في يد آخر مثل هذا أو دوله ولان هذا مختار الميت في حفظها والذى يضعه على يده ليس بمختار الميت ولا مختار وارثه فصار هذا نظير الاقرار والفرق الذى ذكره ساقط فانه بعد ما صار مسجلا مبينا في خريطة القاضى يؤمن جحود ذى اليد لعلمه أنه لا يلتفت إلى ذلك ويؤمن بتصرفه فيه لعلمه أن القاضي لا يمكنه فيه بخلاف ما إذا كان في الابتداء ثم إذا تركها في يد ذى اليد والمدعي منقول بقى مضمونا عليه والعقار كذلك على قول من يرى الضمان فيها بالغصب ويضمن بالجحود عند الكل وإذا وضعه على يد عدل كان العدل أمينا فيه والنظر في تركه في يد ذى اليد

[ 48 ] للغائب أكثر فيترك في يده فإذا حضر الغائب قال بعض مشايخنا رحمهم الله يحتاج على قول أبى حنيفة رحمه الله إلى اعادة البينة بالقياس على مسألة القصاص والاصح أنه لا يحتاج إلى ذلك لان الحاضر أثبت الملك للميت في الكل بما أقام من البينة فان أحد الورثة خصم عن الميت فيما يدعى له وعليه فلا يحتاج الثاني إلى اقامة البينة بخلاف القصاص فانه يثبت للوارث بعد موت المورث فمن هذا الوجه كان الحق يثبت فيه للوارث ابتداء فلا بد للذى يحضر من اعادة البينة على حقه (ألا ترى) أن هناك لم يتمكن الحاضر من استيفاء نصيبه بما أقام من البينة وهنا قد تمكن من ذلك. قال دار في يدي رجل وابن أخيه فادعى العم أن أباه مات وتركها ميراثا ولا وارث له غيره وادعي ابن الاخ أن أباه مات وتركها ميراثا له لا وارث له غيره وأقام البينة قضى بها بينهما نصفان لان كل واحد منهما خصم عن مورثه فكأنهما حيان أثبت كل واحد منهما الملك لنفسه والاب مع الابن في الخصومة في الملك بمنزلة الاجنبيين فإذا تساويا في سبب الاستحقاق وجب القضاء بينهما نصفان وان قال كانت الدار بين أخى وأبي نصفين وصدقه ابن الاخ بذلك ثم أقام البينة أن أخاه مات قبل ابنه وأقام ابن الاخ البينة أن جده مات قبل أبيه ثم مات أبوه فورثه فانه يقضى لكل واحد منهما بالنصف الذى كان لابيه لان معنى هذه المنازعة أن العم يقول مات أخى أولا عن ابن وأب فللاب السدس من نصيبه والباقى للابن ثم مات أبى عن ابن وابن ابن فكان ماله لابنه فلى سبعة أسهم من أثني عشر سهما من سهم الدار وابن الاخ يقول مات الجد أولا عن ابنين فصار نصيبه بينهما نصفين ثم مات أبى عن ابن وأخ فصار نصيبه لى وذلك ثلاثة أرباع الدار فإذا ظهرت هذه المنازعة بينهما ووقع التعارض بين البينتين في اثبات التاريخ لموت كل واحد منهما ولا ترجيح لاحدهما على الآخر يجعل كأنهما ماتا معا لتعذر اثبات والترتيب التاريخ من غير حجة ولو ماتا معا لم يرث واحد منهما من صاحبه لان بقاء الوارث حيا بعد موت المورث شرط لاثبات الخلافة في ملكه فصار نصيب كل واحد منهما لوارثه الحى فلهذا قضى بالدار بينهما نصفين والله أعلم بالصواب (باب شهادة أهل الذمة في الميراث) (قال رحمه رجل مات وله ابنان أحدهما مسلم والآخر كافر فزعم كل واحد منهما

[ 49 ] أن الاب مات على دينه وأن ميراثه له فالقول قول المسلم) لانه يخبر بأمر دينى وهو وجوب الصلاة عليه ووجوب دفنه في مقابر المسلمين والدعاء له بالخير وخبر الواحد في أمور الدين حجة كما لو روي خبرا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا صلينا عليه فقد حكمنا باسلامه عند موته وذلك يمنع كون ميراثه للابن الكافر فلهذا قضينا بالميراث للابن المسلم ولما ترجح جانبه بهذا السبب كان بمنزلة ترجح جانبه بشهادة الظاهر له والقول قوله مع يمينه على ما ادعاه خصمه وأيهما أقام البينة على ما ادعاه وجب قبول بينته لانه نور دعواه بها والبينة العادلة لا تعارضها الدعوى ممن شهد له الظاهر أولا يشهد فان أقاما جميعا البينة فالبينة بينة المسلم عندنا وقال الشافعي رحمه الله تبطل البينات للمنافات بينهما كما هو أصله لان كل واحد منهما يدعى خلافة الميت عن أمواله ملكا وفي دعوى الملك لا تترجح البينة بالدين كما لوادعى كافر ومسلم ملكا في يد ثالث فأقام كل واحد منهما البينة لا يترجح المسلم ولنا أن احدى الحجتين توجب اسلام الميت عند موته والاخرى توجب كفره فيترجح الموت الموجب للاسلام كالمولود بين مسلم وكافر يجعل مسلما عملا بقوله صلى الله عليه وسلم الاسلام يعلو ولا يعلا عليه ولانه لابد من الصلاة لان هذا الحكم ثبت بخبر الواحد فكيف لا يثبت بالحجة وان وقع التعارض بين البينتين بقى خبر المدعي بالاسلام حجة في الصلاة عليه وذلك يوجب ترجيح بينة المسلم وانقطاع منازعة الكافر عن ميراثه فان (قيل) من أصلكم أن البينة تترجح بزيادة الاثبات وبالحاجة إليها وهذا في بينة الكافر لان المسلم متمسك بما هو الاصل وهو أن من كان في دار الاسلام فالظاهر أنه مسلم ولا حاجة به إلى البينة لانا جعلنا القول قوله فينبغي ان تترجح بينة الآخر (قلنا) موضوع هذه المسألة فيما إذا كان الاب في الاصل كافرا فان أحد وارثيه مقر على الكفر ولا يقر الولد الآخر على الكفر بخلاف ما إذا كان الاب في الاصل مسلما لانه حينئذ إذا يكون مرتدا وإذا كان في الاصل كافرا فشهود الكافر يتمسكون بالاصل وشهود المسلم يثبتون اسلامه العارض فكان زيادة الاثبات من هذا الجانب وانما جعلنا القول قوله عند عدم البينة لا للتمسك بالاصل بل لاخباره بامر ديني ولو كان شهود الذمي مسلمين وشهود المسلم ذميين جعلتها للمسلم أيضا لان كل واحد منهما أقام من الحجة ما هو حجة على خصمه فكان هذا بمنزلة ما لو كان الفريقان مسلمين وهذه المسائل انما تنبنى على قولنا ان شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض مقبولة ولا تقبل على المسلمين اعتبارا بالولاية وعند ابن أبى ليلى رحمه الله كذلك إذا اتفقت مللهم وان

[ 50 ] اختلفت لا تقبل شهادة بعضهم على بعض فانهم عنده أهل ملل مختلفة والولاية تنقطع بينهم باختلاف الملل وعند الشافعي رحمه الله لا شهادة لبعضهم على البعض لنقصان الكفر الذى هو أكثر تأثيرا من نقصان الرق والصغر وهى مسألة الشهادات ولو قال أحد الابنين كنت مسلما وكان أبى مسلما وقال الآخر صدقت وقد كنت أيضا أسلمت في حياته وكذبه الآخر وقال أسلمت بعد موته فالميراث الذى اجتمعا على اسلامه في حياته لان الابن الآخر في حياته أقر بسبب حرمانه وهو كفره في حياة أبيه ثم ادعى ما يزيله وهو اسلامه قبل موت الاب فلا يصدق في ذلك الا بحجة وهذا لان اسلامه حادث والحوادث انما يحال بحدوثها على أقرب الاوقات فمن ادعى تاريخا سابقا فعليه اثباته بالحجة والاصل في جنس هذه المسائل أن سبب الاستحقاق متى ثبت بتصادقهما وادعى أحدهما ما يزيله وأنكر الآخر فالقول قول المنكر ومتى أقر بسبب الحرمان ثم ادعى زواله بسبب حادث لم يقبل قوله الا بحجة والقول قول خصمه ومن ادعى الاستحقاق وسبب الحرمان فيه قائم في الحال لا يثبت استحقاقه الا بحجة والقول قول خصمه كمن جاء وهو مرتد يطلب ميراث أبيه المسلم ويزعم أنه ارتد بعد موته لا يقبل قوله لان ما يحرمه الارث وهو الردة قائمة فيه في الحال فمتى وقع الاشتباه في الزمان الماضي بحكم الحال كالمستأجر مع صاحب الرحا إذا تنازعا في جريان الماء في المدة فان كان الماء للحال جاريا فالقول قول من يدعي أنه كان جاريا فيما مضى وان كان للحال منقطعا فالقول قول من يدعى أنه كان منقطعا فيما مضى فان (قيل) فإذا كان الابن مسلما في الحال ينبغى ان يجعل مسلما فيما مضى حتى يرث أباه المسلم (قلنا) هذا ظاهر يعارضه ظاهر آخر وهو أنه لما ثبت كفره فيما مضى فالظاهر بقاؤه حتى يظهر اسلامه ثم موافقته اياه في الدين عند الموت شرط للارث والشرط لا يثبت فالظاهر انما يثبت بالنص لان الاستحقاق يثبت عند وجوده والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا لاثباته (ألا ترى) ان ذا اليد يستحق الملك لما في يده بالظاهر ولا تثبت به الزوائد التى في يد غيره وكذلك لو كان الاختلاف في العتق والميراث الذى اجتمعا على عتقه في حياة الاب لان عتق الآخر بعد ثبوت رقه حادث على ما بينا. قال دار في يد ذمى أقام مسلم بينة من أهل الذمة أن أباه مات وتركها ميراثا له لا وارث له غيره وأقام ذمى بينة من أهل الذمة على مثل ذلك فانه يقضى بها للمسلم لان المسلم أقام ما هو حجة على ذي اليد وعلى خصمه الذمي وأقام الذى ما هو حجة على ذى اليد وليس بحجة على

[ 51 ] خصمه المسلم فلا تتحقق المعارضة بين الحجتين فصار في حق المسلم كانه لا حجة للذمي فلهذا قضى للمسلم وان كانت بينة الذمي مسلمين فهو بينهما نصفين لان كل واحد منهما أقام ما هو حجة على ذي اليد وعلى خصمه فاستويا فيقضى بينهما نصفان فان (قيل) الاستحقاق بشهادة المسلمين ثبت للذمي في الكل فلو بطل في النصف انما يبطل بشهادة أهل الذمة والاستحقاق بشهادة المسلمين لا يجوز ابطالها بشهادة أهل الذمة (قلنا) نحن لا نبطل شيئا من ذلك الاستحقاق فكل واحد منهما يستحق الكل كما شهد به شهوده ولكن القضاء نصفين لضيق المحل ثم هذا انما يستقيم أن لو كانت الشهود خصما فيها وليس كذلك فالخصم لا يكون شاهدا. قال دار في يد مسلم فقال مات أبى وهو مسلم فتركها ميراثا لي وقال أخو الميت مات أخى وهو على دينى فالقول قول الابن والميراث له لانه لو كان مدعى الكفر ابنا آخر كان القول قول المسلم فكيف إذا كان أخاه ولو كان الاخ هو المسلم المدعي لاسلامه والابن كافر يدعى كفره فالقول قول الابن لان الاخ محجوب بالابن فهو كاجنبي آخر فان (قيل) أليس أنه يخبر بالصلاة عليه وهو دينى (قلنا) اخباره بهذا كاخبار أجنبي آخر حين لم يكن هو من ورثته ظاهرا فلا يكون من ضرورته استحقاقه للميراث وان أقاما البينة أخذت بينة الابن المسلم لان فيها اثبات اسلامه وان أقام الاخ بينة من أهل الذمة على ما قال ولم يقم الابن بينة لم أجز شهادتهم على المسلم لان الاخ ببينته يبطل استحقاق المسلم لميراثه بعد أن ثبت استحقاقه بقوله وبينة أهل الذمة على الاستحقاق الثابت للمسلم لا تكون مقبولة. وان قالت امرأة الميت وهى مسلمة مات زوجي وهو مسلم وقال أولاده وهو كفار بل توفى أبونا وهو كافر وصدق أخو الميت المرأة وهو مسلم قضيت بالميراث للمرأة والاخ لان المرأة لا تحجب عن الميراث بأحد فهى وارثة على كل حال فكانت بمنزلة ابن وابنة تدعى اسلامه فالقول قوله وإذا حكمنا باسلامه بقولها وجعلنا الميراث لها والاولاد كفار لا يرثون منه شيئا فلا (يحجبون؟) الاخ فكان الباقي للاخ وقد سعد بالمرأة فانها لو لم تكن ما كان قول الاخ مقبولا وكذلك لو ترك ابنا وابنتا وأخا فقالت الابنة وهى مسلمة مات أبى مسلما وصدقها الاخ وهو مسلم وقال الابن وهو كافر مات أبى كافرا فالميراث للابنة والاخ لانها غير محجوبة بالابن فترجح قولها في دعوى الاسلام سعد الاخ بها كما بينا فان كان له ابنة وأخ أحدهما مسلم والآخر كافر فالقول قول المسلم منهما أيهما كان لان كل واحد منهما وارث مع صاحبه بخلاف الابن والاخ فالاخ محجوب بالابن لاقول له وهذا كله إذا لم يقر

[ 52 ] المسلم أن الاب كان كافرافان أقر بذلك وادعى أنه أسلم قبل موته لم يصدق الا بحجة لان ما ثبت من كفره يبقى إلى أن يظهر ما يزيله ولم يظهر ذلك بمجرد قوله لانه عارض يدعيه ولا ميراث له. ولو أقرت زوجة الرجل بعد موته أنه طلقها في الصحة واحدة وأقرت بانقضاء العدة وزعمت أنه راجعها وكذبتها الورثة فالقول قول الورثة لانها أقرت بسبب الحرمان وهو ارتفاع النكاح بانقضاء العدة ثم ادعت بعد ذلك سببا حادثا للاستحقاق فلا يظهر السبب بمجرد قولها بخلاف ما إذا ادعت الورثة أنه طلقها وانقضت عدتها وهى تنكر فالقول قولها لان سبب استحقاقها ثابت باتفاقهم فالورثة يدعون عليها سبب الحرمان حادثا وهى تنكر وهذا الفصل انما أورده أيضاحا لما سبق فيما إذا لم يقر الابن المسلم بكفر أبيه أو أقر به وادعى اسلامه بعد موته. قال زوجان ذميان مات ابن لهما عن ابن فقالا مات ابننا كافرا وقال الابن وهو مسلم مات أبى مسلما فالقول قول الابن ولا ميراث للابوين لان الولد مع الابوين وارث غير محجوب فكان القول قوله في اسلام الميت كما لو كانت المنازعة بين اثنين وقد قررناه فيما سبق. قال رجل مات وترك ميراثا في يدى رجل فاقام ابنه البينة أنه ابنه ووارثه ولم تشهد شهوده أنه لا وارث له غيره وقال ذو اليد له ولد غير هذا أو قال لا أدرى أله ولد سوي هذا أم لا تلوم القاضي في ذلك زمانا رجاء أن يحضر وارث آخر فإذا لم يحضر قضى بالميراث له لان سبب استحقاقه قد ثبت بالحجة وقد تيقنا بكونه وارثا خليفة للميت في ملكه فيدفع ماله إليه ويستوثق منه بكفيل من أصحابنا رحمهم الله من قال أخذ الكفيل هنا قولهم جميعا بخلاف ما قال أبو حنيفة رحمه الله فيما سبق لان هنا الشهود لم يشهدوا بانتفاء ورث آخر فكان الموضع موضع الاحتياط لاخذ الكفيل والاصح أنه على الخلاف كما بينا وقد ذكرنا أيضا مدة التلوم وعن أبى يوسف رحمه الله أنه قدر ذلك بشهر لان ما وراء الشهر في حكم الاجل فيتضرر به الوارث بتأخير حقه وفيما دون الشهر ليس له كثير ضرر. وكذلك لو كان الابن كافرا وقال مات أبي كافرا وكذلك هذا الجواب في كل من لا يحجب عن الميراث بآخر إذا ثبتت قرابته يقضى له بالمال بعد التلوم اذالم تشهد الشهود انه لا وارث له غيره حتى لو كانت أما أو بنتا يقضى لها بجميع ماله لانه لا عصبة للميت ظاهرا فكان جميع الميراث لها فرضا وردا فاما إذا كان من يثبت وراثته ممن يحجب بغيره كالجد والجدة والاخ والاخت فانه لا يعطى شيئا ما لم تقم البينة على عدد الورثة أو يشهدوا أنهم لا يعلمون له وارثا غير هذا لان استحقاق

[ 53 ] الاخ للميراث يتعلق بشرط أن يكون الميت كلالة قال الله تعالى وان كان رجل يورث كلالة الآية وقال الله تعالى يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة والكلالة من ليس له ولد ولا والد فما لم يثبت هذا الشرط بالنص من الشهود لا يكون هو وارثا وما لم يثبت وراثته لا يدفع المال إليه بخلاف ما سبق فانه وارث بنسبه غير محجوب باحد فان (قيل) كيف يثبت استحقاقه بقول الشهود لا وارث له غيره أو لا نعلم له وارثا غيره وهذه شهادة على النفى (قلنا) أما إذا قالوا لا وارث له غيره فعند ابن أبى ليلى رحمه الله هذا لا تقبل لتيقن القاضى أنهم جازفوا إذ لا طريق لهم إلى معرفة نفى الوارث وعندنا تقبل بناء على العادة ان مراد الناس من هذا لا نعلم له وارثا غيره وهذه شهادة منهم على اثبات شرط الوراثة الا ان الشرط نفى والشرط يجوز اثباته بالبينة نفيا كان أو إثباتا كما لو قال لعبده ان لم تدخل الدار اليوم فانت حر فاقام العبد البينة أنه لم يدخلها فاما الزوج والزوجة إذا أثبت أحدهما سبب ارثه بالبينة ولم يثبت أنه لا وارث للميت غيره فعلى قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله يقضى لهما باكثر النصيبين بعد البلوغ للزوج بالنصف وللمرأة بالربع وعند أبي يوسف رحمه الله يقضي لهما باقل النصيبين للزوج بالربع وللمرأة بالثمن قال لان استحقاق الزوج والزوجة لاكثر النصيبين يتعلق بشرط عدم الولد بالنص قال الله تعالى ولكم نصف ما ترك أزواجكم ان لم يكن لهن ولد وقد بينا أن الشرط لا يثبت باعتبار الظاهر وانما يثبت بنص من الشهود فإذا لم يوجد لا يقضى لهما الا بالمتيقن ولان الزوجية في استحقاق الميراث بها دون الاخوة فبالاخوة تستحق جميع المال ولا تستحق ذلك بالزوجية بحال ثم الاخ لا يستحق شيئا ما لم يقم البينة أنه لا وارث له غيره لانه لا تيقين باستحقاق شئ له فكذلك الزوج فيما لا يتيقن باستحقاقه بمنزلة الاخ في الكل أو دونه وحجتهما في ذلك انه أثبت سبب الوراثة من لا يحجب عن الميراث باحد فيستحق جميع ميراثه بعد التلوم كالاب والولد وهذا لان حرمانه عن أكثر النصيبين بولد يحجبه وهذا الحاجب غير ظاهر فيبقى مستحقا بما أثبت من السبب وصار الزوج في استحقاق ما زاد على لربع كالابوين في استحقاق ما زاد على السدس وكل واحد منهما يتعلق بشرط عدم الولد قال الله تعالى ولابويه لكل واحد منهما السدس مما ترك ان كان له ولد الاية ثم هناك يقضى لهما بالجميع لان الولد الحاجب غير ظاهر هناك كذلك هنا وعن أبى يوسف رحمه الله يعطى للمرأة ربع الثمن لان أقل نصيبها هذا فلعل للمرء ثلاث نسوة سواها وهذا ليس

[ 54 ] بقوي فالزوجية سبب تام لاستحقاق الثمن لها بيقين وانما يقسم الثمن بين الزوجات للمزاحمة ولا مزاحم لها هنا فكيف ينقص حقها من الثمن وعن الحسن بن زياد رحمه الله قال يقضى لها بربع التسع وللزوج بالخمس لان المتيقن هذا المقدار فمن الجائز ان الرجل مات عن أبوين وابنين وأربع نسوة وهى المتبرأة التي قال فيها علي رضى الله عنه في البديهية حين سئل وهو على المنبر انقلب ثمنها تسعا فان أصل الفريضة من أربعة وعشرين للنسوة الثمن ثلاثة وللابوين الثلث لكل واحد سدس ثمانية وللابنتين الثلثان ستة عشر تعول بثلاثة فكانت من سبعة وعشرين فللنسوة ثلاثة وهى التسع حظ الواحدة الربع من ذلك فيقضى لها بهذا القدر واليقين في جانب الزوج في الخمس لجواز ان يكون تركة أبوين وابنتين وزوجا فللزوج الربع وللابوين السدسان وللابنتين الثلثان أصله من اثنى عشر وتعول بثلاثة فللزوح ثلاثة من خمسة عشر وذلك الخمس ولكن هذا ليس بقوي فان اعتبار العول لمعنى المزاحمة والضيق في المحل فكيف يثبت ذلك عند عدم ظهور وارث آخر سوى الزوج أو الزوجة والمعلوم لا يقابل الموهوم فدل أن الصحيح ما قاله أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله والله أعلم (باب اختلاف الاوقات في الدعوى وغير ذلك) (قال رحمه الله دار في يدي رجل فادعى رجل أنها له منذ سنتين وأقام البينة وادعى ذو اليد انها في يده منذ سنتين وأقام البينة ولم يشهدوا أنها له قضيت بها للمدعي) لان شهود المدعي شهدوا له بالملك نصا وشهود ذى اليد انما شهدوا له باليد والا يدى تنوعت إلى يد أمانة ويد ضمان ويد ملك فلا تعارض بينته بينة الخارج ولان الثابت من يده بالبينة كالثابت بالمعاينة وذلك لا يمنع القضاء بالملك للمدعى إذا أثبتها بالبينة في الحال فكذلك في الوقت الذى أسند شهوده إليه. قال دابة في يد رجل فأقام آخر البينة أنها له منذ عشر سنين فنظر القاضي في سنها فإذا هي أبنة ثلاث سنين يعرف ذلك فبينته باطلة لان القاضي تيقن بمجازفة الشهود في شهادتهم فانهم شهدوا بالملك له فيها في وقت يتيقن أنها لم تكن موجودة فيه والملك لا يسبق الوجود ولانه لا يمكنه القضاء بالملك في الحال لانه خلاف الشهادة ولا في الوقت المضاف إليه لانه محال. قال وإذا كانت الدار في يدي رجل أقام آخر البينة أنها له منذ سنة وأقام آخر البينة انها له اشتراها من آخر منذ سنتين وهو يملكها يومئذ فاني أقضى بها لصاحب الشراء لانه أسبق تاريخا وقد أثبت

[ 55 ] الملك لنفسه في وقت لا ينازعه الآخر فيه وهو خصم عن بائعه في اثبات الملك له في الوقت الذى أرخ شهوده فكان هو أولى بها وكذلك لو شهدوا أنها له اشتراها من فلان منذ سنتين فشهادتهم بالملك للمشتري بمنزلة شهادتهم بالملك للبائع إذا شهدوا بالشراء. وكذلك لو لم يشهدوا بالملك للبائع ولا للمشتري ولكن شهدوا أن فلانا باعها منه وسلمها إليه من سنتين أو أنه اشتراها من فلان منذ سنتين وقبضها فهذا وشهادتهم بالملك له سواء لان البائع في الظاهر انما يتمكن من التسليم إذا كان مالكا للمبيع وكذلك المشترى انما يتمكن من القبض إذا اشتراها من المالك ولان سبب الملك يتأكد بالتسليم فشهادتهم على سبب ملك متأكذ بمنزلة الشهادة على الملك ولو شهدوا أن فلانا باعها منه واستوفى الثمن أو أنه اشتراها ونقد البائع الثمن ولم يشهدوا بالقبض والتسليم لم يقض لمدعي الشراء بشئ لانهم شهدوا بمجرد العقد وذلك يتحقق من غير المالك موقوفا على اجازة المالك فلا يوجب الملك للمشترى قبل الاجازة فلم يكن في هذه الشهادة اثبات الملك للمشترى نصا ولا دلالة فلا يقضي بها له وفي كل موضع قضينا بالملك للمشترى إذا حضر البائع وأنكر أن يكون باعه لم يلتفت إلى انكاره لان ذا اليد انتصب خصما عن البائع في انكاره للبائع البيع والمشترى لا يتوصل إلى اثبات الملك لنفسه الا باثبات سببه وهو الشراء من الغائب ومتى كان حق الحاضر متصلا بحق الغائب انتصب الحاضر خصما عن الغائب فقد اتصل القضاء ببينة قامت على خصم فلا حاجة إلى اعادتها بعد ذلك. قال دار في يدي رجل أقام رجل البينة أنها له ولم يوقت شهوده وأقام ذو اليد البينة أنها له منذ سنة فاني أقضي بها للمدعى لان تاريخ ذى اليد ليس بدليل سبق ملكه فلعل شهود المدعي لو أرخوا ذكروا تاريخا سابقا فلا يستحق ذواليد الترجيح بما هو محتمل في نفسه والتحق بما لو لم يذكر الوقت فتترجح بينة المدعي. ولو أقام المدعي البينة أنها له منذ سنة أو سنتين شك الشهود في ذلك وأقام ذو اليد البينة انها له منذ سنتين قضيت بها لذى اليد لان شهود الخارج شكوا فيما زاد على السنة ومع الشك لا يمكن اثبات التاريخ فانما يثبت من تاريخهم ما يتفقوا به وذلك سنة فصار تاريخ ذي اليد أسبق فتترجح بينته وقد بينا اختلاف الروايات فيه فيما سبق ولو وقت شهود المدعي سنة ووقت شهود ذواليد سنة أو سنتين شكوا في ذلك فهو للمدعي لان ما شك فيه شهود ذي اليد لم يثبت وفيما تفقوا فيه استوى تاريخ ذى اليد والخارج فتترجح بينة المدعى ولو شهد شهود المدعى انها كانت له عام أول وشهود ذى اليد انها له منذ العام قضيت بها للمدعي

[ 56 ] لان تاريخ شهوده أسبق ولو شهد شهود المدعي انها له منذ العام وشهود ذي اليد انها له عام أول قضيت بها لذي اليد لان شهوده شهدوا بتاريخ أسبق من تاريخ المدعى فثبت ملكه في ذلك الوقت وبعد ثبوت ملكه لا يستحقه الغير الا من جهته، قال دار في يد رجلين أقام أحدهما البينة أنها له منذ سنة وأقام الآخر البينة أنها له منذ سنتين قضيت بها لصاحب السنتين لان في يد كل واحد منهما نصف الدار ففى النصف الذى في يد من أرخ شهوده سنة بينة الخارج قامت بتاريخ سابق فكان هو أولى وفي النصف الذي في يد من أرخ شهوده بسنتين بينة ذي اليد قامت على تاريخ سابق على بينة الخارج فيستحق الترجيح به أيضا ولو أقام أحدهما البينة أن له ثلثها منذ سنة وأقام الآخر البينة ان له ثلثها منذ سنين فاني أقضي بالثلثين لصاحب السنتين لان دعواه تنصرف إلى ما في يده أو لا ثم فيما يفضل على ما في يده ينصرف دعواه إلى ما في يد صاحبه لان يده يدا محقة تحسينا للظن بالمسلم وحملا لفعله على الصحة ولو صرفنا دعواه إلى ما في يد غيره لم تكن يده يدا محقة وفى يده نصف الدار فما زاد على النصف إلى تمام الثلثين وهو السدس اجتمع فيه بينة الخارج وبينة ذي اليد وتاريخ الخارج أسبق فهو أولى ولان الآخر ليس يدعي إلى الثلث ودعواه منصرفة إلى مافى يده فما زاد على الثلث هو لا ينازع الاخر فيه وقد أثبت الآخر استحقاقه بالبينة على ما في يده فيقضى له به وترك الثلث في يد صاحب الثلث فيكون ذلك له قضاء ترك لان بينته لم تقم على منازع له فيه يد ولا ملكا فهذا الطريق فيما إذا كان من أرخ سنة يدعى ثلثها والطريق الاول فيما إذا كان يدعى نصفها وقد اختلفت النسخ في وضع هذه المسألة. قال أمة في يد رجل فاقام رجل البينة أنها أمته منذ ستة أشهر وأنه أعتقها البتة منذ شهر وأقام آخر البينة أنها أمته منذ سنة وأنه أعتقها عن دبر منه منذ سنة فانه يقضى بها مدبرة لمدعى التدبير لان تاريخ شهوده أسبق فانهم أثبتوا الملك والتدبير له منذ سنة والملك المتأكد بالتدبير لا يحتمل النقض فشهود الآخر انما شهدوا بالعتق فيمن لا يملكها وذلك غير مفيد ذكره في بعض النسخ وفي قول أبى يوسف رحمه الله الاول البينة بينة مدعى العتق وهي حرة البتة وهذا بناء على ما سبق أن الخارجين إذا أرخا الملك بتاريخين في قوله الاول يقضي بها بينهما نصفان ولا يترجح أحدهما لسبق التاريخ وقد بينا هذا في باب دعوى الميراث فهنا لما استويا في اثبات الملك على هذا القول بقى الترجيح بما أثبتوا من العتق والعتق والتدبير إذا اجتمعا يترجح العتق لاستحالة أن يوطأ بملك اليمين وقد قامت البينة على حريتها من جهة من

[ 57 ] أثبت ملكه فيها بالحجة. قال دار في يد رجل ادعى رجل أنه اشتراها منه بمائة درهم ونقده الثمن وادعى آخر أنه اشتراها منه بمائتي درهم ونقده الثمن ولم توقت واحدة من البينتين وقتا فكل واحد منهما بالخيار ان شاء أخذ نصفه بنصف الثمن الذى بين شهوده وان شاء ترك لانهما تصادقا على أن الملك في الاصل كان لذى اليد وادعى كل واحد منهما التملك عليه بسبب الشراء وقد استويا في ذلك ولو استويا في اقامة البينة على الملك المطلق عليه قضي به بينهما نصفان فكذلك هنا فان (قيل) قد تيقن القاضى بكذب أحد الفريقين لان التعين على دار واحدة من رجلين من كل واحد منهما بكماله لا يتصور في وقت واحد فينبغي أن تبطل البينتان (قلنا) الشهود شهدوا بنفس البيع لا بصحته ولم يشهدوا بوقوع البيعين معا ويتصور بيعان في وقتين من واحد لعين واحدة من كل واحد منهما وكل واحد منهما اعتمد سببا أطلق له الشهادة فيجب العمل بها بحسب الامكان ولان البيعين يتصور وقوعهما في وقت واحد من وكيل المالك ويضاف عقد الوكيل إلى الموكل مجازا فلعل الوكيلين باعا معا فيقضى لكل واحد من المشتريين بنصفها ويخير كل واحد منهما لتفرق الصفقة عليه فانه أثبت عقده في الكل فلتبعض الملك حين لم يسلم له الا النصف خيرهما فان رضيا به فعلى كل واحد منهما من الثمن بقدر ما يسلم له من البيع وذلك النصف فان رضي به أحدهما وأبى الآخر فليس للذى رضي به الا نصفه لان القاضى حين خيرهما فقد فسخ بيع كل واحد منهما في النصف حين قضى به لصاحبه فلا يعود بيع أحدهما بترك صاحبه المزاحمة معه الا أن يكون ترك المزاحمة قبل أن يقضى القاضى بشئ فحينئذ تكون الدار للآخر بجميع الثمن فانه أثبت شراءه في الكل ولم يفسخ القاضى بيعه في شئ وانما كان القضاء له بالنصف لمزاحمة صاحبه معه فإذا زالت المزاحمة قضى له بالكل كالشفيعين إذا أسلم أحدهما قبل قضاء القاضى لهما يقضى للآخر بجميع الدار بخلاف مالو كان تسليمه بعد القضاء فانه لا يكون للآخر الا نصف الدار ولو وقتت كل واحدة من البينتين وقتا قضيت بها لصاحب الوقت الاول لانه أثبت شراءه في وقت لا ينازعه الآخر فيه فاستحقها من ذلك الوقت فيتبين أن الآخر اشتراها من غير المالك فكان شراؤه باطلا وان وقتت إحداهما ولم توقت الاخرى قضيت بها لصاحب الوقت لان شراءهما حادث فانما يحال بحدوثه على أقرب الاوقات ما لم يثبت التاريخ فانما يثبت شراء الذى لم توقت شهوده في الحال وقد أثبت الآخر شراءه سابقا فكان هو أولى وهذا بخلاف ما إذا ادعى الشراء من

[ 58 ] رجلين ووقته احدهما ولم يوقت الآخر يقضى بها بينهما نصفين لان كل واحد منهما هناك خصم عن تابعه في اثبات الملك له وتوقيت أحدهما لا يدل على سبق ملك بائعه فلعل ملك البائع الآخر أسبق فلهذا قضينا به بينهما فاما هنا اتفقا على الملك لبائع واحد فانما حاجة كل واحد منهما إلى اثبات سبب الانتقال إليه لا إلى اثبات الملك للبائع وسبب الملك في حق الذى وقت شهوده أسبق فكان هو بالدار أحق وان لم يوقت واحد منهما وكانت الدار في يد احدهما وقد قبضها قضيت بها لذي اليد لان قبضه صادر عن العقد الذي أثبته بالبينة حملا لفعله على الصحة فكان شراؤه متأكدا بالقبض فيترجح به لمعنيين أحدهما أنه قبضه اقترن بعقد الآخر وهو صادر عن عقده فلا بد من أن يكون عقد سابقا ولانه يحتاج إلى اثبات الاستحقاق علي البائع فقط وذلك في بينته فاما الخارج يحتاج إلى اثبات الاستحقاق على ذي اليد كما يحتاج إلى اثباته على البائع وليس في بينته ما يوجب الاستحقاق على ذي اليد لجواز أن يكون عقد ذي اليد سابقا وهذا بخلاف ما إذا ادعيا الشراء من اثنين واحدهما قابض فان الخارج أولى هناك لان كل واحد منهما يحتاج إلى اثبات الملك لبائعه أولا فاجتمع في حق البائعين ببينة الخارج وبينة ذي اليد فكانت بينة الخارج أولى فاما هنا لا يحتاج إلى اثبات الملك للبائع بل هو ثابت بتصادقهما عليه انما حاجتها إلى اثبات سبب الاستحقاق وسبب القابض أقوى فكان هو أولي فان شهد شهود الخارج على وقت لم ينتفع به لان تمكن القابض من القبض دليل سبق عقده وهو دليل معاين والتاريخ في حق الخارج مخبر به وليس الخبر كالمعاينة ثم يد ذي اليد ثابتة بيقين فلا ينقض الا بيقين مثله وبذكر الوقت من شهود الخارج لا يزيل احتمال سبق عقد ذي اليد فلا ينقض قبضه الا أن يشهدوا أن بيع الخارج كان قبل بيع ذي اليد فحينئذ يكون بيع الخارج أولى لان تقدم العقد ثبت بنص من شهوده وتبين أن القابض اشترى من غير المالك وان كان المدعيان أقام كل واحد منهما البينة على الشراء من رجل آخر والدار في يد المدعى عليه قضى بها بينهما نصفين لان كل واحد منهما ثبت الملك لبائعه أولا وقد استوت البينتان في اثبات الملك للبائع فيقضى بها بينهما نصفين ويتخير كل واحد من المشتريين لما بينا وإذا اختار الاخذ رجع كل واحد منهما على بائعه بنصف الثمن ان كان نقده اياه لانه لم يسلم له الا نصف المبيع ولو وقتا وقتين كان صاحب الوقت الاول أولى لاثباته الملك لبائعه في وقت لا ينازعه الآخر فيه ويرجع الآخر بالثمن على بائعه لاستحقاق المبيع من يده. ولو أقام أحدهما

[ 59 ] البينة أنه اشتراها من فلان بثمن مسمى وهو يملكها وأقام الآخر البينة أن فلانا آخر وهبها له وقبضها منه وهو يومئذ يملكها قضى بها بينهما نصفين لان كل واحد منهما ينتصب خصما عمن ملكه في اثبات الملك له أولا ثم لنفسه فالحجتان في اثبات الملك لهما سواء فيقضى بها بينهما نصفين وكذلك لو أقام ثالث البينة على الصدقة من ثالث مع القبض وأقام رابع البينة على ارثه من أبيه قضى بينهم ارباعا لما بينا أن كل واحد منهما خصم عمن ملكه فان (قيل) انما وضع المسألة في الدار فكيف يجوز القضاء بالهبة والصدقة في جزء منهما مشاعا (قلنا) قيل موضوع هذه المسألة في الدابة ولئن كان في الدار فكل واحد منهما اثبت استحقاقه في الكل الا أنه لاجل المزاحمة يسلم له البعض وهذه المزاحمة بعد القبض فكان شيوعا طارئا وذلك لا يبطل الهبة والصدقة وهذا بخلاف ما إذا كانت الدار في يد رجل فاقام آخر البينة انه اشتراها من فلان بثمن مسمى وتقابضا وأقام آخر البينة أن فلانا ذلك وهبها منه وقبضها قضي بها لصاحب الشراء لانهما لا يحتاجان هنا إلى اثبات الملك لمن ملكها فانه ثابت بتصادقهما وانما الحاجة إلى اثبات سبب الملك عليه والشراء أقوى من الهبة لانه عقد ضمان يوجب الملك في العوضين والهبة تبرع لان الشراء يوجب الملك بنفسه والهبة لا توجب الملك الا بعد القبض فكان ملك مدعى الشراء سابقا فلهذا جعل أولى وكذلك لو ادعى أحدهما الشراء والآخر الصدقة وادعى أحدهما الشراء والآخر الرهن فالشراء أولى لما بينا وإذا ادعى رجل الشراء وادعت المرأة أن فلانا ذلك تزوجها عليها فعلى قول أبى يوسف رحمه الله يقضي لكل واحد منهما بالنصف ثم للمرأة نصف القيمة على الزوج ويرجع المشترى بنصف الثمن ان كان نقده اياه وقال محمد رحمه الله يقضى بها لصاحب الشراء وللمرأة على الزوج قيمة الدابة * وجه قول محمد رحمه الله أن تصحيح البينات والعمل بها واجب ما أمكن لانها حجج وهنا يمكن تصحيح البينتين بان يجعل الشراء سابقا فان تسمية ملك الغير صداقا تسمية صحيحة موجبة لقيمة المسمى عند تعذر تسليم عينه فلهذا جعلنا الشراء سابقا ولان الشراء مبادلة مال بمال موجب الضمان في العوضين والنكاح مبادلة مال بما ليس بمال غير موجب للضمان في المنكوحة فكان الشراء أقوى من هذا الوجه فجعل أولى وأبو يوسف رحمه الله يقول كل واحد من البينتين يثبت الملك لنفسها فتتحقق المساواة بينهما في الاستحقاق كما في دعوى الشرائين ومن وجه النكاح أقوى لان الملك في الصداق يثبت بنفس العقد متأكدا حتى لا يبطل بالهلاك قبل التسليم بخلاف

[ 60 ] الملك في المشترى ويجوز التصرف في الصداق قبل القبض بخلاف المشترى فان لم يترجح جانب النكاح بهذا فلا أقل من المساواة وفيما قال محمد رحمه الله اثبات تاريخ لم يشهد به الشهود والتاريخ بين العقدين يثبت من غير حجة فإذا قضينا به بينهما نصفين استحق على المرأة نصف الصداق فيرجع بقيمة المستحق واستحق على المشتري نصف المبيع فيرجع بثمنه وان ادعى أحدهما الرهن والقبض والآخر الهبة والقبض فالرهن أولى وذكر في كتاب الشهادات أن الهبة أولى في القياس ووجهه أن الهبة تفيد ملك العين والرهن لا يوجب فكان السبب الموجب لملك العين أقوى وجه الاستحسان أن الرهن عقد ضمنان والهبة عقد تبرع وعقد الضمان أقوى من عقد التبرع ولانه يثبت بدلين المرهون والدين والهبة لا تثبت الا بدلا واحدا فكان الرهن أولى من الهبة وكذلك الرهن أولى من الصدقة والنكاح أولى من الهبة والصدقة لانه يوجب الملك بنفسه كالشراء فأما الهبة والصدقة سواء حتى لو ادعى أحدهما الهبة والآخر الصدقة يستويان لان كل واحد منهما تبرع لا يتم الا بالقبض فان (قيل) الصدقة لا رجوع فيها بخلاف الهبة فكانت الصدقة أقوى (قلنا) امتناع الرجوع لحصول المقصود بها وهو الثواب لا لقوة السبب ولو حصل المقصود بالهبة وهو صلة الرحم لم يرجع فيها أيضا. قال دار في يد رجل فاقام آخر البينة أنه اشتراها من ذي اليد بالف درهم ونقده الثمن وأقام ذو اليد البينة أنه اشتراها من المدعى ونقده الثمن فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تتهاتر البينتان جميعا سواء شهدوا بالقبض أو لم يشهدوا ويترك الدار في يد ذي اليد وعند محمد رحمه الله يقضي بالبينتين جميعا فان لم تشهد الشهود بالقبض يجعل شراء ذي اليد سالما فيأمن بتسليمه إلى الخارح وان شهدوا بالقبض يجعل شراء الخارج سابقا فيسلم لذي اليد وجه قول محمد رحمه الله أن البينات حجج فمهما أمكن العمل بالبينتين لا يجوز ابطال شئ منها كالحجج الشرعية وهنا العمل بالبينتين ممكن أما إذا لم تشهد الشهود بالقبض فامكان العمل بها في جعل شراء ذي اليد سابقا لانا لو جعلنا شراء الخارج سابقا لم يصح بيعه من بائعه قبل القبض ولان قبض ذي اليد صادر عن عقده الذي أثبته بالبينة وذلك دليل سبق عقده فان شهد الشهود بالقبض يجعل عقد الخارج سابقا لان انقضاء قبضه دليل سبق عقده وقيام قبض الآخر دليل تأخر عقده ولانا لو جعلنا عقد ذي اليد سابقا كان قبضه غصبا حراما ولو جعلنا عقده متأخرا كان قبضه بحق فلهذا أثبتنا التاريخ بين العقدين بهذه الصفة وهذا عمل بالدليل وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله

[ 61 ] قال كل واحد منهما بدعوى الشراء أثبت اقرار صاحبه بالملك له فكل بائع مقر بوقوع الملك للمشترى فكان هذا بمنزلة مالو أقام كل واحد منهما البينة على اقرار صاحبه بالملك له ولو كان كذلك تهاتر الاقرار لان الثابت من الاقرارين بالبينة كالثابت بالمعاينة ولو عاين اقرار كل واحد منهما بالملك لصاحبه معا بطل الاقراران جميعا فهذا مثله لمعنى أن شهود كل واحد منهما لم يشهدوا بالتاريخ فكل أمرين ظهر اولا يعرف سبق أحدهما جعل كأنهما وقعا معا فلا يجوز اثبات التاريخ بينهما لانه قضاء بما لم تشهد به الشهود فإذا جعلنا كالواقع معا بطلا للمنافاة بينهما وانما يعتبر امكان العمل بالبينتين بما شهدوا به دون ما لم يشهدوا به فان وقت الشهود وقتين فهذا على وجهين إما ان يكون وقت الخارج سابقا أو وقت ذي اليد وكل وجه على وجهين اما أن تشهد الشهود بالقبض أو لم يشهدوا به فان كان وقت الخارج سابقا فان لم تشهد الشهود بالقبض قضى بها لذي اليد عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله لان شراءه ثبت سابقا ثم اشتراه منه ذو اليد قبل التسليم وبيع العقار قبل القبض عندهما جائز وعند محمد رحمه الله يقضي بها للخارج لانه لا يجوز بيع العقار قبل القبض وان شهد الشهود بالقبض يقضى بها لذي اليد عندهم جميعا لان الخارج باعها من بائعه بعد ما قبضها وذلك صحيح وان كان وقت ذي اليد سابقا يقضى بها للخارج سواء كان الشهود شهدوا بالقبض أو لم يشهدوا أما إذا شهدوا بالقبض فلا اشكال وكذلك ان لم يشهدوا به لان ذا اليد قابض وقد ثبت شراؤه سابقا فيجعل قبضه صادرا لا عن عقده ثم الخارج انما اشتراها منه بعد قبضه فيؤمر بتسليمها إليه. قال أمة في يد رجل فأقام رجل البينة على الشراء منه وأقامت الامة البينة على العتق أو التدبير فان بينتها أولى لان كل واحد من البينتين موجب للحق بنفسه والعتق أقوى فانه لا يحتمل النقض بعد وقوعه وكذلك التدبير بخلاف الشراء ولان العبد بالعتق يصير قابضا لنفسه ولان العتق ينفرد به المعتق والشراء لا يتم الا بالايجاب والقبول وكان العتق والتدبير سابقا من هذا الوجه ولو استويا لم يمكن القضاء بالشراء لاقران العتق به فان معتق البعض لا يحتمل البيع فلهذا جعلنا بينتها أولى وان وقتت البينتان فأولهما أولاهما ان كان العتق أولا فغير مشكل وان كان الشراء أولا فلان المشترى أثبت الملك لنفسه في وقت لا تنازعه الامة فيه ثم هي أثبتت العتق والتدبير من غير المالك وذلك لا يوجب لها حقا ولو وقتت بينة الشراء ولم توقت بينة العتق أو التدبير كان العتق والتدبير أولى لما بينا أن العتق والتدبير يقع مسلما بنفسه فوجد القبض

[ 62 ] في أحد الجانبين والوقت في الجانب الآخر وكان القبض أولى فان كان المشتري قد قبضه فهو أولى لان تمكنه من القبض دليل سبق عقده ولان قبضه معاين وقبض الآخر ثابت حكما فكان المعاين أولى وحمل فعل المسلم على الصحة والحل واجب ما أمكن الا أن تقوم البينة أن العتق أول أو وقتوا وقتا يعرف أنه أول فحينئذ يكون العتق أولي لانعدام مزاحمة المشترى في ذلك الوقت وكذلك ان لم يوقت بينة الشراء الا أن المشترى قد قبضه فهو أولى لما بينا أن قبضه دليل تقدم عقده الا أن تقوم البينة أن العتق أول وكذلك الهبة والصدقة مع العتق في جميع ما ذكرنا من التفريع لان الهبة والصدقة مع القبض موجبة للملك كالشراء، ولو كانت الدار أو الامة في يد رجل فأقام آخر البينة أن ذا اليد وهبها له وقبضها منه وأقام ذواليد البينة على المدعى بمثل ذلك فانه يقضى بها لذى اليد أما عند أبى حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لتهاتر البينتين كما بينا وعند محمد رحمه الله لان الشهود شهدوا بالقبض فانقضا وقبض الخارج دليل سبق عقده وقيام قبض ذى اليد دليل بآخر عقده. ولو ادعى رجل أنه اشترى الامة من ذي اليد بألف درهم وانه أعتقها وأقام البينة وأقام آخر البينة على الشراء منه أيضا فانه يقضى بها لصاحب العتق لانه سببه يتأكد بالعتق حتى لا يحتمل النقض ولان العتق قبض منه فان المشترى إذا أعتق المبيع قبل القبض يصير قابضا وقد بينا أن أحد المشتريين إذا أثبت القبض كان هو أولى ولو ادعى رجل هبة مقبوضة وادعى الآخر صدقة مقبوضة وأقام البينة فان وقتت احدى البينتين ولم توقت الاخرى قضيت بها لصاحب الوقت لان كل واحد منهما أثبت سبب ملك حادث فانما يحال بحدوثه على أقرب الاوقات وقد أثبت أحدهما تاريخا سابقا بالتوقيت فيقضى بها له وان كانت في يد من لم يوقت شهوده قضيت بها له لان قبضه دليل سبق عقده وهو دليل معاين والوقت في حق الآخر مخبر به وليس الخبر كالمعاينة الا أن يقيم الآخر البينة أنه أول فحينئذ يكون هو أولى لا ثبات الملك في وقت لا ينازعه فيه صاحبه وان لم يكن هناك تاريخ ولا قبض معاين لاحدهما ففيما لا يقسم يقضي بينهما نصفان لاستوائهما في سبب الاستحقاق وفيما يحتمل القسمة كالدار ونحوه تبطل البينتان جميعا إذا لم يكن فيها ما يرجح احداهما من قبض أو تاريخ لانا لو عملنا بها قضينا لكل واحد منهما بالنصف الآخر والهبة والصدقة في مشاع تحتمل القسمة لا تجوز قيل هذا على قول أبى حنيفة رحمه الله فأما على قول أبى يوسف

[ 63 ] ومحمد رحمهما الله ينبغى أن يقضى لكل واحد منهما بالنصف على قياس هبة الدار من رجلين وقيل ينبغى على قولهم جميعا أن يقضي لكل واحد منهما بالنصف لان كل واحد منهما أثبت قبضه في الكل ثم الشيوع بعد ذلك طارئ وذلك لا يمنع صحة الهبة والصدقة والاصح أن المذكور في الكتاب قولهم جميعا لانا لو قضينا لكل واحد منهما بالنصف انما يقضى بالعقد الذى شهد به شهوده وعند اختلاف العقدين لا تجوز الهبة من رجلين عندهم جميعا وانما يثبت الملك بقضاء القاضي ويمكن الشيوع في الملك المستفاد بالهبة مانع صحتها. وإذا اختصم رجلان في دابة أو عرض من العروض كائنا ما كان وهو قائم بعينه فان القاضى لا يسمع من واحد منهما البينة والدعوى حتى يحضرا ذلك الذى اختصما فيه لان اعلام المدعي شرط لصحة الدعوى والشهادة وتمام الاعلام بالاشارة إلى العين واحضار ما ينقل يتسر فيؤمر ذو اليد باحضاره ولا يقال كيف كلف احضاره ولم يثبت الاستحقاق عليه لان بالاجماع يكلف الحضور بنفسه وان لم يثبت عليه شئ بعد نظرا للمدعى ليتمكن من اثبات حقه فكذلك يكلف باحضار العين إذ ليس عليه فيه كثير ضرر الا أن يكون المدعى عقارا فحينئذ احضاره متعذر فيقام ذكر الحدود في الدعوى والشهادة مقام الاشارة إلى العين لانه هو المتيسر والواجب من التعريف في كل محل القدر المتيسر وهو نظير ذكر الاسم والنسب في حق الغائب والميت وان كان العين المدعى مستهلكا فحينئذ يتعذر احضاره فيقام ذكر الوصف والقيمة مقام الاشارة إلى العين في صحة الدعوى والشهادة ولان المدعى هنا في الحقيقة دين في الذمة وهو القيمة فاعلامه بذكر صفته وقيمته والله أعلم (باب الدعوى في النتاج) (قال رحمه الله دابة في يد رجل ادعاها آخر أنها دابته نتجها عنده وأقام البينة على ذلك وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك قضى بها لذي اليد استحسانا) وفى القياس يقضى بها للخارج وهو قول ابن أبى ليلى رحمه الله ووجهه أن مقصود كل واحد منهما اثبات الملك حتى لا يصير خصما الا بدعوى الملك لنفسه وفيما هو المقصود بينة ذي اليد لا تعارض بينة الخارج كما بينا في دعوى الملك المطلق ولا فرق بينهما فان اقامة البينة على الملك المطلق توجب الاستحقاق من الاصل كاقامة البينة على النتاج الا انا استحسنا للاثر وهو ما رواه أبو حنيفة رحمه الله عن

[ 64 ] الهيثم عن رجل عن جابر بن عبد الله رضى الله عنه أن رجلا ادعى ناقة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل وأقام البينة انها ناقته نتجها وأقام ذو اليد البينة انها دابته نتجها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها للذى هي في يديه ولان يد ذي البينة لا تدل على أولوية الملك فهو يثبت ببينته ما ليس بثابت فوجب بظاهر يده فوجب قبول البينة ثم تترجح بيده بخلاف الملك المطلق فان هناك لا يثبت ببينته الا ما هو ثابت له بظاهر يده فوجب قبول بينته ومعنى هذا الكلام وهو أن حاجة ذي اليد إلى دفع بينة الخارج وفى اقامته البينة على النتاح ما يدفع بينة الخارج لان النتاج لا يتكرر فإذا أثبت أنه نتجها اندفع استحقاق الخارج ضرورة فاما في الملك المطلق فليس في بينته ما يدفع بينة الخارج لان ملكه في الحال لا يبقى ملكا كان للخارج فيه من قبل فلهذا عملنا بينة الخارج هناك وكان عيسى بن ابان رحمه الله يقول الطريق عندي في النتاج تهاتر البينتين لتيقن القاضي بكذب احدهما إذ لا تصور لنتاج دابة من دابتين فانما يقضى بها لذى اليد فصار ترك لتهاتر البينتين وهذا ليس بصحيح فقد ذكر في الخارجين أقام كل واحد منهما البينة على النتاج انما يقضى بها بينهما نصفين ولو كان الطريق ما قال لكان يترك في يد ذى اليد وكذلك لو كانت الشاة المذبوحة في يد أحدهما وسقطها في يد الآخر وأقام كل واحد منهما البينة على النتاج فيما يقضى بها وبالسقط لمن في يده أصل الشاة ولو كان الطريق تهاتر البينتين لكان يترك في يد كل واحد منهما ما في يده ولا معنى لقوله بان القاضي تيقن بكذب أحد الفريقين لان الشهادة على النتاج ليس بمعاينة الانفصال في الام بل بدونه الفصيل يتبع الناقة فكل واحد من الفريقين اعتمد سببا صحيحا لاداء الشهادة فيجب العمل بها ولا يصار إلى التهاتر بمنزلة شهادة الفريقين على الملكين. وكذلك لو كانت الدعوى في العبد والامة وأقام كل واحد منهما البينة على الولادة في ملكه فهذا والنتاج في الدابة سواء. وكذلك إذا أقام كل واحد منهما البينة انه ثوبه نسجه فان النسج في الثوب يوجب أولوية الملك فيه وهو لا يتكرر كالنتاج في الدابة الا أن يكون الثوب بحيث ينسج مرة بعد مرة كالخز ينسج ثم ينكث فيغزل ثانيا فحينئذ يقضى به للخارح والحاصل أن النتاج مخصوص من القياس بالسنة فلا يلحق به الا ما في معناه من كل وجه فاما ما ليس في معناه الا من بعض الوجوه لا يلحق به لانه لو ألحق به كان بطريق القياس ولا يقاس على المخصوص من القياس لان قياس الاصل يعارضه وكل قياس لا ينفك عما يعارضه فهو باطل إذا ثبت هذا

[ 65 ] فنقول ما لا يتكرر فهو في معنى النتاج من كل وجه فيلتحق به ويكون اثبات الحكم فيه بدلالة النص وما يتكرر ليس في معنى النتاج من كل وجه فيعاد فيه إلى أصل القياس. قال ولو ادعى الدابة خارجان أقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها عنده ويقضى بها بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق فان وقتت بينة احدهما ولم توقت بينة الآخر وهى مشكلة السن قضى بها بينهما نصفين لان الذى لم يوقت أثبت ملكه فيها من حين وجدت والملك لا يسبق الوجود فلم يكن التوقيت مفيدا شيئا في حق من وقته إذا كانت مشكلة السن فكان ذكره كعدم ذكره فان كان السن على أحد الوقتين وقد وقتت بينة كل واحد منهما وقتا قضيت بها لمن وافق توقيته سن الدابة ولاعبرة بالاول والآخر لان علامة الصدق ظهرت في شهادة من وافق سن الدابة توقيته وعلامة الكذب تظهر في شهادة الفريق الآخر فيقضى بالشهادة التى ظهر فيها علامة الصدق وان كانت على غير الوقتين أو كانت مشكلة قضيت بها بينهما نصفين من مشايخنا رحمهم الله من قال جمع في السؤال بين الفصلين ثم أجاب عن أحدهما وهو مااذا كانت مشكلة فأما إذا كان سنها على غير الوقتين يعلم ذلك ظهر بطلان البينتين على قياس ما تقدم إذا كان المدعى واحدا ووقت شهوده الملك منذ عشر سنين وهى بنت ثلاثين سنة أن بينته باطلة فكذلك هنا إذا كان سنها على غير الوقتين فقد علم القاضى بمجازفة الفريقين وكذبهما في الشهادة وقد فعل محمد رحمه الله مثل هذا في الكتب جمع بين السؤالين ثم أجاب عن احدهما وترك الآخر في النكاح والاجارات وغيرهما أو يكون معنى قوله أو كانت مشكله أو تأتى بمعنى الواو قال الله تعالى أو يزيدون معناه ويزيدون فهنا أيضا معناه إذا كان علي غير الوقتين وكانت مشكله فحينئذ الجواب صحيح والاصح أن يقول جوابه صحيح للفصلين أما إذا كانت مشكلة فلا شك فيه وكذلك إذا كانت على غير الوقتين لان اعتبار ذكر الوقت لحقهما وفى هذا الموضع في اعتباره ابطال حقهما فيسقط اعتبار ذكر الوقت أصلا وينظر الي مقصودهما وهى اثبات الملك في الدابة وقد استويا في ذلك فوجب القضاء به بينهما نصفان لانا لو اعتبرنا التوقيت بطلت البينتان وبقيت في يد ذى اليد وقد اتفق الفريقان على استحقاقهما على ذى اليد فكيف يترك في يده مع قيام حجة الاستحقاق عليه وان أقام ذواليد البينة على النسج والثياب والنتاج والملك له وأقام الخارج البينة على مثل ذلك قضيت بها لذى اليد على المدعى لان البينتين استويا فيترجح ذو اليد بحكم يده وان وقتت البينتان في الدابة

[ 66 ] وقتين فان كانت الدابة علي وقت بينة المدعى قضيت بها له لان علامة الصدق ظهوت في شهادة شهوده وعلامة الكذب ظهرت في شهادة شهود ذى اليد وان كانت الدابة على وقت بينة ذى اليد أو كانت مشكلة قضيت بها لذى اليد إما لظهور علامة الصدق في شهوده أو لسقوط اعتبار التوقيت إذا كانت مشكلة. قال وإذا كان الثوب في يد رجل فأقام خارج البينة أن ثوبه نسجه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك فان كان يعلم أن مثل هذا لا ينسج الامرة فهو لذى اليد وان كان يعلم انه ينسج مرة بعد مرة فهو للخارج لان هذا ليس في معنى النتاج وان كان مشكلا لا يستبين أنه ينسج مرة أو مرتين قضيت به للمدعى وهذا قول محمد رحمه الله وفى بعض نسخ الاصل. قال وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله ولا خلاف بينهم في الحاصل وكان المعنى فيه أنه ليس في معنى النتاج لان النتاج يعلم أنه لا يكون الا مرة فما يكون الا مشكلا لا يكون في معنى ما هو معلوم حقيقة من كل وجه فيؤخذ فيه بأصل القياس ويقضى به للمدعى. وكذلك ان كانت المنازعة في نصل سيف وأقام كل واحد منهما البينة أنه سيفه ضربه فانه يسأل أهل العلم بذلك من الصياقلة لان هذا مشكل على القاضى فيسأل عنه من له علم به لقوله تعالى فاسئلوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون وقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تنازعوا الامر أهله فان قالوا لا يضرب الا مرة يقضى به لذى اليد وان قالوا يضرب مثله مرتين أو أشكل عليهم فلم يعرفوا يقضى به للمدعي لان هذا ليس في معنى النتاج من كل وجه. قال ولو كانت الدعوى في غزل بين امرأتين يقضي به للذى هو في يديها لان القطن لا يغزل الامرة فكان هذا في معنى النتاج وبهذه المسألة استدلوا على أن من غصب قطنا فغزله بملكه فان المذكور في كتاب الغصب إذا غزله ونسجه ولم يذكر هذا الفصل ولما جعله هنا في معنى النتاج من كل وجه والنتاج سبب لاولية الملك في الدابة عرفنا أن الغزل سبب لاولية الملك في المغرول للذى غزله وفى الشعر إذا كان مما ينقض ويغزل يقضى به للمدعى وكذلك المرعزى لانه ليس في معنى النتاج وكذلك في الحلى يقضى به للمدعى لانه يصاغ مرتين فان أقاما البينة على خطة الدار قضيت بها للمدعى لان الخطة قد تكون غير مرة فانه عبارة عن قسمة الامام عند الفتح يخط لكل واحد من الغانمين خطا في موضع معلوم يملكه ذلك بالقسمة فيكون خطه له وهذا وهذا قد يكون غير مرة بان يرتد أهلها وتصير محكومة بانها دار الشرك لوجود شرائطها ثم يظهر عليها المسلمون ثانية فيقسمها الامام بالخط لكل واحد

[ 67 ] منهم كما بينا. قال وان كانت الدعوى في صوف فاقام كل واحد منهما البينة أن له جزة من غنمه فانه يقضى به لذى اليد لان الجز لا يكون الا مرة واحدة وكذلك المرغزى والجز والشعر فكان هذا في معنى النتاج فان (قيل) كيف يكون الجزفى معنى النتاج وهو ليس بسبب لاولية الملك فان الصوف وهو على ظهر الشاة كان مملوكا له فكان مالا ظاهرا قبل الجز (قلنا) نعم ولكن كان وصفا للشاة ولم يكن مالا مقصودا الا بعد الجز ولهذا لا يجوز بيعه قبل الجز وأن ما تنازعا فيه مال مقصود قال وإذا كانت الارض والنخل في يد رجل فأقام آخر البينة أنه نخله وأرضه وانه غرس هذا النخل فيها وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك يقضى بها للمدعى وكذلك الكروم والشجر لان أصل المنازعة في ملك الارض فان النخل بمنزلة البيع للارض حتى يدخل في بيع الارض من غير ذكر وليس لواحد منهما في الارض معين النتاج ولان النخل يفرس غير مرة فقد يغرس الثالثة انسان ثم يقلعها غيره ويغرسها فلم يكن في معنى النتاج وان كانت الدعوي في الحنطة وأقام كل واحد منهما البينة انها حنطة زرعها في أرضه قضيت بها للمدعي لان الزرع قد يكون غير مرة فان الحنطة قد تزرع في الارض ثم يغربل التراب فيميز الحنطة ثم تزرع ثانية فلم يكن هذا في معنى النتاج. وكذلك لو كانت أرض فيها زرع فأقام كل واحد منهما البينة أن الارض والزرع له وانه زرعها يقضى بها للمدعى لان أصل المنازعة في ملك الارض وليس لواحد منهما فيها معنى النتاج. وكذلك قطن أو كتان في يد رجل أقام هو مع خارج كل واحد منهما البينة أنه له زرعه في أرضه فانه يقضى به للمدعي لما بينا أن الزرع قد يكون غير مرة. وكذلك كل ما يزرع مما يكال أو يوزن قال وهذا لا يشبه الصوف والمرعزى لان الرجل قد يزرع في أرضه غيره ويكون للزارع ولا يستحقه رب الارض بخروجه من أرضه وأما الصوف والمرعزى لا يكون الا لصاحب الغنم فمن ضرورة كون الشاة التى في يد ذى اليد مملوكة له أن يكون الذي جز منها مملوكا له وليس من ضرورة كون الزرع في أرض هي مملوكة لذي اليد أن يكون الزرع مملوكا له ولان الجز في معنى النتاج والزرع ليس في معناه لاحتمال التكرر فلهذا قضينا به للمدعى. قال ولو كان القطن شجرا ثابتا في أرض في يد رجل فأقام آخر البينة أنها أرضه وانه زرع هذا القطن فيها وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك يقضى بها للمدعى لان أصل المنازعة في الارض وليس لواحد منهما فيها معنى النتاج وكذلك لو كانت هذه المنازعة في دار وأقام كل

[ 68 ] واحد منهما البينة انها داره بناها بماله يقضى بها للمدعى لان البناء يكون مرة بعد مرة ولم يكن في معنى النتاج قال ولو كانت أمة في يد رجل ادعاها آخر أنها أمته وانها ولدت عنده في ملكه من أمته في يديه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك يقضى بها لذى اليد لان الولادة في بنى آدم كالنتاج في البهائم ولو كان المدعى أقام البينة على أمها التى عند المدعى عليه أنها أمته وأنها ولدت هذه في ملكه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك قضيت بها وبأمها للمدعى لان أصل الدعوى في الام وليس لواحد منهما فيها معني النتاج فوجب القضاء بها للمدعي ثم الولد يملك بملك الام وكان من ضرورة القضاء بالام للمدعى القضاء بالولد له وكذلك لو كانت الدعوى في صوف فأقام المدعى البينة انه جزه من شاته هذه وهى في ملكه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك من شاة أخرى في يده قضيت بها لذى اليد ولو أقام المدعي البينة على الشاة انها في يد المدعى عليه أنها شاته وانه جز هذا الصوف في ملكه منها وأقام ذو اليد البينة علي مثل ذلك قضيت بها للمدعى لان الدعوى في أصل الشاة فانما أثبت كل واحد منهما بالبينة الملك المطلق فيها فتترجح بينة المدعى ثم الصوف يملك بملك الاصل فان (قيل) قد يكون الصوف والولد لغير صاحب الاصل بأن يوصى بما في بطن جاريته للانسان وبرقبتها لآخر أو يوصى بالشاة لانسان وبصوفها لآخر (قلنا) لا كذلك فالولد والصوف يملك بملك الاصل الا أن يملك غيره بسبب ينشئه مالك الاصل من وصية أو غيره قال عبد في يدى رجل فأقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمته هذه ومن عبده هذا وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك فانه يقضي به للذى هو في يدبه لاثباته أولية الملك لنفسه فيه فيكون ابن عبده وأمته دون ابن عبدالآخر وأمته لان بينته لما ترجحت بالقضاء بالملك صارت البينة الاخرى مدفوعة لا يقضي بها بالنسب كما لا يقضى بها بالملك وان أقام الخارج البينة أنه عبده اشتراه من فلان وأنه ولد في ملك بائعه وأقام ذو اليد البينة أنه عبده اشتراه من فلان آخر وأنه ولد في ملكه قضى به لذي اليد لان كل واحد منهما خصم في اثبات نتاج بائعه كما هو خصم في اثباب ملك بائعه ولو حضر البائعان وأقام البينة على النتاج كان ذو اليد أولى فهذا مثله وكذلك لو أقام الخارج البينة على نتاج بائعه وأقام ذو اليد البينة على النتاج في ملكه فبينة ذى اليد أولى لما بينا وكذلك لو أقام البينة على وراثة أو وصية أو هبة مقبوضة من رجل وأنه ولد في ملك ذلك الرجل لانه يتلقى الملك من جهة مورثه وموصيه فيكون خصما

[ 69 ] عنه في اثبات نتاجه ولو كان عبد في يدى رجل فأقام آخر البينة انه عبده ولد في ملكه ولم يسموا أمه وأقام آخر البينة انه عبده ولد عنده من أمه هذه فانه يقضى للذى أمه في يديه لان البينات تترجح بزيادة الاثبات وفي بينة من عين أمه زيادة وهو اثبات نسبه من أمه فيترجح بذلك فان شهد الشهود لذى اليد أنه له ولد في ملكه من أمته هذه لامة أخرى قضى به لذى اليد لان بينة الخارج في الولادة لا تعارض بينة ذي اليد سواء حصل من واحدة أو من اثنتين فأما أمه فانه يقضى بها للذى العبد في يده الذي أقام البينة عليه لانه لا مزاحم له في الام بحجة يقيمها على اثبات الملك فيه فلهذا قضيت بها للذى العبد في يديه الذي أقام البينة قال وان كان عبد في يد رجل فاقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمته هذه ومن عبده هذا وأقام آخر البينة على مثل ذلك فانه يقضى بها بينهما نصفان لاستوائهما في الحجة على الولادة في الملك ثم قال ويكون الابن من الامتين والعبدين جميعا فاما ثبوت نسبه من العبدين فهو على قول علماؤنا وعلى قول الشافعي رحمه الله لا يثبت نسب الولد من رجلين بحال حرين كان أو عبدين ادعيا لقيطا أو ولد جارية بينهما ولكنه يرجع إلى قول القائف فانهما قالا القائف انه ابنه يثبت النسب منه وان كان موضعا لا يوجد القائف فيه يقرع بينهما ويقضى بالنسب لمن خرجت قرعته واحتج في المنع من ثبوت النسب من اثنين أن ثبوت نسب المولود من الوالد بكونه مخلوقا من مائه ونحن نتيقن أنه غير مخلوق من ماء رجلين لان كل واحد منهما أصل للولد كالام بمنزلة البيض للفرخ والحب للحنطة فكما لا يتصور فرخ واحد من سنبلة واحدة من حبتين فكذلك لا يتصور ولد واحد من مائين وهذا لان وصول المائين إلى الرحم في وقت واحد لا يتصور وإذا وصل أحد المائين في الرحم ينسد فم الرحم فلا يخلص إليه الماء الثاني فإذا تعذر القضاء بالنسب منهما جميعا يرجع إلى قول القائف لحديث عائشة رضي الله عنها قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسارير وجهه تبرق من السرور وقال أما ترين يا عائشة أن مجزر المدلجى مر باسامة وزيد وهما نائمان تحت لحاف واحد قد غطيا رؤسهما وبدت اقدامهما فقال هذه الاقدام بعضها من بعض فسرور رسول الله صلي الله عليه وسلم بقول القائف دليل على أن قوله حجة في النسب ولان القائف يعتبر الشبه وللشبه في الدعاوى عبرة كما قلتم في متاع البيت إذا اختصم فيه الزوجان فما يصلح للرجال فهو للرجل وما يصلح للنساء فهو للمرأة وكذلك إذا اختلف الآجر والمستأجر في ملك لوح موضوع في الدار فان كان تصاويره تشبه تصاوير

[ 70 ] ما في السقف وموضعه ظاهر فالقول قول الآجر وان كان يخالف ذلك فالقول قول المستأجر وفي الموضع الذى لا يوجب القائف يسار إلى الاقراع كما هو مذهبه في جواز استعمال القرعة لتعيين المستحق عند الاقرار وقد استعمله على رضى الله عنه في دعوى النسب حين كان باليمن * وحجتنا في ابطال المصير إلى قول القائف ان الله تعالى شرع حكم اللعان بين الزوجين عند نفى النسب ولم يأمر بالرجوع إلى قول الفائق فلو كان قوله حجة لامر بالمصير إليه عند الاشتباه ولان قول القائف رجم بالغيب ودعوى لما استأثر الله عزوجل بعلمه وهو ما في الارحام كما قال الله تعالى ويعلم ما في الارحام ولا برهان له على هذه الدعوى وعند انعدام البرهان كان في قوله قذف المحصنات ونسبة الاولاد إلى غير الآباء ومجرد الشبه غير معتبر فقد يشبه الولد أباه الادنى وقد يشبه الاب الاعلى الذى باعتباره يصير منسوبا إلى الاجانب في الحال واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أتاه رجل فقال أنا أسود شديد السواد وقد ولدت امرأتي ولد أبيض فليس منى فقال صلى الله عليه وسلم هل لك من ابل فقال نعم فقال صلى الله عليه وسلم ما لونها قال حمر فقال صلى الله عليه وسلم هل فيها من أورق فقال نعم فقال صلى الله عليه وسلم من ذاك فقال لعل عرق نزع أو فقال صلى الله عليه وسلم ولعل هذا عرقا نزع فبين النبي صلى الله عليه وسلم انه لا عبرة للشبه وفى متاع البيت عندنا الترجيح بالاستعمال لا بالشبه وفى اللوح الترجيح بالظاهر لا بالشبه (ألا ترى) أن اسكافا وعطارا لو تنازعا في اداة الاساكفة لا يترجح الاسكاف بالشبه وثبوت نسب أسامة رضى الله عنه كان بالفراش لا بقول الفائف الا أن المشركين كانوا يطعنون في ذلك لاختلاف لونهما وكانوا يعتقدون ان عند القافة علم بذلك وان بنى المدلج هم المختصون بعمل القيافة ومجز ريشهم فلما قال ما قال كان قوله رد الطعن المشركين فانما سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا لا لان قول القائف حجة في النسب شرعا فاما الدليل على اثبات النسب منهما حديث عمر وعلى رضى الله عنهما حين قال في هذه الحادثة ان لبسا فلبس عليهما ولو بينا لبين لهما هو أبنهما يرثهما ويرثانه وهو للباقى منهما والمعنى فيه انهما استويا في سبب الاستحقاق والمدعى قابل للاشتراك فيستويان في الاستحقاق وبيان ذلك أن ثبوت النسب من الرجل باعتبار الفراش لا بحقيقة انخلاقه من مائه لان ذلك لا طريق إلى معرفته ولا باعتبار الوطئ لانه سر عن غير الواطئين فاقام الشرع الفراش مقامه تيسيرا فقال صلى الله عليه وسلم الولد للفراش وكل واحد من البينتين

[ 71 ] يعتمد على ما علم به من الفراش والحكم المطلوب من النسب الميراث والنفقة والحضانه والتربية وهو يحتمل الاشتراك فيقضي به بينهما وهو الجواب عن قوله انه لا يتصور خلاق الولد من المائين فان السبب الظاهر متى أقيم مقام المعنى الخفى تيسيرا سقط اعتبار معنى الباطن مع ان ذلك يتصور بأن يطأها أحدهما فلا يخلص الماء إلى أحدهما حتى يطأها الثاني فيخلص الماآن إلى الرحم معا ويختلط الماآن فيتخلق منهما الولد بخلاف البيضتين والحبتين لانه لا تصور للاختلاط فيهما. قال وان كان المدعى للنسب أكثر من اثنين فعلى قول أبى حنيفة رحمة الله يثبت منهم وان كثروا أخذا بالقياس كما قررنا وعند أبى يوسف رحمه الله لا يثبت فيما زاد على المثنى لان ثبوته من اثنين بحديث عمر وعلى رضى الله عنهما ففيما زاد على ذلك يوجد بأصل القياس الذى قرره الخصم لاستحالة اثبات نسب من عشرة أو أكثر ومحمد رحمه الله يقول يثبت من ثلاثة لانها أدنى الجمع ولا نهاية للزيادة على الثلاثة فالقول به يؤدى إلى التفاحش فاعتبرت أدنى الجمع وقلت يثبت من ثلاثة ولا يثبت من أكثر من ذلك فأما في الامتين يثبت النسب عند أبى حنيفة رحمه الله وكذلك من الحرتين إذا ادعتا لقيطا وأقامتا البينه وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لا يثبت النسب من المرأتين بحال وحجتهما في ذلك ان ثبوت النسب من المرأة بسبب انفصال الولد عنها ولهذا يثبت من الزانية وهذا سبب معاين يوقف عليه فيعتبر حقيقته ولا تصور لانفصال ولد واحد من المرأتين فيتيقن بكذب أحد الفريقين ولا يعرف الصادق من الكاذب فتبطل البينتان بخلاف الرجلين فسبب ثبوت النسب من الرجل الفراش على ما قررنا وأبو حنيفة رحمه الله يقول نعم حقيقة هذا النسب من امرأتين محال ولكن المقصود من النسب حكمه لا عينه وهو الحضانة والتربية من جانب الام وهذا الحكم قابل للاشترك فيقبل البينتان لاثبات الحكم ويكون ذكر السبب كناية عن الحكم مجازا وهو نظير ما قاله أبو حنيفة رحمه الله فيمن قال لعبده وهو أكبر سنا منه هذا ابني يعتق عليه وان كان صريح كلامه محالا ولكن يجعل كناية عن حكمه مجازا وما قالا يبطل بدعوى النتاج فان ولادة شاة واحدة من شاتين حقيقة محال ومع ذلك إذا أثبت الخارجان ذلك بالبينة يقضى بالحكم المطلوب وهو الملك لانه قابل للاشتراك فهذا مثله. قال وإذا كان قباء محشوا في يد رجل فأقام رجل البينة أنه له قطعه وحشاه وخاطه في ملكه وأقام ذو اليد البينة علي مثل ذلك فانه يقضى به للمدعى لان الحشو والخياطة قد تكون

[ 72 ] غير مرة فلم تكن في معنى النتاج وكذلك الحبة المحشوة والفرو وكل ما يقطع من الثياب والبسط والانماط والوسائد لان هذا مما يتكرر وكذلك الثوب المصبوغ بالعصفر أو الزعفران أو الورس إذا أقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة على ان له صبغه في ملكه لان الثوب يصبغ غير مرة وقد يصبغ على لون ثم يصبغ على لون آخر فلم يكن ذلك في معنى النتاج وكذلك أواني الصفر والحديد يقضى به للمدعى الا أن يعلم أنه لا يصبغ الا مرة فحينئذ يكون في معنى النتاج وكذلك الابواب والسرر والكراسي إذا أقام كل واحد منهما البينة انه يجره في ملكه فان كان ذلك لا يكون الا مرة واحدة يقضي به لذى اليد لانه يكون في معنى النتاج فان كان يكون غير مرة أولا يعلم يقضي بها للمدعي لانه ليس في معنى النتاج وعلى هذا الخفاف والنعال والقلانس قال ولو كانت الدعوى في سمن أو زيت أو دهن وأقام كل واحد منهما البينة انه له عصره وسلاه في ملكه فانه يقضى به لذى اليد لان هذا لا يكون الامرة واحدة فهو في معنى النتاج وكذلك السويق والعصير والخل والجبن وأشباه ذلك وأما الشاة المسلوقة إذا أقام كل واحد منهما البينة انها شاته ضحى بها وسلخها فانه يقضى بها للمدعى لان الذبح والسلخ ليس بسبب للملك (ألا ترى) ان الغاصب لا يملك به فلم يكن هذا في معنى النتاج في اثبات أولية الملك به فلهذا قضينا به للمدعى. قال وان أقام خارجان البينة دعوى الدابة أحدهما على الملك المطلق والآخر على النتاج فانه يقضى بها لصاحب النتاج لاثباته أولية الملك لنفسه فانها لا تتملك الا من جهته والآخر لا يدعي تملكها من جهته وفي الكتاب قال عن شريح رحمه الله الناتج أحق من العارف يعنى بالعارف الخارج الذي يدعى ملكا مطلقا ولو كانت الدعوى في لحم مشوي أو سمكه مشوية وأقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أنه شواه في ملكه يقضى بها للمدعي لان الشي قد يكون غير مرة فان اللحم يشوى ثم يعاد ثانيا فلم يكن في معنى النتاج وكذلك المصحف إذا أقام كل واحد منهما البينة انه مصحفه كتبه في ملكه يقضى به للمدعى لان الكتابة ليست بسبب للملك ولكنه قد يتكرر يكتب ثم يمحى ثم يكتب فلهذا قضينا به للمدعى. قال ولو كانت الدعوى في أمة فأقام أحد الخارجين البينة أنها أمته ولدت في ملكه وأقام آخر البينة أنها أمته سرقت منه فانه يقضى بها لصاحب الولادة وكذلك لو شهد شهود السرقة أنها أمته أبقت منه أو غصبها اياه ذواليد فهى لصاحب الولادة لان في بينته اثبات أولية الملك وليس في البينة الاخرى ذلك فكان استحقاقه سابقا وكذلك في

[ 73 ] الدابة إذا شهد شهود أحدهما بالنتاج وشهود الآخر أنها دابته أجرها من ذى اليد أو أعارها أو رهنها اياه فهى لصاحب النتاج لان في شهادة شهوده دليل سبق ملكه. قال وإذا كان الثوب في يد رجل فأقام آخر البينة انه نسجه ولم يشهدوا انه له لم يقض له به لانه لم يشهدوا له بالملك نصا فقد ينسج الانسان ثوب الغير باذنه ولا يملكه كالنساج ينسج ثياب الناس. وكذلك لو أقام البينة في دابة انها نتجت عنده أو في أمة انها ولدت عنده فليست هذه اللظفة شهادة بالملك للمدعى فلا يستحق به شيئا. وكذلك لو شهدوا انها ابنت أمته فليس في هذا اللفظ شهادة بالملك له انما فيه شهادة بالنسب (ألا ترى) انه قد يشترى أمة ولها ابنت في يد غيره فهى ابنت أمته ولا تكون مملوكة له أو بشئ بعد الانفصال عنها فهى ابنت أمته ولا تكون مملوكة له. وكذلك لو شهدوا على ثوب انه غزل من قطن فلان ونسج لم يقض له به لان ملك القطن لا يكون سببا لملك الغزل والثوب وان الغاصب إذا غزل القطن ونسجه كان الثوب مملوكا له وان لم يكن مالكا للقطن والمغصوب منه كان مالكا للقطن ولا يملك الثوب به فليس في هذا اللفظ شهادة بالملك له نصا فان قال أنا أمرته أن يغزل وينسج قضى له بالثوب لان عمل الغير بأمره كعمله بنفسه والذى غزله ونسجه بانكاره الامر يدعى بملكه عليه فلا يصدق الا بحجة. ولو شهدوا ان هذه الحنطة من زرع حصد من أرض فلان فأراد صاحب الارض أخذ الحنطة لم يكن له ذلك وفي رواية أبى حفص رحمه الله قال له أن يأخذ الحنطة لانهم أضافوا الارض إليه ملكا ويدا فما في أرضه من الزرع يكون في يده وهذا بمنزلة شهادتهم أنه أخذها من يده فيؤمر بالرد عليه وجه رواية أبى سليمان رحمه الله انهم ما شهدوا بالملك له في الزرع انما أضافوا الارض إليه بالملكية وقد تكون الارض مملوكة له والزرع الذى فيها لغيره كمن غصب أرضا فزرعها وكذلك ما شهدوا باليد في الزرع ولا في الارض نصا فانه ليس من ضرورة كون الارض مملوكة له أن تكون في يده فلهذا لا يستحق شيئا. وكذلك لو شهدوا أن هذه الحنطة من زرع كان في أرضه أو أن هذا التمر من نخل كان في أرضه وان هذا الزبيب من كرم كان في أرضه لانهم ما أضافوا ما وقع فيه الدعوى إليه ملكا ولا يدا وقد يكون النخل والكرم في الارض لغير صاحب الارض ملكا ويدا ولو أقر بذلك الذى في يديه أخذ به لاقراره بالاخذ من ملكه والاقرار بالاخذ من ملكه بمنزلة الاقرار بالاخذ من يده فيؤمر بالرد عليه وهذا لان الاقرار يوجب الملك بنفسه قبل أن يتصل به القضاء فنوع

[ 74 ] احتماله فيه لا يمنعنا من العمل بظاهره فأما الشهادة لا توجب الحق الا بقضاء القاضى وانما يقضى القاضى بالمشهود به فإذا لم يكن في الشهادة تنصيص علي ملك أو يد للمدعي فالمدعى لا يقضى به له * توضيح الفرق ان في اقراره بيان انه كان في يده فكأنه قال كان في يد هذا أمس فيؤمر بالرد عليه وفى الشهادة كذلك ولكن لو شهدوا أنه كان في يده أمس لا يستحق به شيئا. قال وان شهدوا ان هذا التمر أخذه هذا من نخل فلان قضى له به بمنزلة مالو شهدوا أنه أخذه من يد فلان لان المتصل بنخله من الثمر يكون في يده. ولو شهدوا انه خرج من نخل فلان وهو يملكه أو أن هذا العبد ولدته أمة فلان وهو يملكها قضي له بجميع ذلك لانهم صرحوا بالولد من ملكه والمتولد من ملك الانسان يكون مملوكا له إلى أن يتملكه الغير بسبب عارض من وصية أو غيرها فكان هذا وشهادتهم بالملك له في المدعا سواء وكذلك لو شهدوا أن هذه الحنطة من زرع هذا لانهم أضافوا إليه بالملكية وشهدوا أن هذه الحنطه جزء منه فان من للتبعيض فكان هذا تنصيصا على الشهادة بالملك له في الحنطة وكذلك لو شهدوا أن هذا الزبيب من كرم هذا وهذا التمر من نخل هذا قضى له به لشهادتهم بالتولد من ملكه. ولو شهدوا أن فلانا غزل هذا الثوب من قطن فلان وهو يملك القطن ونسج الثوب فانى أقضى علي الذى غزل مثل ذلك القطن لما بينا ان ملك القطن ليس بسبب لملك الثوب ولكن من غزل قطن الغير ونسجه فالثوب له وهو ضامن لمثل ذلك القطن وان قال صاحب القطن أمرته بذلك أخذ الثوب لانهما اتفقا على أنه كان مالكا للقطن والذى غزل ونسج يدعى تملكه عليه بالضمان وهو منكر لذلك فكان القول قوله كما لو ادعى التملك عليه بالبيع فانكره. وكذلك لو شهدوا ان فلانا طحن هذا الدقيق من حنطة فلان وهو يملكها قضى عليه بحنطة مثلها وان قال رب الحنطة أنا أمرته أخذ الدقيق لما بينا. قال وإذا كان الدجاج أو الشئ من الطيور في يد رجل فأقام رجل البينة انه له فرخ في ملكه وأقام ذو اليد البينة على مثل ذلك قضي به لذى اليد لان هذا في معنى النتاج لا يتكرر ولو أقام المدعى البينة ان البيضة التى خرجت هذه الدجاجة منها كانت له لم يقض له بالدجاجة ولكن يقضي على صاحب الدجاجة ببيضة مثلها لصاحبها لان ملك البيضة ليس بسبب لملك الدجاجة فان من غصب بيضة وحضنها ذلك تحت دجاجة كان الفرخ للغاصب وعليه بيضة مثل المغصوبة وهذا لا يشبه الولادة والنتاج لان من غصب أمة أو دابة فولدت عنده لا يملك الولد بل هو لصاحب

[ 75 ] الاصل وهذا لان البيضة بالحضانة تصير مستهلكة فيحال بحدوث الفرخ على عمل الحضانة بخلاف الدابة والامة فانها لا تصير مستهلكة بالولادة فيكون مملوكا لصاحب الاصل لتولده من ملكه. قال ولو غصب دجاجة فباضت عنده فالبيضة لصاحبها لتولدها من ملكه فان باضت بيضتين فحضنت الدجاجة نفسها على أحدهما فخرج منها فرخ وحضنها الغاصب على الاخرى فخرخ منها فرخ فالفرخ الاول للمغصوب منه مع الدجاجة والفرخ الآخر للغاصب لان ما حصل بفعله يصير مملوكا له وما حصل بفعل الدجاجة نفسها لا صنع للغاصب فيه فلا يملكه بل يكون لمالك الاصل كما قلنا فيمن غصب حنطة وزرعها كان الزرع له ولو هبت الريح بالحنطة فجعلتها مزروعة في الارض كان الزرع لصاحب الحنطة لان بناء الحكم على فعل الريح غير ممكن فيجعل مملوكا لصاحب الاصل ولان ما حضنها الغاصب صار مستهلكا بفعله فيكون ضامنا لمثله ويصير مملوكا له بالضمان فانما يتولد الفرخ من ملكه فأما ما حضنت الدجاجة بنفسها لم تصرمضمونة على الغاصب فلا يملكها فبقى ذلك الفرخ لصاحب الاصل. قال ثوب مصبوغ بعصفر في يد رجل فشهد شاهدان أن هذا العصفر الذى في هذا الثوب لفلان صبغ به هذا الثوب فلا يدرى من صبغه وجحد ذلك صاحب الثوب فادعى صاحب العصفر أن رب الثوب الذى فعل ذلك فانه لا يصدق عليه لانه يدعى ضمان قيمة العصفر دينا في ذمته وهو منكر وليس في شهادة شهوده ما يوجب ذلك فان ثوب الغير إذا هبت به الريح والقته في صبغ انسان فانصبغ كان الصبغ لصاحبه في الثوب الآخر وليس له أن يضمن صاحب الثوب شيئا ولكن يقوم الثوب أبيض ويقوم مصبوغا فان صاحب الثوب يضمن له ما زاد العصفر في ثوبه والا بيع الثوب فيصرف فيه صاحب الثوب بقيمة ثوبه أبيض وصاحب العصفر ما زاد العصفر في ثوبه لانهما شريكان في الثوب المصبوغ أحدهما بالثوب والآخر بالعصفر ولكن الثوب أصل والعصفر فيه وصف فكان الخيار لصاحب الاصل دون صاحب الوصف. قال وان كانت الدعوى في لبن فاقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أنه له ضربه في ملكه يقضي به للمدعى لان اللبن يضرب غيره مرة بان يضرب ثم يكسر ثم يضرب فلم يكن في معنى النتاج فلهذا قضي به للمدعى. قال وان كانت الدعوى في جبن فاقام الخارج وذو اليد كل واحد منهما البينة أنه جبنه صنعه في ملكه فهو للذى في يديه لان الجبن لا يصنع الا مرة وهو سبب لاولية الملك بمنزلة النتاج فهذه المسألة على خمسة أوجه أحدها ما بينا والثانى

[ 76 ] إذا أقام كل واحد منهما البينة أن اللبن الذى صنع منه هذا الجبن ملكه فيقضى به للمدعى لان أصل المنازعة في اللبن وبينة كل واحد منهما فيه قامت علي الملك المطلق والثالث أن يقيم كل واحد منهما البينة ان حلب اللبن الذى صنع منه هذا الجبن من شاته في ملكه فيقضى لذى اليد لان الحلب في اللبن لا يتكرر فكان في معنى النتاج والرابع إذا أقام كل واحد منهما البينة أن الشاة التى حلب منها اللبن الذى صنع منه هذا الجبن ملكه فيقضى به للمدعى لان المنازعة في ملك الشاة وبينة كل واحد منهما فيها قامت على المطلق والخامس أن يقيم كل واحد منهما أن الشاة التى حلب منهما اللبن الذى صنع منه هذا الجبن شاته ولدت في ملكه من شاته فالبينة بينة ذى اليد لان الحجتين قامتا على النتاج في الشاة التى كانت المنازعة فيها. قال ولو كانت الدعوى في آجر أو جص أو نورة وأقام كل واحد منهما البينة أنه له صنعه في ملكه قضيت به لذى اليد وكان ينبغى أن يقضى بالآجر للخارج ويجعل هذا بمنزلة الشئ في اللحم ولكنه قال طبخ الآجر لا يتكرر فانه بالطبخ الاول يحدث له اسم الآجر فان أعيد طبخه بعد ذلك لا يحدث به اسم آخر فعرفنا أنه مما لا يتكرر. وكذلك طبخ الجص والنورة فكان هذا في معنى النتاج. قال فان كانت الدعوى في جلد شاة وأقام كل واحد منهما البينه أنه جلده سلخه في ملكه قضي به لذى اليد لان سلخ الجلد لا يتكرر فكان قي معنى النتاج ولو لم يقم البينة على ذلك لهما ولكن المدعى أقام البينة أنه جلد شاته ولم يشهدوا له به لم يقض له بالملك. وكذلك لو شهدوا على صوف أنه صوف شاته أو على لحم أنه لحم شاته قال عيسى رحمه الله هذا غلط وأرى جواب محمد رحمه الله في هذه الفصول لا يستمر على أصل واحد وقد قال قبل هذا إذا قالوا هذه الحنطة من زرع هذا أو هذا الزبيب من كرمه أو هذا التمر من نخلة قضى له به وأى فرق بين تلك المسائل وبين هذه المسائل بل الجلد والصوف واللحم في كونه مملوكا بملك الاصل أبلغ من ملك الزرع والتمر والزبيب بملك الاصل فان (قيل) ان هنا قد ينفصل ملك الصوف عن ملك الاصل بالوصية فكذلك في تلك المسائل ولكن ما ذكره محمد رحمه الله صحيح لانهم ما جعلوا المدعا هنا في شهادتهم من ملكه انما نسبوه إلى شاة ثم نسبوا إليه الشاة بالملكية فلم يكن شهادة بالملك في المدعا نصا فأما هناك شهدوا أن المدعاة من ملكه وذلك شهادة بالملك له في المدعا نصا. قال ولو كانت شاة مسلوخة في يد رجل وجلدها ورأسها وسقطها في يد آخر فأقام ذو اليد في الشاة البينة أن الشاة والجلد والرأس

[ 77 ] والسقط له وأقام الذى في يديه السقط البينة على مثل ذلك فانه يقضى لكل واحد منهما بما في يدى صاحبه لان كل واحد منهما أثبت فيما في يد صاحبه ملكا مطلقا بالبينة وبينة الخارج في دعوى الملك المطلق تترجح ولو أقام كل واحد منهما البينة أن الشاة شاته نتجب عنده في ملكه فذبحها وسلخها وان له جلدها ورأسها وسقطها يقضى بالكل للذى الشاة في يده لانه أثبت بينته النتاج في الشاة فاستحق القضاء بأولية الملك له فيها وجلدها ورأسها وسقطها ببيعها فلهذا قضينا بالملك لذى اليد. قال ولو كانت شاة في يدى رجل وشاة أخرى في يد آخر فأقام كل واحد منهما البينة على شاة صاحبه الذي في يديه انها شاته ولدت في ملكه من هده الشاة القائمة في يده فانه يقضي لكل واحد منهما بشاة صاحبه التى في يديه وتأويل هذه المسألة فيما إذا كان سن الشاتين مشكلا فاما إذا كان معلوما واحدهما تصلح أما للاخرى والاخرى لا تصلح أمالها وكانت علامة الصدق ظاهرة في شهود أحدهما وعلامة الكذب ظاهرة في شهادة شهود الآخر يقضي بها بما ظهر فيه علامة الصدق فاما عند الاشكال لا تظهر علامة الصدق ولا الكذب في شهادة أحدهما وكل واحد منهما فيما في يده أقام البينة على الملك المطلق وصاحبه أقام البينة على النتاج وبينة الخارج على النتاج أولى من بينة ذي اليد في الملك المطلق فلهذا قضينا لكل واحد منها بما في يد صاحبه وعن أبى يوسف رحمه الله أنه يبطل البينتان جميعا لتيقننا بكذب احدهما فان كل واحد منهما لا يتصور أن تكون والدة لصاحبتها ومولودة منهما ولو أقام البينة أن الشاة التى في يده شاته ولدت في ملكه وان شاة صاحبه ولدتها شاته هذه في ملكه وأقام الآخر البينة على مثل ذلك يقضى لكل واحد منهما بما في يديه لان كل واحد منهما فيما في يده أقام البينة على النتاج وبينة ذى اليد على النتاج مقدمة على بينة الخارج ولو أقام أحدهما البينة أن الشاة التى في يده شاته ولدت في ملكه وان شاة صاحبه له ولدتها شاته في ملكه وأقام الآخر البينة على مثل ذلك فهذا والاول سواء يقضى لكل واحد منهما بما في يده لاثباته النتاج فيها. قال ولو كانت شاتان في يد رجل أحدهما بيضاء والاخرى سوداء فادعاهما رجل وأقام البينة أنهما له وأن هذه البيضاء ولدت هذه السوداء في ملكه وأقام ذو اليد البينة أنهما له وان هذه السوداء ولدت هذه البيضاء في ملكه فانه يقضى لكل واحد منهما بالشاة التى ذكر شهوده أنها ولدت في ملكه لانه أثبت النتاج فيها بالبينة وصاحبه أثبت فيها ملكا مطلقا والبينة على النتاج أولى من البينة على الملك المطلق سواء كان من ذى اليد الخارج. قال

[ 78 ] وإذا كانت شاة في يد رجل فأقام رجل البينة انها شاته ولدت في ملكه فقضى القاضي له بها ثم جاء آخر وأقام البينة انها شاته ولدت في ملكه وقال ذواليد للقاضى قد قضيت لى بالولادة بالبينة فان اكتفيت بذلك والا أعدتها فانه يأمره أن يعيد بينته لان القضاء بالبينة الاولى كان على خصمه خاصة فيجعل اقامتها في حق الثاني وجودا وعدما بمنزلة لان المقضي به للملك وثبوت الملك بالبينة في حق شخص لا يقتضى ثبوته في حق شخص آخر (ألا ترى) أن في الملك المطلق يصير ذو اليد مقضيا عليه دون غيره من الناس فان اعادة بينة قضي بها له تقديما لبينة ذى اليد على بينة الخارج في النتاج وان لم يعدها قضي بها للمدعى فان قضي بها للمدعى ثم أقام المقضي له الاول شهوده على الولادة فان القاضى يقبل بينته ويبطل قضاءه للآخر وهذا استحسان وفى القياس لا تقبل بينته لانه صار مقضيا عليه بالملك فلا تقبل بينته الا ان يدعى تلقي الملك من جهة المقضى له ووجه الاستحسان ان من يقيم البينة على النتاج يثبت أولية الملك لنفسه وان هذا العين حادث على ملكه فلا يتصور استحقاق هذا الملك على غيره فلم يصر ذو اليد به مقضيا عليه وقد تببن باقامة البينة ان القاضى أخطأ في قضائه وان أولية الملك لذى اليد فلهذا انقضى قضاؤه بخلاف الملك المطلق فان (قيل) القضاء ببينة الخارج مع بينة ذى اليد على النتاج مجتهد فيه فعند ابن أبى ليلى رحمه الله بينة الخارج أولى فينبغي أن لا ينقض قضاء القاضي لمصادقته موضع الاجتهاد (قلنا) انما يكون قضاؤه عن اجتهاد إذا كانت بينة ذي اليد قائمة عنده وقت القضاء فتترجح باجتهاده بينة الخارج عليها وهذه البينة ما كانت قائمة عند قضائه فلم يكن قضاؤه على اجتهاد بل كان لعدم ما يدفع من ذي اليد فإذا أقام حجة الدفع انتقض القضاء الاول وعلى هذا لو أقام الخارج البينة علي الملك المطلق وقضى القاضي بها له ثم أقام ذو اليد البينة على النتاج يقضى بها له وينتقض القضاء الاول لما بينا. قال أمة في يد رجل أقام رجل البينة ان قاضى بلد كذا قضى له بها على هذا الرجل بشهادة شهود شهدوا عنده وأقام ذو اليد البينة أنها أمته ولدت في ملكه فهذه المسألة على ثلاثة أوجه في وجه منها يقضى القاضى بها للمدعى بالاتفاق وهو إذا شهد شهود المدعي ان قاضى بلد كذا قضى له بها مطلقا ولم يزيدوا على هذا شيئا لان من الجائز ان ذلك القاضي انما قضي له بها بشهادة شهود شهدوا عنده أنه اشتراها من ذي اليد أو وهبها له فلا تكون بينة ذى اليد على الولادة في ملكه مبطلا لذلك وكذلك القضاء بل يكون مقررا له. وكذلك ان فسر شهود القضاء بهذا التفسير فهو آكد في

[ 79 ] تنفيذ ذلك القضاء والوجهان الآخران أن يشهد شهود المدعى ان قاضى بلد كذا قضى له بها بشهادة شهود شهدوا عنده انها مملوكته أو بشهادة شهود شهدوا عنده أنها أمته ولدت في ملكه فعلي قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله بينة المدعي اولى في هذين الفصلين ولا ينقض القاضى الثاني قضاء الاول وعلى قول محمد رحمه الله بينة ذى اليد على الولادة في ملكه أولى فيقضي بها له * وجه قوله ان ذا اليد لو أقام هذه البينة عند القاضى الاول نقض الاول قضاءه وقضى بها لذى اليد فكذلك إذا أقامها عند الثاني لان ثبوت قضاء الاول عند الثاني بالبينة لا يكون أقوى من مباشرته القضاء بنفسه وهذا لان الشهود لما بينوا سبب العقار إلى احتمال التملك علي اليد بسبب من جهته * وجه قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله ان قضاء القاضى الاول نفذ بيقين فليس للثاني أن يبطله مع الاحتمال كما في الفصل الاول وبيان الاحتمال هنا إذا قالوا بشهادة شهود شهدوا عنده انها مملوكته فيحتمل أنها مملوكته اشتراها من ذى اليد ولكنهم تركوا هذه الزيادة للتلبس على القاضى بأن قالوا بشهادة شهود شهدوا عنده انها ولدت في ملكه فيحتمل أن ذو اليد كان أقام هذه البينة عند ذلك القاضي فتترجح شهادة بينة الخارج وقضي بها له وكان ذلك قضاء نافذا لا يجوز ابطاله بعد ذلك فلهذا لا ينقض الثاني قضاء الاول مع الاحتمال ومثل هذا الاحتمال لا يوجد إذا أقام ذو اليد بينة على الولادة عند القاضى الاول وكذلك لو تنازعا فيها خارجان أقام كل واحد منهما البينة انها أمته قضى له بها قاضى بلد كذا بشهادة شهود شهدوا عنده انها له على هذا وأقام آخر البينة انها أمته ولدت في ملكه فعند محمد رحمه الله يقضى بها لصاحب الولادة وعندهما يقضى بها لصاحب القضاء لان مع الاحتمال لا يجوز نقض القضاء كما بينا. قال محمد رحمه الله عبد في يد رجل فأقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه ووقتوا وقتا فكان العبد أكثر من ذلك أو أصغر معروف فشاهدة الشهود باطلة ليتقن القاضى بمجازفتهم فيها وهذا يبين لك أن الصواب في القضاء نصفان في قوله فان كانت الدابة على غير الوقتين أو كانت مشكلة أنه في أحد الفصلين فاما إذا كانت على غير الوقتين فالجواب بطلان الشهادتين والله أعلم بالصواب (باب الشهادة في الولادة والنسب) (قال رحمه الله عبد صغير في يد رجل يدعى أنه عبده فالقول قوله) لان من لا يعبر عن

[ 80 ] نفسه بمنزلة المتاع وقول ذى اليد فيما في يده حجة للدفع فان ادعى آخر أنه ابنه فعليه البينة لانه يدعى نسب ملك الغير فلا يقبل قوله الا بحجة فان أقام البينة أنه ابنه قضى انه ابن له لاثباته دعواه بالحجة وجعل حرا لان في الحكم بثبوت النسب حكما بانه مخلوق من مائه وماء الحر جزء منه فيكون حراما لم يتصل برحم الامة وحين لم يسموا أمة في الشهادة لم يظهر اتصال مائه برحم الامة فبقى على الحرية فهذه موجبة البينة حرية الولد فلا يعارضها قول ذى اليد في اثبات رقه. وكذلك لو كان الذى في يديه يدعى أنه ابنه فالمدعى الذي أقام البينة أولى بالقضاء بالنسب له لان البينة لا يعارضها اليد ولا قول ذى اليد. وكذلك لو كان المدعى ذميا أو عبدا يثبت النسب منه لاثباته دعواه بالحجة والعبد والذمى من أهل النسب كالحر المسلم فان أقام ذو اليد البينة انه ابنه وأقام الخارج البينة أنه ابنه قضيت بنسبه لذى اليد لان هذا في معنى النتاج وقد بينا أن بينة ذى اليد هناك تترجح على بينة الخارج. وكذلك ان أقام كل واحد منهما البيبة أنه ابنه من امرأته هذه قضى بنسبه من ذى اليد ومن امرأته وان جحدت هي ذلك لان السبب هو الفراش بينهما قائم والحكم متى ظهر عقيب سبب ظاهر يحال به على ذلك السبب وذلك الفراش بينهما يثبت النسب منهما فمن ضرورة ثبوته من أحدهما بذلك السبب ثبوته من الآخر فلا ينتفى بجحودها وكذلك لو جحد الاب وادعت الام. قال ولو كان الصبي في يد عبد وامرأته الامة وأقاما البينة أنه ابنهما وأقام آخر من العرب أو من الموالى أو من أهل الذمة أنه ابنه من امرأته هذه وهى مثله فانه يقضى بينة الخارجين لان في بينتهما زيادة اثبات الحرية للولد والبينات للاثبات فتترجح بزيادة الاثبات. قال ولو كان الصبى في يد رجل فأقام رجل البينة أنه ابنه من امرأته هذه وهما حران وأقام ذو اليد البينة انه ابنه ولم ينسبوه إلى أمه فانه يقضي به للمدعى لزيادة الاثبات في بينته وهو ثبوت النسب من أمه فصارت الزيادة في اثبات النسب كزيادة اثبات الحرية وكذلك ان كانت الام هي المدعية فان ثبوت النسب بالفراش بينهما فيكون احدهما خصما عن الآخر في لا أثبات ولو أقام الخارج البينة انه ابنه وشهد شهود ذى على اقراره أنه ابنه قضى به للمدعى لان ثبوت اقرار ذى اليد بالبينة لا يكون أقوى من سماع القاضى اقراره وذلك يندفع ببينة الخارج ثم أعاد مسألة الرجلين والمرأتين وقد بيناه (فرع) عليه ما لم وقت كل واحد منهما وقتا قال ينظر إلى سن الصبي فان كان مشكلا فهو وما لم يوقتا سواء يقض به لهما وان كان مشكلا في احدهما وهو أكبر سنامن الآخر أو أصغر

[ 81 ] معروف قضيت به للمشكل لان علامة الكذب ظهرت في شهادة الآخرين ولم تظهر في شهادة هؤلاء لكونه محتملا للوقت الذى وقتوه قال ولو كان الصبي في يد رجل فاقامت امرأة شاهدين انه ابنها قضيت بالنسب منها لاثباتها الدعوى بالحجة وان كان ذو اليد يدعيه لم يقض له به لان مجرد الدعوى لا يعارض البينة فان (قيل) لا منافاة بين ثبوته منه ومنها (قلنا) نعم ولكن لا يمكن اثبات النسب منهما الا بالقضاء بالفراش بينهما ومجرد قوله ليس بحجة عليها في اثبات الفراش في النكاح بينهما ولو لم تقم المرأة الا امرأة واحدة شهدت انها ولدت فان كان ذو اليد يدعى انه ابنه أو عبده لم يقض للمرأة بشي لان الاستحقاق الثابت باليد لا يبطل بشهادة المرأة الواحدة فانها ليست بحجة في ابطال حق ثابت للغير وان كان الذى في يديه لا يدعيه فانى أقضى به للمرأة بشهادة امرأة واحدة وهذا استحسان وفى القياس لا يقضى لان اليد في اللقيط مستحق لذى اليد حتى لو أراد غيره ان ينزعه من يده لم يملك فلا يبطل ذلك بشهادة امرأة واحدة وفى الاستحسان تمحض هذا منفعة للولد في اثبات نسبه وحريته وليس فيه ابطال حق لذى اليد لانه لا يدعى في الولد شيئا انما يده فيه مصيالة عن ضياعه فلهذا أثبتنا النسب منها بشهادة القابلة. قال عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد في ملكه وانه أعتقه وأقام ذو اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه فانى أقضى به للذى أعتقه لان في هذه البينة زيادة الحرية فلو رجحنا بينة ذى اليد جعلناه مملوكا له وكيف يجعل مملوكا وقد قامت البينة على الحرية ولو كان المدعى دبره أو كاتبه لم يستحق بهذا شيأ أما في الكتابة لا اشكال لانه عقد محتمل للفسخ كالبيع والاجارة فكأنه أقام البينة علي تصرفه فيه ببيع أو اجارة فلا يترجح به وأما في التدبير فقد أعاد المسألة في آخر الكتاب وجعله كالعتق ففيه روايتان، وجه تلك الرواية أن بالتدبير يثبت له حق عتق لا يحتمل الفسخ فكان معتبرا بحقيقة العتق لانه يثبت الولاء على العبد ببينته في الموضعين جميعا وإذا كان الولاء هو المقصود والملك بيع فتترجح بينة الخارج لهذا وجه هذه الرواية أن التدبير لا يخرجه من أن يكون مملوكا كالكتابة فكان الملك هو المقصود بالاثبات لكونه قائما فتترجح بينة ذى اليد لاثبات الولادة في ملكه بخلاف العتق فان الملك لا يبقى بعد العتق فيكون المقصود هناك اثبات الولاء ولو أقام الخارج البينة انه ابنه ولد في ملكه وأقام ذو اليد البينة انه عبده ولد في ملكه قضى به للمدعي لان في بينته اثبات الحرية فان المولود من أمته في ملكه حر الاصل وإذا كان يترجح عنده اثبات حرية العتق

[ 82 ] فعند اثبات حرية الاصل أولى. قال صبي في يد امرأة فاقامت شاهدة أنه ابنها وأقامت التى هو في يديها شهادة انه ابنها قضيت به للذى هو في يديها لان الحجتين استويا في دعوى النسب فيترجح جانب ذى اليد وكذلك لو شهد لكل واحدة منهما رجلان وللتى هو في يديها امرأة قضيت به للمدعية لان شهادة المرأة الواحدة لا تقابل شهادة رجلين لان شهادة رجلين حجة تامة على الاطلاق وشهادة المرأة حجة ضرورية قال ولو كان الصبي في يد رجل وامرأة يدعيان انه ابنهما فشهدت لهما امرأة واحدة وأقام رجل آخر شاهدين انه ابنه من امرأته هذه قضيت به للمدعى لان شهادة المرأة الواحدة لا تقابل شهادة رجلين لان شهادة رجلين حجة تامة على الاطلاق وشهادة المرأة حجة ضرورية. قال ولو كان الصبي في يد رجل وامرأتان تدعيان انه ابنهما فشهدت لهما امرأة واحدة وأقام رجل آخر شاهدين انه ابنه من امرأته هذه قضيت به للمدعى لان شهادة المرأة الواحدة لا تعارض شهادة رجلين فسقط اعتباره وبقى اليد في أحد الجانبين والبينة في الجانب الآخر واليد لا تعارض البينة. قال ولو كان صبي في يد ذمى فشهد له ذميان أنه ابنه وأقام مسلم شاهدين مسلمين انه ابنه قضيت به للمسلم لان بينة المسلم حجة على خصمه الذمي وبينة الذمي ليست بحجة على خصمه المسلم. وكذلك لو كان شهود المسلم من أهل الذمة فان كان شهود الذمي من السملمين وشهود المسلم من أهل الذمة أو من أهل الاسلام قضيت به لذى اليد لان بينة كل واحد منهما حجة على خصمه فلما استويا ترجح ذو اليد بهذه البينة لان هذا في معنى النتاج لا يتكرر وان كان الصبى في يد ثالث مسلم أو ذمي قضيت به للمسلم لان في بينته اثبات الزيادة وهو اسلام الولد ولان أحد البينتين يوجب كفره والاخرى توجب اسلامه فيترجح الموجب للاسلام علي الموجب للكفر. قال ولو كان الصبى في يد رجل وامرأته فقال الرجل هو ابني من فلانة لامرأة غيرها وقالت المرأة هو ابني من زوج فلان وأقام كل واحد منهما البينة جعلته ابن هذين اللذين في يدهما لان سبب النسب فيما بينهما ظاهرا وهو الفراش فيحال به على هذا السبب ويثبت النسب منهما ولان أكثر ما في الباب ان كل واحد من الحاضرين ينصب خصما عن كل واحد من الغائبين والغائبان الخارجان لو أقاما البينة بأنفسهما ترجحت بينة ذى اليد على بينتهما فكذلك هنا. قال صبى في يد رجل فأقام مسلم البينة انه ابنه من امرأته هذه الحرة وأقام عبد البينة انه ابنه ولد على فراشه من هذه الامة وأقامت مكاتبة البينة انه ابنه ولد على فراشه من هذه المكاتبة فانى أقضى به للحر