الفرق بين المراجعتين لصفحة: «مبسوط السرخسي - الجزء الخامس عشر2»

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تم حذف المحتوى تمت إضافة المحتوى
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 64 كلمة مستهدفة حالياً.
OKBOT (نقاش | مساهمات)
ط تدقيق إملائي. 88 كلمة مستهدفة حاليًا.
سطر 12: سطر 12:
[ 78 ]
[ 78 ]
في الاصل وعن رافع بن خديج رضى الله عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على حائط فاعجبه فقال لمن هذا الحائط فقلت لى استأجرته فقال صلى الله عليه وسلم لا تستأجره بشئ منه وفيه دليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه من الدنيا ما يعجب غيره ولكنه كان لا يركن إليه كما قال الله تعالى ولا تمدن عينيك إلى متعنا به الآية وهذا القدر من الاعجاب لا يضر أحدا بخلاف ما يقوله جهال المتعسفة أن من أعجبه شئ من الدنيا ينتقص من الايمان بقدره فكيف يستقيم هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب إلى من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجعلت قرة عينى في الصلاة فلما أعجبه قال صلى الله عليه وسلم لمن هذا وفيه بيان أن هذا ليس من جملة مالا يعنى المرء فرسول الله صلى الله عليه وسلم ماكان يتكلم بمالا يعينه ولكنه من باب الاستئناس وحسن الصحبة وفي قول رافع رضي الله عنه لى استأجرته دليل على ان الشئ يضاف إلى المرء وان كان لا يملكه حقيقة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك عليه ولهذا قلنا من حلف أن لايدخل دار فلان فدخل دارا " يسكنها فلان باجارة أو عارية حنث وفي الحديث دليل جواز الاستئجار للاراضي ودليل فساد عقد المزارعة ففي المزارعة استئجار الارض ببعض ما يخرجه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج رضى الله عنه عن استئجار الارض بشئ منه فهو حجة أبى حنيفة رضى الله عنه على من أجازه وعن الشعبي رحمه الله في رجل استأجر بيتا وأجره باكثر مما استأجره به أنه لا بأس بذلك إذا كان يفتح بابه ويغلقه ويخرج متاعه فلا بأس بالفضل وفيه دليل أن للمستأجر أن يؤجر من غيره وبه يقول فجواز هذا العقد من المالك قبل وجود المنفعة كان بالطريق الذي قلنا وهو موجود في حق المستأجر ولان المالك ماكان يتمكن من مباشرة العقد عليها يعد الوجود لانها لا تبقى فكذلك المستأجر ثم بين أنه انما يجوز له أن يستفضل إذا كان يعمل فيه عملا نحو فتح الباب واخراج المتاع فيكون الفضل له بازاء عمله وهذا فضل اختلف فيه السلف رحمهم الله كان عطاء رحمه الله لا يرى بالفضل بأسا ويعجب من قول أهل الكوفة رحمهم الله حيث كرهوا الفضل وبقوله أخذ الشافعي رضى الله عنه وكان ابراهيم رحمه الله يكره الفضل الا أن يزيد فيه شيئا فان زاد فيه شيئا طاب له الفضل وأخذنا بقول ابراهيم رحمه الله وقلنا إذا أصلح في البيت شيئا أو طين البيت أو جصص أو زاد فيه لوحا فالفضل حلال لان الزيادة بمقابلة ما زاد من عنده حملا لامره على الصلاح وان لم يزد فيه شيئا لا يطيب له الفضل لنهى النبي صلى
في الاصل وعن رافع بن خديج رضى الله عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على حائط فاعجبه فقال لمن هذا الحائط فقلت لى استأجرته فقال صلى الله عليه وسلم لا تستأجره بشئ منه وفيه دليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه من الدنيا ما يعجب غيره ولكنه كان لا يركن إليه كما قال الله تعالى ولا تمدن عينيك إلى متعنا به الآية وهذا القدر من الاعجاب لا يضر أحدا بخلاف ما يقوله جهال المتعسفة أن من أعجبه شئ من الدنيا ينتقص من الايمان بقدره فكيف يستقيم هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب إلى من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجعلت قرة عينى في الصلاة فلما أعجبه قال صلى الله عليه وسلم لمن هذا وفيه بيان أن هذا ليس من جملة مالا يعنى المرء فرسول الله صلى الله عليه وسلم ماكان يتكلم بمالا يعينه ولكنه من باب الاستئناس وحسن الصحبة وفي قول رافع رضي الله عنه لى استأجرته دليل على ان الشئ يضاف إلى المرء وان كان لا يملكه حقيقة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك عليه ولهذا قلنا من حلف أن لايدخل دار فلان فدخل دارا " يسكنها فلان باجارة أو عارية حنث وفي الحديث دليل جواز الاستئجار للاراضي ودليل فساد عقد المزارعة ففي المزارعة استئجار الارض ببعض ما يخرجه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج رضى الله عنه عن استئجار الارض بشئ منه فهو حجة أبى حنيفة رضى الله عنه على من أجازه وعن الشعبي رحمه الله في رجل استأجر بيتا وأجره باكثر مما استأجره به أنه لا بأس بذلك إذا كان يفتح بابه ويغلقه ويخرج متاعه فلا بأس بالفضل وفيه دليل أن للمستأجر أن يؤجر من غيره وبه يقول فجواز هذا العقد من المالك قبل وجود المنفعة كان بالطريق الذي قلنا وهو موجود في حق المستأجر ولان المالك ماكان يتمكن من مباشرة العقد عليها يعد الوجود لانها لا تبقى فكذلك المستأجر ثم بين أنه انما يجوز له أن يستفضل إذا كان يعمل فيه عملا نحو فتح الباب واخراج المتاع فيكون الفضل له بازاء عمله وهذا فضل اختلف فيه السلف رحمهم الله كان عطاء رحمه الله لا يرى بالفضل بأسا ويعجب من قول أهل الكوفة رحمهم الله حيث كرهوا الفضل وبقوله أخذ الشافعي رضى الله عنه وكان إبراهيم رحمه الله يكره الفضل الا أن يزيد فيه شيئا فان زاد فيه شيئا طاب له الفضل وأخذنا بقول إبراهيم رحمه الله وقلنا إذا أصلح في البيت شيئا أو طين البيت أو جصص أو زاد فيه لوحا فالفضل حلال لان الزيادة بمقابلة ما زاد من عنده حملا لامره على الصلاح وان لم يزد فيه شيئا لا يطيب له الفضل لنهى النبي صلى
[ 79 ]
[ 79 ]
الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن والمنفعة بالعقد لم تدخل في ضمان المستأجر فيكون هذا استرباحا على ما لم يضمنه فعليه أن يتصدق به للنهى عن وكيس البيت ليس بزيادة فيه انما هو اخراج التراب منه فلا يطيب الفضل باعتباره وكذلك فتح الباب واخراج المتاع ليس بزيادة في البيت فلا يطيب الفضل باعتباره الا أن يكون شرط له من ذلك شيئا معلوما في العقد فحينئذ يكون الفضل بمقابلته ويطيب له وهو تأويل حديث الشعبي رضى الله عنه وعن ابراهيم رحمه الله انه كان يعجبهم إذا أبضعوا بضاعة أن يعطوا صاحبها أجرا كي يضمنها وهذا منه إشارة إلا انه قول من كان قبله من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم فيكون دليلا لمن يضحى الاجير المشترك لان المستبضع إذا أخذ أجرا فهو أجير على الحفظ وهو أجير مشترك ولكن أبو حنيفة رحمه الله يقول ليس فيه بيان السبب الذي به يضمنها فيحتمل أن يكون المراد كى يضمن ما يتلف بعمله مما يكون قصد به الاصلاح دون الافسادوبه نقول فالاجير المشترك ضامن لما جنت يده وعن شريح رحمه الله أنه خاصم إليه بقال قد أجره رجل بيتا فالقي فيه مفتاحه في وسط الشهر فقال شريح رحمه الله هو برئ من البيت وكان هذا مذهب شريح في الاجارة أنه لا يتعلق بها اللزوم فلكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه لانه عقد على المعدوم بمنزلة العارية ولان الجواز للحاجة ولا حاجة إلى اثبات صفة اللزوم ولسنا نأخذ في هذا بقوله فالاجارة عقد معاوضة واللزوم أصل في المعاوضات ولان في المعاوضات يجب النظر من الجانبين ولا يعتدل النظر بدون صفة اللزوم ثم أخذ أبو حنيفة رحمه الله بحديث شريح رضى الله عنه من وجه فقال ان ألقى إليه المفتاح بعذر له فهو برئ من البيت والعذر ان يريد سفرا أو يمرض فيقوم أو يفلس فيقوم من السوق وما أشبه ذلك وهذا لان شريحا رحمه الله أفتى بضعف هذا العقد ولكن جعله في الضعف نهاية حيث قال ينفرد بالفسخ سواء كان له عذر أو لم يكن ومن يقول لا ينفرد بالفسخ مع وجود العذر فقد جعله نهاية في القوة وفي الجانبين معنى الضرر فانما يعتدل النظر ويندفع الضرر بما قلنا لان عند الفسخ تعذر بقصد دفع الضرر عن نفسه وعند الفسخ بغير عذر يقصد الاضرار بالغير ولان العقد معاوضة وهو دليل قوته وعدم ما يضاف إليه العقد عند العقد دليل ضعفه وما يجاذبه دليلان يوفر حظه عليهما فدليل القوة قلنا لا ينفسخ بغير عذر ولدليل الضعف قلنا ينفسخ بالعذر لان صفة المعاوضة لا تمنع الفسخ عند الحاجة إلى دفع الضرر كالمشترى يرد المبيع بالعيب وظاهر ما يقوله في الكتاب أنه ينفسخ العقد عند العذر بفعل المشترى ولكن
الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن والمنفعة بالعقد لم تدخل في ضمان المستأجر فيكون هذا استرباحا على ما لم يضمنه فعليه أن يتصدق به للنهى عن وكيس البيت ليس بزيادة فيه انما هو اخراج التراب منه فلا يطيب الفضل باعتباره وكذلك فتح الباب واخراج المتاع ليس بزيادة في البيت فلا يطيب الفضل باعتباره الا أن يكون شرط له من ذلك شيئا معلوما في العقد فحينئذ يكون الفضل بمقابلته ويطيب له وهو تأويل حديث الشعبي رضى الله عنه وعن إبراهيم رحمه الله انه كان يعجبهم إذا أبضعوا بضاعة أن يعطوا صاحبها أجرا كي يضمنها وهذا منه إشارة إلا انه قول من كان قبله من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم فيكون دليلا لمن يضحى الاجير المشترك لان المستبضع إذا أخذ أجرا فهو أجير على الحفظ وهو أجير مشترك ولكن أبو حنيفة رحمه الله يقول ليس فيه بيان السبب الذي به يضمنها فيحتمل أن يكون المراد كى يضمن ما يتلف بعمله مما يكون قصد به الاصلاح دون الافسادوبه نقول فالاجير المشترك ضامن لما جنت يده وعن شريح رحمه الله أنه خاصم إليه بقال قد أجره رجل بيتا فالقي فيه مفتاحه في وسط الشهر فقال شريح رحمه الله هو برئ من البيت وكان هذا مذهب شريح في الاجارة أنه لا يتعلق بها اللزوم فلكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه لانه عقد على المعدوم بمنزلة العارية ولان الجواز للحاجة ولا حاجة إلى اثبات صفة اللزوم ولسنا نأخذ في هذا بقوله فالاجارة عقد معاوضة واللزوم أصل في المعاوضات ولان في المعاوضات يجب النظر من الجانبين ولا يعتدل النظر بدون صفة اللزوم ثم أخذ أبو حنيفة رحمه الله بحديث شريح رضى الله عنه من وجه فقال ان ألقى إليه المفتاح بعذر له فهو برئ من البيت والعذر ان يريد سفرا أو يمرض فيقوم أو يفلس فيقوم من السوق وما أشبه ذلك وهذا لان شريحا رحمه الله أفتى بضعف هذا العقد ولكن جعله في الضعف نهاية حيث قال ينفرد بالفسخ سواء كان له عذر أو لم يكن ومن يقول لا ينفرد بالفسخ مع وجود العذر فقد جعله نهاية في القوة وفي الجانبين معنى الضرر فانما يعتدل النظر ويندفع الضرر بما قلنا لان عند الفسخ تعذر بقصد دفع الضرر عن نفسه وعند الفسخ بغير عذر يقصد الاضرار بالغير ولان العقد معاوضة وهو دليل قوته وعدم ما يضاف إليه العقد عند العقد دليل ضعفه وما يجاذبه دليلان يوفر حظه عليهما فدليل القوة قلنا لا ينفسخ بغير عذر ولدليل الضعف قلنا ينفسخ بالعذر لان صفة المعاوضة لا تمنع الفسخ عند الحاجة إلى دفع الضرر كالمشترى يرد المبيع بالعيب وظاهر ما يقوله في الكتاب أنه ينفسخ العقد عند العذر بفعل المشترى ولكن
[ 80 ]
[ 80 ]
الاصح ما ذكره في الزيادات أن القاضي هو الذي يفسخ العقد بينهما إذا أثبت العذر عندهما في الرد بالعيب وجه هذه الرواية أن المستأجر غير قابض للمنفعة حتى لم يدخل في ضمانه فيكون هذا بمنزلة الرد بالعيب قبل القبض ينفرد به من غير قضاء وجه تلك لرواية أن عين الحانوت أقيم مقام المعقود عليه في حكم انعقاد العقد فكذلك في حكم الفسخ وهو قابض للحانوت فكان هذا نظير الرد بالعيب بعد القبض فلهذا لايتم الا بالقضاء وعن ابراهيم رحمه الله انه كان لا يضمن الاجير المشترك ولاغيره وفسر الاجير المشترك في الكتاب بالقصار والخياط والاسكاف وكل من يقبل الاعمال من غير واحد وأجير الواحد أن يستأجر الرجل الرجل ليخدمه شهرا أو ليخرج معه إلى مكة وما أشبه ذلك مما لايستطيع الاجير أن يؤجر فيه نفسه من غيره والحاصل ان أجير الواحد من العقد واردا على منافعه ولا تصير منافعه معلومة الا بذكر المدة أو بذكر المسافة ومنافعه في حكم العين فان صارت مستحقة بعقد المعاوضة لا يتمكن من ايجابها لغيره والاجير المشترك من يكون عقده واردا على عمل هو معلوم ببيان محله لان المعقود عليه في حقه الوصف الذي يحدث في العين بعمله فلا يحتاج إلى ذكر المدة ولا يمتنع عليه بعمل مثل ذلك العمل من غيره لان ما استحقه الاول في حكم الدين في ذمته وهو نظير السلم مع بيع العين فان المسلم فيه لما كان دينا في ذمته لا يتعذر عليه به قبول السلم من غيره والبيع لما كان يلاقى العين فبعد ما باعه من انسان لا يملك بيعه من غيره ولهذا سمى هذا مشتركا والاول أجير الوحدة ثم أخذ أبو حنيفة رحمه الله بقول ابراهيم رضى الله عنه إذا تلفت العين بغير صنعه فلا ضمان عليه سواء كان أجيرا واحد أو مشترك تلف بما يمكن الاحتراز عنه أو بمالا يمكن وأخذ به أبو يوسف ومحمد رحمهما الله في أجير الواحد أيضا وفي الاجير المشترك أخذ بقول شريح رحمه الله على ماروى عنه بعد هذا انه كان يضمن الاجير المشترك والاختلاف فيه بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فقد روي عن عمر وعلي رضى الله عنهما أنهما كانا يضمنان الاجير المشترك ما ضاع على يده وعن على رضى الله عنه انه كان لا يضمن القصار والصباغ ونحوهما فلاجل الاختلاف اختار المتأخرون رحمهم الله الفتوى بالصلح على النصف وسنقرر هذه المسائل بطريق المعنى في مواضعها ان شاء الله تعالى وذكر عن شريح رحمه الله انه كان يضمن الملاح كل شئ الا الغرق والحرق والملاح أجير مشترك وقد بينا أن من مذهب شريح رحمه الله أن الاجير المشترك ضامن
الاصح ما ذكره في الزيادات أن القاضي هو الذي يفسخ العقد بينهما إذا أثبت العذر عندهما في الرد بالعيب وجه هذه الرواية أن المستأجر غير قابض للمنفعة حتى لم يدخل في ضمانه فيكون هذا بمنزلة الرد بالعيب قبل القبض ينفرد به من غير قضاء وجه تلك لرواية أن عين الحانوت أقيم مقام المعقود عليه في حكم انعقاد العقد فكذلك في حكم الفسخ وهو قابض للحانوت فكان هذا نظير الرد بالعيب بعد القبض فلهذا لايتم الا بالقضاء وعن إبراهيم رحمه الله انه كان لا يضمن الاجير المشترك ولاغيره وفسر الاجير المشترك في الكتاب بالقصار والخياط والاسكاف وكل من يقبل الاعمال من غير واحد وأجير الواحد أن يستأجر الرجل الرجل ليخدمه شهرا أو ليخرج معه إلى مكة وما أشبه ذلك مما لايستطيع الاجير أن يؤجر فيه نفسه من غيره والحاصل ان أجير الواحد من العقد واردا على منافعه ولا تصير منافعه معلومة الا بذكر المدة أو بذكر المسافة ومنافعه في حكم العين فان صارت مستحقة بعقد المعاوضة لا يتمكن من ايجابها لغيره والاجير المشترك من يكون عقده واردا على عمل هو معلوم ببيان محله لان المعقود عليه في حقه الوصف الذي يحدث في العين بعمله فلا يحتاج إلى ذكر المدة ولا يمتنع عليه بعمل مثل ذلك العمل من غيره لان ما استحقه الاول في حكم الدين في ذمته وهو نظير السلم مع بيع العين فان المسلم فيه لما كان دينا في ذمته لا يتعذر عليه به قبول السلم من غيره والبيع لما كان يلاقى العين فبعد ما باعه من انسان لا يملك بيعه من غيره ولهذا سمى هذا مشتركا والاول أجير الوحدة ثم أخذ أبو حنيفة رحمه الله بقول إبراهيم رضى الله عنه إذا تلفت العين بغير صنعه فلا ضمان عليه سواء كان أجيرا واحد أو مشترك تلف بما يمكن الاحتراز عنه أو بمالا يمكن وأخذ به أبو يوسف ومحمد رحمهما الله في أجير الواحد أيضا وفي الاجير المشترك أخذ بقول شريح رحمه الله على ماروى عنه بعد هذا انه كان يضمن الاجير المشترك والاختلاف فيه بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فقد روي عن عمر وعلي رضى الله عنهما أنهما كانا يضمنان الاجير المشترك ما ضاع على يده وعن على رضى الله عنه انه كان لا يضمن القصار والصباغ ونحوهما فلاجل الاختلاف اختار المتأخرون رحمهم الله الفتوى بالصلح على النصف وسنقرر هذه المسائل بطريق المعنى في مواضعها ان شاء الله تعالى وذكر عن شريح رحمه الله انه كان يضمن الملاح كل شئ الا الغرق والحرق والملاح أجير مشترك وقد بينا أن من مذهب شريح رحمه الله أن الاجير المشترك ضامن
[ 81 ]
[ 81 ]
سطر 24: سطر 24:
[ 82 ]
[ 82 ]
قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضمن الصياغ ما أفسدوا من متاع الناس أوضاع على أيديهم وقد بينا اختلافهم فيما إذا حصل التلف بغير صنع الاجير وفي هذا دليل على اجتماعهما على تضيمن الاجير المشترك لما جنت يده لان قوله ما أفسدوا من متاع الناس عبارة عن التلف بعلمهم فهو دليل على زفر والشافعي رحمهما الله لنا فانهما يقولان لا يضمن ما جنت يده وسيأتيك بيان المسألة في موضعه ان شاء الله تعالى وعن ابراهيم ابن أبى الهيثم رحمه الله اتبعت كاذيا من السفن فحملت خوابى منها حمالا فانكسرت الخابية فخاصمته إلى شريح رحمه الله فقال الحمال زاحمني في السوق فانكسرت قال شريح رحمه الله انما استأجرك لتبلغها أهله فضمنه اياها والكاذي دهن تحمل من الهند في السفن إلى العراق وقيل هو اسم لما يتخذه راكب السفينة من الاواني كالامتعة لحاجته فيسع ذلك إذا خرج من السفينة وقد بينا أنه كان من مذهب شريح رحمه الله تضمين الاجير المشترك بما يمكن التحرز عنه من الاسباب والحمال أجير مشترك وكثرة الزحام مما يمكن التحرز عنه بأن يصبر حتى يقل الزحام فلهذا ضمنه وعلى قول أبى حنيفة رحمه الله لا ضمان على الحمال فيما تلف في يده بفعل غيره وهو ضامن إذا تعثر أو زلقت رجله لان ذلك من فعله والقول قوله بعد أن يحلف لانه أمين عنده فإذا أنكر السبب الموجب للضمان عليه كان القول قوله مع يمينه وعن ابن سيرين رحمه الله قال كان شريح رحمه الله إذا أتاه حائك بثوب قد أفسده قال رد عليه مثل غزله وخذ الثوب وان لم بر فسادا قال على بشاهدي عدل على شرط لم يوفك به وفيه دليل على أن الاجير المشترك إذا افسد كان ضامنا لصاحب المال مثل ماله فيما هو من ذوات الامثال والغزل من ذوات الامثال وان أداء الضمان يوجب الملك له في المضمون وبآخر الحديث أخذ ابن أبى ليلى رحمه الله فيقول إذا اختلفا في الشرط القول قول الحائك وعلى رب الثوب البينة أنه خالف شرطه وعندنا القول قول رب الثوب لان الاذن مستفاد من جهته فالقول قوله في صفته وعن عامر رحمه الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل باع حرا وأكل ثمنه واسترق الحر ورجل استأجر أجيرا واستوفي عمله ومنعه أجره ورجل أعطابى ثم غدر واللفظ الذي ذكر في هذا الحديث أبلغ ما يكون من الوعيد فرسول الله صلى الله عليه وسلم شفيع لامته وكل مؤمن يرجو النجاة بشفاعته فإذا صار الشفيع خصما يستد الامر وهو معنى قوله ومن كنت خصمه خصمته
قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضمن الصياغ ما أفسدوا من متاع الناس أوضاع على أيديهم وقد بينا اختلافهم فيما إذا حصل التلف بغير صنع الاجير وفي هذا دليل على اجتماعهما على تضيمن الاجير المشترك لما جنت يده لان قوله ما أفسدوا من متاع الناس عبارة عن التلف بعلمهم فهو دليل على زفر والشافعي رحمهما الله لنا فانهما يقولان لا يضمن ما جنت يده وسيأتيك بيان المسألة في موضعه ان شاء الله تعالى وعن إبراهيم ابن أبى الهيثم رحمه الله اتبعت كاذيا من السفن فحملت خوابى منها حمالا فانكسرت الخابية فخاصمته إلى شريح رحمه الله فقال الحمال زاحمني في السوق فانكسرت قال شريح رحمه الله انما استأجرك لتبلغها أهله فضمنه اياها والكاذي دهن تحمل من الهند في السفن إلى العراق وقيل هو اسم لما يتخذه راكب السفينة من الاواني كالامتعة لحاجته فيسع ذلك إذا خرج من السفينة وقد بينا أنه كان من مذهب شريح رحمه الله تضمين الاجير المشترك بما يمكن التحرز عنه من الاسباب والحمال أجير مشترك وكثرة الزحام مما يمكن التحرز عنه بأن يصبر حتى يقل الزحام فلهذا ضمنه وعلى قول أبى حنيفة رحمه الله لا ضمان على الحمال فيما تلف في يده بفعل غيره وهو ضامن إذا تعثر أو زلقت رجله لان ذلك من فعله والقول قوله بعد أن يحلف لانه أمين عنده فإذا أنكر السبب الموجب للضمان عليه كان القول قوله مع يمينه وعن ابن سيرين رحمه الله قال كان شريح رحمه الله إذا أتاه حائك بثوب قد أفسده قال رد عليه مثل غزله وخذ الثوب وان لم بر فسادا قال على بشاهدي عدل على شرط لم يوفك به وفيه دليل على أن الاجير المشترك إذا افسد كان ضامنا لصاحب المال مثل ماله فيما هو من ذوات الامثال والغزل من ذوات الامثال وان أداء الضمان يوجب الملك له في المضمون وبآخر الحديث أخذ ابن أبى ليلى رحمه الله فيقول إذا اختلفا في الشرط القول قول الحائك وعلى رب الثوب البينة أنه خالف شرطه وعندنا القول قول رب الثوب لان الاذن مستفاد من جهته فالقول قوله في صفته وعن عامر رحمه الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل باع حرا وأكل ثمنه واسترق الحر ورجل استأجر أجيرا واستوفي عمله ومنعه أجره ورجل أعطابى ثم غدر واللفظ الذي ذكر في هذا الحديث أبلغ ما يكون من الوعيد فرسول الله صلى الله عليه وسلم شفيع لامته وكل مؤمن يرجو النجاة بشفاعته فإذا صار الشفيع خصما يستد الامر وهو معنى قوله ومن كنت خصمه خصمته
[ 83 ]
[ 83 ]
سطر 90: سطر 90:
[ 104 ]
[ 104 ]
للكل فمن النظر للاجير أن لا يكون مضمونا عليه ولما تساوى الجانبان لم يجب الضمان بالشك وما قال انما يستقيم أن لو كان التلف يتولد من الحفظ كما يتولد من العمل ولا يتصور تولد التلف من الحفظ الا أن يضيع الحفظ وعند ذلك هو ضامن لا أجر له عند أبى حنيفة رحمه الله لان المعقود عليه الوصف الحادث في الثوب بعمله وقد فات قبل تمام التسليم على صاحبه فلا أجر له بخلاف أجير الواحد فالمعقود عليه هناك منافعه في المدة وقد تم التسليم فيه فبهلاك العين عنده لا يبطل الاجر وأما عندهما رب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة الثوب مقصورا " وأعطاه الاجر وان شاء ضمنه قيمته غير مقصور ولا أجر له لان المعقود عليه صار مسلما من وجه باتصاله بالثوب الا انه لم يتم التسليم حتى تغير إلى البدل وهو ضمان القيمة فيتخير صاحب الثوب ان شاء رضى به متغيرا " فضمنه قيمته مقصورا " وأعطاه الاجر وان شاء لم يرض بالتغير وفسخ العقد فيه فيضمنه قيمة ثوبه أبيض بمنزلة مالو قبل المبيع قبل القبض فانه يتخير المشترى فاما إذا تلف بعمله بان دق الثوب فتخرق فهو ضامن عندنا وقال زفر رحمه الله لا ضمان عليه ان لم يجاوز الحد المعتاد وللشافعي رحمه الله فيه قولان في أحد القولين يقول هو ضامن سواء تلف بفعله أو بغير فعله وفي قوله الآخر يقول لا ضمان عليه سواء تلف بفعله أو بغير فعله وجه قول زفر رحمه الله أنه عمل مأذون فيه فما تلف بسببه لا يكون مضمونا عليه كالمعين في الدق وأجير الواحد وبيانه انه استأجره ليدق الثوب ولدق عمل معلوم بحده وهو ارسال المدقة على المحل من غير عنف وقد أتى بتلك الصفة فكان مأذونا فيه ثم التخرق انما كان لوهاء في الثوب وليس في وسع العامل التحرز من ذلك فهو نظير البزاغ والفصاد والحجام والختان إذا سرى إلى النفس لا يجب الضمان عليهم لهذا المعنى وهذا لان العمل مستحق عليه بعقد المعاوضة وما يستحق على المرء لا يبعد بما ليس في وسعه وبه فارق المشى في الطريق والرمى إلى الهدف فانه مباح غير مستحق عليه فقيد بشرط السلامة والدليل عليه ان أجير القصار إذا دق فتخرق الثوب لم يجب الضمان على الاجير وعندكم يجب الضمان على الاستاذ فان كان هذا العمل مأذونا فيه لم يجب الضمان على أحد وان لم يكن مأذونا فيه فهو موجب للضمان على من باشره فاما أن يقال من باشره لا يضمن وغيره يضمن بسببه فهو بعيد جدا " وحجتنا في ذلك ان التلف حصل بفعل غير مأذون فيه فيكون مأذونا كما لو دق الثوب بغير أمره وبيان ذلك أن الاذن ثابت بمقتضى العقد والمعقود عليه عمل في الذمة والعقد عقد
للكل فمن النظر للاجير أن لا يكون مضمونا عليه ولما تساوى الجانبان لم يجب الضمان بالشك وما قال انما يستقيم أن لو كان التلف يتولد من الحفظ كما يتولد من العمل ولا يتصور تولد التلف من الحفظ الا أن يضيع الحفظ وعند ذلك هو ضامن لا أجر له عند أبى حنيفة رحمه الله لان المعقود عليه الوصف الحادث في الثوب بعمله وقد فات قبل تمام التسليم على صاحبه فلا أجر له بخلاف أجير الواحد فالمعقود عليه هناك منافعه في المدة وقد تم التسليم فيه فبهلاك العين عنده لا يبطل الاجر وأما عندهما رب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة الثوب مقصورا " وأعطاه الاجر وان شاء ضمنه قيمته غير مقصور ولا أجر له لان المعقود عليه صار مسلما من وجه باتصاله بالثوب الا انه لم يتم التسليم حتى تغير إلى البدل وهو ضمان القيمة فيتخير صاحب الثوب ان شاء رضى به متغيرا " فضمنه قيمته مقصورا " وأعطاه الاجر وان شاء لم يرض بالتغير وفسخ العقد فيه فيضمنه قيمة ثوبه أبيض بمنزلة مالو قبل المبيع قبل القبض فانه يتخير المشترى فاما إذا تلف بعمله بان دق الثوب فتخرق فهو ضامن عندنا وقال زفر رحمه الله لا ضمان عليه ان لم يجاوز الحد المعتاد وللشافعي رحمه الله فيه قولان في أحد القولين يقول هو ضامن سواء تلف بفعله أو بغير فعله وفي قوله الآخر يقول لا ضمان عليه سواء تلف بفعله أو بغير فعله وجه قول زفر رحمه الله أنه عمل مأذون فيه فما تلف بسببه لا يكون مضمونا عليه كالمعين في الدق وأجير الواحد وبيانه انه استأجره ليدق الثوب ولدق عمل معلوم بحده وهو إرسال المدقة على المحل من غير عنف وقد أتى بتلك الصفة فكان مأذونا فيه ثم التخرق انما كان لوهاء في الثوب وليس في وسع العامل التحرز من ذلك فهو نظير البزاغ والفصاد والحجام والختان إذا سرى إلى النفس لا يجب الضمان عليهم لهذا المعنى وهذا لان العمل مستحق عليه بعقد المعاوضة وما يستحق على المرء لا يبعد بما ليس في وسعه وبه فارق المشى في الطريق والرمى إلى الهدف فانه مباح غير مستحق عليه فقيد بشرط السلامة والدليل عليه ان أجير القصار إذا دق فتخرق الثوب لم يجب الضمان على الاجير وعندكم يجب الضمان على الاستاذ فان كان هذا العمل مأذونا فيه لم يجب الضمان على أحد وان لم يكن مأذونا فيه فهو موجب للضمان على من باشره فاما أن يقال من باشره لا يضمن وغيره يضمن بسببه فهو بعيد جدا " وحجتنا في ذلك ان التلف حصل بفعل غير مأذون فيه فيكون مأذونا كما لو دق الثوب بغير أمره وبيان ذلك أن الاذن ثابت بمقتضى العقد والمعقود عليه عمل في الذمة والعقد عقد
[ 105 ]
[ 105 ]

نسخة 07:21، 18 ديسمبر 2007

[ 74 ]

الاذن والمولى الذي لم يأذن له من نصيب الاذن كالاجنبي وهو نظير مالو كاتبه أحد الموليين على نصيبه باذن شريكه فانه تجوز قسمته وسائر تصرفاته باعتبار هذا الفك مع الاجنبي ومع المولى الآخر فكذلك بعد الاذن من أحدهما له في التجارة والله أعلم بالصواب (كتاب الاجارات) (قال الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة وفخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي إملاء إعلم أن الاجارة عقد على المنفعة بعوض هو مال والعقد على المنافع شرعا نوعان أحدهما بغير عوض كالعارية والوصية بالخدمة والآخر بعوض وهو الاجارة وجواز هذا العقد عرف بالكتاب والسنة) أما الكتاب فقوله تعالى ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا أي في العمل باجر وقال الله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام على أن تأجرني ثمانى حجج فان أتممت عشرا فمن عندك وما ثبت شريعة لمن قبلنا فهو لازم لنا ما لم يقم الدليل على انفساخه وقال صلى الله على وسلم أعطوا الاجير أجره قبل أن يجف عرقه فالامر باعطاء الاجر دليل صحة العقد وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يؤاجرون ويستأجرون فاقرهم على ذلك وبين أحكامه وزعم بعض مشايخنا رحمهم الله أن القياس يأبى جواز هذا العقد لانه يرد على المعدوم وهي المنفعة التى توجد في مدة الاجارة والمعدوم ليس بمحل للعقد لانه ليس بشئ فيستحيل وصفه بأنه معقود عليه ولانه ملك المعقود عليه بعد الوجود لابد منه لانعقاد العقد والمعدوم لا يوصف بأنه مملوك ولا يمكن جعل العقد مضافا لان المعاوضات لا تحتمل الاضافة كالبيع والنكاح (قال) رضى الله عنه وهذا عندي ليس بقوي واشتراط الوجود والملك فيما يضاف إليه العقد لعينه بل للقدرة على التسليم وذلك لا يتحقق في المانع فان الوجود يعجزه عن التسليم بحكم العقد هنا لان المنافع أعراض لا تبقى وقتين والتسليم حكم العقد والحكم يعقب السبب فلا يتصور بقاء الموجود من المنفعة عند العقد إلى وقت التسليم فإذا كان بالوجود يتحقق العجز عن التسليم عند وجوب التسليم فلا معنى لاشتراط الوجود عند العقد ولكن تقام العين المنتفع بها موجودة في ملك العقد مقام المنفعة في حكم جواز العقد ولزومه كما تقام المرأة مقام ما هو المقصود بالنكاح في حكم العقد والتسليم وتقام الذمة التى هي محل المسلم فيه مقام ملك المعقود عليه في حكم جواز السلم أو

[ 75 ] يجعل العقد مضافا للانعقاد إلى وقت وجود المنفعة ليقترن الانعقاد بالاستيفاء فيتحقق بهذا الطريق التمكن من استيفاء المعقود عليه وهو معنى قول مشايخنا رحمهم الله أن الاجارة عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة وانما يفعل كذلك لحاجة الناس فالفقير محتاج إلى مال الغنى والغنى محتاج إلي عمل الفقير وحاجة الناس أصل في شرع العقود فيشرع على وجه ترتفع به الحاجة ويكون موافقا لاصول الشرع ثم يرد هذا العقد تارة على المنفعة وعلى العمل أخرى وفي الوجهين لابد من اعلام ما يرد عليه العقد على وجه تنقطع به المنازعة فاعلام المنفعة ببيان المدة أو المسافة وذكر المدة لبيان مقدار العقود عليه لا للتوقيت في العقد فان المنافع لما كانت تحدث شيئا فشيئا فمقدارها يصير معلوما ببيان المدة بمنزلة الكيل والوزن في المقدرات أو ببيان المسافة فان مقدار السير والمشى يصير به معلوما واعلام العمل ببيان محله والمعقود عليه فيه وصف يحدثه في المحل من قصارة أو دباغة أو خياطة فيختلف مقداره باختلاف المحل ولهذا لا يتعين عليه اقامة العمل بيده الا أن يشترط عليه ذلك فحينئذ يجب الوفاء بالشرط لانه مفيد فبين الناس تفاوت في إقامة العمل بايديهم وكما يجب اعلام ما يرد عليه العقد فيجب اعلام البدل لقطع المنازعة وقد دل عليه الحديث الذي بدأ به الكتاب ورواه عن أبى هريرة وأبى سعيد رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يستام الرجل على سوم أخيه ولا ينكح على خطبته وقال لاتناجشوا ولا تبيعوا بالقاء الحجر ومن استأجر أجيرا فليعلمه أجره وهذا حديث طويل بدأ ببعضه كتاب النكاح وببعضه كتاب الاجارات وهو مشهور تلقته العلماء رحمهم الله بالقبول وبالعمل به وفيه دليل على أنه لا يحل الاستيام على سوم الغير وهذا اللفظ يروى بروايتين بكسر الميم فيكون نهيا والنهى مجزوم ولكن المجزوم إذا حرك لاستقبال الالف واللام حرك بالكسر ويرفع الميم وهو نهى بصيغة الخبر وأبلغ ما يكون من النهى هذا كالامر فان أبلغ الامر ما يكون بصيغة الخبر قال سفيان بن عيينة رحمه الله بظاهر الحديث إذا استام على سوم الغير واشترى أو نكح على خطبة الغير فالعقد باطل لان النهى يوجب فساد المنهي عنه ولكنا نقول هذا نهى لمعنى في غير المنهى عنه غير متصل به وهو الاذى والوحشة الذي يلحق صاحبه وذلك ليس من العقد في شئ فيوجب الاستياء ولا يفسد العقد كالنهي عن الصلاة في الارض المغصوبة ثم هذا النهى بعد ما ركن احدهما إلى صاحبه فاما إذا ساومه بشئ ولم يركن أحدهما إلى صاحبه فلا بأس للغير أن يساومه ويشتريه

[ 76 ] على ماروي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بعبد فساومه ولم يشتره فاشتراه آخر فأعتقه الحديث وهذا لان بيع المزايدة لا بأس به على ماروى ان النبي صلى الله عليه وسلم باع قعبا وحلسا ببيع من يزيد وصفة بيع المزايدة ان ينادى الرجل على سلعته بنفسه أو بنائبه ويزيد الناس بعضهم على بعض فما لم يكف عن النداء فلا بأس للغير أن يريد وإذا ساومه انسان بشئ فكف عن النداء ورضي بذلك فحينئذ يكره للغير أن يزيد ويكون هذا استياما على سوم الغير وكذلك إذا خطب امرأة ولم تركن إليه فلا بأس للغير أن يخطبها على ماروى أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت ان معاوية يخطبني وان أبا الجهم يخطبني فقال صلى الله عليه وسلم أما معاوية فرجل صعلوك لامال له وأما أبو الجهم فهو لا يرفع العصا عن أهله أنكحي أسامة بن زيد فانك تجدين فيه خيرا كثيرا فاما بعد ما ركن أحدهما إلى صاحبه لا يحل لاحد أن يخطبها لان معنى الاذى انما يتحقق في هذه الحال والمراد بالنجش الانارة ومنه سمي الصياد ناجشا لانه ينثر الصيد عن أوكارها فالمراد أن يطلب السلعة بثمن يعلم أنها لا تساوي ذلك ولا يقصد شراؤها وانما يقصد أن يرغب الغير في شرائها به وهذا من باب الخداع والغرور وقوله ولا تبيعوا بالقاء الحجر وفي بعض الروايات ولا تنابذوا وهو عبارة عن هذا المعنى أيضا " فالنبذ هو الطرح وهذه أنواع بيوع كانوا تعارفوها في الجاهلية وهى أن يرمى الحجر إلى سلعة انسان فان أصابها وجب البيع بينهما أو يطلب سلعة من انسان فان طرح إليه صاحبها وجب البيع بينهما ثم نهى الشرع عن ذلك لما فيه من الغرر كما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر ومقصوده آخر الحديث ومن استأجر أجيرا فليعلمه أجره وهذا دليل جواز الاجارة وجواز استئجار الحر للعمل ووجوب اعلام الاجر وانه لا يجب تسليم الاجر بنفس العقد لانه أمر بالاعلام ولو كان التسليم يجب بنفس العقد لكان الاولى أن يقول فليؤته أجره وفي قوله صلى الله عليه وسلم أعطوا الاجير أجره قبل أن يجف عرقه دليل على ذلك أيضا فانه أمر بالمسارعة إلى أداء الاجرة وجعل أول أوقات المسارعة ما بعد الفراغ من العمل قبل جفوف العرق فدل أن أول وقت الوجوب هذا وعن أبى امامة قال قلت لعبد الله ابن عمر رضي الله عنهما أنى أكرى ابلى إلى مكة أفتجزيني من حجتى فقال ألست تلبي وتقف وترمى الجمار قلت بلى قال سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عما سألتني عنه فلم يجبه حتى أنزل الله تعالى ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم فقال صلى الله عليه وسلم أنتم حاج

[ 77 ] وفي هذا دليل جواز الاجارة وجواز كراء الابل إلى مكة شرفها الله من غير بيان المدة لان ذكر المسافة في الاعلام كبيان المدة ثم أشكل على السائل حال حجة لان خروجه كان لتعاهد ابله واكتساب الكراء لنفسه وهو موضع الاشكال فان النبي صلى الله عليه وسلم جعل من أشراط الساعة اكتساب الدنيا بعمل الآخرة فازال ابن عمر رضي الله عنه اشكاله بما ذكر له من مباشرة أعمال الحج وهذا بيان له أن بالذهاب لا يتأذى الحج وانما يتأذى بالاحرام والوقوف والطواف والرمى وهو بهذه الاعمال لا يبتغى عرض الدنيا وهذا جواب تام لو اقتصر عليه ولكنه أحب أن يزيده وضوحا فروى الحديث لان الاول دليل يستدرك بالتأمل وقد شبه ذلك بالسراج والخبر دليل واضح وهو مشبه بالشمس وكم من عين لاتبصر بضوء السراج وتبصر إذا بزغ الضياء الوهاج ثم فيه دليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينتظر زول الوحى في بعض ما يسأل عنه فانه آخر جواب هذا السائل حتى نزلت الاية ثم بين له أنه لا نقصان في الحج وأهل الحديث يروون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن التجارة في طريق الحج ولما كان اكراء الابل في معناه روى أبن عمر رضي الله عنهما الحديث فيه وعليه هذا قلنا الرستاقي إذا دخل المصر يوم الجمعة لشراء الدهن واللحم وشهد الجمعة فهو في الثواب والذي لاشغل له سوى اقامة الجمعة سواء لان مقصود المسلم اقامة العبادة فيما سوى ذلك يكون تبعا له ولا يتمكن نقصان في ثواب العبادة وان سعيد بن جبير رضي الله عنه قال أتى الرجل إلى ابن عباس رضى الله عنهما فقال أنى أجرت نفسي من قوم وحططت لهم من أجرى أفيجزينى من حجتى فقال ابن عباس رضى الله عنهما هذا من الدين قال الله تعالى ليس عليكم جناح الآية وانما أشكل على هذا السائل ما أشكل على الاول وكانه بلغه الحديث الذي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي استؤجر بدينارين للخروج مع المجاهد وانما لك دينارك في الدنيا والاخرة فظن مثله في الحج وحط بعض الاجر به ليرتفع به نقصان حجه فان الحط احسان وانتداب إلى ماندب في الشرع ومثله مشروع جبرا لنقصان الفرائض كالنوافل فازال ابن عباس رضي الله عنهما اشكاله وبين أنه لا نقصان في حجه ولم يأمره بالكف عن حط الاجر وان كان حجه بدونه تماما لان المنع من البر والاحسان لا يحسن وهو على ما أفتى به ابن عباس رضى الله عنهما بخلاف حال من استؤجر للخروج مع المجاهد فانه خرج ليخدم غيره لا ليباشر الجهاد وهذا خرج ليباشر أعمال الحج ويخدم في الطريق غيره فكان هذا تبعا لا يتمكن به نقصان

[ 78 ] في الاصل وعن رافع بن خديج رضى الله عنه قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على حائط فاعجبه فقال لمن هذا الحائط فقلت لى استأجرته فقال صلى الله عليه وسلم لا تستأجره بشئ منه وفيه دليل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه من الدنيا ما يعجب غيره ولكنه كان لا يركن إليه كما قال الله تعالى ولا تمدن عينيك إلى متعنا به الآية وهذا القدر من الاعجاب لا يضر أحدا بخلاف ما يقوله جهال المتعسفة أن من أعجبه شئ من الدنيا ينتقص من الايمان بقدره فكيف يستقيم هذا وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حبب إلى من دنياكم ثلاث النساء والطيب وجعلت قرة عينى في الصلاة فلما أعجبه قال صلى الله عليه وسلم لمن هذا وفيه بيان أن هذا ليس من جملة مالا يعنى المرء فرسول الله صلى الله عليه وسلم ماكان يتكلم بمالا يعينه ولكنه من باب الاستئناس وحسن الصحبة وفي قول رافع رضي الله عنه لى استأجرته دليل على ان الشئ يضاف إلى المرء وان كان لا يملكه حقيقة فان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينكر ذلك عليه ولهذا قلنا من حلف أن لايدخل دار فلان فدخل دارا " يسكنها فلان باجارة أو عارية حنث وفي الحديث دليل جواز الاستئجار للاراضي ودليل فساد عقد المزارعة ففي المزارعة استئجار الارض ببعض ما يخرجه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج رضى الله عنه عن استئجار الارض بشئ منه فهو حجة أبى حنيفة رضى الله عنه على من أجازه وعن الشعبي رحمه الله في رجل استأجر بيتا وأجره باكثر مما استأجره به أنه لا بأس بذلك إذا كان يفتح بابه ويغلقه ويخرج متاعه فلا بأس بالفضل وفيه دليل أن للمستأجر أن يؤجر من غيره وبه يقول فجواز هذا العقد من المالك قبل وجود المنفعة كان بالطريق الذي قلنا وهو موجود في حق المستأجر ولان المالك ماكان يتمكن من مباشرة العقد عليها يعد الوجود لانها لا تبقى فكذلك المستأجر ثم بين أنه انما يجوز له أن يستفضل إذا كان يعمل فيه عملا نحو فتح الباب واخراج المتاع فيكون الفضل له بازاء عمله وهذا فضل اختلف فيه السلف رحمهم الله كان عطاء رحمه الله لا يرى بالفضل بأسا ويعجب من قول أهل الكوفة رحمهم الله حيث كرهوا الفضل وبقوله أخذ الشافعي رضى الله عنه وكان إبراهيم رحمه الله يكره الفضل الا أن يزيد فيه شيئا فان زاد فيه شيئا طاب له الفضل وأخذنا بقول إبراهيم رحمه الله وقلنا إذا أصلح في البيت شيئا أو طين البيت أو جصص أو زاد فيه لوحا فالفضل حلال لان الزيادة بمقابلة ما زاد من عنده حملا لامره على الصلاح وان لم يزد فيه شيئا لا يطيب له الفضل لنهى النبي صلى

[ 79 ] الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن والمنفعة بالعقد لم تدخل في ضمان المستأجر فيكون هذا استرباحا على ما لم يضمنه فعليه أن يتصدق به للنهى عن وكيس البيت ليس بزيادة فيه انما هو اخراج التراب منه فلا يطيب الفضل باعتباره وكذلك فتح الباب واخراج المتاع ليس بزيادة في البيت فلا يطيب الفضل باعتباره الا أن يكون شرط له من ذلك شيئا معلوما في العقد فحينئذ يكون الفضل بمقابلته ويطيب له وهو تأويل حديث الشعبي رضى الله عنه وعن إبراهيم رحمه الله انه كان يعجبهم إذا أبضعوا بضاعة أن يعطوا صاحبها أجرا كي يضمنها وهذا منه إشارة إلا انه قول من كان قبله من الصحابة والتابعين رضى الله عنهم فيكون دليلا لمن يضحى الاجير المشترك لان المستبضع إذا أخذ أجرا فهو أجير على الحفظ وهو أجير مشترك ولكن أبو حنيفة رحمه الله يقول ليس فيه بيان السبب الذي به يضمنها فيحتمل أن يكون المراد كى يضمن ما يتلف بعمله مما يكون قصد به الاصلاح دون الافسادوبه نقول فالاجير المشترك ضامن لما جنت يده وعن شريح رحمه الله أنه خاصم إليه بقال قد أجره رجل بيتا فالقي فيه مفتاحه في وسط الشهر فقال شريح رحمه الله هو برئ من البيت وكان هذا مذهب شريح في الاجارة أنه لا يتعلق بها اللزوم فلكل واحد منهما أن ينفرد بفسخه لانه عقد على المعدوم بمنزلة العارية ولان الجواز للحاجة ولا حاجة إلى اثبات صفة اللزوم ولسنا نأخذ في هذا بقوله فالاجارة عقد معاوضة واللزوم أصل في المعاوضات ولان في المعاوضات يجب النظر من الجانبين ولا يعتدل النظر بدون صفة اللزوم ثم أخذ أبو حنيفة رحمه الله بحديث شريح رضى الله عنه من وجه فقال ان ألقى إليه المفتاح بعذر له فهو برئ من البيت والعذر ان يريد سفرا أو يمرض فيقوم أو يفلس فيقوم من السوق وما أشبه ذلك وهذا لان شريحا رحمه الله أفتى بضعف هذا العقد ولكن جعله في الضعف نهاية حيث قال ينفرد بالفسخ سواء كان له عذر أو لم يكن ومن يقول لا ينفرد بالفسخ مع وجود العذر فقد جعله نهاية في القوة وفي الجانبين معنى الضرر فانما يعتدل النظر ويندفع الضرر بما قلنا لان عند الفسخ تعذر بقصد دفع الضرر عن نفسه وعند الفسخ بغير عذر يقصد الاضرار بالغير ولان العقد معاوضة وهو دليل قوته وعدم ما يضاف إليه العقد عند العقد دليل ضعفه وما يجاذبه دليلان يوفر حظه عليهما فدليل القوة قلنا لا ينفسخ بغير عذر ولدليل الضعف قلنا ينفسخ بالعذر لان صفة المعاوضة لا تمنع الفسخ عند الحاجة إلى دفع الضرر كالمشترى يرد المبيع بالعيب وظاهر ما يقوله في الكتاب أنه ينفسخ العقد عند العذر بفعل المشترى ولكن

[ 80 ] الاصح ما ذكره في الزيادات أن القاضي هو الذي يفسخ العقد بينهما إذا أثبت العذر عندهما في الرد بالعيب وجه هذه الرواية أن المستأجر غير قابض للمنفعة حتى لم يدخل في ضمانه فيكون هذا بمنزلة الرد بالعيب قبل القبض ينفرد به من غير قضاء وجه تلك لرواية أن عين الحانوت أقيم مقام المعقود عليه في حكم انعقاد العقد فكذلك في حكم الفسخ وهو قابض للحانوت فكان هذا نظير الرد بالعيب بعد القبض فلهذا لايتم الا بالقضاء وعن إبراهيم رحمه الله انه كان لا يضمن الاجير المشترك ولاغيره وفسر الاجير المشترك في الكتاب بالقصار والخياط والاسكاف وكل من يقبل الاعمال من غير واحد وأجير الواحد أن يستأجر الرجل الرجل ليخدمه شهرا أو ليخرج معه إلى مكة وما أشبه ذلك مما لايستطيع الاجير أن يؤجر فيه نفسه من غيره والحاصل ان أجير الواحد من العقد واردا على منافعه ولا تصير منافعه معلومة الا بذكر المدة أو بذكر المسافة ومنافعه في حكم العين فان صارت مستحقة بعقد المعاوضة لا يتمكن من ايجابها لغيره والاجير المشترك من يكون عقده واردا على عمل هو معلوم ببيان محله لان المعقود عليه في حقه الوصف الذي يحدث في العين بعمله فلا يحتاج إلى ذكر المدة ولا يمتنع عليه بعمل مثل ذلك العمل من غيره لان ما استحقه الاول في حكم الدين في ذمته وهو نظير السلم مع بيع العين فان المسلم فيه لما كان دينا في ذمته لا يتعذر عليه به قبول السلم من غيره والبيع لما كان يلاقى العين فبعد ما باعه من انسان لا يملك بيعه من غيره ولهذا سمى هذا مشتركا والاول أجير الوحدة ثم أخذ أبو حنيفة رحمه الله بقول إبراهيم رضى الله عنه إذا تلفت العين بغير صنعه فلا ضمان عليه سواء كان أجيرا واحد أو مشترك تلف بما يمكن الاحتراز عنه أو بمالا يمكن وأخذ به أبو يوسف ومحمد رحمهما الله في أجير الواحد أيضا وفي الاجير المشترك أخذ بقول شريح رحمه الله على ماروى عنه بعد هذا انه كان يضمن الاجير المشترك والاختلاف فيه بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فقد روي عن عمر وعلي رضى الله عنهما أنهما كانا يضمنان الاجير المشترك ما ضاع على يده وعن على رضى الله عنه انه كان لا يضمن القصار والصباغ ونحوهما فلاجل الاختلاف اختار المتأخرون رحمهم الله الفتوى بالصلح على النصف وسنقرر هذه المسائل بطريق المعنى في مواضعها ان شاء الله تعالى وذكر عن شريح رحمه الله انه كان يضمن الملاح كل شئ الا الغرق والحرق والملاح أجير مشترك وقد بينا أن من مذهب شريح رحمه الله أن الاجير المشترك ضامن

[ 81 ] الا مالا يمكن التحرز عنه والذي لا يمكن التحرز عنه هو الحرق الغالب أو الغرق الغالب وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول ان غرقت من مده أو معالجته فهو ضامن لان التلف بفعله والاجير المشترك ضامن لما جنت يده وان احترقت من نار أدخلها السفينة لحاجة له من خبز أو طبخ أو غيره فلا ضمان عليه لان السفينة كالبيت فلا يكون هو معتديا في ادخال النار السفينة لحاجته وإذا كان التلف غير مضاف إليه تسببا ولا مباشرة لم يكن ضامنا وكان ابن أبى ليلى رحمه الله يضمن الاجير المشترك ولكنه كان يقول لا ضمان على الملاح في الماء خاصة وان غرقت السفينة من مده لان الغرق غالب لا يمكن الاحتراز عنه فهو كالحرق الغالب والغارة الغالبة ولكنا نقول الاحتراز ممكن بمنع السفية عند المد والمعالجة من موضع الغرق فإذا حصل التلف بعمله كان ضامنا وعن شريح رحمه الله أنه أتاه رجل بصباغ فقال انى أعطيت هذا ثوبي ليصبغه فاحترق بيته فقال له شريح رحمه الله اضمن له ثوبه فقال الصباغ كيف أضمن له ثوبه وقد احترق بيتى فقال له شريح أرأيت لو احترق بيته أكنت تدع له أجرك وكان هذا الحرق لم يكن غالبا و كان من مذهب شريح رحمه الله تضمين الاجير المشتريك فيما يمكن التحرز عنه فكأنه عرف امكان التحرز عنه باخراج الثوب من البيت أو بامكان اطفاء النار ولكنه تهاون فلم يفعل فلهذا قال له إضمن له ثوبه ثم احتج عليه الصباغ وقال كيف أضمن له وقد احترق بيتى وكانه ادعى بهذا أن الحرق كان غالبا ولم يصدقه شريح رحمه الله لعلمه بخلاف قوله ثم قال أرأيت لو احترق بيته كنت تدع له أجرك ومعنى استدلاله هذا ان الحفظ مستحق له عليك والاجر لك عليه فكما لا يسقط ما هو مستحق لك باحتراق بيته فكذلك لا يسقط ما هو مستحق له باحتراق بيتك ولو كان هذا الصباغ فقيها لبين الفرق ويقول له أيها القاضي قياسك فاسد فالاجر لى في ذمته وباحتراق بيته لا يفوت محل حقى وحقه في عين الثوب وباحتراق بيتى يفوت محل حقه ولكن لم يحضره هذا الفرق أو احتشمه فلم يعارضه والتزم حكمه وعلى قول أبى حنيفة رحمه الله ان احترق بيته بعمل هو متعدى فيه فهو ضامن وان كان بغير عمله فلا ضمان عليه ولا ضمان على أجير الواحد الا إذا خالف ما أمر به وذكر عن أبى جعفر أن عليا رضى الله عنه كان يضمن الخياط والقصار وغيرهما من الصناع احتياطا للناس أن لا يضيعوا متاعهم وعن أبى جعفر أيضا ان عليا رضي الله عنه لم يكن يضمن القصار في الرواية والصباغ والصائغ ونحو ذلك وعن بكير بن الاشج

[ 82 ] قال كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضمن الصياغ ما أفسدوا من متاع الناس أوضاع على أيديهم وقد بينا اختلافهم فيما إذا حصل التلف بغير صنع الاجير وفي هذا دليل على اجتماعهما على تضيمن الاجير المشترك لما جنت يده لان قوله ما أفسدوا من متاع الناس عبارة عن التلف بعلمهم فهو دليل على زفر والشافعي رحمهما الله لنا فانهما يقولان لا يضمن ما جنت يده وسيأتيك بيان المسألة في موضعه ان شاء الله تعالى وعن إبراهيم ابن أبى الهيثم رحمه الله اتبعت كاذيا من السفن فحملت خوابى منها حمالا فانكسرت الخابية فخاصمته إلى شريح رحمه الله فقال الحمال زاحمني في السوق فانكسرت قال شريح رحمه الله انما استأجرك لتبلغها أهله فضمنه اياها والكاذي دهن تحمل من الهند في السفن إلى العراق وقيل هو اسم لما يتخذه راكب السفينة من الاواني كالامتعة لحاجته فيسع ذلك إذا خرج من السفينة وقد بينا أنه كان من مذهب شريح رحمه الله تضمين الاجير المشترك بما يمكن التحرز عنه من الاسباب والحمال أجير مشترك وكثرة الزحام مما يمكن التحرز عنه بأن يصبر حتى يقل الزحام فلهذا ضمنه وعلى قول أبى حنيفة رحمه الله لا ضمان على الحمال فيما تلف في يده بفعل غيره وهو ضامن إذا تعثر أو زلقت رجله لان ذلك من فعله والقول قوله بعد أن يحلف لانه أمين عنده فإذا أنكر السبب الموجب للضمان عليه كان القول قوله مع يمينه وعن ابن سيرين رحمه الله قال كان شريح رحمه الله إذا أتاه حائك بثوب قد أفسده قال رد عليه مثل غزله وخذ الثوب وان لم بر فسادا قال على بشاهدي عدل على شرط لم يوفك به وفيه دليل على أن الاجير المشترك إذا افسد كان ضامنا لصاحب المال مثل ماله فيما هو من ذوات الامثال والغزل من ذوات الامثال وان أداء الضمان يوجب الملك له في المضمون وبآخر الحديث أخذ ابن أبى ليلى رحمه الله فيقول إذا اختلفا في الشرط القول قول الحائك وعلى رب الثوب البينة أنه خالف شرطه وعندنا القول قول رب الثوب لان الاذن مستفاد من جهته فالقول قوله في صفته وعن عامر رحمه الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل باع حرا وأكل ثمنه واسترق الحر ورجل استأجر أجيرا واستوفي عمله ومنعه أجره ورجل أعطابى ثم غدر واللفظ الذي ذكر في هذا الحديث أبلغ ما يكون من الوعيد فرسول الله صلى الله عليه وسلم شفيع لامته وكل مؤمن يرجو النجاة بشفاعته فإذا صار الشفيع خصما يستد الامر وهو معنى قوله ومن كنت خصمه خصمته

[ 83 ] أي ألزمته وحججته فاما قوله رجل باع حرا " وأكل ثمنه فالمراد صورة البيع لاحقيقته فالحر ليس بمحل لحقيقة البيع وببيع الحر يرتكب الكبيرة ولكن باستعمال صورة البيع فسمى فعله بيعا وما يقبض بمقابلته ثمنا مجازا " ومن يفعل ذلك بحر فقد استذله والمؤمن عزيز عند الله ورسوله فرسول الله صلى الله عليه وسلم خصم لمن يستذله وانما يتمكن من ذلك بقوته وضعف ذلك الحر ورسول الله صلى الله عليه وسلم خصم عن كل ضعيف وهو يظلمه باسترقاقه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يذب عن كل مظلوم حتى ينتصف من ظالمه وهو معنى قوله صلى الله عليه وسلم ورجلا استأجر أجيرا فاستوفى عمله ومنعه أجره لانه استذله بالعمل واستزبنه بمنع الاجر وظلمه فبين رسول الله صلى الله عليه وسلم انه يذب عنه وفيه دليل جواز استئجاز الاجير وان الاجر لا يملك بنفس العقد لانه ألحق الوعيد به بمنع الاجر بعد العمل فلو كان الاجر يجب تسليمه بنفس العقد لما شرط استيفاء العمل لذكر الوعيد على منع الاجر وقوله صلى الله عليه وسلم ورجل أعطابى ثم غدر أي أعطى كافرا أمان الله وأمان رسوله ثم غدر وهو معنى ماروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في وصيته لامراء السرايا وان أرادوكم أن تعطوهم ذمة الله وذمة رسوله فلا تعطوهم وهذا يرجع إلى مابينا من المعنى فالمستأمن يكون مستذلا في ديارنا فإذا عذره واستحقره بعد اعطاء الامان بالله ورسوله فقد ظلمه وعن أبى نعيم رحمه الله عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن عسب التيس وكسب الحجام وقفيز الطحان والمراد بعسب التيس أخذ المال على الضراب وهو انزاء الفحول على الاناث وذلك حرام فانه يأخذ المال بمقابلة الماء وهو مهين لاقيمة له والعقد عليه باطل لانه يلتزم مالا يقدر على الوفاء به وهو الاحبال فان ذلك ليس في وسعه وهو ينبنى على نشاط الفحل أيضا وكذلك قفيز الطحان هو أن يستأجر طحانا ليطحن له حنطة معلومة بقفيز منها أو من دقيقها وذلك حرام لان العقد فاسد فانه لو صح كان شريكا باول جزء من العمل والعامل فيما هو شريك فيه لا يستوجب الاجر ثم الاجر اما أن يلتزمه في الذمة أو في عين موجود وهو ما التزمه في الذمة ودقيق تلك الحنطة غير موجود وقت العقد فاما كسب الحجام فأصحاب الظواهر يأخذون بظاهر هذا الحديث ويقولون كسب الحجام حرام لانه يأخذه بمقابلة ما استخرج من الدم أو ما يشرط فهو مجهول فيكون محرما وقد دل عليه حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول

[ 84 ] الله صلى الله عليه وسلم قال من السحت عسب التيس ومهر البغى وكسب الحجام والمراد بمهر البغى ما تأخذ الزانية شرطا على الزنا فقد كانوا يؤاجرون الاماء لذلك وفيه نزل قوله تعالى ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء الآية لما قرن بين ذلك وكسب الحجام عرفنا أن كسب الحجام حرام ولكنا نقول هذا النهى في كسب الحجام قد انفسخ بدليل ما ذكره في آخر حديث أبى هريرة رضي الله عنه قال فأتاه رجل من الأنصار وقال ان لى حجاما وناضحا أفأ علف ناضحى من كسبه قال نعم وأتاه آخر فقال ان لى عيالا وحجاما أفأطعم عيالي من كسبه قال نعم فالرخصة بعد النهى دليل انتساخ الحرمة ودل عليه أيضا حديث ابن عباس رضى الله عنهما قال احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان حراما لم يعطه لانه كما لا يحل أكل الحرام لا يحل إيكاله قال صلى الله عليه وسلم لعن الله آكل الربا وموكله وقال صلى الله عليه وسلم لعن الله الراشي والمرتشي ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول هذا النهى في كسب الحجامة ماكان على سبيل التحريم بل على سبيل الاشفاق فان ذلك يدنى بالمرء به ويخسسه وقال صلى الله عليه وسلم ان الله يحب معالى الامور ويبغض سفسافها ونحن نقول به فالاولى للمؤمن أن يكتسب بما لا يدينه وقد دل عليه حديث عثمان رضي الله عنه حين سأل بعض مواليه عن كسبه فذكر أنه حجام فقال ان كسبك لوسخ وذكر عن عطاء ومجاهد وطاوس رحمهم الله قال لا ضمان على الاجير الراعى وان اشترطوا ذلك عليه وبه يقول ان كان أجير واحد فهو أمين كالمودع واشتراط الضمان على الامين باطل وان كان الراعى مشتركا فلا ضمان عليه فيما تلف بغير فعله عند أبى حنيفة رحمة الله عليه شرط ذلك عليه أو لم يشترط وهو ضامن لما تلف من فعله شرط ذلك أو لم يشترط وعندهما ما تلف بما لا يمكن التحرز عنه فلا ضمان عليه فيه شرط أو لم يشترط فاشتراط الضمان عليه باطل على اختلاف الاصلين والله أعلم بالصواب (باب الرجل يستصنع الشئ) (قال رحمه الله اعلم بان البيوع أنواع أربعة بيع عين بثمن وبيع دين في الذمة بثمن وهو السلم وبيع عمل العين فيه تبع وهو الاستئجار للصناعة ونحوهما فالمعقود عليه الوصف الذي يحدث في المحل بعمل العامل والعين هو الصبغ بيع فيه وبيع عين شرط فيه العمل وهو الاستصناع

[ 85 ] فالمستصنع فيه مبيع عين) ولهذا يثبت فيه خيار الرؤية والعمل مشروط فيه وهذا لان هذا النوع من العمل اختص باسم فلابد من اختصاصه بمعنى يقتضيه ذلك الاسم ولاستصناع استفعال من الصنع فعرفنا أن العمل مشروطا فيه ثم أحكام ما للناس فيه تعامل من الاستصناع قد بيناه في شرح البيوع فبذلك بدأ الباب هنا وبين الفرق بينه وبين مااذا أسلم حديدا إلى حداد ليصنعه اناء مسمى باجر مسمى فانه جائز ولاخيار له فيه إذا كان مثل ما سمى لان ثبوت الخيار للفسخ حتى يعود إليه رأس ماله فيندفع الضرر به وذلك لا يتأتى هنا فان بعد اتصال عمله بالحديد لاوجه لفسخ العقد فيه فاما في الاستصناع المعقود عليه العين وفسخ العقد فيه ممكن فلهذا ثبت خيار الرؤية فيه ولان الحداد هنا يلتزم العمل بالعقد في ذمته ولا يثبت خيار الرؤية فيما يكون محله الذمة كالمسلم فيه فأما في الاستصناع المقصود هو العين والعقد يرد عليه حتى لو صار دينا بذكر الاجل عند أبى حنيفة رحمه الله لم يثبت فيه خيار الرؤية بعد ذلك وان أفسده الحداد فله أن يضمنه حديدا مثل حديده ويصير الاناء للعامل وان شاء رضى به وأعطاه الاجر لان العامل مخالف له من وجه حيث أفسد عمله وموافق من وجه وهو اقامة أصل العمل وان شاء مال إلى جهة الخلاف وجعله كالغاصب ومن غصب حديدا وضربه اناء فهو ضامن حديدا مثله والاناء له بالضمان وان شاء مال إلى جهة الوفاق ورضى به متغير الصفة فأخذ الاناء وأعطاه الاجر كالمشترى إذا وجد بالبيع عيبا الا أنه يعطيه أجر مثله لا يجاوز به المسمى لانه انما التزم جميع المسمى بمقابلة عمل صالح ولم يأت به ولكن قدر ما أقام من العمل سلم له بحكم العقد فعليه أجر المثل ولا يجاوز به المسمى لان المنفعة انما تتقوم بالعقد والتسمية ولم يوجد ذلك فيما زاد على المسمى ولانه لما رضى بالمسمى بمقابلة عمل صالح يكون أرضى به بمقابلة عمل فاسد وهذا بخلاف المشترى فانه لو رضى بالعيب يلزمه جميع الثمن لان الثمن بمقابلة العين دون الاوصاف والفائت بالعيب وصف وهنا البد بمقابلة العمل المشروط وبالافساد ينعدم ذلك العمل فلهذا لا يلزمه جميع المسمى وان رضى به وكذلك كل ما يسلمه إلى عامل ليصنع له شيئا مسمى كالجلد يسلمه إلى الاسكاف ليصنعه خفين والغزل يسلمه إلى حائك لينسجه فلو استصنع عند حائك ثوبا موصوف الطول والعرض والرفعة والجنس ينسجه من غزل الحائك كان هذا في القياس مثل الخف وغيره يريد به قياس الاستحسان في مسألة الخف ولكن هذا لا يعمل به الناس وانما جوزنا الاستصناع فيما فيه

[ 86 ] تعامل ففيما لا تعامل نأخذ بأصل القياس ونقول انه لا يجوز ولو ضرب لهذا الثوب أجلا وتعجل الثمن كان جائزا وكان سلما لاخيار له فيه وان فارقه قبل أن يعجل الثمن فهو فاسد قيل هذا قول أبى حنيفة رحمه الله فاما عندهما لما كان الاستصناع الجائز بذكر الاجل فيه لا يصير سلما فالاستصناع الفاسد بذكر الاجل كيف يكون سلما صحيحا فان الاجل لتأخير المطالبة ولا مطالبة عند فساد العقد فذكر الاجل فيه يكون لغوا والاصح أنه قولهم جميعا والعذر لهما أن تحصيل مقصود المتعاقدين بحسب الامكان واجب ففيما للناس فيه تعامل أمكن تحصيل مقصودهما على الوجه الذي صرحا به وفيما لا تعامل فيه ذلك غير ممكن فيصار إلى تحصيل مقصودهما بالطريق الممكن وهو أن يجعل ذلك سلما * توضيحه أن فيما فيه التعامل المستصنع فيه مبيع شرط فيه العمل فذكره المدة لاقامة العمل فيها فلا يخرج به من أن يكون مبيعا عينا فاما فيما لا تعامل فيه فليس هنا مبيع عين ليكون ذكر المدة لاقامة العمل في العين بل ذكر العمل لبيان الوصف فيما يلتزمه دينا وذكر المدة لتأخير المطالبة وهذا هو معنى السلم فيجعله سلما لذلك ولو أسلم غزلا إلى حائك لينسج له سبعا في أربع فحاكه أكثر من ذلك أو أصغر فهو بالخيار ان شاء ضمنه مثل غزله وسلم له الثوب وان شاء أخذ ثوبه وأعطاه الاجر الا في النقصان فانه يعطيه الاجر بحساب ذلك ولا يجاوز به ما سمى له أما ثبوت الخيار له فلتغيير شرط العقد لانه ان حاكه أكثر مما سمى فهو أرق مما سمى وان حاكه أصغر مما سمى فهو أصفق مما سمى هذا إذا كان قدر له الغزل وان لم يكن قدره له فإذا حاكه أكثر مما سمى فقد زاد فيما استعمله من غزله على ما سمى وان كان أصغر من ذلك فقد نقص عن ذلك فلتغير شرط العقد ثبت له الخيار ان شاء مال إلى جهة الخلاف وجعله كالغاصب فضمنه غزلا مثل غزله والثوب للحائك ولا أجر له عند ذلك بمنزلة من غصب غزلا ونسجه وان شاء رضى بعمله لكونه موافقا له في أصله وان خاف في صفته وأعطاه الاجر الا في النقصان فاما إذا أراد فقد أتى بالعمل المشروط وزيادة فيعطيه الاجر المسمى وفي الزيادة لم يوجد ما يقومه وهو التسمية فلا يطالبه بشئ من ذلك وأما في النقصان قال يعطيه من الاجر بحساب ذلك ومعنى هذا الكلام أنه ينظر إلى تكسير ما شرط عليه وتكسير ما جاء به فالمشروط عليه سبع في أربعة فذلك ثمانية وعشرون ذراعا والذي جاء به سبع في ثلاثة فذلك أحد وعشرون ذراعا فعرفت أنه أقام ثلاثة أرباع العمل المشروط فعليه ثلاثة أرباع الاجر وقال كثير من مشايخنا رحمهم الله يعطيه ثلاثة

[ 87 ] أرباع المسمى لان جميع المسمى بمقابلة ثمانية وعشرين ذراعا فاحدي وعشرون يقابله ثلاثة أرباع المسمى كما لو استأجره ليضرب له ثمانية وعشرين لبنة بأجر مسمى فضرب احدى وعشرين فانه يستوجب ثلاثة أرباع المسمى قال رضى الله عنه والاصح عندي أنه يعطيه أجر مثله لا يجاوز به ثلاثة أرباع المسمى لان مالية الثوب تتفاوت بالطول والعرض وربما تنقص زيادة الطول في المالية وزيادة العرض تزيد فيه كما في الملاءة وربما تزيد في ماليته زيادة الطول دون العرض كما في العمامة فلا يمكن توزيع المسمى على الذرعان بهذه الصفة بخلاف اللبن فالبعض هناك غير متصل بالبعض في معنى المالية وإذا تقرر هذا عرفنا أن التوزيع هنا على الذرعان غير ممكن فيعطيه أجر مثل عمله ولكن لا يجاوز به ثلاثة أرباع المسمى لانه لو جاء بالثوب مثل ما سمى كان حصته ثلاثة أرباع من الاجر ثلاثة أرباع المسمى فإذا تم رضاه بذلك القدر عنه الموافقة يكون أرضى به عند الخلاف فلهذا أوجبنا عليه أجر مثل عمله لا يجاوز به ثلاثة أرباع المسمى وكانه أشار إلى هذا بقوله ولا تجاوز به الا ما سمى له بمقابلة ما جاء به وكذلك لو شرط عليه صفيقا فحاكه رقيقا لو شرط عليه رقيقا فحاكه صفيقا كان له أجر مثله لا يجاوز به ما سمى لانه انما ضمن جميع الاجر بمقابلة الوصف الذي شرط عليه ولم يأت به فان مالية الثوب تختلف بالرقة والصفاقة وربما يختار الصفيق في بعض الاوقات والرقيق في بعض الاوقات فلهذا وجب المصير إلى أجر المثل ولا تجاوز به ما سمى لانعدام المقوم فيما زاد عليه ولو وجود الرضا من الحائك بالمسمى من الاجر ولو أمره أن يزيد في الغزل رطلا من غزله وقال قد زدته وقال رب الغزل لم تزده فالقول قول رب الغزل مع يمينه أما جواز هذا العقد فلانه استقرض منه ما أمره أن يزيد فيه من الغزل ويصير المستقرض قابضا باتصاله بملكه فالحائك يقيم العمل في غزل رب الثوب بخلاف مااذا كان جميع الغزل من الحائك فان المستصنع هناك لا يمكن أن يجعل مستقرضا للغزل قابضا فيكون الحائك عاملا في غزل نفسه ثم الحائك يدعى أنه أقرضه رطلا من غزله وسلمه إليه ورب الثوب منكر لذلك فالقول قول المنكر مع يمينه وعلى الحائك البينة لحاجته إلى اثبات ما يدعى من التسليم إليه بحكم القرض وما يدعى من الدين لنفسه في ذمته فان أقام البينة أخذ من رب الثوب مثل غزله لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم وان لم تكن له بينة فاليمين على رب الثوب على علمه لانه انما يستحلف على فعل الغير فان حلف برئ وان لكل عن اليمين فنكوله كاقراره وإذا سلم إليه غزلا ينسجه ثوبا وأمره أن يزيد من عنده

[ 88 ] غزلا مسمى مثل غزله على أن يعطيه ثمن الغزل وأجر الثوب دراهم مسماة جاز وهذا استحسان وفي القياس لا يجوز لانه اشترى منه ما سماه من الغزل وهو غير معين ولا مشروط في ذمته دينا ولكنه يستحسن للتعامل في هذا المقدار فقد يدفع الانسان غزلا إلى حائك فيقول له الحائك هذا لا يكفي لما تطلبه فيأمره أن يزيد من عنده بقدر ما يحتاج إليه ليعطيه ثمن ذلك وانما لا يجوز الاستصناع في الثوب لعدم التعامل فإذا وجد التعامل في هذا يجوزه اعتبارا بالاستصناع فيما فيه التعامل ثم الطول والعرض في الثوب وصف ورأينا جواز استئجار الاجير لاحداث وصف في الثوب بملكه وهو الصباغ فيجوز هنا أيضا اشتراط زيادة الطول والعرض عليه بغزل نفسه بالقياس على الصباغ فان أتاه كما شرط واتفقا على انه زاد أعطاه بمن غزله لانه صار قابضا للمشترى باتصاله بملكه وأجر المسمى لانه وفاء بما شرط له وان قال رب الثوب لم يزد فيه شيئا وكان وزن غزل منا وقال النساج قد كان وزن غزلك منا وقد زدت فيه رطلا فوزنوا الثوب فوجدوه منوين فقال رب الثوب انما زاد لما فيه من الدقيق وقال النساج هو من الغزل والدقيق فالقول قول الحائك مع يمينه لان الظاهر شاهد له وعند المنازعة القول قول من يشهد له الظاهر وينبغي للقاضي أن يرجع إلى العلماء من الحوكة فان قالوا الدقيق لا يزيد فيه هذا المقدار فالقول قول الحائك مع يمينه وان قالوا يزيد فيه فالقول قول رب الثوب لانه ما اشتبه على القاضي فانه ما يرجع في معرفته إلى من له بصر في ذلك الباب كما في قيم المتلفات ومتى كان القول قول الحائك وحلف بخبر صاحبه على أن يعطيه ما سمى له ومتى كان القول قول رب الثوب بأن كان يعلم أن الدقيق يزيد فيه هذا المقدار فانه يتخير صاحب الثوب لانه تغير عليه شرط عقده فانه لما أمره بأن يزيد فيه فقد أمره بثوب هو أطول أو أعرض مما جاء به وان شاء مال إلى جهة الخلاف وضمنه مثل عزله وان شاء مال إلى الموافقة في أصل العمل وأعطاه من الاجر بحساب ما أقام من العمل لانه جعل جميع المسمى بمقابلة عمله في من ونصف من الغزل وانما أقامه في من فيعطيه بحسابه من الاجر وفيه طريقان باعتبار المسمى وأجر المثل كما بينا (ولو كان الثوب) مستهلكا وقد استهلكه صاحبه قبل أن يعلم ورثته كان القول قول رب الثوب مع يمينه على عمله لان الحائك يدعى عليه تسليم مانعه من الغزل ووجوب ثمنه في ذمته وهو منكر لذلك وانما يمينه على فعل الغير فكان على العلم وإذا حلف فعليه أجر الثوب وليس عليه ثمن الغزل فيقسم الاجر على عمل ثوب مثله وقيمة رطل من

[ 89 ] غزله فيطرح عنه ما أصاب قيمة الغزل ولم يزد على هذا في الاصل قال الحاكم رحمه الله وصواب هذا الجواب أن يطرح عنه أيضا حصة ما تركه من زيادة العمل في النسج لما بينا أن المسمى بمقابلة عمله في ثلاثة أرطال غزل وانما أقام العمل في رطلين من غزل وهذا التقسيم والمصير إلى معرفة وزن الثوب لم يذكره في المسألة الاولى لان موضوع المسألة هناك فيما إذا لم يكن مقدار غزل الدافع معلوما ولا يعرف الصادق من الكاذب بالمصير إلى وزن الثوب وهنا وضع المسألة فيما إذا كان وزن غزل الدافع معلوما فلهذا وجب المصير إلى وزن الثوب ليعرف به الصادق من الكاذب (قال) وإذا أسلم الرجل حنطة إلى طحان ليطحنها بدرهم وبربع دقيق منها فهذا فاسد وهو تفسير الحديث في النهى عن قفيز الطحان ثم الحكم متى ثبت في حادثة بالنص وعرف المعنى فيه تعدى الحكم بذلك المعنى إلى الفرع ومن فرع هذا لو دفع سمسما إلى رجل على أن يعصره له برطل من دهنه فهو فاسد أيضا وكذلك لو استأجر رجلا ليذبح له شاة بدرهم ورطل من لحمها فذلك فاسد وفي الكتاب قال وكيف يستأجر بلحم شاة حية وقد ورد الحديث بالنهي عن بيع المضامين والملاقيح وحبل الحبلة يريد به أن الاجرة متى كانت معينة فهى بمنزلة المبيع المعين وما في مضمون خلقة حيوان لا يجوز بيعه عينا وتفسير الملاقيح عند بعضهم ما تضمنه الاصلاب والمضامين ما تضمنه الارحام وعند بعضهم على عكس هذا فالملاقيح ما تضمنه الارحام بالقاح الفحول واستدلوا بقول القائل شعر وعدة العام وعام قابل * ملقوحة في بطن ناب حابل وحبل الحبلة هو بيع ما يحمل حبل هذه الناقة وكانوا يعتادون ذلك في الجاهلية أبطل الشرع ذلك كله بالنهي عن بيع الغرر واستدل أيضا بالنهي عن بيع اللبن في الضرع وعن بيع الصوف على ظهورها فعرفنا أن ماكان في مضمون خلقه حيوان لا يجوز تمليكه بعقد المعاوضة فان عمله بهذا الشرط كان له أجر مثله لان بفساد العقد لم يملك شيئا مما أقام العمل فيه فكان عاملا لغيره فيما لاشركة له فيه بعقد فاسد فيستوجب أجر المثل لا يجاوز به ما سمى لانعدام التسمية فيما زاد عليه ولوجود الرضى منه بالمسمى فان المسمى متى كان معلوما يتم الرضى به وان شرط مع الدرهم ربع قفيز دقيق جيد ولم يقل منها كان جائزا لان الدقيق مكيل معلوم يصلح أن يكون ثمنا في البيع فيصلح أن يكون أجرة أيضا ولو دفع غزلا إلى حائك لينسجه بذراع من ذلك الثوب أو بجزء شائع مسمى فذلك لا يجوز في ظاهر المذهب أيضا لانه في معنى قفيز

[ 90 ] الطحان (قال) رضى الله عنه وكان شيخنا الامام يحكى عن استاذه رحمهما الله انه كان يفتي بجواز هذا ويقول فيه عرف ظاهر عندنا بنسف ولو لم يجوزه انما يجوزه بالقياس على المنصوص والقياس يترك بالعرف كما في الاستصناع ثم فيه منفعة فان النساج يعجل بالنسج ويجد فيه إذا كان له في الثوب نصيبا قال ولو دفع سمسما إلى رجل فقال قشره وربه بنفسج فاعصره على أن أعطيك أجره درهما كان هذا فاسدا لانه لايعرف ما شرط من البنفسج وجهالة ذلك تفضي إلى المنازعة وهذا بخلاف مالو دفع إلى صباغ ثوبا ليصبغه بصبغ من عنده لان مقدار الصبغ في كل الثوب معلوم عند أهل الصنعة المسبغ منه وغير المسبغ ولا تتمكن المنازعة بينهما لان اللون في الثوب محسوس فاما الرائحة في الدهن المربى غير محسوس ويتفاوت ذلك بتفاوت ما يربى به من البنفسج فتتمكن المنازعة بينهما * يوضح الفرق ان اعلام مقدار الصبغ يتعذر على الصباغ لانه يجمع الثياب ويصبغ الكل جملة واحدة فيسقط اعتباره لذلك فاما القشار لا يخلط سمسم الناس ولو فعل ذلك صار ضامنا ولكنه يربى سمسم كل انسان على حدة فلا يتعذر عليه اعلام مقدار البنفسج فلهذا شرط ذلك وان قال على أن تربيه بقفيز من بنفسج فهذا جائز وكذلك ان كان البنفسج الذي يدخل في مثل هذا السمسم معروفا عند التجار فهو جائز لان المعلوم بالعرف كالمعلوم بالشرط ولا تتمكن المنازعة بينهما إذا كان ذلك معلوما فلهذا جوزناه ثم تبين بعد هذا ما يجوز فيه الاستصناع وحاصل ذلك أن المعتبر فيه العرف وكل ما تعارف الناس الاستصناع فيه فهو جائز فإذا جاء به الصانع مفروغا عنه واختار المستصنع أخذه فليس للصانع أن يمنع لان البيع قد لزم فيه باتفاقهما عليه الا أنه ان كان لم يستوف الثمن حبسه بالثمن وان باعه الصانع قبل أن يراه المستصنع فبيعه جائز لانه باع ملك نفسه فالعقد لا يتعين في هذا المصنوع قبل أن يراه المستصنع وإذا نفذ بيعه صار مملوكا للمشترى فلا سبيل للمستصنع عليه بعد ذلك وإذا دفع إلى اسكاف جلدا واستأجره بأجر مسمى على أن يخرزه له خفين بصفة معلومة على أن يفعله الاسكاف ويبطنه ووصف له البطانة والنعل فهو جائز لانه متعارف وإذا جاز الاستصناع في الخف لكونه متعارفا ففى البطانة والنعل أجوز و لاخيار لصاحب الاديم إذا عمله عملا مقارنا الا فساد فيه وكان ينبغى أن يثبت له الخيار في البطانة والنعل لانه اشترى ما لم يرده لكنه قال لاخيار له في أصل الاديم لانه ملكه ولا يتأتي الرد في البطانة والنعل منفردا عن الاصل ثم البطانة والنعل بيع في هذا العقد

[ 91 ] والمقصود هو العمل (ألا ترى) أن بالبطانة والنعل يصير الخف أحكم وان الخف ينسب إلى الاديم دون البطانة والنعل ولاخيار له فيما هو المقصود وهو العمل وفيما هو الاصل وهو الاديم فكذلك في البيع وان جاء به فاسدا ضمنه قيمة الجلد ان شاء لانه انما طلب منه العمل الصالح دون الفاسد فكان هو في اقامة أصل العمل موافقا وباعتبار صفة الفساد في العمل مخالف فان شاء مال إلى الخلاف وجعله كالغاصب فيضمنه قيمة جلده وان شاء مال إلى الموافقة في أصل العمل ورضي به مع تغيير الوصف فاخذ الخفين وأعطاه أجر مثل عمله وقيمة ما زاد فيه ولا يجاوز به ما سمى له أما أجر مثل العمل لما بينا أن المسمى بازاء العمل الصالح فعند الفساد يجب أجر المثل وقيمة ما زاد فيه لانه مشترى له وقد تم قبضه باتصاله بملكه ومن أصحابنا رحمهم الله من قال قوله ولا يجاوز به ما سمى ينصرف إلى الاجر خاصة دون قيمة ما زاد فيه فان المشترى شراءا فاسدا مضمون بالقيمة بالغة ما بلغت لان الاعيان متقومة بنفسها بخلاف المنافع واستدلوا على هذا بما ذكر في آخر الباب في مسألة الجبة ولا يجاوز به ما سمى في أجر عمله خاصة وقالوا بيانه في فصل يكون بينا في جميع الفصول ولكن الاصح أن قوله ولا يجاوز به ما سمى له في هذا الموضع ينصرف اليهما لان البطانة والنعل تابع للعمل ولهذا يجوز العقد هنا فانه لو كان مقصودا ما جاز العقد فيه وإذا لم يكن معينا والتبع معتبر بالاصل فإذا كان الاصل لا يجاوز به ما سمى له فكذلك في التبع وسنقرر هذا الفرق في مسألة الجبة ان شاء الله تعالى وكذلك ان سلم خرقة إلى صانع ليصنعها قلنسوة ويبطنها ويحشوها فهو مثل ذلك لان البطانة والحشو في القلنسوة تبع (ألا ترى) أن القلنسوة تنسب إلى الظهار وأنها بالبطانة والحشو تصير أحكم واسم القلنسوة يتناوله بدون البطانة والحشو كالخف فالجواب فيهما سواء وبجميع هؤلاء الصناع إذا رضى المستصنع العمل واجازه أن لا يدفعه له حتى يأخذ منه الاجر الا أن يكون مؤجلا فلا يكون له منع المتاع حينئذ لان الاجرة في الاجارات كالثمن في البيع والمبيع يحبس بالثمن إذا كان البيع حالا ولا يحبس به إذا كان مؤجلا وعلى قول زفر رحمه الله ليس للصانع حق الحبس بالاجرة إذا كان الاصل ملكا للمستأجر لانه صار مسلما المعقود عليه باتصاله بملكه وهذا لان المعقود عليه الوصف الذي أحدثه بعمله وقد اتصل ذلك بملك المستأجر باختيار العامل ورضاه وبعد ما سلم المعقود عليه لا يكون له حق الحبس ولكنا نقول هذا تسليم لا يمكن التحرز عنه فانه لا يتصور منه اقامة العمل بدون أن يتصل

[ 92 ] ذلك بملكه ومالا يمكن التحرز عنه يجعل عفوا فلا يصير هو به راضيا بسقوط حقه في الحبس وربما يقول زفر رحمه الله البدل ليس بمقابلة الاصل وانما يحبس المبدل بالبدل فإذ لم يثبت له حق الحبس فيما هو الاصل لا يثبت في البيع ولكنا نقول حق الحبس يثبت له في المعقود عليه ولا يتأدى ذلك الا بحبس الاصل فثبت حقه في حبس الاصل كمن أجر عينا يلزمه تسليم العين وهو انما عقد على المنفعة ولكن لما كان تسليم المنفعة لا يتأدى بدون العين لزمه تسليم العين فهذا مثله (قال) في الاصل ان كان الاجل ميعادا من غير شرط فله أن لا يدفعه حتى يقبض أجره لان المواعيد لا يتعلق بها اللزوم وهذا يصير رواية في فصل بيع المرابحة وهو أنه إذا اشترى عينا من بياع وواعده أن يستوفى الثمن منجما في كل سبت فللمشتري أن يبيعه مرابحة من غير بيان في الصحيح من الجواب لانه مشترى بثمن حال والميعاد لا يكون لازما بدليل هذه المسألة وإذا دفع الرجل إلى صباغ ثوبا يصبغه له بأجر مسمى ووصف له الصبغ فهو جائز لانه إذا وصف له الصبغ وسماه من زعفران أو عصفور أو بقم فقد صار المقصود معلوما لا تتمكن المازعة بينهما فان خالفه بصبغه على غير ما سمى له الا أنه من ذلك الصبغ فلصاحب الثوب أن يضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى له أما ثبوت الخيار فلانه في أصل الصبغ موافق وفي الصفة مخالف وإذا اختار الاخذ أعطاه أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى له لانه رضى بالمسمى وهذا بخلاف مسألة الخف والقلنسوة فقد قال هناك يعطيه أجر مثل عمله وقيمة ما زاد فيه وهنا لم يذكر قيمة ما زاد الصبغ فيه وروى أبن سماعة عن محمد رحمهما الله التسوية بينهما ووجه الفرق على ظاهر الرواية أن الصبغ آلة العمل المستحق على الصباغ بمنزلة الحرض والصابون في عمل الغسال فلا يصير صاحب الثوب مشتريا للصبغ حتى تعتبر القيمة عند فساد السبب بخلاف ما سبق وهذا لان القائم بالثوب لون الصبغ لا عينه وانما يصير مشتريا لما يتصل بملكه واللون لا يمكن أن يجعل مشترى بخلاف البطانة والنعل فذاك يتصل بعمله بملكه وهو عين مال (ألا ترى) أنه يتأدى بفعله فلهذا تعتبر قيمة ما زاد فيه ووجه رواية محمد رحمه الله أن الصبغ في الثوب بمنزلة عين مال قائم حكما حتى لو انصبغ ثوب إنسان بصبغ الغير واتفقا على بيعه فان صاحب الثوب يضرب في الثوب بقيمة ثوبه أبيض وصاحب الصبغ بقيمة الصبغ ولو لم يكن الصبغ المتصل بالثوب في حكم عين قابل للبيع لما كان من الثمن حصة ولكن ما ذكره في الكتاب أصح لان الصبغ بعد ما اتصل بالثوب

[ 93 ] لا يتصور تمييزه عنه فانما يكون في حكم مال متقوم مع الثوب لا وحده وهنا لا يجب عليه قيمة الثوب فلا يجب عليه قيمة ما زاد الصبغ فيه وفي مسألة الخف البطانة والنعل لما كان بعرض الفصل كان مالا متقوما منفردا " عن الخف فلهذا اعتبر قيمة ما زاد فيه وان اختلف الصباغ ورب الثوب فيما أمره أن يصبغه به بأن صبغه بعصفر فقال رب الثوب أمرتك بالزعفران فالقول قول رب الثوب مع يمينه عندنا وقال ابن أبى ليلى رحمه الله القول قول الصباغ لانهما اتفقا على الاذن في الصبغ ثم رب الثوب يدعى عليه خلافا ليضمنه أو ليثبت الخيار لنفسه وهو منكر لذلك فالقول قول المنكر ولكنا نقول الاذن يستفاد من جهة رب الثوب ولو أنكر الاذن له في الصبغ أصلا كان القول قوله فكذا إذا أنكر الاذن فيما صبغه به وإذا استصنع الرجل عند الرجل خفين فلما فرغ منه قال المستصنع ليس هكذا أمرتك وقال الاسكاف بهذا أمرتنى فالقول قول المستصنع لما بينا أن الاذن يستفاد من جهته ولا يمين عليه لان توجه اليمين ينبنى على دعوته تلزمه الجواب وذلك لا يوجد هنا فان للمستصنع أن يأبى وان لم يكن الصانع مخالفا فلا فائدة في استحلافه وكذلك لو أقام العامل البينة لم يلزم الامر لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم ولو قال المستصنع بهذا أمرتك ولكن لاأريده كان له ذلك لما بينا أن الخيار ثابت للمستصنع بسبب عدم الرؤية ولو أسلم إليه خفه بنعله بأجر مسمى فهو جائز للعرف الظاهر فإذا نعله بنعل لا ينعل بمثله الخفاف فصاحب الخف بالخيار ان شاء ضمنه قيمة الخف بغير نعل وان شاء أخذه وأعطاه أجر مثله وقيمة النعل لا يجاوز به ما سمى لما بينا أنه في أصل العمل موافق وفي الصفة مخالف وان كان ينعل بمثله الخفاف فهو لازم عليه وان لم يكن جيدا " لان المستحق بمطلق العقد صفة السلامة فأما صفة الجودة لا تستحق الا بالشرط كما في بيع العين ولو شرط عليه جيدا " فانعله بنعل غير جيد فلصاحب الخف الخيار لان فوات الوصف المشروط بمنزلة العيب في اثبات الخيار كما إذا اشتري عبدا بشرط أنه كاتب فوجده لا يحسن الكتابة يثبت له الخيار بمنزلة مالو وجد العيب في المعقود عليه فهذا مثله ولو اختلافا في الاجر وقد عمله عملا على ما وصفه له فان أقاما البينة فالبينة بينة العامل لانه يثبت الزيادة في حقه وهو الاجر فتترجح بينته بذلك وان قال رب الخف عملته لى بغير أجر وقال العامل عملته بدرهم ولا بينة بينهما فعلى رب الخف اليمين لله ما شارطه على درهم لان العامل يدعى عليه الدرهم دينا في الذمة وهو منكر فالقول قول المنكر مع اليمين فإذا حلف غرم له ما زاد النعل

[ 94 ] في خفه بعد أن يحلف العامل على دعواه أنه عمل له بغير أجر لان رب الخف يدعي عليه هبة النعل وهو لو أقر به لزمه فإذا أنكر يحلف عليه وإذا حلف انتفى ما ادعى كل واحد منهما من العقد يبقى نعله متصلا بخف الغير باذن صاحب الخف فتجب قيمته لاحتباس ملك الغير عنده ولا يجب أجر المثل لان المنفعة لاتتقوم الا بالعقد والتسمية وقد انتفى ذلك فاما العين متقوم بنفسه ولو أقاما البينة أخذت بينة العامل لاثباته الزيادة ولو عمل الخف كله من عنده ثم اختلفا في الاجر فالقول قول الاسكاف ولا يمين على المستصنع ولكنه بالخيار ان شاء أخذه بما قال الاسكاف وان شاء تركه لما بينا ان العقد غير لازم في حق كل واحد منهما والذي جاء به عين ملك الاسكاف فلا يستحق عليه الا بما رضي به من الثمن ولو أسلم ثوبا إلى صباغ فصبغه أحمر على ما أمره به فقال الصباغ صبغته بدرهم وقال رب الثوب بدانقين وانى أنظر إلى ما زاد الصبغ فيه فان زاد درهما أو أكثر فله درهم بعد أن يحلف الصباغ ما صبغه بدانقين وان كان دانقين أو أقل فانه يعطيه ذانقين بعد أن يحلف رب الثوب ما صبغة بدرهم كما يدعيه الصباغ لان الاصل في باب الخصومات أن القول قول من يشهد له الظاهر والظاهر أن الصباغ لا يجعل في ثوب انسان صبغا يساوى درهما بدانقين اذن يخسر وهو ما جلس لهذا والظاهر أن الانسان لا يلتزم درهما بازاء صبغ يساوى دانقين اذن يغبن والمغبون لا محمود ولا مأجور فإذا كان قيمة الصبغ درهما أو أكثر فله فالظاهر شاهد للصباغ فيجعل القول قوله مع يمينه على دعوى خصمه وإذا كانت قيمة الصبغ أقل من دانقين فالظاهر شاهد لرب الثوب فيكون القول قوله مع يمينه على دعوى خصمه وان كان أكثر من دانقين وأقل من درهم أعطيت الصباغ ذلك بعد أن يحلف ما صبغه بدانقين وبعض مشايخنا رحمهم الله يقول هنا يتحالفان لان الظاهر لا يشهد لكل واحد منهما فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه على قياس اختلاف الزوجين في المهر إذا كان مهر المثل لا يشهد لقول واحد منهما قال رضى الله عنه والاصح عندي انه لا تحالف هنا بل اليمين على الصباغ خاصة لان المبتغى بالتحالف الفسخ وبعد اتصال الصبغ بالثوب لاتصور لفسخ العقد فلا معنى للتحالف بخلاف النكاح فانه محتمل للفسخ ببعض الاسباب وإذا لم يجب التحالف هنا كان على رب الثوب قيمة الصبغ لان لاتصال الصبغ بالثوب موجبا وهو قيمته على رب الثوب كالغاصب إذا صبغ ثوب إنسان وأراد رب الثوب أخذه أعطاه قيمة الصبغ إلا أن رب الثوب هنا يدعى براءته عن بعض القيمة برضاء الصباغ بدانقين والصباغ منكر

[ 95 ] لذلك فيحلف على دعواه لهذا المعنى وان كان الصبغ سوادا فالقول قول رب الثوب مع يمينه لما بينا فيما سبق ان السواد نقصان فلا يمكن تحكيم قيمة الصبغ بنفى الظاهر الدعوى والانكار والصباغ يدعى زيادة في حقه ورب الثوب منكر لذلك فيحلف على دعواه لهذا المعنى ولو قال رب الثوب صبغته لى بغير أجر فالقول قوله وكذلك كل صبغ ينقص الثوب فاما كل صبغ يزيد في الثوب قال رب الثوب صبغته لى بغير أجر وقال الصباغ صبغته بدرهم فعلى كل واحد منهما اليمين على دعوى صاحبه وليس هذا بتحالف للاختلاف في بدل العقد ولكن الصباغ يدعي لنفسه درهما على رب الثوب ورب الثوب منكر فعليه اليمين ورب الثوب يدعى على الصباغ أنه وهب الصبغ منه وقد تمت الهبة باتصاله بملكه والصباغ منكر لذلك فيحلف كل واحد منهما على دعوى صاحبه ثم يضمن رب الثوب ما زاد الصبغ في ثوبه لان ما ادعاه كل واحد منهما انتفى بيمين صاحبه يبقى صبغ الغير متصلا بثوبه باذنه وعليه قيمته ولا يجاوز به درهما لان الصباغ لا يدعى أكثر من درهم فهو بهذه الدعوى يصير مبرئا له عن الزيادة على درهم ولو اختلف القصار ورب الثوب في مقدار الاجرة فان لم يكن أخذ في العمل تحالفا وتراد لان الاجارة نوع بيع وقد ورد النص بالتحالف عند اختلاف المتبايعين في البدل فيعم ذلك أنواع البيوع ثم التحالف مشروع لدفع الضرر عن كل واحد منهما بطريق الفسخ حتى يعود إليه رأس ماله وعقد الاجارة محتمل للفسخ قبل اقامة العمل كالبيع فلهذا يجب التحالف بينهما وان كان قد فرغ من العمل فالقول قول رب الثوب لانه لاتصور للفسخ بعد الفراغ من العمل فلا معنى للتحالف بينهما ولكن القصار يدعى زيادة في حقه ورب الثوب منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وهذا ظاهر على أصل أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله فان هلاك السلعة عندهما يمنع التحالف في البيع فكذلك في الاجارة ومحمد رحمه الله يفرق بينهما فيقول التحالف هناك مفيد لان المبيع عين مال متقوم بنفسه فيمكن ايجاب قيمته بعد انتفاء العقد بالتحالف وهنا المنافع لا تتقوم الا بالعقد فلو تحالفا هنا انتفى العقد بالتحالف لا يمكن ايجاب شئ للقصار فكان جعل القول قول رب الثوب مع يمينه أنفع للقصار فلهذا لا يصار إلى التحالف هنا ولو كان الاختلاف بينهما بعد ما أقام بعض العمل ففي حصة ما أقام القول قول رب الثوب مع يمينه وفي حصة ما بقى يتحالفان اعتبارا للبعض بالكل وهذا لان فسخ العقد في الباقي ممكن وفي حصة ما بقى يتحالفان اعتبارا وفيما أقام من

[ 96 ] العمل متعذر وفرق أبو حنيفة رحمه الله بين هذا وبين مااذا اشترى عبدين فهلك احدهما ثم اختلفا في الثمن فقال هناك لا يتحالفان لان العقد فيهما واحد فإذا تعذر فسخه في البعض بالهلاك يتعذر فسخه فيما بقى وهنا عقد لاجارة في حكم عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يقيم عليه من العمل فبأن تعذر فسخه في البعض لايمنع الفسخ فيما بقي وكذلك لو قال عملته لى بغير أجر فالقول قوله مع يمينه لما بينا انه ينكر وجوب الاجر عليه وعلى قول ابن أبى ليلى رحمه الله القول قول الاجير إلى أجر مثله كما في مسألة الصباغ وقد أشرنا إلى الفرق بينهما فهناك الصبغ عين مال قائم في الثوب وهو متقوم بنفسه وهنا لاقيمة للمنفعة بدون التسمية وقد أنكر رب الثوب التسمية فالقول قوله مع يمينه ولو شارط قصارا على أن يقصر له عشرة أثواب بدرهم ولم يره الثياب ولم تكن عنده كان فاسدا " لان المعقود عليه مجهول فانه الوصف الذي يحدث في الثوب بعمله وذلك يختلف باختلاف الثياب في الطول والعرض والصفاقة والرقة والجودة والرداءة وعمله يتفاضل بحسب ذلك وان كان أراه الثياب كان جائزا لان برؤية المحل يصير مقدار العمل فيه معلوما ولو مسما له جنسا من الثياب كان مثل ذلك ما لم يرها اياه لان بتسمية الجنس لا يصير مقدار العمل فيه معلوما فان بالغ في بيان الصفة على وجه يصير مقدار عمله معلوما فهو واراءته الثياب سواء ولو أسلم ثوبا إلى خياط وأمره أن يخيطه قميصا بدرهم فخاطه قباء فلصاحب الثوب ان يضمنه قيمة ثوبه وان شاء أخذ القباء وأعطاه أجر مثله لا يجاوز به ما سمى له لانه في أصل الخياطة موافق وفي الهيئة والصفة مخالف وبعض مشايخنا رحمهم الله يقولون القباء والقميص تتفاوتان في الاستعمال وان كان لا يتفق فلم يكن في أصل مقصوده مخالفا وانما خالفه في تتميم المقصود حتى لو خاطه سراويلا كان غاصبا ضامنا ولاخيار لصاحب الثوب لانه لا مقاربة بين القميص والسراويل في الاستعمال والاصح أن الجواب في الفصلين واحد وقد روى هشام عن محمد رحمهما الله أنه لو دفع إليه شبها ليضرب له طستا فضربه كوزا " فهو بالخيار ولا مقاربة في الاستعمال هنا ولكنه موافق في أصل الصنعة مخالف في الهيئة والصفة فكذلك في مسألة الثوب وان خاطه سراويلا فهو في أصل الخياطة موافق وفي الهيئة مخالف فان قال رب الثوب أمرتك بقميص وقال الخياط أمرتنى بقباء فالقول قول رب الثوب مع يمينه عندنا وقال ابن أبى ليلى رحمه الله القول قول الخياط لانكاره الخلاف والضمان والشافعي رحمه الله يقول انهما يتحالفان لانهما اختلفا في المعقود عليه ولو اختلفا في البدل تحالفا إذا كان

[ 97 ] قبل اقامة العمل فكذلك في المعقود عليه ولكن هذا لا معنى له هنا لان رب الثوب يدعى عليه ضمان قيمة الثوب والخياط ينكر ذلك ويدعى الاجر دينا في ذمة رب الثوب فلا يكون هذا في معنى مارود الاثر بالتحالف فيه مع أن المقصود بالتحالف الفسخ وبعد اقامة العمل لاوجه للفسخ وان أقاما البينة فالبينة بينة الخياط لانه هو المدعى الاذن في خياطة القباء والوفاء بالمعقود عليه وتقرر الاجر في ذمة صاحب الثوب وان اختلفا في الاجر فالقول قول رب الثوب لانه منكر للزيادة والبينة بينة الخياط لانها تثبت الزيادة وكذلك لو قال صاحب الثوب خيطه لى بغير أجر فالقول قوله مع يمينه على قياس مابينا في القصارة لان عمل الخياطة المتصل بالثوب غير متقوم بنفسه ولم يذكر في الكتاب مااذا اتفقا على انه لم يشارطه على شئ في هذه الفصول وفي النوادر عن أبى حنيفة رحمه الله انه لا أجر له لان المنافع لا تتقوم الا بعقد ضمان أو بتسمية عوض وعن أبى يوسف رحمه الله قال استحسن إذا كان خيط له فأوجب الاجر له لان الخياطة التى بينهما دليل على أنه طلب منه اقامة العمل بأجره فقام ذلك مقام الشرط وعن محمد رحمه الله قال ان كان العامل معروفا بذلك العمل بالاجر فتح الحانوت لاجله فذلك ينزل منزلة شرط الاجر ويقضى له بالاجر استحسانا ولو أعطى صباغا ثوبا ليصبغه بعصفر بربع الهاشمي بدرهم فصبغه بقفيز عصفر وأقر رب الثوب بذلك فرب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة الثوب وان شاء أخذ الثوب وأعطاه ما زاد العصفر في قيمة الثوب مع الاجر ومعنى هذه المسألة أن الربع الهاشمي هو الصاع وهو ربع قفيز فكأنه أمره بأن يصبغه صبغا غير مشبع وقد صبغ صبغا مشبعا فكان في أصل العمل موافقا وفي الصفة مخالف فيجبر صاحب الثوب لذلك ثم أطلق الجواب في الكتاب ومشايخنا رحمهم الله قالوا يقسم الجواب فيه فاما أن يصبغه بربع الهاشمي أولا ثم بالزيادة إلى تمام القفيز أو يصبغه بالقفيز دفعة واحدة فان كان صبغه بربع الهاشمي أولا فصاحب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء ضمنه قيمة ثوبه مصبوغا بربع الهاشمي وأعطاه الاجر لانه أقام العمل المشروط وصار ذلك من وجه كالمسلم إلى صاحب الثوب لاتصاله بالثوب ثم غيره قبل تمام التسليم فان شاء لم يرض به متغيرا وضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء رضي به متغيرا وضمنه قيمته مصبوغا بربع الهاشمي وأعطاه الاجر وان شاء أخذ الثوب وأعطاه الاجر مع قيمة ما زاد من العصفر فيه وهو ثلاثة أرباع قفيز لانه بمنزلة من غصب ثوبا

[ 98 ] مصبوغا بربع قفير فصبغه بثلاثة أما إذا صبغه بقفيز دفعة واحدة فصاحب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء أخذ الثوب وأعطاه قيمة الصبغ ولا أجر له لانه ما أقام العمل المشروط ولكنه خالف في هيئة العمل في الابتداء ولانه لابد من اعتبار قيمة الصبغ فلا يعتبر الاجر لان أحدهما تبع للآخر فلا يجمع بينهما (ألا ترى) أن في الموضع الذي يجب الاجر لا ينظر إلى قيمة الصبغ فهنا لما وجب قيمة الصبغ بسبب ما زاد من الصبغ فيه سقط اعتبار الاجر والحاكم رحمه الله في المنتفى ذكر هذا التقسيم عن أبى يوسف رحمه الله وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله انه إذا دفع ثوبا ليصبغه بمن عصفر بدرهم فصبغه بمنوين دفعة واحدة فصاحب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة ثوبه أبيض وان شاء أعطاه الاجر درهما مع قيمة من من الصبغ قال (قلت) لمحمد رحمه الله لم لا يضمن له قيمة منوين من الصبغ قال لان صاحب الثوب يقول أنا خادعته حتى رضي بدرهم من قيمة من من الصبغ وربما تكون قيمته خمسة فبعد وجود الرضى منه بهذا المقدار ليس له أن يضمن زيادة عليه فلهذا أعطاه الاجر مع قيمة من الصبغ وان كان ماروى عن محمد رحمه الله هو الاصح ولانه وان صبغه جملة فانما يتشرب فيه الصبغ شيئا فشيئا فإذا تشرب فيه المقدار المشروط وجب الاجر فكان هذا ومالو صبغه بدفعتين سواء ولو قال رب الثوب لم تصبغه الا بربع عصفر فان كان مثل ذلك الصبغ يكون بربع الهاشمي فالقول قوله مع يمينه على علمه لان الظاهر شاهد له وهو ينكر وجوب قيمة الصبغ عليه والاستحلاف على العلم لانه على فعل الغير الا أن يقيم الصباغ بينة وان كان مثل ذلك لا يكون بربع عصفر وكان ذلك يعرف فالقول قول الصباغ لان الظاهر شاهد له والجواب فيه كالجواب في المسألة الاولى ولو قال لخياط أنظر إلى هذا الثوب فان كفانى قميصا فاقطعه بدرهم وخطه فقال نعم ثم قال بعد ما قطعه انه لا يكفيك فالخياط ضامن لقيمة الثوب لانه علق الاذن بالشرط والمتعلق بالشرط معدوم قبل الشرط فإذا لم يكفه قميصا فانما قطعه بغير اذنه ومن قطع ثوب الغير بغير اذنه فهو ضامن لقيمته ولو قال له أنظر أيكفينى قميصا فقال نعم فقال اقطعه فإذا هو لا يكفيه لم يضمن لانه قطعه باذنه فان قوله اقطعه أذن مطلق ولايقال قد غره بقوله يكفيك لان الغرور بمجرد الخير إذا لم يكن في ضمن عقد ضمان لا يوجب الضمان على الغار كما لو قال هذا الطريق أمن فسلك فيه فأخذ اللصوص متاعه بخلاف الاولى فانعدام الاذن هناك بما صرح في لفظه من الشرط حتى لو

[ 99 ] كان في لفظه هنا ما يدل على الشرط بأن يقول فاقطعه أو اقطعه إذا فهو ضامن إذا لم يكفه لان الفاء للوصل فبذكره تبين انه شارط للكفاية في الاذن وقوله إذا إشارة إلى ما سبق فكأنه قال اقطعه إذا كان يكفيني لان هذا شرط الا أنه أوجز كلامه ولو سلم ثوبا إلى خياط فقطعه له قباء فقال بطنه من عندك واحشه على أن لك من الاجر كذا وكذا فهو مثل الخف الذي أمره أن يبطنه وينعله في القياس ولكن لاأجيز هذا استحسانا لان ذلك مستحسن في القياس بالتعامل وهذا لا تعامل فيه فيستحسن العود إلى أصل القياس فيه ويقال انه مشترى لمعدوم أو لمجهول فلا يجوز ولان هذا ليس في معنى ذلك لان الخف بدون النعل والبطانة يسمى خفا ولكن بالنعل والبطانة يصير أحكم فما شرط عليه يمكن أن يجعل تبعا للعمل فاما القباء والجبة لا تكون بدون البطانة والحشو وإذا كان ما التمس منه لا ينطلق عليه الاسم الا بما شرط عليه لم يكن ذلك تبعا للعمل وانما هو استصناع لا تعامل فيه فلا يجوز ذلك فان أتاه بالقباء مبطنا محشوا فللخياط قيمة بطانته وحشوه وأجر خياطته ولا تجاوز به ما سمى له في أجر خياطته خاصة لانه استوفى منافعه بحكم عقد فاسد فكذلك استوفى غير ملكه بحكم عقد فاسد وتعذر عليه رده فيلزمه قيمه المشترى بالغا ما بلغ وأجر مثل عمله لا يجاوز به ما سمى له وبهذا اللفظ يستدل بعض أصحابنا رحمهم الله ممن يقول في الفصول المتقدمة أن قوله لا يجاوز به ما سمى له من الاجر خاصة دون قيمة ما زاد فيه والاصح هو الفرق لان الحشو والبطانة هنا لم تكن في العقد تبعا في العمل ولذلك فسد العقد في الاصل وإذا وجب اعتبارهما مقصودا " بقيمتها بالغة ما بلغت وفيما سبق النعل والبطانة في الخف والحشو والبطانة في القلنسوة جعل تبعا للعمل في العقد ولذلك جاز العقد فكما أن في أصل العمل لا يجاوز بالبدل ما سمى له فكذلك فيما هو تبع له ولو أعطاه ثوبا وبطانة وقطنا وأمره أن يقطعه جبة ويحشوها ويندف القطن عليها وسمى الاجر له فهو جائز لانه استأجره لعمل معلوم ببدل معلوم ولو شرط على خياط أن يقطع له عشر قمص كل قميص بدرهم ولم يسم له قدرها وجنسها لم يجز لجهالة المعقود عليه من العمل فعمل الخياط يختلف باختلاف جنس الثياب وباختلاف القميص في الطول والقصر ولو قال الثياب هروية ومقداره على هذا الشئ معروف فهو جائز لان مقدار العمل بما سمى يصير معلوما على وجه لا يبقى بينهما منازعة ولو دفع إليه ثوبا ليقطعه قميصا واشترط عليه إن خاطه اليوم فله درهم وان لم يفرغ منه اليوم فله نصف درهم عند أبى حنيفة رحمه الله ان خاطه اليوم فله درهم

[ 100 ] وان لم يفرغ منه اليوم فله أجر مثله لا ينقص عن نصف درهم ولا يجاوز به درهما وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله هو على ما اشترط إذا فرغ منه اليوم فله درهم وان فرغ منه بعد ذلك فله نصف درهم وقال زفر رحمه الله العقد فاسد كله وهو قول الشافعي رحمه الله وهذه فصول (أحدها) أن يقول ان خطته اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلا شئ لك وهو فاسد بالاتفاق لان هذه مخاطرة فانه شرط له على نفسه درهما ان خاطه اليوم ولنفسه عليه العمل ان لم يخطه اليوم وهو صورة القمار فكان فاسدا " ولانه يصير تقدير كلامه كانه قال لك أجر درهم على خياطتك أولا شئ ولو قال ذلك كان العقد فاسدا " وكان له أجر مثله لا يجاوز درهما فهذا مثله (والفصل) الثاني أن يقول ان خطت خياطة رومية فلك درهم وان خطته خياطة فارسية فلك نصف درهم أو يقول ان خطته قباء فلك درهم وان خطته قميصا فلك نصف درهم فعلى قول أبى حنيفة رحمه الله الاول العقد فاسد كله وهو قول زفر والشافعي رحمهما الله هو القياس ثم رجع أبو حنيفة رحمه الله فقال الشرطان جائزان وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وجه قوله الاول أن المعقود عليه مجهول عند العقد والبدل مجهول وجهالة أحدهما في المعاوضة تكون مفسدة للعقد فجهالتها أولى كما لو قال بعت منك هذا العبد بالف درهم أو هذه الجارية بمائة دينار أو زوجتك أمتى هذه بمائة درهم أو أبنتى هذه بمائة دينار فقال قلت كان باطلا وهذا لان عقد الاجارة يلزم بنفسه وإذا لم يعين عليه نوعا من العمل عند العقد لا يدري بماذا يطالبه فكان العقد فاسدا ووجه قوله الآخر أنه خيره بين نوعين من العمل كل واحد منهما معلوم في نفسه والبدل بمقابلة كل واحد منهما مسمى معلوم فيجوز العقد كما لو اشترى ثوبين على أن له الخيار يأخذ أيهما شاء ويرد الآخر وسمى لكل واحد منهما ثمنا وهذا لان الاجر لا يجب بنفس العقد وانما يجب بالعمل وعند العمل ما يلزمه من البدل معلوم وكذلك عقد الاجارة في حق المعقود عليه كالمضاف وانما ينعقد عند اقامة العمل وعند ذلك لاجهالة في المعقود عليه بخلاف النكاح والبيع فالعقد هناك ينعقد لازما في الحال والبدل يستحق بنفس العقد فإذا لم يكن معلوما عند العقد كان العقد فاسدا (والفصل) الثالث أن يقول ان خطته اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم فعند أبى حنيفة رحمه الله الشرط الاول جائز والثانى فاسد وعندهما الشرطان جائزان وفي القياس يفسد الشرطان وهو قول زفر رحمه الله كما في الفصل (ألا ترى) انه لو قال في البيع ان أعطيت لى الثمن إلى شهر فعشرة دراهم

[ 101 ] وان أعطيته إلى شهرين فخمسة عشر درهما كان العقد كله فاسدا للتردد بين التسميتين ولهذا الترد أفسد أبو حنيفة رحمه الله للشرط الثاني فكذلك يفسد الشرط الاول وهما اعتبرا هذا في الفصل الثاني قالا انه سمى عملين وسمى بمقابلة كل واحد منهما بدلا معلوما فيجوز العقد كما في الفصل الثاني وهذا لان عمله في الغد غير عمله في اليوم ولصاحب الثوب في اقامة العمل في كل وقت غرض صحيح وانما يجب الاجر عند اقامة العمل ولا جهالة عند ذلك بخلاف الفصل الاول فهناك انما أفسدنا العقد لمعنى القمار وذلك غير موجود هنا لانه في اليومين شرط الاجر له على نفسه وأبو حنيفة رحمه الله يقول علق البرأة عن بعض الاجر بشرط فوات منفعة التعجيل بقوله ان لم تفرغ منه اليوم فلك نصف درهم ولو علق البرأة عن جميع الاجر بهذا الشرط لم يصح بان قال وان لم تفرغ منه اليوم فلا شئ لك فكذلك إذا علق البرأة عن بعض الاجر به اعتبارا للبعض بالكل ولان البرأة لا تحتمل التعليق بالشرط وهذا لان الخياطة في اليومين بصفة واحدة وانما تفوت منفعة التعجيل بتأخير العمل إلى الغد بخلاف الخياطة الرومية والفارسية فانهما مختلفان فلا يكون ذلك تعليق البرأة عن بعض الاجر حتى لو قال هناك وان خطته فارسيا فلا أجر لك كان ذلك استعانة صحيحة في خياطة الفارسية واختلفت الروايات فيما إذا قال له خط هذا الثوب اليوم بدرهم فخاطه غدا ماذا يجب له ففى احدى الروايتين يجب المسمى بمنزلة قوله خطه بدرهم وفي الرواية الاخرى يجب أجر المثل لا يجاوز به درهما لانه رضى بالدرهم بشرط منفعة التعجيل فإذا فاته ذلك يلزمه أجر المثل فعلى الرواية الاولى يقول اجتمع في اليوم الثاني تسميتان درهم ونصف فكان العقد فاسدا كما لو قال خطه بدرهم أو بنصف درهم وبيان ذلك أن موجب التسمية الاولى عند الخياطة غدا الدرهم لو اقتصر عليه فهو بالتسمية الثانية يضم الشرط الثاني إلى الاول في الغد مع بقاء الاول فتجتمع تسميتان بخلاف اليوم الاول فليس فيه الا تسمية واحدة وهو الدرهم لان تسمية نصف درهم في الغد لا موجب له في اليوم حتى إذا قال استأجرتك غدا لتخطيه بنصف درهم فخاطه اليوم فلا أجر له فلهذا صح الشرط الاول دون الثاني بخلاف الخياطة الرومية والفارسية لانه لا تجتمع تسميتان في واحد من العملين حتى لو قال خطه خياطة رومية بدرهم فخاطه خياطة فارسية كان مخالفا وعلى الرواية الاخرى يقول التسمية الاولى لها موجب في اليوم الثاني وهو أجل المثل فهو بتسمية نصف درهم قصد تغيير

[ 102 ] موجب تلك التسمية مع بقائها وذلك فاسد كما في قوله وان خطته غدا فلا شئ لك بخلاف الخياطة الرومية والفارسية لانه ليس لاحد العقدين موجب في العمل الآخر فكان عقدين مختلفين كل واحد منهما ببدل مسمى معلوم فيهما فلهذا افترقا وإذا اشترى نعلا بدرهم وشراكا معها على أن يحذوها البائع فهو جائز استحسانا لكونه متعارفا بين الناس وإذا كان أصل العقد يجوز للعرف فالشرط في العقد إذا كان متعارفا للجواز أولى وان اشترى ثوبا على أن يخيطه البائع بعشرة فهو فاسد لانه بيع شرط فيه اجارة فانه ان كان بعض البدل بمقابلة الخياطة فهى اجارة مشروطة في بيع وان لم يكن بمقابلتها شئ من البدل فهى اعانة مشروطة في البيع وذلك مفسد للعقد وهذا ومسألة النعل في القياس سواء غير أن هناك استحسانا للعرف ولاعرف هنا فيؤخذ به بالقياس ولو جاء إلى حذاء بشراكين ونعلين استأجره على أن يحذوهما له باجر مسمى جاز وان اشترط عليه الشراكين فاراهما اياه ورضيه ثم حذاهما له كان جائز أيضا استحسانا وفي الخف ينعل ويرقع كذلك الجواب بخلاف مالو شرط في الجبة والقباء البطانة والحشو على العامل والفرق بالعرف ثم شرط هنا أن يريه الشراك والنعل والصحيح أنه لا يشترط اراءته اياه ولكن ان أعلمه على وجه لا يبقى بينهما فيه منازعة فذلك كاف لما في شرط الاراءة من بعض الحرج ولو شرط على الخياط أن يكون كم القميص من عنده كان فاسدا لانعدام العرف فيه وكذلك لو شرط على البناء أن يكون الآجر والجص من عنده وكل شئ من هذا الجنس يشترط فيه على العامل شيئا من قبله بغير عينه فهو فاسد الا فيما بينا للعرف فإذا عمله فالعمل لصاحب المتاع وللعامل أجر مثله مع قيمة ما زاد لانه صار قابضا لما اشتراه بعقد فاسد وتعذر رده حين صار وصفا من أوصاف ملكه واستوفي عمله بعقد فاسد فكان له أجر مثله وإذا رد القصار على صاحب الثوب ثوبا غيره خطأ أو عمدا فقطعه وخاطه ثم جاء صاحبه فهو بالخيار يضمن أيهما شاء لان القصار جان في تسليم ثوبه إلى الغير والقابض في قبضه وقطعه وخياطته فيضمن أيهما شاء فان ضمن القصار فقد ملك القصار الثوب بالضمان وتبين أن القاطع قطع ثوبه وخاطه بغير أمره فيرجع عليه بقيمته ويعامل بما يعامل به الغاصب وان ضمن القاطع لم يرجع القاطع بهذه القيمة على القصار لانه ضمن بسبب عمل باشره لنفسه وفي الوجهين يرجع على القصار بثوبه لانه عين ملكه وقد بقى في يد القصار فيأخذه منه والله أعلم

[ 103 ] (باب متى يجب للعامل الاجر) (قال رحمه الله وإذا هلك الثوب عند القصار بعد الفراغ من العمل فلا أجر له ولا ضمان عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله وهو قول زفر والحسن بن زياد رحمهم الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله هو ضامن الا إذا تلف بامر لا يمكن الاحتراز عنه كالحرق الغالب) وكذلك الخلاف في كل أجير مشترك كالاجير المشترك في حفظ الثياب وغيره والمشترك من يستوجب الاجر بالعمل ويعمل لغير واحد ولهذا يسمى مشتركا ولا خلاف ان أجير الواحد لا يكون ضامنا لما تلف في يده من غير صنع وهو الذي يستوجب البدل بمقابلة منافعه حتى إذا سلم النفس استوجب الاجر وان لم يستعمله صاحبه ولا يملك أن يؤجر نفسه من آخر في تلك المدة وجه قولهما أنه خالف بموجب العقد فكان ضامنا كما إذا دق الثوب وتخرق وبيان ذلك أن المعقود عليه هو الحفظ وعقد المعاوضة يقتضي سلامة المعقود عليه عن العيب فيكون المستحق بالعقد حفظا سليما فإذا سرق تبين أنه لم يأت بالحفظ السليم فكان مخالفا موجب العقد كما قلنا في الدق فالمستحق بالعقد وفي سليما عن عيب التخرق فإذا تخرق كان ضامنا وهذا في الاجير بالحفظ ظاهر وكذلك في القصار فانه لا يتوصل إلى اقامة العمل إلا بالحفظ والعمل مستحق عليه ومالايتوصل إلى المستحق الا به يكون مستحقا والمستحق بالمعاوضة السليم دون المعيب والبدل وان لم يكن بمقابلة الحفظ هنا لكن لما كان مستحقا بعقد المعاوضة تعتبر فيه صفة السلامة كأوصاف المبيع الا أن مالا يمكن التحرز عنه يكون عفوا كما في السراية في حق النزاع فانه عفو لانه لا يستطاع الامتناع منه والقياس ماقاله أبو حنيفة رحمه الله لانه قبض العين باذن المالك لمنفعته وهو اقامة العمل له فيه فلا يكون مضمونا عليه كالمودع وأجير الواحد وهذا لان الضمان اما أن يكون ضمان عقد أو ضمان جبران والعقد وارد على العمل لا على العين فلا تصير العين به مضمونة والجبران للفوات وهو ما فوت على المالك شيئا حين قبضه باذنه وبهذا الطريق لا يضمن أجير الواحد فكذلك المشترك وهما يقولان يستحسن فنضمن المشترك احتياطا بخلاف الخاص فالعين هناك في يد صاحبه لان أجير الخاص يعمل له في بيته ولان البدل هناك ليس بمقابلة العمل فلا تشترط فيه السلامة عن العيب ولكن أبو حنيفة رحمه الله يقول هذا نظر فيه ضرر في حق الاجير وهو أن يلزمه ما لم يتلزمه ونظر الشرع

[ 104 ] للكل فمن النظر للاجير أن لا يكون مضمونا عليه ولما تساوى الجانبان لم يجب الضمان بالشك وما قال انما يستقيم أن لو كان التلف يتولد من الحفظ كما يتولد من العمل ولا يتصور تولد التلف من الحفظ الا أن يضيع الحفظ وعند ذلك هو ضامن لا أجر له عند أبى حنيفة رحمه الله لان المعقود عليه الوصف الحادث في الثوب بعمله وقد فات قبل تمام التسليم على صاحبه فلا أجر له بخلاف أجير الواحد فالمعقود عليه هناك منافعه في المدة وقد تم التسليم فيه فبهلاك العين عنده لا يبطل الاجر وأما عندهما رب الثوب بالخيار ان شاء ضمنه قيمة الثوب مقصورا " وأعطاه الاجر وان شاء ضمنه قيمته غير مقصور ولا أجر له لان المعقود عليه صار مسلما من وجه باتصاله بالثوب الا انه لم يتم التسليم حتى تغير إلى البدل وهو ضمان القيمة فيتخير صاحب الثوب ان شاء رضى به متغيرا " فضمنه قيمته مقصورا " وأعطاه الاجر وان شاء لم يرض بالتغير وفسخ العقد فيه فيضمنه قيمة ثوبه أبيض بمنزلة مالو قبل المبيع قبل القبض فانه يتخير المشترى فاما إذا تلف بعمله بان دق الثوب فتخرق فهو ضامن عندنا وقال زفر رحمه الله لا ضمان عليه ان لم يجاوز الحد المعتاد وللشافعي رحمه الله فيه قولان في أحد القولين يقول هو ضامن سواء تلف بفعله أو بغير فعله وفي قوله الآخر يقول لا ضمان عليه سواء تلف بفعله أو بغير فعله وجه قول زفر رحمه الله أنه عمل مأذون فيه فما تلف بسببه لا يكون مضمونا عليه كالمعين في الدق وأجير الواحد وبيانه انه استأجره ليدق الثوب ولدق عمل معلوم بحده وهو إرسال المدقة على المحل من غير عنف وقد أتى بتلك الصفة فكان مأذونا فيه ثم التخرق انما كان لوهاء في الثوب وليس في وسع العامل التحرز من ذلك فهو نظير البزاغ والفصاد والحجام والختان إذا سرى إلى النفس لا يجب الضمان عليهم لهذا المعنى وهذا لان العمل مستحق عليه بعقد المعاوضة وما يستحق على المرء لا يبعد بما ليس في وسعه وبه فارق المشى في الطريق والرمى إلى الهدف فانه مباح غير مستحق عليه فقيد بشرط السلامة والدليل عليه ان أجير القصار إذا دق فتخرق الثوب لم يجب الضمان على الاجير وعندكم يجب الضمان على الاستاذ فان كان هذا العمل مأذونا فيه لم يجب الضمان على أحد وان لم يكن مأذونا فيه فهو موجب للضمان على من باشره فاما أن يقال من باشره لا يضمن وغيره يضمن بسببه فهو بعيد جدا " وحجتنا في ذلك ان التلف حصل بفعل غير مأذون فيه فيكون مأذونا كما لو دق الثوب بغير أمره وبيان ذلك أن الاذن ثابت بمقتضى العقد والمعقود عليه عمل في الذمة والعقد عقد

[ 105 ] معاوضة فمطلقه يقتضى سلامة المعقود عليه عن العيب كعقد البيع وما في الذمة يعرف بصفته والموصوف بانه سليم غير الموصوف بأنه معيب فإذا ثبت أن المعقود عليه العمل السليم المزين للثوب عرفنا أن المعيب المخرق للثوب غير المعقود عليه فلا يكون مأذونا فيه وبه فارق أجير الواحد ومن أصحابنا رحمهم الله من يقول هناك البدل ليس بمقابلة السليم بل بمقابلة تسليم النفس دون العمل وصفة السلامة في العمل بمقتضي عقد المعاوضة الا أن هذا ليس بقوى فالمعقود عليه في الموضعين العمل والبدل بمقابلة المقصود الا أن هناك يقام تسليم النفس مقام العمل دفعا للضرر عن الاجير لتضيق مدة التسليم عليه وهذا لا يدل على أنه إذا وجد ما هو المقصود لا يكون البدل بمقابلته كما يقام تسليم النفس في النكاح مقام ما هو المقصود ثم إذا وجد ما هو المقصود وهو الوطئ كان البدل بمقابلته فالصحيح أن يقول المعقود عليه في حق أجير الواحد منافعه ولهذا يشترط اعلامه ببيان المدة ومنافعه عين والعين لا تختلف بكونه سليما أو معيبا كما في بيع العين فانه وان وجد بالمعقود عليه عيبا لا يخرج العقد به من أن يكون متناولا له فعرفنا أن الاذن متناول للعمل معيبا كان أو سليما وهنا المعقود عليه عمل في الذمة بمنزلة المسلم فيه وعقد السلم إذا تناول الجيد لا يكون الرديئ معقودا عليه ما لم يسقط حقه في الجودة بالرضاء به فهنا مادام العمل السليم معقودا " عليه لا يكون المعيب معقودا عليه الا أن يرضى به وهذا بخلاف المعين فانه واهب للعمل والهبة لا تقتضي السلامة عن العيب فبالتخرق لا يخرج العمل من أن يكون مأذونا فيه وبخلاف البزاغ والفصاد والحجام فهناك العمل معلوم بحده لا بصفته لانه حرج والحرج الذي هو غير ساري ليس في وسع البشر فانما يلتزم بعقد المعاوضة ما يقدر على تسليمه دون مالا يقدر فاما التحرز عن التخرق في وسع القصار في الجملة الا أنه ربما يلحقه الحرج فيه وذلك لايمنع صحة التزامه بعقد المعاوضة * يوضحه أن التخرق اما أن يكون لشئ في طى الثوب أو لرقة في الثوب أو لحدة في المدقة وكل هذا يمكن الوقوف عليه عند التأمل فاما السراية فلضعف الطبيعة عن دفع أثر الجناية ولا طريق للوقوف بحال * يوضحه أن التلف هناك لا يحصل في حال العمل وانما يكون بعد الفراغ منه بمدة والعمل مضمون عليه لانه يقابله بدل مضمون فما يقابل المضمون يكون مضمونا الا أنه بالفراغ منه يصير مسلما إلى صاحبه فانما حصل التلف بعد خروجه من ضمان العاقد وهنا التخرق يحصل في حال العمل لابعد الفراغ من العمل وفي حال العمل التسليم لم يوجد بعد وهو عمل مضمون عليه لانه يقابله

[ 106 ] بدل مضمون والمتولد من المضمون يكون مضمونا فاما أجير القصار فهو أجير واحد والبدل في حقه بمقابلة منافعه فلهذا لا يكون ضمانا ثم عمله للاستاذ كعمل الاستاذ بنفسه وهو لو قام بالثوب بنفسه فخرق الثوب كان ضامنا فكذلك إذا عمل له أجيره إذا عرفنا هذا فنقول لصاحب الثوب الخيار ان شاء ضمنه قيمته مقصورا وأعطاه الاجر وان شاء ضمنه قيمته غير مقصورا ولا أجر له (قال) بشر بن غياث رحمه الله وهذا الجواب صحيح على أصل أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان عندهما قبضه قبض ضمان فله أن يضمنه قيمته وقت القبض غير مقصور فأما عند أبى حنيفة رحمه الله هو خطأ لان عنده قبل قبض القصار قبض أمانة وانما الموجب للضمان عليه العمل فيكون له أن يضمنه قيمته معمولا ولا خيار له في ذلك ولكن الاصح ما قلنا فانا لانقول نضمنه قيمته بالقبض ولكنه يضمنه قيمته بالاتلاف ان شاء معمولا وان شاء غير معمول لان العمل يصير مسلما من وجه باتصاله بالثوب وذلك العمل يجوز أن يكون معقودا عليه عند الرضاء به كالرديئ في باب السلم مكان الجيد يكون معقودا عليه عند التجوز به فإذا وقع التغير في العمل كان له الخيار ان شاء رضى به متغيرا فضمنه قيمته معمولا وأعطاه الاجر وان شاء لم يرض به فيخرج العمل به من أن يكون معقودا عليه ويضمنه قيمته غير معمول ولا أجر له وان لم يهلك الثوب وأراد صاحبه أخذه كان للقصار أن يمنعه حتى يستوفى الاجر وقد بينا خلاف زفر رحمه الله في هذا والحاصل أن كل أجير يكون أثر عمله قائما في المعمول كالنساج والقصار والصباغ والفتال فله حق الحبس لان المعقود عليه الوصف الذي أحدثه في الثوب وهو قائم فيكون له أن يحبسه ببدله وكل من ليس لعمله أثر في المعمول كالحمال فانه لا يستوجب الحبس لان المعقود عليه نفس العمل ولم يبق بعد الفراغ منه فلا يكون له أن يحبس فان (قيل) في القصار عمله في ازالة الدرن والوسخ لا في احداث البياض في الثوب فالبياض للقطن صفة أصلية (قلنا) نعم ولكن لما غلب الدرن والوسخ حتى استتر به صار في حكم المعدوم وحين أظهره القصار بعمله جعل ظهوره مضافا إلى عمله فيكون أثر عمله قائما في المعمول فان منعه فهلك فالجواب على مابينا لان المنع كان بحق فلا يكون سببا موجبا للضمان فيما ليس بمضمون فلهذا يستوى الهلاك بعد المنع وقبله وعلى قول زفر رحمه الله ليس له حق الحبس فإذا حبسه كان غاصبا ضامنا للقيمة وان أراد أن يأخذ الثوب قبل تمام العمل بغير اذنه ويعطيه من الاجر بمقدار ما عمل لم يكن له ذلك حتى يفرغ منه لان العقد لازم

[ 107 ] من الجانبين لكونه معاوضة فما ليس للقصار أن يفرق الصفقة على صاحب الثوب فيمتنع من اقامة بعض العمل بغير اذنه فكذلك لا يكون ذلك لرب الثوب وكما أن اقامة العمل مستحق على القصار فامساك العين إلى أن يفرغ من العمل مستحق له ولهذا لا يأخذه منه صاحبه وان استأجره حمالا ليحمل له شيئا على ظهره أو على دابته إلى موضع معلوم فحمله وصاحبه يمشى معه أو ليس معه فانكسر في بعض الطريق أو عثر فانكسرت الدابة فانكسر المتاع (قال) رضى الله عنه اعلم بان الحمال أجير مشترك بمنزلة القصار وان تلف في يده بغير فعله بأن زحمه الناس ففى وجوب الضمان عليه خلاف بين أبى حنيفة وصاحبيه رحمهم الله كما بينا وان تلف بفعله بان تعثر فانكسر المتاع فهو ضامن عندنا خلافا لزفر رحمه الله فان التلف حصل بجناية يده ثم عندنا لصاحب المتاع الخيار ان شاء ضمنه قيمته محمولا إلى الموضع الذي سقط وأعطاه من الاجر بحصته وان شاء ضمنه قيمته غير محمول ولا أجر له وهذا لان العمل صار مسلما ان كان صاحبه يمشى معه فلا يشكل وكذلك ان كان لا يمشى معه فانه يصير مسلما باتصاله بملكه ثم تغير قبل تمام التسليم فيثبت الخيار لهذا وكان أبو بكر الرازي رحمه الله يقول الصفقة قد تفرقت عليه فيما لم يحصل المقصود الا بجملته فان مقصود صاحب المتاع لا يحصل الا بوصول المتاع إلى موضع حاجته فإذا انكسر في بعض الطريق فقد انفسخ العقد فيما بقى للفوات فعرفنا أن الصفقة قد تفرقت فان شاء رضى بهذا التفرق وقرر العقد فيما استوفى من العمل وأعطاه من الاجر بحصته وان شاء أبى ذلك وفسخ العقد في الكل فيضمنه قيمته غير محمول ولا أجر له ولهذا كان الخيار لصاحب المتاع ولو هلك في نصف الطريق بغير فعله لم يضمن شيئا عند أبى حنيفة رحمه الله وكان له نصف الاجر بخلاف ما سبق العمل من القصار لان المعقود عليه هنا صار مسلما بنفسه ولهذا لا يستوجب الحبس إذا فرغ من العمل فكان هو في هذا الحكم كاجير الواحد بخلاف القصار فالتسليم هناك لايتم باقامة العمل بدليل أن له أن يحبس لاستيفاء الاجر وهذا الفصل يوهن طريقة الرازي رحمه الله في الفصل الاول ويتبين به أن الصحيح ما قلنا أولا من أن ثبوت الخيار للتغير إلى البدل وقيام البدل مقام الاصل في فسخ العقد فيه حتى أن في هذا الموضع لما لم يجب البدل وهو الضمان لا يمكن فسخ العقد فيما أقام من العمل فكان له من الاجر بحصة ذلك وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول في الكراء إلى مكة لا يعطى شيئا من كرائه حتى يرجع من مكة وكذلك

[ 108 ] كان يقول في جميع من يحمل الحمولة على ظهره أو على دابته أو سفينة ثم رجع عن ذلك فقال كل ما صار مسيرا له من الاجر شئ معروف فله أن يأخذه بذلك وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله وسواء كان الاجر دراهم أو ثوبا أو عبدا أو غير ذلك وأصل المسألة أن الاجرة لا تملك بنفس العقد ولا يجب تسليمها به عندنا عينا كان أو دينا وانما تملك باحد معان ثلاثة إما التعجيل أو شرط التعجيل أو استيفاء ما يقابله وعند الشافعي رحمه الله تملك بنفس العقد ويجب تسليمها عند تسليم الدار أو الدابة إلى المستأجر وحجته في ذلك أن هذا عقد معاوضة فمطلقه يوجب ملك البدل بنفسه كعقد البيع والنكاح وهذا لان ما هو المعقود عليه المنفعة ومنفعة العين في حكم العين فكما يملك البدل في العقد الوارد على العين بنفسه فكذلك في العقد الوارد على المنفعة والدليل على أن المنفعة في حكم العين صحة الاستئجار باجرة مؤجلة وما ليس بعين فهو دين والدين بالدين حرام في الشرع وهذا لان المنفعة وان كانت معدومة عند العقد حقيقة فقد جعلت كالموجودة حكما بدليل جواز العقد ولزومه وعقد المعاوضة على المعدوم لا ينعقد ولا يلتزم وللشرع ولاية أن يجعل المعدوم حقيقة موجودا " حكما لحاجة الناس إليه كما جعل النطفة في الرحم ولا حياة فيها كالحى حكما في حق الارث والعتق والوصية وكما جعل الحى حقيقة كالميت حكما والمرتد اللاحق بدار الحرب وإذا صارت موجودة حكما التحقت بالموجود حقيقة فتصير مملوكة بالعقد وكما يصير مملوكا بالعقد حكما يصير مسلما بتسليم الدار بدليل أن المستأجر يملك التصرف فيه بالاجارة من الغير وأنه لو استأجر دارين فانهدمت أحدهما بالقبض لم يكن له خيار في رد الاخرى لتفرق الصفقة بعد التمام بخلاف ما قبل القبض وأنه لو تزوج امرأة على سكنى دار سنة فسلم الدار إليها لم يكن لها أن تحبس نفسها لاستيفاء المنفعة بخلاف ما قبل تسليم الدار إليها ولا يدخل على هذا مااذا انهدمت الدار فان المنفعة لا تتلف في ضمان المستأجر لانا جعلناها كالموجودة المسلمة باعتبار عرضية الوجود في المدة وقد زال ذلك بانهدام الدار وهو كما لو جعلنا النطفة في الرحم كالحى لكونها معدة لذلك فان زال ذلك بالانفصال ميتا بطل حكم العتق والارث والوصية له لانعدام المعنى الذي لاجله جعل كالموجود والدليل عليه أن الاجرة تملك بشرط التعجيل ولو كان مقتضى مطلق العقد تأخر الملك في الاجر أو لم تجعل المنفعة كالموجودة حكما لما وجب الاجر بالشرط كما قلتم في الاجارة المضافة إلى وقت في المستقبل ولان أكثر ما في الباب أن تقام عين الدار مقام المعقود عليه في

[ 109 ] حق انعقاد العقد فكذلك في ملك البدل كعقد السلم فان الذمة لما أقيمت مقام المعقود عليه هناك في انعقاد العقد ولزومه ملك البدل به بنفس العقد * وحجتنا في ذلك أن هذا عقد معاوضة فيقتضي تقابل البدلين في الملك والتسليم كعقد البيع ثم أحد البدلين وهو المنفعة لم تصر مملوكة بنفس العقد فكذلك الاجرة وهذا لانه معدوم في نفسه والملك من صفات الموجودات فالمعدوم لا يوصف بشئ سوى أنه معدوم والملك عبارة عن القدرة فلا يتحقق ذلك على المعدوم وإذا لم يملك المعقود عليه في الحال فلو ملك البدل بغير عوض وذلك ليس بقضية المعاوضة ثم عند الحدوث تملك المنفعة بعقد المعاوضة بغير عوض لان العوض كان مملوكا له من قبل وملكه لا يكون عوضا عن ملكه ولا وجه أن يقال ان المنافع التى تحدث في المدة تجعل موجودة حكما لانه انما يقدر الشئ حكما إذا كان يتصور حقيقة كما فيما استشهدوا به فان الحى يتصور فيه الموت والميت يتصور فيه الحياة ولاتصور لوجود المنافع التى تحدث في المدة جملة فلا يجوز أن يقدر حكما فاما جواز العقد ليس باعتبار أن المنفعة تجعل موجودة حكما وكيف يقال هذا والموجود من المنفعة حقيقة لا يقبل العقد فان المنفعة عرض لا يتصور بقاؤها وقتين والتسليم بحكم العقد يكون عقيبه والجزء الموجود حقيقة لابقاء له ليسلم عقيب العقد ومالايتصور فيه التسليم بحكم العقد لا يكون محلا لعقود المعاوضة فلو جعلناها كالموجودة حقيقة لم تقبل العقد فبهذا تبين أن الجواز العقد لم يكن بالطريق الذي قال الخصم بل بأحد الطريقين اما باقامة عين الدار المنتفع بها مقام المنفعة في حق صحة الايجاب ثم انعقاد العقد في حق المعقود عليه في حكم المضاف إلى وقت الحدوث وهو معنى ما قلنا إن عقد الاجارة في حكم عقود متفرقة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة وهذا لان الايجاب بعد الوجود لا يتحقق وحكم الانعقاد بعد الايجاب يحتمل التأخير في حكم المحل كالطلاق المضاف والعتق المضاف والوصية والمزارعة على أصل الخصم والمضاربة بالاتفاق أو باعتبار انه لما تعذر الايجاب بعد وجود المنفعة سقط اعتبار الوجود فيه شرعا لانعقاد العقد تيسيرا ولكن عرضية الوجود بكون العين منتفعا بها تكفى لانعقاد العقد كما لو تزوج رضيعة صح النكاح باعتبار أن عرضيه الوجود فيما هو المعقود عليه وهو ملك الحل يقام مقام الوجود وعلى الطريقين جميعا اقامة الشئ مقام غيره تكون بطريق الضرورة فتقدر بقدر الضرورة ولا ضرورة في ملك البدل بنفس العقد لان الملك حكم السبب والحكم قد يتأخر عن السبب وانما الشرط أن لا يخلو السبب عن الحكم فأما أن يقترن

[ 110 ] به فلا وفي حكم ملك البدل لاضرورة فاعتبرنا ما هو الاصل وهو أن يتأخر إلى وجود الملك فيما يقابله والدليل عليه أن قبل تسليم الدار لا يجب تسليم الاجر ولو جعلت المنفعة كالعين لكان أول التسليمين على المستأجر كالثمن في بيع العين ولا يقول أن المنفعة دين فان الدين محله الذمة وهو لا يلتزم المنفعة في الذمة فكيف نقول ذلك وانما يتحقق العدم عند العقد فما يكون دينا فهو في حكم الموجود بوجود محله ولهذا جعلنا المسلم فيه مملوكا بنفس العقد وجعلنا بدله مملوكا حتى وجب على رب السلم تسليمه بنفس العقد وهذا بخلاف النكاح فالمعقود عليه هناك العين والملك في باب النكاح لا يحتمل التأخر عن السبب فلهذه الضرورة جعلناه كالموجود في حكم الملك فاما إذا شرط التعجيل فنقول امتناع الملك بنفس العقد كان بمقتضى مطلق المعاوضة وذلك يتغير بالشرط بمنزلة البيع فان مقتضى مطلق العقد ملك المبيع بنفس العقد ثم يتأخر بشرط الخيار ومقتضى مطلق البيع وجوب تسليم الثمن بنفس العقد ثم يتعين شرط الاجل بخلاف الاجارة المضافة فان امتناع ثبوت الملك هنا ليس بمقتضى العقد بل بالتصريح بالاضافة إلى وقت في المستقبل والمضاف إلى وقت لا يكون موجودا قبل ذلك الوقت فلا يتغير هذا المعنى بالشرط وإذا ثبت أنه يملك بشرط التعجيل ثبت أنه تملك بالتعجيل أيضا لانه فوق اشتراط التعجيل وذلك لان الملك يثبت بالقبض وللبقض تأثير في اثبات الملك فيما لم يملك بنفس العقد كما في الهبة ونفقة الزوجة تملك بالقبض لمدة في المستقبل ولا يملك بنفس العقد ثم كما لاضرورة في الملك لاضرورة في التسليم لانه قد يتأخر التسليم عن العقد فلا يجعل مسلما بتسليم الدار وهذا لان تأثير التسليم بحكم المعاوضة في نقل الضمان ولما لم ينتقل إلى ضمان المستأجر عرفنا أنه لم يصر مسلما إليه وجواز تصرفه من الوجه الذي يجوز فيه تصرف الاخر لعجزه عن التصرف بعد الوجود حقيقة كما بينا وكذلك في حكم تفرق الصفقة فانه لا يمكن اثبات ذلك عند القبض حقيقة فتقام الدار فيه مقامه كما في حكم التصرف وصحة تسمية المنفعة صداقا لانه ليس من ضرورة صحة العقد ملك المسمى بنفس العقد فانه في حكم البيع عندنا ولهذا لو تزوج امرأة على عبد الغير صحت التسمية ويتأخر الملك الا أن يحصل الزوج ملك العقد لنفسه وانما يعتبر مجرد تسليم الدار في سقوط حقها في الحبس لوجود الرضاء منها بذلك فانها لما جعلت الصداق المنافع التى توجد في المدة مع علمها أنه لا يتصور تسليمها جملة فقد صارت راضية بسقوط حقها في الحبس عند تسليم الدار إليها لتحدث المنفعة على ملكها بمنزلة مالو زوجت نفسها

[ 111 ] بمهر منجم وكان أبو حنيفة رحمه الله يقول أولا في الكراء إلى مكة لايعطيه شيئا من الكراء حتى يرجع من مكة وهو قول زفر رحمه الله لان مقصوده لايتم الا به ووجوب تسليم الاجر بعد حصول المقصود كما لو استأجر خياطا ليخيط له ثوبا لا يلزمه ايفاء الاجر ما لم يفرغ من العمل ثم رجع فقال كلما سار مسيرا له من الاجر شئ معروف فله أن يأخذه بذلك وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لان العمل بحسبه يصير مسلما وانما يجب تسليم الاجر عند تسليم ما يقابله وكان ينبغى في القياس أنه كما سار شيئا ولو خطوة يجب تسليم ما يقابله من الاجر ولكن ذلك القدر لايعرف فلو أخذنا بالقياس لم نتفرغ إلى شغل آخر بل يسلم الاجر في كل ساعة بقدر ما يستوفي من العمل وذلك بعيد وكان الكرخي رحمه الله يقول كلما سار مرحلة أو في حصته من الاجر وعن أبى يوسف رحمه الله قال إذا سار ثلث الطريق طالب بحصته من الاجر لان هذا القدر من الطريق قد يكترى المرء فيه دابة ثم ينتقل إلى أخرى وعلى هذا لو استأجر دارا مدة معلومة ففى قوله الاول ما لم تنته المدة لا يجب تسليم الاجر وفي قوله الاخر إذا مضى من المدة ماله حصة معلومة من الاجر يجب ايفاء الاجر بحسابه فالكرخي رحمه الله قدر ذلك بيوم وان عجل الاجر كله فهو جائز لانه أخذ بالفضل وأوفى قبل وجوب الايفاء فهو كمن عليه الدين المؤجل إذا عجله وليس له أن يرجع فيما عجل من الاجر لان المستأجر ملك ذلك بالقبض بعد انعقاد العقد فلا يرجع فيه حال بقاء العقد وان شرط في العقد أن لا يسلم الاجر حتى يرجع أو حتى تنتهى المدة فهو جائز أما في قوله الاول فهذا شرط يوافق مقتضي العقد وفي قوله الاخر هذا اشتراط الاجل في الاجر والاجر قياس الثمن يثبت الاجل فيه إذا كان دينا ولا يصح التأجيل فيه إذا كان عينا ولو أبرأه عن جميع الاجر أو وهبه له فان كان ذلك دينا لم يصح ذلك في قول أبى يوسف الاخر رحمه الله وصح في قوله الاول وهو قول محمد رحمه الله ولا تبطل به الاجارة وان كان عينا لم يصح حتى يقبل الاخر فان قبل بطلت الاجارة لان المعين من الاجر كالمبيع والمشترى إذا وهب المبيع من البائع قبل القبض لا تصح الهبة ما لم يقبل فإذا قبل انفسخ العقد فأما إذا كان دينا فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول في قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحمهما الله يجب الاجر بالعقد مؤجلا والابراء عن الدين المؤجل صحيح وفي قوله الاخر لا يجب بنفس العقد عينا كان أو دينا والابراء قبل الوجوب لا يصح وعلى هذا الاصل

[ 112 ] بنوا مسألة المصارفة على هذا ولكن هذا شئ لا يروى عن محمد رحمه الله نصا وفي الجامع بنى المسائل على أن الاجر لا يجب بنفس العقد عينا كان أو دينا ولكن وجه قوله الاول أن سبب الوجوب هو العقد والعقد منعقد الا أن الوجوب تأخر لتأخر ما يقابله والابراء بعد وجوب سبب الوجوب صحيح كالابراء عن نفقة العدة مشروطا في الخلع وهذا لان السبب لما اعتبر في جواز أداء الواجب وأقيم مقام الوجوب فكذلك في الاسقاط وجه قوله الاخر أن الابراء اسقاط واسقاط ما ليس بواجب لا يتحقق والهبة تمليك وتمليك ما ليس بمملوك لا يصح ولو جاز الابراء وبقي العقد بملك المستأجر المنفعة عند الاستيفاء بغير عوض وهذا يخالف قضية الاجارة فانه من حكم الاعارة ولا خلاف بينهما أن الابراء عن بعض الاجرة قبل استيفاء شئ من المنفعة صحيح لان هذا بمنزلة الحط فيلتحق بأصل العقد ويصير كانه عقد في الابتداء بما بقى ولو باعه بالاجر متاعا وسلمه إليه فهو جائز لان الشراء لا يتعلق بالدين المضاف إليه بل بمثله دينا في الذمة (ألا ترى) انه لو اشترى بالدين المظنون شيئا ثم تصادقا على أن لادين بقى الشراء صحيحا ثم لما اتفقا على المقاصة بالاجر مع علمهما بأنه لا يجب بنفس العقد فكأنهما شرطا تعجيل الاجر ويجعل ذلك مضمرا في كلامهما بالتحصيل مقصودهما كما إذا قال أعتق عبدك عنى على ألف درهم يجعل التمليك مضمرا لتحصيل مقصودهما فيصير الاجر بالثمن قصاصا بهذا الطريق ولايكون للبائع حق حبس المبيع باستيفاء الثمن فان لم يوفه العمل لعذر رجع عليه بالدراهم دون المتاع لانه لما انفسخ العقد بعد ما صار مستوفيا للاجر بالمقاصة وجب رد ما استوفى كما لو استوفاه حقيقة أو لما انفسخ العقد ظهر أن الاجر غير واجب وان المقاصة لا تقع به ولكن أصل الشراء بقى صحيحا بثمن في ذمته فيطالبه بالثمن وان باعه المستأجر بالدراهم دنانير ودفعها إليه قبل استيفاء المنفعة فهو جائز في قول أبى يوسف رحمه الله الاول وهو قول محمد رحمه الله وفي قوله الاخر الصرف باطل فإذا افترقا قبل ايفاء العمل فوجه قوله الاول أنهما لما أضافا عقد الصرف إلى الاجرة فقد قصد المقاصة بها ولاوجه لتحصيل مقصودهما الا بتقديم اشتراط التعجيل فيقدم ذلك لتحصيل مقصودهما ثم المضمر كالمصرح به ولو صرح باشتراط التعجيل ثم صارف به دينارا وقبضه لم يبطل العقد بالافتراق فكذلك إذا ثبت ذلك ضمنا في كل منهما وهو نظير الشراء والدليل عليه أن من كفل عن غيره عشرة دراهم بأمره ثم صارف به مع المكفول عنه دينارا قبل أن يؤدي جاز ذلك لوجود السبب وان لم يجب دينه على المكفول عنه ما لم

[ 113 ] يود مثله وجه قوله الاخر أن وجوب العشرة مقترن بعقد الصرف وما يجب بعقد الصرف إذا لم يقبض حتى افترقا بطل العقد كما لو تصارفا دينارا بعشرة دراهم مطلقا وبيان ذلك أن الاجر لم يجب بعقد الاجارة بالاتفاق قبل استيفاء العمل ولاسبب للوجوب بعده سوى الصرف فعرفنا أنه واجب بعقد الصرف والذي قال من أنه يقدم اشتراط التعجيل ليس بقوى لان الحاجة إلى اشتراط التعجيل للمقاصة به لا لصحة عقد الصرف فعقد الصرف صحيح بدراهم في ذمته وأوان المقاصة بعد عقد الصرف فهب أن شرط التعجيل يثبت مقدما على المقاصة فانما يكون ذلك بعد عقد الصرف أو معه وبدل الصرف لا يجوز أن يكون قصاصا بدين يجب بعده فان (قيل) يجعل شرط التعجيل مقدما على عقد الصرف لانه لا يمكن تحصيل مقصودهما وهو المقاصة الا به (قلنا) انما يقدم على العقد بطريق الاجبار ما هو من شرائط العقد ووجوب الاجر ليس من شرائط عقد الصرف بدليل أنه لو نقد العشرة في المجلس كان العقد صحيحا ثم لا يشتغل بالاحتيال لبقاء العقد صحيحا (ألا ترى) انه لو باعه عشرة وثوبا بعشرة وثوب وافترقا قبل القبض بطل العقد في الدراهم ولو صرفنا الجنس إلى خلاف الجنس لم يبطل ولكن قيل يحتال للتصحيح في الابتداء ولا يحتال للبقاء على الصحة والدليل عليه أن الاجرة إذا كانت بقرة بعينها فصارف بها دينارا وافترقا قبل قبض البقرة لم يصح ولو كان اشتراط التعجيل معتبرا في ابقاء العقد صحيحا لاستوى فيه العين والدين وأما مسألة الكفيل فبالكفالة كما وجب للطالب على الكفيل وجب للكفيل على الاصيل ولكنه مؤجل إلى أدأئه والمصارفة بالدين المؤجل صحيح وقد بينا ههنا ان الاجر لا يجب بنفس العقد عينا كان أو دينا فيبطل عقد الصرف بالافتراق قبل قبض الدراهم وان مات قبل أن يوفيه العمل وقد حمله بعض الطريق أو لم يحمله فانه يرد عليه من الدراهم بقدر ما لم يوفه من العمل وفي قوله الاول لانه صار مستوفيا للاجر بطريق المقاصة فبقدر ما ينفسخ العقد فيه يلزمه رده وفي قوله الاخر الصرف باطل فعليه رد دينار وان شرط في الاجل مدة معلومة فذلك صحيح واعتبار الاجل من حين يجب الاجر لان الاجل يؤخر المطالبة ولا يتحقق ذلك قبل الوجوب وان كان الاجر شيئا له حمل ومؤنة فلم يشترط له مكان الايفاء في قياس قول أبى حنيفة رحمه الله العقد فاسد وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو جائز وهو نظير اختلافهم في المسلم فيه وقد بيناه في البيوع فان قيل أليس أن الاجر بمنزلة الثمن في البيع ولو كان الثمن

[ 114 ] شيئا له حمل ومؤنة لا يشترط فيه بيان مكان الايفاء فكيف يشترط ذلك في الاجر عند أبى يوسف رحمه الله (قلنا) في الثمن ان لم يكن مؤجلا فالايفاء يجب بنفس العقد ويتعين موضع العقد لايفائه لانه مكان وجوب التسليم وان كان مؤجلا ففيه روايتان عن أبى حنيفة رحمه الله إحداهما انه لابد من بيان مكان الايفاء كما في السلم لان وجوب التسليم الان عند حلول الاجل ولا يدرى في أي مكان يكون عند ذلك فلا يصح العقد الا ببيان مكان الايفاء وفي الرواية الاخرى يجوز لان البيع في الاصل يوجب تسليم الثمن بنفسه وباعتبار هذا المعنى يتعين موضع العقد للتسليم لان في ذلك امكان وجوب التسليم وانما تأخر بعارض شرط الاجل لان شرط الاجل معتبر في تأخير المطالبة لا في نفى الوجوب فبقى مكان العقد متعينا للتسليم بمقتضى العقد فاما السلم فلا يوجب تسليم المسلم فيه عقيب العقد بحال وانما يوجب ذلك عند سقوط الاجل فلا يتعين مكان العقد فيه للتسليم والاجارة نظير السلم لان مطلق العقد لا يوجب تسليم الاجر عليه عقيبه بحال فلا يتعين موضع العقد لايفائه ولابد من بيان مكان الايفاء لان بدون بيان المكان تتمكن فيه جهالة تفضي إلى المنازعة فاما عند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله فالعقد صحيح هنا كما في السلم الا أن هناك عندهما يتعين موضع العقد للتسليم لان وجوب التسليم فيه بنفس العقد وهنا في اجارة الارض والدار تعين موضع الارض والدار للايفاء لان وجوب الاجر هنا باستيفاء المنفعة لابنفس العقد والاستيفاء يكون عند الدار فيجب تسلم الاجر في ذلك الموضع وفي الحمولة حيث ما وجب له ذلك وفي العمل بيده حيث يوفيه العمل فان طالبه به في بلد آخر لم يكلف حمله إليه ولكن يستوثق له منه حتى يوفيه في موضعه لانه يطالب بايفاء ما لزمه ولم يلزمه الحمل إلى مكان آخر ولكن يستوثق منه مراعاة لجانب الطالب وله أن يأخذه في الدراهم والدنانير حيث شاء لانه صار دينا في ذمته وليس له حمل ومؤنة فيطالبه بالايفاء حيثما لقيه والله أعلم (باب السمسار) (قال رحمه الله ذكر حديث قيس بن أبى غرزة الكنانى قال كنا نبتاع الاوساق بالمدينة ونسمى أنفسنا السماسرة فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو أحسن من اسمنا قال صلى الله عليه وسلم يا معشر التجار ان البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه

[ 115 ] بالصدقة والسمسار اسم لمن يعلم للغير بالاجر بيعا وشراء ومقصوده من ايراد الحديث بيان جواز ذلك ولهذا بين في الباب طريق الجواز ثم ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم بما هو أحسن مما كانوا يسمون به أنفسهم وهو الاليق بكرم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسن معاملته مع الناس وانما كان اسم التجار أحسن) لان ذلك يطلق في العبادات قال الله تعالى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب اليم وفيه دليل على أن التاجر يندب له إلى أن يستكثر من الصدقة لما أشار صلوات الله عليه في قوله ان البيع يحضره اللغو والحلف معناه أنه قد يبالغ في وصف سلعته حتى يتكلم بما هو لغو وقد يجازف في الحلف لترويج سلعته فيندب إلى الصدقة ليمحو أثر ذلك ذلك كما قال الله تعالى ان الحسنات يذهبن السيئات وقال صلى الله عليه وسلم أتبع السيئة الحسنة تمحها وإذا دفع الرجل إلى سمسار ألف درهم وقال اشتر بها زطيا لى بأجر عشرة دراهم فهذا فاسد لانه استأجره لعمل مجهول فالشراء قد يتم بكلمة واحدة وقد لايتم بعشر كلمات ثم استأجره على عمل لا يقدر على اقامته بنفسه فان الشراء لايتم ما لم يساعده البائع على البيع وكذلك ان سمى له عدد الثياب أو استأجره لبيع طعام أو شراء طعام وجعل أجره على ذلك من النقود أو غيرها فهذا كله فاسد وكذلك لو شرط له على كل ثوب يشتريه درهما أو على كر من حنطة يبيعه درهما فهو فاسد لما بينا وان استأجره يوما إلى الليل بأجر معلوم ليبيع له أو ليشتري له فهذا جائز لان العقد يتناول منافعه هنا وهو معلوم ببيان المدة والاجير قادر على ايفاء المعقود عليه (ألا ترى) انه لو سلم إليه نفسه في جميع اليوم استوجب الاجر وان لم يتفق له بيع أو شراء بخلاف الاول فالمعقود عليه هناك البيع والشراء حتى لا يجب الاجر بتسليم النفس إذا لم يعمل به ثم فيما كان من ذلك فاسدا إذا اشترى وباع فله أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى له لانه استوفي المعقود عليه بحكم اجارة فاسدة وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله ان شاء أمره بالبيع والشراء ولم يشترط له أجرا فيكون وكيلا معينا له ثم يعوضه بعد الفراغ من العمل مثل الاجر وأبو حنيفة رحمه الله في هذا لا يخالفهما فان التعويض في هبة الاعيان مندوب إليه عند الكل فكذلك في هبة المنافع وقد أحسن إليه بالاعانة وانما جزاء الاحسان الاحسان وان قال بع المتاع ولك الدرهم أو اشتر لى هذا المتاع ولك الدرهم ففعل فله أجر مثله ولا يجاوز به ما سمى لانه استأجره للعمل الذى سماه بدرهم فان جواب الامر بحرف الواو كجواب الشرط بحرف الفاء ولو قال ان بعت هذا

[ 116 ] المتاع لى فلك درهم كان استئجارا فكذلك إذا قال بعه ولك درهم ثم قد استوفى المعقود عليه بحكم اجارة فاسدة فيلزمه أجر مثله والله أعلم بالصواب (باب الكفالة بالاجر) (قال رحمه الله ولا تجوز الكفالة والحوالة في جميع الاجارات بالاجرة في عاجلها وآجلها لان الاجرة وان لم تجب بنفس العقد فالسبب الموجب قد وجدوا لكفالة بعد وجود السبب صحيحة كالكفالة بالدرك وهذا لان المقصود به التوثق وكما يحتاج إلى التوثق فيما هو واجب فكذلك فيما هو يعرض الوجوب ثم الكفالة بدين سيجب صحيحة كالكفالة بما يدور له على فلان والرهن بالاجر صحيح لان موجب الرهن ثبوت يد الاستيفاء واستيفاء الاجر قبل الوجوب صحيح فالرهن به كذلك وإذا ثبت جواز الرهن به ثبت جواز الكفالة بطريق الاولى ثم يجب على الكفيل نحو ما على المكفول عنه ان لم يشترط خلافه في تعجيل أو تأخير لان الكفالة للضم فتنضم به ذمة الكفيل إلى ذمة الاصيل فيما هو ثابت فيه بصفقته ثم الكفيل يلتزم المطالبة التى هي على الاصيل ولهذا لا تصح الكفالة الا بمضمون يطالب به الاصيل وليس للكفيل أن يأخذ المستأجر بالاجر حتى يؤديه ولكنه ان ألزمه به صاحبه فله أن يلزم المكفول عنه حتى يفكه ويؤديه عنه لان ما استوجب الكفيل على الاصيل مؤخر إلى وقت أدائه فانه بالكفالة أقرض ذمته من الاصيل فيجب له مثل ما التزمه في ذمة الاصيل وبالاداء يصير مقرضا ماله منه حين أسقط دين الطالب عنه فيرجع عليه بمثله والحاصل أنه يعامل الاصيل بحسب ما يعامل ان طولب طالب وان لوزم لازم وان حبس حبس وان أدى رجع وان عجل الكفيل الاجر من عنده قبل الوقت الذي يتمكن صاحبه من مطالبة المستأجر لم يرجع به الكفيل على المستأجر حتى يجئ ذلك الوقت لان الكفيل متبرع للاداء قبل حلول الاجل وتبرعه لا يسقط حق الاصيل في الاجل الذي كان ثابتا له وكما أن الطالب لا يتمكن من الرجوع على الاصيل قبل حلول الاجل فكذلك الكفيل وان اختلفا في مقدار الاجر فالقول قول المستأجر مع يمينه لانه منكر للزيادة فان أقر الكفيل بفضل على ذلك لزمه من عنده ولم يرجع به عليه لان اقراره حجة عليه دون الاصيل وان أقاموا البينة فالبينة بينة الاجير لاثباته الزيادة وله الخيار في استيفاء ما أثبته بين أن يطالب به الكفيل أو

[ 117 ] الاصيل وان استأجر دارا بثوب بعينه وكفل به رجل فهو جائز لان تسليم العين مستحق على المستأجر بسبب العقد عند استيفاء العمل فانما التزم الكفيل تسليما مستحقا على الاصيل وهو مما تجري فيه النيابة والكفالة بمثله صحيحة عندنا بمنزلة الكفالة بالنفس فان استكمل السكنى وهلك الثوب عند صاحبه برئ الكفيل لان الكفيل التزم تسليم الثوب وقد برئ الاصيل عن تسليم الثوب بالهلاك فيبرأ الكفيل كما لو مات المكفول بنفسه بخلاف الكفالة بالعين المغصوبة فهناك الغاصب لا يبرأ عن تسليم الثوب بالهلاك ولهذا يلزمه قيمته والقيمة تقوم مقام العين وهنا المستأجر برئ عن تسليم الثوب حتى لا تلزمه قيمته ولكن انفسخ العقد بهلاك الثوب قبل التسليم فيلزمه أجر الدار لانه استوفى المنفعة بحكم عقد فاسد والكفيل ما التزم من أجر مثل الدار شيئا فلهذا برئ من الكفالة وان استأجر الدار بخدمة عبد شهرا وكفل رجل بالخدمة لم يجز لانه التزم مالا يقدر على ايفائه فخدمة عبد بعينه لا يمكن ايفاؤها من محل آخر وان كفل بنفس العبد فانه يؤخذ به لان تسليم نفس العبد بالعقد يستحق على المؤاجر وهو مما تجرى فيه النيابة فتصح الكفالة به ويطالب الكفيل بتسليمه فإذا مضى الشهر وأقر المكفول له انه كان حقه قبل خدمة الشهر الماضي برئ الكفيل من ذلك لان المطالبة بتسليم العبد تسقط عن الاصيل بمضي الشهر وفوات المعقود عليه فبرئ الكفيل وله أجر مثل الدار على المستأجر لان منفعة الدار بقيت مستوفاة وقد انفسخ العقد بفوات ما يقابلها قبل الاستيفاء فيجب رد المستوفى ورد المنفعة برد أجر المثل ولا شئ على الكفيل من ذلك وإذا استأجر محملا أو زاملة إلى مكة وكفل بها رجل بالحمولة فهو جائز لانه كفل بما هو مضمون في ذمة الاصيل وتجرى النيابة في ايفائه لان الحمولة إذا لم تكن معينة فالكفيل يقدر على ايفائه كما يقدر الاصيل فلهذا يؤخذ الكفيل بالحمولة كما يؤخذ المؤاجر فكذلك إذا استأجر منه ابلا بغير أعيانها يحمل عليها متاعا مسمى إلى بلد معلوم وكفل له رجل بالحمولة جاز للمعنى الذي ذكرنا ولو استأجر ابلا باعيانها وكفل رجل بالحمولة لم تجز الكفالة لان الكفيل لا يقدر على ايفاء المكفول به من مال نفسه فان غير ماعين لا يقوم مقام المعين في الايفاء فهو بمنزلة مالو كفل بمال بشرط أن يؤدى ذلك من مال نفسه الاصيل وذلك باطل ولو استأجر دارا ليسكنها أو أرضا ليزرعها أو رجلا ليخدمه وكفل له رجل بالوفاء بذلك كله فهو باطل لان الكفيل عاجز عن ايفاء ما التزم بماله ونفسه وبنفس الكفالة

[ 118 ] لا تثبت له الولاية على مال الاصيل ليوفى ما التزم منه وكل شئ أبطلنا فيه الكفالة من هذا فالاجارة جائزة نافذة إذا لم تكن الكفالة شرطا في الاجارة لانهما عقدان مختلفان ففساد أحدهما لا يوجب فساد الاخر وان كانت الكفالة شرطا في الاجارة فعقد الاجارة نظير البيع في انه يبطل بالشرط الفاسد وان عجل له الاجر وكفل له الكفيل فالاجر ان لم يوفه الخدمة والسكنى والزراعة فهذا جائز لانه كفل بدين مضاف إلى سبب وجوبه وان أسلم ثوبا إلى خياط ليخيطه له بأجر مسمى واخذ منه كفيلا بالخياطة فهو جائز لانه كفل بمضمون تجرى فيه النيابة فان المستحق على الخياط العمل في ذمته ان شاء أقامه بنفسه وان شاء أقامه بنائبه فتمكن الكفيل من ايفاء هذا العمل أيضا فلهذا كان لصاحب الثوب أن يطالب أيهما شاء فان خاطه الكفيل رجع على المكفول عنه بأجر مثل ذلك العمل بالغا ما بلغ لانه أوفى عنه ما التزم بأمره فيرجع عليه بمثله وبمثل الخياطة أجر المثل وان كان صاحب الثوب اشترط على الخياط أن يخيطه بيده فهذا شرط مفيد معتبر لتفاوت الناس في عمل الخياطة وإذا ثبت أن المستحق عليه اقامة العمل بيده لم تصح الكفالة له به لان الكفيل عاجز عن ايفائه بنفسه وبالكفالة لا تثبت له الولاية على يد الاصيل ليوفى ما التزمه بيده فلهذا يطلب الكفالة وكذلك سائر الاعمال والله أعلم (باب اجارة الظئر) (قال رحمه الله الاستئجار للظئورة جائز لقوله تعالى فان أرضعن لكم فاتوهن أجورهن والمراد بعد الطلاق وقال الله تعالى وان تعاسرتم فسترضع له أخرى يعنى باجر وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتعاملونه فأقرهم عليه وكانوا عليه في الجاهلية وقد استؤجر لارضاع رسول الله صلى الله عليه وسلم حليمة وبالناس إليه حاجة لان الصغار لايتربون الا بلبن الادمية والام قد تعجز عن الارضاع لمرض أو موت أو تأبى الارضاع فلا طريق إلى تحصيل المقصود سوى استئجار الظئر جوز ذلك للحاجة وزعم بعض المتأخرين رحمهم الله أن المعقود عليه المنفعة وهو القيام بخدمة الصبي وما يحتاج إليه وأما اللبن تبع فيه لان اللبن عين والعين لا تستحق بعقد الاجارة كلبن الانعام والاصح أن العقد يرد على اللبن لانه هو المقصود وما سوى ذلك من القيام بمصالحه تبع والمعقود عليه هو منفعة الثدى

[ 119 ] فمنفعة كل عضو على حسب ما يليق به وهكذا ذكر ابن سماعة عن محمد رحمهما الله فانه قال استحقاق لبن الادمية بعقد الاجارة دليل على أنه لا يجوز بيعه وجواز بيع لبن الانعام دليل على أنه لا يجوز استحقاقه بعقد الاجارة وقد ذكر في الكتاب انها لو ربت الصغير بلبن الانعام لا يستحق الاجر وقد قامت بمصالحه فلو كان اللبن تبعا ولم يكن الاجر بمقابلته لاستوجبت الاجر ثم بدأ الباب بحديث زيد بن على قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ترضع لكم الحمقاء فان اللبن يفسد وهو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فان اللبن في حكم جزء من عينها لانه يتولد منها فتؤثر فيه حماقتها ويظهر أثر في ذلك الرضيع لما للغذاء من الاثر ونظيره ماروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا ترضع لكم سيئة الخلق وإذا استأجر ظئرا ترضع صبيا له سنتين حتى تفطمه باجر معلوم فهو جائز لان استأجرها بعمل معلوم ببدل معلوم وطعامها وكسوتها على نفسها لانها شرطت عليهم الاجر المسمى بمقابلة عملها ففيما سوى ذلك حالها بعد العقد كما قبل العقد وترضعه في بيتها ان شاءت وليس عليها أن ترضعه في بيت أبيه لانها بالعقد التزمت فعل الارضاع وما التزمت المقام في بيتهم وهي تقدر على ايفاء ما التزمت في بيت نفسها فان اشترطت كسوتها كل سنة ثلاثة أثواب زطية واشترطت عند الفطام دراهم مسماة وقطيفة ومسحا وفراشا فذلك جائز استحسانا عند أبى حنيفة رحمه الله في هذا الموضع خاصة دون سائر الاجارات وفي قول أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله لا يجوز وهو القياس وكذلك ان اشترطت عليهم طعاما فهو على هذا الخلاف * وجه القياس ان هذا عقد اجارة فلا يصح الا باعلام الاجرة كما في سائر الاجارات والطعام مجهول الجنس والمقدار والصفة والكسوة كذلك وهذه الجهالة تمنع صحة التسمية كما في سائر الاجارات لانها تفضى إلى المنازعة فكذلك هنا وهذا قياس يشده الاثر وهو قوله صلى الله عليه وسلم من استأجر أجيرا فليعلمه أجره فان أقامت العمل فلها أجر مثلها لانها وفت المعقود عليه بحكم عقد فاسد الا أن يسموا لها ثيابا معلومة الجنس والطول والعرض والرقعة ويضربوا لذلك أجلا ويسموا لها كل يوم كيلا من الدقيق معلوما فحينئذ يجوز كما في سائر الاجارات والبيوع وأبو حنيفة رحمه الله استدل بقوله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف يعنى أجرا على الارضاع بعد الطلاق (ألا ترى) انه قال وعلى الوارث مثل ذلك وذلك أجر الرضاع لانفقة النكاح ولان الناس تعارفوا بهذا العقد بهذه الصفة وليس

[ 120 ] في عينه نص يبطله وفي النزوع عن هذه العادة حرج لانهم لا يعدون الظئر من أهل بيتهم فالظاهر أنهم يستنكفون عن تقدير طعامها وكسوتها كما يستنكفون عن تقدير طعام الزوجات وكسوتهن ثم انما لم يجوز هذا في سائر الاجارات لتمكن المنازعة في الثاني وذلك لا يوجد هنا لانهم لا يمنعون الظئر كفايتها من الطعام لان منفعة ذلك ترجع إلى ولدهم وربما يكفلونها أن تأكل فوق الشبع ليكثر لبنها وكذلك لا يمنعونها كفايتها من الكسوة لكون ولدهم في حجرها ثم أحد العوضين في هذا العقد يتوسع فيه مالا يتوسع في سائر العقود حتى أن اللبن الذي هو عين حقيقة يستحق بهذه الاجارة دون غيرها فكذلك يتوسع في العوض الآخر في هذا العقد مالايتوسع في غيره وإذا جاز العقد عنده كان لها الوسط من المتاع والثياب المسماة لانها لا تستحق ذلك بمطلق التسمية في عقد المعاوضة فينصرف إلى الوسط كما في الصداق إذا سمى لها عبدا أو ثوبا هرويا وهذا لان في تعيين الوسط نظرا من الجانبين ولو اشترطوا عليها أن ترضع الصبي في منزلهم فهو جائز كما في سائر الاجارات إذا شرط المستأجر على الاجير اقامة العمل في بيته وهذا لانهم ينتفعون بهذا الشرط فانها تتعاهد الصبي في بيتهم مالا تتعاهده في بيت نفسها وربما لا يحتمل قلبهما غيبة الولد عنهما والشرط المفيد في العقد معتبر فان كان لها زوج فاجرت نفسها للظئرة بغير اذنه فللزوج أن يبطل عقد الاجارة قيل هذا إذا كان الزوج مما يشينه أن تكون زوجته ظئرا فلدفع الضرر عن نفسه يكون له أن يفسخ العقد فاما إذا كان ممن لا يشينه ذلك لا يكون له أن يفسخ والاصح أن له ذلك في الوجهين لانها ان كانت ترضعه في بيت أبويه فللزوج أن يمنعها من الخروج من منزله وان كانت ترضعه في بيت نفسها فللزوج أن يمنعها من ادخال صبي الغير منزله ولانها في الارضاع والسهر بالليل تتعب نفسها وذلك ينقص من جمالها وجمالها حق الزوج فكان له أن يمنعها من الاضرار به في حقه كما يمنعها من التطوعات وهذا إذا كان زوجها معروفا فان كان مجهولا لا تعرف أنها امرأته الا بقولها فليس له أن ينقض الاجارة لان العقد قد لزمها وقولها غير مقبول في حق من استأجرها ولانه تتمكن تهمة المراضعة مع هذا الرجل بان يقر له بالنكاح ليفسخ الاجارة وهو نظير المنكوحة إذا كانت مجهولة الحال فاقرت بالرق على نفسها فانها لاتصدق في ابطال النكاح فان هلك الصبي بعد سنة فلها أجر ما مضى ولها مما اشترطت من الكسوة والدراهم عند الفطام بحساب ذلك لانها أوفت المعقود عليه في المدة الماضية فتقرر حقها فيما

[ 121 ] يقابل ذلك من البدل ثم تتحقق فوات المقصود فيما بقى فلا يجب ما يخصه من البدل ولو ضاع الصبي من يدها أو وقع فمات أو سرق من حلى الصبي أن من ثيابه شئ لم تضمن الظئر شيئا لانها بمنزلة الاجير الخاص فان العقد ورد على منافعها في المدة (ألا ترى) أنه ليس لها أن تشغل نفسها في المدة عن رضاع الصبي ولا أن تؤاجر نفسها من غيرهم لمثل ذلك العمل والاجير الخاص أمين فيما في يده بخلاف الاجير المشترك على قول من يضمنه وليس عليها من عمل أبوى الصبي شئ ان كلفوها عجنا أو طبخا أو خبزا لانها التزمت بالعقد الظؤرة وهذه الاعمال لا تتصل بالظؤرة فلا يلزمها الا أن تتطوع به فأما عمل الصبي وغسل ثيابه وما يصلحه مما يعالج به الصبيان من الدهن والريحان فهو على الظئر لان هذا من عمل الظؤرة وان كان الصبي يأكل الطعام فليس على الظئر أن تشترى له الطعام لانها التزمت تربيته بلبنها دون الطعام ولكن ذلك كله على أهله وعليها أن تهيأه له لان ذلك من عمل الظؤرة فقد جعل الدهن والريحان عليها بخلاف الطعام وهذا بناء على عادة أهل الكوفة والمرجع في ذلك إلى العرف في كل موضع وهو أصل كبير في الاجارة فان ما يكون من التوابع غير مشروط في العقد يعتبر فيه العرف في كل بلدة حتى قال في استئجار اللبان إن الزنبيل والملبن على صاحب اللبن بناء على عرفهم والسلك والابرة على الخياط باعتبار العرف والدقيق على صاحب الثوب دون الحائك فان كان عرف أهل البلدة بخلاف ذلك فهو على ما يتعارفون وحتى التراب على الحفار في القبر باعتبار العرف واخراج الخبز من التنور على الخباز وغرف المرقة في القصاع على الطباخ إذا استأجر لطبخ عرس وان استؤجر لطبخ قدر خاص فليس ذلك عليه لانعدام العرف فيه وادخال الحمل المنزل على الحمال إذا حمله على ظهره وليس عليه أن يصعد به على السطح أو الغرفة للعرف وإذا استأجر دابة ليحمل عليها حملا إلى منزله فانزال الحمل عن ظهر الدابة على المكارى وفي ادخاله المنزل يعتبر العرف والاكاف على صاحب الدابة وفي الجواليف والحبل يعتبر العرف وكذلك في السرج واللجام يعتبر العرف فهو الاصل أما التوابع التى لا تشترط عند العقد يعتبر العرف فيها وبه يفصل عند المنازعة وإذا أراد أهل الصبي أن يخرجوا الظئر قبل الاجل فليس لهم ذلك الا من عذر لان العقد لازم من الجانبين الا أن الاجارة تنفسخ بالعذر عندنا على ما نبينه في بابه ثم العذر لهم في ذلك أن لا يأخذ الصبي من لبنها فيفوت به ما هو المقصود ولاعذر أبين من ذلك وكذلك إذا تقايأ لبنها لان ذلك يضر بالصبي عادة

[ 122 ] فالحاجة إلى دفع الضرر عنه عذر في فسخ الاجارة وكذلك إذا حبلت لان لبنها يفسد بذلك ويضر بالصبي فإذا خافوا على الصبي من ذلك كان لهم عذر وكذلك ان كانت سارقة فانهم يخافون على متاعهم ان كانت في بيتهم وعلى متاع الصبي وحليته إذا كان معها وكذلك ان كانت فاجرة بينة فجورها فيخافون على أنفسهم فهذا عذر لانها تشتغل بالفجور وبسببه ينقص من قيامها بمصالح الصبي وربما تحمل من الفجور فيفسد ذلك لبنها وهذا بخلاف مااذا كانت كافرة لان كفرها في اعتقادها ولا يضر ذلك بالصبي ولا يبعد أن يقال عيب الفجور في هذا فوق عيب الكفر (ألا ترى) انه قد كان في بعض نساء الرسل كافرة كامرأة نوح ولوط عليهما السلام وما بغت امرأة نبي قي هكذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك إذا أرادوا سفرا فتأبى أن تخرج معهم فهذا عذر لانه لا يتعذر الخروج للسفر عند الحاجة لما عليهم من ذلك من الضرر ولاتجبر هي على الخروج معهم لانها ما التزمت تحمل ضرر السفر ولا يمكنهم ترك الصبي عندها لان غيبتهم عن الولد توحشهم فلدفع الضرر يكون لهم أن يفسخوا الاجارة وليس للظئر أن تخرج من عندهم الا من عذر وعذرها من مرض يصيبها لا تستطيع معه الرضاع لانها تتضرر بذلك وربما يصيبها إنضمام تعب الرضاع إلى المرض ولهم أن يخروجها إذا مرضت لانها تعجز بالمرض عما هو مقصودهم وهو الارضاع فربما يقل بسببه لبنها أو يفسد وكذلك ان لم يكن زوجها سلم الاجارة فله أن يخرجها لما بينا وكذلك ان لم تكن معروفة بالظئورة فلها أن تفسخ لانهار بما لا تعرف عند ابتداء العقد ما تبتلي به من المقاساة والسهر فإذا جربت ذلك تضررت ولانها تغيرت من هذا العمل على ما قيل تجوع الحرة ولا تأكل بسدييها وما كانت تعرف ما يلحقها من الذل إذا لم تكن معروفة بذلك فإذا عملت كان لها أن تفسخ العقد وان كان أهل الصبي يؤذونها بالسنتهم كفوا لان ذلك ظلم منهم والكف عن الظلم واجب وان ساؤا أخلاقهم معها كفوا عنها لان سوء الخلق مذموم فإذا لم يكفوا عنها كان لها أن تخرج لانها تتضرر بالصبر على الاذى وسوء الخلق ولو كان زوجها قد سلم الاجارة فارادوا منعه من عشيانها مخافة الحبل وأن يضر ذلك بالصبي فلهم أن يمنعوه ذلك في منزلهم لان المنزل لهم فلا يكون له أن يدخله الا باذنهم وان لقيها في منزله فله أن يغشاها لان ذلك مستحق له بالنكاح وبتسليم الاجارة لا يسقط حقه عما كان مستحقا له فلا تستطيع الظئر أن تمنع نفسها ولا يسع أهل الصبي أن يمنعوها عن ذلك ولا يسع الظئر أن تطعم أحدا من طعامهم بغير أمرهم

[ 123 ] لانها في ذلك كغيرها من الاجنبيات فان زارها أحد من ولدها فلهم أن يمنعوه من الكينوة عندها لان المنزل لهم ولهم أن يمنعوها من الزيارة إذا كانت تضر بالصبي دفعا للضرر عنه لانها قد التزمت ما يرجع إلى اصلاح الصبي ودفع الضرر عنه وما كان من ذلك لا يضر بالصبي فليس لهم منعها لانها حرمة مالكة أمر نفسها فيما وراء ما التزمت لهم ويجوز للامة التاجرة أن تؤاجر نفسها ظئرا كما أن لها أن تؤاجر نفسها لعمل آخر لان رأس مالها بتجارتها منافعها وكذلك المكاتبة وكذلك العبد التاجر أو المكاتب يؤاجر أمته ظئرا أو يستأجر ظئرا لصبي له لان الاجارة من عقود التجاراة ولان التدبير فيما يرجع إلى اصلاح كسبه إليه فكما يشتري لصبي له طعاما فكذلك يستأجر له الظئر لترضعه وكما يبيع أمته فكذلك له أن يؤاجرها فان رد في الرق بعد الاستئجار انتقضت الاجارة فان كان هو أجر أمته لم تنتقض الاجارة في قول أبى يوسف رحمه الله وقال محمد تنتقض وجه قول محمد رحمه الله ان المنافع بالاجارة استحقت على المكاتب وبعجزه بطل حقه وصار الحق في المنافع للمولى فتبطل الاجارة كما لو مات وهذا لان المكاتب صار بمنزلة الحر في ملك التصرف والكسب حتى يختص هو بالتصرف دون المولى فعجره يكون ناقلا الحق منه إلى المولى بمنزلة موت الحر وبهذا الطريق يبطل استئجاره وبه فارق العبد المأذون فان الكسب كان مملوكا للمولى وكان متمكنا من التصرف فيه فالحجر عليه لا يكون ناقلا الحق إلى مولاه (ألا ترى) أن استئجاره لا يبطل فكذلك اجارته وهذا بخلاف مااذا أعتق المكاتب لان بالعتق يتقرر حقه في ملك الكسب والتصرف * والدليل على الفرق أن المكاتب إذا استبرأ أمته ثم عتق فليس عليه استبراء جديد ولو عجز كان على المولى فيها استبراء جديد وان المكاتب لو اشترى قريب نفسه من والد أو ولد امتنع بيعه ولو اشترى قريب المولى لا يمتنع عليه بيعه وأنه يجوز دفع الزكاة إلى المكاتب وان كان مولاه غنيا فعرفنا أن الكسب له مادام مكاتبا فبالعجز ينتقل إلى مولاه والدليل عليه أنه لو مات عاجزا بطلت الاجارة فكذلك إذا عجز وأبو يوسف رحمه الله يقول بعجزه انقلب حق الملك حقيقة الملك فلا تبطل الاجارة كما إذا عتق * وتقريره أن الكسب دائر بين المكاتب والمولى لكل واحد منهما فيه حق الملك لا حقيقة الملك وهذا لو اشترى المكاتب امرأة مولاه أو امرأة نفسه لا يفسد النكاح ولو تزوج المولى أمة من كسب مكاتبه لم يجز كما لو تزوج المكاتب أمة من كسبه فعرفنا أن لكل واحد منهما حق الملك وجانب المولى في حقيقة الملك يترجح على جانب المكاتب لانه أهل لذلك

[ 124 ] والمكاتب ليس بأهل ولو أدى مكاتب المكاتب البدل كان الولاء لمولى الاولى ولو أعتق المولى من يكاتب على المكاتب من أقربائه نفذ عتقه فيه ولا ينفذ عتق المكاتب فعرفنا أن في حقيقة الملك يترجح جانب المولى ثم إذا تحقق الملك للمكاتب بالعتق لا تبطل الاجارة فإذا تحقق للمولى بالعجز أولى وهذا لانه لم يتبدل من استحق عليه المنفعة بعقد الاجارة بخلاف مااذا مات الحر وقد قبل الاستئجار على الخلاف أيضا والاصح ان أبا يوسف رحمه الله يفرق بينهما فيقول استئجار المكاتب كان لحاجته دون حاجة مولاه وقد سقطت حاجته بعجزه فاما إجار ته كانت لتحصيل الاجرة وفيه حق للمولى كما للمكاتب فبعجزه لا ينعدم مالا جله لزمت الاجارة ثم يسلم ان المكاتب منفرد بالتصرف لان المولى حجر على نفسه من التصرف في كسبه ولكن بطلان الاجارة باعتبار انتقال الملك دون تبدل المنصرف (ألا ترى) ان العبد المأذون المديون يتصرف في كسبه دون المولى ثم بالحجر وسقوط الدين يتبدل المتصرف ولا تبطل به الاجارة لانعدام انتقال الملك وكذلك لا يبطل الاستئجار هناك لانها وقعت لحاجة المولى فهو أحق بكسبه إذا قضى الدين من موضع آخر فيما يرجع إلى اصلاح ملكه يكون من حاجته والصحيح أنه إذا مات المكاتب عاجزا فالاجارة لا تنفسخ عند أبى يوسف رحمه الله كما لو عجز في حياته فأما فصل الا ستبراء فذلك ينبنى على ملك اليد والتصرف دون حقيقة الملك (ألا ترى) ان المبيعة إذا حاضت قبل القبض فليس للمشترى أن يجتزئ بتلك الحيضة ونحن نسلم أن ملك اليد والتصرف للمكاتب وكذلك امتناع البيع ينبنى على ملك اليد والتصرف للمكاتب فان المكاتب لما كان بملك الكتابة في كسبه يتكاتب عليه قريبه ولما كان لا يملك العتق في كسبه لا يعتق عليه قريبه فاما المولى لا يملك الكتابة في كسبه ولا العتق فلهذا لا يتكاتب قريب المولى إذا اشتراه المكاتب وكذلك حل الصدقة ينبنى على انعدام ملك اليد والتصرف (ألا ترى) أن ابن السبيل يحل له أخذ الصدقة والمولى وان كان غنيا فلا يدله في كسب المكاتب فهذا جاز صرف الزكاة إلى مكاتب الغنى فاما بطلان الاجارة ينبنى على انتقال ملك العين من المؤاجر إلى غيره كما قررنا فان مات أب الصبي الحر لم تنتقض اجارة الظئر لانها وقعت لحاجة الصبي والاب فيه كالنائب عنه ولهذا يؤدى الاجر من مال الصبي إذا كان له مال وأجر الظئر بعد موت الاب في ميراث الصبي لانه ماله ولو كان له في حياة أبيه مال كان للاب أن يؤدى أجر الظئر منه فكذلك يؤدى معنى ميراثه بعده ولو استأجورها أن

[ 125 ] ترضع صبيين لهم كل شهر بكذا فمات أحدهما رفع عنهم نصف الاجر لان جميع الاجر بمقابلة ارضاع الصبيين فيتوزع عليهما نصفين لان التفاوت يقل في عمل الارضاع أو ينعدم وقد بطل العقد في حق الميت منهما فلهذا يرفع عنهم نصف الاجر ولو استأجروا ظئرين يرضعان صبيا واحدا فذلك جائز ويتوزع الاجر بينهما على لبنهما فان كان لبنهما واحدا فالاجر بينهما نصفان وان كان متفاوتا فبحسب ذلك وبهذا تبين أن المعقود عليه اللبن وأن البدل بمقابلته فان ماتت احداهما بطل العقد في حقها لفوات المعقود عليه وللاخرى حصتها من الاجر ولايجوز بيع لبن بنى آدم على وجه من الوجوه عندنا ولا يضمن متلفه أيضا وقال الشافعي رحمه الله يجوز بيعه ويضمن متلفه لان هذا لبن طاهر أو مشروب طاهر كلبن الانعام ولانه غذاء للعالم فيجوز بيعه كسائر الاغذية وبهذا يتبين أنه مال متقوم فان المالية والتقوم بكون العين منتفعا به شرعا وعرفا والدليل عليه أنه عين يجوز استحقاقه بعقد الاجارة فيجوز بيعه ويكون مالا متقوما كالصبغ في عمل الصباغة والحبر في الوراقة والحرض والصابون في غسيل الثياب بل أولى لان العين للبيع أقبل منه للاجارة (وحجتنا) في ذلك أن لبن الآدمية ليس بمال متقوم فلا يجوز بيعه ولا يضمن متلفه كالبزاق والمخاط والعرق وبيان الوصف أن المال اسم لما هو مخلوق لاقامة مصالحنا به مما هو غيرنا فاما الادمى خلق مالكا للمال وبين كونه مالا وبين كونه مالكا للمال منافاة واليه أشار الله تعالى في قوله وهو الذي خلق لكم ما في الارض جميعا ثم لاجزاء الادمى من الحكم مالعينه (ألا ترى) أن شعر الآدمى لا ينتفع به اكراما للآدمي بخلاف سائر الحيوانات وأن غائط الآدمى يدفن وما ينفصل من سائر الحيوانات ينتفع به واللبن جزء متولد من عين الآدمى (ألا ترى) أن الحرمة تثبت باعتباره وهى حرمة الرضاع كما تثبت حرمة المصاهرة بالماء الذي هو أصل الآدمى والمتولد من الاصل يكون بصفة الاصل فإذا لم يكن الآدمى مالا في الاصل فكذلك ما يتولد منه من اللبن بمنزلة الولد (ألا ترى) أن ولد الاضحية يثبت فيه الحكم تبعا وأن لبن الاضحية إذا حلبت يتصدق به ولهذا روى عن أبى يوسف رحمه الله قال يجوز بيع لبن الامة دون لبن الحرة اعتبار اللبن بالولد ولكن هذا ليس بقوى لان جواز بيع الولد بصفة الرق فاما الآدمى بدون هذا الوصف لا يكون محلا للبيع ولارق في اللبن لان الرق فيما تحله الحياة فانه عبارة عن الضعف ولا حياة في اللبن والدليل عليه أن الصحابة رضوان الله عليهم في المغرور لم يوجبوا قيمة اللبن فلو كان اللبن مالا

[ 126 ] متقوما كان ذلك للمستحق وكان له القيمة للاتلاف في يد المغرور ولا يدخل على شئ مما ذكرنا المنافع فانها تقبل العقد من الحر لان المنافع لا تتولد من العين ولكنها أعراض تحدث في العين شيئا فشيئا فكانت غير الادمى ثم نحن نجعل اللبن كالمنفعة الا أن عندنا المنفعة لا تضمن بالاتلاف وتستحق بالاجارة دون البيع فكذلك لبن الادمى وبهذا تبين أن اللبن ليس بمال متقوم مقصود لانه عين والعين الذي هو مال مقصود لا يستحق بالاجارة كلبن الانعام بخلاف الصبغ فصاحب الثوب هناك لا يستحق بالاجارة عين الصبغ بل ما يحدث في الثوب من اللون وكذلك الخبز وكذلك الحرض والصابون المستحق لصاحب الثوب ازالة الدرن والوسخ عن الثوب حتى أن القصار باى شئ أزال ذلك استحق الاجر وهنا المستحق بالاجارة عين اللبن حتى لو ربت الصبي بلبن الانعام لا تستحق الاجر ولانسلم أن اللبن غذاء على الاطلاق وانما هو غذاء في تربية الصبيان لاجل الضرورة فهم لايتربون الا بلبن الجنس عادة كالميتة تكون غذاء عند الضرورة ولا يدل على أنها مال متقوم وهذا نظير النكاح فان البضع يتملك بالعقد للحاجة إلى اقتضاء الشهوة واقامة النسل ولا يحصل ذلك الا بالجنس ثم ذلك لا يدل على أنه مال متقوم مع أن الغذاء ما في الثدى من اللبن وذلك لا يحتمل البيع بالاتفاق فاما ما يحلب القوارير قل ما يحصل به غذاء الصبي وفي تجويز ذلك فساد لانه يؤجر به الصبيان فتثبت به حرمة الرضاع بينهم وبين من كان اللبن منها ولا يعلم ذلك فان قيل سائر اجزاء الادمى متقوم حتى يضمن باتلاف فكذلك هذا الجزء قلنا قد بينا أن الادمى في الاصل ليس بمال متقوم ولا نقول يضمن بالاتلاف اجزاء الادمى بل يجب الضمان بالنقصان المتمكن في الاصل حتى لو اندملت الجراحة بالبرء ونبتت السن بعد القلع لا يجب شئ لانه لا نقصان في الاصل فكذلك الاتلاف في اللبن لا يتمكن نقصان في الاصل ولهذا لا يجب الضمان فان قيل لاكذلك فالمستوفى بالوطئ في حكم جزء لم يضمن بالاتلاف عند الشبهة وان لم يتمكن نقصان في الاصل قلنا المستوفي بالوطئ في حكم النفس من وجه ولهذا لا يعجل البدل في اسقاط الواجب باتلافه واللبن ليس نظيره (ألا ترى) أنه لا يضمن بالاتلاف بعد البدل ومثله لا يضمن إذا لم يكن متقوما وقد بينا أنه ليس بمال متقوم ولا بأس بان يستعط الرجل بلبن المرأة ويشربه للدواء لانه موضع الحاجة والضرورة ولو أصاب ثوبا لم ينجسه لان الادمى طاهر في الاصل فما تولد منه يكون طاهرا الا ما قام الدليل الشرعي على نجاسته (ألا ترى) أن عرقه

[ 127 ] وبزاقه يكون طاهرا ولان المنفصل من اجزاء الحى انما يتنجس باعتبار الموت ولا حياة في اللبن ولايحله الموت ولان المستحيل من الغذاء إلى فساد ونتن رائحة يكون نجسا واللبن ليس بهذه الصفة فلهذا كان طاهرا وان أجرت الظئر نفسها من قوم آخرين ترضع لهم صبيا ولا يعلم أهلها الاولون بذلك فارضعت حتى فرغت فانها قد أثمت وهذه جناية منها لان منافعها صارت مستحقة للاولين فانها بمنزلة الاجير الخاص فصرف تلك المنافع إلى الاخرين يكون جناية منها ولها الاجر كاملا على الفريقين لانها حصلت مقصود الفريقين ولا تتصدق بشئ منه لان ما اخذت من كل فريق انما أخذته عوضا عن ملكها فان منافعها مملوكة لها ولا بأس بأن يستأجر المسلم الظئر الكافرة أو التى قد ولدت من الفجور لان خبث الكفر في اعتقادها دون لبنها والانبياء عليهم السلام والرسل صلوات الله عليهم فيهم من أرضع بلبن الكوافر وكذلك فجورها لا يؤثر في لبنها فان استأجرها ترضع صبيا له في بيتها فدفعته إلى خادمها فأرضعته حتى انقضى الاجل ولم ترضعه بنفسها فلها أجرها لانها التزمت فعل الارضاع فلا يتعين عليها مباشرته بنفسها فسواء أقامت بنفسها أو بخادمها فقد حصل مقصود أهل الصبي وكذلك لو أرضعته حولا ثم يبس لبنها فارضعت خادمها حولا آخر فلها الاجر كاملا وكذلك لو كانت ترضعه هي وخادمها فلها الاجر تاما ولا شئ لخادمها لان المنافع لاتتقوم الا بالتسمية ففيما زاد على المشروط لاتسمية في حقها ولا في حق خادمها ولو يبس لبنها فاستأجرت له ظئرا كان عليه الاجر المشروط ولها الاجر كاملا استحسانا وفي القياس لا أجر لها لانها بمنزلة أجير الخاص وليس للاجير الخاص أن يستأجر غيره لاقامة العمل وفي الاستحسان لها الاجر لان المقصود تربية الصبي بلبن الجنس وقد حصل ولان مدة الرضاع تطول فلما استأجروها مع علمهم انها قد تمرض أو يبس لبنها في بعض المدة فقد رضوا منها بالاستئجار لتحصيل مقصودهم وتتصدق بالفضل لان هذا ربح حصل لا على ضمانها ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وإذا استأجر امرأته على ارضاع ولده منها فلا أجر لها عندنا وقال الشافعي رحمه الله لها الاجر لانه استأجرها لعمل غير مستحق عليها بالنكاح حتى لا تطالب به ولاتجبر عليه إذا امتنعت فيصح الاستئجار كالخياطة وغيرها من الاعمال والنفقة مستحقة لها بالنكاح لا بمقابلة الارضاع بدليل انها وان أبت الارضاع كان لها النفقة فهو نظير نفقة الا رقاب لا تكون مانعة من صحة الاستئجار على الارضاع (وحجتنا) في ذلك قوله

[ 128 ] تعالى والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين معناه ليرضعن فهو أمر بصيغة الخبر والامر يفيد الوجوب فظاهره يقتضى أن يكون الارضاع واجبا عليها شرعا والاستئجار على مثل هذا العمل لا يجوز واليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله مثل الذين يغزون من أمتى ويأخذون الاجر كمثل أم موسى عليه السلام كانت ترضع ولدها وتأخذ الاجر من فرعون ثم قال الله تعالى وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف والمراد النفقة ففى هذا العطف إشارة إلى أن النفقة لها بمقابلة الارضاع وقد دل عليه قوله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك والمراد ما يكون بمقابلة الارضاع فإذا استوجب عوضا بمقابلة الارضاع لا يستوجب عوضا آخر بالشرط والمعنى فيه أن هذا العمل مستحق عليها دينا وان لم يكن مستحقا عليها دينا فانها تطالب به فتوى ولاتجبر عليه كرها والاستئجار على مثله لا يجوز كالاستئجار على كنس البيت والتقبيل واللمس وما أشبه ذلك وهذا لان بعقد النكاح يثبت الاتحاد بينهما فيما هو المقصود من النكاح والولد مقصود بالنكاح فكانت هي في الارضاع عاملة لنفسها معنى فلا تستوجب الاجر على الزوج بالشرط كما في التقبيل واللمس والمجامعة وهكذا نقول في سائر أعمال البيت من الطبخ والخبز والغسل وما يرجع منفعته اليهما فهو لا يستوجب عليه الاجر بالشرط وما يكون لتجارة الزوج فهو ليس بمستحق عليها دينا ولا يرجع منفعته إليها وكذلك لو استأجرها بعد الطلاق الرجعى لان النكاح باق بينهما ببقاء العدة فمعنى الاتحاد قائم فاما بعد انقضاء العدة الاستئجار صحيح لانها صارت أجنبية منه وارضاع الولد على الاب كنفقته بعد الفطام وكذلك في العدة من طلاق بائن لو استأجرها جاز عندنا وعند الحسن بن زياد رحمه الله لا يجوز لانها في نفقته فكانت هذه الحال كما قبل الطلاق ولكنا نقول معنى الاتحاد الذي كان بالنكاح قد زال بالطلاق البائن والارضاع بعد هذا لا يكون مستحقا عليها دينا بمنزلة سائر أعمال البيت فيجوز استئجارها عليه وذكر ابن رستم عن محمد رحمهما الله أنه كان للرضيع مال استاجرها في حال قيام النكاح بمال الرضيع يجوز لان نفقتها ليس في مال الرضيع فيجوز أن يستوجب الاجر في ماله بمقابلة الارضاع بالشرط بخلاف مال الزوج فان نفقتها عليه وهو انما التزم نفقتها لهذه الاعمال فلا تستوجب عليه عوضا آخر وكذلك إذا استأجر خادمها لذلك لان منفعة خادمها ملكها وبدلها كمنفعة نفسها وان استأجر مكاتبها كان لها الاجر لان المكاتبة كالحرة في منافعها ومكاسبها يوضحه أنه كما تجب على الزوج نفقتها تجب نفقة خادمها ولا تجب عليه نفقة مكاتبتها ولو

[ 129 ] استأجرها ترضع صبيا له من غيرها جاز وعليه الاجر لان هذا العمل غير مستحق عليها دينا حتى لا تؤمر به فتوى وهو ليس من مقاصد النكاح القائم بينهما بخلاف ولده منها ولو استأجر أمه أو ابنته أو اخته ترضع صبيا له كان جائزا وعليه الاجر وكذلك لكل ذات رحم محرم منه لان الارضاع غير مستحق على واحدة دينا حتى لا تؤمر به فتوى فيجوز استئجارها عليه فان استأجرها ثم أبت بعد ذلك وقد ألفها الصبي لا يأخذ الا منها فان كانت معروفة بذلك لم يكن لها أن تترك الاجارة الا من عذر وان كانت لا تعرف بذلك فلها أن تأبى وقد بينا هذا في الاجنبيات أنها إذا لم تعرف بذلك العمل فانما تأبى لدفع الضرر عن نفسها فيكون ذلك عذرا لها فكذلك في المحارم ولو استأجر ظئرا لترضع له صبيا في بيتها فجعلت تؤجر لبن الغنم وتغدوه بكل ما يصلحه حتى استكمل الحولين ولها لبن أو ليس لها لبن فلا أجر لها لان البدل بمقابلة الارضاع وهى لم ترضعه الا بما سقته لبن الغنم ولان مقصودهم عمل مصلح للصبي وما أنت به مفسد فالادمى لا يتربى تربية صالحة الا بلبن الجنس وان جحدت ذلك وقالت قد أرضعته فالقول قولها مع يمينها لان الظاهر شاهد لها فصلاح الولد دليل على أنها أرضعته لبن الادمية وان أقام أهل الصبي البينة على ما أدعوا فلا أجر لها لان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم وان أقاموا جميعا البينة أخذت بينتها لانها تثبت الاجر دينا في ذمة من استأجرها ويثبت ايفاء العمل المشروط والمثبت من البينتين يترجح على الباقي وإذا التقط الرجل لقيطا فاستأجر له ظئرا فهو جائز لانه هو الذي يقوم باصلاحه واستئجار الظئر من اصلاحه وعليه الاجر لانه التزمه بالعقد وهو متطوع في ذلك لانه لا ولاية له عليه في الزام الدين في ذمة اللقيط وكل يتيم ليس له أم لترضعه فعلى أوليائه كل ذي رحم محرم ان يستأجروا له ظئرا على قدر مواريثهم لان أجر الظئر كالنفقة بعد الفطام والنفقة عليهم بقدر الميراث كما قال الله تعالى وعلى الوارث مثل ذلك وفي قوله وليس له أم ترضعه إشارة إلى أن الارضاع عليها إذا كانت حية ولها لبن دون سائر الاقارب لانها مؤسرة في حكم الارضاع وسائر القرابات بمنزلة المعسر في ذلك فكان عليها دونهم بخلاف النفقة فان كان لاولى له فاجرة الظئر على بيت المال بمنزلة نفقته بعد الفطام والله أعلم (باب اجارة الدور والبيوت) (قال رحمه الله وإذا استأجر الرجل من الرجل دارا سنة بكذا ولم يسم الذي يريدها

[ 130 ] له فهو جائز) لان المقصود معلوم بالعرف فانما يستأجر الدار للسكنى ويبنى لذلك (ألا ترى) انها تسمى مسكنا والمعلوم بالعرف كالمشروط بالنص وله أن يسكنها ويسكنها من شاء لان السكنى لا تتفاوت فيها الناس ولان سكناه لا تكون الا بعياله وأولاده ومن يعلوهم من قريب أو أجنبي وكثرة المساكن في الدار لا تضر بها بل تزيد في عمارتها لان خراب المسكن بان لا يسكنه أحد وله أن يضع فيها مابدا له من الثياب والمتاع والحيوان لان سكناه لا تتم الا بذلك فان ذلك معلوم بالعرف ويعمل فيها مابدا له من الاعمال يعنى الوضوء وغسل الثياب وكسر الحطب ونحو ذلك لان سكناه لا تخلو عن هذه الاعمال عادة فهى من توابع السكنى والمعتاد منه لا يضر بالبناء ماخلا الرحا ان ينصب فيه أو الحداد أو القصار فان هذا يضر بالبناء فليس له أن يفعله الا برضاء صاحب البيت ويشترط عليه في الاجارة والمراد رحا الماء اورحا الثور فاما رحا اليد فلا يمنع من أن ينصبه فيه لان هذا لا يضر بالبناء وهو من توابع السكنى في العادة والحاصل أن كل عمل يفسد البناء أو يوهنه فذلك لا يصير مستحقا للمستأجر بمطلق العقد الا أن يشترطه ومالايفسد البناء فهو مستحق له بمطلق العقد لان السكنى التى لاتوهن البناء بمنزلة صفة السلامة في المبيع فيستحقه بمطلق العقد وما يوهن البناء بمنزلة صفة الجودة أو الكتبة أو الخبز في المبيع فلا يصير مستحقا الا بالشرط وعلى هذا كسر الحطب القدر المعتاد منه لا يوهن البناء فان زاد على ذلك وكان بحيث يوهن البناء فليس له أن يفعله الا برضاء صاحب الدار وان استأجرها للسكنى كل شهر بكذا فله أن يربط فيه دابته وبعيره وشاته وهذا إذا كان في الدار موضع معد لذلك وهو المربط فان لم يكن فليس له اتخاذ المربط في ديارنا لان المنازل ببخارى تضيق عن سكنى الناس فكيف تتسع لادخال الدواب فيها وانما هذا الجواب بناء على عرفهم في الكوفة لما في المنازل بها من السعة وله أن يسكنها من أحب لانه قد يأتيه ضيف فيسكن معه أياما وقد يحتاج إلى أن يسكنها صديقا له بأجر أو بغير أجر وقد بينا أن ذلك لا يضر بالبناء فلا يمنع منه فان أجرها باكثر مما استأجرها به تصدق بالفضل الا أن يكون أصلح منها بناء أو زاد فيها شيئا فحينئذ يطيب له الفضل وعلى قول الشافعي رحمه الله يطيب له الفضل على كل حال بناء على أصله أن المنافع كالاعيان الموجودة حكما فتصير مملوكة له بالعقد مسلمة إليه بتسليم الدار فكان بمنزلة من اشترى شيئا وقبضه ثم باعه وربح فيه فالربح يطيب له لانه ربح على ملك حلال له ولكنا نقول المنافع لم تدخل في ضمانه وان قبض الدار بدليل أنها

[ 131 ] لو انهدمت لم يلزمه الاجر فلهذا ربح حصل لا على ضمانه ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن ثم المنافع في حكم الاعتياض انما يأخذ حكم المالية والتقوم بالتسمية بدليل ان المستعير لا يؤاجر وهو مال للمنفعة فان المعير يقول له ملكتك منفعتها وجعلت لك منفعتها ولو أضاف الاعارة إلى ما بعد الموت يثبت ملك المنفعة للموصى له فكذلك إذا أوجبها له في حياته ومع ذلك لا يؤاجر لانه ليس بمقابلتها تسمية فكذلك هنا وفيما زاد على المسمى في العقد الاول لاتسمية بمقابلة المنفعة في قصده فلا يكون له أن يستفضل وبهذا تبين أنها ليست كالعين فان من يملك العين بالهبة يجوز له أخذ العوض بالبيع الا أن يكون زاد فيه شيئا فحينئذ يجعل الفضل بمقابلة تلك الزيادة فلا يظهر الفضل الخالى عن المقابلة وكذلك إذا أجره بجنس آخر لان الفضل عند اختلاف الجنس لا يظهر الا بالتقوم والعقد لاي وجوب ذلك فاما عند اتحاد الجنس يعود إليه ما غرم فيه بعينه ويتيقن بالفضل فعليه أن يتصدق به لانه حصل له بكسب خبيث بمنزلة المستعير إذا أجر فعليه أن يتصدق بالاجر وان كان استأجرها كل شهر فلكل واحد منهما أن ينقض الاجارة عند رأس الشهر لان كلمة كل متى أضيفت إلى مالا يعلم منتهاه تتناول الادنى فانما لزم العقد في شهر واحد فإذا تم كان لكل واحد منهما أن ينقض الاجارة فان سكنها من الشهر الثاني يوما أو يومين لم يكن لكل واحد منهما أن يترك الاجارة إلى تمام الشهر الا من عذر لان التراضي منهما بالعقد في الشهر الثاني يتم إذا سكنها يوما أو يومين فيلزم العقد فيه بتراضيهما كما لزم في الشهر الاول وفي ظاهر الرواية الخيار لكل واحد منهما في الليلة الاولى من الشهر الداخل ويومها لان ذلك رأس الشهر وبعض المتأخرين رحمهم يقول الخيار لكل واحد منهما حين يهل الهلال حتى إذا مضى ساعة فالعقد يلزمها وهذا هو القياس ولكنه فيه نوع حرج فلدفع الحرج قال الخيار لكل واحد منهما في اليوم الاول من الشهر وإذا استأجرها كل شهر بكذا ولم يسم أول الشهر فهو من الوقت الذي استأجرها عندنا وقال الشافعي رحمه الله لا يصح الاستئجار الا أن يتصل ابتداء المدة بالعقد ولا يتصل الا بالشرط لانه إذا أطلق ذكر الشهر فليس بعض الشهور لتعيينه للعقد باولى من بعض وجهالة المدة مفسدة لعقد الاجارة وهذا لانه نكر الشهر والشهر المتصل بالعقد معين فلا يتعين باسم النكرة (ألا ترى) انه لو قال لله على أن أصوم شهرا لا يتعين الشهر الذي يعقب نذره ما لم يعينه ولكنا نقول الاوقات كلها في حكم الاجارة سواء وفي مثله يتعين الزمان الذي يعقب السبب كما في الاجال

[ 132 ] والايمان إذا حلف لا يكلم فلانا شهرا وهذا لان التأخير عن السبب الموجب لا يكون الا بمؤخر والمؤخر ينعدم فيما تستوى فيه الاوقات بخلاف الصوم فانه يختص الشروع فيه ببعض الاوقات حتى أن الليل لا يصلح لذلك وكذلك يوم العيدين وأيام التشريق * يوضحه أن الشروع في الصوم لا يكون الا بعزيمة منه وربما لا يقترن ذلك بالسبب فأما دخول المنفعة في العقد لا يستدعى معنى من جهته سوي العقد فما يحدث بعد العقد يكون داخلا في العقد الا ان يمنع منه مانع ثم ان كان العقد في اليوم الاول من الشهر فله شهر بالهلال تم أو نقص وان كان ذلك اليوم في بعض الشهر فله ثلاثون يوما لان الاهلة أصل في الشهور قال الله تعالى يسألونك عن الاهلة والايام تدل على الاهلة واليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فان غم عليكم فاكملوا شعبان ثلاثين يوما وانما يصار إلى البدل إذا تعذر اعتبار الاصل فان كان استأجرها شهرا حين أهل الهلال فاعتبار الاصل هنا ممكن فكان له أن يسكنها إلى أن يهل الهلال من الشهر الداخل وإذا كان في بعض الشهر فقد تعذر اعتباره بالاهلة فيعتبر بالايام ثلاثين يوما وان استأجرها أكثر من شهر فالمذهب عندنا أنه إذا استأجرها مدة معلومة صح الاستئجار طالت أو قصرت وفي قول الشافعي رحمه الله لا يجوز الاستئجار أكثر من سنة واحدة وفي قول آخر يجوز إلى ثلاثين سنة ولايجوز أكثر من ذلك وفي قول آخر يجوز أبدا وجه قوله الاول أن جواز الاستئجار للحاجة والحاجة في بعض الاشياء لا تتم الا بسنة كما في الاراضي ونحوها وفيما وراء ذلك لا حاجة وعلى القول الثاني يقول العادة أن الانسان قل ما يسكن بالاجارة أكثر من ثلاثين سنة فانه يتخذ المسكن ملكا إذا كان قصده الزيادة على ذلك وعلى القول الآخر يقول المنافع كالاعيان القائمة فالعقد على العين يجوز من غير التوقيت فكذلك العقد على المنفعة * وحجتنا في ذلك أن اعلام المعقود عليه لابد منه والمنفعة لا تصير معلومة الا ببيان المدة فانها تحدث شيئا فشيئا فكانت المدة للمنفعة فالكيل والوزن فيما هو مقدر فكما لا يصير المقدار هناك معلوما الا بذكر الكيل والوزن لا يصير المقدار هنا معلوما الا بذكر المدة وبعد اعلام المدة العقد جائز قل المعقود عليه أو كثر وقد دل على جواز الاستئجار أكثر من سنة قوله تعالى على أن تأجرني ثمانى حجج فان أتممت عشرا فمن عندك ولان كل مدة تصلح أجلا للبيع فانها تصلح مشروطة في عقد الاجارة كالسنة وما دونها والمعنى فيه وهو أن الشرط الاعلام فيها على وجه لا يبقى بينهما منازعة فان استأجرها

[ 133 ] سنة مستقبلة وذلك حين يهل الهلال تعتبر سنة بالاهلة اثنى عشرا شهرا وان كان ذلك في بعض الشهر يعتبر سنة بالايام ثلثمائة وستين يوما في قول أبى حنيفة رحمه الله وهو رواية عن أبى يوسف رحمه الله وعند محمد يعتبر شهرا بالايام واحدى عشر شهرا بالاهلة وهو روايه عن ابي يوسف رحمه الله ووجه هذا القول أن الاهلة أصل والايام بدل ففى الشهر الواحد تقدر الاهلة وفي احدى عشر شهرا اعتبار ما هو أصل ممكن فلا معنى للمصير إلى البدل وجه قول أبى حنيفة رحمه الله أن ابتداء المدة معتبر بالايام بالاتفاق فكذلك جميع المدة لان ثبوت الكل بتسمية واحدة وهذا لانه ما لم يتم الشهر الاول لايدخل الشهر الثاني فإذا كان ابتداء الشهر الاول في بعض فتمامه في بعض الشهر الداخل أيضا وانما يدخل الشهر الثاني في بعض الشهر فيجب اعتباره بالايام وكذلك في كل شهر وقد ذكر في كتاب الطلاق في باب العدة أنها تعتبر بالايام فعلى قول أبى حنيفة واحدى الروايتين عن أبى يوسف رحمهما الله لا حاجة إلى الفرق وهو قول محمد وهو احدى الروايتين عن أبى يوسف رحمهما الله الفرق بين الاصلين أن الاجارة عقود متفرقة فإذا أهل الهلال يتجدد العقد عند ذلك فيجعل ذلك كأنهما جددا العقد في هذه الحالة فلهذا تعتبر أحد عشر شهرا بالهلال ولا يوجد مثل ذلك في العدة لان الكل في حكم شئ واحد فتعبر كلها بالايام ثم قال إذا استأجرها سنة أولها هذا اليوم وهو رابع عشرة مضيين من الشهر فانه يسكنها بقية هذا الشهر واحدى عشر شهرا بالاهلة وستة عشر يوما من الشهر الباقي وهذا غلط والصحيح ما ذكر في بعض الروايات استأجرها لاربع عشرة بقين من الشهر لانه إذا كان الماضي من الشهر الاول أربع عشرة فقد سكنها بعد العقد ستة عشرة يوما في ذلك الشهر فلا يسكنها في آخر المدة الا أربعة عشر يوما لتمام ثلاثين يوما وقد قال يسكنها ستة عشر يوما فعرفنا أن الصحيح لاربع عشرة بقين من الشهر وإذا استأجر بيتا في علو دار ومنزلا على ظلة على ظهر طريق فهو جائز لانه مسكن معد للانتفاع به من حيث السكنى ولو استأجر بيتا على أن يقعد فيه قصارا فاراد أن يقعد فيه حدادا فله ذلك ان كانت مضرتهما واحدة أو كانت مضرة الحداد أقل وان كانت أكثر مضرة لم يكن له ذلك وكذلك الرحالان التقييد إذا كان مفيدا يعتبر وان كان غير مفيد لا يعتبر والفائدة في حق صاحب الدار بأن مالا يوهن بناءه ولا يفسده فلا تكون مضرته مثل المشروط أو أقل منه فقد علمنا أنه لاضرر فيه على صاحب الدار والمنفعة صارت مملوكة للمستأجر وللانسان أن يتصرف في

[ 134 ] ملك نفسه على وجه لا يضر بغيره كيف شاء وان كان أكثر مضرة فهو يريد أن يلحق به ضررا لم يرض به صاحب الدار فيمنع من ذلك والمسلم والذمي والحربي المستأمن والحر والمملوك التاجر والمكاتب كلهم سواء في الاجارة لانها من عقود التجارة وهم في ذلك سواء وان استأجر الذمي دارا سنة بالكوفة بكذا درهما من مسلم فان اتخذ فيها مصلى لنفسه دون الجماعة لم يكن لرب الدار أن يمنعه من ذلك لانه استحق سكناها وهذا من توابع السكنى وان أراد أن يتخذ فيها مصلى للعامة ويضرب فيها بالناقوس فلرب الدار أن يمنعه من ذلك وليس ذلك من قبل أنه يملك الدار ولكن على سبيل النهى عن المنكر فانهم يمنعون من أحداث الكنائس في أمصار المسلمين فلكل مسلم أن يمنعه من ذلك كما يمنعه رب الدار وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم لاخصاء في الاسلام ولا كنيسة والمراد نفي احداث الكنائس في أمصار المسلمين وفي الخصاء تأويلان (أحدهما) خصاء بنى آدم فذلك منهى عنه وهو من جملة ما يأمر به الشيطان قال الله تعالى ولا آمرنهم فلا يغيرن خلق الله والامتناع من صحبة النساء على قصد التبتل والترهب والحاصل أنهم لا يمنعون من السكنى في امصار المسلمين فيجوز بيع الدور واجارتها منهم للسكنى الا أن يكثروا على وجه نقل بسببه جماعات المسلمين فيحنئذ يؤمرون بأن يسكنوا ناحية من المصر غير الموضع الذي يسكنه المسلمون على وجه يأمنون اللصوص ولا يظهر الخلل في جماعات المسلمين ويمنعون من أحداث البيع والكنائس في أمصار المسلمين فإذا أراد أن يتخذ مصلى العامه فهذا منه احداث الكنيسة وكذلك يمنعون من اظهار بيع الخمور في أمصار المسلمين لان ذلك يرجع إلى الاستخفاف بالمسلمين وما أعطيناهم الذمة على أن يظهروا ذلك فكان الاظهرا فسقا منهم في التعاطى فلكل مسلم أن يمنعهم من ذلك صاحب الدار وغيره فيه سواء وكذلك يمنعون من اظهار شرط الخمر وضرب المعازف والخروج سكارى في أمصار المسلمين لما فيه من الاستخفاف بالمسلمين أيضا ولو كان هذا في دار بالسواد أو بالجبل كان للمستأجر أن يصنع فيها ما شاء وكان أبو القاسم الصفار رحمه الله يقول هذا الجواب في سواد الكوفة فان عامة من يسكونها من اليهود والروافض لعنهم الله فأما في ديارنا يمنعون من احداث ذلك في السواد كما يمنعون في المصر لان عامة من يسكن القرى في ديارنا مسلمون وفيها الجماعة والدرس ومجلس الوعظ كما في الامصار فاما وجه ظاهر الرواية أن الامصار موضع إعلام الدين نحو اقامة الجماعات واقامة الحدود وتنفيذ الاحكام في احداث البيع في الامصار معنى المقابلة

[ 135 ] للمسليمن فاما القرى فليست بمواضع اعلام الدين فلا يمنعون من احداث ذلك في القرى (قال) رضى الله عنه والقول الاول عندي أصح فان المنع من ذلك في الامصار لا يفتتن به بعض جهال المسلمين (ألا ترى) أنهم إذا لم يظهروا لم يمنعوا من أن يضعوا من ذلك بينهم ما شاؤا وخوف الفتنة في اظهار ذلك في القرى أكثر فان الجهل على أهل القرى أغلب واليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله أهل القبور هم أهل الكفور والدليل على أن المعنى ما قلنا قوله صلى الله عليه وسلم انا برئ من كل مسلم مع مشرك لانراء ناراهما وقوله صلى الله عليه وسلم لاتستضؤا بنار المشركين ولو كان المستأجر مسلما فظهر منه فسق في الدار أو دعارة أو كان يجمع فيها على الشرب منعه رب الدار من ذلك كله لا لملكه الدار بل على سبيل النهى عن المنكر فانه فرض على كل مسلم صاحب الدار وغيره فيه سواء وليس لرب الدار أن يخرجه من الدار من أجل ذلك مسلما كان أو ذميا لان عقد الاجارة لازم لا يفسخ الا بعذر والعذر ضرر يزول بفسخ الاجارة وهذا ليس من تلك الجملة فلا تفسخ الاجارة لاجله أرأيت لو كان باعه الدار كان يفسخ البيع لما ظهر منه لاسبيل له إلى ذلك فكذلك الاجارة وإذا سقط حائط من الدار فاراد المستأجر ترك الاجارة نظر في ذلك فان كان لا يضر بالسكنى فليس له أن يخرج لان المستحق بالعقد منفعة السكنى ولم يتغير بما حدث فهو كما لو استأجر عبدا للخدمة فاعور العبد وذلك لا بنقص من خدمته وان كان يضر ذلك بالسكنى فله أن يخرج لتمكن الخلل في مقصوده والعيب الحادث في المعقود عليه للسكنى بمنزلة العبد المستأجر للخدمة إذا مرض وهذا لما تقدم أن يقبض الدار لا تدخل المنفعة في ضمان المستأجر فحدوث المغير بعد قبض الدار وقبله سواء الا أن ينتبه صاحب الدار قبل فسخ المستأجر العقد فحينئذ لا يكون للمستأجر أن يفسخ لزوال العيب وارتفاع المغير كالعبد إذا برأ وانما يكون له حق الفسخ بحضرة رب الدار فان كان غائبا فليس له أن يفسخ لان هذا بمنزلة الرد بالعيب فلا يكون الا بمحضر من الاجر لما فيه من الزام حكم الرد الاخر فيستوى في ذلك ما قبل القبض ومابعده كما في رد المبيع بالعيب ولو خرج في حال غيبة رب الدار فالاجر واجب عليه كما لو سكن لان العقد حق وهو متمكن من استيفاء المنفعة مع التغير فلزمه الاجر وكذلك ان سكن مع حضرة رب الدار لان التغير في وصف المعقود عليه فإذا رضي به لا يحط شئ من الاجر كالمشترى إذا رضى بالعيب وان سقطت الدار كلها فله أن يخرج شاهدا كان صاحب الدار أو غائبا وفيه

[ 136 ] طريقان لمشايخنا رحمهم الله (أحدهما أن العقد انفسخ بسقوط جميع البناء لفوات المعقود عليه وهو منفعة السكنى فانه بالبناء كان مسكننا بخلاف الاول فهناك دخل المعقود عليه تغير (ألا ترى) أن استئجار الحراب للسكنى لا يجوز ابتداء فكذلك لا يبقى العقد وإذا انفسخ العقد سقط الاجر سواء كان رب الدار شاهدا أو غائبا لان اشتراط حضوره للفسخ قصد الا للانفساخ حكما (وطريق) آخر وهو الاصح أن العقد لا ينفسخ بالانهدام وقد نص عليه كتاب الصلح (قال) ولو صالح على سكنى دار فانهدمت الدار لا يبطل الصلح وروى هشام عن محمد رحمهما الله قال لو استأجر بيتا فانهدم فبناه المؤاجر وأراد المستأجر أن يسكنه في بقية المدة فليس للمؤجر منعه من ذلك فهذا دليل على أن العقد لم ينفسخ ولان أصل الموضع مسكن بعد انهدام البناء يتأتى فيه السكنى بنصب الفسطاط والخيمة فيبقى العقد لهذا ولكن لا أجر على المستأجر لانعدام تمكنه من الانتفاع على الوجه الذي قصده بالاستئجار فان التمكن من الانتفاع شرط لوجوب الاجر (ألا ترى) أنه لو منعه غاصب من السكنى لا يجب عليه الاجر فكذلك إذا انهدم البناء بخلاف مااذا سقط حائط منها فالتمكن من الانتفاع هناك على الوجه الذي قصده بالعقد قائم فيلزمه الاجر ما لم يفسخ العقد بمحضر من رب الدار وإذا أستأجر دارا سنة فلم يسلمها إليه حتى مضى الشهر وقد طلب التسليم أو لم يطلب ثم تحاكما لم يكن للمستأجر أن يمتنع من القبض في باقي السنة عندنا ولا للمؤاجر أن يمنعه من ذلك وقال الشافعي رحمه الله للمستأجر حق فسخ العقد فيما بقي وهو بناء على الاصل الذي بينا أن عنده المنافع في حكم الاعيان القائمة فإذا فات بعض ما تناوله العقد قبل القبض يجبر فيما بقى لاتحاد الصفقة فانها إذا تفرقت عليه قبل القبض تخير فيما بقى لاتحاد الصفقة فانها تفرقت عليه قبل التمام وذلك مثبت حق الفسخ كما لو اشترى شيئين فهلك أحدهما قبل القبض * يوضحه أن الانسان قد يستأجر دارا وحانوتا سنة ومقصوده من ذلك شهرا واحدا كالحاج بمكة في أيام الموسم فإذا منعه في المدة التى كانت مقصودة له لو قلنا يلزمه التسليم بعد ذلك تضرر به فلدفع الضرر أثبتنا له حق الفسخ وعندنا عقد الاجارة في حكم عقود متفرقة حتى يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة على مابينا فلا يتمكن تفرق الصفقة مع تفرق العقود وفوات المعقود عليه في عقد لا يؤثر في عقد آخر بخلاف البيع * يوضحه أن لو استأجر دارين وقبضهما فانهدمت احداهما لا يتخير في الاخر والمنافع بقبض الدار لم تدخل في ضمانه فقد تفرقت الصفقة عليه قبل التمام لان تمام الصفقة

[ 137 ] بدخول المعقود عليه في ضمانه ومع ذلك لا يثبت له حق الفسخ فكذلك إذا كان الانهدام قبل القبض وان سلمها إليه الا بيتا كان مشغولا بمتاع المؤاجر رفع منه من الاجر بحساب ذلك لان الاجر انما يجب باستيفاء المنفعة فانما يلزم بقدر ما استوفى وكذلك لو سلمها إليه كلها ثم انتزع منها بيتا لانه زال تمكنه من استيفاء منفعة السكنى في البيت حين انتزع منه فكأنه لم يسلمه إليه في الابتداء (ألا ترى) أنه لو انتزع الكل منه لم يجب عليه الاجر فالجزء معتبر بالكل ولو غصب الدار من المستأجر الاجنبي سقط عنه الاجر في مدة الغصب لزوال تمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه ويجوز استئجار الدار بالموصوف من المكيل والموزون شرط له أجلا أو لم يشترطه وهذا لان الاجرة بمنزلة الثمن في البيع فان الاجارة نوع بيع فما يصلح بدلا في البيع يصلح في الاجارة والمكيل والموزون يصلح بدلا في البيع موصوفا حالا كان أو مؤجلا والثياب لا تصلح موصوفة الا مؤجله والحيوان لا يصلح الا أن يكون معينا فكذلك في الاجارة وهذا على الطريق الذي يقول المنفعة مال وان كان دون العين ظاهر لان الحيوان لا يثبت دينا في الذمة بدلا عوضا عما هو مال وعلى الطريق الذي يقول ليس بمال فالحيوان انما يثبت في الذمة بدلا عما ليس بمال في العقود المبينة على التوسع في البدل وهو ما لم يشرع في الاصل لتحصيل المال فأما الاجارة مبينة على الاستقصاء في البدل مشروعة لتحصيل المال كالبيع والحيوان بغير عينه يكون مجهول مقدار المالية فلهذا لا يثبت في الاجارة وان استأجر دارا بعبد بعينه فاعتقه رب الدار قبل أن يتقابضا لم يجز عتقه لما بينا أن الاجرة إذا كانت عينا لا تملك بنفس العقد وعتق الانسان فيما لا يملك باطل فان كان المستأجر دفع إليه العبد ولم يقبض الدار حتى أعتقه رب الدار فعتقه جائز لان الاجرة تملك بالتعجيل فان قبض الدار وتمت السكنى فلا شي ء عليه وان انفسخ العقد باستحقاق الدار أو موت أحدهما أو غرق الدار أو انعدم التمكن من الانتفاع بالهدم فعلى المعتق قيمة العبد لان العقد لما انفسخ وجب عليه رد العبد وقد تعذر رد العبد لنفوذ العتق فيه فيلزمه قيمته وهذا لان عتقه لا يبطل بما حدث لان المستأجر سلط عليه وملكه اياه بالسليم إليه حال قيام العقد فنفذ عتقه والعتق بعد ما نفذ لا يمكن نقضه ولو لم يقبض العبد حتى سكن الدار شهرا ثم أعتقا جميعا العبد وهو في يد المستأجر فانه يجوز عتق رب الدار بقدر أجر الشهر ويجوز عتق المستأجر فيما بقى منه لان رب الدار ملك منه حصة ما استوفى المستأجر من المنفعة فكان العبد مشتركا

[ 138 ] بينهما فإذا أعتقاه عتق وتنتقض الاجارة فيما بقى لان جوازها باعتبار مالية العبد وقد فات بالعقد فهو كما لو مات العبد قبل التسليم الا أن في الموت على المستأجر أجر مثل الدار بقدر ما سكن لان العقد انتقض بهلاك المعقود عليه قبل التسليم فبقيت المنفعة في تلك المدة مستوفاة بعقد فاسد فعليه رد بدلها وهو أجر المثل وفيما أعتقاه لا يلزمه ذلك لان رب الدار صار قابضا لما يخص المستوفى من المنفعة من العبد ولو استكمل السكنى ثم مات العبد قبل أن يدفعه إليه أو استحق كان عليه أجر مثلها لانه استوفي المنفعة بحكم عقد فاسد ولو كان المستأجر دفع العبد ولم يسكن الدار حتى أعتقه فعتقه باطل لان العبد خرج من ملكه بالتسليم إلى رب الدار فانما أعتق مالا يملكه ولو استأجر دارا سنة فسكنها ثم استحقت فالاجر للمؤاجر دون المستحق عندنا لانه تبين انه كان غاصبا وقد بينا في كتاب الغصب أن الغاصب إذا أجر المغصوب فالاجر له لانه وجب بعقده وهو الذي ضمن تسليم المعقود وعليه أن يتصدق به لانه حصل له بكسب خبيث وفي قياس قول أبى يوسف الاول لا يتصدق لانه كان يقول العقار يضمن بالغصب ومن مذهبه أن من استربح على ضمانه لا يلزمه التصدق به كما في المودع إذا تصرف في الوديعة ولو انهدمت من السكنى ضمن الساكن لانه متلف والعقار يضمن بالاتلاف ويرجع به على المؤاجر لانه مغرور من جهته بعقد معاوضة وقد كان ضمن سلامة المعقود عليه عن عيب الاستحقاق فإذا لم يسلم رجع كما يغرم بسببه ولو أجر داره من رجل فامى سنة بدراهم معلومة ثم استقرض رجل من رب الدار شهرين فأمر الفامى أن يعطيه ذلك فكان الرجل يشترى به من الفامى الدقيق والزيت وغيره حتى استوفى أجر الشهرين فهو جائز لان رب الدار اقامه مقام نفسه وهو بنفسه لو عامل الفامى بذلك يجوز وليس للفامى على المستقرض شئ لانه قائم مقام رب الدار فتسليمه إليه كتسليمه إلى رب الدار ولكنه قرض لرب الدار على المستقرض بمنزلة مالو قبض بنفسه ثم أقرضه منه وكذلك لو أخذ دينارا فيما أخذ وقد بينا اختلافهم في المصارفة في الاجر مع رب البيت فكذلك مع من قام مقامه وهو المستقرض ولو كان للفامى على الرجل دينار أو أجر البيت عشرة دراهم في كل شهر فمضي شهران ثم أمر رب الدار الفامى أن يدفع أجر الشهرين إلى المستقرض وقاصه بالدينار الذي له عليه وأخذ بالفضل شيئا فهو جائز بمنزلة مالو فعله رب البيت فان أجر الشهرين قد وجب والمقاصة بالدينار بعد وجوبها تجوز بالتراضي وليس هذا

[ 139 ] تصرف فيما بين رب البيت والمستقرض ولكنه صرف فيما بين المستقرض والفامى حتى يرجع رب البيت على المستقرض بالدراهم بمنزلة مالو كان اشترى به من الفامى شيئا ولو كان رب البيت أقرض الدراهم على أن يرد عليه دينارا بعشرة دراهم لم يجز لان القرض مضمون بالمثل وشرط شئ آخر مكانه باطل وان أحاله على هذا الوجه بالدراهم فقاصه بالدينار فانما للمقرض على المستقرض عشرون درهما لان ما جرى بينهما من الشرط كان صرفا بالنسيئة وهو باطل ولو كان أقرضه أجر الشهرين قبل أن يسكن شيئا وأمره أن يعجله وطابت نفس الفامى بذلك وأعطاه به دقيقا أو زيتا أو دينار بعشرة دراهم منها ثم مات رب البيت قبل السكنى أو انهدم البيت أو استحق لم يرجع الفامى على المستقرض بشئ لما بينا أنه قائم مقام رب البيت فيما قبضه منه ولكنه يرجع على رب البيت بالدراهم ورب البيت على المستقرض بالدراهم وقال أبو يوسف رحمه الله أخيرا في حصة البيت هكذا فاما في حصة الدينار فانه يرجع بالدينار بعينه على الذي كان عليه الاصل لان المصارفة كانت قبل وجوب الاجر وقد بطلت بالافتراق قبل التقابض فيرجع عليه بالدينار كما كان في ذمته فان قيل كيف يستقيم هذا وقد وجب الاجر على الفامى بشرط التعجيل فانه قال وأمره أن يعجله قلنا شرط التعجيل انما يعتبر إذا كان مذكورا في العقد وقوله وأمره أن يعجله على سبيل الالتماس لا على سبيل الشرط (ألا ترى) أنه كان قال وطابت نفس الفامى بذلك ولايجوز استئجار السكنى بالسكنى والخدمة بالخدمة ويجوز استئجار السكنى بالخدمة والركوب عندنا وقال الشافعي رحمه الله يجوز على كل حال اتفقت جنس المنفعة أو اختلفت بناء على أصله أن المنافع كالاعيان القائمة ومبادلة العين بالعين من جنسه أو من خلاف جنسه صحيح عند المساواة على كل حال وعند التفاوت في غير الاموال الربوية والمنافع ليست بمال الربا فيجوز مبادلة بعضها بالبعض وان جاز الاعتياض عن كل واحد منهما بالدراهم جاز معاوضة على كل واحد منهما بالاخر كما إذا اختلف جنس المنفعة ولنا فيه طريقان (أحدهما) منقول عن محمد رحمه الله قال مبادلة السكنى بالسكنى كبيع القوهى بالقوهى نسأ ومعنى هذا أن المعقود عليه ما يحدث من المنفعة وذلك غير موجود في الحال فإذا اتحد الجنس كان هذا مبادلة الشئ بجنسه يحرم نسيئة وبالجنس يحرم النسأ عندنا بخلاف مااذا اختلف الجنس فان قيل النسأ ما يكون عن شرط في العقد والاجل عنا غير مشروط كيف والمنافع في حكم الاعيان دون الديون لانها لو كانت في حكم الدين لم يجز مع اختلاف الجنس فالدين بالدين حرام وان اختلف الجنس

[ 140 ] قلنا لما كان المعقود عليه مما يحدث في المدة لا يتصور حدوثه جملة بل يكون شيئا فشيئا فهذا بمنزلة اشتراط الاجل أو أبلغ منه فان المطالبة بالتسليم تتأخر بالاجل فكذلك المطالبة بتسليم جميع المعقود عليه لا تثبت في الحال بل تتأخر إلى حدوث المنفعة وهذا أبلغ من ذلك لان بالاجل لا يتأخر انعقاد العقد وهنا يتأخر انعقاد العقد في حق المعقود عليه ولكن ليس بدين على الحقيقة لان الدين ما يثبت في الذمة والمنافع لا تثبت في الذمة والمحرم الدين بالدين فلكون المنفعة ليست بدين جوزنا العقد عند اختلاف الجنس وللجنسية أفسدنا العقد عند اتفاق الجنس والطريق الاخر ان جواز عقد الاجارة للحاجة فانما يجوز على وجه ترتفع به الحاجة وفي مبادلة المنفعة بجنسها لا يتحقق ذلك لانه كان متمكنا من السكنى قبل العقد ولا يحصل له بالعقد الا ماكان متمكنا منه باعتبار ملكه فاما عند اختلاف جنس المنفعة الحاجة متحققة وبالعقد يحصل له ما لم يكن حاصلا قبله فصاحب السكنى قد تكون حاجته إلى خدمة العبد أو ركوب الدابة ثم ان عند اتحاد الجنس إذا استوفى أحدهما المنفعة فعليه أجر المثل في ظاهر الرواية وذكر الكرخي عن أبى يوسف رحمهما الله انه لا شئ عليه لان تقوم المنفعة بالتسمية والمسمى بمقابلة المستوفى من المنفعة والمنفعة ليست بمال متقوم في نفسها وجه ظاهر الرواية أنه استوفي المنفعة بحكم عقد فاسد فعليه أجر المثل كما لو استأجر دارا ولم يسم الاجر وسكنها وهذا لان الفاسد من العقد معتبر بالجائز فكما أن المنفعة تتقوم بالعقد الجائز فكذلك بالعقد الفاسد وإذا أجر داره من رجل شهرا بثوب بعينه فسكنها لم يكن له أن يبيع الثوب من المستأجر ولامن غيره قبل القبض لان الاجرة إذا كانت ثوبا بعينه فهو كالمبيع وبيع المبيع قبل القبض لا يجوز من البائع ولا من غيره قال (ألا ترى) انه لو هلك كان على المستأجر أجر مثلها وهذا إشارة إلى بقاء الغرر والمكيل في الملك المطلق للتصرف وكذلك كل شئ بعينه من العروض والحيوان أو الموزون وتبر الذهب والفضة وفي هذا إشارة إلى ان التبر يتعين بالتعيين وقد بينا اختلاف الروايات في كتاب الشركة وان كان الاجر شيئا من المكيل والموزون بغير عينه موصوفا كان له أن يبيعه من المستأجر قبل أن يقبضه منه لان المكيل والموزون يثبت في الذمة ثمنا والاستبدال بالثمن قبل القبض جائز فكذلك بالاجر فان ابتاع به منه شيئا بعينه جاز ان قبضه في المجلس أو لم يقبضه لانهما افترقا عن عين بدين وان ابتاع منه شيئا بغير عينه فلا يفارقه حتى يقبض منه فان فارقه قبل أنى قبضه التقض البيع لانهما افترقا عن دين بدين وهو الحكم

[ 141 ] في ثمن البيع وليس له أن يبيعه من غيره فان بيع الدين من غير من عليه الدين لا يجوز إلا على قول مالك رحمه الله وهو يقول كما يجوز بيعه ممن عليه فكذلك من غيره ولكنا نقول إذا باعه منه يصير قابضا له بذمته وإذا باعه من غيره فهو لا يقدر على تسليمه ما لم يستوف ولا يدري متى يستوفى فانما يبيع مالا يقدر على تسليمه وقد شرط للتسليم أجلا مجهولا وهو إلى أن يخرج وذلك مبطل للبيع ولو استأجر بيتا بثوب فاجره بدراهم أكثر من قيمة الثوب طاب له الفضل لان عند اختلاف الجنس لا يظهر الفضل الا بالتقويم والعقد لا يوجب ذلك وكذلك كل ما اختلف الجنس فيه حتى لو استأجره بعشرة دراهم وأجره بدينارين طاب له الفضل أيضا لانه لا يظهر الفضل بين الدنانير والدراهم الا بالتقويم (ألا ترى) أن مبادلة عشرة دراهم بدينارين تجوز في عقد واحد ولا يظهر بينهما الفضل الخالى عن المقابلة ففى عقدين أولى وإذا كان أجر الدار عشرة دراهم أو قفيز حنطة موصوفة وأشهد المؤاجر أنه قبض من المستأجر عشرة دراهم أو قفيز حنطة ثم ادعي أن الدراهم نبهرجة وان الطعام معيب فالقول قوله لانه منكر استيفاء حقه فان ما في الذمة يعرف بالصفة ويختلف باختلاف الصفة ولا مناقضة في كلامه فاسم الدراهم يتناول النبهرجة واسم الحنطة يتناول المعيب وان كان حين أشهد قال قد قبضت من أجر الدار عشرة دراهم أو قفيز حنطة لم يصدق بعد ذلك على ادعاء العيب والزيف وكذلك لو قال استوفيت أجر الدار ثم قال وجدته زيوفا لم يصدق بينة ولاغيرها لانه قد سبق من الاقرار بقبض الجياد فان أجر الدار من الجياد فيكون هو مناقضا في قوله وجدته زيوفا والمناقض لاقول له ولاتقبل بينته ولو كان الاجر ثوبا بعينه فقبضه ثم جاء يرده بعيب فقال المستأجر ليس هذا ثوبي فالقول قول المستأجر لانهما تصادقا على أنه قبض المعقود عليه فانه كان شيئا بعينه ثم ادعي الآخر لنفسه حق الرد والمستأجر منكر لذلك فالقول قوله فان أقام رب الدار البينة على العيب رده سواء كان العيب يسيرا أو فاحشا على قياس المبيع ثم ينفسخ العقد برده لفوات القبض المستحق بالعقد فيأخذ منه قيمة السكنى وهو أجر مثل الدار لان العقد لما فسد لزمه رد المستوفى من السكنى ورد السكن برد أجر المثل وان كان حدث به عيب لم يستطع رده رجع بحصة العيب من أجر مثل الدار لان الرجوع بحصة العيب عند تعذر الرد يكون من البدل كما في البيع وإذا خرج المستأجر من الدار وفيها تراب ورماد من كناسة فعلى المستأجر اخراجه لانه اجتمع بفعله وهو الذي شغل ملك الغير به فعليه تفريغه إذا خرج من

[ 142 ] الدار ولكن ما أشبه ذلك مما هو ظاهر على وجه الارض فاما البالوعة وما أشبهها فليس على المستأجر تنظيفها استحسانا وفي القياس هذا كالاول لانه اجتمع بفعل المستأجر وللاستحسان وجهان (أحدهما) العرف فان الناس لم يتعارفوا تكليف المستأجر تنظيف البالوعة إذا خرج من المنزل وقد بينا ان العرف معتبر في الاجارة (والثاني) ان البالوعة مطوية فتحتاج للتنظيف إلى الحفر وذلك تصرف من المستأجر فيما لا يملكه فلا يلزمه ذلك فاما ماكان ظاهرا فهو لا يحتاج في التفريغ إلى نقض بناء وحفر فعليه اخراج ذلك وان اختلفا في التراب الظاهر فالقول قول المستأجر انه استأجرها وهو فيها لان رب الدار يدعى لنفسه حقا قبله وهو تفريغ ذلك الموضع ويدعى احداث شغل ملكه والمستأجر منكر فالقول قوله فاما مسيل ماء الحمام ظاهرا كان أو مسقفا فعلى المستأجر كنسه إذا امتلا هو المتعارف بين الناس ولانه ظاهر على وجه الارض وانما يسقف لكيلا يتأذى الناس برائحته ولانه لايملا ليترك بل ليفرغ إذا امتلا وكان التفريغ على من ملاه بخلاف البالوعة فقضاء الحاجة في بئر البالوعة لا يكون لقصد النقل والتفريغ بل يترك ذلك عادة فلهذا لا يجب على المستأجر ولو اشترط رب الدار على المستأجر حين أجره اخراج ما أحدثه فيها من تراب أو سرجين كان جائزا لان ذلك عليه بدون الشرط فالشرط لا يزيده الا وكادة وإذا استأجر فامى من رجل بيتا فباع فيه زمانا ثم خرج منه واختلفا فيما فيه من الاواني والرفوف والتحاتح التى قد بنى عليه البناء فقال المستأجر أنا أحدثتها وقال رب البيت كانت فيه حين أجرته فالقول قول المستأجر لان الظاهر شاهد له فهو الذي يتخذ ذلك عادة لحاجته إليه فرب البيت مستغن عن ذلك فانه يبنى البيت ليؤاجره ممن يستأجره منه ثم كل عامل يتخذ فيه ما يكون من أداة عمله وعند المنازعة القول قول من يشهد له الظاهر ولان هذه الاشياء موضوعة في البيت وفي الموضع القول قول المستأجر كسائر الامتعة وكذلك الطحان إذا خرج من البيت فأراد أن يأخذ من متاع الرحا وما تحتها من بنائها وخشبها التى فيها واسطواناتها فذلك كله للطحان لانه من أداء عمله وكذلك القصاب والقلاء والحداد وما أشبه من الاوعية والاداة التى تكون للصناع ولو استأجر أرضا ليطبخ فيها الاجر والفخار ثم اختلفا في الاتون التى يطبخ فيها الاجر ففى القياس القول قول رب الارض لانه بناء كسائر الابنية وفي البناء القول قول رب الارض لانه تبع لارضه وفي الاستحسان القول قول المستأجر قال لانى رأيت المستأجر هو الذي يبنى وانما يبنى الحكم على ما يعرف عند المنازعة

[ 143 ] ثم هذا البناء لحاجة المستأجر ليس لحاجة رب الارض بخلاف سائر الابنية (ألا ترى) ان كل عامل من هذا الجنس يبنى الاتون على الوجه الذي يتخذه أهل صنعته ولو اختلفا في بناء سوى ما ذكرنا أو في باب أو خشبة أدخلت السقف فالقول قول رب الدار أنه أجرها وهى كذلك وكذلك الآجر المفروش والغلق والميزاب فالظاهر أن رب الدار هو الذي يتخذ ذلك لان الساكن به يتمكن من السكنى في الدار وعلى رب الدار تمكين المستأجر من الانتفاع فهو الذي يحدث ما به ليتم تمكنه من الانتفاع به وما كان في الدار من لبن موضوع أو آجر أو جص أو جذع أو باب موضوع فهو للمستأجر لانه بمنزلة المتاع الموضوع غير مركب في البناء ولاهو تبع للارض والبناء فان أقاما البينة ففى كل شئ جعلنا القول فيه قول المستأجر فالبينة بينة رب الدار لانها مثبتة لحقه ولو كان في الدار بئر ماء مطوية أو بالوعة محفورة فقال المستأجر أنا أحدثتها وأنا أقلعها فالقول قول رب الدار لان هذا من توابع البناء ومما لا يتأتى بدون السكنى ولانه يحتاج في قلعها إلى نقض البناء والمستأجر لا يملك ذلك الا بحجة وهى البينة وكذلك الخص والسترة والخشب المبنى في البناء والدرج فالمراد من الدرج ما يكون مبنيا منه فاما ما يكون موضوعا فيه كالسلم فالقول قول المستأجر لانه لا يحتاج في رفعه إلى قلع البناء وهو موضوع كالامتعة (قال) وكذلك التنور وكذلك الاتون التى يطبخ فيها الاجر ان القول قول المستأجر وفي التنور القول قول رب الدار ولافرق بينهما الا بالعرف ثم التنور من توابع البناء في الدار فيحتاج إليه كل ساكن فاما الاتون فانما يحتاج إليه من يطبخ الآجر دون من يعمل في الارض عملا آخر فالظاهر هناك أن المستأجر هو الذي بناه والظاهر هنا ان رب الدار هو الذي يبنى التنور ولو كان في الدار كوارت نحل أو حمامات فذلك كله للمستأجر كالمتاع الموضوع ولو أقر رب الدار ان المستأجر خصصها أو فرشها بالاجر أو ركب فيها بابا أو غلقا كان للمستأجر أن يقلع من ذلك مالا يضر قلعه بالدار لانه عين ملكه فاما ما يضر بها فليس له أن يقلعه دفعا للضرر عن رب الدار (ألا ترى) ان رب الدار لو فعل ذلك غصبا لم يكن لمالك ذلك العين أن يقلعه فإذا فعله المالك أولى ولكن قيمة ذلك على رب الدار يوم يختصمون لان ذلك العين احتبس عنده فيغرم قيمته كما لو انصبغ ثوب إنسان بصبغ الغير فاراد صاحب الثوب أن يأخذه وانما اعتبر قيمته عند الخصومة لانه عند ذلك تملكه على صاحبه ولو انهدم بيت من الدار فاختلفا في نقضه فان كان يعرف انه من بيت انهدم فهو لرب الدار لانهما لو اختلفا قبل الانهدام كان القول

[ 144 ] قول رب الدار فكذلك بعده وان لم يعرف ذلك وقال المستأجر هو لى فالقول فيه قوله لانه موضوع كسائر الامتعة ولو كان رب الدار أمره بالبناء في الدار على أن يحبسه له من الاجر فاتفقا على البناء واختلف في مقدار النفقة فالقول قول رب الدار والبينة بينة المستأجر لان حاصل اختلافهما فيما صار المستأجر موفيا من الاجر فهو يدعي الزيادة فالبينة بينته ورب الدار ينكرها فالقول قوله وكذلك لو قال رب الدار لم تبن أو بنيت بغير اذنى لان المستأجر يدعى عليه الامر وبه يصير موفيا الاجر عند البناء فالقول قول رب الدار لانكاره ولو كان على باب منها مصراعان فسقط احدهما وقال المستأجر هما لى أو قال هذا الساقط لى ويعرف أنه أخ المغلق فالقول قول رب الدار لان الظاهر شاهد له أما في المغلق غير مشكل والساقط إذا كان أخ المغلق فهما كشئ واحد في معنى الانتفاع حتى لا ينتفع بأحدهما دون الآخر والبينة بينة المستأجر لانه هو المحتاج إلى اقامتها وكذلك لو كان فيها بيت مصور بجذوع مصورة فسقط جذع منها فكان في البيت مطروحا فقال رب الدار هو من سقف هذا البيت وقال المستأجر بل هو لى ويعرف أن تصاويره موافق لتصاوير البيت فالقول في ذلك قول رب الدار لشهادة الظاهر له وهو نظيره مالو اختلفا الزوجان في متاع البيت فما يصلح للرجال يجعل القول قول الزوج وما يصلح للنساء فهو للمرأة لشهادة الظاهر لها ثم موافقة التصاوير وكون موضع ذلك الجذع من السقف ظاهرا دليل فوق اليد وإذا جعل القول قول ذى اليد لشهادة الظاهر له فهذا أولى وعمارة الدار وتطينها واصلاح الميزاب وما وهي من بنائها على رب الدار لان به يتمكن المستأجر من سكنى الدار وكذلك كل سترة يضر تركها بالسكنى لان المستأجر بمطلق العقد استحق المعقود عليه بصفة السلامة فان أبى أن يفعل فللمستأجر أن يخرج منها لوجود العيب المعقود عليه الا أن يكون استأجرها وهى كذلك وقد رآها فحينئذ هو راضى بالعيب فلا يردها لاجله واصلاح بئر الماء والبالوعة والمخرج على رب الدار وان كان امتلا من فعل المستأجر لما بينا أنه يحتاج في ذلك إلى هدم البناء ولكن لا يجبر رب الدار على ذلك ولا المستأجر وان شاء المستأجر أن يصلح ذلك فعل ولا يحتسب له من الاجر وان شاء خرج إذا أبى رب الدار أن يفعله لان الانسان لا يجبر على اصلاح ملكه ولكن العيب في عقود المعاوضات يثبت للعاقد حق الفسخ فيما يعتمد لزومه تمام الرضاء ولو استأجر من رجل نصف أرض غير مقصود أو نصف عبد أو نصف دابة فالعقد فاسد عند أبى حنيفة رحمه الله

[ 145 ] والشيوع فيما يحتمل القسمة ومالايحتمل القسمة سواء عنده في افساد الاجارة وعند أبى يوسف ومحمد والشافعي رحمهم الله جائز ويتهايآن فيه وحجتهم في ذلك أن هذا معاوضة مال بمال فتلزم في المشاع كالبيع وهذا لان موجب الاجارة ملك المنفعة وللجزء الشائع منفعة (ألا ترى) انه لو أجر من شريكه يجوز العقد لهذا المعنى ولو أجر من رجلين تجوز العقود وكل واحد من المستأجرين يملك منفعة النصف شائعا والدليل عليه أنه لو أعار نصف داره من انسان جاز ذلك وتأثير الشيوع في المنع من عقد التبرع أكثر منه في المنع من المعاوضة كما في الهبة مع البيع فإذا جاز تمليك منفعة نصف الدار بطريق التبرع فبطريق المعاوضة أولى وأبو حنيفة رحمه الله يقول التزم بعقد المعاوضة تسليم مالا يقدر على تسليمه فلا يجوز كما لو باع الآبق أو أجره * وبيان ذلك أن عقد الاجارة يرد على المنفعة وتسليم المنفعة يكون باستيفاء المستأجر ولا يتحقق استيفاء المنفعة من النصف شائعا انما يتحقق من جزء معين فانهما ان تهايأ على المكان فانما يسكن كل واحد منهما ناحية بعينها وان تهايأ على الزمان فانما يسكن كل واحد منهما جميع الدار في بعض المدة فعرفنا أن استيفاء المنفعة في الجزء الشائع لا يتحقق فكان بأضافة العقد إلى جزء شائع ملتزما تسليم مالا يقدر على تسليمه ويحكى عن أبى طاهر الدباس رحمه الله انه كان يقول إذا أجر أحد الشريكين نصيبه من أجنبي يصح عند أبى حنيفة رحمه الله وإذا أجر المالك نصف أرضه لا يصح وكان يفرق فيقول يحتاجان إلى المهايأة فاما أن يعود إلى يد الاجير جميع المستأجر في بعض المدة فإذا تهايأ على الزمان أو بعض المستأجر في جميع المدة إذا تهايأ على المكان وعود المستأجر إلى يد الاجير يمنع استيفاء المنفعة بحكم الاجارة كما لو اعاره المستأجر من الاجير أو أجره منه فاستحقاق ذلك بسبب يقترن بالعقد يبطل الاجارة فاما إذا أجر أحدهما نصيبه من أجنبي فالمهايأة تكون بين المستأجر والشريك فلا يعود المستأجر إلى يد الاجير وانما يعود إلى يد اجنبي وذلك جائز في الاجارة كما لو أعاره المستأجر أو أجره من أجنبي والاصح أنه لافرق بينهما عنده والعقد فاسد لما بينا ولان استيفاء المعقود عليه لا يتأدى الا بالمهايأة والمهايأة عقد آخر ليس من حقوق عقد الاجارة فبدونه لا تثبت القدرة على قبض المقعود عليه وذلك مانع من جواز العقد فان استوفى المنفعة مع الفساد استوجب أجر المثل لانه استوفى المعقود عليه بحكم عقد فاسد وهذا لان العجز عن التسليم يفسد العقد ولا يمنع انعقاده كما في بيع الآبق فإذا استوفى فقد تحقق الاستيفاء بعد انعقاد

[ 146 ] العقد وهذا بخلاف البيع لان التسليم هناك بالتخلية يتم وذلك في الجزء الشائع يتم فأما إذا أجره من شريكه فقد روى عن أبى حنيفة رحمه الله انه لا يجوز ذلك وجعله كالرهن في هذه الرواية لان استفياء المنفعة التى يناولها العقد لا يتأتى الا بغيرها وهو منفعة نصيبه وذلك مفسد لعقد الاجارة كمن استأجر أحد زوجي المقراض لمنفعة قرض الثياب لا يجوز لان استيفاء المعقود عليه مما يتناوله العقد لا يمكن الا بما لم يتناوله العقد وفي ظاهر الرواية يجوز لان استيفاء المعقود عليه على الوجه الذي استحقه بالعقد يتأتى هنا فانه يسكن جميع الدار فيصير مستوفيا منفعة نصيبه بملكه ومنفعة المستأجر بحكم الاجارة بخلاف مااذا أجره من غير شريكه فهناك بتعذر الاستيفاء على الوجه الذي أوجبه العقد وهو نظير بيع الآبق ممن هو في يده يجوز بكون التسليم مقدورا عليه بيده ومن غير من في يده لا يجوز لعجزه عن التسليم وهذا بخلاف الرهن فبالشيوع هناك ينعدم المعقود عليه لان المعقود عليه هو الحبس المستدام ولاتصور لذلك في الشائع وفي هذا الشريك والاجنبي سواء فاما هنا بالشيوع لا ينعدم المعقود عليه وهو المنفعة انما ينعدم التسليم وذلك لا يوجد في حق الشريك وبه فارق الهبة أيضا فالشيوع فيما يحتمل القسمة يمنع تمام القبض الذي به يقع الملك والهبة من الشريك ومن غيره في ذلك سواء وأما إذا أجر من رجلين فتسليم المعقود عليه كما أوجبه العقد مقدور عليه للمؤاجر ثم المهايأة بعد ذلك تكون بين المستأجرين بحكم ملكيهما وهو نظير الراهن من رجلين فهو جائز لوجود المعقود عليه باعتبار ما أوجبه الراهن لهما فان مات أحد المستأجرين حتى بطل العقد في نصيبه فقد ذكر الطحاوي عن خالد بن صبيح عن أبى حنيفة رحمهم الله أنه يفسد العقد في النصف الآخر لان الاجارة يتجدد انعقادها بحسب ما يحدث من المنفعة فكان هذا في معنى شيوع تقترن بالعقد وفي ظاهر الرواية يبقى العقد في حق الآخر لان تجدد الانعقاد في حق المعقود عليه فاما أصل العقد منعقد لازم في الحال وباعتبار هذا المعنى الشيوع طارئ والطارئ من الشيوع ليس نظير المقارن كما في الهبة إذا وهب له جميع الدار وسلمها ثم رجع في نصفها وهذا بخلاف الاعارة لانه لا يتحقق بها استحقاق التسليم والمؤثر العجز عن التسليم فانما يؤثر في العقد الذي يتعلق به استحقاق التسليم رجل تكارى دارا من رجل على أن جعل أجرها أن يكسوه ثلاثة أثواب فهذا فاسد لان المسمى مجهول الجنس والصفة والثياب بمطلق التسمية لا تصلح عوضا في البيع فلا تصلح أجرة وعليه أجر مثلها فيما سكن لانه استوفى المنفعة بحكم عقد فاسد

[ 147 ] ولو تكارى منزلا كل شهر بدرهم فخلى بيته وبين المنزل ولم يفتح له الباب فجاء رأس الشهر وطلب الاجر فقال المستأجر لم يفتحه ولم أنزله فان كان يقدر على فتحه فالكراء واجب عليه لتمكنه من استيفاء المعقود فانه في الامتناع بعد التمكن قاصد إلى الاضرار بالاخير فيرد عليه قصده وان كان لا يقدر على فتحه فلا أجر له عليه لانه ما تمكن من الاستيفاء وعلى المؤاجر أن يمكنه من استيفاء المعقود فلا يستوجب الاجر بدونه إذا لم يستوف ولو تكارى منزلا في دار وفي الدار سكان فخلي بينه وبين المنزل فلما جاء رأس الشهر طلب الاجر فقال ما سكنته حال بينى وبين المنزل فيه فلان الساكن والساكن مقر بذلك أو جاحد فانه بحكم الحال فان كان المستأجر فيه في الحال فالاجر عليه وان كان الغاصب فيه فلا أجر عليه والقول فيه قوله لان الاختلاف وقع بينهما فيما مضى والحال معلوم فيرد المجهول إلى المعلوم ويحكم فيه الحال كالمستأجر مع رب الرحا إذا اختلفا في انقطاع الماء في المدة بحكم الحال فيه وان لم يكن في المنزل ساكن في الحال فالمستأجر ضامن الاجر لانه متمكن من استيفاء المنفعة في الحال فذلك دليل على أنه كان متمكنا فيما مضى فيلزمه الاجر والمانع لا يثبت بمجرد قوله من غير حجة ولو تكارى بيتا ولم يسم ما يعمل فيه فهو جائز لان المعقود عليه معلوم بالعرف وهو السكنى في البيت وذلك لا يتفاوت فلا حاجة إلى تسميته وليس له أن يعمل فيه القصارة ونظائرها لان ذلك يضر بالبناء وقد بينا أنه لا يستحقه بمطلق العقد فان عملها فانهدم البيت فهو ضامن لما انهدم من عمله لانه متلف متعدى ولا أجر عليه فيما ضمن لان الاجر والضمان لا يجتمعان فانه يتملك المضمون بالضمان مستندا إلى وقت وجوب الضمان فلا يجب عليه الاجر فيما استوفى من منفعة ملك نفسه وان سلم فعليه الاجر استحسانا وفي القياس لا أجر عليه لانه غاصب فيما صنع ولهذا كان ضامنا ولا أجر على الغاصب في المنفعة * وجه الاستحسان أنه استوفى المعقود عليه وزيادة وانما كان ضامنا باعتبار تلك الزيادة فإذا سلم سقط اعتبار تلك الزيادة حكما فيلزمه الاجر باستيفاء المعقود عليه وإذا انهدم فقد وجب اعتبار تلك الزيادة لايجاب الضمان عليه فلهذا لا يلزمه الاجر وان قال المستأجر استأجرته منك لاعمل فيه القصارة وقال رب البيت أكريتك لغير ذلك فالقول قول رب البيت لانه هو الموجب ولو أنكر الايجاب والاذن أصلا كان القول قوله إذا أقر بشئ دون شئ ولان المستأجر يدعى زيادة فيما استحقه بالعقد فعليه أن يثبت ذلك بالبينة ورب الدار منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وان سكنه وأسكن

[ 148 ] فيه معه غيره فانهدم من سكنى غيره لم يضمن لانه غير متعدى فيما صنع وكثرة الساكنين في الدار لاتوهن البناء ولكنها تزيد في عمارة الدار وإذا طلب رب البيت أجر ما سكن فقال الساكن أسكنتنيه بغير أجر فالقول قوله والبينة بينة رب الدار لانه يدعى الاجر في ذمة الساكن فعليه اثباته بالبينة والساكن منكر لذلك فالقول قوله مع يمينه وهذا بخلاف العين إذا قال بعته منك وقال الآخر وهبته لى وقد هلك في يده لان العين متقوم في نفسه ولا تسقط قيمته الا بالايجاب بطريق التبرع ولم يوجد فاما المنفعة لاتتقوم الا بشرط البدل ولم يثبت ذلك وان قال الساكن الدار لى أو قال هي دار فلان وكلنى بالقيام عليها فالقول قول الساكن لان اليد له والبينة بينة الطالب لانه يثبت ملكه والساكن خصم له لظهورها في يده فلا تندفع الخصومة عنه بمجرد قوله هي دار فلان ولان الطالب يدعى عليه فعلا وهو استيفاؤها منه بحكم الاجارة وان قال الساكن وهبتها لى لم يصدق على الهبة لانه أقر بالملك له وادعى تمليكها عليه ولا أجر عليه لانه في حق الآخر منكر والبينة بينته ان أقامها لانه يثبت سبب الملك لنفسه هنا وهو الهبة فان أقر باصل الكراء وادعى الهبة فدعواه باطل والكراء لازم لاقراره له بالسبب الموجب له الا أن يقيم البينة على ما ادعى من الهبة رجل تكارى من رجلين منزلا بعشرة دراهم كل سنة فخرج الرجل منه وعمد أهله فاكروا من المنزل بيتا وأنزلوا انسانا بغير أجر فانهدم المنزل الذي سكنوه فلا ضمان على الآخر لان أكثر ما فيه انه غاصب والعقار لا يضمن بالغصب ولاضمان على المستأجر الثاني الا أن ينهدم من عمله فحينئذ يكون متلفا وإذا انهدم من عمله وضمنه رجع به على الذي أجره لانه صار مغرورا من جهته بعقد ضمان باشره رجل تكارى منزلا كل شهر بدرهم ثم طلق امرأته وذهب من المصرف فلاكراء على المرأة لانها لم تستأجر ولم تلتزم شيئا من الاجر والكراء على الزوج لتمكنه من الاستيفاء بمن اقامه مقام نفسه في السكنى في المنزل ولا تخرج من المنزل حتى يهل الهلال لان ا لعقد في الشهر الواحد لزم بهذا اللفظ فلا ينفرد أحدهما بالفسخ فان تكارى على أن ينزله وحده لا ينزله غيره وتزوج امرأة أو امرأتين فله ان ينزلها معه وليس الشرط بشئ لانه غير مفيد فكل ماكان السكان في الدار أكثر كان ذلك أعمر لها وان حفر المستأجر في الدار بئرا للماء أو الوضوء فعطب فيها انسان أو دابة فان حفر باذن رب الدار فلا ضمان عليه وان حفر بغير اذنه فهو ضامن لان المسبب انما يضمن إذا كان متعديا في السبب وهو في الحفر بغير اذنه متعدى فاما في الحفر باذنه لا يكون

[ 149 ] متعديا ولكن يجعل فعله كفعل رب الدار وان تكارى دارا كل شهر بعشرة على أن يعمرها ويعطى أجر حارسها ونوابها فهذا فاسد لان ما يعمر به الدار على رب الدار والثانية كذلك عليه فهى الجباية بمنزلة الخراج فهى مجهولة فقد شرط لنفسه شيئا مجهولا مع العشرة وضمن المجهول إلى المعلوم يجعل الكل مجهولا فاما أجر الحارس فهو على الساكن لانه هو المنتفع بعمله وإذا سكن الدار فعليه أجر مثلها بالغا ما بلغ لانه استوفى المنفعة بعقد فاسد ورب الدار ما رضي بالمسمى حين ضمن إليه شيئا آخر لنفسه فلهذا لزمه أجر المثل بالغا ما بلغ والاشهاد على المرتهن والمستأجر والمستعير في الحائط الوهى باطل لان الاشهاد انما يصح على من يتمكن من هدم الحائط فانه يطالبه بتفريغ ما اشتغل من الهواء بالحائط المائل وهؤلاء لا يتمكنون من التفريغ بالهدم فلا تتوجه عليهم المطالبة. رجل تكارى منزلا في دار وفي الدار سكان غيره فادخل دابة في الدار وأوقفها على بابه فضربت إنسانا فمات أو هدمت حائطا أو دخل ضيف له على دابة فوطئ انسانا من السكان فلا ضمان على الساكن ولا على الضيف لانه غير متعدى في ادخال الدابة وايقافها في الدار فان للساكن أن يربط دابته فيها الا أن يكون هو على الدابة حين أوطأت انسانا فحينئذ يضمن لانه مباشر للاتلاف وان تكاراها سنة وقبضها لم يكن لرب الدار أن يربط فيها دابته من غير رضي الساكن لان الساكن فيما يرجع إلى الانتفاع كالمالك والمالك كالاجنبي فان فعل فهو ضامن لما أصابت لكونه متعديا في التسبب ولو تكارى دارا يسكنها شهرا بخدمة عبد شهرا فان كان العبد بغير عينه فالاجارة فاسدة لجهالة أحد العوضين وان كان بعينه فالاجارة جائزة لاختلاف جنس المنفعة فان مات العبد قبل أن يخدم وسكن الدار فعليه أجر مثل الدار لان بموت العبد فات المعقود عليه من الخدمة قبل الاستيفاء فيفسد العقد في حق السكنى وبقيت السكنى مستوفاة بعقد فاسد وكان على المستوفى أجر المثل رجل تكارى دارا سنة بمائة درهم على أن لا يسكنها ولا ينزل فيها فالاجارة فاسدة لانه نفى موجب العقد بالشرط ومثل هذا الشرط لا يلائم العقد فان سكنها فعليه أجر مثلها ولا ينقص مما سمى لان المستأجر التزم المسمى بدون أن يسكنها فالتزامه لها فإذا سكن أظهر ورب الدار انما رضى بالمسمى إذا لم يسكنها فعند السكنى لا يكون راضيا بها فلهذا أعطاه أجر مثلها بالغا فان تكاراها على أن يسكنها فلم يسكنها ولكنه جعل فيها حيوانا وقال رب الدار ردها على (قال) هذا يخربها فليس له ذلك حتى تنقضي المدة لان ما فعل من السكنى (ألا ترى) انه لو سكنها كان له أن يجعل فيها من الحبوب مع

[ 150 ] نفسه ما يحتاج إليه فهذا مما صار مستحقا بعقد الاجارة فلا يمنعه رب الدار منه ولا يفسخ العقد لاجله وإذا أنزل المستأجر زوج ابنته معه في الدار فلما انقضت المدة طالبه بالاجر فليس له ولا لرب الدار أن يأخذ الزوج بشئ من ذلك لان العقد لم يجز بينه وبين رب الدار والمستأجر أسكنه من غير أن شرط عليه أجرا ولو أسكنه ملكه لم يطالبه بالاجر فكذلك إذا أسكنه دارا يكتريها فان تكارى منزلا في دار فيها سكان فأمره صاحب المنزل أن يكنس البئر التي في الدار ففعل وطرح ترابها في الدار فعطب بذلك انسان فلا ضمان عليه لان فعله بأمر رب الدار كفعل رب الدار بنفسه وكذلك ان فعله بغير أمر رب الدار لان هذا من توابع السكنى فان الساكن مرتفق بالبئر ولا يتأتى له الا بالكنس فلم يكن متعديا فيما صنع فلهذا لا يضمن الا أن يخرج التراب إلى الطريق فحينئذ هو متعد في القاء التراب في الطريق فكان ضامنا. رجل تكارى دارا سنة على انه فيها بالخيار ثلاثة أيام فهو جائز عندنا وفي أحد قول الشافعي رحمه الله لا يجوز بناء على الاصل الذي بينا أن جواز الاجارة بطريق أن المنافع جعلت كالاعيان القائمة وانما يكون ذلك إذا اتصل ابتداء المدة بالعقد وباشتراط الخيار ينعدم ذلك لان ابتداء المدة من حين سقط الخيار وان جعل ابتداء المدة من وقت العقد فشرط الخيار فيه غير ممكن أيضا لان الخيار مشروط للفسخ فلابد من أن يتلف شئ من المعقود عليه في مدة الخيار وذلك مانع من الفسخ ثم شرط الخيار في البيع ثابت بالنص بخلاف القياس والاجارة ليست في معناه فلا يجوز شرط الخيار فيها ولهذا لم يجز شرط الخيار في النكاح فكذلك في الاجارة والجامع بينهما أنه عقد معاوضة يقصد به استيفاء المنفعة * وحجتنا في ذلك أن هذا عقد معاوضة مال بمال فيجوز شرط الخيار فيه كالبيع وتأثيره أنه لما كان المقصود المال وقد يقع نفيه قبل أن يروى المرء النظر فيه فهو محتاج إلى شرط الخيار فيه ليدفع الغبن عن نفسه والاجارة في هذا كالبيع (ألا ترى) أنه في الرد بالعيب يجعل كالبيع فكذلك في الرد بخيار الشرط وانه يحتمل الفسخ بالاقالة كالبيع ويعتمد لزومه تمام الرضا بخلاف النكاح ثم ان كان ابتداء المدة من وقت العقد فالمنفعة لا تدخل في ضمان المستأجر الا بالاستيفاء وما يتلف قبل ذلك يتلف على ضمانه فلا يمنعه من الفسخ وان اشتغل بالاستيفاء سقط خياره عندنا والحقيقة أن ابتداء المدة من حين يتم رضاه بالعقد وذلك عند اشتغاله باسيتفاء المنفعة أو عند مضي مدة الخيار فان سكنها في المدة فقد تم رضاه باشتغاله بالتصرف فيسقط خياره والله أعلم وان كان شرط لنفسه الخيار

[ 151 ] ثلاثة أيام فان رضيها أخذها بمائة درهم وان لم يرضها أخذها بخمسين فالاجارة فاسدة لجهالة الاجرة وان سكنها فعليه أجر مثلها ولاضمان عليه فيما انهدم منها اعتبارا للعقد الفاسد بالجائز وإذا أجر الوصي دار اليتيم مدة طويلة جازت الاجازة لانه قائم مقامه لو كان بالغا في كل عقد نظرا له الا أن ينتقص من أجر مثلها مالا يتغابن الناس فيه فلا يجوز اعتبارا للاجارة بالبيع وهذا لانه مأمور بقربان ماله بالاحسن وبما يكون أصلح له قال الله تعالى قل اصلاح لهم خير ويجوز لوكيل الكبير أن يؤاجرها بما قبل وكثر في قول أبى حنيفة رحمه الله ولايجوز في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الا بما يتغابن الناس في مثله وهو نظير البيع في ذلك. رجل تزوج امرأة وهى في منزل بكراء فمكث معها سنة فيه ثم طلب صاحب المنزل الكراء وقد أخبرت المرأة الزوج أن المنزل معها بكراء أو لم تخبره فالاجرة على المرأة دون الرجل لانها هي التى باشرت سبب وجوب الاجر وهو العقد فان كان قال لهالك على مع نفقتك أجر المنزل كذا وكذا وضمنه لرب المنزل فهو عليه لانه ضمن دينا واجبا لرب المنزل وان أشهد لها به ولم يضمنه لرب المنزل ثم لم يعطها فله ذلك لان الاجر عليها لا لها فلا يكون هو ضامنا لها ذلك بل هذا بمنزلة الهبة منه فان شاء أعطى وان شاء لم يعط وإذا تكارى دارا لم يرها فله الخيار إذا رآها لان الاجارة كالبيع يعتمد تمام الرضا فكما لايتم الرضا في البيع قبل الرؤية فكذلك في الاجارة ورؤية المعقود عليه وهو المنفعة لاتتأتى ولكن يصير ذلك معلوما برؤية الدار فان منفعة السكنى تختلف باختلاف الدار في الضيق والسعة ولهذا لو كان رآها قبل ذلك فلا خيار له فيها الا أن يكون انهدم منها شئ يضر بالسكنى فحينئذ يتخير للتغير وإذا استأجر دارا سنة كل شهر بمائة درهم لم يكن لواحد منهما أن يفسخ الاجارة قبل كمال السنة لان الصفقة واحدة باتحاد العاقدين فبالتفصيل في ذكر البدل لا تتفرق الصفقة ولكن هذا التفصيل وجوده كعدمه فيكون العقد لازما في جميع السنة لا يفسخ أحدهما الا بعذر وان قال المستأجر استأجرتها شهرا فالقول قوله لانه ينكر الاجاة فيما زاد على الشهر ولو أنكر أصل العقد كان القول قوله مع يمينه فكذلك إذا أنكر الزيادة والبينة بينة المؤاجر لانها تثبت الزيادة وان استأجرها شهرا بدرهم فسكنها شهرين فعليه كراء الشهر الاول ولا كراء عليه في الشهر الثاني لانه غصاب في السكنى والمنافع لاتتقوم الا بالعقد وعند ابن أبى ليلى رحمه الله عليه أجر مثلها في الشهر الثاني وقد بينا نظيره في العارية فان انهدمت من سكناه فقال انما انهدمت في

[ 152 ] الشهر الاول فالقول قوله لانكاره وجوب الضمان والبينة بينة رب الدار لانه يثبت السبب الموجب للضمان عليه وكذلك ان زاد على الشهر يوما أو يومين لانه غاصب فيما زاد فيستوى فيه قليل المدة وكثيرها وإذا أجر البيت من رجل وسلم إليه المفتاح فلما انقضت المدة قال المستأجر لم أقدر على فتحه ولم أسكنه فالقول قول صاحب البيت والبينة بينته أيضا أما جعل القول قوله لشهادة الظاهر له فالمفتاح ما اتخذ الا لفتح الباب والظاهر أنه من وصل إليه المفتاح يتمكن من فتح الباب إما بنفسه أو بمن يعينه وأما ترجيح بينته فلانه يثبت الاجر في ذمة المستأجر باثباته السبب الموجب وهو التمكن من استيفاء المنفعة بعد العقد والمستأجر ينفى ذلك وإذا تكارى دارا شهرا فاقام معه صاحب الدار فيها إلى آخر الشهر فقال المستأجر لاأعطيك الاجر لانك لم تحل بينى وبين الدار (قال) عليه من الاجر بحساب ماكان في يده لانه استوفي بعض المعقود عليه وهو منفعة المنزل الذي في يده فليلزمه الاجر بقدره اعتبار للجزء بالكل رجلان استأجرا حانوتا يعملان فيه بانفسهما فعمد أحدهما فاستأجر خيرا فاقعده في الحانوت وأبى الاخر أن يدعه (قال) له ان يقعد في نصيبه من شاء ما لم يدخل على شريكه في نصفه ضررا بينا لان لكل واحد منهما ملك منفعة النصف فله أن يتصرف فيما يملكه كيف شاء الا انه إذا أدخل ضررا على شريكه فحينئذ يمنع من ذلك لان تصرفه متعد إلى نصيب شريكه وفيه ضرر عليه وكذلك ان كان أحدهما أكثر متاعا من الاخر وان أراد أحدهما أن يبنى وسط الحانوت حائطا لم يكن له ذلك لان البناء تصرف في العين فان ما يملك مالك الرقبة وهما يملكان المنفعة دون الرقبة فان تكارى بيتا ودكانا على بابه كل شهر بدرهم والدكان في طريق المسلمين فحيل بينه وبين أن يترفق بالدكان فالكراء جائز في الدار ويرفع عنه بحساب الدكان لانه أضاف العقد فيهما إلى محله وهو عين منتفع به (ألا ترى) أنه لو لم يتعرض له انسان حتى استوفى منفعتهما سنة كان عليه الاجر كاملا فاحيل بينه وبين الترفق بالدكان يرفع عنه بحسابه من الاجر كما كانا بيتين فغصب أحدهما غاصب. رجلان استأجرا منزلا واشترطا فيما بينهما أن ينزل أحدهما في أقصاه والاخر في مقدمه ولم يشترطا ذلك في أصل الاجارة فالاجارة جائزة ولصاحب الاقصي أن ينزل في مقدمه مع صاحبه لان المواضعة التى بينهما بعدما ملك المنفعة بالاجارة بمنزلة المهايأة والمهايأة لا تكون واجبة فلا يكون أحدهما أحق بالانتفاع بالمقدم من الاخر وإذا تكارى دارا لينزلها بنفسه وأهله فلم ينزلها ولكن انزل فيها دواب وبقرا

[ 153 ] فانهدمت من عملهم فلا ضمان عليه لان هذا ليس بخلاف منه فان ما فعل من توابع السكنى وعليه الاجر وقيل هذا إذا كان منزلا تدخل الدواب مثل ذلك المنزل عادة فان كان بخلاف ذلك فهو غاصب ضامن لما ينهدم بعمله وإذا مات أحد المكاربين انتقضت الاجارة عندنا وقال الشافعي رحمه الله لاتنتقض بموتهما ولا بموت أحدهما الا في خصلة واحد وهى إذا شرط على الخياط أنه يخيط بنفسه فمات الخياط وعلى بناء أصله أن المنافع جعلت كالاعيان القائمة ثم العقد على العين لا يبطل بموت أحد المتعاقدين فكذلك العقد على المنفعة وهذا لانه لما جعل كالعين فقد تم الاستحقاق في الكل فبموت الاجير لا يتغير ذلك لان وارثه يخلفه فيما كان مستحقا له وقاس بالارض المستأجرة إذا زرعها المستأجر ثم مات فان الاجارة لاتنتقض بالاتفاق بل يخلفه وارثه في تربية الزرع فيها إلى وقت الادراك ولان هذا عقد معاوضة يقصد به استيفاء المنفعة فلا يبطل بموت العاقد الا أن يتضمن هذا المعقود عليه كالنكاح فان زوج أمنته ثم مات المولي لا يبطل العقد وبموت أحد الزوجين يرتفع العقد لتضمنه فوات المعقود عليه ولهذا تبطل الاجارة بموت الخياط إذا شرط عليه العمل بيده لفوات المعقود عليه وتبطل الكتابة بموت المكاتب عنده لفوات المعقود عليه ولا تبطل بموت المولى بالاتفاق ولنا طريقان (أحدهما) في موت الاجير فنقول المستحق بالعقد المنافع التى تحدث على ملك الاجير وقد فات ذلك بموته فتبطل الاجارة لفوات المعقود عليه وبيان ذلك أن رقبة الدار تنتقل إلى الوارث والمنفعة تحدث على ملك صاحب الرقبة (ألا ترى) أنه لو باع الدار برضاء المستأجر بطلت الاجارة لانتقال الملك فيها إلى غيره * توضيحه أنه فيما يحدث فيها من المنفعة بعد الموت هو مضيف للعقد إلى ملك الغير وليس له ولاية الزام العقد في ملك الغير وهذا لان الاجارة تتجدد في ملك المعقود عليه بحسب ما يحدث من المنفعة فان (قيل) فعلى هذا ينبغى أن تعمل الاجارة فيها من المورث (قلنا) انما لاتعمل اجارته لانه لم يتوقف على حقه عند العقد فما كان يعلم عند ذلك أن العقد مضاف إلى محل حقه وهذا بخلاف النكاح لان ملك النكاح في حكم ملك العين فلا يثبت للوارث بملك رقبة الامة حق فيما هو حق الزوج كما لو باعها المولى لا يبطل النكاح والطريق الاخر في موت المستأجر وهو أنه لو بقى العقد بعد موته انما يبقى على أن يخلفه الوارث والمنفعة المجردة لا تورث (ألا ترى) ان المستعير إذا مات لا يخلفه وارثه في المنفعة وقد بينا أن

[ 154 ] المستعير مالك للمنفعة وفي حكم التوريث لافرق بين الملك ببدل وبغير بدل كالعين ولهذا لو مات الموصى له بالخدمة تبطل الوصية لان المنفعة لا تورث والدليل عليه لو أوصى برقبة عبده لانسان وبخدمته لاخر فرد الموصي له بالخدمة الوصية كانت الخدمة لصاحب الرقبة دون ورثة الموصي لان المنفعة المجردة لا تورث وهذا لان الوارثة خلافة فلا يتصور ذلك الا فيما يبقى ليكون ملك المورث في الوقت الاول ويخلفه الوارث فيه في الوقت الثاني والمنفعة الموجودة في حياة المستأجر لا تبقي والتى لاتحدث لا تبقى لتورث والتى تحدث بعد موته لم تكون مملوكة له ليخلفه الوارث فيها فالملك لا يسبق الوجود وإذا ثبت انتفاء الارث تعين بطلان العقد فيه كعقد النكاح يرتفع بموت الزوج لان وارثه لا يخلفه فيه وفصل الارض المزورعة والسفينة إذا كانت في لجة البحر فمات صاحب السفينة في القياس تبطل الاجارة فيهما ولكن في الاستحسان لا تبطل للحاجة إلى فدع الضرر فان مثل هذه الحاجة لا تعتبر لاثبات عقد الاجارة ابتداء حتى لو مضت والزرع بقل بعقد بينهما عقدت الاجارة إلى وقت الادراك لدفع الضرر فلان يجوز ابقاء العقد لدفع هذا الضرر أولى والمستحسن من القياس لا يورد نقضا على القياس إذا عرفنا هذا فنقول رجلان أجرا دارا ثم مات أحدهما فالعقد ينتقض في حصته فان رضي الوارث وهو كبير أن تكون حصته على الاجارة ورضى به المستأجر فهو جائز لان هذا عقد بينهما في حتصه بالتراضى وذلك جائز وان كان مشاعا لانه يؤاجر من شريكه ففى نصيب الحى منهما العقد باق لما بينا أن الشيوع الطارئ لا يرفع الاجارة لا زفر رحمه الله فانه سوى بين الشيوع الطارئ والمقارن فقال بموت أحدهما تبطل الاجارة فيهما وكذلك لو مات أحد المستأجرين فبطلان العقد في نصيب الآخر بيننا وبين زفر رحمه الله على الخلاف وقد بينا رواية فيه عن أبى حنيفة رحمه الله كقول زفر رحمه الله فان تكاري دارا سنة على أن يجعل له الاجر فسكن الدار شهرا فقال رب المنزل عجل لى الاجر كما شرطت عليك فأبى أن يعطيه فاراد أن يخرجه قبل السنة (قال) ياخذه بالاجر حتى يجعله وليس له أن يخرج حتى تمضى السنة لان العقد لازم كالبيع والمشترى إذا امتنع من ايفاء الثمن فالبائع يطالبه به ولا يتمكن من فسخ البيع لاجله فكذلك في الاجارة بعد شرط التعجيل يطالبه بالاجرة ولا يتمكن من فسخ الاجارة لاجله وإذا بنى المستأجر في الدار يخبز فيه باذن رب الدار أو بغير اذنه فاحترق بيت بعض الجيران من تنوره أو بعض بيوت الدار فلا ضمان عليه لانه غير متعدى في هذا التسبب فان

[ 155 ] اتخاذ التنور من توابع السكنى وللساكن أن يضعه في موضعه بغير اذن رب الدار ففعله في ذلك كفعل رب الدار فان تكاري منزلا شهرا بدرهم فسكنه أياما ثم خرج وتركه ولم يخبر رب المنزل حتى مضي الشهر فان خرج من غير عذر فعليه أجر بحساب ما سكن وان خرج من غير عذر فعليه أجر الشهر كله لان بخروجه بغير عذر لا تنفسخ الاجارة فبقى تمكنه من استيفاء المنفعة مع قيام العقد وان خرج بعذر فقد انفسخت الاجارة فلا أجر عليه الا لما مضى وهذا على رواية هذا الكتاب أن عند العذر ينفرد أحدهما بالفسخ من غير قضاء القاضي لان هذا في المعنى امتناع من الالتزام على مابينا أن عقد الاجارة في حكم المتجدد في كل ساعة فاما على رواية الزيادات لا ينفسخ الا بقضاء القاضي بمنزلة الرد بالعيب بعد القبض فعلى تلك الرواية عليه الاجر إذا خرج ما لم يقض القاضي بالفسخ الا أن يساعده رب الدار على ذلك بان يسكن الدار بنفسه. رجل وكل رجلا أن يؤاجر منزله فاجره من ابن الموكل أو ابيه أو عبده أو مكاتبه فلما مضت الاجارة وطالبهم الوكيل بالاجر أبوا أن يعطوه فالاجر واجب عليهم الا عند الموكل فانه لاأجر عليه لان عقد الوكيل مع هؤلاء كعقد الموكل بنفسه وهو يستوجب الاجر لو عقد معهم بنفسه الا في عبده خاصة فان المولى لا يستوجب على عبده دينا فكذلك إذا عقد وكيله وان كان المولى هو المستأجر ورب الدار عبده فلا أجر عليه أيضا إذا لم يكن على العبد دين لان كسبه لمولاه وان كان عليه دين فعلى المولى الاجر لان كسبه الآن لغرمائه وحقهم فيه مقدم على حق المولى فالمولى فيه كأجنبي آخر ما لم يسقط الدين وان كان المستأجر ابن الوكيل أو أباه ففى قول أبى حنيفة رحمه الله لا يجوز الاجارة وفي قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله الاجارة جائزة والوكيل يطالب بالاجر وهذا نظير الوكيل بالبيع يبيع ممن لا تجوز شهادته له وقد بيناه في البيوع وأن أجره الوكيل من أجنبي اجارة فاسدة فلا ضمان عليه لان الوكيل يضمن بالخلاف لا بفساد العقد فليس كل واحد كابى حنيفة رحمه الله يعرف الاسباب المفسدة للعقد وعلى المستأجر أجر مثل الدار لان الوكيل فيما باشره قائم مقام الموكل فكأن الموكل باشر العقد الفاسد بنفسه والوكيل هو الذي يستوفي لانه وجب بعقده. رجل دفع داره إلى رجل يسكنها ويرمها ولا أجر لها فأجرها من رجل فانهدمت الدار من سكنى الآجر (قال) يضمن رب الدار المستاجر ويرجع المستأجر بذلك على الذي آجره لان رب الدار اعارها من المدفوع إليه وليس للمستعير أن يوأجر فكان

[ 156 ] المستأجر غاصبا لها ضامنا لما انهدمت من سكناه ويرجع به على الذي آجره لانه مغرور من جهته بمباشرة عقد الضمان ولايكون لرب الدار أن يضمن المؤاجر الا في قول أبى يوسف الاول وهو قول محمد رحمهما الله بناء على غصب العقار. رجل وكل رجلا بأن يؤاجر منزلا له فوهبهه الوكيل لرجل أو أعاره اياه فسكنه سنين ثم جاء صاحبه فلا أجر له على الوكيل ولا على الساكن لان كل واحد منهما غاصب فالوكيل في الهبة والاعارة مخالف ولكن المنفعة لا تتقوم على الغاصب من غير عقد. رجل استأجر منزلا والمنزل مقفل فقال له رب المنزل خذ المفتاح وافتحه واسكنه ففتح الرجل المنزل وأعطى أجر الحداد لفتح القفل نصف درهم فليس له أن يرجع بما أعطى الحداد على رب المنزل لانه هو الذي التزمه بعقد الاجارة ولم يكن فيه مأمورا من جهة رب المنزل وان انكسر القفل من معالجه الحداد فالحداد ضامن لقيمته لانه بمنزلة الاجير المشترك فيكون ضامنا لما جنت يده ولا يضمن المستأجر القفل إذا عالجه بما يعالج مثله لان صاحب القفل قد أذن له في فتحه وليس له عوض بمقابلة عمله في فتح القفل وكذلك ان عالجه الحداد علاجا خفيفا فانكسر يريد به إذا كان يعلم أن الانكسار لم يكن بفعله وهذا لان الاجير المشترك لا يضمن بما يتلف لا بعمله والله أعلم (باب اجارة الحمامات) (قال رحمه الله ذكر عن عمارة بن عقبة قال قدمت إلى عثمان بن عفان رضى الله عنه وسألني عن مالى فاخبرته أن لى غلمانا حجامين لهم غلة وحماما له غله فكره لى غلة الحجامين وغلة الحمام وقد تقدم الكلام في كسب الحجام فاما غلة الحمام فقد كرهه بعض العلماء رحمهم الله أخذا بظاهر الحديث) قالوا الحمام بيت الشيطان فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم شر بيت تكشف فيه العورات وتصب فيه الغسالات والنجاساة ومنهم من فصل بين حمام الرجال وحمام النساء فقالوا يكره اتخاذ حمام النساء لانهن منعن من الخروج وأمرن بالقرار في البيوت واجتماعهم قل ما يخلو عن فتنة وقد روى أن نساء دخلن على عائشة رضى الله عنها فقالت انتن من اللاتى يدخلن الحمام وأمرت باخراجهن والصحيح عندنا أنه لا بأس باتخاذ الحمام للرجال والنساء جميعا للحاجة إلى ذلك خصوصا في ديارنا والحاجة في حق النساء أظهر لان المرأة تحتاج إلى الاغتسال من الحيض والنفاس والجنابة ولا تتمكن من ذلك الا في الانهار

[ 157 ] والحياض كما يتمكن منه الرجل ولان المطلوب به معنى الزينة بازالة الدرن وحاجة النساء فيما يرجع إلى الزينة أكثر وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل حمام الجحفة وتأويل ماروي من كراهة الدخول إذا كان مكشوف العورة فأما بعد الستر فلا بأس بدخول الحمام ولا كراهة في غلة الحمام كما لاكراهة في غلة الدور والحوانيت وإذا استأجر الرجل حماما مدة معلومة بأجر معلوم فهو جائز لانه عين منتفع به على وجه مباح شرعا فان كان حماما للرجال وحماما للنساء وقد جددهما جميعا فسمى في كتاب الاجارة حماما فهو فاسد في القياس لانه انما استأجر حماما واحدا فان النكرة في موضع الاثبات تخص ولا يدرى أيهما استأجروهما يتفاوتان في المقصود فتتمكن المنازعة بسبب هذه الجهالة ولكني أدعى القياس وأجيز له الحمامين جميعا لعرف اللسان فانه يقال حمام فلان وهما حمامان والمعروف بالعرف كالمشروط بالنص وعمارة الحمام في صاروجه وحوضه ومسيل مائه واصلاح قدره على رب الحمام لان المنفعة المقصودة بالحمام لا تتم الا بهذه الاشياء وعلى المؤاجر أن يمكن المستأجر من الانتفاع بما أجره على الوجه الذي هو مقصوده ولان المرجع في هذا إلى العرف وفى العرف صاحب الحمام هو الذي يحصل هذه الاعمال فان اشترط المرمة على المستأجر فسدت الاجارة لان المرمة على الآجر فهذا شرط مخالف لمقتضي العقد ثم المشروط على المستأجر من ذلك أجره وهو مجهول المقدار والجنس والصفة وجهالة الاجرة تفسد الاجارة ولو اشترط عليه رب الحمام عشرة دراهم في كل شهر لمرمته مع الاجرة واذن له أن ينفقها عليه فهو جائز لانه معلوم المقدار وقد جعله نائبا عن نفسه في انفاقه على ملكه فبهذا يستدل أبو يوسف ومحمد رحمه الله على أبى حنيفة رحمه الله في مسألة كتاب البيوع إذا قال لمدينه أسلم مالى عليك فان هناك لم يبين له من يشترى منه ما يرم به الحمام ومن يستأجره لذلك ومع هذا جوز التوكيل وكذلك ذكر بعد هذا في اجارة الدواب لو أمره بانفاق بعض الاجرة على الدابة على علفها جاز ذلك وهما سواء حتى زعم بعض مشايخنا رحمهم الله أن الجواب قولهما وفي القياس قول أبى حنيفة رحمه الله لا يجوز ذلك والاصح أنه قول الكل وانما استحسن هنا أبو حنيفة رحمه الله للتيسير فالمستأجر للحمام يلحقه الحرج باستطلاع رأى صاحب الحمام عند كل مرة والمستأجر للدابة كذلك ثم قد عين له المحل الذي أمره بصرف الدين إليه فنزل ذلك منزله تعيين من يعامله كما لو أمر المدين بأن ينفق على عياله من الدين الذي له عليه بخلاف

[ 158 ] مسألة السلم فان قال المستأجر قد أنفقتها عليه لم يصدق الا ببينته لان الاجر دين في ذمته والمدين إذا ادعى قضاء الدين لا يقبل ذلك منه الا بحجة ويستحلف رب الحمام على عمله لانه لو أقربه لزمه فإذا أنكر يستحلف لرجاء نكوله ولكن الاستحلاف على فعل الغير يكون على العلم وكذلك لو أشترط عليه انه أمين في هذه النفقة وأن القول قوله فيها لم يكن القول قوله لان المدين ضامن ما في ذمته واشترط كون الضامن أمينا مخالفا لحكم الشرع فكان باطلا ولو جعلا بينهما رجلا يقبضها ونفقتها على الحمام فقال المستأجر دفعتها إليه وكذبه رب الحمام فان أقر العدل بقبضها برئ المستأجر لانه وكيل رب الحمام في القبض فيصح منه الاقرار بالقبض ويجعل كاقرار الموكل بذلك فان رب الحمام حين سلطه على القبض فقد سلطه على الاخبار به ثم العدل أمين فيما يصل إليه فيكون القول قوله فيما يدعى من ضياع أو نفقة مع يمينه كالمودع وان كان العدل كفيلا بالاجر كان مثل المستأجر غير مؤتمن ولا يصدق لان الكفيل ضامن لما التزمه في ذمته كالاصيل وليس لرب الحمام أن يمنعه بئر الماء ومسيل ماء الحمام أو موضع سرقينه وان لم يشترط لان هذا من مرافقه ومجامعه ولا يتم الانتفاع الا به فكان بيعا والبيع يصير مذكورا بذكر الاصل فهو بمنزلة مدخل الحمام وفنائه يدخل في العقد من غير شرط ولو اختلفا في قدر الحمام فهى لرب الحمام لانها مركبة في بنائه ولان الظاهر فيها يشهد لرب الحمام فان اتخاذ القدر واصلاحه عليه ولو أراد رب الحمام أن يقعد مع المستأجر أمينا يقبض عليه يوما بيوم لم يكن له ذلك لان المستأجر صار أحق بالانتفاع بتلك النفقة فليس لاحد أن يقعد معه في ذلك الموضع بغير اذنه لانه ليس لرب الحمام من غلة الحمام شئ انما له أجر مسمى في ذمة المستأجر فأما في الغلة فهو وأجنبى آخر سواء ولو انقضت مدة الاجارة وفي الحمام سرقين كثيرا وادعاه كل واحد منهما فهو للمستأجر لانه منقول كسائر الامتعة ولان الظاهر فيه يشهد للمستأجر لان ذلك عليه دون رب الحمام ويؤمر بنقله لان موضعه مملوك لرب الحمام ولم يبق للمستأجر فيه حق فعليه أن يفرغ ملك الغير عن متاعه وكذلك في الرماد إذا كان منتفعا به فقال كل واحد منهما هو لى وأنا أنتفع به فالقول قول المستأجر فان أنكر المستأجر أن يكون الرماد من عمله فالقول قوله لان رب الحمام يدعي لنفسه قبله حقا وهو نقل ذلك الرماد ويفرغ ذلك الموضع منه فعليه أن يبينه بالبينة والقول قول المستأجر مع يمينه ولو اشترط عليه في الاجارة نقل الرماد والسرقين والغسالة لم يفسد ذلك الاجارة

[ 159 ] لان ذلك مستحق عليه بمطلق العقد سواء كان مسيل الماء ظاهرا أو مسقفا بخلاف البالوعة والكرياس وقد بينا الفرق وإذا كان عليه بدون الشرط فلا يزيد بالشرط الاوكادة وان اشترط شيئا من ذلك على رب الحمام في الاجارة فسدت الاجارة لانه شرط مفيد لاحد المتعاقدين ولا ينقضه العقد وذلك مفسد للبيع فكذلك الاجارة ولو قال رب الحمام للمستأجر قد تركت لك أجر شهرين لمرمة الحمام فهذا لا يفسد الاجارة لانه وكله بان ينفق ذلك القدر من دينه على حمامه فان قال قد أنفقتها لم يصدق الا ببينة وهو نظير مابينا من العشرة في كل شهر وإذا استأجر حمامين شهورا مسماة كل شهر بكذا فانهدم أحدهما قبل قبضهما فله أن يترك الباقي وان انهدم بعد قبضهما فالباقي له لازم بحصته من الاجر لان تمام الصفقة بقبض الحمام على مابينا ان العين المنتفع بها تقام مقام المنفعة في اضافة العقد إليه فكذلك في اتمام الصفقة في قبضه وتفريق الصفقة قبل التمام يثبت الخيار للعاقد وبعد التمام لا يثبت كما لو اشترى عبدين فهلك أحدهما قبل القبض أو استحق كان له الخيار في الباقي بخلاف ما بعد القبض ولو استأجر بيتين فانهدم أحدهما بعد القبض فلا خيار له في الباقي بخلاف ما قبل القبض ولو شرط عليه رب الحمام كل شهر عشرة طلاآت فالاجارة فاسدة لان النورة التى اشترط مجهولة لايعرف مقدارها ولا مقدار ثمنها في كل وقت وضم المجهول إلى المعلوم يوجب جهالة الكل ولو استأجر حماما وعبدا وقبضهما فمات العبد لزمه الحمام بحصته لان المقصود هو الانتفاع بالحمام وبموت العبد لا يتمكن فيه نقصان وقد بينا أن تفرق الصفقة بعد التمام لا يثبت للعاقد حق الفسخ وان انهدم الحمام وانما استأجر العبد ليقوم على الحمام في عمله فله أن يترك العبد ان شاء لان استئجار العبد لم يكن مقصودا لعينه وانما كان لعمل الحمام وقد تعذر بانهدام الحمام فيكون ذلك عذرا له في فسخ الاجارة في العبد كما استأجر الرحا مع الثور ليطحن به فانهدم الرحا فانه يكون له الخيار في الثور لما قلنا بخلاف مااذا أستأجر حمامين فانهدم أحدهما بعد القبض لان الانتفاع بكل واحد منهما مقصودا ومنفعة أحدهما بعد القبض لان الانتفاع بكل واحد منهما إذ منفعة أحدهما غير متصلة بمنفعة الآخر وإذا استأجر حماما واحدا فانهدم منه بيت قبل القبض أو بعده فله أن يتركه لان منفعة بعض بيوت الحمام متصل بالبعض وبعد ما انهدم بعض البيوت لا يتمكن من الانتفاع بالباقي من الوجه الذي كان متمكنا من قبل ولو أن رجلا دخل الحمام باجر وأعطى ثيابه لصاحب الحمام يحفظها له فضاعت لم يكن عليه ضمانها هكذا

[ 160 ] روى عن شريح رحمه الله وهذا لان صاحب الحمام في الثياب أمين كالمودع فان ما يأخذه ليس باجر على حفظ الثياب ولكنه غلة الحمام وانما حبس لجمع الغلة لا لحفظ ثياب الناس فلا يكون ضامنا فاما الثيابى وهو الذي يحفظ ثياب الناس باجر فهو بمنزلة الاجير المشترك في الحفظ فلا ضمان عليه فيما سرق عند أبى حنيفة رحمه الله وعندهما يضمن وإن لبس انسان ثوب الغير بمرآ العين منه فلم يمنعه لان ظنه صاحب الثوب فهو ضامن بالاتفاق ولانه مضيع تارك للحفظ ولا معتبر بظنه ولو دخل الحمام بدانق على أن ينوره صاحب الحمام فهو فاسد في القياس لجهالة قدر ما شرط عليه في النورة لان ذلك يختلف باختلاف أحوال الناس ولكنه ترك القياس فيه لانه عمل الناس وكذلك لو أعطاه فلسا على أن يدخل الحمام فيغتسل فهو فاسد في القياس لجهالة مقدار مكثه ومقدار ما يصب من الماء ولكنه استحسن وجوزه لانه عمل الناس وقد استحسنوه وقد قال صلى الله عليه وسلم ما رأه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ولان في اشتراط أعلام مقدار ذلك حرجا والحرج مدفوع شرعا. رجل استأجر حماما سنة بغير قدر واستأجر القدر من غيره فانكسرت القدر ولم يعمل في الحمام شهرا فلصاحب الحمام أجرة لانه سلم الحمام إليه كما التزمه بعقد الاجارة والمستأجر متمكن من الانتفاع بأن يستأجر قدرا آخر فعليه الاجر لرب الحمام بخلاف مااذ كانت القدر لرب الحمام فانكسرت فان هناك المستأجر لا يتمكن من الانتفاع كما استحقه بعقد الاجارة ما لم يصلح رب الحمام قدره ولا أجر لصاحب القدر من يوم انكسرت لزوال تمكنه من الانتفاع بالقدر ولاضمان عليه في ذلك سواء انكسرت من عمله أو من غير عمله المعتاد ولانه أمين في القدر مسلط على الاستعمال من جهة صاحب القدر والله أعلم (باب اجارة الراعي) (قال رحمه الله وإذا استأجر راعيا يرعى له غنما معلوما مدة معلومة فهو جائز لان المعقود عليه معلوم مقدور التسليم ثم الراعى قد يكون أجير واحد وقد يكون مشتركا فان شرط عليه رب الغنم أن لا يرعي غنمه مع غنم غيره فهو جائز) لانه يجعله بهذا الشرط أجير واحد وتبين أن المعقود عليه منافعه في المدة والشرط الذي يبين المعقود عليه لا يزيد العقد الا وكادة فان مات منها شاة لم يضمنها لانه أمين فيما في يده من الغنم ولا ينقص من أجره بحسابها

[ 161 ] لان المعقود عليه منافعه وبهلاك بعض الغنم لا يتمكن النقصان من منافعه ولافي تسليمها وليس له أن يرعى معها شيئا لان منافعه صارت مستحقة للاول فلا يملك ايجاب الحق فيها لغيره لان ذلك تصرف منه في ملك الغير ولو ضرب منها شاة فقفأ عينها كان ضامنا لانه لم يأذن له صاحبها بضربها فهو كما لو قتلها بضربته ولو سقاها من نهر فغرقت شاة منها لم يضمن لانه مأذون في سقيها وما تلف بالعمل المأذون فيه لا يضمن أجير الواحد كما في الدق وكذلك لو عطبت منها شاة في المرعى أو أكلها سبع وهو مصدق فيما هلك مع يمينه لانه أمين فيما في يده والقول قول الامين مع اليمين ولو هلك من الغنم نصفها أو أكثر كان له الاجر تاما مادام يرعاها لان استحقاق الاجر بتسليم نفسه لذلك العمل ولهذا لو كان الراعى مشتركا يرعى لمن شاء على قول أبى حنيفة رحمه الله وهو ضامن لما يهلك بفعله من سباق أو سقى أو غير ذلك لان الاجير المشترك ضامن لما جنت يده وان لم يخالف في اقامة العمل ظاهرا كما في القصار إذا دق الثوب فتخرق وماهلك من غير فعله بموت أو سرقة من غير تضييع أو أكل سباع فلا ضمان عليه وعلى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله هو ضامن بجميع ذلك الا الموت لانه لا يمكن الاحتراز عنه ولكنه لا يصدق على ما يدعيه من الموت الا ببينة تقام له على ذلك لان على أصلهما القبض في حق الاجير المشترك يوجبه ضمان العين عليه فدعواه الموت بعد ذلك بمنزلة دعوى الرد من حيث أنه يدعى ما يسقط الضمان به عن نفسه فلا يصدق في ذلك الا بحجة كالغاصب ولو شرط عليه في الاجارة ضمان ما هلك من فعله لم يفسد ذلك الاجارة لان ذلك عليه من غير شرط فلا يزيده الشرط الا وكادة وان شرط عليه ضمان ما مات فالاجارة فاسدة لان هذا الشرط مخالف لحكم الشرع ولانه يلتزم بهذا الشرط ما ليس في وسعه وهو الحفظ عن الموت واشتراط ما ليس في وسع العاقد في العقد مفسد للعقد وان شرط عليه الضمان فيما سرق من غير عمله أو يأكله السبع فعند أبى حنيفة رحمه الله يفسد العقد لانه شرط مخالف لحكم الشرع وعندهما لان ذلك عليه من غير شرط وإذا كان الراعى أجير واحد فاشتراط هذا عليه مفسد للعقد لانه لا ضمان عليه بدون الخلاف واشتراط الضمان على الامين باطل وببطلان الشرط يبطل عقد الاجارة وإذا أتى الراعى المشترى بالغنم إلى أهلها فأكل السبع منها شاة وهى في موضعها فلا ضمان عليه لانه بتسليمها إلى أهلها يخرج من عهدتها ولان عليه عمل الرعي وقد انتهى ذلك حين أتى بها إلى أهلها فلا ضمان عليه فيما يعطب

[ 162 ] بعد ذلك وله أن يبعث الغنم مع غلامه وأجيره وولده بعد أن يكون كبيرا في عياله سواء كان مشتركا أو خاصا لان يد هؤلاء في الحفظ والرعى كيده وكذلك في الرد وهذا بالعرف فان الراعي يلتزم حفظ الغنم على الوجه الذي يحفط غنم نفسه وذلك بيده تارة وبيد من في عياله تارة وإذا استأجر راعيا شهرا ليرعى له غنما فأراد الراعى أن يرعى لغيره بأجر فلرب الغنم أن يمنعه من ذلك لانه بدأ بذكر المدة وذكر المدة لتقدير المنفعة فيه فتبين أن المعقود عليه منافعه فيكون أجيرا له خاصا فان لم يعلم رب الغنم بما فعله حتى رعى لغيره فله الاجر على الثاني ويطيب له ذلك ولا ينقص من أجر الاول شئ لانه قد حصل مقصود الاول بمكماله وتحمل زيادة مشقة في الرعى لغيره فما يأخذ من الثاني عوض عمله فيكون طيبا له وقد تقدم نظيره في الظئر ولو كان يبطل من الشهر يوما أو يومين لا يرعاها حوسب بذلك من أجره سواء كان بعذر أو بغير عذر ولو سأل راعيا أن يرعى غنمه هذه بدراهم في الشهر أو قال شهرا فهو جائز وهو مشترك له أن يرعى لغيره لانه لما بدأ بذكر العمل بين مقدار عمله ببيان محله وهو الغنم عرفنا أن المعقود عليه العمل دون منافعه فيكون مشتركا سواء رعى لغيره أو لم يرع وان شرط عليه أن لا يرعى معها شيئا غيرها كان جائزا وكان بمنزلة الباب الاول في أنه أجير واحد لانا انما جعلناه مشتركا استدلا لا بالبداية بذكر العمل وسقط اعتبار هذا الاستدلال إذا صرح بخلافه بالشرط ولو دفع إليه غنمه يرعاها على أن أجره ألبانها وأصوافها فهو فاسد لانه مجهول واعلام الاجر لابد منه لصحة الاجارة وان اشترط عليه جبنا معلوما وسمنا لنفسه وما بقى بعد ذلك للراعي فهو كله فاسد والراعي ضامن لما أصاب من ذلك لانه يتناول ملك الغير فان الزيادة المنفصلة تملك بملك الاصل وله أجر مثله لانه أقام العمل بعقد فاسد ولو أن راعيا مشتركا خلط غنما للناس بعضا ببعض ولم يعرف ذلك أهلها فالقول فيه قول الراعى مع يمينه لانها في يده والقول في تعيين المقبوض قول القابض أمينا كان أو ضمينا كالمودع مع الغاصب فان قال لاأعرفها فهو ضامن لقيمة الغنم كلها لاهلها لان الخلط على وجه يتعذر معه التمييز استهلاك فان كل واحد منهم لا يقدر على الوصول إلى عين ملكه وبمثل هذا الخلط يكون الراعى ضامنا وتكون الغنم له بالضمان والقول قوله في قيمتها يوم خلطها لان الضمان عليه فالقول في مقداره قوله مع يمينه كالغاصب وان كان الراعى مشتركا يرعى في الجبال فاشترط عليه صاحب الغنم أن يأتيه

[ 163 ] بسمة ما يموت منها والا فهو ضامن فهذا الشرط غير معتبر لانها قد تموت في موضع لا يمكنه أن يأتي بسمتها وقد يفتعل فيما يأتي من السمة بأن يأكل بعض الغنم ثم يأتي بسمته ويقول قد مات فان السمة لا تختلف بالذبح والموت فعرفنا أن هذا الشرط غير مفيد ثم على قول أبى حنيفة رحمه الله القول قوله وان لم يأت بالسمة لانه أمين في العين عنده وعندهما هو ضامن وان أتى بالسمة الا أن يقيم البينة على الموت ولا يسع المصدق أن يصدق غنما مع الراعي حتى يحضر صاحبها لان المصدق يأخذ الزكاة والزكاة تجب على المالك ويتأدي بأدائه ونيته والراعي في ذلك ليس بنائب عنه فان أخذ المصدق الزكاة من الراعى فلا ضمان على الراعى في ذلك لان الراعى لا يتمكن من أن يمنع المصدق من ذلك فهو في حقه بمنزلة الموت وان خاف الراعى على شاة منها فذبحها فهو ضامن لقيمتها يوم ذبحها لان صاحبها لم يأمره بذبحها بل منعه من ذلك وان اختلفا في عدة ما سلمه إلى الراعى فالقول قول الراعى لانكاره قبض الزيادة والبينة بينة صاحب الغنم لاثباته الزيادة ببينته ثم يكون ضامنا للفضل بجحوده وليس للراعي أن يسقى من ألبان الغنم ولا يأكل ولا يبيع ولا يقرض لانه مأمور بالرعى وهذا ليس من عمل الرعى فهو فيه كسائر الاجانب فيكون ضامنا ان فعل شيئا من ذلك ولو أن رب الغنم باع نصف غنمه فان كان استأجر الراعى شهرا على أن يرعى له لم يحطه من الاجر شئ لان المعقود عليه منافعه وانما يستوجب الاجر بتسليم نفسه في المدة ولو أراد رب الغنم أن يزيد في الغنم ما يطيق الراعى كان له ذلك لانه مالك لمنافعه في المدة فهو بمنزلة عبده في ذلك يستعمله في ذلك العمل بقدر طاقته وان استأجر شهرا يدعى له هذه الغنم باعيانها لم يكن له أن يزيد فيها بالقياس لان التعيين إذا كان مفيدا يجب اعتباره والتعيين في حق الراعى مفيد لان المشقة عليه تختلف باختلاف عدد الغنم فهو ما التزم الارعى ماعينه عند العقد فلا يكون لرب الغنم أن يكلفه شيئا آخر كما لا يكون له أن يكلفه عملا آخر ولكنه استحسن فقال له أن يكلفه من ذلك بقدر طاقته لان المعقود عليه منافعه فانه بدأ بذكر المدة وتعيينه الاغنام لبيان ما قصد من تملك منافعه بالاجارة لا لقصر حكم العقد عليه فإذا بقيت منافعه بعد هذا التعيين مستحقة لرب الغنم كان له أن يكلفه في ذلك بقدر طاقته ولكن لا يكلف عملا آخر لانه تبين مقصوده عند العقد وهو الرعى فما ليس من عمل الرعى لا يكون داخلا في حكم العقد ثم قال أرأيت لو ولدت الغنم أما كان عليه أن يرعى أولادها معها والقياس والاستحسان فيهما لان الولد بعد الانفصال

[ 164 ] كشاة أخرى ولكن من عادته الاستشهاد بالاوضح ولو لم يستأجره شهرا ولكنه دفع إليه غنما مسماة على أن يرعى له كل شهر بدرهم لم يكن له أن يزيد فيها شاة لان المعقود عليه هنا عمل الرعى وانما التزم اقامة الكل في المحل الذي عينه فليس له أن يكلفه فوق ذلك وان باع منها طائفة فانه ينقصه من الاجر بحساب ذلك لان المعقود عليه لما كان هو العمل فانما يستوجب الاجر بقدر ما يقيم من العمل كالخياط والقصار وإذا ولدت الغنم لم يكن له عليه أن يرعى أولادها معها لان الولد بعد الانفصال في عمل الرعى كشاة أخرى فان كان اشترط عليه حين دفع الغنم إليه أن يولدها ويرعى أولادها معها فهو فاسد في القياس لان المعقود عليه هو العمل فلابد من اعلامه واعلامه ببيان محله وهنا محل العمل مجهول لانه لا يدري ما تلد منها وكم تلد وجهالة المعقود عليه مفسدة للعقد ولكنه استحسن ذلك فأجازه لانه عمل الناس ولان هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة بينهما والجهالة بعينها لا تفسد العقد فكل جهالة لا تفضي إلى المنازعة فهى لا تؤثر في العقد والابل والبقر والخيل والحمير والبغال في جميع ما ذكرنا كالغنم وليس للراعي ان ينزى على شئ منها بغير أمر ربها لان ذلك ليس من عمل الراعى فهو فيه كالأجنبي ضامن لما يعطب منها ان فعله ولو لم يفعله الراعى ولكن الفحل الذي فيها نزى على بعضها فعطب فلا ضمان على الرعى في ذلك لان صاحب الغنم قد رضي بذلك حين خلط الفحل بالاناث من غنمه والراعي لا يمكنه المنع من ذلك فلا ضمان عليه في ذلك ولو ندت واحدة منهما فخاف الراعى ان باع ماند منها أن يضيع ما بقى فهو في سعة في ترك ماند منها لانه ابتلى ببليتين فيختار أهونهما ولانه لو باع ماند منها كان مضيعا لما بقى ولا يعلم أنه هل يقدر على أخذ ماندأ ولا يقدر وليس له أن يضيع ما في يده فلهذا كان في سعة من ذلك ولاضمان عليه فيما ند في قول أبى حنيفة رحمه الله لانه ضاع بغير فعله وهو في ترك اتباعه مقبل على حفظ ما بقى وليس بمضيع لماند وهو ضامن في قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله لانه تلف بما يمكن التحرز عنه في الجملة وان استأجر من يجئ بتلك الواحدة فهو متطوع في ذلك كغيره من الناس لان صاحبها لم يأمره بالاستئجار وكذلك ان تفرقت فرقا فلم يقدر على اتباعها كلها فأقبل على فرقة منها وترك ما سواها فهو في سعة من ذلك لانه اقبال على حفظ ما هو متمكن من حفظه فهذا وما تقدم سواء فان كان الراعى أجيرا مشتركا فرعاها في بلد فعطبت فقال صاحبها إنما اشترطت عليك أن ترعاها في موضع غير ذلك وقال الراعى بل شرطت على هذا الموضع فالقول قول رب السائمة لان الاذن يستفاد

[ 165 ] من جهته ولو أنكره أصلا كان القول قوله مع يمينه والبينة بينة الراعى لانه يثبت الاذن في هذا الموضع ببينته ثم لا يضمن في قول أبى حنيفة رحمه الله وفي قولهما هو ضامن الا أن يقيم البينة على الموت وان كان أجيرا خاصا لم يضمن في قولهم جميعا الا أن يخالف ولا أجر للراعي إذا خالف بعد أن تعطب الغنم لانه غاصب ضامن وبالضمان يتملك المضمون من وقت وجوب الضمان فيتبين أنه في الرعى كان عاملا لنفسه فلا يستوجب الاجر على غيره فان سلمت الغنم استحسنت أن أجعل له الاجر لحصول مقصود رب الغنم وهو الرعى مع سلامة أغنامه وهو بتعيين ذلك المكان ما قصد الا هذا فإذا حصل له هذا بعينه في مكان وجب عليه الاجر والله أعلم (باب اجارة المتاع) (قال رحمه الله وإذا استاجر ثوبا ليلبسه يوما إلى الليل بأجر مسمى فهو جائز لانه عين منتفع به بطريق مباح وليس له أن يلبسه غيره) لان المعقود عليه لبسه بنفسه وهذا لان التعيين متى أفاد اعتبر وهذا تعيين مفيد لان الناس يتفاوتون في لبس الثياب فلبس الدباغ والقصار لا يكون كلبس العطار بخلاف سكنى الدار فالناس لا يتفاوتون في ذلك فان أعطاه غيره فلبسه ذلك اليوم ضمنه ان أصابه شئ لانه غاصب في الباسه غيره وان لم يصبه شئ فلا أجر له لان المعقود عليه ما يصير مستوفى بلبسه فما يكون مستوفي بلبس غيره لا يكون معقودا عليه واستيفاء غير المعقود عليه لا يوجب البدل (ألا ترى) أنه لو استأجر ثوبا بعينه ثم غصب منه ثوبا آخر ولبسه لم يلزمه الاجر فكذلك إذا ألبس ذلك الثوب غيره لان تعيين اللابس كتعيين الملبوس (فان قيل) هو قد يتمكن من استيفاء المعقود عليه وذلك يكفى لوجوب الاجر عليه كما لو وضعه في بيته ولم يلبسه (قلنا) تمكنه من الاستيفاء باعتبار يده وإذا وضعه في بيته فيده عليه معتبرة ولذا لو هلك لم يضمن فاما إذا ألبسه غيره فيده عليه معتبرة حكما (ألا ترى) أنه ضامن وان هلك من غير اللبس وان يد اللابس عليه يد معتبرة حتى يكون لصاحبه أن يضمن غير اللابس ولايكون الا بطريق تفويت يده حكما فلهذا لا يلزمه الاجر وان سلم وان استأجره ليلبس يوما إلى الليل ولم يسم من يلبسه فالعقد فاسد لجهالة المعقود عليه فان اللبس يختلف باختلاف اللابس وباختلاف الملبوس فكما أن ترك التعيين في الملبوس عند العقد يفسد العقد فكذلك ترك تعيين اللابس (وهذه جهالة) تفضى إلى المنازعة لان صاحب

[ 166 ] الثوب يطالبه بالباس أرفق الناس في اللبس وصيانة الملبوس وهو يأبى أن يلبس الا أخشن الناس في ذلك ويحتج كل واحد منهما بمطلق التسمية ولانصح التسمية مع فساد العقد وان اختصما فيه قبل اللبس فسدت الاجارة وان لبسه هو وأعطاه غيره فلبسه إلى الليل فهو جائز وعليه الاجر استحسانا وفي القياس عليه أجر المثل وكذلك لو استأجر دابة للركوب ولم يبين من يركبها أو للعمل ولم يسم ما يعمل عليها فعمل عليها إلى الليل فعليه المسمى استحسانا وفي القياس عليه أجر المثل لانه استوفي المنفعة بحكم عقد فاسد ووجوب المسمى باعتبار صحة التسمية ولا تصح التسمية مع فساد العقد * وجه الاستحسان أن المفسد وهو الجهالة التى تفضى إلى المنازعة قد زال وبانعدام العلة المفسدة ينعدم الفساد وهذا لان الجهالة في المعقود عليه وعقد الاجارة في حق المعقود عليه كالمضاف فانما يتجدد انعقادها عند الاستيفاء ولا جهالة عند ذلك ووجوب الاجر عند ذلك أيضا فلهذا أوجبنا المسمى وجعلنا التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء ولاضمان عليه ان ضاع منه لانه غير مخالف سواء لبس بنفسه أو ألبس غيره بخلاف الاول فقد عين هناك لبسه عند العقد فيصير مخالفا بالباس غيره وإذا استأجر قميصا ليلبسه يوما إلى الليل فوضعه في منزله حتى جاء الليل فعليه الاجر كاملا لان صاحبه مكنه من استيفاء المعقود عليه بتسليم الثوب إليه وما زاد على ذلك ليس في وسعه وليس له أن يلبسه بعد ذلك لان العقد انتهى بمضي المدة والاذن في اللبس كان بحكم العقد فلا يبقى بعد انتهاء العقد وان ارتدى به يوما إلى الليل كان عليه الاجر كاملا لان هذا لبس ولكنه غير تام فان المقصود بالقميص ستر البدن به وبهذا الطريق يحصل بعض الستر وان اترز به إلى الليل فهو ضامن ان تخرق لان الاتراز بالقميص غير معتاد وبمطلق التسمية انما يتمكن من اللبس المعتاد فكان غاصبا إذا اترز به ضامنا ان تخرق بخلاف مااذا ارتدى به فان ذلك معتاد في بعض الاوقات * توضيحه ان الاتراز مفسد للقميص فما أتى به أضر بالثوب مما يتناوله العقد والاتراز غير مفسد بل ضرره كضرر اللبس أو دنه وان سلم فعليه الاجر استحسانا وفي القياس لاأجر عليه لانه مخالف ضامن والضمان والاجر لا يجتمعان كما لو ألبسه غيره * وجه الاستحسان أنه يتمكن من استيفاء المعقود عليه باعتبار يده وانما كان ضامنا بزيادة ضرر مفسد للثوب فيبقى الاجر عليه لتمكنه من استيفاء المعقود عليه بخلاف مااذا تخرق فهناك لما تقرر عليه الضمان ملك الثوب من حين ضمنه ولا يجب الاجر عليه في ملك نفسه وإذا سلم فهو لم يملك

[ 167 ] الثوب فيلزمه الاجر لتمكنه من الاستيفاء وإذا استأجرت المرأة درعا لتبسه ثلاثة أيام فلها أن تلبسه بالنهار وفي أول الليل وآخره ما يلبس الناس لان مطلق التسمية ينصرف إلى المعتاد في لبس الثوب الصيانة بالنهار ومن أول الليل إلى وقت النوم ومن آخر الليل أيضا فقد يبكرون خصوصا عند طول الليالي وان لبست الليل كله فهى ضامنة لانها خالفت فان ثوب الصيانة لاينام فيه عادة وهو مفسد للثوب فتكون ضامنة ان تخرق بالليل وان تخرق من لبسها في غير الليل فلا ضمان عليها لان الخلاف قد ارتفع بمجئ النهار وانما كانت ضامنة بالخلاف لا بالامساك فان لها أن تمسك الثوب إلى انتهاء المدة والامين إذا ضمن بالخلاف عاد أمينا بترك الخلاف كالمودع إذا خالف ثم عاد إلى الوفاق فان تخرق من لبسها بالليل فهى ضامنة وليس عليها أجر في تلك الساعة التى تخرق فيها الثوب وعليها الاجر فيما كان قبل ذلك وبعده لانها مستوفية للمعقود عليه وان سلم ولم يتخرق فعليها الاجر كله لاستيفاء جميع المعقود عليه وهذا لان الضمان لا ينافي العقد ابتداء وبقاء وإذا بقى العقد تحقق منها استيفاء المعقود عليه فعليها الاجر الا في الساعة التى ضمنت بالتخرق لانها في تلك الساعة غاصبة عاملة لنفسها ولهذا تقرر عليها الضمان وان كان الدرع ليس بدرع الصيانة انما هو درع بذلة ينام في مثله فلا ضمان عليه ان نامت فيه وعليها الاجر لان بمطلق العقد يستحق ما هو المعتاد والنوم في مثله معتاد فلا تكون به مخالفة وان كانت استأجرته لمخرج تخرج فيه يوما بدرهم فلبسته في بيتها فعليها الاجر لانها استوفت المعقود عليه ولبسها في بيتها ولبسها إذا خرجت سواء وربما يكون لبسها في بيتها أخف وكذلك لو لم تلبس ولم تخرج لانها تمكنت من استيفاء المعقود عليه ولو ضاع الدرع منها ذلك اليوم ثم وجدته بعد ذلك فلا أجر عليها إذا صدقها رب الثوب لانها لم تكن متمكنة من اللبس بعد ما ضاع الدرع منها وان لبسته في اليوم الثاني ضمنته لانتهاء العقد بمضي المدة وان كذبها رب الدرع فان كان الثوب في يدها حين اختلفا فالقول قول رب الدرع لان تمكنها من اللبس في الحال دليل على أنها كانت متمكنة منه فيما مضي ولان تسليمه الثوب إليها تمكين لها من لبسه وذلك أمر ظاهر وما تدعيه من الضياع عارض غير ظاهر فعليها أن تبينه بالبينة والقول قول رب الدرع لانكاره مع يمينه على علمه لانه يحلف على الضياع من يد غيره ولا طريق له الا معرفة حقيقة ذلك فيحلف على علمه وان سرق منها أو تخرق من لبسها فلا ضمان عليها وكذلك لو أصابه أقرض فأر وحرق نار أو لحس

[ 168 ] سوس والحاصل أن المستأجر في العين أمين لان يده كيد المالك فانه يتقرر حق المالك في الاجر باعتبار يده ولهذا لو أصابه به عهده رجع به على الاخر فكان أمينا فيه كالمودع بخلاف الاجير المشترك على قول من يضمنه فانه في الحفظ عامل لنفسه فانه يتمكن به ما تقرر حقه في الاجر فكان ضامنا ولو أمرت خادمها أو ابنتها فلبسته فتخرق كانت ضامنة كما لو ألبست أجنبية أخرى ولا أجر عليها وان سلم الثوب بعد أن صدقها رب الثوب وان كذبها فالقول قول رب الثوب مع يمينه على علمه وان أجرته ممن تلبسه بفضل أو نقصان فهى ضامنة للخلاف والاجر لها بالضمان وعليها التصدق به الاعند أبى يوسف رحمه الله وقد بيناه ولو لبسه خادمها أو ابنتها بغير أمرها فلا ضمان عليه بمنزلة مالو غصبه انسان والاجر عليها ولاضمان عليها لانها لم تخالف ولم تخرق من لبس الخادم كان الضمان في عنق الخادم لانها غاصبة وضمان الغصب يجب دينا في عنق المملوك ولو استأجر قبة لينصبها في بيته ويبيت فيها شهرا فهو جائز لان القبة من المساكن فان قيل لا يمكن استيفاء المعقود عليه الا بما لم يتناوله العقد وهو الارض التى ينصب فيها القبة وذلك يمنع الاجارة كما لو استأجر أحد زوجي المقراض لقرض الثياب قلنا المعتبر كون العين منتفعا به وأن يتمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه وذلك موجود فالانسان لا يعدم الارض لينصب فيها القبة ولان المقصود بالقبة الاستظلال ودفع أذى الحر والبرد والمطر وذلك بالمعقود عليه دون الارض وان لم يسم البيوت التى ينصبها فيها فالعقد جائز أيضا لان ذلك لا يختلف باختلاف البيوت وترك تعيين غير مفيد لا يفسد العقد وان سمى بيتا فنصبها من غيره فهو جائز وعليه الاجر لان هذا تعيين غير مفيد فالضرر لا يختلف باختلاف البيوت فان نصبها في الشمس أو المطر كان عليها في ذلك ضرر فهو ضامن لما أصابها من ذلك لانه مخالف فالشمس تحرقها والمطر يفسدها وانما رضى صاحبها بنصبها في البيت ليأمن من ذلك وإذا وجب عليه الضمان بطل الاجر لان الاجر والضمان لا يجتمعان ولانه تملكها بالضمان من حين ضمن وان سلمت القبة كان عليه الاجر استحسانا لانه استوفى المعقود عليه حين استظل بالقبة وانما كان ضامنا باعتبار زيادة الضرر فإذا سلمت سقط اعتبار تلك الزيادة فيلزمه الاجر باستيفاء المعقود عليه ولو شرط أن ينصبها في داره فنصبها في دار في قبيلة أخرى في ذلك المصرف فعليه الاجر ولا ضمان عليه لان هذا تعيين غير مفيد وليس له أن يخرجها من المصر لان فيه الزام مؤنة على صاحبها وهو مؤنة الرد وهو لم يلتزم ذلك فان أخرجها إلى السواد فنصبها فسلمت أو انكسرت

[ 169 ] فلا أجر عليه لانه غاصب حين أخرجها من المصر (ألا ترى) انه لو وجب الاجر كان مؤنة الرد على صاحب القبة وهو غير ملتزم لذلك فجعلناه غاصبا ضامنا لتكون مؤنة الرد عليه فلهذا لا أجر عليه وإذا استأجر رحا يطحن عليه فحمله فذهب به إلى منزلة فلما فرغ منه فمؤنة الرد على صاحب الرحا ولو كانت ذلك عارية كانت مؤنة الرد على المستعير لان الرد فسخ لعمل النقل فانما تجب المؤنة على من حصل له منفعة النقل ومنفعة النقل في العارية للمستعير فمؤنة الرد عليه وفي الاجارة على رب الرحا لان بالنقل يتمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه وبه يجب الاجر لرب الرحا فهذا كانت مؤنة الرد عليه وإذا استأجر منه عيدان حجلة أو كسوتها مدة معلومة جاز لانه عين منتفع به * والحاصل ان كل عين منتفع به معتاد الاستئجار فيه صحيح وعلى هذا استئجار البسط والوسائد والصناديق والسرر والقدور والقصاع ولو استأجر منه قدورا بغير عينها لم يجز لان المعقود عليه مجهول فان القدور مختلفة في الصغر والكبر والانتفاع بها بحسبها فان جاءه بقدر فقبله على الكراء الاول فهو جائز والاجر له لازم اما لان التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء أو لان الاجارة تنعقد بالتعاطي كالبيع وكذلك لو استأجر منه ستورا يعلقها على بابه وقتا معلوما ولو كفل كفيل بشئ من هذه الامتعة الاجر عن المستأجر فالكفالة باطلة لان العين أمانة في يد المستأجر والكفالة بالامانات لانصح والاجارة جائزة لان الكفالة لم تكن مشروطة فيه وان أعطاه بالاجر كفيلا فهو جائز لانه مضمون في ذمة المستأجر وعلى هذا لو استأجر ميزانا ليزن به والسنجات والقبان والمكاييل فهذا كله متعارف جائز وان استأجر سرجا ليركبه شهرا فاعطاه غيره فركبه فهو ضامن لان هذا مما يختلف فيه الناس فمن يحسن الركوب على السرج لا يضر به ركوبه ومن لا يحسن الركوب عليه يضر به ركوبه وإذا اعتبر التعيين كان ضامنا بالخلاف ولا أجر عليه وإذا استأجر إكافا ينقل عليه حنطته شهرا فهو جائز وحنطته وحنطة غيره سواء والجوالق كذلك لان هنا تعيين غير مفيد وكذلك استئجار المحمل إلى مكة وكذلك الرجل يستأجر ليركب عليه فهو جائز وليس له أن يحمل غيره عليه فان فعل فهو ضامن ان أصابه شئ للتفاوت بين الناس في الاضرار بالرجل عند الركوب عليه وكذلك الفسطاط يستأجره ليخرج به إلى مكة فان أسرج في الخيمة أو الفسطاط أو القبة أو علق فيه القنديل فلا ضمان عليه لان ذلك معتاد وقد بينا أنه يستحق بمطلق العقد الاستعمال المعتاد وان اتخذ فيه مطبخا فهو ضامن لانه غير معتاد الا أن يكون ذلك معدا لذلك العمل وذكر عن الحسن

[ 170 ] رحمه الله قال لا بأس بأن يستأجر الرجل حلي الذهب بالذهب وحلي الفضة بالفضة وبه نأخذ فان البدل بمقابلة منفعة الحلى دون العين ولاربا بين المنفعة وبين الذهب والفضة ثم الحلى عين منتفع به واستئجاره معتاد فيجوز وإذا شرطت أن تلبسه فالبست غيرها ضمنت ولا أجر عليها كما في الثياب لان الضرر على الحلى عند اللبس يختلف باختلاف اللابس وان قال رب الحلى أنت لبستيه وقد هلك الحلى فقد أبرأها من الضمان والضمان واجب له فقوله مقبول في اسقاطه ويكون له عليها الاجر لان الظاهر شاهد لرب الحلي وقد أقرت هي أن الحلي كان عندها وذلك يوجب الاجر عليها ولو استأجرته يوما إلى الليل فان بدالها فحبسته فلم ترده عشرة أيام فالاجارة عشرة أيام فالاجارة على هذا الشرط فاسدة في القياس لجهالة المعقود عليه أو لتعلق العقد بالخطر فيما بعد اليوم وهو أن يبدو لها وتعليق الاجارة بالخطر لا يجوز ولكني أستحسن وأجيزها وأجعل عليها الاجر كل يوم بحسابه لان هذا الشرط متعارف محتاج إليه فانها إذا خرجت إلى وليمة أو عرس لا تدري كم تبقى هناك فتحتاج إلى هذا الشرط لدفع الضرر والضمان عن نفسها ثم قد بينا أن وجوب الاجر عليها عند الاستعمال والخطر قبل ذلك فيزول ذلك عند استعمالها فلهذا يلزمها الاجر لكل يوم تحبسه فيه والله أعلم (باب اجارة الدواب) (قال رحمه الله وإذا استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم بأجر مسمى فهو جائز وليس له أن يحمل عليها غيره) لان هذا تعيين مفيد فالناس يتفاوتون في ركوب الدابة وليس ذلك من قبل الثقل والخفة بل من قبل العلم والجهل فالثقيل الذي يحسن ركوب الدابة يروضها ركوبه والخفيف الذي لا يحسن ركوبها يعقرها ركوبه فان حمل عليها غيره فهو ضامن ولا أجر عليه لانه غاصب غير مستوف للمعقود عليه على ما قررنا في الثوب وان ركب وحمل معه آخر فسلمت فعليه الكراء كله لانه استوفى المعقود عليه بكماله وزاد فإذا سلمت سقط اعتبار الزيادة فعليه كمال الاجر لاستيفاء المعقود عليه وان عطبت بعد بلوغها المكان من ذلك الوقت فعليه الاجر كله لاستيفاء المعقود عليه فان ركوبه لا يختلف بان يردف معه غيره أو لا يردف ووجوب الاجر باعتبار ركوبه وعليه ضمان نصف القيمة لانه خالف حين أردف وشغل نصف الدابة بغيره فبحسب ذلك يكون ضامنا وهذا إذا كانت الدابة تطيق اثنين فان كان

[ 171 ] يعلم أنها لا تطيق ذلك فهو ضامن لجميع قيمتها لانه متلف لها وأما إذا كانت تطيق فالتلف حصل بركوبه وهو مأذون فيه وبركوب غيره وهو غير ماذون فيه فيتوزع الضمان على ذلك نصفين وسواء كان الرجل الاخر أثقل منه أو أخف (قال) لانه لا يوزن لرجل في القبان في هذا أرأيت لو كان يوزن أيوزن قبل الطعام أو بعده أو قبل الخلا أو بعده والمعنى مابينا أن الضرر على الدابة ليس من ثقل الراكب وخفته فلهذا يوزع الضمان نصفين (فان قيل) حين تقرر عليه ضمان نصف القيمة فقد ملك نصف الدابة من حين ضمن فينبغي أن لا يلزمه نصف الاجر (قلنا) هو بهذا الضمان لا يملك شيئا مما يشغله بركوب نفسه وجميع المسمى بمقابلة ذلك وانما يضمن ما شغله بركوب الغير ولا أجر بمقابلة ذلك ليسقط عنه وإذا استأجرها إلى الجبانة أو الجنازة أو ليشيع عليها رجلا أو يتلقاه فهو فاسد الا أن يسمى موضعا معلوما لان المعقود عليه منفعة الركوب وذلك تتفاوت بحسب المسافة فإذا سمى موضعا معلوما صار مقدار المعقود عليه به معلوما والا فهو مجهول لا يصير معلوما ما ذكره من التشييع أو التلقي وان تكاراها من بلد إلى الكوفة ليركبها فله أن يبلغ عليها منزله بالكوفة استحسانا وفي القياس ليس له ذلك لانه لما دخل انتهي العقد لوجود الغاية فليس له أن يركبها بعد ذلك بدون اذن صاحبها ولكنه استحسن للعرف فالظاهر أنه يتبلغ المستأجر على الدابة التى تكارها في الطريق إلى منزله ولا يتكارى لذلك دابة أخرى والمعلوم بالعرف كالمشروط بالنص (ألا ترى) أن الورام المعتاد في بعض الاشياء يسمى بالعرف فكذلك هذه الزيادة ورام الطريق في الاجارة فيستحق بالعرف وكذلك لو استأجرها ليحمل متاعا فان حط المتاع في ناحية من الكوفة وقال هذا منزلي فإذا هو أخطأ فأراد أن يحمله ثانية إلى منزله فليس له ذلك لان المستحق بالعرف قد انتهى حين حط رحله وقال هذا منزلي فبعد ذلك هو مدعى في قوله قد أخطأت فلا يقبل قوله ولان الورام كان مستحقا له لكيلا يحتاج إلى حط رحله ونقله إلى دابة أخرى وقد زال ذلك المعنى حين حط رحله وكذلك لو تكارى حمارا من الكوفة يركبه إلى الحيرة ذاهبا وجائيا فله أن يبلغ عليه إلى أهله بالكوفة إذا رجع كما لو تكارى من الكوفة إلى الحيرة فأما إذا تكاري دابة بالكوفة من موضع كانت فيه الدابة إلى الكنانسة ذاهبا وجائيا فأراد أن يبتلغ في رجعته إلى أهله لم يكن له ذلك وانما له أن يرجع إلى الموضع الذي تكارى عند الدابة لان الاستحسان في الفصل الاول كان للعرف ولاعرف فيما تكاراها في المصر من موضع إلى موضع فيؤخذ

[ 172 ] فيه بالقياس وربما يكون من ذلك الموضع إلى منزله من المسافة مثل ما سمى أو أكثر ولا يستحق على سبيل الورام مثل المسمى في العقد أو فوقه فيقال له كما اكتريت من هذا الموضع إلى الموضع الذي سميت فأكتر الدابة من هذا الموضع إلى منزلك وان استأجرها إلى مكان معلوم ولم يسم ما يحمل عليها فان اختصموا رددت الاجارة لجهالة المعقود عليه وان حمل عليها أو ركبها إلى ذلك المكان فعليه المسمى استحسانا لان التعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء وقد قررنا هذا في الثوب وكذلك لو استأجر عبدا ولم يسم ما استأجره له وإذا سمى ما يحمل على الدابة فحمل عليها غير ذلك فهذه المسألة على أربعة أوجه وقد بيناها في كتاب العارية فالاجارة في ذلك كله قياس العارية الا أن في كل موضع ذكرنا هناك أنه لا يصير ضامنا فالاجر واجب عليه هنا وفي كل موضع ذكرنا هناك أنه يكون ضمان فلا أجر عليه هنا لانه غاصب غير مستوف للمعقود عليه فان المقصود عليه يختلف باختلاف المحمول وان اختلفا فقال رب الدابة أكريتك من الكوفة إلى القصر بعشرة دراهم وقال المستأجرين إلى بغداد بعشرة دراهم ولم يركبها تحالفا وترادا لان الاجارة في احتمال الفسخ قبل استيفاء المنفعة كالبيع فالنص الوارد بالتحالف في البيع يكون واردا في الاجارة وان أقام البينة ففى قول أبى حنيفة الاول رحمه لله يقضى بالكوفة إلى بغداد بخمسة عشر درهما وهو قول زفر رحمه الله ثم رجع وقال إلى بغداد بعشرة دراهم وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله * وجه قوله الاول أن رب الدابة أثبت ببينته العقد من الكوفة إلى القصر بعشرة دراهم فوجب القضاء بذلك ببينته والمستأجر ببينته أثبت العقد من القصر إلى بغداد بخمسة دراهم فوجب قبول بينته على ذلك فإذا عملنا بالبينتين كانت له من الكوفة إلى بغداد بخمسة عشر درهما * وجه قوله الاخر أنهما اتفقا على مقدار الاجر وانما اختلفا في مقدار المعقود عليه فالمستأجر يثبت الزيادة في ذلك فكانت بينته أولى بالقبول كما لو أقام المستأجر البينة أنه زاده عقبه الاجير في الكراء إلى مكة وان تكارى دابة بسرج ليركب عليها فحمل عليها إكافا فركبها فهو ضامن بقدر ما زاد وفي الجامع الصغير قال هو ضامن جميع قيمتها في قول أبى حنيفة رحمه الله وفي قولهما يضمن بقدر ما زاد * وجه قولهما أن الحمار يركب تارة بسرج وتارة بإكاف والتفاوت بينهما من حيث الثقل والخفة ماكان في كل واحد منهما عادة وفي مثله الضمان بقدر الزيادة كما لو استأجرها ليحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحمل عليها أحد عشر مختوما وأبو حنيفة رحمه الله

[ 173 ] يقول الاختلاف هنا في الجنس من حيث أن الاكاف يأخذ من ظهر الحمار الموضع الذي لا يأخذه السرج فهو نظير مالو استأجر دابة ليحمل عليها حنطة فحمل عليها تبنا أو حطبا * توضيحه أن التفاوت ليس من حيث الثقل والخفة ولكن لان الحمار الذي لا يألف الاكاف يضره الركوب بإكاف وربما يجرحه ذلك فيكون مخالفا في الكل كما لو حمل عليها مثل وزن الحنطة حديدا وكذلك لو نزغ عن الحمار سرجه وأسرجه بسرج برذون لاتسرج بمثله الحمير فهو بمنزلة الاكاف وان أسرجه بسرج مثله أو أخف لم يضمن لان التعيين إذا لم يكن مفيدا فلا يعتبر وكذلك ان استأجره بإكاف فاوكفه بإكاف مثله أو أسرجه مكان الاكاف لان السرج أخف على الحمار من الاكاف فلا يكون خلافا منه ولو تكارى حمارا عريانا فأسرجه ثم ركبه فهو ضامن له لانه حمل عليه السرج بغير اذن صاحبه فكان مخالفا في ذلك قال مشايخنا رحمهم الله وهذا على أوجه فان استأجره من بلد إلى بلد لم يضمن إذا أسرجه لان الحمار لا يركب من بلد إلى بلد عادة الا بسرج أو إكاف والثابت بالعرف كالثابت بالشرط وان استأجره ليركبه في المصرفان كان من ذوى الهيئات فكذلك الجواب لان مثله لا يركب في المصر عريانا وان كان من العوام الذين يركبون الحمار في المصر عريانا فحينئذ يكون ضمانا إذا أسرجه بغير شرط وإذا استأجر دابة ليركبها إلى مكان معلوم فجاوز بها ذلك المكان ثم رجع فعطبت الدابة فلا ضمان عليه في قول أبى حنيفة الاول رحمه الله ثم رجع فقال هو ضامن ما لم يدفعها إلى صاحبها وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله * وجه قوله الاول أنه كان أمينا فيها فإذا ضمن بالخلاف ثم عاد إلى الوفاق عاد أمينا كالمودع * وجه قوله الآخر أنه بعد ما صار ضامنا بالخلاف لا يبرأ الا بالرد على المالك أو على من قامت يده مقام يد المالك ويد المستأجر يد نفسه لانه يمسكها لمنفعة نفسه كالمستعير فلا تكون يده قائمة مقام يد المالك فلا تبرأ عن الضمان وان عاد إلى ذلك المكان لانه ينتفع بها لنفسه في ذلك المكان بخلاف المودع فهناك يده قائمة مقام يد المالك وقد طعن عيسى رحمه الله في هذا فقال يد المستأجر كيد المالك بدليل أنه يرجع بما يلحقه من الضمان على المالك كالمودع بخلاف المستعير وبدليل أن مؤنة الرد على المالك في الاجارة دون العارية ولكنا نقول رجوعه بالضمان للغرور المتمكن بسبب عقد المعاوضة وذلك لا يدل على أن يده ليست بيد نفسه كالمشترى يرجع بضمن الغرور فكذلك مؤنة الرد عليه لما له من المنفعة في النقل فأما يد المستأجر يد نفسه والاشكال على هذا الكلام ما تقدم أن المرأة إذا استأجرت

[ 174 ] ثوب صيانة لتلبسه أياما فلبسته بالليل كانت ضامنه ثم إذا جاء النهار برئت من الضمان ويدها يد نفسها ولكنا نقول هناك الضمان عليها باللبس لا بالامساك لان لها حق الامساك ليلا ونهارا واللبس الذي لم يتناوله بالعقد لم يبق إذا جاء النهار وهنا الضمان على المستأجر بالامساك في غير المكان المشروط (ألا ترى) أنه لو جاوز بها ذلك المكان ولم يركبها كان ضامنا ولو حبسها في المصر أياما ولم يركبها كان ضامنا والامساك لا ينعدم وان عاد إلى ذلك المكان مادام يمسكها لمنفعة نفسه ثم الكلام في التفصيل بينما إذا استأجرها ذاهبا وجائيا أو ذاهبا لاجائيا قد تقدم في العارية فهو مثله في الاجارة ولو لم يجاوز المكان ولكنه ضربها في السير أو كبحها باللجام فعطبت فهو ضامن الا أن يأذن له صاحبها في ذلك في قول أبى حنيفة رحمه الله وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله يستحسن أن لا يضمنه إذا لم يتعد في ذلك وضرب كما يضرب الناس الحمار في موضعه لانه بمطلق العقد يستفيد الاذن فيما هو معتاد والضرب والكبح باللجام في السير معتاد وربما لاتنقاد الدابة الا به فيكون الاذن فيه ثابتا بالعرف ولو أذن فيه نصا لم يضمن المستأجر به فكذلك إذا كان متعارفا والقياس ماقاله أبو حنيفة رحمه الله لانه ضربها بغير اذن مالكها وذلك تعد موجب للضمان وبيان أن المستحق له بالعقد سير الدابة لاصفة الجودة فيه وهو لا يحتاج إلى الضرب والكبح في أصل تسيير الدابة وانما يستخرج بذلك منها * نهاية السير والجودة في ذلك وثبوت الاذن بمقتضي العقد فيفتقر على المستحق بالعقد * توضحيه أنه وان أبيح له الضرب فانما أبيح لمنفعة نفسه فان حق المالك في الآخر يتقرر بدونه ومثله يقيد بشرط السلامة كتعزير الزوج زوجته ورمى الرجل إلى الصيد ومشيه في الطريق مباح شرعا ثم يتقيد بشرط السلامة بخلاف مااذا أذن له المالك فيها نصا فان بعد الاذن فعله كفعل المالك وان استأجرها ليحمل عليها متاعا سماه إلى موضع معلوم فأجرها بمثل ذلك باكثر مما استأجرها لم يطب له الفضل الا أن يزيد معها حبلا أو جوالق أو لجاما فحينئذ يجعل زيادة الاجر بأزاء ما زاد ولو علفها لم يطلب له الفضل له لان العلف ليس بعين ينتفع به المستأجر لنعجل الزيادة بمقابلته وان استأجرها بغير لجام فالجمها أو بلجام فنزعه وأبد له بلجام آخر مثله فلا ضمان عليه لان اللجام لا يضر بالدابة وانما ينفعها من حيث أن السير يخف به عليها فلم يكن هذا خلافا من المستأجر الا إذا ألجمها بلحام لا يلجم مثلها به فحينئذ يكون مخالفا ضامنا وإذا استأجر دابة لحمولة فساق رب الدابة فعثرت فسقطت الحمولة وفسدت وصاحب

[ 175 ] المتاع يمشى مع رب الدابة أو ليس معه فالمكارى ضامن لان المكارى أجير المشترك والتلف حصل بجناية يده وكذلك لو انقطع حبله فسقط الحمل فهذا من جناية يده لانه لما شده بحبل لا يحتمله كان هو المسقط للحمل ولو مطرت السماء ففسد الحمل أو اصابته الشمس ففسد أو سرق من ظهر الدابة فلا ضمان عليه في قول أبى حنيفة رحمه الله وهو ضامن في قول من يضمن الاجير لان التلف حصل لا بفعله على وجه يمكن التحرز عنه وروى بشر عن أبى يوسف رحمهما الله قال إذا كان صاحب الحمل معه فسرق لم يضمن المكارى لان الحمل في يد صاحبه والاجير المشترك انما يصير ضامنا عندهما باعتبار يده فما دام المتاع في يد صاحبه لم يضمن الاجير إذا تلف بغير فعله فان حمل عليها عبدا صغيرا فساق به رب الدابة فعثرت وعطب العبد فلا ضمان عليه لان هذا جناية ولا يشبه هذا المتاع ومعنى هذا الكلام ان ما يجب من الضمان باتلاف النفوس ضمان الجناية وضمان الجناية ليس من جنس ضمان العقد (ألا ترى) أنه يجب على العاقلة مؤجلا ووجوب الضمان على الاجير المشترك فيما جنت يده باعتبار العقد فلا يلزمه ما ليس من جنس ضمان العقد فاما ضمان المتاع من جنس ضمان العقد حتى يكون عليه حالا دون العاقلة وبيان هذا الكلام ان على أحد الطريقين يقيد العقل بصفة السلامة بمقتضي عقد المعاوضة وعلى الطريق الآخر العمل مضمون عليه لانه يقابله بدل مضمون فعرفنا أن الضمان على الطريقين باعتبار العقد وكذلك لو حمل عليها صاحب المتاع متاعه وركبها فساقها رب الدابة فعثرت فعطب الرجل وأفسد المتاع لم يضمن رب الدابة شيئا أما لانه لا يضمن نفس صاحب المتاع لان ذلك ضمان الجناية ولا يضمن المتاع لان متاعه في يده معناه أن العمل فيه يصير مسلما بنفسه فيخرج من ضمان رب الدابة وإذا تكارى من رجل دابة شهرا بعشرة دراهم على أنه متى مابداله من ليل أو نهار حاجة ركبها لا يمنعه منها فان كان مسمى بالكوفة ناحية من نواحيها فهو جائز وان لم يكن سمى مكانا فالاجارة فاسدة لان المعقود عليه لا يصير معلوما ببيان المدة إذا لم يكن الركوب مستغرقا بجميع المدة وانما يصير معلوما ببيان المكان فما لم يبين ذلك لا يجوز وان تكاراها يوما يقضى حوائجه في المصر فهو جائز لان الركوب هنا مستدام في المدة المذكورة ولان نواحى المصر في حكم مكان واحد ولهذا جاز عقد السلم إذا شرط الايفاء في المصر وان لم يبين موضعا منه فإذا كان نواحى المصر كمكان واحد كان له أن يركب إلى أي نواحى المصر شاء والى الجنازة ونحوها لان المقابر من فناء المصر وليس له أن يسافر عليها لانه

[ 176 ] استأجرها للركوب في المصر وان تكاراها إلى واسط يعلفها ذاهبا وجائيا فركبها حتى أتى واسط فلما رجع حمل عليها رجلا معه فعطبت فعليه أجر مثلها في الذهاب لان الاستئجار بعلفها فاسد لجهالة الاجر وقد استوفى منفعتها بعقد فاسد فعليه أجر مثلها في الذهاب ونصف أجر مثلها في الرجوع لانه استوفي في الرجوع منفعة نصفها وهو ما شغلها بركوب نفسه فلذلك يلزمه نصف أجر المثل وقد ذكر قبل هذا في الاجارة الصحيحة أنه إذا ركبها وأردف فعليه جميع المسمى ومن أصحابنا رحمه الله من يقول لان في الاجارة الصحيحة يجب الاجر بمجرد التمكن وفي الفاسد لا يجب الاجر الا باستيفاء المنفعة ولهذا يلزمه بقدر ما استوفى (قال) رضي الله عنه وهذا ليس بقوى عندي في الموضعين جميعا فبالتمكن من الاستيفاء يجب أجر المثل وفي العقد الصحيح لا يعتبر التمكن فيما شغله بركوب غيره ولكن الصحيح أنه لافرق في الحقيقة انما يجب أجر المثل بحسب ما استوفى من المنفعة فيتضاعف أجر مثلها إذا أردف فإذا أوجبنا عليه نصف أجر مثلها فقد أوجبنا من أجر المثل جميع ما يخص ركوبه وكذلك عند صحة العقد فان جميع المسمى هناك بمقابلة ركوبه فهو نظير نصف أجر المثل هنا ثم يكون ضامنا نصف قيمة الدابة وان حمل عليها متاعا معه فهو ضامن بقدر ما زاد لانه مخالف له في ذلك ويحسب ما علفها به لانه علفها باذن صاحبها فيستوجب الرجوع به عليه ويكون قصاصا بما استوجب عليه صاحبها من الاجرة وان تكارى دابة عشرة أيام كل يوم بدرهم فحبسها ولم يركبها حتى ردها يوم العاشر قال يسع صاحبها أن يأخذ الكراء وان كان يعلم أنه لم يركبها لانه أتى بما يستحقها بما هو المستحق عليه بالعقد وهو تسليم الدابة إليه وتمكينها من ركوبها في المدة فيطيب له الاجر كالمرأة إذا سلمت نفسها إلى زوجها طاب لها جميع الصداق وان كانت تعلم أن زوجها لم يطأها وان تكاراها يوما واحدا فلا أجر عليه فيما حبسها بعد ذلك وان أنفق عليها فهو متطوع في ذلك الا أن يكون بأمر صاحبها ولو تكارى دابة لعروس تزف عليها إلى بيت زوجها فحبس الدابة حتى أصبح ثم ردها ولا يركب فلا كراء عليه لانه لم يوجد تسليم المعقود عليه فالمعقود عليه خطوات الدابة في الطريق لنقل العروس وذلك لا يوجد عند حبس الدابه في البيت وان حملوا عليها غير العروس فان تكاراها العروس بعينها فهو ضامن ولاكراء عليه لانه غاصب مخالف وان تكاراها لعروس بغير عينها فلا ضمان عليه وعليه الكراء استحسانا لان المستحق بالعقد قد استوفى والتعيين في الانتهاء كالتعيين في الابتداء وان تكاراها على

[ 177 ] أن يركب مع فلان يشيعه فحبسها من غدوة إلى انتصاف النهار ثم بدا للرجل أن لا يخرج فرد الدابة عند الظهر فان كان حبسها قدر ما يحبس الناس فلا ضمان عليه وان حبسها أكثر من ذلك فهو ضامن لامساكه إياها في غير المكان المشروط الا أن قدر ما يحبس الناس صار مستثنا له بالعرف ولا أجر عليه في الوجهين لانه لم يستوف المعقود عليه فالمعقود عليه خطوات الدابة في الطريق ولا يوجد ذلك إذا حبسها في المصرف ولان صاحب الدابة متمكن من أن تسير الدابة معه إلى الطريق وان ركبها بعد الحبس فلا أجر عليه أيضا لانه صار ضامنا بالخلاف فيكون كالغاصب لا يلزمه الاجر إذا عطبت لاستناد ملكه فيها إلى وقت وجوب الضمان عليه وان تكارى دابة بغير عينها إلى حلوان فنتجت في الطريق وضعفت من حمل الرجل لاجل الولادة فعلى المكارى أن يأتي بدابة أخرى تحمله ومتاعه لانه التزم بالعقد العمل في ذمته فعليه الوفاء بما التزم (ألا ترى) أن هذه الدابة لو هلكت كان عليه أن يأتي باخرى فكذلك إذا ضعفت الا أن يكون الكراء وقع على هذه بعينها فحينئذ المعقود عليه منافعها ولا يتأنى استيفاء ذلك من دابة أخرى بل يكون عذرا في فسخ الاجارة وان تكارى ثلاث دواب ثم أن رب الدواب أجر دابة من غيره وأعار أخرى ووهب أخرى أو باع فوجد المستكرى الدواب في أيديهم فان كان باع من عذر فبيعه جائز وانتقصت الاجارة على رواية هذا الكتاب وقد بيناه وان باع من غير عذر فالبيع مردود والمستكرى أحق بالدواب لتقدم عقده وثبوت استحقاق المنافع له واليد في العين بذلك العقد الا أن ما وجده في يد المستعير فلا خصومة بينهما حتى يحضر رب الدواب لان يد المستعير ليس بيد الخصومة وما وجده في يد الموهوب له فهو خصم فيها لانه يدعى ملك عينها فيكون خصما لمن يدعي حقا فيها وأما الاجارة فالمستأجر أحق بها حتى يستوفي الاجارة وهذا جواب مبهم فانه لم يبين أي المستأجرين أحق بها فمن أصحابنا رحمهم الله من يقول مراده الاول والثاني يكون خصما له لان الاول يدعى ما يزعم الثاني أنه له فيكون خصما له في ملكه ولكن الاصح أن المستأجر الثاني لا يكون خصما للاول حتى يحضر رب الدابة بمنزلة المستعير لانه لا يدعى ملك عينها لنفسه ولو تكارى غلاما ودابة إلى البصرة بعشرة دراهم ذاهبا وجائيا وقد شرط لهم درهما إلى الكوفة فأبق الغلام ونفقت الدابة فعليه من الاجر بحساب ما أصاب من خدمة الغلام وركوب الدابة لانه استوفى المعقود عليه بذلك القدر ثم انعدم تمكنه من استيفاء ما بقى بالهلال والاباق وقد

[ 178 ] كان أمينا فيهما ولاضمان عليه وان استأجر الدابة وحدها وقال المكارى استأجر غلاما عنى كى نتبعك ونتبع الدابة وأجره على وأعطاه نفقة بنفق على الدابة ففعل المستأجر وسرقت النفقة من الغلام فان أقام المستأجر البينة أنه استأجر الغلام وأقر الغلام بالقبض لزم المكارى النفعة ضاعت أولم تضع والا فلا شئ عليه لانه في استئجار الغلام وكيل صاحب الدابة وقد أثبته بالبينة فيجعل كأن صاحب الدابة استأجره بنفسه ثم الغلام وكيل المكارى في قبض النفقة منه فاقراره بالقبض كاقرار صاحب الدابة ولو تكاراها إلى بغداد بعشرة دراهم وأعطاه الاجر فلما بلغ بغداد رد عليه بعض الدراهم وقال هي زيوف أو استوقه فالقول قول رب الدابة في ذلك ان لم يكن أقر بشئ لانه ينكر استيفاء حقه وان أقر بقبض الدراهم فالقول قوله فيما يزعم أنه زيوف لان الزيوف من جنس الدراهم فلا يصير به مناقضا ولا يقبل قوله فيما يزعم أنه أستوق لانه مناقض في كلامه فالستوق ليس من جنس الدراهم وان كان أقر باستيفاء الاجرة أو باستيفاء حقه أو باستيفاء الجياد فلا قول له بعد ذلك فيما يدعى لكونه مناقضا وإذا مات المكارى في الطريق فاستأجر المستكرى رجلا يقوم على الدابة فالاجر عليه وهو متطوع في ذلك فهو كما لو أنفق على الدابة وان نفقت الدابة في الطريق فعليه من الكراء بقدر ما ساروا والقول في ذلك قوله لانهما تصادقا على أنه لم يستوف جميع المعقود عليه وانما اختلفا في مقدار ما استوفى أو في مقدار ما لزمه من الاجر فرب الدابة يدعى الزيادة والمستكري منكر لذلك وان تكارى دابتين احديهما إلى بغداد والاخرى إلى حلوان فان كانت التى إلى بغداد بعينها والتى إلى حلوان بعينها جاز العقد لان المعقود عليه معلوم وان كانت بغير عينها لم يجز لجهالة في المعقود عليه على وجه يفضي إلى المنازعة وعليه فيما ركب أجر مثله ولاضمان عليه اعتبار للعقد الفاسد بالجائز وان تكاري بغلا إلى بغداد فأراد المكارى أن يحمل متاعا له أو لغيره بكراء مع متاع فللمستكري أن يمنعه من ذلك لان بالعقد استحق منافعه وقام هو في ذلك مقام المالك والمالك مقام الأجنبي فان حمله وبلغ الدابة بغداد لم يكن للمستكرى أن يحبس عنه شيئا من الاجر لذلك لانه حصل مقصوده بكماله واستوفى ما استحقه بالعقد فإذا اختلف المؤجران في مقدار الكراء فالقول قول المستأجر لانهما يدعيان عليه الزيادة وبعد استيفاء المنفعة عقد الاجارة لا يحتمل الفسخ فكان القول قول المنكر للزيادة وان أقام المؤاجر ان البينة فلكل واحد منهما نصف ما شهد به شهوده لان

[ 179 ] كل واحد منهما يثبت حق نفسه وحق صاحبه وبينة كل واحد منهما على اثبات حقه أولى بالقبول ولان كل واحد منهما مكذب ببينة صاحبه فلا تكون تلك البينة حجة في نصيبه وان تكاراها على أنه بالخيار ساعة من نهار فركبها على ذلك فعطبت فعليه الاجر ولاضمان عليه لان ركوبه اياها في مدة خياره دليل الرضا منه بسقوط الخيار فانه مستوف للمعقود عليه متلف فلزمه الاجر بقدر ما استوفى ولاضمان عليه كما لو لم يكن في العقد خياله وان كان الخيار لصاحب الدابة فالمستكرى ضامن لها ولا أجر عليه لانه غاصب في ركوبها قبل أن يتم رضى صاحبها به فإذا شرط الخيار يعدم تمام الرضاء. ولو تكارى حمارا يطحن عليه فأوثقه في الرحا وساقه الاجير فتعسف عليه الاجير حتى عطب من عمله فالاجير ضامن لانه متلف له بالتعسف في سيره ولم يكن مأمورا بذلك من جهة المستأجر ليتنقل فعله إليه فلهذا لا شئ على المستأجر منه وان استأجر ثورا يطحن عليه كل يوم عشرة أقفزة فوجده لا يطحن الا خمسة أقفزة فالمستأجر بالخيار لانه يغير عليه شرط عقده فإذا شاء أبطل الاجارة عليه فما بقى عليه وفيما عمل من الطحن بحساب ما عمل من الايام ولا يحط عنه من ذلك شيئا لان المعقود عليه منفعة الثور في المدة وقد استوفى ذلك واشتراط عشرة أقفزة في كل يوم ليس لايراد العقد على العمل بل لبيان جلادة الثور في عمل الطحن فلهذا لا ينتقص عنه شئ من الاجر فيما عمل من الايام. ولو تكارى دابة إلى بغداد فوجدها لاتبصر بالليل أو جموحا أو عثورا أو تعض فان كانت الدابة بعينها فله الخيار لتغيير شرط العقد عليه وعليه من الاجر بحساب ما سار لانه استوفي المعقود عليه بقدره وان كانت بغير عينها فله أن يبلغه إلى بغداد على دابة غيرها لانه التزم العمل في ذمته وهذا إذا قامت البينة على عيب هذه الدابة لان دعوى المستأجر العيب غير مقبولة الا بحجة ولو تكاري بعيرا ليعمل عليه عملا على النصف (قال) كان أبو حنيفة رحمه الله يقول إذا كان ينقل الحمل على البعير فالاجر كله لصاحب البعير لانه بدل منفعة بعيره والمدفوع إليه نائب عنه في الاكراء وللذي يعمل عليه أجر مثله على صاحب البعير لانه ابتغى عن منافعه عوضا وقد سلمت منافعه لصاحب البعير ولم يسلم له العوض بمقابلته فعليه أجر المثل له وان كان الرجل يحمل عليه المتاع ليبيعه فما اكتسب عليه من شئ فهو له لانه عامل لنفسه فيما اكتسب بالبيع والشراء وعليه أجر مثل البعير لان صاحب البعير ابتغى عن منافع بعيره عوضا ولم يسلم له ذلك. رجل تكارى غلاما ليذهب له بكتاب إلى بغداد فقال الغلام قد

[ 180 ] ذهبت بالكتاب وقال الذي أرسل إليه الكتاب لم يأتنى به فعلى الغلام البينة على ما يدعى لانه يدعى ابقاء المعقود عليه وان أقام البينة أنه قد دفع الكتاب إليه كان الثابت بالبينة كالثابت باقرار الخصم وله الاجر على المرسل دون من حمل الكتاب إليه وان قال المرسل إليه أعطيته أجرة عشرة دراهم فعليه البينة على ذلك كما لو كان المرسل هو الذي يدعى ايفاء الاجر وان أقام الغلام البينة أنه قد أتى بغداد بالكتاب فلم يجد الرجل فله الاجر لانه أتى بما استحق عليه وهو قطع المسافة إلى بغداد مع الكتاب كما أمر به ثم ان كان استأجره ليذهب بالكتاب ويأتى بالجواب فله أجر حصة الذهاب دون الرجوع لانه في الرجوع غير ممتثل أمره ولاعامل له حين لم يكن الجواب معه وإذا عاد بالكتاب حين لم يجد الرجل فلا أجر له في قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله وقال محمد رحمه الله له ما يخص الذهاب من الاجر لانه في الذهاب عامل له كما أمر به فتقرر حقه في الاجر بقدره كما لو ترك الكتاب هناك عند أهل من أرسل إليه وهذا بخلاف مااذا استأجره ليحمل طعاما إلى بغداد فحمله ثم عاد به لان استحقاق الاجر هناك بنقل الطعام من كان إلى مكان وقد نقص ذلك حين عاد بالطعام فلم يبق تسليم شئ من المعقود عليه وهنا الاجر له بقطع المسافة إذ ليس للكتاب حمل ومؤنة فلا يصير بالرجوع ناقصا عمله سواء عاد بالكتاب أو لم يعد وأبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله يقولان شئ من مقصوده الامر لم يحصل بعمله فلا يستوجب الاجر عليه كما لو ذهب من جانب آخر وبيان ذلك أن مقصود الامر أن يصل الكتاب إلى المرسل إليه ويصل الجواب إليه وحين عاد بالكتاب صار الحال كما قبل ذهابه من حيث أن شيئا من مقصود الامر غير حاصل فاما ذا ترك الكتاب هناك فبعض مقصوده حاصل لان المكتوب إليه إذا حضر وقف على ما في الكتاب ويبعث بالجواب على يد غيره فلحصول بعض المقصود هناك ألزمناه حصة الذهاب من الاجر. رجل تكارى دابة إلى مكان معلوم ولم يقل أركبها بسرج ولا إكاف فجاء بها المكاري عريانة فركبها بسرج أو إكاف فعطبت (قال) ان كان يركب في ذلك الطريق مثل تلك الدابة باكاف أو بسرج فلا ضمان عليه ان كانت لاتركب الا بسرج فركب باكاف فهو ضامن لانه بمطلق العقد يستحق استيفاء المعقود عليه على الوجه المتعارف فإذا خالف ذلك صار ضامنا. ولو تكارى من الفرات إلى جعفى (وجعفى) قبيلتان بالكوفة ولم يسم أي القبيلتين هي أو إلى الكناسة ولم يسم أي الكناستين أو إلى بحيله ولم يسم أيهما هي الظاهرة أو الباطنة فعليه

[ 181 ] أجر مثلها لان المعقود عليه مجهول فكان العقد فاسدا واستيفاء المنفعة بحكم العقد الفاسد يوجب أجر المثل ومثله بحارا إذا تكاراها إلى السلهة ولم يبين أي السهلتين هي سهلة قوت أو سهلة أمير أو تكاراها إلى حسون ولم يبن أي القريتين ولو تكارى عبدا مأذون أو غير مأذون بنصف ما يكتسبه على هذه الدابة فالاجارة فاسدة لجهالة الاجر ولانه جعل الاجر بعض ما يحصل بعمله فالاجارة فاسدة وله أجر مثله فيما عمل له ان كان مأذونا أو استأجره من مولاه وان كان غير مأذون ولم يستأجره من مولاه فان عطب الغلام كان ضامنا لقيمته لانه غاصب له حين استعمله بغير اذن مولاه ولا أجر عليه لانه ملكه بالضمان من حين وجب عليه الضمان وان سلم فعليه الاجر استحسانا وفي القياس لا أجر عليه لانه غاصب له ضامن * وجه الاستحسان ان العقد الذي باشره العبد بتمحض منفعة إذا سلم من العمل لانه ان اعتبر وجب الاجر وان لم يعتبر لم يجب شئ والعبد المحجور عليه غير ممنوع عما يتمحض منفعة قبول الهبة والصدقة ولان عقد اكتساب محض إذا سلم من العمل فهو كالاحتطاب والاصطياد إذا باشره العبد بغير اذن مولاه وهذا لان الحجر لدفع الضرر عن المولى وفيما لاضرر عليه لاحجر وان تكاراها إلى بغداد على إن بلغه إليها فله رضاه فبلغه إليها فقال رضائي عشرون درهما فله أجر مثلها لجهالة الاجر عند العقد واستيفاء المنفعة بعقد فاسد الا أن يكون أجر المثل أكثر من عشرين درهما فلا يزاد عليه لانه رضي بهذا المقدار وأبرأه عن الزيادة وان تكارها بمثل ما يكارى به أصحابه أو بمثل مايتكارى به الناس فعليه أجر مثلها لان المسمى مجهول فالناس يتفاوتون في ذلك فمن بين مسامح ومستقصي. وان تكارى دابة من الكوفة إلى مكان معلوم من فارس بدراهم أو دنانير فعليه نقد الكوفة ووزنها لان السبب الموجب للاجر هو العقد وان تأخر الوجوب إلى استيفاء المعقود عليه والعقد كان بالكوفة فينصرف مطلق التسمية إلى وزن الكوفة ونقدها وهذا لان عمل العرف في تقييد مطلق التسمية والتسمية عند العقد لا عند استيفاء المنفعة فلهذا يعتبر مكان العقد فيه وان تكاراها إلى فارس ولم يسم مكانا معلوما منها فالعقد فاسد لجهالة المعقود عليه فقد سمى ولاية مشتملة على الامصار والقرى فإذا لم يبين موضعا منها فالمنازعة تتمكن بينهما من حيث أن المكارى يطالبه بالركوب إلى أدنى ذلك الموضع وهو يريد الركوب إلى أقصى تلك الولاية ويحتج كل واحد منهما بمطلق التسمية ومثله في ديارنا إذا تكارى دابة إلى فرغانة أو إلى سعد وان تكارى إلى الرى ولم يسم

[ 182 ] مدينتها ولا رستاقا بعينه فالعقد فاسد أيضا وروى هشام عن محمد رحمهما الله أن العقد جائز وجعل الري اسما للمدينة خاصة بمنزلة مالو تكاراها إلى سمرقند أو اوزجند ولكن في ظاهر الرواية قال اسم الري يتناول المدينة ونواحيها فإذا لم يبين المقصد يمكن جهالة فيه تفضي إلى المنازعة فان ركبها إلى أدنى الري فله أجر مثلها لا يزاد على ما سمى لان المكارى رضي بالمسمى إلى أدنى الري فان ركبها إلى أقصى الري فله أجر مثلها لا ينتقص ما سمى لان المستكرى قد التزم المسمى إلى أقصى الري فلا ينتقص عنه ويزاد عليه إذا كان أجر المثل أكثر من ذلك لان المكارى إذا رضى بالمسمى إلى أدنى الري فلا يصير راضيا إلى أقصى الري ومثله في ديارنا إذا استأجرها إلى بخارى فهو اسم للبلدة بنواحيها فأول حدود بخارى كرمينية وآخره فربر وبينهما مسافة بعيدة فالتخريج فيه كتخريج مسألة الرى وان تكاراها من الكوفة إلى بغداد وعلى أنه أدخله بغداد في يومين فله عشرة والا فله درهم فهذا من الجنس الذي تقدم بيانه أن عند أبى حنيفة رحمه الله التسمية الاولى صحيحة والثانية فاسدة وعندهما تصح التسميتان وقد بينا ذلك في الخياط. رجل تكاري دابة من رجل بالكوفة من الغداة إلى العشى (قال) يردها عند زوال الشمس لان ما بعد الزوال عشى قيل في تفسير قوله تعالى أن سبحوا بكرة وعشيا قبل الزوال وبعد الزوال وكذلك في قوله تعالى ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أن الغداد قبل الزوال والعشي ما بعده وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى أحد صلاتي العشاء إما الظهر أو العصر إذا ثبت هذا فنقول جعل العشي غاية والغاية لا تدخل في الاجارة فان ركبها بعد الزوال ضمنها لان العقد انتهى بزوال الشمس فهو غاصب في الركوب بعد ذلك وان تكاراها يوما ركبها من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس لان اليوم اسم لهذا الوقت (ألا ترى) أن الصوم يقدر باليوم شرعا وكان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وكذلك القياس فيما إذا استأجر أجيرا يوما الا أن الاجير ما لم يفرغ من الصلاة لا يشتغل بالعمل عادة فتركنا القياس فيه لهذا ولا يوجد هذا المعنى في استئجار الدابة وان تكاراها ليلة ركبها عند غروب الشمس فيردها عند طلوع الفجر فان بغروب الشمس يدخل الليل بدليل حكم الفطر ولم يذكر إذا تكاراها نهارا وبعض مشايخنا رحمهم الله يقول انما يركبها من طلوع الشمس إلى غروب الشمس فان النهار اسم الوقت من طلوع الشمس " قال صلى الله عليه وسلم صلاة النهار عجما " فلا يدخل في ذلك الفجر ولا المغرب

[ 183 ] وانما سمى نهارا لجريان الشمس فيه كالنهر يسمى نهرا لجريان الماء فيه ولكن هذا إذا كان من أهل اللغة يعرف الفرق بين اليوم والنهار فان العوام لا يعرفون ذلك ويستعملون اللفظين استعمالا واحدا فالجواب في النهار كالجواب في اليوم وان تكاراها بدرهم يذهب عليها إلى حاجته لم يجز العقد الا أن يبين المكان لان المعقود عليه لا يصير معلوما الا بذكر المكان ولا ضمان على المستأجر في الدابة إذا هلكت وهى في يده على اجارة فاسدة لان الفاسد من العقد معتبر بالجائز ولانه في الوجهين مستعمل للدابة باذن المالك وان استحقت الدابة من يد المستأجر وقد هلكت عنده فضمن قيمتها رجع على الذي أجرها منه لانه مغرور من جهته بمباشرة عقد الضمان فيرجع عليه بما يلحقه من الضمان بسببه ولا يملكها المستأجر بضمان القيمة لان الملك في المضمون يقع لمن يتقرر عليه الضمان وهو الاجر ولا أجر للمستحق على أحد لان وجوب الاجر بعقد باشره الاجر فيكون الاجر له خاصة وان تكاري دابة يطحن عليها كل شهر بعشرة دراهم ولم يسم كم يطحن عليها كل يوم فالاجارة جائزة لان المعقود عليه منفعة الدابة في المدة وذلك معلوم ولا يضمن ان عطبت من العمل الا أن يكون شيئا فاحشا لان المستحق بمطلق العقد استيفاء المعقود عليه على الوجه المتعارف فإذا جاوز ذلك كان مخالفا ضامنا وان تكاراها إلى بغداد وركبها وخالف المكان الذي استأجرها إليه (قال) الكراء لازم له في مسيره قبل الخلاف لانه استوفي المعقود عليه في ذلك القدر كما أوجبه العقد وهو ضامن للدابة فيما خالف ولا أجر عليه بعد ما صار ضامنا لها وان تكاراها ليحمل عليها انسانا فحمل امرأة يقيلها برحل أو بسرج فعطبت الدابة فلا ضمان عليه ولا على المرأة لانه مستوفي للمعقود عليه فالمسمى في العقد انسان وهى انسان وان كانت ثقيلة الا أن يكون أن مثل تلك الدابة لا يطيق حملها فحينئذ يكون اتلافا موجبا للضمان وقد تطرف في العبارة حيث وضع هذه المسألة في النساء دون الرجال لان النقل بهذه الصفة في الرجال مذموم وفي النساء محمود وان تكارى يوما إلى الليل بدرهم فأراه الدابة على أريها وقال اركبها إذا شئت فلما جاء الليل تنازعا في الكراء والركوب فان كانت الدابة دفعت إلى المستأجر فعليه الاجر لان الاجر سلم المعقود عليه فيتمكن المستاجر من الاستيفاء وان كان لم يدفعها فلا اجر عليه لانه لم يسلم المعقود عليه إليه وعلى رب الدابة البينة أنه قد ركبها لانه يدعى استيفاء المعقود عليه ووجوب الاجر فعليه أن يثبت ذلك بالبينة وان تكاراها إلى الحيرة في حاجة له فقال دونك الدابة

[ 184 ] فأركبها فلما كان في قدر ما يرجع من الحيرة فقال لم أركبها ولم أنطلق إلى الحيرة (قال) إذا حبسها في قدر ما يذهب إلى الحيرة ويرجع فلا أجر عليه إذا لم يذهب لما بينا أن المعقود عليه خطوات الدابة في طريق الحيرة ولا يتصور وجود ذلك إذا كانت الدابة على أريها في البيت وان دفعها إليه وقال لم أذهب بها ان علم أنه توجه إلى الحيرة فقال رجعت ولم أذهب لم يصدق لانه لما علم توجهه إلى الحيرة ومضي من الزمان بعد ذلك مقدار ما يذهب من ويجئ فالظاهر أنه قد أتى الحيرة فهو في قوله رجعت يدعى خلاف ما يشهد به الظاهر وان ردها من ساعة فلا أجر عليه لان الظاهر شاهد له فان قيل كيف يستحق رب الدابة الاجر بالظاهر والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق قلنا استحقاقه بالعقد عند تمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه فانما يثبت بالظاهر لانه يتمكن وذلك لا يكون استحقاقا بالظاهر ولانه بهذا الظاهر يدفع قول المستأجر انى رجعت قبل أن اتى الحيرة ولو تكارى دابة من رجل إلى بغداد على أن يعطيه الاجر إذا رجع من بغداد فمات المستأجر ببغداد فالاجر إلى بغداد دين في المسألة في النساء دون الرجال لان النقل بهذه الصفة في الرجال مذموم وفي النساء محمود وان تكارى يوما إلى الليل بدرهم فأراه الدابة على أريها وقال اركبها إذا شئت فلما جاء الليل تنازعا في الكراء والركوب فان كانت الدابة دفعت إلى المستأجر فعليه الاجر لان الاجر سلم المعقود عليه فيتمكن المستاجر من الاستيفاء وان كان لم يدفعها فلا اجر عليه لانه لم يسلم المعقود عليه إليه وعلى رب الدابة البينة أنه قد ركبها لانه يدعى استيفاء المعقود عليه ووجوب الاجر فعليه أن يثبت ذلك بالبينة وان تكاراها إلى الحيرة في حاجة له فقال دونك الدابة

[ 184 ] فأركبها فلما كان في قدر ما يرجع من الحيرة فقال لم أركبها ولم أنطلق إلى الحيرة (قال) إذا حبسها في قدر ما يذهب إلى الحيرة ويرجع فلا أجر عليه إذا لم يذهب لما بينا أن المعقود عليه خطوات الدابة في طريق الحيرة ولا يتصور وجود ذلك إذا كانت الدابة على أريها في البيت وان دفعها إليه وقال لم أذهب بها ان علم أنه توجه إلى الحيرة فقال رجعت ولم أذهب لم يصدق لانه لما علم توجهه إلى الحيرة ومضي من الزمان بعد ذلك مقدار ما يذهب من ويجئ فالظاهر أنه قد أتى الحيرة فهو في قوله رجعت يدعى خلاف ما يشهد به الظاهر وان ردها من ساعة فلا أجر عليه لان الظاهر شاهد له فان قيل كيف يستحق رب الدابة الاجر بالظاهر والظاهر حجة لدفع الاستحقاق لا للاستحقاق قلنا استحقاقه بالعقد عند تمكن المستأجر من استيفاء المعقود عليه فانما يثبت بالظاهر لانه يتمكن وذلك لا يكون استحقاقا بالظاهر ولانه بهذا الظاهر يدفع قول المستأجر انى رجعت قبل أن اتى الحيرة ولو تكارى دابة من رجل إلى بغداد على أن يعطيه الاجر إذا رجع من بغداد فمات المستأجر ببغداد فالاجر إلى بغداد دين في ماله لانه استوفى المعقود عليه في ذلك القدر ثم انتقضت الاجارة بموته وسقط الاجل أيضا فكان أجر ذلك المقدار دينا في تركته كسائر الديون والله أعلم (تم الجزء الخامس عشر من كتاب المبسوط) ويليه السادس عشر أوله باب انتقاض الاجارة)