يد الدهر جارحة آسيه

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

يدُ الدهرِ جارحة ٌ آسيَهْ

​يدُ الدهرِ جارحة ٌ آسيَهْ​ المؤلف عبد الجبار بن حمديس


يدُ الدهرِ جارحةٌ آسيَهْ
ودُنْياكَ مُفْنِيَةً فانيَهْ
وربّكَ وارثُ أربابها
ومحيي عظامهم الباليهْ
رأيتُ الحِمامَ يبيدُ الأنام
وَلَدْغَتُهُ ما لها راقيه
وأرواحنا ثمراتٌ له
يمدّ إليها يداً جانيهْ
وكل امرىءٍ قد رأى سمْعُهُ
ذهاباً منَ الأمَمِ الماضيه
وعاريةٌ في الفتى روحُهُ
ولا بدّ من رَدّه العاريه
سقى الله قبر أبي رحمةً
فسقياهُ رائحةٌ غاديهْ
وسيّرُ عن جسمه روحه
إلى الرَّوْحِ والعيشة الرّاضيهْ
فكم فيه من خُلُقٍ طاهرٍ
ومن همّةٍ في العُلى ساميَه
ومن كَرَمٍ في العُلى أوّل
وشمسُ النّهارِ لهُ ثانيَهْ
ولوْ أنّ أخلاقهُ للزمانِ
لكانتْ موارِدُهُ صافيه
أتاني بدارِ النوى نعيُهُ
فيا روعةَ السمع بالداهيه
فحمّرَ ما ابيضّ من عبرتي
وبيضَ لِمّتي الداجيهْ
بدارِ اغترابٍ كأنَّ الحياةَ
لذكر الغريب بها ناسيه
فمثّلتُ في خلدي شَخْصَهُ
وقَرّبْتُ تربته القاصيه
ونحتُ كثكلى على ماجدٍ
ولا مُسْعِدٌ لي سوى القافيه
قديمُ تراثِ العلى سَيّدٌ
على النجمِ خُطّتُهُ ساميه
مضى بالرجاحةِ من حلمهِ
فما سيّرَ الهضبةَ الراسيهْ؟
وما أنْسَ لا أنْسَ يوْم الفراق
وأسرارُ أعيننا فاشيهْ
ومرّتْ لتوديعنا ساعةٌ
بلؤلؤ أدمُعِنا حاليهْ
ولي بالوقوف على جمرها
وإنْضاجِهِ قَدَمٌ حافيه
ورحتُ إلى غربةٍ مُرّةٍ
وراحَ إلى غُرْبَةٍ ساجيَه
وقدْ أودعتني آراؤه
نجوماً طوالعُها هاديه
سمعتُ مقالَة شيخي النّصيحِ
وأرْضيَ عَنْ أرضِهِ نائيه
كأنّ بأذني لها صرخةً
أرادَ بها عُمَرٌ ساريه
مضى سالكاً سُبلَ أبائه
وأجدادهِ الغُررِ الماضيهْ
كرامٌ تولوا بريب المنون
وأبقوْا مفاخرهُمْ باقيَه
مَضَى وهو منّي أخو حَسَرةٍ
تُمازجُ أنفاسهُ الرّاقيهْ
تجودُ بدفع الأسى والرّدى
على خدّه عينهُ الباكيهْ
وإني لذو حزنٍ بعده
شؤونُ الدمعِ لهُ داميَه
بكيتُ أبي حقبةً والأسى
عليّ شَواهدُهُ باديه
وما خمدتْ لوعةٌ تلتظي
ولا جمدتْ عبرةٌ جاريهْ
ونفسي وإن مُدّ في عُمرِها
لما لقيتْ نفسُهُ لاقيه