محلى ابن حزم - المجلد الرابع/الصفحة الثامنة والخمسون

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
ابن حزم - المحلى المؤلف ابن حزم
كتاب صحبة ملك اليمين (مسأله 1704 - 1706)


كتاب صحبة ملك اليمين

1704 - مسألة: لا يجوز للسيد أن يقول لغلامه : هذا عبدي , ولا لمملوكته : هذه أمتي , لكن يقول : غلامي , وفتاي , ومملوكي , ومملوكتي وخادمي , وفتاتي. ولا يجوز للعبد أن يقول : هذا ربي , أو مولاي , أو ربتي. ولا يقل أحد لمملوك : هذا ربك , ولا ربتك , لكن يقول : سيدي. وجائز أن يقول المرء لأخر : هذا عبدك , وهذا عبد فلان , وأمة فلان , ومولى فلان ; لأن النهي لم يرد إلا فيما ذكرنا فقط. وجائز أن يقول : هؤلاء عبيدك , وعبادك , وإماؤك.

روينا من طريق أبي داود ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة عن رسول الله ، أنه قال : لا يقل أحدكم : عبدي , وأمتي , ولا يقولن المملوك : ربي , وربتي , وليقل المالك : فتاي , وفتاتي , وليقل المملوك : سيدي , وسيدتي , فإنكم : المملوكون , والرب : الله عز وجل.

ومن طريق عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن همام بن منبه أنه سمع أبا هريرة يحدث عن رسول الله قال : لا يقل أحدكم : أطعم ربك اسق ربك , وضئ ربك , ولا يقل أحدكم : ربي , وليقل : سيدي , ولا يقل : مولاي , ولا يقل أحدكم : عبدي أمتي , وليقل : فتاي , فتاتي , غلامي.

ومن طريق مسلم ، حدثنا أبو كريب ، حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي قال : ولا يقل العبد لسيده : مولاي , فإن مولاكم الله

قال أبو محمد : في هذه الرواية زيادة النهي عن قول : مولاي , والنهي هو الزائد , والوارد برفع الإباحة.

ومن طريق أبي داود ، حدثنا ابن السرح ، حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو ، هو ابن الحارث أن أبا يونس مولى أبي هريرة حدثه عن أبي هريرة بهذا الخبر , فأسنده عن أبي هريرة : همام بن منبه , وأبو صالح , وابن سيرين , وعبد الرحمن والد العلاء وروى عن أبي هريرة من فتياه : أبو يونس غلامه ، ولا يعلم له مخالف من الصحابة.

وقال الله عز وجل : {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} فإن احتج محتج بقول يوسف عليه السلام إنه ربي أحسن مثواي وقوله : اذكرني عند ربك فتلك شريعة , وهذه أخرى , وتلك لغة , وهذه أخرى , وقد كان هذا مباحا عندنا وفي شريعتنا حتى نهى رسول الله عن ذلك. وقد قال يوسف عليه السلام : توفني مسلما وألحقني بالصالحين وقد نهينا عن تمني الموت.


1705 - مسألة: وفرض على السيد أن يكسو مملوكه , ومملوكته , مما يلبس ولو شيئا وأن يطعمه مما يأكل ولو لقمة وأن يشبعه ويكسوه بالمعروف , مثل ما يكسى ويطعم مثله , أو مثلها , وأن لا يكلفه ما لا يطيق.

روينا من طريق البخاري ، حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شعبة ، حدثنا واصل الأحدب سمعت المعرور بن سويد قال : رأيت أبا ذر الغفاري وعليه حلة , وعلى غلامه حلة , فسألناه عن ذلك فقال : إن رسول الله قال له : إخوانكم خولكم جعلهم الله تعالى تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل , وليلبسه مما يلبس , ولا تكلفوهم ما يغلبهم , فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم.

ومن طريق مسلم ، حدثنا هارون بن معروف , ، ومحمد بن عباد , قالا جميعا : ، حدثنا حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد أبي حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت أنه سمع أبا اليسر وقد لقيه وعليه بردة ومعافري , وعلى غلامه بردة ومعافري , فقال له في ذلك , فقال له أبو اليسر : بصر عيناي هاتان , وسمع أذناي هاتان , ووعاه قلبي رسول الله وهو يقول : أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تكسون. قال أبو اليسر : فكان إذا أعطيته من متاع الدنيا أهون علي من أن يأخذ من حسناتي يوم القيامة.

وروينا مثل هذا عن أبي بكر الصديق , ولا مخالف لهم من الصحابة ، رضي الله عنهم ، أصلا.


1706 - مسألة: ولا يحل لأحد أن يسمي غلامه : أفلح , ولا يسار , ولا نافع , ولا نجيح , ولا رباح وله أن يسمي أولاده بهذه الأسماء. وله أن يسمي مماليكه بسائر الأسماء , مثل : نجاح , ومنجح , ونفيع , وربيح , ويسير , وفليح , وغير ذلك , لا تحاش شيئا.

روينا من طريق مسلم ، حدثنا يحيى بن يحيى : أنه سمع المعتمر بن سليمان يحدث أنه سمع الركين بن الربيع بن عميلة يحدث عن أبيه عن سمرة بن جندب قال : نهانا رسول الله أن نسمي رقيقنا بأربعة أسماء : أفلح , ورباح , ويسار , ونافع.

ومن طريق مسلم ، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، حدثنا زهير بن معاوية , ، حدثنا منصور بن المعتمر عن هلال بن يساف عن الربيع بن عميلة عن سمرة بن جندب , قال : قال رسول الله  : لا تسمين غلامك يسارا , ولا رباحا , ولا نجيحا , ولا أفلح , فإنك تقول : أثم هو فيقول : لا إنما هن أربع , فلا تزيدن علي.

قال علي : ورويناه من طرق

قال أبو محمد فخالف قوم هذا ودفعوه بأن قالوا : قد صح يقينا من طريق جابر ، أنه قال : أراد النبي عليه الصلاة والسلام أن ينهى أن يسمى ب يعلى وبركة , وأفلح ونافع , ويسار , وبنحو ذلك ثم رأيته سكت بعد عنها , ثم قبض ولم ينه عن ذلك , ثم أراد عمر بن الخطاب أن ينهى عن ذلك , ثم تركه.

قال أبو محمد : ليس من لم يعلم حجة على من علم , جابر يقول ما عنده ; لأنه لم يسمع النهي , وسمرة يقول ما عنده , لأنه سمع النهي , والمثبت أولى من النافي ; لأن عنده علما زائدا لم يكن عند جابر , ولا يمكن الأخذ بحديث جابر إلا بتكذيب سمرة , ومعاذ الله من هذا , فكيف وكثير من الأسماء التي ذكرها جابر لم ينه عنها أصلا

فصح أن حديث سمرة ليس مخالفا لأكثر ما في حديث جابر ; لأن جابرا ذكر : أنه عليه الصلاة والسلام لم ينه عن تلك الأسماء التي ذكر , وصدق وذكر سمرة : أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن بعضها , وصدق. وقالوا : قد روي أن رسول الله كان له غلام أسود اسمه : رباح , يأذن عليه وقد غاب عن عمر أمر جزية المجوس وهو أشهر من النهي عن هذه الأسماء , فما المانع من أن يغيب عن جابر , وطائفة معه : النهي عن هذه الأسماء , وقد غاب ، عن ابن عمر النهي عن كري الأرض ثم بلغه في آخر عمره فرجع إليه وهو أشهر من هذه الأسماء

وأما تسمية غلام رسول الله رباحا : فإنما انفرد به عكرمة بن عمار وهو ضعيف فلا حجة فيه ولو صح لكان موافقا لمعهود الأصل , وكان النهي شرعا زائدا لا يحل الخروج عنه وقالوا : قول النبي  : " فإنك تقول : أثم هو فيقول : لا " بيان بالعلة في ذلك , وهي علة موجودة في : خيرة وخير , وسعد وسعيد , ومحمود , وأسماء كثيرة : فيجب المنع منها عندكم أيضا

قلنا : هذا أصل أصحاب القياس , لا أصلنا , وإنما نجعل نحن ما جعله الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام سببا للحكم في المكان الذي ورد فيه النص فقط , لا نتعداه إلى ما لم ينص عليه برهاننا على صحة ذلك أنه عليه الصلاة والسلام لو أراد أن يجعل ذلك علة في سائر الأسماء لما عجز عن ذلك بأخصر من هذا اللفظ الذي أتى به : فهذا حكم البيان , والذي ينسبونه إليه عليه الصلاة والسلام من أنه أراد أشياء كثيرة فتكلف ذكر بعضها , وعلق الحكم عليه , وأخبر بالسبب في ذلك , وسكت عن غير ذلك : هو حكم التلييس , وعدم التبليغ , ومعاذ الله من هذا. ولا دليل لكم على صحة دعواكم إلا الدعوى فقط , والظن الكاذب. وقالوا : قد سمى ابن عمر غلامه : نافعا , وسمى أبو أيوب غلامه : أفلح بحضرة الصحابة

قلنا : قد غاب بإقراركم عن أبي أيوب وجوب الغسل من الإيلاج , وغاب ، عن ابن عمر حكم كري الأرض , وغير ذلك , فأيما أشنع مغيب مثل هذا , أو مغيب النهي عن اسم من الأسماء : فبطل كل ما شغبوا به , ولا حجة في أحد على رسول الله . تم كتاب صحبة ملك اليمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد عبده ورسوله وسلم تسليما كثيرا.