مجموع الفتاوى/المجلد السادس/فصل: قول منكري النبوات ليس الخلق أهلا أن يرسل الله إليهم رسولا
فصل: قول منكري النبوات ليس الخلق أهلا أن يرسل الله إليهم رسولا
[عدل]وأما منكرو النبوات، وقولهم: ليس الخلق أهلا أن يرسل الله إليهم رسولا، كما أن أطراف الناس ليسوا أهلا أن يرسل السلطان إليهم رسولا، فهذا جهل واضح في حق المخلوق والخالق؛ فإن من أعظم ما تحمد به الملوك خطابهم بأنفسهم لضعفاء الرعية، فكيف بإرسال رسول إليهم.
وأما في حق الخالق، فهو سبحانه أرحم بعباده من الوالدة بولدها، وهو قادر مع كمال رحمته، فإذا كان كامل القدرة كامل الرحمة فما المانع أن يرسل إليهم رسولا رحمة منه؟ كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} 1.
وقال النبي ﷺ: «إنما أنا رَحْمَةُ مُهْدَاةُ»؛ ولأن هذا من جملة إحسانه إلى الخلق بالتعليم والهداية، وبيان ما ينفعهم وما يضرهم، كما قال تعالى: {لَقَدْ مَنَّ الله عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} 2. فبين تعالى أن هذا من مِنَنِه على عباده المؤمنين.
فإن كان المُنْكِر ينكر قدرته على ذلك، فهذا قدح في كمال قدرته، وإن كان ينكر إحسانه بذلك، فهذا قدح في كمال رحمته وإحسانه.
فعلم أن إرسال الرسول من أعظم الدلالة على كمال قدرته وإحسانه، والقدرة والإحسان من صفات الكمال لا النقص، وأما تعذيب المكذبين فذلك داخل في القَدَر، لما له فيه من الحكمة.
هامش