انتقل إلى المحتوى

مجموع الفتاوى/المجلد السادس/فصل: فيما احتج به الفلاسفة والمتكلمون في مسألة حدوث العالم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
مجموع فتاوى ابن تيمية المؤلف ابن تيمية
فصل: فيما احتج به الفلاسفة والمتكلمون في مسألة حدوث العالم


فصل: فيما احتج به الفلاسفة والمتكلمون في مسألة حدوث العالم

[عدل]

وما احتج به الفلاسفة والمتكلمون في مسألة حدوث العالم، إنما يدل على مذهب السلف والأئمة. أما الفلاسفة، فحجتهم إنما تدل على أنه لم يزل فاعلا، كما أن حجة الأشعرية إنما تدل على أنه لم يزل متكلمًا، وكل من الفريقين احتج على قدم العين بأدلة لا تقتضي ذلك.

وأما المتكلمون، فعمدتهم أن ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث، أو ما لم يسبق الحوادث فهو حادث، وكل من هاتين القضيتين هي صحيحة باعتبار، وتدل على الحق، فما لم يسبق الحوادث المحدودة التي لها أول فهو حادث، وهذا معلوم بصريح العقل واتفاق العقلاء. فكل ما علم أنه كان بعد حادث له ابتداء، أو مع حادث له ابتداء، فهو أيضا حادث له ابتداء بالضرورة.

وكذلك ما لم يخل من هذه الحوادث.

وأيضا، فما لم يخل من الحوادث مع حاجته إليها فهو حادث، وما لم يخل من حوادث يحدثها فيه غيره فهو حادث، بل ما احتاج إلى الحوادث مطلقًا فهو حادث، وما قامت به حوادث من غيره فهو حادث، وما كان محتاجًا إلى غيره فهو حادث، وما قامت به الحوادث فهو حادث.

وهذا يبطل قول المتفلسفة القائلين: بقدم الفلك كأرسطو وأتباعه؛ فإن أرسطو يقول: إنه محتاج إلى العلة الأولى للتشبه بها، وبرقلس وابن سينا ونحوهما يقولون: إنه معلول له أي موجب له والأول علة فاعلة له، فالجميع يقولون: إنه محتاج إلى غيره مع قيام الحوادث به، وإنه لم يخل منها، ويقولون: هو قديم، وهذا قول باطل.

ويقول ابن سينا: إنه ممكن يقبل الوجود والعدم مع قيام الحوادث به، وهو قديم أزلي. وهذا باطل، فإن كونه محتاجًا إلى غيره يمتنع أن يكون واجب الوجود بنفسه، فإن واجب الوجود بنفسه لا يكون محتاجًا إلى غيره وإن لم يكن واجبًا بنفسه كان ممكنًا يقبل الوجود والعدم، وحينئذ فيكون محدثًا من وجوه:

منها: أن الممكن الذي يقبل الوجود والعدم لا يكون إلا محدثًا، وأما القديم الذي يمتنع عدمه فلا يقبل الوجود والعدم.

ومنها: أنه إذا كان مع حاجته تحله الحوادث من غيره، دل على أن غيره متصرف فيه قاهر له، تحدث فيه الحوادث ولا يمكنه دفعها عن نفسه، وما كان مقهورًا مع غيره لم يكن موجودًا بنفسه، ولا مستغنيًا بنفسه، ولا عزيزًا ولا مستقلا بنفسه، وما كان كذلك لم يكن إلا مصنوعًا مربوبًا فيكون محدثًا.

وأيضا، فإذا لم يخل من الحوادث التي يحدثها فيه غيره ولم يسبقها، بل كانت لازمة له، دل على أنه في جميع أوقاته مقهورًا مع الغير متصرفًا له، يدل على أنه مفتقر إليه دائمًا، وهذا يبطل قول المتكلمين الذين يقولون: إنما يفتقر إليه حال حدوثه فقط، كما يبطل قول المتفلسفة الذين يقولون: يفتقر إليه في دوامه مع قدمه وعدم حدوثه.

والتحقيق: أنه محدث يفتقر إليه حال الحدوث وحال البقاء. وكونه محلا للحوادث من غيره، أو محلا للحوادث مع حاجته، يدل على أنه محدث. وأما كونه محلا لحوادث يحدثها هو فهذا لا يستلزم لا حاجته ولا حدوثه؛ ولهذا كان الصحابة يذكرون أن حدوث الحوادث في العالم يدل على أنه مربوب، كما قد ذكرنا هذا في موضع آخر، والمربوب محدث، وكل ما سوى الله تحدث فيه الحوادث من غيره وهو محتاج إلى غيره، فكل فلك فإنه يحركه غيره فتحدث فيه الحركة من غيره، فالفلك المحيط يحركها كلها، وهو متحرك بخلاف حركته فتحدث فيه مناسبة حادثة بغير اختياره وهي مستقلة بحركتها لا تحتاج فيها إليه، فامتنع أن يكون ربا لها، والشمس والقمر والكواكب يحركها غيرها فكلها مسخرات بأمره.


هامش



مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد السادس
فصل: تقرب العبد إلى الله | وقال الشيخ رحمه الله تعالى | فصل: ما قاله الشيخ في إثبات القرب وأنواعه | فصل: هل يتحرك القلب والروح إلى محبوبها | سئل عمن يقول إن النصوص تظاهرت ظواهرها على ما هو جسم | فصل قول القائل: كلما قام دليل العقل على أنه يدل على التجسيم كان متشابها | فصل في جمل مقالات الطوائف في الصفات | فصل الأشياء العينية والعلمية واللفظية والرسمية | فصل طريقة اتباع الأنبياء هي الموصلة إلى الحق | سئل عن تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال | المقدمة الأولى أن الكمال ثابت لله | المقدمة الثانية لا بد من اعتبار أمرين | فصل ما جاء به الرسول هو الحق الذي يدل عليه المعقول | فصل قول الملاحدة أن اتصافه بهذه الصفات إن أوجب له كمالا فقد استكمل بغيره | فصل: قول القائل لو قامت به صفات وجودية لكان مفتقرا إليها | فصل: قول القائل الصفات أعراض لا تقوم إلا بجسم مركب | فصل: قول القائل لو قامت به الأفعال لكان محلا للحوادث | فصل: نفي النافي للصفات الخبرية المعينة | فصل: قول القائل المناسبة لفظ مجمل فقد يراد بها التولد والقرابة | فصل قول القائل الرحمة ضعف وخور في الطبيعة | فصل: قول القائل الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام | فصل: قول القائل إن الضحك خفة روح | فصل قول القائل التعجب استعظام للمتعجب منه | فصل قول القائل لو كان في ملكه ما لا يريده لكان نقصا | فصل: قول منكري النبوات ليس الخلق أهلا أن يرسل الله إليهم رسولا | فصل قول المشركين إن عظمته تقتضي ألا يتقرب إليه إلا بواسطة | فصل: قول القائل لو قيل لهم أيما أكمل | فصل: قول القائل الكمال والنقص من الأمور النسبية | فصل قوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى | فصل القاعدة العظيمة في مسائل الصفات والأفعال | رد الإمام أحمد على ما أنكرت الجهمية من أن الله كلم موسى | فصل قال القاضي: قال أحمد في رواية حنبل لم يزل الله متكلما عالما غفورا | فصل: ولا خلاف عن أبي عبد الله أن الله كان متكلمًا بالقرآن قبل أن يخلق الخلق | فصل مما يجب على أهل الإيمان التصديق به أن الله ينزل إلى سماء الدنيا | فصل ومما يجب التصديق به مجيئه إلى الحشر يوم القيامة | القول في القرآن | قاعدة في الاسم والمسمى | فصل الذين قالوا إن الاسم غير المسمى | سئل عمن زعم أن الإمام أحمد كان من أعظم النفاة للصفات | فصل في الصفات الاختيارية | فصل في الإرادة والمحبة والرضا | فصل في السمع والبصر والنظر | فصل في دلالة الأحاديث على الأفعال الاختيارية | فصل المنازعون النفاة منهم من ينفي الصفات مطلقا | فصل: رد فحول النظار حجج النفاة لحلول الحوادث | فصل في اتصافه تعالى بالصفات الفعلية | فصل فيما ذكره الرازي في مسألة الصفات الاختيارية | فصل: الرد على الرازي في قصة الخليل إبراهيم وقوله لا أحب الآفلين | قاعدة أن جميع ما يحتج به المبطل من الأدلة إنما تدل على الحق | فصل: مسلك طائفة من أئمة النظار الجمع بين أدلة الأشاعرة والفلاسفة | فصل: الحجة الثانية لمن قال بقدم الكلام | فصل: فيما احتج به الفلاسفة والمتكلمون في مسألة حدوث العالم | فصل في دلالة ما احتجوا به على خلاف قولهم | سئل عن جواب شبهة المعتزلة في نفي الصفات | الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز والصفات | فصل المعترض في الأسماء الحسنى | سئل عن قول النبي: الحجر الأسود يمين الله في الأرض | حديث: رؤية المؤمنين ربهم في الجنة | فصل هل ترى المؤمنات الله في الآخرة | سئل عن لقاء الله سبحانه هل هو رؤيته أو رؤية ثوابه | فصل: قول السائل: كيف يتصور منا محبة ما لا نعرفه | فصل قول السائل إذا كان حب اللقاء لما رآه من النعيم فالمحبة للنعيم | رسالة إلى أهل البحرين في رؤية الكفار ربهم | قوله في حديث: نور أنى أراه | فصل الذي ثبت: رأى محمد ربه بفؤاده | سئل عن أقوام يدعون أنهم يرون الله بأبصارهم في الدنيا | سئل عن حديث إن الله ينادي بصوت | فصل قول القائل لا يثبت لله صفة بحديث واحد | الرسالة العرشية | سئل هل العرش والكرسي موجودان أم مجاز | سئل عن رجلين تنازعا في كيفية السماء والأرض | سئل عن خلق السموات والأرض وتركيب النيرين والكواكب | سئل هل خلق الله السموات والأرض قبل الليل والنهار | سئل عن اختلاف الليل والنهار