مجموع الفتاوى/المجلد الثاني/سئل شيخ الإسلام عن الحلاج وفيمن قال أنا أعتقد ما يعتقده الحلاج

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



سئل شيخ الإسلام عن الحلاج وفيمن قال أنا أعتقد ما يعتقده الحلاج[عدل]

سئل شيخ الإسلام قدس الله روحه:

ما تقول أئمة الإسلام في الحلاج؟ وفيمن قال: أنا أعتقد ما يعتقده الحلاج: ماذا يجب عليه؟ ويقول: إنه قتل ظلمًا كما قتل بعض الأنبياء، ويقول: الحلاج من أولياء الله. فماذا يجب عليه بهذا الكلام، وهل قتل بسيف الشريعة؟

فأجاب:

الحمد لله، من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين، فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحاد، ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد، كقوله: أنا الله، وقوله: إله في السماء وإله في الأرض.

وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إلا الله، وأن الله خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق و{إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} 1، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى الله إِلاَّ الْحَقِّ} 2 الآيات، وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ الله هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} الآيتين 3. فالنصارى الذين كفرهم الله ورسوله، واتفق المسلمون على كفرهم بالله ورسوله، كان من أعظم دعواهم الحلول والاتحاد بالمسيح ابن مريم، فمن قال بالحلول والاتحاد في غير المسيح كما تقوله الغالية في على، وكما تقوله الحلاجية في الحلاج، والحاكمية في الحاكم، وأمثال هؤلاء فقولهم شر من قول النصارى؛ لأن المسيح ابن مريم أفضل من هؤلاء كلهم. وهؤلاء من جنس أتباع الدجال، الذي يدعى الإلهية ليتبع، مع أن الدجال يقول للسماء: أمطري فتمطر، وللأرض: أنبتي فتنبت، وللخربة: أخرجي كنوزك، فتخرج معه كنوز الذهب والفضة، ويقتل رجلا مؤمنا ثم يأمر به فيقوم، ومع هذا فهو الأعور الكذاب الدجال، فمن ادعى الإلهية بدون هذه الخوارق، كان دون هذا الدجال. والحلاج كانت له مخاريق وأنواع من السحر، وله كتب منسوبة إليه في السحر. وبالجملة، فلا خلاف بين الأمة أن من قال بحلول الله في البشر، واتحاده به، وأن البشر يكون إلها، وهذا من الآلهة، فهو كافر مباح الدم، وعلى هذا قتل الحلاج.

ومن قال: إن الله نطق على لسان الحلاج، وإن الكلام المسموع من الحلاج كان كلام الله، وكان الله هو القائل على لسانه: أنا الله، فهو كافر باتفاق المسلمين، فإن الله لا يَحِل في البشر، ولا تكلم على لسان بشر، ولكن يرسل الرسل بكلامه، فيقولون عليه ما أمرهم ببلاغه، فيقول على ألسنة الرسل ما أمرهم بقوله، كما قال النبي : (أما إن الله قال على لسان نبيه: سمع الله لمن حمده).

فإن كل واحد من المرسل والرسول قد يقال: إنه يقول على لسان الآخر كما قال الإمام أحمد بن حنبل للمروذي: قل على لساني ما شئت، وكما يقال: هذا يقول على لسان السلطان كيت وكيت، فمثل هذا معناه مفهوم.

وأما أن الله هو المتكلم على لسان البشر كما يتكلم الجني على لسان المصروع، فهذا كفر صريح، وأما إذا ظهر مثل هذا القول عن غائب العقل قد رفع عنه القلم، لكونه مصطلما في حال من أحوال الفنا والسكر، فهذا تكلم به في حال رفع عنه فيهما القلم، فالقول وإن كان باطلا لكن القائل غير مؤاخذ.

ومثل هذا يعرض لمن استولى عليه سلطان الحب مع ضعف العقل، كما يقال: إن محبوبًا ألقى نفسه في اليم فألقى المحب نفسه خلفه، فقال: أنا وقعت فلم وقعت خلفي؟ قال: غبت بك عني فظننت أنك أني.

وقد ينتهي بعض الناس إلى مقام يغيب فيه بمعبوده عن عبادته، وبمذكوره عن ذكره وبمعروفه عن معرفته.

فإذا ذهب تمييز هذا وصار غائب العقل بحيث يرفع عنه القلم لم يكن معاقبا على ما تكلم به في هذه الحال، مع العلم بأنه خطأ وضلال، وأنه حال ناقص لا يكون لأولياء الله.

وما يحكى عن الحلاج من ظهور كرامات له عند قتله، مثل كتابة دمه على الأرض: الله، الله، وإظهار الفرح بالقتل أو نحو ذلك، فكله كذب. فقد جمع المسلمون أخبار الحلاج في مواضع كثيرة، كما ذكر ثابت بن سنان في أخبار الخلفاء وقد شهد مقتله وكما ذكر إسماعيل بن علي الخطبي في تاريخ بغداد وقد شهد قتله وكما ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه، وكما ذكر القاضي أبو يعلى في المعتمد، وكما ذكر القاضي أبوبكر بن الطيب، وأبو محمد بن حزم وغيرهم، وكما ذكر أبو يوسف القزويني وأبوالفرج بن الجوزي، فيما جمعا من أخباره.

وقد ذكر الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية، أن أكثر المشايخ أخرجوه عن الطريق، ولم يذكره أبو القاسم القشيري في رسالته من المشايخ الذين عدهم من مشايخ الطريق. وما نعلم أحدًا من أئمة المسلمين ذكر الحلاج بخير، لا من العلماء ولا من المشايخ، ولكن بعض الناس يقف فيه؛ لأنه لم يعرف أمره، وأبلغ من يحسن به الظن يقول: إنه وجب قتله في الظاهر، فالقاتل مجاهد والمقتول شهيد، وهذا أيضا خطأ.

وقول القائل: إنه قتل ظلمًا، قول باطل، فإن وجوب قتله على ما أظهره من الإلحاد أمر واجب باتفاق المسلمين، لكن لما كان يظهر الإسلام ويبطن الإلحاد إلى أصحابه، صار زنديقًا، فلما أخذ وحبس أظهر التوبة، والفقهاء متنازعون في قبول توبة الزنديق، فأكثرهم لا يقبلها، وهو مذهب مالك وأهل المدينة، ومذهب أحمد في أشهر الروايتين عنه، وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة، ووجه في مذهب الشافعي، والقول الآخر تقبل توبته.

وقد اتفقوا على أنه إذا قتل مثل هذا لا يقال: قتل ظلمًا.


هامش[عدل]

  1. [مريم: 93]
  2. [النساء: 171]
  3. [المائدة: 72]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الثاني
توحيد الربوبية | قاعدة أولية: أصل العلم الإلهي ومبدأه عند الرسول والذين آمنوا | في تمهيد الأوائل وتقرير الدلائل ببيان أصل العلم والإيمان | قد تكلم طائفة من المتكلمة والمتفلسفة والمتصوفة في قيام الممكنات بالواجب القديم | ثم يقال هذا أيضا يقتضي | أصل الإثبات والنفي والحب والبغض هو شعور نفسي | الإيمان هو أصل السعادة وهو قول القلب وعمله | إن المنحرفين المشابهين للصابئة | تفرق الناس في هذا المقام الذي هو غاية مطالب العباد | حقيقة مذهب الاتحادية | سئل عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد | الذي يدعي النبوة ويبيح الفاحشة اللوطية ويحرم النكاح فإنه من الكافرين وأخبث المرتدين | وسئل: عن كتاب فصوص الحكم | السلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا إنه في كل مكان | حكم الاتحادية ومن اعتذر عنهم | تصور مذهبهم كاف في فساده | حقيقة قول هؤلاء أن وجود الكائنات هو عين وجود الله | بنوا أصلهم على ثلاث مقالات | في قولهم إن وجود الأعيان نفس وجود الحق وعينه | فيما خالف فيه الصدر الرومي ابن عربي | أما التلمساني ونحوه فلا يفرق بين ماهية ووجود | هذه المقالات لا أعرفها لأحد من أمة قبل هؤلاء | مذهب هؤلاء الاتحادية مركب من ثلاث مواد | هذا أكفر من قول النصارى من وجوه | الوجه الأول | الثاني | الثالث | الرابع | الخامس | السادس | السابع | الثامن | التاسع | العاشر | الحادي عشر | ما حكي أن العالم بمجموعه حدقة عين الله هو عين الكفر وذلك من وجوه | في ذكر بعض ألفاظ ابن عربي التي تبين مذهبه | حقيقة قوله وسر مذهب ابن عربي | اتفق المسلمون على أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك | في بعض ما يظهر به كفرهم وفساد قولهم وذلك من وجوه | أحدها | الثاني | الثالث | الرابع | الخامس | السادس | السابع | الأصول التي يعتمدها الاتحادية | زعمت طائفة من هؤلاء الاتحادية أن فرعون كان مؤمنا | سئل عن أعمال تشتمل على الحلول والاتحاد | أما ما ذكره من قول ابن إسرائيل الأمر أمران | ما ذكره من قول ابن إسرائيل الأمر أمران | قول القائل: التوحيد لا لسان له والألسنة كلها لسانه | سئل عن كتاب فصوص الحكم | أفعال العباد مفعولة مخلوقة لله | فيما عليه أهل العلم والإيمان من الأولين والأخرين | أن المؤمن لا بد أن يقوم بقلبه من معرفة الله والمحبة له | ما يشبه الاتحاد | جاء في أولياء الله الذين هم المتقون نوع من هذا | فهذان المعنيان صحيحان ثابتان | قد يقع بعض من غلب عليه الحال في نوع من الحلول أو الاتحاد | فإذا عرف الاتحاد المعين مما يشبه الحلول أو الاتحاد | في الغلط في ذلك | كما يشهد ربوبيته وتدبيره العالم المحيط وحكمته ورحمته فكذلك يشهد إلهيته العامة | فهذا فيما يشبه الاتحاد أو الحلول في معين | وأما كفرهم بالمعبود فإذا كان لهم في بعض المخلوقات هوى | أما اتحاد ذات العبد بذات الرب بل اتحاد ذات عبد بذات عبد | نفي كونه سبحانه والدا لشيء أو متخذا لشيء ولدا | الملاحدة لا يقتصرون في كفرهم بالله على أنه ولد شيئا أو اتخذ ولدا | رسالة شيخ الإسلام إلى نصر المنبجي | سئل عن الحلاج وفيمن قال أنا أعتقد ما يعتقده الحلاج | الرد على من قال إن الحلاج من أولياء الله | سئل عمن يقول إن ما ثم إلا الله | سئل عن حديث فإن الله هو الدهر فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية