مجموع الفتاوى/المجلد الثاني/سئل شيخ الإسلام عمن يقول إن ما ثم إلا الله

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة



سئل شيخ الإسلام عمن يقول إن ما ثم إلا الله[عدل]

سئل شيخ الإسلام وحجة الأنام أبو العباس بن تيمية رضي الله عنه عمن يقول: إن ما ثم إلا الله. فقال شخص: كل من قال هذا الكلام فقد كفر.

فأجاب رضي الله عنه:

الحمد لله، قول القائل: ما ثم إلا الله: لفظ مجمل، يحتمل معنى صحيحًا ومعنى باطلا، فإن أراد ما ثم خالق إلا الله، ولا رب إلا الله، ولا يجيب المضطرين ويرزق العباد إلا الله فهو الذي يعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويعز ويذل وهو الذي يستحق أن يستعان به ويتوكل عليه، ويستعاذ به ويلتجئ العباد إليه، فإنه لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، ولا ينفع ذا الجد منه الجد، كما قال تعالى في فاتحة الكتاب: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 1، وقال تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عليه} 2، وقال: {قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عليه تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ} 3. فهذه المعاني كلها صحيحة، وهي من صريح التوحيد، وبها جاء القرآن، فالعباد لا ينبغي لهم أن يخافوا إلا الله، كما قال تعالى: {فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ} 4، وقال تعالى: {الذ ِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا الله وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ الله وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} إلى قَوله: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أولياءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} 5. وكذلك لا ينبغي أن يرجى إلا الله، قال الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} 6، وقال تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ الله إِنْ أَرَادَنِيَ الله بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ الله عليه يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} 7. ولا ينبغي لهم أن يتوكلوا إلا على الله كما قال تعالى: {وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} 8، ولا ينبغي لهم أن يعبدوا إلا الله، كما قال تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 9. ولا يدعوا إلا الله، كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله فَلَا تَدْعُوا مَعَ الله أَحَدًا} 10، وقال تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ الله إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ} 11 سواء كان دعاء عبادة أو دعاء مسألة.:

وأما إن أراد القائل: ما ثم إلا الله، ما يقوله أهل الاتحاد، من أنه ما ثم موجود إلا الله، ويقولون: ليس إلا الله، أي ليس موجود إلا الله، ويقولون: إن وجود المخلوقات هو وجود الخالق، والخالق هو المخلوق، والمخلوق هو الخالق، والعبد هو الرب، والرب هو العبد، ونحو ذلك من معاني الاتحادية، الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق، ولا يثبتون المباينة بين الرب والعبد، ونحو ذلك من المعاني، التي توجد في كلام ابن عربي الطائي، وابن سبعين، وابن الفارض، والتلمساني، ونحوهم من الاتحادية.

وكذلك من يقول بالحلول كما يقوله الجهمية، الذين يقولون: إن الله بذاته في كل مكان، ويجعلونه مختلطا بالمخلوقات، حتى إن هؤلاء يجعلونه في الكلاب والخنازير والنجاسات، أو يجعلون وجود ذلك وجوده، فمن أراد هذه المعاني فهو مُلْحِد ضال، يجب أن يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، والله سبحانه وتعالى أعلم.


هامش[عدل]

  1. [الفاتحة: 5]
  2. [هود: 123]
  3. [الرعد: 30]
  4. [المائدة: 44]
  5. [آل عمران: 173: 175]
  6. [فاطر: 2]
  7. [الزمر: 38]
  8. [إبراهيم: 12]
  9. [البينة: 5]
  10. [الجن: 18]
  11. [الشعراء: 213]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الثاني
توحيد الربوبية | قاعدة أولية: أصل العلم الإلهي ومبدأه عند الرسول والذين آمنوا | في تمهيد الأوائل وتقرير الدلائل ببيان أصل العلم والإيمان | قد تكلم طائفة من المتكلمة والمتفلسفة والمتصوفة في قيام الممكنات بالواجب القديم | ثم يقال هذا أيضا يقتضي | أصل الإثبات والنفي والحب والبغض هو شعور نفسي | الإيمان هو أصل السعادة وهو قول القلب وعمله | إن المنحرفين المشابهين للصابئة | تفرق الناس في هذا المقام الذي هو غاية مطالب العباد | حقيقة مذهب الاتحادية | سئل عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد | الذي يدعي النبوة ويبيح الفاحشة اللوطية ويحرم النكاح فإنه من الكافرين وأخبث المرتدين | وسئل: عن كتاب فصوص الحكم | السلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا إنه في كل مكان | حكم الاتحادية ومن اعتذر عنهم | تصور مذهبهم كاف في فساده | حقيقة قول هؤلاء أن وجود الكائنات هو عين وجود الله | بنوا أصلهم على ثلاث مقالات | في قولهم إن وجود الأعيان نفس وجود الحق وعينه | فيما خالف فيه الصدر الرومي ابن عربي | أما التلمساني ونحوه فلا يفرق بين ماهية ووجود | هذه المقالات لا أعرفها لأحد من أمة قبل هؤلاء | مذهب هؤلاء الاتحادية مركب من ثلاث مواد | هذا أكفر من قول النصارى من وجوه | الوجه الأول | الثاني | الثالث | الرابع | الخامس | السادس | السابع | الثامن | التاسع | العاشر | الحادي عشر | ما حكي أن العالم بمجموعه حدقة عين الله هو عين الكفر وذلك من وجوه | في ذكر بعض ألفاظ ابن عربي التي تبين مذهبه | حقيقة قوله وسر مذهب ابن عربي | اتفق المسلمون على أن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك | في بعض ما يظهر به كفرهم وفساد قولهم وذلك من وجوه | أحدها | الثاني | الثالث | الرابع | الخامس | السادس | السابع | الأصول التي يعتمدها الاتحادية | زعمت طائفة من هؤلاء الاتحادية أن فرعون كان مؤمنا | سئل عن أعمال تشتمل على الحلول والاتحاد | أما ما ذكره من قول ابن إسرائيل الأمر أمران | ما ذكره من قول ابن إسرائيل الأمر أمران | قول القائل: التوحيد لا لسان له والألسنة كلها لسانه | سئل عن كتاب فصوص الحكم | أفعال العباد مفعولة مخلوقة لله | فيما عليه أهل العلم والإيمان من الأولين والأخرين | أن المؤمن لا بد أن يقوم بقلبه من معرفة الله والمحبة له | ما يشبه الاتحاد | جاء في أولياء الله الذين هم المتقون نوع من هذا | فهذان المعنيان صحيحان ثابتان | قد يقع بعض من غلب عليه الحال في نوع من الحلول أو الاتحاد | فإذا عرف الاتحاد المعين مما يشبه الحلول أو الاتحاد | في الغلط في ذلك | كما يشهد ربوبيته وتدبيره العالم المحيط وحكمته ورحمته فكذلك يشهد إلهيته العامة | فهذا فيما يشبه الاتحاد أو الحلول في معين | وأما كفرهم بالمعبود فإذا كان لهم في بعض المخلوقات هوى | أما اتحاد ذات العبد بذات الرب بل اتحاد ذات عبد بذات عبد | نفي كونه سبحانه والدا لشيء أو متخذا لشيء ولدا | الملاحدة لا يقتصرون في كفرهم بالله على أنه ولد شيئا أو اتخذ ولدا | رسالة شيخ الإسلام إلى نصر المنبجي | سئل عن الحلاج وفيمن قال أنا أعتقد ما يعتقده الحلاج | الرد على من قال إن الحلاج من أولياء الله | سئل عمن يقول إن ما ثم إلا الله | سئل عن حديث فإن الله هو الدهر فهل هذا موافق لما يقوله الاتحادية