مجموع الفتاوى/المجلد الثالث عشر/فصل في قول من قال إن النبي خص كل قوم بما يصلح لهم
فصل في قول من قال إن النبي خص كل قوم بما يصلح لهم
[عدل]وأما قول القائل: إن النبي ﷺ خص كل قوم بما يصلح لهم... إلخ، فهذا الكلام له وجهان:
إن أراد به أن الأعمال المشروعة يختلف الناس فيها بحسب اختلاف أحوالهم، فهذا لاريب فيه؛ فإنه ليس ما يؤمر به الفقير كما يؤمر به الغني، ولا ما يؤمر به المريض كما يؤمر به الصحيح، ولا ما يؤمر به عند المصائب هو ما يؤمر به عند النعم، ولا ما تؤمر به الحائض كما تؤمر به الطاهرة، ولا ما تؤمر به الأئمة كالذي تؤمر به الرعية، فأمر الله لعباده قد يتنوع بتنوع أحوالهم، كما قد يشتركون في أصل الإيمان بالله وتوحيده، والإيمان بكتبه ورسله.
وإن أراد به أن الشريعة في نفسها تختلف، وأن النبي ﷺ خاطب زيدًا بخطاب يناقض ما خاطب به عَمْرًا، أو أظهر لهذا شيئًا يناقض ما أظهره لهذا كما يرويه الكذابون: أن عائشة سألته هل رأيت ربك؟ فقال: «لا». وسأله أبو بكر فقال: «نعم». وأنه أجاب عن مسألة واحدة بجوابين متناقضين لاختلاف حال السائلين فهذا من كلام الكذابين المفترين، بل هو من كلام الملاحدة المنافقين؛ فإن النبي ﷺ قال: «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين»، والحديث في سنن أبي داود وغيره. وكان عام الفتح قد أهدر دم جماعة منهم ابن أبي سَرْح، فجاء به عثمان ليبايع النبي ﷺ فأعرض عنه مرتين أو ثلاثًا ثم بايعه، ثم قال: «أما كان فيكم رجل رشيد ينظر إلى وقد أعرضت عن هذا فيقتله؟ » فقال بعضهم: هلا أومضت إلىَّ يارسول الله؟ فقال: «ما ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين» وهذا مبالغة في استواء ظاهره وباطنه وسره وعلانيته، وأنه لا يبطن خلاف ما يظهر على عادة المكارين المنافقين.
ولا ريب أن القرامطة وأمثالهم من الفلاسفة يقولون: إنه أظهر خلاف ما أبطن، وأنه خاطب العامة بأمور أراد بها خلاف ما أفهمهم لأجل مصلحتهم؛ إذ كان لا يمكنه صلاحهم إلا بهذا الطريق. وقد زعم ذلك ابن سينا وأصحاب رسائل إخوان الصفا وأمثالهم من الفلاسفة والقرامطة الباطنية؛ فإن ابن سينا كان هو وأهل بيته من أتباع الحاكم القرمطي العبيدي، الذي كان بمصر.
وقول هؤلاء. كما أنه من أكفر الأقوال، فجهلهم من أعظم الجهل؛ وذلك أنه إذا كان الأمر كذلك فلابد أن يعلمه أهل العقل والذكاء من الناس، وإذا علموه امتنع في العادة تواطؤهم على كتمانه كما يمتنع تواطؤهم على الكذب؛ فإنه كما يمتنع في العادة تواطؤ الجميع على الكذب يمتنع تواطؤهم على كتمان ما تتوفر الهِمَم والدواعي على بيانه وذِكْره، لا سيما مثل معرفة هذه الأمور العظيمة، التي معرفتها والتكلم بها من أعظم ما تتوفر الهمم والدواعي عليه. ألا ترى أن الباطنية ونحوهم أبطنوا خلاف ما أظهروه للناس، وسعوا في ذلك بكل طريق، وتواطؤوا عليه ما شاء الله، حتى الْتبَسَ أمْرُهُم على كثير من أتباعهم، ثم إنهم مع ذلك اطَّلع على حقيقة أمرهم جميع أذكياء الناس من موافقيهم ومخالفيهم، وصنفوا الكتب في كشف أسرارهم ورفع أستارهم، ولم يكن لهم في الباطن حرمة عند من عرف باطنهم، ولا ثقة بما يخبرون به، ولا التزام طاعة لما يأمرون، وكذلك من فيه نوع من هذا الجنس.
فمن سلك هذه السبيل لم يبق لمن علم أمره ثقة بما يخبر به، وبما يأمر به، وحينئذ فينتقض عليه جميع ما خاطب به الناس، فإنه ما من خطاب يخاطبهم به إلا ويجوزون عليه أن يكون أراد به غير ما أظهره لهم، فلا يثقون بأخباره وأوامره، فيختل عليه الأمر كله فيكون مقصوده صلاحهم، فيعود ذلك بالفساد العظيم، بل كل من وافقه فلابد أن يظهر خلاف ما أبطن، كاتباع من سلك هذه السبيل من القرامطة الباطنية وغيرهم، لا تجد أحدًا من موافقيهم إلا ولابد أن يبين أن ظاهره خلاف باطنه، ويحصل لهم بذلك من كشف الأسرار وهتك الأستار ما يصيرون به من شرار الكفار.
وإذا كانت الرسل تبطن خلاف ما تظهر، فإما أن يكون العلم بهذا الاختلاف ممكنًا لغيرهم وإما ألا يكون؛ فإن لم يكن ممكنًا كان مُدَّعِي ذلك كذابًا مفتريًا، فبطل قول هؤلاء الملاحدة الفلاسفة والقرامطة وأمثالهم، وإن كان العلم بذلك ممكنًا علم بعض الناس مخالفة الباطن للظاهر، وليس لمن يعلم ذلك حَدٌّ محدود؛ بل إذا علمه هذا، علمه هذا، وعلمه هذا، فيشيع هذا ويظهر؛ ولهذا كان من اعتقد هذا في الأنبياء كهؤلاء الباطنية من الفلاسفة والقرامطة ونحوهم معرضين عن حقيقة خبره وأمره، لا يعتقدون باطن ما أخبر به، ولا ما أمر، بل يظهر عليه من مخالفة أمره والإعراض عن خبره ما يظهر لكل أحد، ولا تجد في أهل الإيمان من يحسن بهم الظن، بل يظهر فسقهم ونفاقهم لعوام المؤمنين، فضلا عن خواصهم.
وأيضا، فمن كانت هذه حاله كان خواصه أعلم الناس بباطنه، والعلم بذلك يوجب الانحلال في الباطن. ومن علم حال خاصة النبي ﷺ كأبي بكر وعمر وغيرهما من السابقين الأولين علم أنهم كانوا أعظم الناس تصديقًا لباطن أمر خبره وظاهره، وطاعتهم له في سرهم وعلانيتهم، ولم يكن أحد منهم يعتقد في خبره وأمره ما يناقض ظاهر ما بينه لهم ودلهم عليه، وأرشدهم إليه؛ ولهذا لم يكن في الصحابة من تأول شيئًا من نصوصه على خلاف ما دل عليه، لا فيما أخبر به الله عن أسمائه وصفاته، ولا فيما أخبر به عما بعد الموت، وأن ما ظهر من هذا ما ظهر إلا ممن هو عند الأمة من أهل النفاق والاتحاد، كالقرامطة والفلاسفة والجهمية نفاة حقائق الأسماء والصفات.
ومن تمام هذا أن تعلم: أن النبي ﷺ لم يخص أحدًا من أصحابه بخطاب في علم الدين قصد كتمانه عن غيره، ولكن كان قد يسأل الرجل عن المسألة التي لا يمكن جوابها، فيجيبه بما ينفعه؛ كالأعرابي الذي سأله عن الساعة، والساعة لا يعلم متى هي. فقال: «ما أعددتَ لها؟ » فقال: ما أعددتُ لها من كثير عَمَلٍ، ولكني أحب الله ورسوله، فقال: «المرء مع من أحب»، فأجابه بالمقصود من علمه بالساعة، ولم يكن يخاطب أصحابه بخطاب لا يفهمونه، بل كان بعضهم أكمل فهما لكلامه من بعض، كما في الصحيحين عن أبي سعيد أن رسول الله ﷺ قال: «إن عبدًا خَيَّرَهُ الله بين الدنيا والآخرة، فاختار ذلك العبدُ ما عند الله». فبكى أبو بكر وقال: بل نفديك بأنفسنا وأموالنا يا رسول الله، فجعل الناس يعجبون أن ذكر رسول الله ﷺ عبدًا خيره الله بين الدنيا والآخرة قال: وكان رسول الله ﷺ هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به، فالنبي ﷺ ذكر عبدًا مطلقًا لم يعينه، ولا في لفظه ما يدل عليه، لكن أبو بكر لكمال معرفته بمقاصد الرسول ﷺ علم أنه هو ذلك العبد، فلم يخص عنهم بباطن يخالف الظاهر، بل يوافقه ولا يخالف مفهوم لفظه ومعناه.
وأما ما يرويه بعض الكذابين عن عمر أنه قال: كان النبي ﷺ وأبو بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما. فهذا من أظهر الأكاذيب المختلفة لم يروه أحد من علماء المسلمين في شيء من كتب أهل العلم، وهو من أظْهِر الكذب؛ فإن عمر أفضل الأمة بعد أبي بكر، وهو المحدث الملهم الذي ضرب الله الحق على لسانه وقلبه، وهو أفضل المخاطبين المحدثين من هذه الأمة، فإذا كان هو حاضرًا يسمع الألفاظ ولم يفهم الكلام كالزنجي، فهل يتصور أن يكون غيره أفهم منه لذلك؟ فكيف من لم يسمع ألفاظ الرسول؟ بل يزعم أن ما يدعيه من المعاني هي تلك المعاني بمجرد الدعوى التي لو كانت مجردة لم تقبل، فكيف إذا قامت البينة على كذب مدعيها؟
وأما حديث حذيفة، فقد ثبت في الصحيح: أن حذيفة كان يعلم السر الذي لا يعلمه غيره.
وكان ذلك ما أسره إليه النبي ﷺ عام تبوك من أعيان المنافقين؛ فإنه روى أن جماعة من المنافقين أرادوا أن يحلوا حزام ناقة رسول الله ﷺ بالليل ليسقط عن بعيره فيموت، وأنه أوحى إليه بذلك، وكان حذيفة قريبًا منه فأسر إليه أسماءهم.
ويقال: إن عمر لم يكن يصلي على أحد حتى يصلي عليه حذيفة، وهذا ليس فيه شيء من حقائق الدين، ولا من الباطن الذي يخالف الظاهر؛ فإن الله قد ذكر في كتابه من صفات المنافقين وأخبارهم ما ذكره، حتى إن سورة براءة سميت الفاضحة؛ لكونها فضحت المنافقين، وسميت المبعثرة، وغير ذلك من الأسماء، لكن القرآن لم يذكر فلانًا وفلانًا، فإذا عرف بعض الناس أن فلانًا وفلانًا من هؤلاء المنافقين الموصوفين كان ذلك بمنزلة تعريفه أن فلانًا وفلانًا من المؤمنين الموعودين بالجنة، فإخباره ﷺ أن أبا بكر وعمر وغيرهما في الجنة، كإخباره أن أولئك منافقون، وهذا إذا كان من العلم الباطن، فهو من الباطن الموافق للظاهر المحقق له المطابق له.
ونظيره في الأمر ما يسمى: تحقيق المناط، وهو أن يكون الشارع قد علق الحكم بوصف، فنعلم ثبوته في حق المعين، كأمره باستشهاد ذوي عدل، ولم يعين فلانًا وفلانًا، فإذا علمنا أن هذا ذو عدل، كنا قد علمنا أن هذا المعين موصوف بالعدل المذكور في القرآن. وكذلك لما حرم الله الخمر والميسر، فإذا علمنا أن هذا الشراب المصنوع من الذرة والعسل خمرًا، علمنا أنه داخل في هذا النص، فَعِلْمُنَا بأعيان المؤمنين وأعيان المنافقين هو من هذا الباب، وهذا هو من تأويل القرآن.
وهذا على الإطلاق لا يعلمه إلا الله؛ فإن الله يعلم كل مؤمن وكل منافق، ومقادير إيمانهم ونفاقهم وما يُختم لهم.
وأما الرسول فقد قال تعالى: { وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } 1 فالله يُطْلِعُ رسوله ومن شاء من عباده على ما يشاء من ذلك.
وأما حديث أبي هريرة، فهو حديث صحيح، قال: حفظت من رسول الله ﷺ جرابين، فأما أحدهما فبثثته فيكم، وأما الآخر فلو بثثته لقطعتم هذا البلعوم. ولكن ليس في هذا من الباطن الذي يخالف الظاهر شيء، بل ولا فيه من حقائق الدين، وإنما كان في ذلك الجراب الخبر عما سيكون من الملاحم والفتن، فالملاحم الحروب التي بين المسلمين والكفار، والفتن ما يكون بين المسلمين؛ ولهذا قال عبد الله بن عمر: لو أخبركم أبوهريرة أنكم تقتلون خليفتكم، وتفعلون كذا وكذا لقلتم: كذب أبو هريرة. وإظهار مثل هذا مما تكرهه الملوك؛ وأعوانهم؛ لما فيه من الإخبار بتغير دولهم.
ومما يبين هذا: أن أبا هريرة إنما أسلم عام خيبر، فليس هو من السابقين الأولين، ولا من أهل بيعة الرضوان، وغيره من الصحابة أعلم بحقائق الدين منه، وكان النبي ﷺ يحدثه وغيره بالحديث فيسمعونه كلهم، ولكن كان أبو هريرة أحفظهم للحديث ببركة حصلت له من جهة النبي ﷺ؛ لأن النبي ﷺ حدثهم ذات يوم حديثًا فقال: «أيكم يبسط ثوبه فلا ينسى شيئًا سمعه» ففعل ذلك أبو هريرة. وقد روى: أنه كان يجَزِّئ الليل ثلاثة أجزاء: ثلثًا يصلي، وثلثًا ينام، وثلثًا يدرس الحديث. ولم ينقل أحد قط عن أبي هريرة حديثًا يوافق الباطنية، ولا حديثًا يخالف الظاهر المعلوم من الدين.
ومن المعلوم أنه لو كان عنده شيء من هذا لم يكن بد أن ينقل عنه أحد شيئًا منه، بل النقول المتواترة عنه كلها تصدق ما ظهر من الدين، وقد روى من أحاديث صفات الله وصفات اليوم الآخر وتحقيق العبادات ما يوافق أصول أهل الإيمان، ويخالف قول أهل البهتان.
وأما ما يروى عن أبي سعيد الخراز وأمثاله في هذا الباب، وما يذكره أبو طالب في كتابه وغيره، وكلام بعض المشايخ الذي يظن أنه يقول بباطن يخالف الظاهر، وما يوجد من ذلك في كلام أبي حامد الغزالي أو غيره فالجواب عن هذا كله أن يقال:
ما علم من جهة الرسول فهو نقل مصدق عن قائل معصوم، وما عارض ذلك فإما أن يكون نقلا عن غير مصدق، أو قولا لغير معصوم. فإن كثيرًا مما ينقل عن هؤلاء كذب عليهم، والصدق من ذلك فيه ما أصابوا فيه تارة وأخطؤوا فيه أخرى، وأكثر عباراتهم الثابتة ألفاظ مجملة متشابهة، لو كانت من ألفاظ المعصوم لم تعارض الحكم المعلوم، فكيف إذا كانت من قول غير المعصوم؟
وقد جمع أبو الفضل الفلكي 2 كتابًا من كلام أبي يزيد البسطامي سماه النور من كلام طيفور فيه شيء كثير لا ريب أنه كذب على أبي يزيد البسطامي، وفيه أشياء من غلط أبي يزيد رحمة الله عليه وفيه أشياء حسنة من كلام أبي يزيد، وكل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ.
ومن قيل له عن أبي يزيد أو غيره من المشائخ: إنه قال لمريديه: إن تركتم أحدًا من أمة محمد يدخل النار فأنا منكم برىء، فعارضه الآخر وقال: قلت لمريدي: إن تركتم أحدًا من أمة محمد يدخل النار فأنا منكم بريء، فصدق هذا النقل عنه، ثم جعل هذا المصدق لهذا عن أبي يزيد أو غيره يستحسنه ويستعظم حاله، فقد دل على عظيم جهله أو نفاقه؛ فإنه إن كان قد علم ما أخبر به الرسول من دخول من يدخل النار من أهل الكبائر، وأن النبي ﷺ هو أول من يشفع فيهم بعد أن تطلب الشفاعة من الرسل الكبار؛ كنوح وإبراهيم، وموسى وعيسى، فيمتنعون ويعتذرون، ثم صدق أن مريدي أبي يزيد أو غيره يمنعون أحدًا من الأمة من دخول النار، أو يخرجون هم كل من دخلها كان ذلك كفرًا منه بما أخبر به الصادق المصدوق بحكاية منقولة، كذب ناقلها، أو أخطأ قائلها، إن لم يكن تعمد الكذب، وإن كان لا يعلم ما أخبر به الرسول كان من أجهل الناس بأصول الإيمان.
فعلى المسلم الاعتصام بالكتاب والسنة، وأن يجتهد في أن يعرف ما أخبر به الرسول وأمر به علمًا يقينيًا، وحينئذ فلا يدع المحكم المعلوم للمشتبه المجهول، فإن مثال ذلك مثل من كان سائرًا إلى مكة في طريق معروفة لا شك أنها توصله إلى مكة إذا سلكها، فعدل عنها إلى طريق مجهولة لا يعرفها ولا يعرف منتهاها، وهذا مثال من عدل عن الكتاب والسنة إلى كلام من لايدري هل يوافق الكتاب والسنة أو يخالف ذلك.
وأما من عارض الكتاب والسنة بما يخالف ذلك، فهو بمنزلة من كان يسير على الطريق المعروفة إلى مكة، فذهب إلى طريق قبرص يطلب الوصول منها إلى مكة، فإن هذا حال من ترك المعلوم من الكتاب والسنة إلى ما يخالف ذلك من كلام زيد وعمرو كائنًا من كان. فإن كل أحد من الناس يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ. وقد رأيت في هذا الباب من عجائب الأمور ما لا يحصيه إلا العليم بذات الصدور.
وأما الحديث المأثور: «إن من العلم كهيئة المكنون لا يعلمه إلا أهل العلم بالله، فإذا ذكروه لم ينكره إلا أهل الغِرَّة بالله»، فهذا قد رواه أبو إسماعيل الأنصاري شيخ الإسلام في كتابه الذي سماه الفاروق بين المثبتة والمعطلة، وذكر فيه أحاديث الصفات صحيحها وغريبها، ومسندها ومرسلها، وموقوفها. وذكره أيضا أبو حامد الغزالي في كتبه. ثم هذا يفسره بما يناسب أقواله التي يميل فيها إلى ما يشبه أقوال نفاة الصفات من الفلاسفة ونحوهم.
وذكر شيخ الإسلام عن شيخه يحيى بن عمار أنه كان يقول: المراد بذلك أحاديث الصفات، فكان يفسر ذلك بما يناقض قول أبي حامد من أقوال أهل الإثبات. والحديث ليس إسناده ثابتًا باتفاق أهل المعرفة، ولم يرو في أمهات كتب الحديث المعتمدة، فلا يحتاج إلى الكلام في تفسيره، وإذا قدر أن النبي ﷺ قاله فهو كلام مجمل ليس فيه تعيين لقول معين، فحينئذ فما من مدع يدعى أن المراد قوله، إلا كان لخصمه أن يقول نظير ذلك.
ولا ريب أن قول يحيى بن عمار وأبي إسماعيل الأنصاري ونحوهما من أهل الإثبات. أقرب من قول النفاة: إن هذا العلم هو من علم النبي ﷺ بالاتفاق وعلم الصحابة.
ومن المعلوم أن قول النفاة لا ينقله أحد عن النبي ﷺ ولا أصحابه، لا بإسناد صحيح ولا ضعيف، بخلاف مذهب المثبتة؛ فإن القرآن والحديث والآثار عن الصحابة مملوءة به، فكيف يحمل كلام النبي ﷺ على علم لم ينقله عنه أحد، ويترك حمله على العلم المنقول عنه وعن أصحابه؟
وكذلك ما ذكره البخاري عن على رضي الله عنه أنه قال: حَدِّثُوا الناس بما يعرفون، ودَعُوا ما ينكرون، أتحبون أن يُكَذَِّب اللَّهُ ورسولُه. قد حمله أبو الوليد ابن رشد الحفيد الفيلسوف وأمثاله على علوم الباطنية الفلاسفة نفاة الصفات. وهذا تحريف ظاهر، فإن قول علي: أتحبون أن يكذب الله ورسوله، دليل على أن ذلك مما أخبر به النبي ﷺ، وأقوال النفاة من الفلاسفة والجهمية والقرامطة والمعتزلة لم ينقل فيها مسلم عن النبي ﷺ شيئًا لا صحيحًا ولا ضعيفًا، فكيف يكذب الله ورسوله في شيء لم ينقله أحد عن الله ورسوله؟ بخلاف ما رواه أهل الإثبات من أحاديث صفات الرب وملائكته، وجنته وناره، فإن هذا كثير مشهور قد لا تحتمله عقول بعض الناس، فإذا حدث به خيف أن يكذب الله ورسوله.
ومن هذا الباب قول عبد الله بن مسعود: ما من رجل يُحدِّث قومًا حديثِا لا تَبْلُغُه عقولهم، إلا كان فتنة لبعضهم. وابن مسعود فيما يقول ذاكرًا أو آمرًا من أعظم الناس إثباتًا للصفات، وأرواهم لأحاديثها، وأصحابه من أجَلِّ التابعين وأبلغهم في هذا الباب، وكذلك أصحاب ابن عباس، فكل من كان من الصحابة أعلم، كان إثباته وإثبات أصحابه أبلغ، فعلم أن الصحابة لم يكونوا يبطنون خلاف ما يظهرون، ولا يظهرون الإثبات ويبطنون النفي، ولا يظهرون الأمر ويبطنون امتناعه؛ بل هم أقوم الناس بتصديق الرسول فيما أخبر وطاعته فيما أمر.
وهذا باب واسع دخل فيه من الأمور ما لا يتسع هذا الموضع لتفصيله، ولكن نعلم جماع الأمر أن كل قول وعمل فلابد له من ظاهر وباطن، فظاهر القول لفظ اللسان، وباطنه ما يقوم من حقائقه ومعانيه بالجنان، وظاهر العمل حركات الأبدان، وباطنه ما يقوم بالقلب من حقائقه ومقاصد الإنسان.
فالمنافق لما أتى بظاهر الإسلام دون حقائق الإيمان، لم ينفعه ذلك، وكان من أهل الخسران، بل كان في الدرك الأسفل من النار، قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } 3 الآيات فإن الله أنزل في أول سورة البقرة أربع آيات في صفة المؤمنين، وآيتين في صفة الكافرين، وبضع عشرة آية في صفة المنافقين، وقال تعالى: { إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } 4 السورة، وقال تعالى: { لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ } الآية 5.
والملاحدة يظهرون موافقة المسلمين ويبطنون خلاف ذلك، وهم شر من المنافقين، فإن المنافقين نوعان: نوع يظهر الإيمان ويبطن الكفر، ولا يَدَّعِي أن الباطن الذي يبطنه من الكفر هو حقيقة الإيمان. والملاحدة تدعي أن ما تبطنه من الكفر هو حقيقة الإيمان، وأن الأنبياء والأولياء هم من جنسهم يبطنون ما يبطنونه مما هو كفر وتعطيل، فهم يجمعون بين إبطان الكفر وبين دعواهم أن ذلك الباطن هو الإيمان عند أهل العرفان، فلا يظهرون للمستجيب لهم أن باطنه طعن في الرسول والمؤمنين، وتكذيب له، بل يجعلون ذلك من كمال الرسول وتمام حاله، وأن الذي فعله هو الغاية في الكمال، وأنه لا يفعله إلا أكمل الرجال من سياسة الناس على السيرة العادلة، وعمارة العالم على الطريقة الفاضلة، وهذا قد يظنه طوائف حقًا باطنًا وظاهرًا، فيؤول أمرهم إلى أن يكون النفاق عندهم هو حقيقة الإيمان، وقد علم بالاضطرار أن النفاق ضد الإيمان.
ولهذا كان أعظم الأبواب التي يدخلون منها باب التشيع والرفض؛ لأن الرافضة هم أجهل الطوائف وأكذبها، وأبعدها عن معرفة المنقول والمعقول، وهم يجعلون التُّقْيَة من أصول دينهم، ويكذبون على أهل البيت كذبًا لا يحصيه إلا الله، حتى يرووا عن جعفر الصادق أنه قال: «التقية ديني ودين آبائي». والتقية هي شعار النفاق، فإن حقيقتها عندهم: أن يقولوا بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وهذا حقيقة النفاق.
ثم إذا كان هذا من أصول دينهم، صار كل ما ينقله الناقلون عن علي أو غيره من أهل البيت، مما فيه موافقة أهل السنة والجماعة، يقولون: هذا قالوه على سبيل التقية، ثم فتحوا باب النفاق للقرامطة الباطنية الفلاسفة من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم، فجعلوا ما يقوله الرسول هو من هذا الباب أظهر به خلاف ما أبطن، وأسر به خلاف ما أعلن، فكان حقيقة قولهم: أن الرسول هو إمام المنافقين، وهو ﷺ الصادق المصدوق، المبين للناس ما نزل إليهم، المبلغ لرسالة ربه، والمخاطب لهم بلسان عربي مبين، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ } 6، وقال تعالى: { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } 7، وقال تعالى: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } 8، وقال تعالى: { إِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا } 9، وقال تعالى: { لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } 10 وقال تعالى: { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } 11 وقال تعالى: { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } 12، وقال تعالى: { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ } 13، وقال تعالى: { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } 14 وقال تعالى: { فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ } 15.
وقالت الرسل: { رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } 16 وقال: { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } 17، وقال تعالى: { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ } 18، وقال تعالى: { يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ } 19 فهذا ونحوه مما يبين أن الرسل عليهم أن يبلغوا البلاغ المبين. يقال: بان الشيء وأبان واستبان وتَبَيَّنَ وَبَيَّن، كلها أفعال لازمة. وقد يقال: أبان غيره وبَيَّنه وتَبَيَّنَهُ واستبانه.
ومعلوم أن الرسل فعلوا ما عليهم، بل قد أخذ الله على أهل العلم الميثاق بأن يبينوا العلم ولا يكتموه، وذم كاتميه فقال تعالى: { وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ } 20، وقال تعالى: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللهِ } 21، وقال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ } 22 فقد لعن كاتمه، وأخبر أنه بينه للناس في الكتاب، فكيف يكون قد بينه للناس وهو قد كتم الحق وأخفاه، وأظهر خلاف ما أبطن؟ فلو سكت عن بيان الحق كان كاتمًا، ومن نسب الأنبياء إلى الكذب والكتمان مع كونه يقول: إنهم أنبياء، فهو من أشر المنافقين وأخبثهم وأبينهم تناقضًا.
وكثير من أهل النسك والعبادة والعلم والنظر ممن سلك طريق بعض الصوفية والفقراء، وبعض أهل الكلام والفلسفة يسلك مسلك الباطنية في بعض الأمور لا في جميعها، حتى يرى بعضهم سقوط الصلاة عن بعض الخواص، أو حِلَّ الخمر وغيرها من المحرمات لهم، أو أن لبعضهم طريقًا إلى الله عز وجل غير متابعة الرسول.
وقد يحتج بعضهم بقصة موسى والخِضْر، ويظنون أن الخضر خرج عن الشريعة؛ فيجوز لغيره من الأولياء ما يجوز له من الخروح عن الشريعة، وهم في هذا ضالون من وجهين:
أحدهما: أن الخضر لم يخرج عن الشريعة، بل الذي فعله كان جائزًا في شريعة موسى؛ ولهذا لما بَيَّن له الأسباب أقره على ذلك، ولو لم يكن جائزًا لما أقره، ولكن لم يكن موسى يعلم الأسباب التي بها أبيحت تلك، فظن أن الخضر كالملك الظالم، فذكر ذلك له الخضر.
والثاني: أن الخضر لم يكن من أمة موسى، ولا كان يجب عليه متابعته، بل قال له: إني على علم من علم الله عَلَّمَنِيه الله لا تعلمه، وأنت على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه. وذلك أن دعوة موسى لم تكن عامة؛ فإن النبي كان يبعث إلى قومه خاصة، ومحمد ﷺ بعث إلى الناس كافة، بل بعث إلى الإنس والجن باطنًا وظاهرًا، فليس لأحد أن يخرج عن طاعته ومتابعته، لا في الباطن ولا في الظاهر، لا من الخواص ولا من العوام.
ومن هؤلاء من يفضل بعض الأولياء على الأنبياء، وقد يجعلون الخضر من هؤلاء، وهذا خلاف ما أجمع عليه مشائخ الطريق المقتدى بهم، دع عنك سائر أئمة الدين وعلماء المسلمين، بل لما تكلم الحكيم الترمذي في كتاب ختم الأولياء بكلام ذكر أنه يكون في آخر الأولياء من هو أفضل من الصحابة، وربما لوح بشيء من ذكر الأنبياء قام عليه المسلمون، وأنكروا ذلك عليه ونفوه من البلد بسبب ذلك، ولا ريب أنه تكلم في ذلك بكلام فاسد باطل لا ريب فيه.
ومن هناك ضل من اتبعه في ذلك، حتى صار جماعات يَدَّعِى كل واحد أنه خاتم الأولياء، كابن عربي صاحب الفصوص وسعد الدين بن حمويه، وغيرهما. وصار بعض الناس يدعي أن في المتأخرين من يكون أفضل في العلم بالله من أبي بكر وعمر، والمهاجرين والأنصار، إلى أمثال هذه المقالات التي يطول وصفها، مما هو باطل بالكتاب والسنة والإجماع، بل طوائف كثيرون آل الأمر بهم إلى مشاهدة الحقيقة الكونية القدرية، وظنوا أن من شهدها سقط عنه الأمر والنهي، والوعد والوعيد، وهذا هو دين المشركين الذين قالوا: { لَوْ شَاء اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ } 23.
وهؤلاء شر من القدرية المعتزلة، الذين يقرون بالأمر والنهي، والوعد والوعيد، ويكذبون بالقدر، فإن أولئك يشبهون المجوس، وهؤلاء يشبهون المشركين المكذبين بالأنبياء والشرائع، فهم من شر الناس. وقد بسط الكلام على هذه الأمور في غير هذا الموضع.
والمقصود هنا أن الظاهر لابد له من باطن يحققه ويصدقه ويوافقه، فمن قام بظاهر الدين من غير تصديق بالباطن فهو منافق، ومن ادَّعَى باطنا يخالف ظاهرًا فهو كافر منافق بل باطن الدين يحقق ظاهره ويصدقه ويوافقه، وظاهره يوافق باطنه ويصدقه ويحققه، فكما أن الإنسان لابد له من روح وبدن وهما متفقان، فلابد لدين الإنسان من ظاهر وباطن يتفقان، فالباطن للباطن من الإنسان، والظاهر للظاهر منه.
والقرآن مملوء من ذكر أحكام الباطن والظاهر، والباطن أصل الظاهر، كما قال أبوهريرة: القلب مَلِك والأعضاء جنوده، فإذا طاب الملك طابت جنوده، وإذا خبث الملك خبثت جنوده. وقد قال النبي ﷺ: «ألا وإن في الجسد مُضْغَة، إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب». وفي المسند عن النبي ﷺ أنه قال: «الإسلام عَلانِيةٌ، والإيمان في القلب»، وقد قال تعالى: { أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ } 24، وقال تعالى: { هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ } 25، وقال تعالى: { فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء } 26، وقال تعالى: { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ } 27، وقال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } 28، وقال تعالى: { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } 29، وأمثال هذا كثير في القرآن.
وقال في حق الكفار: { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ } 30، وقال: { خَتَمَ اللهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ } 31، وأمثال ذلك.
فنسأل الله العظيم أن يصلح بواطننا وظواهرنا، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه من جميع أمورنا بِمنًّه وكرمه، والحمد للّه رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
هامش
- ↑ [التوبة: 101]
- ↑ [هو علي بن الحسين الهمذاني، عرف بالفلكي، جمع الحديث وصنف كتبًا منها: المنتهى في معرفة الرجال في ألف جزء، وكان صوفيًا، توفى بنيسابور سنة سبع وعشرين وأربعمائة]
- ↑ [البقرة: 8، 9]
- ↑ [المنافقون: 1]
- ↑ [المائدة: 41]
- ↑ [إبراهيم: 4]
- ↑ [الزخرف: 3]
- ↑ [القمر: 17]
- ↑ [مريم: 97]
- ↑ [النحل: 103]
- ↑ [النحل: 44]
- ↑ [القيامة: 17-19]
- ↑ [ص: 29]
- ↑ [محمد: 24]
- ↑ [النحل: 35]
- ↑ [يس: 1617]
- ↑ [النور: 54]
- ↑ [التغابن: 12]
- ↑ [المائدة: 67]
- ↑ [آل عمران: 187]
- ↑ [البقرة: 140]
- ↑ [البقرة: 159]
- ↑ [الأنعام: 841]
- ↑ [المجادلة: 22]
- ↑ [الفتح: 4]
- ↑ [الأنعام: 125]
- ↑ [الزمر: 23]
- ↑ [الأنفال: 2]
- ↑ [الرعد: 28]
- ↑ [المائدة: 41]
- ↑ [البقرة: 7]