انتقل إلى المحتوى

مجموعة فلسفة أبي نصر الفارابي/كتاب النكت فيما يصح وما لا يصح في أحكام النجوم

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
 

النكت فيما يصح ومالا يصح من أحكام

النجوم لابي نصر الفارابي

قال أبو اسحاق ابراهيم بن عبد الله البغدادي.. كنت شديد الحرص علي معرفة الأحكام النجومية صادق الرغبة في اقتناء علمها كثير السعي في طلبها مدمن النظر في الكتب المؤلفة فيها مشغوفاً وأبها واثقاً بصحتها غير شاك في أن الذي يعرض فيه من الخطأ انما هو لقصور علم العلماء عن بلوغ ما يحتاج اليه فيها وقلة عناية الحساب وأصحاب الارصاد و متخذى الآلات فيما يتعاطونه منها وانه متى زالت العوائق وسقطت هذه الموانع وجد الاتقان في جميع ما ذكر وصحت الاحكام وانتفع بتقدمة المعرفة فيها وأحاط العلم بالكائنات المستقبلة وتكشفت المغيبيات وظهرت الخفيات وكان اعتقادي مدة من الزمان معما كنت أحكمه طول تلك المدة من أمر الحساب وأبحث عنه من حال الارصاد وأطلبه من صنف الآلات وأجدت جمعها في الضمائر والبدايات فما ازداد من الاصابة الا بعداً عن المطلوب وعن المطلوب الا إياساً إلى أن ضجرت وارتبت فيه وعطفت على كتب الأوائل أقشها لأجد فيها ما لعله يكون لى فيها شفاءه عما أنا فيه ووجدت كتب الحكاء وأصحاب الحقائق خلوا منها وأقاويلهم غير معبرتها ولا مصروفة نحوها فصار اليقين الذي كان معي شكاو الاعتقاد ظن والثقة النكت فيما يصح ومالا يصح من احكام النجوم W تهمة والاخلاص ريباً فلما تمادى بي الأيام وتطاولت المدة وأنا على سبيل الذي ذكرته اتفق لى لقاء أبي نصر محمد بن محمد الفارابي الطرخاني فشكوت اليه حالى تلك وعرفته صدق رغبتي في الوقوف على مقدار هذا العلم ومعرفة ما يصح منه وما لا يصح وسألته أن يكشف لى . عما يصح من ذلك ويبين ما اتضح له من مذهب الحكماء الأولين وأجابني الى ما التمسته وجعل يقفنى على أصل أصل وقانون قانون مما به يوصل الى كنهه وحقيقته ويحاربنى واحار به ويراجعنى وأراجعه في ذلك الباب فلما كان ذات يوم أخرج الى جزءا بخطه وكان فيه فصول وتذاكر كأنه كان يجمعها بوقت يتفرغ لها ويؤلفها ويتخذها كتاباً أو رسالة كعادته فانتسخت عامته وتأملته فصادفت منه المراد ووقفت على كنه المطلوب الذي كنت تعبت فيه وخف عن قلبي مؤنة الوسواس الذي لم أكن أنفك منها قديماً ووضح لى السبيل الى الممكن والممتنع من الأحكام النجومية وهذه نسخة ما كان في ذلك الجزء كتبتها لك لتأملها إن تنشط لذلك فصل (۱) قال أبو نصر. . فضيلة العلوم والصناعات إنما تكون بأحدى ثلاث اما بشرف الموضوع واما باستقصاء البراهين وإما بعظم الجدوى الذي فيه سواء كان ذلك منتظراً أو محتضراً اما ما يفضل على غيره لعظم الجدوى الذي فيه فكا لعلوم الشرعية والصنائع المحتاج اليها في زمان زمان وعند قوم قوم وأما ما يفضل على غيره لاستقصاء البراهين فك الهندسة واما ما يفضل على غيره لشرف موضوعه فكلم النجوم فيه ۷۸ النكت فيما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم وقد تجتمع هذه الثلاثة كلها أو الاثنان منها في علم واحد كالعلم الالهي (۲) قد يحسن ظن الانسان بالعلم الواحد فيظنه أكثر وأحسن وأحكم وأوضح مما هو وذلك اما لنقصه و بغض يكونان في طبعه فلا يقدر معهما على الوقوف على حقيقة ذلك العلم واما لانه لم يبلغ ما يعاند الذي عنده واما لفضيلة المستنبطين له والمتمسكين به واما لكثرتهم واما لمجرى الانسان على نيل ما يرجو به أن يحصل لهم من ذلك العلم وجلالة فائدته وعموم النفع فيه لو صح وتحقق وإما لاجتماع أكثر هذه الاسباب فيه وقد يخرج مثل هذا الظن الانسان الى قبول ما ليس بكلي على أنه كلي وما ليس بمنتج من القياسات على أنه منتج وماليس ببرهان على أنه برهان (۳) اذا وجد شيئان متشابهان ثم ظهر ان شيئاً ثالثاً هو سبب لاحدهما فان الوهم يسبق ويحكم بأنه أيضاً سبب للآخر وذلك لا يصح في كل متشابهين اذ التشابه قديكون لعرض من الاعراض وقديكون بالذات والقياس الذي يتركب في الوهم فيوجب ما ذكر هو قياس مركب من قياسين مثال ذلك الانسان مشاء والانسان حيوان فالمشاء حيوان والفرس شبيه الانسان في أنه مشاء فهو أيضاً حيوان وهــذا لا يصح في جميع المواضع فان القنفذ أبيض وهو حيوان والاسفيداج أبيض لكنه ليس بحيوان (٤) أمور العالم وأحواله نوعان أحدهما أمور لها أسباب عنها تحدث وبها توجد كالحرارة عن النار وعن الشمس توجد للاجسام المجاورة النكت فيما يصح وما لا يصح من أحكام النجوم ٧٩ والمحاذية لهما وكذلك سائر ما أشبههما والنوع الآخر أمور اتفاقية ليست لها أسباب معلومة كموت الانسان أو حياته عند طلوع الشمس أو غروبها فكل أمر له سبب معلوم فانه معد لأن يعلم ويضبط و يوقف عليه وكل أمر هو من الأمور الاتفاقية فانه لا سبيل الى أن يعلم و ويضبط ويوقف عليه البتة بجهة من الجهات والاجرام العلوية علل وأسباب لتلك وليست بعلل وأسباب لهذه (0) لو لم يكن في العالم أمور اتفاقية. ليست لها أسباب معلومة لارتفع الخوف والرجاء واذا ارتفعا لم يوجد في الامور الانسانية نظام البتة لا في الشرعيات ولا في السياسيات لانه لولا الخوف والرجاء لما اكتسب أحد شيئاً لغده ولما أطاع مرؤس لرئيسه ولما عنى رئيس بمرؤسه ولما أحسن الى غيره ولما أطيع الله ولما قدم معروف اذ الذي يعلم أن جميع ما هو كائن في غد لا محالة على ما سيكون ثم سعي سعياً فهو عابث أحمق يتكلم بما يعلم انه لا ينتفع به (1) وكل ما يمكن أن يعلم أو يحصل قبل وجوده بجهة من الجهات. فهو كالعلوم المحصلة وان عاقت عنه عوائق أو تراخت به المدة فاما ما لا يمكن أن يكون به تقدمة معرفة فذلك الذي لا يرجي الوقوف عليه الا بعد وجوده (۷) الأمور الممكنة التي وجودها ولا وجودها متساويان ليس أحدهما أولى بها من الآخر لا يوجد عليها قياس البتة اذ القياس الما يوجد له نتيجة واحدة فقط اما موجبة واما سالبة وأي قياس ينتج الشيء ٨٠ النكت فيما يصح وما لا يصح من أحكام النجوم وضده فليس يفيد علما لانه انما يحتاج الى القياس ليفيد علماً بوجود شيء فقط أولا وجوده من غير أن يميل الذهن الى طرفي النقيض جميعاً بعد وجود القياس اذ الانسان من أول الأمر واقف بذهنه بين وجود الشئ ولا وجوده غير محصل أحدهما فأي فكر أوقول لا يحصل أحد طرفي النقيض ولا ينفى الآخر فهو هذر باطل (۸) التجارب انما تنفع في الأمور الممكنة على الأكثر فاما الممكنة في الندرة والممكنة على التساوي فانه لا منفعة للتجربة فيها وكذلك الروية وأخذ التأهب والاستعداد انما ينتفع بها في الممكن على الأكثر لاغيره وأما الضروريات والممتنعات فظاهر من أمرهما ان الروية والاستعداد والتأهب والتجربة لا تستعمل فيهما وكل من قصد لذلك فهو غير صحيح العقل وأما الحزم فقد ينتفع به في الأمور الممكنة في الندرة والتي على التساوي (1) قد يظن بالافعال والآثار الطبيعية أنها ضرورية كالاحراق في النار والترطيب في الماء والتبريد في التلج وليس الأمر كذلك لكنها ممكنة على الأكثر لأجل أن الفعل انما يحصل باجتماع معنيين أحدهما تهيؤ الفاعل للتأثير والآخر تهيؤ المنفعل للقبول فمهما لم يجتمع هذان المعنيان لم يحصل فعل ولا أثر البتة كما أن النار وان كانت محرقة فانها متي لم تجد قابلا متهيأ للاحتراق وكذلك الأمر في سائر ما أشبهها وكلما كان التهيؤ في الفاعل والقابل جميعاً أتم كان الفعل أكمل ولولا ما يعرض من التمنع في المنفعل لكانت الأفعال والآثار الطبيعية ضرورية وليس النكت فما يصح وما لا يصح من أحكام النجوم ۸۱ (١٠) لما كانت الأمور الممكنة مجهولة مسمى كل مجهول ممكناً الأمر كذلك اذ عكس هذه القضية غير صحيح على المساواة لكنه على جهة الخصوص والعموم فان كل ممكن مجهول وليس كل مجهول ممكناً ولأجل الظن السابق الى الوهم أن المجهول ممكن صار الممكن يقال بنحوين أحدهما ماهو ممكن في ذاته والآخر ما هو ممكن بالاضافة الى من يجهله وصار هذا المعنى سبباً لغلط عظيم وتخليط مضر أن أكثر الناس لا يميزون بين الممكن والمجهول ولا يعرفون حتي طبيعة الممكن (۱۱) ان أكثر الناس الذين لا جبلة لهم لما وجدوا أموراً مجهولة بحثوا عنها وتطلبوا علمها وتتفرقوا عن أسبابها حتى توصلوا الى معرفتها وصارت لهم معلومة أحسنوا الظن بما هو ممكن بطبعه وظنوا انه انما يجهلونه لقصورهم عن ادراك سببه وانه سيوصل الى معرفته بنوع من البحث والتفتيش ولم يعلموا أن الأمر في طبيعته ممتنع لان يكون به تقدمة معرفة البتة بجهة من الجهات اذ هو ممكن الطبيعة وما هو ممكن فهو بطبعه غير محصل ولا بمحكوم عليه بوجود ثبات أولا وجوده (۱۲) الاسماء المشتركة قد تصير سبياً للاغلوطات العظيمة فيحكم على أشياء بما لا وجود فيها لأجل اشتراكها في الاسم معاً ويصدق عليه ذلك الحكم كالاحكام النجومية فان قولنا الأحكام النجومية مشتركة لما هي ضرورية كالحسابيات والمقادير يات منها ولما هي ممكنة على الأكثر كالتأثيرات الداخلة في الكيف ولما هي منسوبة اليها (6-7) فانه ۸۲ النكت فيما يصح وما لا يصح من أحكام النجوم بالظن والوضع وبطريق الاستحسان والحسبان وهذه في ذواتها مختلفة الطبائع وانما اشتراكها فى الاسم فقط فان من عرف بعض اجرام الكواكب وابعادها ونطق بذلك يعرف أنه حكم بحكم نجومي وذلك داخل في جملة الضروريات اذ وجوده أبداً كذلك ومن عرف أن كوكباً من الكواكب كالشمس مثلا اذا حاذي مكانا من الامكنة يسخن ذلك المكان إن لم يكن هناك مانع من جهة قابل السخونة ونطق بذلك فقد حكم أيضاً بحكم نجومي وهو داخل في جملة الممكنات على الأكثر ومن ظن أن الكوكب الفلاني متى قارن أو اتصل بالكوكب الفلانى استغنى بعض الناس وحدث به حادث ونطق بذلك فقد حكم أيضاً بحكم نجومي وهو داخل في جملة الامور الظنية والحسبانية وطبيعة كل حكم من هذه الاحكام مخالفة للطبيعة الباقية فاشتراكها انما هو بالاسم فقط وكذلك قد يلتبس ويشتبه الأمر فيها على أكثر الناس اذ هم ليسوا محكمين ولا منذرين ولا مرتاضين بالعلوم الحقيقية أعنى الضرورية البرهانية (۱۳) مشاهدات الاجرام العلوية المضيئة مؤثرة في الاجرام السفلية بحسب قبول هذه منها كما يظهر من حرارة ضوء الشمس وكسف ضوء القمر وضوء الزهرة وما يظهر من فعلها انما بتوسط هو أضوائها المشوبة لا غير (١٤) القدماء مختلفون في الاجرام العلوية هل هي بذواتها مضيئة أم لا فبعضهم قالوا ليس في العالم جرم مضي بذاته سوى الشمس وكل النكت فيما يصح ومالا يصح من احكام النجوم. ٨٣ ماسواها من الكواكب يستضيء منها واستدلوا على صحة قولهم بالقمر والزهرة فانهما يكسفان الشمس حيث يمران فيما بينها وبين البصر و بعضهم قالوا ان جميع الكواكب الثابتة مضيئة بذواتها وان السيارة مستضيئة من الشمس فعلى أي هاتين الجهتين كانت فان تأثيرها بتوسط أضوائها الذاتية أو المكتسبة غير مستنكر ولا مدفوع (۱٥) معلوم أن الكواكب متى استجمعت أنوارها مع ضوء الشمس على جسم من الأجسام السفلية أثرت فيها أثراً مخالفاً لما تؤثر عند انفرادها عنه وذلك مختلف بالأكثر والأقل والأشد والأضعف والأزيد والأنقص بمقدار تهيؤ ذلك الجسم في الأزمنة المختلفة لقبول ذلك الأثر وأيضاً فان بين الاجسام تفاوتاً في القبول وهذه هي الخواص التى هي موجودة وفاعلة وان كانت غير مضبوطة بمقاديرها وهيآنها على الاستقصاء والاستيفاء (١٦) العلل والاسباب إما أن تكون قريبة وإما أن تكون بعيدة فالقريبة معلومة مضبوطة على أكثر الأمور وذلك مثل حمي الهواء من انبثاث ضوء الشمس فيه والبعيدة قد يتفق أن تصير مدركة معلومة مضبوطة وقد تكون مجهولة فالمضبوطة المدركة منها كالقمر يمتلى ضوءا ويسامت بحراً فيمتد فيسقى الارض فينبت الكلاً فيرتعها الحيوان فيسمن فيرنج عليها الانسان فيستغنى وكذلك ما أشبهها (۱۷) لا يستنكر أن يحدث في العالم أمور لها أسباب بعيدة جداً . فلا تضبط لبعدها فيظن بتلك الامور انها اتفاقية وانها من حيز الممكن ٨٤ النكت فيما يصح ومالا يصح من احكام النجوم المجهول مثل أن تسامت الشمس بعض الاماكن الندية فترتفع بخارات كثيرة فينعقد منها سحائب ويمطر عنها أمطار وتكدر بها أهوية فتعفن بها أبدان فتعطب فيرتهم أقوام فيستغنون غير أن الذي يزعم أنه قد يوجد سبيل الى معرفة وفت استغناء هؤلاء القوم ومقداره وجهته من غير اقتفاء السبيل الذي ذكرت مثل تفاؤل أو معاقبة أو استخراج حساب أو مناسبة بين أجسام أواعراض فهو مدع مالا يذعن النجوم له عقل صحيح البتة (۱۸) أمور العالم وأحوال الانسان فيه كثيرة وهي مختلفة فمنها خير ومنها شر ومنها محبوب ومنها مكروه ومنها جميل ومنها قبيح ومنها نافع ومنها ضار فأي واضع وضع بإزاء كثرة أفعاله كثرة من أمور العالم مثل حركات البهائم أو أصوات الطيور أو كلمات مسطورة أو فصوص معمولة أو سهام منشورة أو أسامي مذكورة أو حركات من حركات أو ما أشبه ذلك مما فيه كثرة فانه قد يصادف بين تلك الأحوال وبين ما وضع مماذكر أية كثرة كانت مناسبة يقيس بها بين هذه و بين تلك ثم قد يتفق فيها أسماء يعجب الناظر فيها والمتأمل لها الا أن ذلك لا عن ضرورة ولا عن وجوب ينبغي للعاقل أن يعتمدها وانما هو اتفاق بركن اليه من كان في عقله ضعف إما ذاتي وإما عرضي فالذاتي هو ما يكون في الانسان الفتى الذي لا تجارب معه اما لصغر سنه واما لغباوة طبعه والعرضي هو ما يكون للانسان عند ما يغلب عليه بعض الآلام النفسانية مثل شهوة مفرطة أو غضب أو حزن أو خوف النكت فيما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم ٨٥ أو طرب أو ما أشبه ذلك (۱۹) من به حركات الاجرام العلوية والمناسبات التي بينها علي . ماسوى ذلك من أصوات الطيور وحركات البهائم وخطوط الأكتاف و جداول الأكف واختلاجات الاعضاء وسائر ما يتفاءل ويتطير بها ومنها انما هو لمعنيين اثنين أحدهما هو أن تلك الاجرام هي مؤثرة في الاجرام السفلية بكيفياتها فهي لذلك مظنون بها أنها مؤثرة أيضاً باتصالاتها وانصرافاتها وظهورها وغيبوبتها وتقاربها وتباعدها والآخر انها ثابتة بسيطة شريفة بعيدة عن الفسادات (۲۰) ليت شعري لما وجدت النغم التأليفية بعضها متنافرة وبعضها متلائمة وبعضها أشد ملاءمة وبعضها أشد منافرة ما الذي يوجب أن لا يكون حاول الكواكب في الدرجات التي تناسب في العدد تلك أيضاً حالها في المساعد والمناحس كذلك ما هو من المتفق عليه أن تلك الدرجات وتلك البروج انما هي بالوضع لا بالطبع وليس هناك البتة تغير وتخالف طبيعي (۲۱) ألم تعلم أن الاستقامة والاعوجاج والنقصان والكمال التي تقال في مطالع البروج انما هي بالاضافة الى الأماكن بأعيانها ولاجل تلك الاماكن لانها في أنفسها ذوات اعوجاج واستقامة وكمال ونقصان وسائر ما أشبهها فاذا كان الأمر كذلك فما الذي يوجب أن يكون دلالتها على الاجرام السفلية من الحيوان والنبات بحسب تلك التي قيلت فيها وان صح ذلك في ذواتها فهو يوجب شيئاً غير ما هو ٨٦ النكت فيا يصح ومالا يصح من أحكام النجوم داخل في التأثيرات الداخلة في باب كيف (۲۲) من أعجب العجائب أن يمر القمر فيما بين البصر من الناس بأعيانهم في موضع من المواضع فيستر بجرمه عنهم ضوء الشمس وهو الذي يسمي الكسوف فيموت لذلك مالك من ملوك الارض ولوصح هذا الحكم واطرد لوجب أن كل انسان أو أي جسم كان اذا استر بسحاب عن ضوء الشمس فانه يموت لذلك ملك من الملوك أو يحدث في الارض حادث عظيم وذلك ما ينفر عنه طباع المجانين فكيف العقلاء (۲۳) بعد ما اجتمع العلماء وأولو المعرفة بالحقائق على أن الاجرام العلوية في ذواتها غير قابلة للتأثيرات والتكوينات ولا اختلاف في طباعها فما الذي دعا أصحاب الاحكام الى أن حكموا على بعضها بالنحوسة وعلى البعض بالسعادة والى غير ذلك من ألوانها وحركاتها البطيئة والسريعة فليس ذلك بمستقيم في طريق القياس اذ ليس كل ما أشبه شيئاً بعرض من الاعراض فانه يجب أن يكون شبيهاً به بطبعه وأن يصدر عن كل واحد منهما ما صدر عن الآخر (٢٤) لو وجب أن يكون كل ما كان لونه من الكواكب شبيها بلون الدم مثل المريخ دليلا على القتال واراقة الدماء لوجب أن يكون كل ما كان لونه أحمر من الاجسام السفلية أيضاً دليلا على ذلك إذ هي أقرب منها وأشد ملاءمة ولو وجب أن يكون كل ما كان حركته سريعة أو بطيئة من الكواكب دليلا على التباطؤ والتسارع في الحوائج لوجب أن يكون كل يعلى وكل سريع من الاجرام السفلية النكت فيما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم ۸۷ أدل عليها اذ هي أقرب منها وأشبه بها وأشد اتصالا وكذلك الامر في سائرها (٢٥) ما أعمى بصر من نظر في أمر البروج فلما وجد الحمل به يبتدأ في تعديدها حكم أنه يدل على رأس الحيوان وخصوصاً الانسان ثم لما كان الثور يتاوه حكم بأنه يدل على العنق والأكتاف وكذلك الى أن ينتهي الى الحوت حكم بأنه يدل على القدمين انما كان ينظر بعينه السخيفة وعقله المذهول الى الحوت وهو متصل بالحمل والى القدمين . وهما غير متصلتين بالرأس فيعلم أن حكمه غير مطرد في ذلك إذ أعضاء بدن الحيوان موضوعة على الاستقامة والبروج على الاستدارة وليس بين المستقيم والمستدير مناسبة لكن من أعظم المصائب أن الضرورة تدعو الى التقويم بمثل هذا الطعن الذي لا يدرى هل الطعن أضعف أم المطعون غير أن التريدفع بالشر ولولا أن الاشتغال بأمثال هذه المقاولات والمعاندات مما يتعطل به الزمان لأثبت منها جملة (٢٦) من حكم بأن زحل هو أبطأ الكواكب سيراً والقمر أسرعها سيراً لم لم يقلب الحكم أن زحل أسرعها سيرا اذ مسافته أطول مسافات الكواكب السيارة سواها والقمر أبطأها اذ مسافته أقرب مسافات تلك (۲۷) هب أن القمر وسائر الكواكب أدلة على الأمور والاحوال على ما وصفه أصحاب الاحكام لم قالوا أن الأمور التي يراد أن تكون خفية مستورة ينبغي أن تتعاطاها في وقت الاجتماع النكت فيما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم لاضمحلال ضوء القمر أما علموا أن ضوء القمر على حالته لم يتغير ولم يلحقه زيادة ولا نقصان وانما ذلك بالقياس الينا لاغير وكذلك ماقالوه في الامتلاء والاستقلال ومهما لم يلحقه في ذاته تغير فما الذي يجب أن يلحق ذلك البصر ما هو دليل من الامور على ما وضع (۲۸) لما كانت الكواكب والشمس في ذواتها لاحارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة باتفاق من العلماء فما معنى الاحتراق الذي ادعوا في الكواكب التي تقرب من الشمس وحيث وضعوا الشمس دليلا على الملوك والسلاطين فلم لم يجمعوا بأن الكواكب التي هي دليل على نوع من أنواع الناس مثل عطارد الذي وضعوه دليلا على الكتبة أو علي من يكون هو صاحب طالعه وهيلاجه اذا قرب من الشمس أن يكون له تمكن من السلطان وقرب اليه وزلفى لكنهم جعلوا ذلك منحسة (۲۹) من يظن ان هذه بتجارب عليها وجدت دلائل هذه الكواكب وشهاداتها فليعمد الى سائر ما وضع ليقلبها معلوما في المواليد والمسائل والتحاويل فان وجد بعضها يصح وبعضها لا بصح علي ما عليه حال ما وضع فليعلم أن ذلك ظن وحسبان واستحسان وعرفة (۳۰) لم تر أحداً وان كان من الاشتهار بأحكام النجوم . بها واليقين فيها بغاية ليس من ورائها مثل غاية وهو يقطع أمراً مما يهمه لاجل حكم يحكم له به وان عاين في طالع مولده أو يسأله جميع الشهادات التي بها يستدل وعليها يعول اخراج مال وترك حزم في حرب وأخذ والايمان النكت فيما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم ٨٩ زاد فى سفر أو ما أشبه ذلك وان كان الأمر على هذا السبيل فما اشتغالهم بهذا الفن الا لاحدى ثلاث اما لتفكر وولوع واما لنكث وتشوف وتعيش به واما الحزم مفرط وعمل بما قيل ان كل مقول محذور منه تمت نكت أبي نصر الفارابي فيما يصح ومالا يصح من أحكام النجوم .. ويليها رسالة في مسائل فلسفية سئل عنها .. والحمد الله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم