مجلة المقتبس/العدد 71/بين الفيحاء والشهباء

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 71/بين الفيحاء والشهباء

ملاحظات: بتاريخ: 1 - 1 - 1912



المملكة الحموية

حماه كلمة سامية معناها الحصن المنيع الحمي. والحماة عاصمة مملكة لا يعرف اتساعها تختلف باختلاف الدول والأزمان وقد ذكر موسى اليهودي حماة الكبرى وذكر بعض الإفرتج أنه كان انطلوخيوس الرابع أبيفان هو الذي سماها ابفانيا وسماها مؤرخة النصرانية الأول كذلك. هذه رواية الإفرنج ولم يصرح جغرافيو العرب بأن فامية هي حماه بعينها بل قالوا أن فامية ويقال لها أفامية هي مدينة قديمة ويطلق هذا الاسم على كروتها أيضاً وكانت فامية عظيمة قديمة على نشر من الأرض لها بحيرة حلوة يشقها النهر المقلوب (العاصي) وقال ياقوت أن أفامية مدينة كبيرة وكورة من سواحل حمص وقد ياق للها أفامية قال عيسى ين سعدان الحلبي يذكرها:

يا دار علوة ما جيدي يمنعطف ... إلى سواك ولا قلبي بنجذب

ويا قرى الشام من ليلون لا نحلت ... على بلادكم هالة السحب

ما مر برقك مجتازاً على بصري ... إلا وذكرني الدارين من حلب

ليت العواصم من شرقي فامية ... أهدت إلي نسيم البان والغرب

ما كان أطيب أيامي بقربهم ... حتى رمتني عوادي الدهر من كثب

وهذا دليل على أن أفامية كانت من المدن العوفة غير حماة يؤيد ذلك أن حماة معروفة بهذا الاسم في الجهلية فكان الشاعر حرياً بأن يذكرها بلفظها التعارف.

افتتح حماة أبو عبيدة سنة 17 وكانت معروفة ف يالجاهلية بهذا الاسم وذكرها امرؤ القيس في شعره بقوله:

تقطع أسباب اللبانة والهوى ... عشية رحنا من حماة وشيزرا

بسير يضج العود منه يمنه ... أخو الجهد لا يلوي على من تعذرا

قال ابن حوقل أن شيزر وحماة مدينتان صغيرتان نزهتان كثيرتا المياه والشجر والزروع والفواكه وقال ياقوت إن حماة كبيرة عظيمة كثيرة الخيرات رخيصة الأسعار واسعة الرقعة حفلة الأسواق محكم وبظاهر السور حاصر كبير جداً فيه أسواق كثيرة وجامع مفرد مشرف على نهرها العروف بالعاصي عليه عدة نواعير وفي طرف الدينة قلعة عظيمة حصانيتها واتقان عمارتها وحفر خندقها نحو مئة ذراع وأكثر للملك المنصور محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب. ولم تكن قديماً مثل ما كانت في القرن السادس من العظم بسلطان مفرد بل كانت من عمل حمص وسماها أحمد بن الطيب قرية سنة 271 وذلك فيما ذكره من البقاع التي شاهدها في سيره من بغداد.

واستولى الإسماعليون على حماة زمن الصليبين واستولى عليها تنكرد أحد ملوك سنة 1108م ثم استعادها طغتكين التركي من الإفرنج سنة 1110م وأصيبت بزلزال شديد سنة 552هـ - حتى ذكر المؤرخون أن أحد معلمي الكتانيب خرجد لحاجة وعاد وقد رقع السقف على رؤوس الأولاد كلهم قال ولم يحضر أحد من أوليائهم يسأل عن ابنه الهالك وذلك لأنهم هلكوا عن بكرة أبيهم. واستولى على حماة صلاح الدين يوسف اين أيوب.

وإن ما عرف من تاريخ هذه المدينة ليشهد بأن أيام صاحبها أبي الفدا إسماعيل كانت أسعد من غيرها وبها وبه اشتهرت ولا عجب فالبلاد قد تسعد برجل وتشقى برجل فكما سعدت دمشق بعهد نور الدين وصلاح الدين وسعدت بغداد بالرشيد والمأمون هكذا سعدت حماة بأبي الفدا الملك المؤيد صابح حماة والمعرة وبرزين. ولم تر بعده وهو ملك من أهلها ومن أسرة صلاح الدين يوماً يشبه ذلك الأيام في السعادة وبقي الخراب يتحيفها حتى وصلت إلى ما وصلت إليه لهذا العهد من الإنحطاط. وأحر بها أن يقال لها اليوم قرية كبيرة لا لقلة نفوسها فإنهم خمسون ألفاً ولا لتغير معالمها وضعف زراعتها فإنا مازالت بحالها لقلة عمرانها وجهل سكانها إلا قليلاً.

لم يقل أبو الفدا في جغرافيته إلا أنها: مدينة أزلية ولها ذكر في كتب الإسرائيلين وهي من أنزه البلاد الشامية والعاصي يستدير على غالبها من شرقيها وشماليها ولها قلعة حسنة اليناء مرتفعة وفي داهلها الأرحية على الماء وبها نواعير على العاصي تستقي أكثر بساتينها ويدخل منها الماء إلى كثير من دورها وحماة بلدة قديمة مذكورة في التورات وهي وشيزر مخصوصتان بكثرة النواعير دون غيرهما من بلاد الشام.

وحدد ابن فضل الله حماة من القبلة الرستن وما سامته آخذاً ما بين سلمية وقبة ملاعب إلى حيث مجرى النهر والآثار القديمة ومن الشرق البر آخذاً على سلمية إلى ما استقبل عن قبة ملاعب ومن الشام آخر حد المعرة من أنقراتا (؟) ومن الغرب مضافات مصياف وقلاع الدعوة وليس لها نطاق يدور على غير ولاية برها الخاص بها نفسها وبارين والمعرة.

وقال شيخ الربوة في القرن الثامن أن الشام كانت لتنقسم على عهد الدولة التركية إلى ثمانية أقسام أو مماليك والمملكة الرابعة من الثمانية حماة ويها سلطان ملك ونائب مستقل وهي مدينة حسنة خصبة كثيرة الخير والأرزاق يحوطها النهر العاصي وبأتيها جارياً من جانبيها ويجتمع بين الجانبين قنطرة ومن أعمالها الكبار بعرين وتسمى بارين وهي قلعة منيعة وسلمية وهي على سيف البرية بناها عبد الله بن صالح وعلي اين عبد الله بن عباس ولها قناة كبيرة.

وذكر حماة غرس الدين الظاهري لفظ الملكة أيضاً وقال إنها متسعة على مدن وقلاع وأقاليم وقرى وأعظم مدنها حماة وإن قلعتها أخربها تيمورلنك وبها جوامع ومدارس ومساجد وأماكن ومزارات.

ووصف ياقوت قورون حماة العروفة إلى اليوم فقال إنهما ثلثان متاقبلتان وجبل يشرف عليها ونهرها العاصي وبين كل واحد وبين دمشق خمشة أيام للقوافل وبينهما وبين حلب أربعة أيام.

وحماة اليوم لواء في الشمال من ولاية سورية ومن أعماله سلمية وقسم من جبال الكلبية أو النصيرية وحمص وأكثر أراضيها هذا اللواء سهلية إلا ما كان من أنحاء جبل الكلبية ففيه ما في الجبال من سهول وآكام وتربة حسنة وما كان على مقربة من العاصي يستقي منه فينبت فيه القطن والقنب والحرير والبصل (النار) والخروع وأنواع البقول والأشجار وما كان بعيداً عنه يكون عذاً وخصوصاً في المحال التي يسمونها بالزوار فإنها على غاية من حسن التربة وقوة الإنبات بما يتوفر القائمون عليه من التسميد الذين يأتون بالسماد من القرى المجاورة بحيث يكون دخلهم منها يوازي دخلهم دخل أهل حدائق دمشق وبعض قراها مثل كفرسوسة والقابون وجوبر.

وموقع مدينة حماة والعاصي يشطرها والنواعير تئن عن أيمانها وشمائلها من أجمل المناظر ولا سيما في فصل الربيع ومن أجمل النزهات عندهم الركوب في قارب وقطع جانب من العاصي فيرى المتنزه ضفاف العاصي مخضلة بلاثمار اليابعة تعكس على المياه خضرته وليس في حماة ما يستحق الذكر من أنواع العمران إلا بقايا صناعات قديمة مثل حياكة الأقمشة للثياب والفوط والستائر والاعبشة والنزابيج (اللي) وغير ذلك من الأمور الحقيرة وليس فيها مدارس أهلية ولا خزائن كتب عامة ولا مطابع ولا صحف يومية أللهم إلا مطبعة واحدة وبعش صحف اسبوعية وشهرية ولا نسبة بينها وبين مكانة حماة القديمة.

أما آثارها القديمة فأهمها دار أسعد باشا العظيم أحد ولاة سورية في القرن الثاني عشر وصاحب حماة بني هذا القصر منذ نحو 170 سنة على أجمل طراز على مقربة من نهر العاصي وزين بأنواع النقوش والتصاوير ويظن أن صناعه كانوا من الفرس لأن نقوشهم كثيراً من النقو العجمية وبعض الأبيات الفارسية ومن أبدع ما رأيناه فيها قطعتان من الخشب جعلتا في حائط الغرفة الكبرى ف يالداء البرانية ونقشت عليهما صورة حماة في ذاك العهد يجوامعها ومدارسها ونواعيرها وقصورها والناظر إليها يتبين أن المرسوم هو حماة بعينها وأنها كانت إذ ذاك أعم مما هي عليه الآن والغالب أن الزلزال الأخير أخربها إلا قليلاًُ. ولايجملة فأن قصر ابن العظم في حماة حري بأن يزار كقصره في دمشق وهندسة القاعة هنا وفي حماة واحدة والغالب أن من بنوا هذه بنوا تلك وكذلك الناقشون والمزينون.

قلنا سكان خمسون ألفاً دع عنك من في ضاحيتها من أمها القرى وما تظن لواء حماة يقل عن أربعمائة ألف نسمة لأ بعض سكانها مكتوم في الإحصاء الرسمي ولاسيما سكان جبال الكلبية وهم نصيرية وإسماعلية بالنظر لما رأوا من الشغط والشدة في الأزمان الغابرة. وفي قضاء العمرانية حصن مصياف وفي قضاء المرقب القدموس وهما من الأماكن المعروفة عند الإسماعيلية ولها ذكر في التاريخ.

على قبر أبي الفدا صاحب حماة

حنانيك إسمعيل اجبني فدتك نفوس الملوك يا عالمهم وعادلهم وسيدهم. كنت في عصرك مثال العمل الصايح وها أنت لمن بعدك عبرة يعتبر.

زرت قبرك الشريف وذكرت سيرتك المثلى فبكيت على الإسلام والعرب وقابلت بما قرأته على ضريحك بين السذاجة الغالبة عليك وفخفخة الألقاب بعدك.

قرأت: هذا ضريح العبد الفقير إلى رحمة ربه الكريم اسماعيل بن علي بن محمود ابن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب عمر في شهور سنة سبع وعشرين وسبعمائة جملة لا يجوز نقضها على قر أحد العامة فأين أنت منها يا أبا الفدا في مفاخرك وسؤددك ومجدك الخالد والطارف.

حناتنيك اسماعيل كنت في حياتك قدوة الملوك العادلين تعلم الناس حب الخير وتعلم العلماء فيما توفروا عليه والفاتحين ما يفاخرون بمعرفته والحكماء ما هو أمجادهم وها أنت الىن رهين حفرة قد كاد ينسى بين قومك ذكرك فلا تبدي ولا تعيد وقومك نسوا دينهم فكيف لا ينسون رجالهم.

نشأت أيها السلطان العادل من بيت عز وملك فلم تأخذ الزخارف بلبك بل تخرجت في العلم وربيت على أدب النفس وأدب الدرس حتى جاء منك عالم بل معلم للعلماء وتفننه.

نشأت نشأة عالية في القرون الوسطى وغيرك من الملوك ولا سما بعدك نشأة جاهلية على الخمر والزمر والقمر لا يعرفون غير القصور والولدان ولاحور وغاية مفاخرهم أنههم يبطشون ولا يبالون يقتلون ولا يتأملون يتعاظمون ولا تواضعون فلا يراجعون يأمرون ولا يعدلون.

أضحت أحكام بعض الملوك بيدك ذوقية وأعماله على الأكثر استبدادية. اتخذوا الإسلام ديناً وهو منهم برئ وعبثوا بلارخض والعزائم ليس لهم وازع من أنفسهم ولا رادع من أممهم. أصبحوا جبابرة لا ملكواً وشياطين لا إنسا وإنعاماً لا يعرفون إلا ما فيه راحتهم وتوفير قسطهم من اللذائذ والبذخ والنعيم.

كنت أبا الفدا ملكاً بالأمم وملكاً بالفعل كنت شريفاً بماضيك وحاضرك أنت إلى يوم الناس هذا والي وإلى غد وما بعد غد شريف قي عامة أحوالك.

لم نعه دلك كما عهدنما للملوك قبلك وبعدك أن عددت الرعية كالسائمة التي تملك فيتصرف مالكها بدرها ووبرها وجلدها ولحمها وبعمل مطلقاً في الاستمتاع بها لا ينازعه منازع. بلى عهدناك تؤاسي الضعيف ولا تجور على الفقير وتحسن للعلماء وتفضل على الفقهاء والأدباء والشعراء وتصرف أفضل أوقاتك في التأليف والتصنيف ياثاني المأمون بعملك وعقلك وثاني صلاح الدين بعدلك وجهادك.

أباد الفدا إن قومك أغفلوك وسيرتك بل أهملوا صريحك ولو ذكروك لساروا ولو قليلاً على سنتك المحمودة فعلمت الملوك من بعدك بسيرتك الطاهرة كما كنت في عصرك خير معلم للملوك العادلين والعلماء العاملين.

أبا الفدا إن الملوك بعد عصرك جمعوا كثيراً وضاعوا كثيراً جمعوا فكان ملكك بجانب ماملكوا جزءاً صغيراً جداً وما خلفوا إلا ما تحمر وجههم خجلاً منه يوم يأتون في الآخرة وقد شهدت عليهم لا لهم أعمالهم وأنت سعتد يمن وليت عليهم وسعدوا بك فأبقيت ذكراً لا تمحوه الأيام.

أنت علمت الخلق بأن القليل مع العقل بستفاد منه أكثر من الجزيل بدونه وإن وفرة المال والعقار لا تكون من السعادة في شيء إذا لم تسبقها نفس مهذبة بالآداب والفيلة وعقل يحسن التصرف بما يملك.

من لي بنظرة منك لترى ما حل بالعرب اليوم من التمزق والفساد في المعاش والمعاد والجيل والمطبق وضعف العقول. رئم اخلاف من حكمت للمذلة وخنعوا للاستبداد وتفرقوا تحت كل كوكب فرثى لهم الصديق وشمت بهم العدو وهانهم الدهر وكل ذلك بما يفعله سفهاء الأحلام من أمرائهم وعلمائهم أنهم كانوا ظالمين.

قم وانظر فقد بدلت الأرض بعد عصرك. اخترع الأفرنج في زماننا البخار والكهرباء ووفروا مرافق الحياة وقربوا الأبعاد وحسنوا العيش أما قومك فليس لهم من مدينة القرون الأخيرة إلا النظر وزادوا على جهلهم فساداً في أخلاقهم بحيث لم يبق لهم من الأمجاد إلا أن يعود إلى صحيفة أجدادهم ويفاخرون بما تم على أيدي أمثالك كالقرعاء تفخر بشعر أمها أو العجوز الشوهاء لا تفتأ تذكر ماضي شبابها.

قالزا إن نظام الحكومات بعد أيامك أرتقى وإنكم كنتم في عصر تقل فيه القوانين الوضيعة وكان أكثر العمل بالقوانين السماوية فمن لنا بعصرك فإن القوانين الوضيعة ارتقت ولكن عند غيرنا من أهل الغرب والقوانين السماوية أرعضنا عنا إلا قليلاً فلم نحسن تقليد المقتنين المحدثين ولا احتفظنا بتراث الأقديمن فكنا كالعقعق أراد أن يمشي كالحجل فنسي ولم يمش مثله بل كنا من الأخسرين أعمالأً.

رحماك أبا الفدا إن أمثالك أنفقوا أموالهم وأموال الأمة في شهواتهم على المغنين والمغنيات والكواعب الغانيات وأنت أنفتها على العلم والعلماء إنهم إذا كانوا جهلة أغبياء فقد كنت العالم المؤرخ الجغرافي الطبيب الحكيم ومصنفاتك شاهدة لك على غابر الدهر بأنك عالم الملوك وملك العلماء. خلد اضرابك بسيرتهم صيت بطش وفتك وقطع وقت في العبث وأنت أقمت نصاب العدل علىمن وليت أمرهم فكانت أيامك رياض الأزمنة وبهجة العصور فجزاك الله عن أمتك أجزل ما يجازي ملكاً صالحاً عن رعيته وعالماً عاملاً يخدم الناس بعمله وفصيلته.

المملكة الحمصية

ربما يتسغرب البعض إطلاق لفظ مملكة على حمص فقد كانت عظيمة في الجاهلية والاسلام. كانت الشام على عهد الروم مقسومة أربعة أقسام قصبة دمشق وقسم قصبة طبرية وتسمى الأردن وقسم قصبة حمص وقسم قصبة إيليا (القدس) وتسمى فلسطين وكان لهم في كل عمل بطريق من البطارقة يحفظه وبعث الخليفة الأول لما أراد فتح الشام إلى كل عمل جنداً وأمر أميراً فعث إلى حمص أبا عبيدة بن الجراح وسيمت هذه الأعمال يومئذ إجناداً وكانت قنسرين مضافة إلى حمص ثم أفردت إلى حمص ثم صار الشام في خلافة الرشيد مقسوماً إلى ستة أجناد ثم قسم في الدولة التركية إلى تسعة أقسام منها قسم التناء والارمن والروم وانفصل عن الشام وسمي روماً.

وكانت أقاليم حمص عبارة عن إقليم شيزر وإقليم فامية وإقليم معرة النعمان وإقليم صوران وإقليم لطمين وإقليم بل منس وإقليم الغلاس وإقليم كفر طاب وإقليم جوسية وإقليم لبنان وإقليم السعرة وخمسة أقاليم التمة وإقليم البلعاس وإقليم البارة وإقليم الرستن وإقليم زمين وإقليم القسطل وإقليم سلمية وإقليم عقبرتا وإقليم الجليل وإقليم السويداء ورفنية وتدمر. وخراج حمص ثلثمائة ألف وأربعون ألف دينار.

وكان يحد عل حمص في القرن الثامن من القبلة قرية القصب المجاورة لقرية جوسية - وجوسية - من كور حمص على ستة فراسخ منها من جهة دمشق بتم بها السكة الحديدة بين بعلبك وحمص وهي بين جبل لبنان وجبل سنير (قلمون) - آخذا هذا الحد إلى النبك إلى القريتين ومن الشرق السماوة إلأى لافرات ينتهي إلى مدينة سلمية ولها قلعة تقاربها تعرف بشمنش ومن الشام ما بين سلمية الرستن ومن الغرب نهر الأرنط وهو العاصي ومدينة هذه الصفقة حمص وهي دار ملك البيت الأسدي ولم يزل لملكها في الدولة الإسلامية سطوة تخاف وبأس يجذر وبها القلعة المصفحة ولا منعة لها ولها بناية جليلة وعسكر وتشتمل هذه الصفقة على ولاية قارا وهي قبلي حمص وولاية مدينة حمص نفسها وولاية تدمر وهي ما بين القريتين والرحبة.

هذه الدينة العظيمة التي كانت مملكة وولاية إلأى القرون الوسطى ضغفت في القرون الحديثة حتى أصبخت اليوم قضاء من عمل حماة وأما تاريخها قبل الإسلام فقد ورد ذكرها في مصنفات بلين الروماني باسم أميزا

وذكر الحمصيون قبل عهده في جملة سكان الخيام الذين قاتلهم الرومان ومن مشاهير حمص قل الإسلام هليو كابال روبا سانيوس الكاهن الأعظم في معبد الشمس (بعل) في حمص الذي بويع امبراطوراً رومانياًَ سنة 217 وقد استولى الصليبون على حمص سنة 1099م.

ولحمص وجند حمص ذكر كثير في كتب الفتوح منها أن أهلها صالحون أبا عبيدة على مائة ألف وسبعين ألف دينار وذلك لأن الحمصيين كانوا متخوفين لهرب هرقل عنهم وما كان يبلغهم من كيد المسلمين بأسهم وظفرهم فأمنهم الفاتح على أنفسهم وأموالهم وسور مدينتهم وكنائسهم وأرحائهم واستثنى عليهم ربع كنيسة يوحنا للمسجد واشترط الخراج على من أقام منهم وقسمت حمص خططاً بين المسليمن حتى نزلوها وأكنهم عاملها السمط بين الأسود الكندي في كل مرفوض جلا أهله أو ساحة متوركة وكانت مدينة حمص مفروشة بالصخر فلما كانت أيام أحمد ين محمد بن أبي إسحاق المعتصم بالله ضغبوا على عاملهم الفضل بن قارن الطبري أخي ما يزديار بن قارن فأمر بقلع ذلك الفرش فقلع ثم أنهم أظهروا المعصية وأعادوا ذلك الفرش وحاربوا الفضل بن قارن حتى قدروا عليه ونهبوا ماله ونساءه وأخذوه فقتلوه وصلبوه فوجه أحمد ين محمد إليهم موسى بن بغا الكبير مولى أمير المؤمنين المعتصم بالله فحاربوه وفيهم خلق من نصارى المدينة ويهودها فقتل منهم البلازي وبحمص هري يرده قمح وزيت من السواحل وغيرها مم قوطع أهله عليه وسجلت لهم السجلات بمقاطعتهم.

وفرش طرق حمص بالصخر قديم جدد مرات قال اين حوقل إن جميع طرق حمص من أواقها وسككها مفروشة بالحجارة والبلاط وذكر الجغرافيون من حسن حمص أنه لا يوجد بها دار إلا وتحتها في الأرض مغارة أو مغارتان وماء ينبع للشرب وهي مدينة فرق مدينة وقال بعضهم إن مدينة حمص هي سوريا وكان بها مرصدان أشبه بالرصد الذي كان عند عين الهرمل وهو من مراصد الصابئة.

قلنا إن الفاتح صالح أهل حمص على ربع كنيستهم للمسجد وقد ظلت كذلك إلى لاقرن الرابع وبعض بيعتها المسجد الجامع وشطرها للنصارى فيه هيكلهم ومذبحهم وبيعتهم من أعظم بيعالشام. وقد دخلها الروم في الإسلام مرات وأخربوها وأتوا على سوادها وزاد اختلالها بعد دخول الروم إليها ثم قوماًُ استوطنوا ممن سلم من الروم فأتت البادية عليهم تأكل زروعهم كما كان يحدث ذلك لها إلى عهد غير بعيد حتى القرن الماضي.

سكان حمص والحثيون

الأجح أن سكان هذه البلاد مزيج من أمم مختلفة باختلاف الفاتيحن ففيهم دم من معظم الأجناس التي حكمت هذه البلاد وأهم عناصرها الحثيون والروم والعرب فما وقع في ديار كلب من القرى تدمر وسلمية والعاصمية وحمص وهي حميرية وخلفها مما يلي العراق حماة وشيزر وكفر طاب لكنانة من كلب وحمص كدمشق وما يليهما ديار غسان من آل جفنة وغيرهم.

أما الحثيون فهم جنوبيون وشماليون وكان الجنوبيون في جهات فلسطين والشماليون نزلوا أولاً جبل اللكام أمانوس ثم انشروا بكرور الأيام من الفرات إلى حماة وحمص ومن دمشق وبرية تدمر إلى كبدوكيا. ويطهر من الآثار البصرية أنه لم يكن لهم ملك واحد بل كان لكل فصيلة منهم ملك.

ولم يعرف شيء عن الحثيين الشماليين قبل أن يمر الرحالة بوكهات الإنكليزي بحماة سنة 1812 يرى على جدار ازقتها خطوطاً قديمة بالخط المسند المصري أي الهيوغليقي تختلف عن الآثار المصرية ثم جاء بعده بعض رحالة من الأميركان والإنكليز. وأخذ العلماء بالتنقيب عن أمثال هذه الآثار فعثروا على كثير منها في حماة وحمص وحلب ومرعش وكركميش (أيرابوليس) وفي كبادوكيا وفي محال أخرى من آسيا الصغرى وقد علم من هيئة وجوه الحثيين الشماليين على ما رسموا في الآثار المصرية أنهم قبل الحثيين أو في الورتانو (كذا تسمى الآثار المصرية شعباً كان يسكن سورية في الآثار الشمالية قبل الحثيين أوفي جانبهم) منهم إلى سكان فلسطين ولون وجوههم أبيض ضارب إلى الحمرة.

قلنا أن أو محل احتلوه أودية جبل اللكام ثم أخذوا يبسطون ولايتهم شيئاً فشيئاً نحو الشرق والجنوب حتى اتصلوا شراقً إلى الفرات فاستحوذوا على كركميش وغراباً إلى وادي العاصي فاستولوا على حماة ثم على قادس في جانب حمص ثم غالبوا الآراميين في دمشق نفسها فحكموا فيها مدة وبسطوا سلطانهم في وقت غير معلوم إلى الشمال والشمال الغربي حتى ضبطوا آسيا الصغرى.

وقادس كانت في برية حمص وقد صورت على الآثار المصرية لأن رعمسيس الثاني أحد فراعنة مصر حاصرها أيام غزا فراعنة الدولة الثامنة عشرة سورية وبالد آشور مرات ثم ضعفت مصر في آخر أيام هذه الدولة فنبدت سورية وفلسطين طاعتها.

وكان الحثيون في هذه الأثناء تغلبوا على الروتان في شمالي سورية وأجلوهم من عقر دارهم وأنصفوا في مملكة واحدة فسيحة الأرجاء لنبسط من شاطئ الفرات إلى جبل طرطوس وإلى البحر المتوسط وتمتد جنوباً إلى قادس بل إلى دمشق أيضاً.

أخفق رعمسيس الأول في إعادة سورية إلى طاعته لأن خصومه فيها كانوا قد جمعوا شملهم وقد لاحظ مسبرو في تاريخ الشرق أن الفراعنة لم يكونوا إلى تلك الأيام يعتبرون ملوك سورية بمنزلة ملوك مساوين لهم أو يتنازلون لقد صلح معهم بل كانوا يسحسبون أمراء يكلمون بهم أو عصاة يجرون عقابهم وكانت نهاية الحروب معهم صاغرين دون شرط أو تدميرهم التام.

والظاهر من الآثار أن ساتي الأول ان عرمسيس أراد أن يستبيح حمى الحثيين فقاتلهم قرب العاصي على قلعة قادس وطالت الحرب الضروس وتعددت الواقع إلى أن افتتحها المصريون واستمات الحثيون في الدفاع حتى أصيو فرعون فاضطر أن يوقع على عهده صلح مع موتنار ملكهم عهدة ضمنت له سلامة ملكه حتى ردت عليهم قادس مدينتهم وبعد حروب طويلة على عهد رعمسيس الثاني مع الفينيقيين وقد كلت الأمتان المصرية والحثية من أهراق الدماء وعقدتا عهدة صلح وجدت صورته منقوشة على ظاهر جدار هيكل الكرنك بمصر انقطعت سائر الغزوات بين المصريين والحثيين مئة سنة وتزوج رعمسيس بابنة ملك فتوطدت دعائم الوفاق بين الشعبين.

ويتلخص من أخبار تغلب فلا زار الأول ملك نينوى وكان نحو سنة 1130ق. م أنه كان للحثيين في عهده صولة كبرى في شمالي سورية خاصة حتى كانت البلاد تسمى باسمهم لسلطانهم ولتسلط ولايتهم شمالاً إلى مدخل البحر الأسود فتوؤدي أليهم الجزية قبائل كباوكيا (في آسيا الصغرى) وكانت عاصمة الحثيين كركميش. وكانت هذه في محاربة الآشوريين للحثيين ما كانت قادس فيمحاربة المصريين لهم فكانت قادس حصناً منيعاً يخفر طريق آسيا في وادي العاصي وكركيش مثلها على الفرات وتفضلها بأنها كانت محطة تجارية أيضاً بين مغرب آسيا ومشرقها.

وقد اكتشفت مدينة كركميش سنة 1875 وكان اسمها عند العرب جرابيلس. ويسميها الأتراك جرابيس محرف هيرابولس أي المدينة المقدسة وموقعها على الفرات في الشمال من نهر الساغور المعروف الآن بالساجور وفي الشرق من حلمان أو حلفان وهي حلب ومن خرزاز املعروف الآن بأعزاز في قضاء كلس وفي الجنوب من بالد كمكوما المعروفة الآن بلقيس فهي نحو الشرق من حلب وأعزاز وعلى ضفة الفرات الغربية وعلى بعد ثلاث ساعات تحت الساجور وست ساعات من البيرة.

جدد شلمانصر ملك أشور حملات أبيه على الحثيين بل قضى أكثر مدة لملكه يحاربهم ومن جاورهم. وكان من عادة الحثيين أن يرسموا خطوطهم ناتئة لا محفورة فتطرق من الوراء على صفائح معدنية لتنتأ الحروف في جهتها الأخرى هكذا الأخرى هكذا كانت عهدتهم معغ مصر مكتوبة على صفيحة من فضة وتترأ هذه الحروف تارة من اليمين وتارة إلى الشمال وتارة بالعكس فإن كانت رؤوس الحيوانات المصورة بها متجهة إلى اليمين فتقرأ منها وكذلك إن كانت إلى الشمال وتقرأ أحياناً من أعلى إلى أسفل ومن أسفل إلى أعلى. وأما اللغة المكتوبة فيها هذه الخطوط فيرجع أنها ليست من اللغات السامية فالإعلام المذكور في الآثار المصرية والآشورية قل فيها ما يمكن رده إلى أصل سامي.

واشتهر الحثيون بالبخت كما تشهد آثارهم الباقية ولا سيما في حصون بوغازكوي وأيوق في آسيا الصغرى واتقنوا فن تحصين الحصوة واستخراج المعادن وصناعة تحويل الحديد فولازاً وقد أخذ اليونان أشياء كثيرة في صناعتهم عن الحثين. قال سايس في كتب الحثين أن مصدر فلاح اليونان هو الحثيون الذين افتتحوا آسيا الصغرى من أقدم العصور ويظهر أن صناع الحثيين ألفوا من صناعة مصر ونينوى وبابل اسلوباً خاصاً بهم واخترعوا صوراً منها النسر ذو الرأس الذي صار بعد ذلك شعاراً للسلاطين السلجوقيين ولبعض ملوك أوربا أما ديانة الحثيين فيظهر أنهم اقتبسوا عن بابل وبثوها في سورية وآسيا الصغرى وتطرقت إلى بلاد اليونان المذكورة واحدة وإن اختلفت اسماً.

نبذة في عمران حمص

ليس في الايدي مصادر يعتمد عليها لإصدار حكم مسمط على عمران حمص في القرون المختلفة وغاية ما يفهم من روايات مؤرخي العرب وجغرافيهم أن حمص في الإسلام كانت عامرة وأن الزلازل أضرت كثيراً بعمرانها وأن مدينة الرستن من الشمال وجوسية من الجنوب والقريتين ومهين حوارين وتدمر من الشرق كانت من أهم عمالاتها قال أبو نخيلة يمدح بني العباس ويشير إلى أنهم دكوا آثاراً الأمويين في الشام:

وأمست الأنبار داراً تعمر ... وخربت من الشآم أدورُ

حمص وباب اليتن والموقر ... ودمرت بعد امتناع تدمر

والموقر حصن بالبلقان وكان ينزله الأمويين وكذلك حمص وباب التين وتدمر وإنا إذا أخضنا عياب معجم البلدان تقرأ فيه أساء مدن كثيرة أكثرها داثر اليوم فمنها مدينة المؤتفكة كانت بقر سليمة وعلى آثارها بنيت هذه وسليمة اليوم كحمص قضاءٌ من أعمل حماه ومنها مريمين وهي من قرى مص بين الرستن وحماه معروفة إلى اليوم ومرقية قلعة حصينة في سواحل حمص كانت خربت فجددها معاوية ورتب فيها الجند واقطعهم القطائع ولطمين كورة بحمص لها حصن وكفر نغد ولعلها كفرنان والقرشية قرية بسواحل حمص وهي آخر أعمالها وفوز من قرى حمص ولعلها محرفة عن فيروزة وغنثر واد بين حمص وسلمية والشام في قول أبي الطيب:

غطا بالغثر البيداء حتى ... تحيرت المتالي والعشار

وعقيربات ناحية بحمص لا تزال موجودة والطوبان وصوران اسم كورة بحمص وجبل وشيزر بينهما وبين حماة يوم كانت تعد في كورة حمص وسلمية كانت تعد من عمل حمص كذلك ورفينة كورة ومدينة من أعمال حمص يقال لها رفينة تدمر. والرستن قرية مشهورة قال ياقوت بليدة قديمة كانت على نهر الميماس وهذا النهر هر اليوم المعروف بالعاصي الذي يمر قدام حماه والرستن بين حماه وحمص في نصف الطريق بها آثار باقية إلى الآن تدل على جلالتها وهي خراب ليس بها ذومري وهي في علو على العاصي. ودير ميماس بين دمشق وحمص على نهر يقال له ميماس وإليه نسب وهو في موضع نزه ولعله المنتزه الذي يقال لها الميماس اليوم ظاهر حمص ودير مسحل بين حمص وبعلبك لا يعرف اليوم ولعله بعض الخرب التي لم تشتهر إلا عند سكانها.

ودير باعنتل غير معروفة وهي من جوسية على أقل من ميل جوسية من أعمال حمص على مرحلة منها على طريق دمشق وهو الدير على يسار القاصد لدمشق وفيه عجائب منها آزج أبواب فيها صور الأنبياء محفورة منقوشة فيها وهيكل مفروش بالرمر لا تستقر عليه القدم وصور مريم في حائط منتصبة كلما ملت إلى ناحية كانت عينها إليك ودنوة كانت من قرى حمص بها قبر عوف بن مالك الأشجعي من الصحابة سألت عنها فلم يعرفها أحد مع أن قبور الصحابة والصالحين معروفة في الأكثر ولعلها في الوعر فإن وعر حمص كبير فيه آثار مهمة وهو يمتد من حمص إلى قرب طرابلس وأكثره وعرة ومن حمص إلى قرب حماه فما بعد ودير إسحاق غير موجود وهو بين حمص وسلمية في أحسن موضع وأنزهه وبقربه ضيعة كبيرة يقال لها جدر التي ذكرها الأخطر فقال:

كأنني شارب يوم استبد بهم ... من قرقف ضمنتها حمص أو جدر

ولأهل القصف والشعراء فيه أشعار كثيرة.

وحوط قرية بحمص أو بجبلة من ساحل الشام غير معروفة والحص غير موجودة وهو موضع بنواحي حمص تنسب إليه الخمر قال أبو محجن الثقفي:

إذا مت فأدفني إلى جنب كرمة ... تروي عظامي بعد موتي عروقها

ولا تدفني بالفلا فإنني ... أخاف إذا ما مت لا أذوقها

وتروي بخمر الحص لحدي فإنني ... أسير لها من بعد ما قد أسوقها

وكانت أنطرطوس أول أعمال حمص وهي من سواحل بحر الشام وكذلك أفامية كورة من كور حمص على الساحل وأعناز بلد بين حمص والساحل. وعن ابن واضح معرة النعامان وتل منس وما والاها من إقليم حمص. والجبل كروة بخمص ويبرين من قرى حمص وبانياس كروة ومدينة ضغيرة وحصن بسواحل حمص على البحر. وبكسرائيل حصن من سواحل حمص مقابل جبلة هذه هي حمص وبعض ما عثرنا عليه من أسماء قراها وأعمالها أما أسماء قراها الأميرية فإليكها الآن وعددها 137 قرية ننقلها عن سجلات الحكومة:

أبو دالي. أمحارتين عتيق. أم شرشوح. أم القصب. أم حارتين يهودية. أبو همامة (الأصل أبو إمامة ونسبته إلى الصحابي المدفون بها) أكوم ومعيان. أم العظام. آبل. أكراد دياسنة. أعور. أم دولاب. بابا عمرو. بلقسة. برابو. بريح. بتيسه. بويضة شرقية. بوير. برج قعية. تلعمري. تلبيسة. تلدو. تلدهب. تارين تير معلة. تسنين. تلنبي. مندو. (تل النبي مندوقبلي حمص إلى الغرب عند مصب العاصي على البحيرة). تنونه (وقف جامع خالد بن الوليد) تليل. جرنايا. جوبانية. جوسية. (قبلي حمص منها خراب وعمار فالعمار من سكة الحديد للغرب والخراب في الشرق وهي البلدة الأصلية). جديدة شرقية. حفر. حمام. حلاموز. حوارين. حداثة. حيصة. حاويك. حديدة العاصي. حوز. حسية. حميدية. حميمة. خربة السودا. خربة حمام. خربة تين نور. خربة تين محمود. خربة غازي. دنحة. دبين. دير بعبة. دير فور. دمينة شرقية. دوير. دار الكبيرة. دلبوز. دمينة غربية. ستن. رام العنز. ريلة. ريان. ربيعة. رأس العين زور غربي العاصي. زور الموح. زعفرانة. زيتة وبويضة غربية. زراعة. زيدل. زور بقرايا. زيتا البحرة. سماقيا غربية. شماقيا شرقية. سمعيل. سكرة. سقرجة. شنشار. شمسين. شومرية. شيخ حميد. شرقلية. صيادية. صنون. صدد. حفر. طيبة. عين خاط. عين حسين. عز الدين. عامرية. عسيلة. عرقاية. عيصون وشلوح. عرجونم. غزيلة. غجرامير. غنثر وغنطو. غور. فرروزة. قطينة. قريتين. قناقيه. قزحل. قيرانية. وحوش السيد علي. قصير ميري. قره وشر (ولها اسم ثان وهو تل الفور) وكفر عايا. كفر موسى كفر لاها. كفر عهدي. كفرنان. كمام. لفتايا. مجيدل. مشرفية. مسكنة. مهين. مودان. مباركية. مرج القطا. مرج بولاد. منقطع. متعارض. معيصرة. مطيرية. نوحية. ناعم. أنقيرة. هرقل. هبوب الريح. هيت. وجه الحجر. بويت.

وهناك أراض كانت للسلطان المخلوع عبد الحميد ثم أيرت إلى الخرينة وهاك أسماءها قرية قصير ورمزون دبابية. خربة الضبعة. كوكران. دحيرج. هزة. مضابع. عباسية. صايد. فرقلس. برهانية. بلها. رقامة. منزول. شعيرات. وزاعية. حربية. عزيزية. حمرات. وهيب. دردغان. عاليان. فحيلة. تلة الناقة. خرابة قنية. فيضة. يسبة. حولاية. دويليب. مخرم فوقاني. مخرم تحتاني. تل الطويلة. سليمية. نوا. حميدية - أم العمد.

شوكتية. جهنم. وريدة. جب عباس. تل الأغر القبلي. جوسة الخراب (قبلي الخط الحديد وغربيه). أم التين. سنكري شمالي. سنكري قبلي. أم العلب. تل الورد. دويعر شرقي. دويعر غربي. مسعودية. أم السرج شمالي. أم السرج قبلي. أم الجباب جنيات. حراقي. لثنان وأم قدوم. فطيم العنوقي. عيون حسين. مسيعيد مكسر الحصان. هبرة غربي. هبرة الشرقية (ولها اسم آخر مزرعة هنداوي). مزرعة جب الجراح. مزين البقر. تلول الهوا. رحم. مزرعة أم صهريج. مشيفرة. أم جامع.

هذه أسماء قرى حمص وخرائبها وبعضها ناءٍ جداً عن مركز الحكومة لعيث البادية فيه مثل القريتين مثلاً فلو جعلت قضاء مع ما يصاحبها من القرى والمزارع وكذلك جب الجراح لزاد العمران والسكن لا محالة وخصوصاً إذا باعت الحكومة مزارعها وخربها من الأهلين ببذل المثل إذاً لاشتراها الحمصيون أنفسهم لأن من أهلها من هو غني جداً يتساوى في ذلك مسلموهم ومسيحوهم فالزراعة بيد المسلمين والتجارة بيد المسيحين وكثيرة من الفريقين هاجروا إلى مصر وأميركا فاغتنزا وتأثلوا حتى أن أهل حمص سموا لهم مدينة باسمهم في الولايات المتحدة على نحو ما سمى جندهم مدينة باسمهم يوم فتحوا بلاد الأندلس.

قال ياقوت أن في حمص مدارس وقال ابن جبير أن بها مدرسة واحدة وليس بها مستشفى على رسم مدن هذه الجهات مثل حماه وغيرها أما اليوم فليس بها مدارس دينية مهمة فيما علمت سوى مدارس للعلوم الدنيوية مثل مدارس الروم والكاثوليك والبرتستان وبعض مدارس حديثة أهلية أنشئت للمسلمين وبها مدرسة رشدية أميرية وبها مطبعة اسمها حمص تطبع جريدة وجريدة حمص جادة لرشاء وغيرها. وثلث أهل حمص غير مسلمين والباقون مسلمون وكان أهلها كما قال ياقوت من أشد الناس على علي بن أبي طالب فلما انقضت تلك الحروب صاروا من غلاة الشيعة حتى أن في أهلها كثيرا ممن رأى مذهب النصيرية وأصلهم الإمامية أ / اما قاله طثير من المؤرخين والعمرانيين في أن البله يكثر في أهل حمص منذ القديم فهو مشهور عن عامتها لا عن خاصتها فقد اشتهر بذلك فصار يتناقل عنهم القرن بعد القرن وما خلا قرن فيها من خاصة فصلاء عقلاء ودليل عقلهم اليوم أنهم كانوا بعد الدستور أسبق البلدان السورية إلى ورود حياض المدينة وقد انتفعت بلدهم بمد السكة الحديدية العريضة الممتدة منها إلى طرابلس وكانت البضائع تصدر منها وترد على الجمال والبغال والمركبات والحوافل وسيزيد عمرانها يوم يمتد منها خط حديدة ضيقة إلى تدمر ويجيئها الساح بالألوف وتحمل أشعة المدينة والأمن إلى تلك الربوع في الداخلية وتعيد إلى تدمر وأرباضها عهد زنوبيا.

يوم في بحيرة قدس

من يزور حاضرة من الحواضر ولا يشهد ريفها وقراها تظل عنها قليلة ويظل مقلداً فيما يكتبه وما كان كالمقلد سواء في شؤون الدين والدنيا. دعاني صديقي وصفي أفندي الأتاسي إلى قريته قره وشر فركبت وإياه عربة حتى وصلنا في ساعة وهي في جوار بحيرة قدس فجمعنا بين ثلاثة أمور الرياضة في الخلاء والإطلاع على نموذج من قرى حمص وزيادة تلك البحيرة التي كان لها ذكر في تاريخ سورية القديم كما نسمع اليوم باسم خزان أسوان في مصر للتشابه بينهما فخزان حمص يسقي تلعات وادي العاصي وخزان أسوان يسقي تلعات وادي النيل.

وطول هذه البحيرة الصناعية ساعتان وعرضها ساعة وقد نسبت لقدس عاصمة الهيتين أوقد شو عاصمة الحثيين الثانية يجتازها العاصي وهي وهي مسدودة من مسافة كيلومترين وهناك برج قديم على الشاطئ الشرقي وعدة قرى.

وقد وصف جغرافيو العرب هذه البحيرة فقال شيخ الربوة أن بحيرة حمص وهي بقعة محفوفة ببناء جص محكم وفيها أسماك كثيرة كبار ثم يخرج منها الماء عكراً مثل ماء النيل ولا يصفوا بعد ذلك إلى أن يدخل أرض الروج ويصل إلى السويدية ويصب في البحر الرومي. وذكر ياقوت أن طولها أثنا عشر ميلاً في عرض أربعة أميال بين حمص وجبل لبنان تصب إليها مياه تلك الجبال ثم تخرج منها فتصير نهراً عظيماً.

وقلا أبو الفدا أن طولها من الشمال إلى الجنوب نحو ثلث مرحلة وسعتها طول السد وهي مصنوعة على نهر الأرنط فإنه قد صنع في طرف البحيرة الشمالي سد بالحجر من عمارة الأوائل وينسب إلى الإسكندر وعلى وسط السد المذكور برجان (الآن برج واحد) من الحجر الأسود وطول السد شرقاً وغرباً ألف ومائتان وسبعة وثمانون ذراعاً وعرضه ثمانية عشر ذراعاً ونصف ذراع وهو حابس لذلك الماء العظيم بحيث لو خرب السد سال الماء وعمت البحيرة وصارت نهراً وهي في أرض مستوية عن حمص بعض يوم في غربيها ويصار بها السمك اه.

أذكرتني هذه البحيرة أو السد أو الخزان بما في بلاد الشام من الأنهر والخلجان والبحيرات الكثيرة التي يذهب ماؤها بداداً ولا ينتفع به في السقيا وقد كان القدماء أعرف بما ينفع من هذا القبيل من أخلافهم شكان هذه الديار اليوم وذلك على قلة ما كان في عهدهم من الأدوات التي أحدثتها مدينة الغرب وتقدم فنون الحيل (الميكانيك) والهندسة والبناء. ولذلك رأينا أعمال أسلافنا شاهدة على الدهر بعظمتهم وأن عقولهم كانت أرقى من عقولنا وأعمالهم أفخم من أعمالنا.

في سورية أنهار كثيرة تجري ولا من ينتفع بها من سكان الجوار فلو وقع الانتفاع بمياه نهر الفرات والعاصي وإبارهيم والأردن والليطاني والأزرق كما بمياه نهر الكلب وبردى والأعوج مثلاً لا خصبت كثير من الأراضي التي تحرم من المياه اليوم وكان في المكنة أن تسقي سيحاً وتغرس فيها أنواع الأشجار.

ولا تشكو سورية في عمرانها قلة الأيدي العاملة ولا النفوس الذكية ولا قلة الخصب وسعة الرباع والأصقاع ووفرة الأمواه وجودة الأهوية بل إنها تشكو من قلة من يفكر في الانتفاع من ثروتها الطبيعية ولو كانت هذه الحكومة تفكر في عمران بلادها على الأقل على مستوى ما تفكر روسيا مثلاً من دول الأرض لاصبحت سورية في بضع سنيت من أعمر الأقطار تشبه ألمانيا والنمسا وفرنسا إن لم تفقها لاعتدل الفصول الأربعة فيها. ولكن جرت الأقدار بأن يتراجع عمراننا حتى بعد أن كانت سورية أنبار العالم في الجنوب ونحن تجلب الدقيق من روسيا وآسيا الصغرى وأميركا وفرنسا والحكومة ساهية لا هية لا يهمها إلا قبض الضرائب والعثور ولو أوشكت البلاد أن تبور في المثل الفرنسوي أن الأراضي تغل على نسبة اقتدار من يقوم عليها.

ولا عبرة في الثروة إلا بما استخرج من كنوز الأرض إلا بما كان مذخوراً في عالم القوة.

المملكة الطرابلسية

كانت طرابلس الشام أيضاً مملكة أيام حكومة الإقطاعات كما كانت صفد والكرك وحماه وغيرها من مدن سورية وكانت طرابلس أو اطرابلس ألف في أولها في رواية أعظم مدن هذه المملكة بل كانت طرابلس في القرن الرابع كما قلا المقدسي أجل من صيدا وبيروت وذكر الظاهري أن طرابلس مدينة حسنة بها جوامع ومدارس وأسواق وحمامات وعمائر حسنة وهي على شاطئ البحر يقال أنها مصرية لحسن هيئتا وكانت على عهده تشمل على عدة مدن وأقاليم وقلاع وقرى ومن جملة أعمالها قلعة صهيون في جبال الكلبية وقلعة المرقب وحصن الأكراد وقلعة قدموس واللاذقية وجبلة والكهف والردافة وما والاها من القرى وتشمل هذه المملكة الطرابلسة وتوابعها فيما قيل على قريب من ثلاثة آلاف قرية.

وسمي شيخ الربوة مملكة طرابلس بمملكة الساحل وكرسيها طرابلس المستجدة بعد فتح طرابلس الشام بجيش الملمين في مملكة الملك المنصور سيف الدين قلاوون الصالحي قال: وبنيت هذه المستجدة في سفح ذيل من أذيال جبل لبنان بكورة من أكوار طرابلس بعدها عن طرابلس القديمة المخروبة نحو من خمسة أميال على شاطئ نهر يجري إلى البحر وهي سهلة جبلية بحرية يتخلل الماء في جوانبها ولها قنطرة على واد بين جبلين يمر عليها الماء من منبعه إليها في ارتفاع نحو سبعين ذراعاً وطول هذه القنطرة نحو من مائتي ذراع والنهر يجري من تحتها إلى سقي الأراضي ويصب في البحر الرومي ولا يكاد يوجد فيها دار بغير شجر لكثرة تخرق أرضها بالمياه وهذا النهر ينبعث من جبل لبنان.

وقد جمعت في بساتين طرابلس من الفواكه نا لا يوجد في سائر الأقاليم أصلاً قصب السكر والجمير والمحمضات الكثيرة الزائدة والتلقاس الذي لا يوجد مثله والثلج وسمك البحر الطري والطير الكثير ومجموعها لم يجمع في بلد غيرها ومن بلادها وأعمالها الساحلية البترون وهو حصن من فتوح الملك المنصور له عمل متسع وأنفة مدينة ساحلية محكمة البناء وأنطرسوس مدينة ساحلية.

وعدد من أعمال طرابلس حصن عرفا وحصن حلبا قال ولها عمل متسع به ولايات ومراكز ومن أعمالها جون ومنه رجلية (؟) والحصان خراب في عصره ومدينة مرقية (مرقب؟) وجومة عكار أي كورة عكار وجومة بشرية والكورة والحدث بأذيال لبنان ولها أعمال يزيد عددها على ألف قرية. وحصن عكار حصن منبع من بناء الإسلام وينصب إليه ماء من الجبل المطل عليه ويدخل إلى القرية وحصن الأكراد حصن منيع مشرف بين الشام والسواحل ينظر الناظر منه إلى الشام وقارئ والنبك وبعلبك وإلى البحر والساحل.

قال ومن أعمال طرابلس المستجدة قلاع الدعوة وهي التي ملكها راشد الدين محمد تلميذ علاء الدين علي صاحب الألموت في العجم وهو صاحب الدعوة الإسماعليلة والحصون هذه هي حصون الخوابي وحصن الكهف وحصن القدموس وحصن العليقة وحصن المنيقة (البقيعة؟) وحصن الرصافة بأذيال طراز من جهة الشام وحصن إبي قبيس وثغر مصياف وهو أهم الثغور في إظهار الدعوة وإرسال الرجال الفداوية إلى البلاد والأقاليم في قتل الملوك والأكابر وحصن بلاطنس حصن منيع جداً وله أحد عشر باباًَ كل باب فوقه باب وحصن المرقب ثغر منيع على رأس شاهق مطل على البحر كبير مثلث الشكل بناه الرشيد على أثر قديم ثم بناه الصارى ثم ملكه المسلمون في عصره وعمرو حصن صهيون حصن منيع عادي قديم البناء يقال أنه من بناء أغسطس ملك رومية الكبرى المسمى قيصر وليس هو أغسطس صاحب التاريخ اليوناني وهذا الحصن صعب المرتقى على قبة جبل وعليه خمسة أسوار وله فرضة فيالساحب في طرف دخلة من الأرض كالجزيرو من البحر.

وذكر أن اللاذقية محاطة بالبحر من جهاتها الثلاث وفي أشبه بالاسكندرية في بنائها وبأرضها معدن رخام أبيض وأخضر موثى وبها دير الفارس من أعجب اليناء في الديور ووله يوم في السنة تجتمع النصارى إليه والمينا الذي باللاذقية من أعجب المواني في البحر وأوسعها لا يزال حاملاً للسفن لاكبار وعليه سلسلة من حديد حاضرة لمراكبه مانعة من مراكب العدو وفرضة بالطنس مدينة جبلة بن الأيهم الغساني جددت باسمه في صدر الإسلام وكانت عادية بناها الصابئة وفيها آثار مقر الملك الذي كانوا اصطلحوا عليه في زمن نوح وإبراهيم وموسى عليهم السلام وكان له سرب يركب الراكب فيه تحت الأرض إلى ظهر السفينة بالبحر ويركب في السفينة إلى وسطه تحت الأرض محجوباً.

وعد من عمل طرابلس مدينة بانياس فقال أنها عبرانية يونانية رومية وبها أنهار اسبحة قريبة المنبع وبساتين كثيرة من أعجب بساتين الساحل وذلك أن حيكان البساتين متصلة بضرب موج البحر بغير حائل وبين بانياس وجبلة جزيرة صغيرة عند نهر غزير يسمى النهر الأبتر وسمي بذلك لقصر حريته وقلة الانتفاع فلا يتشعب من شعب ولا يتفرع فرع مع غزارته وقوته وعلى الجزية دمن حصن يقال له بلدة كان من أحسن الحصون بناء وخربه أهله بأيديهم دون غيرهم ودخلوا البحر من غيظهم وبغضهم على بعض وهذه الجزيرة من أعجب الجزائر شأناً بالماء وذلك أن البحر محيط بنصفها وأكثر والنهر محيط بالنصف الذي إلى البر والماآن مختلطان فالنصف ملح أجاج والنصف عذب فرات وهما في النظر ماء واحد محيط من سائرها. ومن أعمال طرابلس أيضاً البقيعة هي الحصن والناعم وجبال القصيرية نحو عشرين عملاً بين صهيون واللاذقية وإلى البترون العاقورة.

هذا وصف مملكة طرابلس وعملها في القرون الوسطى وحدها ابن فضل الله فقال من القبلة جبل لبنان ممتداً على مايليه من مرج الأسل. حيث يتمد نهر العاصي ومن الشرق نهر العاصي ومن الشمال قلاع الدعوة ومن الغرب البحر وبلاد طرابلس لاها قلاع وولايات فذكر من قلاعها حصن عكار وحصن الأكراد وكانت محل النيابة ومقر العسكر قبل فتح طرابلس وبلاطلس وصهيون ثم قلاع الدعوة وهي العليقة والمنقة والكهف والمرقب والقدموس والخوابي والرصافة ومصياف وهي القلاع الإسماعيلية ولها على قللها الرتب العلية وأما ولاياتها فهي أنطرسوس واللاذقية وجبة المنيطرة وبلاد الضنتين (الضنية) ومنها بشرية وجبلة وأنفة وجبيل وما لها في تلك مما له ولاية.

وبعض هذه البلاد اليوم تابعة للواء اللاذقية من أعمال ولاية بيروت والآخر من لواء حماه من عمل ولاية سورية وغيره من عمل متصرفية جبل لبنان وبعضه من عمل طرابلس كحصن الأكراد وعكار وصافيتا ونواحي وحذورة ونواحي المنية والقينة وطرطوس وأرواد وطرابلس هي أحد ألوية ولاية بيروت وهي اللاذقية وعكا ونابلس.

ويبدأ أول عمل لواء طرابلس من السفح الجنوبي من لبنان ومن السفح الشمالي من جبال النصيرية فهو بين منفسحي هذين الجبلين وتكثر أنهاره وأعظمها النهر الكبير في عطار ويسميه القدماء نهر أيلوتروس ومن ضفته الشمالية تبتدئ البقيعة وهي سهل فسيح أشبه بسهل البقاع في لبنان الشرقي.

سميت طرابلس بهذا الاسم أي البلاد الثلاثة (تريبوليس) لأن مهاجري ثلاث مدن فينقية وهي صور وصيدا وأرواد بنوها وكان كل حي من أحياء هؤلاء المهاجرين يفصله عن الآخر سور على أن اسم المدينة الفينيقي غير معروف على وجه الصحة وهذه التسمية أقرب إلى الرومية ولعل طرابلس لم تؤسس إلا قبل المسيح بسبعمائة سنة بعد تأسيس أرواد وقد جاء بعد بنائها من الصور بين والصيد وتبين والأرواديين دولة السلوقيينالرومية فأمتلكوها في جملة ما ملكوه منبلاد الشام صم الرومان فزينوها وأنشأوا فيها أبنية فخمة أتت عليها كلها الزلازل المريعة التي أصابتها في عصور مختلفة ولما جاء الصليبين إلى طرابلس كان حاكمها ابن عمار من الحكام المستقلين بها فبدأ الكونت ريموند سان جيل من ملوك الصليبين يحصارها سنو 1104م وذلك بإشنائه حصناً سماه الإفرنج مو وسماه المسلمون سان جيل أو صان جيل ولم تؤخذ المدينة إلا بعد خمس سنين وذلك بأحراقها ومن جملة ما ذهب في حريقها طعاماً للنار كتبة عربية مهمة كان فيها بعض الروايات مئة ألف مجلد وفي رواية أخرى أكثر من ذلك بكثير ودام الصليبين في طرابلس 180 سنة ارتقت في خلالها كما يقول مؤخوهك على الرغم مما كان يتخلل تلك المدة من المصائب والحروب الأهلية واستهادها منهم سنة 1289 السلطان قلاوون الصالحي سابع ملوك المماليك البحرية في مصر والشام وبناها في الداخل بعيدة عن الساحل كما مر آنفاً.

ودخلت طرابلس في الحكم العثماني على عهد السلطان سليم يوم فتح الشام وظلت مدة تعلو وتسفل بحكم الإقطاعات شأ، سائر المقاطعات والولايات وكانت مدة مركز أيالة ثم ألحقت بولاية سورية يوم تأسيس الولايت وكان حظها أ، تتبع بيروت يوم سلخت هذه عن دمشق وأصبحت ولايةبرأسها.

تحتوي طرابلس من السكان على نحو ثلاثين ألف نسمة وفي أعمالها زهاء 1500 ألفاً ومساحة قضائها 191كيلومتراً مربعاً ومساحة قضاء عكار 285 وقضاء الحصن 513 وقضاء صافيتا 414 كيلومتراً والعنصر الغلب فيها المسلمون ثم يجيء أهل الأديان الأخرى ويقال أن أصل سكان طرابلس من جالية العجم ول1ذذلك غلبت عليهم طباع أشبه بطباع الفرس من حيث الأبهة والتأنيق.

كان المأمول أن ترقى مدينة طرابلس الشام لاتصالها بخط حديدي عريض مع بلاد الداخلية طوله من طرابلس إلى حمص 105كيلومترات ولكننا رأيناها هذه المرة على تلك الصورة التي رأيناها عليها منذ نحو عشر سنين لم تكد تخطو خطوة تستحق أن تذكر ولولا شيء من الموبقات الجهرية التي زادت فيها بدخول الأجانب وانتشار الحرية وكان بعضها موجوداً من قبل على صورة سرية لقلنا طرابلس هي هي منذ بضع سنين.

ومن الغريب أن بعضهم لا حظ بأن نفوس سكانها لم تزد زيادة في العهد الأخير ومع أن أهلها ليسوا أكثر من سائر مدن سورية وقراها في حب الهجرة، لولا قليل من الصحف أنشئت فيها عقب الدستور كان يصح أن يقال أن الحكومة العلمية لم تزل بحالها أيضاً. وقد أثر هذه السنة ما شوهد من النقص في حاصلات البلاد الداخلية لراءة الاسم فخف إصدار الغلات من طرابلس وكانت بجالتها لاتي تنقل الحبوب إليها في السنين الغابرة من جهات عكار وصافيتا وحمص وحماه وسلمية أكثر حركة منها اليوم بسكتها الحديدية الجديدة ولكن هذه السنة لا تقاس عليها السنين ما منا موقنين بأن الإرتقاء بطئ الحصول كالإنحطاط ولا بد من قضاء دور الحضانة في الحضارة والسكك الحديدة إذا مدت في الأصقاع المقفرة أعمرتها فما بالك بقطر مخصب البقاع والرباع جيد التربة جيد ذكي الماء والهواء واسع المادة تجود فيه أكثر الغلات والثمرات.

اللهم إن طرابلس ستكون بعد بيروت أهم موانئ سورية بعد سنين إذا تعاضد أهولها على فيه المصلحة تعاضدهم يوم نالوا امتياز سكة حديد طرابلس - حمص وتركوا اشتغال بعضهم ببعض مما هو من شأن البلدان التي لا عمل لأهلها ينهضون به فلا يجدون تسلية لهم سوى الاغتياب والنميمة وأكل بعضهم بعضاً وتسفيه آرائهم فتكون عاقبة التخاذل والتفاشل وذريعة الانحطاط المهين.

تمثل لنا في طرابلس كل التمثيل أن العقلاء من المسيحيين أحسونا الانتفاع بالدستور أطثر من أخوانهم المسلمين فكان واسطة لنهوضهم إذ كانتلديهم مواد الارتقاء موفرة إلا قليلاً فلما جاء دور العمل بوا هبواً محموداً ولولا داء الهجرة الذي تفشى أكثر من غيرهم ولا سيما بسبب الجندية لبلغ أخواننا في الوطن مبلغاً تسحدهم عليه حتى الأمم الراقية. فعسانا نسمع عن هذا البلد الطيب كل ما يسر القلوب من دواعي الاتقاء فنقل وقائعها وحوادثها المزعجة وتكسد سوق الفسوق الرائجة يما ينهال عليها من أمول بعض أغنيائ عطار والحضن وصافيتا ممن يقصدون طرابلس ليفجروا فيها ويتخلون برضاهم عن ملاحظة زروعهم وعمران بلادهم.

وإذا صح ما يسعى إليه بعضهم اليوم من نيل امتياز سكة حديدية من حمص إلى تدمر والمسافة بينهما لا تقل عنمائتي كيلومتر تحمل القطارات إلى طرابلس بغلات الداخلية من شرقي سورية كما ينقل الخط الحلبي محاصيل البلاد الشمالية.

وبعد فقد اشتهرت طرابلس من القديم بمصنوعاتها الحريرية ولا سيما الزنابير الطرابلسية اللطيفة وكل صناعاتها قد نازعتها المصنوعات الأوروبية اليوم وتوشك أن تبزها برخص أسعارها وجمالها الظاهري ومهارة المتجرين بها في قاعدة العرض والطلب ولكن أوروبا لا تستطيع منازعة طرابلس ولا غيرها من هذه البلاد بمحصولات أراضيها وخصوصاً الثمار والبقول والغلات وفي طرابلس يجود البرتقال والليمون جودته في صيدا ويافا من بلاد الساحل وقد رأى أرباب الحدائق كيف ربحوا من أراضيهم منذ توفروا على زراعة هذه الشجرة المباركة.

خاتمة

هذا ما شاهدناه ولاحظناه في الرحلة بين دمشق الفيحاء وحلب الشهباء سطرناه بعد الرجوع إلى نصوص علماء التاريخ والجغرافيا من العرب خاصة وذلك بقدر ما سمحت الأحوال وقد استغرقت هذه الساحة عشرين يوماً ولو صرفنا أكثر من هذه الفترة والزمن وكنا بما نجمع تستغني بعض الشيء عن الغربيين فيما يتعلق على الأقل بتاريخ هذه البلاد وعمرانها وتقويمها والحمد لله في المبادئ والخواتيم.