مجلة المقتبس/العدد 25/رب إسرائيل في جزيرة أسوان

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة المقتبس/العدد 25/رب إسرائيل في جزيرة أسوان

مجلة المقتبس - العدد 25
رب إسرائيل في جزيرة أسوان
ملاحظات: بتاريخ: 1 - 2 - 1908



جزيرة أسوان هي أول الجزر العظيمة الواقعة في مصب الشلال وتدعى أيضاً الجزيرة وكانت قديماً مأهولة بجماعة من النوبيين وهي عبارة عن قريتين تابعتين لأسوان وتعد عاصمة تخونت (التخوم) ومدينة (أبو) أو (كوبهو) العظمى قال لاروس في معجمه الأوسط: وكان أمراؤها نحو آخر السلالة الخامسة أو السادسة يغزون الصحاري المجاورة أو شواطئ البحر الأحمر ويتجرون معها وكانت ملوك السلائل المنفية تنزلها عندما تريد الإشراف على أحوال التخوم واستعمر سكان هذه الجزيرة بلاد النوبة الشمالية بين السلالة السادسة والحادية عشرة. ولقد ضعفت مكانتها عندما توسعت في التخوم نحو الجنوب على عهد ملوك الثيبيين وأصبحت مدينة يرحل إليها للتجارة والزيارة ولما جاء المصريون إلى جوار الشلال عندما انفصلت الحبشة عنهم في الدولة الثانية عشرة استعادت مركزها الحربي إلا أن ارتقاء أسوان المعدودة من جملة أحيائها على الحدود بين الحبشة ومصر على عهد الدولة الفارسية ثم على عهد الدولة اليونانية قد أضر ضرراً بليغاً بحالتها كما سقطت على عهد الرومان ولم تكن على عهد الفتح البيزنطي والعربي غير أنقاض وقد بقي من المعبد الكبير قطعة من بابه أنشأها توتموسيس الثاني وجددت على عهد الإسكندر الثاني ولا يرى من عادياتها إلا صخور مشتتة بين خرائب المدينة أو مسدودة بالرصيف القديم ومقياس النيل الذي جدد على عهد القياصرة وعني بأمره أحد علماء الفلك من العرب محمود باشا الفلكي سنة 1870 وقال بوليه في معجمه التاريخي والجغرافي أنه كان في جزيرة أسوان قديماً معبدان جميلان يرد عهدهما إلى زمن أماناهوبتو الثالث وقد خربا سنة 1818 لتبنى بأنقاضهما ثكن في أسوان.

وقال ياقوت الحموي في معجم البلدان وأسوان بالضم ثم بالسكون وواو وألف ووجدته بخط أبي سعيد السكري بغير الهمزة وهي مدينة كبيرة وكورة في آخر صعيد مصر وأول بلاد النوبة على النيل في شرقيه وهي في الإقليم الثاني طولها سبع وخمسون درجة وعرضها اثنان وعشرون درجة وثلاثون دقيقة وفي جبالها مقطع العمد التي بالاسكندرية. قال أبو بكر الهروي وبأسوان الجنادل ورأيت بها آثار مقاطع العمد في جبل أسوان وهي حجارة ماتعة ورأيت هناك عموداً قريباً من قرية يقال لها بلاق أو براق يسمونها الصقالة وهو ماتع مجزع بحمرة ورأسه قد غطاه الرمل فذرعت ما ظهر منه فكان خمسة وعشرين ذراعاً وهو مربع كل وجه منه سبعة أذرع وفي النيل هناك موضع ضيق ذكر أنهم أرادوا أن يعملوا جسراً على ذلك الموضع. وذكر آخرون أنه أخو عمود السواري الذي بالاسكندرية وأشار ياقوت إلى ما بأسوان من التمور المختلفة وأنواع الأرطاب وقد ذكرها البحتري في مدحه خمارويه ابن طولون بقوله:

هل يلقيني إلى رباع أبي الجي ... ش حظار التغوير أو غرره

وبين أسوان والعرا ... ق رعية ما يغبها نظره

ونسب إلى أسوان قوم من العلماء وقال المقريزي في الخطط ما يقرب من هذا القول في أسوان وبتطويل أكثر. هذه هي أسوان وقد قرأنا في جريدة الطان للمسيو كلرمون كانو من أعظم علماء الآثار الشرقية في الغرب فصلاً وصف فيه ما عثر عليه من آثار تلك الجزيرة الأزلية فرأينا تعريبه مع مراعاة الأصل قال: إن مجموع الاكتشافات الحديثة التي ظفرنا بها في هذه الجزيرة قد وقعت بين العلماء أعظم موقع وهي تهم تاريخ التوراة في الغاية. هذه الاكتشافات اليهودية لم يعثر عليها في طور سيناء مهد اليهودية ولا في القدس مقرها بل عثر عليها فيما وراء ذلك من البلاد على تخوم مصر والنوبة على بضع دقائق من دائرة الانقلاب في جزيرة للشلال الأول على النيل في مكان لم يكن يتوقع أن يرى فيه رب إسرائيل يهوه بعيداً إلى هذا الحد ويرد عهده إلى خمسة قرون قبل المسيح. وقد قام يقول لنا بلسان من يتعبدون به ممن رافقوه إلى تلك البلاد من أبناء إسرائيل أموراً جديدة ربما تغير بها تفسير الكتاب المقدس وبذلك صح لنا أن نقول أن النور جاءنا من الجنوب اليوم ولم يكن ينتظر أن يجيئنا بعد منه شيء.

ومعلوم أن بلاد الفراعنة ما زالت قديماً وحديثاً مخصبة بضروب الاكتشافات الأثرية فهي البلاد التي أزهر فيها ورق البردي فكانت ميداناً مباركاً لعلم الآثار آتانا ولم يبرح يأتينا بكتابات قديمة خطت على هذه المدارج الرقيقة من ضروب الكتابات المصرية واليونانية واللاتينية والقبطية والعربية وغيرها فكان لنا منها كنوز أدبية حقيقية في صورة أوراق من البردي ولنا منها كل يوم قطعة جديدة ومادة ندهش بها ونسر. فبالأمس اكتشفت قطع من روايات مياندر الشاعر الهزلي ففرح بها أهل الأدب. وقبلها بقليل كان اكتشاف آثار للمسيح تصل بنا إلى أصول النصرانية وما يدرينا ماذا خبأته لنا مصر غداً من الآثار ولعل اكتشاف اليوم سيكون توراة أقدم من التوراة المعهودة وإن ما اكتشف حتى الآن ليدعو إلى الأمل في ذلك.

ولكي نمثل للأنظار طبيعة الصكوك اليهودية وخطارتها التي ظهرت للوجود في أسوان تقضي الحال بأن نرجع قليلاً إلى البحث في المسألة من أصلها. فقد كانت مصر عجيبة بما اكتشف فيها من أوراق البردي التي كتبت عليها لهجات أجناس من البشر مختلفة كثيرة ممن تعاقبوا احتلالها فيما سلف إلا أنها ضنت إلى اليوم كل الضنانة بإخراج كتابات باللغات السامية القديمة اللهم إلا بضعة عشر قطعة من البردي كتبت بحروف آرامية عثر عليها منذ نحو ثلاثين سنة. ولئن اختلف علماء المشرقيات في أمر هذه الكتابات لصعوبة حلها فالرأي المجمع عليه يكاد يكون متفقاً على أمر واحد وهو أن تلك الأوراق هي من عهد البطالسة اليونان كما هو الحال في بعض المنقوشات على الخزف والمزبورات على الحجر المخطوطة بلغة وحرف مشابه لها مما عثر عليه حتى الآن في مصر.

وإذ سنح لي الزمن منذ سنين بالتوفر على البحث في هذا الموضوع تبين لي حل آخر يخالف رأي غيري واستندت على أمور مختلفة استنتجت منها بأن جميع هذه الصكوك الآرامية يجب الرجوع بها إلى أقدم مما قدر لها من العمر أي إلى عهد الفرس الحجمانيين وعهد دارا وكسركس وأرتاكسركس.

وإذا صح أن الأمر كذلك فيكون منها أثر تاريخي لأنها لم تقف عند إبدال شيء من التاريخ بل يكون منها تغيير تام في المحيط السياسي والديني. تبين لي هذا الرأي المخالف للآراء كلها من تأويل إحدى قطع تلك الأوراق من البردي المكتوبة بالآرامية المعرفة ببردي تورين فقد قرأت فيها رأس محضر رسمي أرسل إلى أحد المرازبة في مصر وعليه اسم ميتراوهيشت وهو اسم آرامي لا محالة. ورأيت تناسباً في التعبير المستعمل بين هذا المعروض وبين الذي أرسله إلى الملك أرتاكسركس حاكم بلاد السامرة بشأن منع إعادة بناء معبد القدس الذي شرع فيه اليهود ثم تم على يد نيحيميا وهو المعروض الذي حفظ بنصه الآرامي في كتاب أسترادس المتعلق بالتوراة. وظاهر أن هذا الاستنتاج التاريخي يتناول مجموع النصوص الأخرى المماثلة لها التي صدرت في تلك البلاد ولم تلبث أن تحقق أمرها بما تهيأ لها من الاكتشافات المتعاقبة في مصر وغير ذلك من الكتابات والرقوق الآرامية التي كتب عليها التاريخ بحروف جلية من عهد كسركس ودارا وأرتاكسركس فثبت ما قلناه بالبرهان.

ومن جملة أوراق البردي المكتشفة مؤخراً ورقة ذكرت فيها بعض الحوادث التي حدثت سنة أربع عشرة لعهد الملك دارا الثاني الموافقة لسنة 411 قبل التاريخ المسيحي وقد غلط المسيو أوتنج أحد علماء الألمان الذي عهد إليه نشر هذه الأوراق في قراءة عدة فقرات منها وإذ أخذت أنظر فيها بعده تبين لي أنها عبارة عن شكوى عامة أو معروض عام أرسله إلى المرزبان في مصر جماعة من غير المصريين وربما كانوا من اليهود لإقامة الحجة على اعتداء مدرسة الكهنة المصريين وعبثهم بقبور الرب خنوم في جزيرة أسوان وبذلك عرفت هذه الجزيرة بأنها مركز سامي آرامي جليلة القدر جداً من العهد الفارسي لاسيما وقد أسعد الحظ باكتشاف صكوك مماثلة لها. وقد أرادت الحكمة إذ ذاك علي المبادرة في الحفر والبحث في تلك الرجاء التي هي كالمعدن المملوء بالخيرات ولكني كنت كمن يعظ في قفر أو يصرخ في واد. وما جاء ربيع سنة 1904 حتى تبين أني لم أكن ضالاً فيما دعيت إليه فعثر بالعرض بعض الوظنيين ممن كانوا يحفرون في خرائب أسوان في تربة نشادرية يسمونها سباخاً ويستعملونها في تسميد الزرع على نحو عشر قطع من أوراق البردي مطوية مختومة فابتاعها في الحال المسيو موند واللادي ويليام سيسيل وكانا إذا ذاك في مصر وبعد مدة نشرها المستر كولي في كلية أكسفورد. وكان فيها نصوص سالمة عظيمة بحروف آرامية لطيفة تشبه القطع المعروفة حتى الآن من كل وجه وكلها بلا شك من صنع اليهود النازلين في جزيرة أسوان ومدينة أسوان الواقعة على الشاطئ الشرقي للنيل أمام الجزيرة. لا جرم أن هذا الحادث مهم في ذاته ولكنه ليس مما يدهشنا لأننا نعرف بأن اليهود في سفر الخروج تركوا لغتهم العبرانية القديمة الوطنية وتعلموا اللغة الآرامية وكتابتها وكانت هذه اللغة شائعة في مديريات المملكة الفارسية. كما ترك اليهود أموراً كثيرة أخرى ليس هذا محل ذكرها.

هذه الخطوط المكتوبة على البردي هي حجج حقيقية مسجلة غريبة للغاية يرد عهدها بالتدقيق إلى كسركس وأرتا كسركس ودارا بالسنين والشهور والأيام مع بيان موافقة حساب السنين الآرامية والمصرية وهي مرتبة على ستين سنة مضت بين سنة 470 إلى سنة 410 قبل المسيح وقد دونت بطلب الأحزاب بمعرفة أحبار اليهود ووقع عليها توقيعات جمة للتصديق عليها بشهادة كثيرين وهي تدور على مسائل كثيرة في التعامل كالبيوع والشراء والهبة في العقارات والأراضي ومسائل الأسواق والأحكام وحل الاختلافات أمام المحاكم أو على طريقة ودية وعقود زواج ونظر في مسائل الطلاق مع خلاصتها الشرعية سواء كان للمتزوجين أولأولادهما ووصف من أدق ما يكون وأفيد لجهاز المتزوجين وتقدير أثمانه قطعة قطعة والمواريث وقسمة العبيد المنتقلين بالإرث إلى غير ذلك.

وبعد فإن مجموع هذه المستندات المنقطعة القرين التي ظهرت سالمة في بعض دفاتر بعض البيوت قد أتتنا بجملة من الفوائد هي غاية في مكانتها وذلك لأنها دلتنا على وجود شعب عظيم من الإسرائيليين في أسوان قبل المسيح بخمسة قرون وعرفتنا بلغته وكتابته وأخلاقه وأوضاعه ومعتقداته وصلاته مع الحكومة الفارسية والشعب المصري وغير ذلك. ومن جملة المسائل التي تنحل بواسطة هذه الأوراق أو توضع موضع البحث مسألة دونها كل المسائل ألبا وهي التي لها علاقة برب إسرائيل وما له في تلك البلاد من الشأن. فقد رأينا اسمه مذكوراً فيها عدة مرات بدون حرج كما صار ذكره بعد. فكان القوم هناك يقسمون برب إسرائيل كما يقسم

بالأرباب المصرية (كانت ساتي ربة جزيرة أسوان) عندما يراد القسم ثم أنهم لم يبالوا بالحظر التقليدي عليهم وأنشئوا في ذاك الرجا البعيد معبداً لرب إسرائيل غير مبالين أن ينافس معبد القدس وليس المعبد الذي أقاموه عبارة عن كنيس بسيط أو مصلى صغير بل هو معبد حقيقي مستوفٍ للشروط وفيه مذبح تراق فيه دماء الضحايا ويصعد منه دخان البخور كأن اليهود إذ ذاك في هاتيك الجزيرة هم في عهد عزهم واسعد أيامهم كما كانوا في صهيون.

أصغت الحكومة الفرنسوية لطلبي وأرسلت بعثة علمية تحت رئاستي إلى أسوان في السنة الماضية للبحث عن حارة اليهود فيها أو لتحديد موقع معبد رب إسرائيل إن أمكن وكانت هذه المسألة من أعقد المسائل لأن معرفة موقع المعبد كانت معلقة على معرفة ما إذا كان موجوداً في مدينة أسوان المنفصلة عن الجزيرة بذراع من النيل أو على العكس كما كنت أظنه في الجزيرة نفسها. وأنا أقطع مذ الآن أن المسألة مبتوتة في هذا الشأن.

ولقد دامت الحفريات أربعة أشهر يعاونني فيها أخلص تلاميذي وأقدمهم المسيو كليدا فقاسينا في عملنا عرق القربة وكانت أعمالنا لأول عهدها تدعو إلى اليأس ولاسيما فيما يتعلق بغايتي الخاصة. وذلك أنا لما وصلنا الجزيرة رأينا بعثة ألمانية قد سبقتنا إليها منذ سنة واختصت دوننا بطبيعة الحال بالموقع الحسن لإجراء الحفر واختارت أقدم بقعة يرجى أن يكون فيها خير كثير ويسعل على المعاول أن تحفر فيها.

فاكتفينا بما أغفلته تلك البعثة من الأراضي وأخذنا نجيل فيها قداح أنظارنا ونضرب فيها معاول عمالنا ولم يأتنا الحفر مدة شهرين بغير بعض الآثار المصرية واليونانية ولكنها كانت بكثرة ونادرة بنوعها ومنها عدة مسلات فرعونية وتمثالان جميلان لتوتمس الثالث مصنوعة من حجر الكرانيت الأسود ولاسيما قبر الرب خنوم أوشنوب أكبر أرباب أسوان وهو الذي لم يكن على اتفاق مع اليهود الذين وقعوا على الشكوى المذكورة آنفاً. وعثرنا على قاعة تحت الأرض لم تمس بأذى تحتوي على نواويس من الكرانيت والحجر الرملي جعلت عليها أغطية مذهبة وجملت بأجمل زينة من الصور والنقوش وهناك خمسة عشر كبشاً محنطاً مقدمة للثور أبيس على نحو ما اكتشف مثالاً من ذلك قديماً ماريت الفرنسوي في مدينة منفيس.

كل هذا حسن ونافع في ذاته ولكنه لم يقف دونه غرضي. لأني لم أتحمل مشقة السفر إلى أسوان للبحث عن العاديات المصرية بل للبحث عن الآثار اليهودية. وبعد أن كدنا نصل إلى أخريات وقت بعثتنا عثرنا بعد الجهد الجهيد على حارة اليهود الآرامية وظفرنا بكمية من النقوش المزبورة على الفخار مغشاة بكتابات آرامية يهودية. وقد كتب معظمها في وجهين. وهذه الكتابات النادرة على كثرة الخرق فيها قد أطلعتنا على جزء من المراسلات الودية اليومية التي جرت بين يهود جزيرة أسوان وأخوانهم يهود مدينة أسوان وقد كتبت في زمن واحد هي وأوراق البردي الآنف بيانها وبخط واحد ولغة واحدة حتى أن جملة الموقعين عليها نفس الأشخاص الذين عرفناهم بتلك الأوراق البردية، وذكر فيها اسم رب إسرائيل بصورة من الإملاء خاصة لم تكن تعهد. ولاشك أنه متى تمت قراءة هذه الآثار الفخارية نطلع على أمور جديرة بالنظر وكبيرة الخطر والقيمة.

وقد كان داهمنا الحر بخيله ورجله فأوقفت العمل في شهر أبريل وسنعادوه بعد أسابيع بفضل ما جاد به المجمع العلمي ووزارة المعارف من المال وما مد به يده من المساعدة رصيفي المسيو أدمون روتشيلد وإني على ثقة من أننا نوفق هذه المرة إلى الظفر بموقع معبد رب إسرائيل وقد اكتشفت البعثة الألمانية التي كانت تعمل بالقرب منا برئاسة المسيو روبنسون أوراقاً من البردي الآرامية اليهودية ووكل أمر قراءتها للمسيو ساشو من برلين وقد نشر كلامه على ثلاثة منها. وأهمها صك رسمي ذو شأن عظيم يفيد فوائد كثيرة في تاريخ اليهود والتوراة وهذا الصك عبارة عن محضر مؤرخ في اليوم العشرين من شهر مارهزوان من السنة السابعة عشرة لحكم دارا (408 قبل المسيح) بعث بها إلى السيد باكوهي والي الفرس في بلاد فلسطين أرسلها إليها يدوناه ورصفاؤه من كهنة أسوان باسم جميع تلك المدينة من اليهود ولقد أتى الموقعون على ذلك المحضر بعبارات تكاد تكون بمعناها مشاكلة لما في ورقة البردي المعروفة باسم تورين وكلها دائرة على الدعاء له بأن يمنحه رب إسرائيل بركاته ودعاء له أن يحفظ عليه رضا دارا مولاه ورضى الآل الملوكي وقد ذكروا له أن الكهنة المصريين للمعبود خنوم في أسوان قد كادوا لهم مكيدة عندما تغيب مرزبانهم في مصر المدعو أرسام الذي كان قصد الملك بدعوة منه وتربصوا بهم الدوائر عند واليها المدعو ويدانج الذي رشوه بالمال فحصلوا منه على أمر يوعز إلى قائد أسوان العسكري أن يذهب لتخريب معبد رب إسرائيل في جزيرة أسوان قائلين أن هذا المعبد كان أنشئ قديماً على يد آبائهم وكان موجوداً قبل أن يفتح كمبيز مصر فلم ير بداً من احترامه على حين خرب سائر معابد المصريين ويفهم من ذلك ضمناً أن المعبد كان بناءً هائلاً مبنياً بالحجر النحيت وهو ذو سبعة أبواب أثرية وعمد من الحجارة وسقف من خشب الأرز. وقد نفذ أمر الوالي ويدرانج بلا شفقة في الحال وأعان الجند جمهور من المصريين فخربوا المعبد المقدس وحرقوا ما فيه وحطموه ونهبوا الأواني الذهبية والفضية وسائر الأعلاق النفيسة. فعم الحزن سكان أسوان بأسرهم رجالهم ونسائهم وأولادهم من أجل خراب معبدهم ولبسوا الحداد وأخذوا ينتحبون بكاءً وصاموا وضرعوا إلى رب إسرائيل أن ينتقم من الظالمين. واضرب القوم عن التزين وتعاطي الخمر فأصبح النساء كالأيامى. وبعد حين نكب الوالي زيدرانج وجاد بنفسه مضطراً وهلك جميع من نفذوا أمره ف يخراب معبد أبناء إسرائيل فكفروا بذلك عما جنت أيديهم بيد أن أصحاب المحضر لم ينالوا إلى ذاك اليوم على كثرة ما بذلوا من المساعي رخصة بإعادة بناء معبدهم بحيث قضوا ثلاث سنين في حزن لأنهم لا يتمكنون من تقديم الضحايا الدينية وإيقاد البخور وعرض الذبائح على معبد رب إسرائيل. وعبثاً توسلوا أيام نكبتهم بخراب معبدهم بباكوهي والي بلاد اليهودية ويوهوهان الكاهن الأعظم في القدس وبسائر الكهنة رصفائه وبأخيه أستان أناني وأمراء اليهود في فلسطين فلم يأتهم جواب ولذلك وضعوا آمالهم ثانية في باكوهي أن يرضى عنهم ويجعلهم في حل من إعادة بناء معبدهم في أسوان كما كان من قبل وهم لقاء هذا المعروف الذي يسديهم إياه يقدمون لاسمه الضحايا إلى رب إسرائيل على المذبح الذي يقيمونه لتمجيده وعبادته قالوا وأن جميع يهود أسوان رجالاً ونساءً وأولاداً لا ينفكون يباركون على باكوهي ويدعون له ثم هم زيادة على الضحايا والذبائح يقدمون له دخلاً قدره ألف بدرة من الفضة خل عنك الذهب الذي أخبروه بأنهم سيؤدونه إليه إذا رضي بإجابة طلبهم (ما أقدم البخشيش في الشرق) وذكروا في الختام بأنهم أطلعوا على ذلك كله كلاً من دلاياح وشلماياح ابني سانالايات حاكم بلاد السامرة وأن الكاهن أرسام لا يعرف من ذلك شيئاً.

أما الصك الثاني فيكاد يكون مخرقاً كله ويحتوي مع بعض اختلاف على صورة ثانية من هذا المحضر الذي احتفظ مرسلوه بصورته ومسودته. وفي الصك الثالث عبارات كثيرة تشير إلى أن يهود أسوان رخص لهم بإعادة معبدهم بفضل توسط باكوهي ودلاياح فأعادوه إلى ما كان عليه وعمروه بالعبادة ومما لا شك فيه أن بعض الأوراق التي لم تقرأ قد ذكرت فيها أكلاف المعبد ونفقات بنائه.

وهنا لا أرى بيان فائدة هذه الأوراق وموقعها من نفوس العلماء فقد أحيت في نظرنا رجالاً اشتهر أمرهم في التاريخ وهم من الطراز الأول وذكر فيها اسم يوهوهانان الكاهن الأعظم في بيت المقدس وسانابالات والي السامرة وهما مذكوران في التوراة ووالي اليهودية باكوهي وقد ذكره فلافيوس جوزيف المؤرخ اليهودي باسم محرف عن اليوناني وهو باكواس وهذه الورقة هي صفحة صحيحة من عهد حوادث ينبغي إضافتها إلى سفر نيحيميا. فهل يكون من حظ البعثة الإفرنسية أم من حظ البعثة الألمانية يا ترى الظفر هناك بتوراة يرد عهدها إلى ما قبل المسيح بخمسة قرون في حفرياتنا الجديدة؟.