مجلة الرسالة/العدد 848/من المسؤول عن اللاجئين؟

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 848/من المسؤول عن اللاجئين؟

ملاحظات: بتاريخ: 03 - 10 - 1949


للأستاذ نقولا الحداد

قضى مليون لاجئ عربي مشرَّدين عن منازلهم وأملاكهم إلى الآن نحو عام وهم يعانون زمهرير الشتاء وقيظ الصيف فضلا عن الأمراض والأوبئة ثم الموت بالجملة، فهل يقضون أيضاً عاماً آخر؟!

واللجان الموفدة من قِبل مجلس الأمن وهيئة الأمم العربية تدرس وتباحث وتناقش. . . وإلى الآن لم تصل إلى نتيجة حاسمة ولا نظنها تصل!!

واليهود يسرهم كل هذا. . . وهم في بيوت العرب آمنون مستريحون يستغلون أملاك العرب. . . وتستمر الحال على هذا المنوال إلى أن يملّ العرب، وثم لا يبقى أما اللاجئين إلا أمر واحد. . . هو الانتحار!!

فمن المسؤول عن هذه الكارثة؟!

المسؤول الأول هو إنكلترا، لأنها هي سبب هذه الكارثة أولا وأخرا. . . فهي الملزمة أن تفتح السبيل لعودة العرب الفلسطينيين إلى بيوتهم وأملاكهم وأرزاقهم، وأن تجعل هذا السبيل مأموناً من غدر هؤلاء اليهود الجوييم وهمجيتهم، وحمايتهم مدة إقامتهم في ديارهم. . . وهذا يستلزم أولا أن تجرد اليهود من أسلحتهم تجريداً مطلقاً ولا تعترض على تسلح العرب.

ثم على إنكلترا أن تعوِّض العرب من خسائرهم الجسيمة التي خسروها في مدة التشريد. . .

ومن يقرأ هذين القولين يقل لك إنّك تطلب المستحيل، لأن إنكلترا التي دللت اليهود منذ إعلان وعد بلفور، وسكتت على تعديات اليهود المتعددة على إنكلترا - كما هو معلوم - لا يمكن أن تتحمل هذه المسؤولية، وإن كانت حقاً صارخاً، لأنها، أي إنكلترا، خاضعة لعون اليهود في بلادها، وهناك خمسة في المائة من أعضاء البرلمان يهود، وخمسة وزراء يهود، وهؤلاء راكبون على خناف إنكلترا وكاتمو أنفاسها، لا نعلم بأي سحر تخضع لهم وهم يقهرونها!

هذا هو الواقع! يبقى أننا إلى الآن لم نفهم كيف أن الدولة التي لا تغيب الشمس عن أملاكها (أو كانت هكذا) تخنع هذا الخنوع لزمرة من صعاليك الأمم!

وعلى أي حال يجب على بريطانيا العظمى أن تمسح هذا العار عن جبينها بأن تدبر أمر اللاجئين تدبيراً يوافق عليه العرب جميعاً، وإلا فتاريخ إنكلترا أسود بالقلم العريض حاضراً ومستقبلا. . .!

ولكن. . . هل يا ترى يكترث الإنكليز لسمعتهم وتاريخهم؟ هنا نقف ونسأل وننتظر. . . وإلى متى ننتظر؟!

يلي إنكلترا في المسؤولية أمريكا الانجلوسكسونية. فعليها أكثر من خمسين في المائة فيها، ولكن أمريكا لا تبجح بشرفها، ولا تحترم سمعتها، ولا تكترث لتاريخها، ما دامت تلعب بالدولار. ولعل اليهود هناك يعتقدون أنهم هم الذين سكُّوا الدولار المعدني وطبعوا الدولار الورقي. فهم يوسخون وعلى الشعب الأمريكي أن ينظف!

إنكلترا وأمريكا مسؤولتان في الدرجة الأولى، ويهود العالم كله مسؤولون في الدرجة الثانية، فهم مسؤولون لأن اليهود الصهيونية هم الذين نهبوا وأفظعوا وقتلوا وشرَّدوا العرب، ولأنهم كانوا يموِّنون هؤلاء المجرمين بملايين الدولارات. ولكن من يرغم هؤلاء اليهود على التعويض وعلى العرب وعلى قبولهم رغم أنوفهم في بلادهم؟

قالوا: إن مجلس الأمن المسؤول عن الأمن العالمي هو الذي يرغم اليهود على التعويض وعلى القبول - قبول العرب.

ولكن المصيبة الأخيرة جاءت عن يد مجلس الأمن، فإذا كانت إنكلترا - وهي المسلَّحة - تجثو أمام سحر اليهود، فمجلس الأمن - وهو بلا سلاح البتة - لا يستطيع أن يهز رمحاً في وجه الصهيونيين، فهو كالدجاجة، وهي بلا براثن ولا أنياب أمام السباع والذئاب. . . فإذاً، إنكلترا أولا، ثم أمريكا الانجلوسكسونية ثانياً - هؤلاء هم المسؤولون عن نكبة عرب فلسطين أمام الله، وأمام التاريخ، وأمام العالم. . . ولكن إذا كانوا لا يخافون الله، ولا يحترمون التاريخ، والعالم كله مثلهم لا يخاف الله ولا يبالي بالتاريخ. . . فلمن نشكو أمرنا؟!

لا نشكو أمرنا إلا للعرب أنفسهم، فإن كانت عندهم بقية من مروءة العرب التي طالما تبجحنا بها فالنجدة يا قوم. . . وإلا فليقرأ كل عربي - من الوزير إلى الصغير - ما لقنه أحمد الشقيري بك مستشار الوفد السوري أمام لجنة التوفيق الدولية بعد عودته من لوزان لمندوب جريدة المصري في يوم 16 سبتمبر، لكي يعلم ما يبيته اليهود للعرب جميعاً من الشر. فلعلهم يتحمسون للدفاع عن أنفسهم قبل أن يحدث لهم ما حدث لعرب فلسطين، ويتشردوا في الصحارى والبحار فيموتون ظمأَ ثم غرقاً. . . وكل آت قريب. . .

نقولا الحداد

2 ش البورصة الجديدة بالقاهرة