مجلة الرسالة/العدد 618/ريح الشمال. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 618/ريح الشمال. . .

ملاحظات: بتاريخ: 07 - 05 - 1945



(مهداة إلى الوزير دسوقي بك أباظة)

للأستاذ أحمد مخيمر

تنسمتُ أرواح الشمال هنيهةً ... فهاج بيَ الشوق الدفين هبوبها

بسمعي كمعسول الحديث حفيفها ... رخيٌّ، وفي قلبي شجيُّ دبيبها

فتحتُ لها صدري فأمَّتْ خميلة ... من الحب فيه صادحٌ عَنْدليبها

نأتْ راحةُ السّاقي فصوّح دوحها ... وما غاص في ظل الغصون قليبها

وكانت كروْقِ الشمس في ميعة الضحى ... يرفُّ رفيفاً زهرها وقضيبها

ويبرقُ من فرط النّضارة عشبها ... ويهتزّ من فرط الحياة رطيبها

قفي لحظةً ريحَ الشمال، فطالما ... تمنّتْكِ نفس شرّدتها خطبها

لعل شذّى منها لديكِ أشمُّه ... وهاتفةً مما تبثُّ أجيبها

وبين فؤادينا صحارى رحيبة ... تُضِلُّ الخطى وديانها ولهوبها

يعوم عليها الآل حتى كأنه ... ظنون بأرض النفس ناء قريبها

بعثت عليها من أمانيَّ طائراً ... فآب مهيضاً ألهثته دروبها

وإن كثيراً أن أظل ببلدة ... غريباً ولا يدنو لنفس حبيبها

إذا الليل واراني شعرت بلوعة ... يُشَبُّ بأحناء الضلوع لهيبها

وجاء إليّ الحزن من كل جانب ... وهمهمت الأشواق جمَّاً سروبها

وبان لعبنيّ الظلام كأنه ... حفيرة موتى فاجأتها شعوبها

ورفّتْ بقلبي ذكريات من الهوى ... تفوح كأزهار الرياض طيوبها

أرود بها لذات عهد قد انقضى ... وأيام حب غاب عنها رقيها

فما هو إلا أن طبتني ظلالها ... فسرحتُ عيني فاستهلّت غروبها

وكنت كذي غلٍّ رأى الماء قلبه ... ظنون، وهل يُرَوى بهن طلوبها!

لكِ الله يا ريح الشمال، وأنها ... لساعة بّثٍ ثم يدنو مغيبها

تهجين أشواقي! وقد كنت قبلها ... مزاميرَ غيبٍ، في الضلوع طروبها

وكنت إذا أعولتِ في ظلمة الدجى ... تَوزَّعُني أسرارها وغيوبه أظلُّ كأنّي قد فتحتِ لناظري ... سبيلاً إلى الآباد رحتُ أجوبها

فبالله يا ريحَ الشمال أشيَّعتْ ... إلينا تحيات لديك نصيبها

ألا مستِ خديها، أجاذبتِ شعرها ... ضفائر صفراً ينفح العرف طيبها

كمثل خيوط الشمس، والفرق وسطه ... شعاعةُ قمراء بهيُّ سروبها

عجيب كصحراء الخيال مموّهٌ ... بذوب نضارٍ قاعها وكثيبها

جميل كألوان على السحب ثَرَّةٍ ... وقد حان من شمس النهار غروبها

شفت كبّدي ريح الشمال وقد سرت ... فيا ليت شعري هل شفتها جنوبها

نأت دارنا عنها، وشطَّتْ بدارها ... نوى قذَفٌ قد أبعد الساو نيبها

وإنِّي أمرؤٌ أقصى مناه وهمه ... بقيعان أدفوا أوبةٌ فيئوبها

أحمد مخيمر