مجلة الرسالة/العدد 50/مشروع القرى

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 50/مشروع القرى

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 06 - 1934



الأمية في مصر والعالم

للأستاذ محمد مظهر سعيد

أستاذ علم النفس بمعهد التربية وكلية أصول الدين

الأمم كألافراد، تقاس مدنيتها ومبلغ رقيها وتقدمها بمقاييس معقولة، لعل اصدقها حكماً وأصحها نظراً - وإن كان أقساها وأبعدها عن التحيز - مقياس الأمية. ولا أخال فرداً واحداً من أبناء النيل المخلصين لبلادهم، الذين لم تفسد النزعة الوطنية الجانحة حكمها على الأشياء، وتقديرهم للظروف، يكاد ينكر أن مصر على الرغم مما بلغته من الرقي المطرد في عصرها الحاضر الزاهر، وأخذها بجميع أسباب المدنية في العالم لا يزال ينظر إليها بغير العين التي نرضى أن ينظر لبلادنا بها، مادامت وصمت الأمية عالقة بجبينها، وظل الجهل مخيماً على السواد الأعظم من أهلها.

ولقد أصبحنا الآن في زمن يشعر فيه الرجل الذي لا يعرف القراءة والكتابة ومبادئ الحساب - مهما كان نابهاً مستنيراً واسع الخبرة والاطلاع - أنه تحت رحمة المتعلم، بل هو قدي يكون في اغلب الأحيان تحت رحمة الطفل الصغير في الكتاب الذي لا يستطيع أن (يفك الخك) إلا في صعوبة وعسر؛ فإذا أراد أن يحرر خطاباً لأحد أقاربه أو معارفه في جهة بعيده، أو يكاتبهم في مسألة هامة لا قبل له بتأجيلها إلى زيارة أو مقابلة فيتحدث عنها شفوياً، أو إذا أراد أن يحسب حسبة بسيطة مستعجلة كبيع القطن أو المحصول، أو تحرير مستند هام يضمن له حقوقه، أو الرد على إشارة من المركز أو العمدة، وجده نفسه مضطراً إلى ارتكاب الصعب، وإراقة ماء الوجه في استعطاف من يستطيع أن يقوم له بهذه الخدمة البسيطة من أهل القرية، ويكافئه عليها بما يزيد على قيمتها من اجر أو كلمات الشكر على الأقل. ولذلك يشعر رجال القرية جميعهم بأنهم مدينون بالشكر طول حياتهم لفقيه الكتاب، أو مأذون القرية، أو كاتب المحكمة، أو المجاور الأزهري القديم، أو غيرهم ممن يقضون لهم هذه الحاجات ولو بلغة ركيكة وعبارة سقيمة. فإذا انتقل من هذه الأمور البسيطة إلى أمور اشد خطراً واعظم قيمة، كتحرير عقد بيع وتسجيله، والإطلاع على منشورات الداخلية وأوراق الانتخابات، وتعليمات وزارة الزراعة عن الطيور والحشرات، ونشرات مصلحة الصحة عن الأمراض المتفشية وطرق مكافحتها. كانت المهمة اشق، وإراقة ماء الوجه اشد، والمكافأة المالية اكبر. وكثيراً ما يدفع الفلاحون - بل قل العمد والمشايخ - الجنيهات الكثيرة في هذه الأزمة الطاحنة أجراً للكاتب العمومي، أو مندوب المحضر الذي يقوم بتحرير محضر البيع، أو العقد، أو الشروط الوقفية؛ على ما في هذا كله من خطر كبير. فقد يحدث أن يكتب الكاتب شيئاًغير الواقع، أو يزور في العقد شيئاً لمصلحة الخصوم، فيشتري الرجل عقاراً غير موجود، أو حقلاً تقل مساحته عن المساحة الأصلية بكثير. والرجل مسكين يقبل هذا في حينه بالبركة، ثم يضع الختم أو يبصم ولا تنكشف له الحيلة إلا بعد أن يكون العقد قد استوفى سائر الإجراءات القانونية التي تجعل مطالبته بحقه أمام الناس والمحاكم أمراً عسيراً. ناهيك عن العلم بالمخترعات وما جريات الامور، وتتبع الحوادث وتذوق طعم الفن والأدب، مما يجعل رقي الأمة حقيقة ملموسة.

ويكفي أن ندلل على أهمية تثقيف الأمة، وان الجهود التي تبذل في هذا السبيل مهما كانت جبارة ومضنية ومستنفذة لمالية الدولة، ومهما كانت العقول جامدة، والقرائح مطموسة، والشعب نفوراً بطبيعته من التعليم؛ لا يمكن أن تذهب سدى، ولا بد أن تأتي آكلها بعد حين. أنا نذكر المصريين بان الأمم لا تقاس ثروتها بمقدار ما يملكه أغنياؤها من مال، ونما بمقدار نصيب كل فرد من أفرادها عامه وخاصة من هذا المال ومن الثروة القومية، فهي كذلك من الناحية العلمية لا تقاس ثقافتها ومدنيتها ورقيها بعدد من فيها من كبار المتعلمين، ونما بمقدار ما ينال كل فرد من أفرادها من مجرد التعليم الأولى. فالأمة التي يحسم كل أبنائها مجرد فك الخط هي افضل من المستوى الاجتماعي الدولي، وأرقى حضارة وأسرع تقدماً، واجدر بالاعتبار من أمة عشرها علماء وتسعة أعشارها أميون.

فلا عجب إذا تسابقت الأمم القوية الناهضة في سبيل تعميمه لكل أبنائها وإجبارهم عليه بالقانون من بدء طفولتهم، وتسهيل سبل تحصيله إلى آخر مراحله، وأرقى درجاته للنابهين الممتازين من أبناء العامة والدهماء من غير أن تكلفهم شيئاً، أو تثقلهم بالنفقات، ولو استنفذت جل مواردها ومخصصاتها. وما على المتشكك إلا أن يلقي نظرة واحدة على جدول الأمية في العالم، وان يقابل بين نصب الأمم الأخرى التي كنا نحسب أنفسنا ارقي منها تعليما وأسرع منها تقدما. ناهيك بالأمم العظمي كإنجلترا وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة واليابان وإيطاليا التي محت أو كادت تمحو وصمة الأمية عن جبينها، فتحكم الأرقام الناطقة الصادقة علية وعلى حكما لا يرضاه، ويكفيه أن يعرف أن مصر ذات المجد الأثيل والتاريخ المجيد النبيل قد دار بها الزمن دورته، فأصبحت في القرن العشرين اقل شأناً وأبطأ تقديماً من شيلي وجبل طارق وارجنتينا وباراجواي وتركيا وحتى كوبا واليونان وسيام. ويهوله الأمر إذا قارن نسبة التلاميذ في مصر إلى من هم في سن التلمذة وهي (12. 4 %) بالسويد وهي (98 %) وتشيكوسلفاكيا وهي (60 %) وحتى بلغاريا وهي (31) واليونان وهي (31 %) وكولومبيا وهي (17) والبانيا وهي (25 %).

ولا ضير علينا من اتخاذ نسبة التلاميذ دليلاً على الأمية مادامت نسب الأميين ذاتهم في ممالك العالم المختلفة تعوزنا.

إحصائيات التعليم العالم

الدرجة

البلد

نوع التعليم

سن التعليم

عدد السكان

عدد التلاميذ

عدد في سن التلمذة

النسبة لسن التلمذة

النسبة لعدد السكان

1

الدنمارك

م ج

6 - 14

3. 441 758

23 %

2

كندا

م

9. 504

2. 052

3. 000

68

21

3

هولنده

ج

7 - 16

6. 865

1. 346

2. 377

58

20

4

ارلنده

م ج

6 - 14

3. 000

547 920

58

18

5

تشيكوسلوفاكيا

م ج

6 - 14

14. 000

2. 400

4. 000

60

17

6

لكسمبورج

261

43

70

61

16

7

النرويج

ج

7 - 14

2. 650

418 904

46

16

8

سويسره

م ج

6 - 15

3. 891

610

1. 083

57

16

9

إسبانيا

م ج

6 - 14

21. 000

3. 152

15

10

شيلي

م ج

3. 754

570

15 11

جبل طارق

ج

5 - 14

17

3 ب

15

12

النمسا

م ج

6 - 14

6. 536

866

1. 533

51

14

13

ارجنتينا

م

6 - 14

مليون 10

ألف 1. 204

14

14

بولنده م ج

7 - 14

29. 249

3. 586

12. 000

30

12

15

بلغاريا

م ج

7 - 14

5. 484

667

1. 751

31

12

16

باراجواي

ج

7 - 14

800

89

11

17

السويد ج م

7 - 14

6. 000

705

725

98

11

18

تركيا

م ج

7 - 14

13. 000

1. 331

11

19

مالطة

م

225

22

10

20

بلجيكا

ج

6 - 14

7. 812 833

1. 953

43

10

21

لاتفيا

1. 845

199

550

36

10

22

كوبا

م ج

6 - 14

3. 470

320 ب

9

23

كوستاريكا

م ج

498

42 ب ت

8

24 اليونان

ج

6 - 10

6. 600

532

1. 718

31

8

25

بناما

ج

7 - 15

442

35

8

26

بوراجواي

ج

5 - 14

1. 678

129

8

27

اسلننده

م ج 10 - 14

954

7

7. 3

28

المكسيك

م ج

6 - 12

14. 131

975

7

29

الصرب

م ج

12. 000

856 ب ت

7

30

سيام

م ج

9. 831

617

6

31

مصر م ج

14. 178

842

6. 775

12. 4

5. 7

32

لتوانيا

م ج

7

2. 230

124

650

19

5

33

كولومبيا

7. 000

361 ب

2. 168

17

5

34

اكوادور

م ج 6 - 12

2. 000

109

5

35

جواتمالا

م ج

6 - 14

2. 000

97

758

13

4. 5

36

رومانيا

م ج

7 - 15

17. 393

738

4. 3

37

البرازيل

م

31. 000

1. 270 4

38

البوغاز

ج م

961

40

4

39

ملقا

ج

1. 147

61

349

18

3. 7

40

البانيا

م

6 - 14

850

32

125

25

3. 6

41 الكونغو

8. 000

265

2. 550

10

3. 5

42

سلفادور

ج

7 - 14

1. 582

49

3. 1

43

البرتغال

م

7 - 15

6. 000

183

3

44

الهند

319. 000

9. 600

123. 000 7. 8

3

45

بوليفيا

ج م

ب

3. 660

84

2. 6

46

هايتي

م ج

2. 500

48

2

47

بيرو

م ج

7 - 14

6. 000

107 ب

1. 5

48

الصين

343. 000 4. 000

1. 2

49

ليبريا

ج

1. 750

9

12

(ج) تعليم إجباري. (م) مجاناً. (ب) ابتدائي. (ث) ثانوي. (و) متوسط.

هذه الحقائق الملوسة هي التي جعلت جماعة مشروع القرى يؤمنون بأن التعليم هو أس التقدم وسبيل الرقى، وكل ما عداه ثانوي لاحق. وأهابت بهم أن يجعلوا نداءهم فوق كل نداء، وعملهم الزم لمصر من كل عمل، فقاموا زرافات ووحدانا منظمين ومتطوعين يحاربون الأمية في القرى بكل ما لديهم من حول، وما يستطيعون من سبل، وأيدهم الله بروح من عنده، وثبت أقدامهم في جهادهم، وقوى ايمانهم، وانجلت تجربتهم الأولى في صيف العام الماضي عن تعليم أربعين ألفاً من القرويين، ردهم المتطوعون إلى حظيرة النور، واخذوا بيدهم في سبيل الحياة. وها نحن أولاء نوطن النفس على أن نتعاون مع وزارة المعارف في جهادها العظيم لنشر التعليم الإلزامي، والعمل معها جنباً لجنب تاركين لها من هم في سن التعليم مركزين جهودنا فيمن فاتتهم الفرصة من البالغين. ولكن سيل الأمية جارف وتيارها قوي في أمة كمصر فيها من الذكور البالغين الأميين ممن تجاوزا التاسعة عشرة وفاتوا سن التعليم 79 % أي حوالي 2. 853 مليون من مجموع الذكور البالغين 3. 585 ناهيك بالبنات والنساء الأميات اللاتي لم ندخلهن في حسابنا هذا. تصور بعد مراجعة جدول الأمية في محافظات القطر المصري ومديرياته مبلغ ما سيجده مشروع القرى من صعوبات جمة وما يحتاج إليه من جهود جبارة في مكافحة الأمية في مديرية كأسوان تبلغ فيها نسبة الأمية بين الذكور 91 % وأسيوط 90 % وجرجا وقنا وغيرها.

ولا يحسبن أحد أن انتشار التعليم الإلزامي سينجح وحده في قطع دابر الأمية في عشر سنوات لان المدارس محدودة وعدد الذكور كثير. أو، ن التوسع في سياسة التعليم في مراحله الأخرى يخفف الوطأة. فجملة التلاميذ الآن 655 ألفاً من الذكور أي حوالي 27 % من مجموعة الأحداث الذين في سن التلميذة من 5 - 19. البالغ عددهم 2. 487 مليون والمدارس الأولية بأنواعها فيها 470 ألفاً. وسينضم المتخلفون من الأحداث الذين لا تتسع لهم مدارس التعليم الإلزامي عاماً بعد عام إلى مجموع البالغين الأميين مادامت قد فاتتهم فرصة التعليم. ودليلنا على ذلك انه مع ارتفاع نسبة الأمية في مصر وعلى الرغم من التوسع في إنشاء المدارس فقد زاد تلاميذ المدارس من جميع أنواعها 18735 تلميذاً في مدى أربع سنوات من سنة 1927 إلى سنة 1931. خص التعليم الإلزامي منهم 7370 تلميذاً وتلميذة فقط أي نسبة 1. 5 %.

(جدول تعداد الذكور الأميين من سن 19 فما فوق)

المنطقة

عدد الذكور

عدد الملمين بالقراءة والكتابة

عدد الأميين

نسبة الأميين للذكور

القاهرة

321786

152110

169676

53 %

الإسكندرية

168766

85159

83607

50 % القنال

38353

13425

24928

66 %

السويس

13320

5696

7624

57 %

دمياط

8378

896

7282

87 %

الحدود

29826

3712

26114

87 %

مديريات الوجه البحري

البحيرة

220696

42126

178570 81 %

الدقلية

250112

55630

194482

71 %

الشرقية

242836

51677

191159

78 %

الغربية

409485

80592

328873

80 %

القليوبية

143893

25697

118196

82

المنوفية

278397

51286

227101 72 %

مديريات الوجه القلبلي

اسوان

60755

5150

55605

91 %

اسيوط

281251

27083

254188

90 %

بني سويف

131498

18358

113140

87 %

جرجا

239871

23651

216220

90 %

الجيزة

152692

19768 132924

85 %

الفيوم

141542

32830

108892

77 %

قنا

230630

22371

208259

90 %

المنيا

221485

35450

186035

84 %

الجملة العمومية

3. 584. 983

732061

2. 852. 922

79 %

فإذا أضفنا مجموع الأميين من الذكور البالغين (سن 19 فما فوق) وعددهم 2. 853 مليوناً إلى المتخلفين عن المدارس من الأحداث (سن 5 - 19) وعددهم الآن 1. 823 مليوناً وما يستجد عليهم ممن لا تتسع لهم مدارس التعليم الإلزامي من الأحداث الذين تقل سنهم عن خمس وأسقطنا من يموتون هؤلاء يكون لدينا على اقل تقدير خمسة ملايين من الذكور البالغين الذين يحتاجون إلى معونة مشروع القرى، فإذا صحت النية على قطع دابر الأمية في مصر بين الذكور البالغين في سن 15 سنة ولا أقول عشر أو سبع سنوات يكون لدينا في كل عام حوالي 300 ألف قروي يحتاجون على اقل تقدير إلى 15 ألف متطوع من التلاميذ المدارس الثانوية والعالية والأزهر وغيرهم ممن يهمهم مستقبل مصر وسمعتها يعلم كل منهم عشرين قروياً.

فلا عجب إذا رفعنا صرختنا عالية داويه في القطر من أقصاه إلى أقصاه نطلب المتطوعين.

فيا أيها المصريون المخلصون لبلادهم. المعترفون بما لها عليهم من جميل. العارفون مالها في أعناقهم من دين بادروا بالتطوع. وسارعوا إلى سداد الدين. يرده الله لكم أضعافاً مضاعفة

وما استحق الحياة من عاش لنفسه فقط.

ملاحظة: إحصائيات التعليم في مصر استقيتها من الأرقام التي أمكنني الانتفاع بها من إحصاء سنة 1927م وهو الأخير. ولذلك حرصت على أن تكون أرقام الأمية في العالم من إحصاء 1927م أو يقرب منها لبلاد العالم حتى تكون المقارنة صحيحة على قدر الإمكان.