مجلة الرسالة/العدد 50/أعيان القرن الرابع عشر

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 50/أعيان القرن الرابع عشر

ملاحظات: بتاريخ: 18 - 06 - 1934


4 - أعيان القرن الرابع عشر

للعلامة المغفور له احمد باشا تيمور

الشيخ محمد الاشموني الشافعي

أصله من اشمون جريس، قرية من أعمال المنوفية، وقد اخبر انه من نسل أبي مدين التلمساني، ولد سنة 1218م، وحضر إلى الأزهر لطلب العلم، فتلقى عن القويسني، والبولاقي، والفضالي، والامير، والباجوري، والمرصفي وغيرهم. وكان اكثر حضوره على البولاقي، والباجوري، واشتهر بالذكاء، وجودة التعليق وإتقان التحصيل، إلى أن تأهل للتدريس فدرس الكتب المتداولة بالأزهر من صغيرة وكبيرة وقرأ المطول، وجمع الجوامع، وكتب التفسير، والحديث، والعقائد وغيرها مرات بعذوبة منطق وحسن إلقاء، ولم يؤلف كتباً ونما كتب عنه بعض الطلبة تقييدات عن قراءته للعقائد النسفية، وكذلك قيدوا عنه نحو ثلاثين كراسة حال قراءته لمختصر السعد، واخذ عنه كثيرون من كبار علماء الأزهر، وعمر عمراً طويلاً حتى الحق الأجداد بالأحفاد وصار جميع من بالأزهر إما تلاميذه أو ممن في طبقتهم، وروى عنه أن الشيخ محمد الانبابي الذي كان شيخاً على الأزهر كان ممن تلقى عنه، إلا أن الشيخ الانبابي كان ذلك.

ولم يعقب المترجم لأنه لم يتزوج قط، وكان القائم بخدمته في داره أخت له وجارية سوداء وعبد اسمه محبوب تبناه وزوجه من الجارية، وفتح له حانوتاً بالتربيعة وصيره من التجار، ثم وقف على الثلاثة داره التي يسكنها بالباطنية بالقرب من الأزهر.

ولم ينقطع عن التدريس والإفادة إلا قبل موته ببضع سنوات لضعف أصابه من الكبر، وابطل حركته في آخر أيامه، وكانت وفاته ليلة الجمعة رابع ذي القعدة سنة 1321 عن مائة سنة وثلاث سنوات، وأمر الخديو بتجهيزه من الأوقات الخيرية، وأطلقوا منادين في الطرق للإنباء بوفاته، فسار مثنى رافعين أصواتهم بالنعي واجتمع في صبيحة الوفاة الألوف من صنوف الناس لتشييع جنازته قيل انهم بلغوا نحو أربعين الفاً، وحضر أيضاً الوزير المنبهي المراكشي وزير الحرب بالغرب، وكان ماراً بمصر للحج واحب أن تكون نفقة التجهيز والمأتم من عنده فاخبروه بأمر الخديو، وتقدم شيخ الأزهر السيد علي الببلاوي للصلاة عليه بالأزهر، وتولوا قبيل الصلاة مرثية من نظم الشيخ إبراهيم راضي مطلعها: لا قلب للإسلام غير حزين ... فاليوم فيه انهد ركن الدين

ثم خرجوا بالجنازة إلى القرافة ودفنوه في مقبرة الشيخ الانبابي وكان رحمه الله أنيس المحضر، كثير الدعابة والمزاح مع الطلبة شديد الورع متصفاً بالزهد والتقشف وقلة الاحتفال برفاهة العيش إذا سار في الطريق توكأ على عصاه بيد ووضع الأخرى على كتف من يسايره، لاسيما بعد علو السن وضعف القوة. حضر مرة احتفالاً مما يقام لكسر السد أو المولد النبوي، ورموا بالسهام النارية كعادتهم، فتجاوز سهم منها مداه ووقع على الحاضرين، فأصاب المترجم في إحدى عينيه وذهب بها، فرق له الخديو إذ ذاك، ورتب له راتباً شهرياً علاوة على راتب الأزهر، رحمه الله تعالى.