مجلة الرسالة/العدد 490/من خمر الزوال. . .

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 490/من خمر الزوال. . .

ملاحظات: بتاريخ: 23 - 11 - 1942



للأستاذ محمود حسن إسماعيل

(إلى التي سقتني ولم تشرب معي خمر الزوال، والى الذين

يشربونها مثلي من يد الزمان!!)

لا تَترُكينِي في ضَلالْ ... بَيْنَ الحَقِيقَةِ وَالخَياَلْ

إنِّي شَرِبتُ عَلَى يَدْي ... كِ مَعَ الهَوَى خَمرَ الزَّوِالْ

أصْبَحتُ لا نَغَمٌ يُفجِّ ... رُ لي السُّلوَّ وَلا رَبَابْ!

قَلْبي حُشاشةُ طائْرٍ ... في الصَّيفِ أحْرقُهُ اليَباَبْ

عُمري بَقيةُ مَوجةٍ ... حَيرَى تَخَطَّفَها العُبَابْ

في زَاخرً لَمْ يَدرِ ساَ ... بحُهُ أَبحرٌ أَمْ سَرَابْ؟!

رُحماَكَ. . لَمْ أُصْبحْ سوَى ... شَبَحٍ يَسيرُ عَلَى تُرابْ. .

لا تَترُكيِنيَ زَلةً ... في الأرْضِ تاَئِهِة المَتاَبْ

إنِّي شَربْتُ عَلَى يَدَيْ ... كِ مَعَ الهَوَى حَمْرَ الْعَذَابْ

أصْبحْتُ أشْوَاقاً مُعَذَّ ... بةً تُضِيء مِنْ الْحنَانْ

وَأسًى يدُورُ فَلا تَقَ ... رُّ لهُ عَلَى كبدٍ يَدَانْ

وَصَدى تَجَسَّدَ في الأثِيرِ ... فَكادَ يُلْمَسُ بالْبنانْ

وَرُفاتَ أُغْنيةٍ لِحب ... كِ لَمْ تَزَلْ تُشْجِي الزَّماَنْ

رُحْماكِ. . . مَا بيَدَيَّ إلاَّ ... منْ - غَرَامكِ - دَمْعَتانْ

لا تتْرُكِينيَ فِيهمَا ... لَهَباً يُذَوِّبهُ الْجَنانْ

إنِّي شَرِبْتُ عَلَى يَدَي ... كِ مَعَ الهَوَى خَمْرَ الْهوانْ!

أصْبَحتُ لَمْ أُصْبِحْ! وَلَمْ ... يُشرِقْ عَلَى خَلَدِي صَبَاحْ

أنا ظُلمةٌ سَكرَي بأق ... دَاحٍ تطُوفُ بِهَا الرِّياحْ

في قَفرَةٍ نُسيتْ فَلَمْ ... يَخْفِقُ لِطَائِرَها جَنَاحْ

وَبَكَى بِهَا الصَّمتُ الْغَرِي ... بُ وَنَاحَ مِنْ فَمِهِ النُّوَاحْ رُحماكِ! نُورُكِ فَوقهَا ... قَدَرٌ لِغَيرِي لا يُتَاحْ!

لا تَترُكِينيَ ذَاهباً ... كَخَريفَ لَحنٍ في صُدَاحْ

إنِّي شَربتُ عَلَى يَدَي ... كِ مَعَ الهَوَى خَمرَ الْجِرَاحْ

الَّليلُ ياَ لَيْلايَ لَمْ ... يَترُكْ عَلى كَبدِي أنيِنْ. . .

إِلا وَسَارَ بِهِ غِنَ ... اءً في صَحَارَى العَاشِقينْ. . .

وَسَرَى بِلَوعَتِهِ شِرَا ... عاً لا يَسيرُ بِهِ سَفِينْ. . .

يَجْرِي عَلَى مَوْجِ الْحَياَ ... ةِ عُلالةً للِبَائِسينْ

أَرَأَيتِ حَيرْاناً يَلُو ... ذُ بِهِ عَذَابُ الْحَائرينْ؟!

لاَ تَترُكِينَي ياَ شَقِي ... ةُ غُنْوةَ الزَّمَنِ الْحزِينْ

إِنِّي شَرِبتُ عَلَى يَدَي ... كِ مَعَ الْهَوَى خَمرَ السِّنيِنْ. . .

بَكتْ الْجَزِيرةُ حِينَ قُ ... لتُ لَهاَ وَداعاً لَنْ أَعُود!

وَتَأَوَّهَ العُشبُ الْحَبي ... بُ وَوَلْوَلتْ فيِه الْعُهُودُ

وًالرِّيحُ رَوعَهَا الرَّحِ ... يلُ كأنَّها فَزَعٌ شَرُود. . .

وَالمَوجُ إِعْصارٌ تَمَ ... زَّقَ أَوْ تَباَريحُ النُّهُودْ

أَرَأَيتِ كَيفَ غَدَا الهَوَى ... عَدَماً تَوَّهمهُ وُجُودْ!!

لا تَترُكِينَي بَعْدَهُ ... حَسَرَاتِ لْحَنٍ فَوْقَ (عُودْ)

إِنِّي شَربتُ عَلَى يَدَي ... كِ مَعَ الْهَوَى خَمْرَ الخُلُودْ. . .

مَرَّتْ لَياَليناَ كما الأوْ ... هَامُ. . . عُودِي يَا لَياَلي!!

إِنِّي كَتَبتُكِ في الزَّمَا - نِ خُطُوطَ غَيبٍ في خَيالٍ

إِنِّي سَمِعتُكِ في الْحَياَ ... ةِ أَنِينَ صَوتِ في رِمَالِ

إِنِّي رَاَيتُكِ أَدْمعُاً ... سَودَاَء جَاثِمةً حِيالِي

أَرَأَيتِ كَيفَ طَوَتْ صِبَا ... يَ، فمَاتَ، أَحزَانُ الْجَمالِ!؟

لاَ تَترُكِينَي كالرَّدَى ... أَرِدُ الْفَنَاَء وَلا أُبالِي

إِنِّي شَرِبتُ عَلَى يَدَيْ ... كِ مَعَ الْهَوَى خَمرَ الضَّلالِ

أَذَكرتِ حينَ جَثَتْ لَدْي ... كِ صَبَابةُ الليْلِ الجَميلْ؟ وَسَندتِ رَأْسكِ فَوقَ صَدْ ... رٍ لا يفُارقُهُ الغليلْ

فَشَجَتكِ في الْقَفَصِ الْمُحط ... مِ ذَبحةُ الطَّيرِ الْقَتيل. . .

وَسَمعتِ منهُ مَعَ الظَّلا ... مِ تَفَجعَ الماضِي الطَّويلْ

وَرَأيتِ فِيهِ خُطَا غَرَا ... مِك في ضَبَابِ المُستحيلْ

لا تترُكينَي عَاصفاً ... في البيدِ يُزهقهُ العَويلْ

إِنِّي شرِبتُ عَلى يَدَي ... كِ مَعَ الهَوَى لَهَبَ الرَّحِيلْ

أوَّاهُ. . . إِن وَلى هَوَا ... كِ وَجَاَء يصرُخ لي هَوَاي!

وَدَعوتُ نُورَكِ للغَرَا ... مِ فَرَدَّ جُرحٌ من صَدَاي!

وَمَددتُ كفِّي للسَّلا ... مِ فَصَافحتك عَلَى حَشَايْ!

وَذَهبتُ مَلهُوفاً إلي ... كِ فَلَم أجِدْ إِلا خُطايْ

وَبَقَّيةً مِمَّا وَعَى ... طَيرُ الْجزِيرَةِ مِنْ بُكاي!

لا تَترُكيني عَارِفاً ... أرِدُ الضِّفَافَ بِغيرِ نايْ

إِنِّي شَربتُ على يَدَي ... كِ مَعَ الهَوَى بلْوَى صِباَيْ!

مَاذَا أَقُولُ إِذَا الهَوَى ... أوْما إليَّ وَلَمْ يُنادِ؟!

وَإذَا الرَّحيقُ دَعَا فَكَي ... فَ يُجيبُ خَمرَتهُ فُؤادِي؟!

وَإذا تألقَتِ الرُّؤى ... وَمَضَت تَوَهَّجُ في وِسَادي؟!

وَرَنَا لي المَاضي بِطَي ... فٍ مِنكِ مُرتعشِ الْحِدادِ

فَبأيِّ كأسٍ مِنْ دَمي ... اسْقِيهِ أحْزانَ المَعادِ؟!

لا تَترُكِينَي ضَلةً ... في الأرضِ ثاكلِةَ الرَّشادْ

إِنِّي شَربتُ عَلى يَدَي ... كِ مَعَ الهَوَى نَدمَ الرَّمادْ. . .

لا تَسألِينْي بَعدَ يَو ... مكِ كَيفَ أياَمي تَسيرْ!!

إِنِّي حُداءٌ سَاخرٌ ... بِقوافلِ الَّزمنِ الكَبيرْ

لَكنْ سَأصبحُ آهةً ... وَلهى مُضيَّعةَ الْمَصيرْ

في صَدرِ مَصلوبٍ شَ ... قيِ الْموتِ مَظلُومِ الضَّميرْ

فإذَا سَمعتِ صَبابةً ... غَنَّى بِها وَتَري الأخيرْ. . .

لا تَترُكينَي بَعدَها ... أهْوَى الَّسماَء ولا أَطيرْ!

إِنِّي شَربتُ عَلَى يَدَي ... كِ مَعَ الهَوَى جَزعَ الْهجيرْ

وَإذا تُسائلكِ المَغَا ... ني: أيْنَ شاَعرُهَا الْحبِيبْ؟

قُولي لَهَا: بَل أيْنَ في ... كِ خَيالهُ الغَردُ الرَّطيبْ؟

إنَّا وَهبناَ رُوحهَ ... قبَساً لِعاَلمهِ الرَّهيب. . .

فَغَدا شُعاعاً هَائِماً ... يَهتزُّ في فَلكٍ غَريبْ

ياَ فِتنةَ الْماضِي حَنا ... نكِ وارَحمي نَغمِي الكَئيبْ

لا تَترُكينَي مَوجةً ... تَفنى وَشاَطِئُها قَريبْ

إِنِّي شَربتُ عَلَى يَدَي ... كِ مَعَ الهَوَى وَلَه الْمَغِيبْ!

مِنْ أيِّ نُورٍ بَعدَ نُو ... ركِ يَستَقي زَمَني سَناهْ؟!

وَبأيِّ عِطرٍ بَعدَ عِطر ... كِ يَحتَسِي قَلبِي شَذَاهْ؟!

وَبأَيِّ خَمرٍ بَعدَ خَم ... ركِ خَافقِي يَنسى أسَاهْ؟!

وَبأَيَّ سِحرٍ بَعدَ سِح ... ركِ أشتِهِي مَا لا أَرَاهْ؟!

وَبأَيَّ وَحيٍ بَعدَ وَح ... يِ هَواكِ يُلهُمني الإلهْ؟!

لا تَترُكينَي دَمعةً ... تَجرِي بأَجفانِ الحَياهْ

إِنِّي شَربتُ عَلَى يَدي ... كِ مَعَ الهَوَى وا حَسرَتاهْ!

لا تَترُكينَي في ضَلالْ ... بَينَ الْحَقيقةِ وَالخيَالْ

فَلرُبماَ أفْنىَ ولا ... يَفنَى مَعي طيفُ الْجمالْ

وَلرُبمَا أَنسَى وَناَ ... ركِ في رَمَاديَ لا تَزَالْ

إَنِّي تُرابٌ لا يُر ... يدُ الْبعْثَ من فَرْط لْمَلال

شَربَ الهَوَى مِنْ رَاحَتي ... كِ فَراحَ يَشربُهُ الزَّوَال

محمود حسن إسماعيل