مجلة الرسالة/العدد 360/الكتب

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 360/الكتب

ملاحظات: بتاريخ: 27 - 05 - 1940


عبقرية الشريف الرضي

تأليف الدكتور زكي مبارك

بقلم الأستاذ محمد هارون الحلو

لأستاذنا الدكتور زكي مبارك قلب يزخر بالفتوة وينبض بالعافية على رغم ما فيه من هوى مكتوم ولواعج مضطربة، وقد يلازم هذا الشذوذ والتناقض كثيراً من الأدباء ورجال الحكمة

وقد يكون ذلك لقدرتهم على الشكوى والأنين والتلهي أحياناً بالفلسفة أو التفلسف في تشريح العواطف والوجدانيات!

وهو يعيش في أودية الفن، الفن الروحي، ويهيم أبداً في ملكوت الخيال ولهذا كانت جل بحوثه من تيه عبقر، ومن همسات الشياطين!

والدكتور زكي مبارك له في البحث يكاد يستقل بها عن غيره من أعلام الأدب والكتاب الأبيناء فهو حين يكتب لا يعدو أن يكون مترجماً لأشرف العواطف وأنبل الغرائز البشرية بصورة واضحة لا غموض فيها ولا تلبيس

تنطلق عنه الفكرة مستقلة، تشرق في آفاقها الحقيقة وتلتمع في أقطارها صورة تلك الروح التي انبثقت عنها تلك الفكرة، فهو إذا بحث كان (فسيولوجياً) في بحثه، فناناً في أسلوبه، تلمح في مأثورة قوة الانفعال ومدى خصوبة القريحة؛ ويستوقفك في تضاعيف بحوثه الطلية رشاقة الأسلوب وتأنق المعنى ووضوح الفكرة وتريب المعاني وحسن السبك. . . وغير ذلك من الصفات التي أعطت أدبه لوناً خاصاً يمتاز به عن غيره، كما أنه ينفرد بين أدبائنا بجرأته، وهو يعتمد في ذلك على مواهبه وثقته بنفسه؛ فهو يتوفر أبداً على نصرة فكرته، لا يتقهقر ولا يتأخر

وكان له من نشوة الظَّفر ما يدل به كثيراً على خصومه، وكثيراً ما يعتد بنفسه شأن المتثبت المتمكن القوي الإيمان؛ فإذا أراد أن يعرض بخصم أو يمازح صديقاً؛ فهو ذو درية بأساليب الكيد وطرق الممازحة والمؤاخذة الأليمة والنيل من خصومه ومن أصدقائه أيضاً!

وثمَّة خلَّةٌ تكاد تكون من لوازم ذلك الأديب الكبير، وهي صبرُه في البحث وقوة روحه في استقصاء المعاني في الموضوعات التي يطرقها

ولقد كان وفاء زكي مبارك أبرز صفاته الشخصية، فهو يذهبُ إلى العراق ليرفدَ أهلها من معينه السائغ؛ فلو أنك أيها القارئ قد اطَّلعت على ذلك السَّفر النفيس (عبقرية الشريف الرضيّ) لَجازَ لك أن تقول ما قاله أحد أدباء بغداد حينما قرأ ذلك الكتاب: (إن نثر زكي مبارك له روعة تفوق شعر الشريف الرضي في بعض الأحيان)

لا يمكنني أن اصف ذلك السَّفر الذي أقامه الدكتور زكي مبارك نصباً خالداً للشريف الرضي بقدر ما كتب هو عنه في مقدمته إذ يقول: (إن القلم جرى فيه بأسلوب ما أحسبني سُبقت إليه في شرح أغراض الشعراء، حتى كدت أتوهم أني طفتُ بأودية لم تعرفها الملائكة، ولا الشياطين)

ومن اعتداده بمؤلفه وتعريضه بغيره من المؤلفات ما يقوله أيضاً في سياق حديثه عن الشريف: (سيرى قراء هذا الكتاب أني جعلت الشريف أفحل شاعر عرفته اللغة العربية، وقد سمع بذلك ناس فذهبوا يقولون في جرائد بغداد: أيكون الشريف أشعر من المتنبي، وأستطيع أن أجيب بأن الشريف في كتابي أشعر من المتنبي في أي كتاب. ولن يكون المتنبي أشعر من الشريف إلا يوم أؤلف عنه كتاباً مثل هذا الكتاب!)

وله العذر فيما يقول فكتابه عن الشريف وعبقرية، ضرب من السحر لم يشرع في الكتابة من قبل ولم يأت على طريقة الأدباء بعد، فهو توجيه جديد في الدراسات الأدبية حيث يقف المؤلف من الشاعر موقف الصديق من الصديق، ويحصى عليه ويحصى له ويتحدث إلينا بإخلاص وأمانة، ويسجل رأيه الخاص في كل ما يعرض له، فالكتاب حافل بآراء جديدة وفلسفة فريدة

ولقد امتزج روح المؤلف بروح الشريف، وتأثر به أعمق التأثر وانتقل معه إلى عصره الذي كان يعيش فيه، وأحبه حباً عنيفاً، حتى أصبح يزكي خلاله مسرفاً في التمدح بأفضاله، فإذا مر بهفوة له فإنه يرفق به ويشفق عليه شأن ما يحدث عادة بين الخلصان من الأصحاب والأصدقاء

ولقد أربي البحث في هذا الكتاب - وهو يقع في جزأين كبيرين - على عشرين باباً، احتفل فيها المؤلف بكل باكورة من بواكير الشريف العبقري، وعالج موضوعات دقيقة عميقة لها أكبر الأثير في توجيه الشريف في حياته

ولقد أجاد المؤلف وأفاد في الحديث عن (أعوام البؤس في حياة الشريف) و (العلا والمعالي في قصائده) و (صلة الشريف بحياة خلفاء بني العباس) وهي من موضوعات الجزء الأول

كما أنه برع في الكتابة عن (غراميات الشريف) و (عفافه) و (حجازيات الشريف) وغير ذلك من النواحي والاتجاهات العميقة التي ضرب فيها فكر المؤلف وخياله بسهم وافر، فنفذ إلى مكنونات وطريف كان لها أثر كبير في إخراج هذه السفر على آنق أسلوب وارفع خيال، حتى حقَّ للدكتور زكي مبارك أن يستهل الكتاب بتعليقه على قول الشريف:

أنا النضار الذي يُضَنُّ به ... لو قلُّبتني يمينُ منتقدِ

بعبارته: اشهدْ أنك وجدْتَ المنتقد أيها النُّضار.

هذه كلمة قد عنَّ لي أن أكتبها وفاءً للأدب في شخص الدكتور (زكي مبارك) مؤلف عبقرية الشريف جزاه الله عن الأدب خيراً

محمد هارون الحلو

قصص العلماء والمخترعين

تأليف الأستاذ محمد عاطف البرقوقي

المفتش بوزارة المعارف

تحفزنا الرغبة في تشجيع الآداب العلمية إلى التنويه بهذا الكتاب الجليل، وهو باب من الأدب جديد يعني بتبسيط حقائق العلم في أسلوب أدبي يحبب إلى قارئه أن يقرأه فيجد لذة القراءة وفائدة التحصيل العلمي في وقت معاً؛ ومؤلفه حقيق بأن يبلغ بكتابه هذا المبلغ من الحرص على الفائدتين، فهو قد نشأ نشأة أدبية في ظلال أبيه الأستاذ عبد الرحمن البرقوقي صاحب البيان، وصهره الأديب الكبير المرحوم مصطفى صادق الرافعي؛ وهو إلى ذلك عالم قد تخصص في مادته العلمية في مصر والخارج، وعليه التفتيش على دروس الطبيعة في مدارس الحكومة - فاجتمع له بذلك الفضل من طرفيه

ونحن ننشر فيما يلي فصلاً من هذا الكتاب الممتع برهاناً على ما قدمنا من وصفه:

اخترع التلغراف سنة التطور والارتقاء

لداروين العظيم مذهبه الشهير الذي يقول بسنة التطور والارتقاء، حتى رد الإنسان إلى أصل من القردة، وهذا الرأي لا يسري على الكائنات فحسب، بل إنه في رأيي يمتد إلى الاختراعات أيضاً، فكل اختراع يظهر أولاً ناقصاً مشوهاً، ولكنه يتحسس ويرقى بالجهود المتتابعة التي يبذلها العلماء، والأمثلة على ذلك عديدة، فها هي ذي الكهربية بدأت ساكنة فتطورت إلى متحركة محدثة التيار الكهربي؛ وهذه أبحاث فراداي النظرية، تتطور إلى أعظم المخترعات العلمية، ويحاول العلماء نقل الإشارات كما في التلغراف، فينجحون فيما بعد في نقل الكلمات كما في التلفون، وينجحون في اختراع التلغراف والتلفون السلكيين، فتؤدي أبحاثهم وجهودهم إلى اختراع التلغراف والتلفون اللاسلكيين، وهكذا سنة التطور والاتقاء في الاختراعات، ولن تجد لهذه السنة تبديلاً. ويحكى عن فرادي العظيم (ص55) أنه كان مرة يقوم بإجراء تجربة كهربائية في الجمعية الملكية بلندن أمام بعض المشاهدين والمشاهدات. وبعد ما أتم إجراءها وشرحها انبرت له إحدى السيدات وسألته: (يا مستر فرادي. هل يمكنك أن تخبرني ما فائدة؟) فأجابها على الفور ذلك الجواب المقنع المناسب: (وهل تستطيعين أن تخبريني عن فائدة الطفل ساعة ولادته؟) فأسقط في يدها ولم تحر جواباً

نشأة التلغراف

والتلغراف كان مطمح الآمال، وغاية العلماء منذ نشأة الكهربية، ففي عهد سكونها، وبعد أن كشف جراي ودي فاي (ص16) أن من الأجسام ما هو موصل وما هو غير موصل حاول بعضهم مد عدد من الأسلاك بعدد الحروف الهجائية، وهي تسعه وعشرون في اللغة الإنجليزية كل سلك فيها يقابل حرفاً من تلك الحروف فإذا أريد إرسال إشارة تلغرافية لكلمة معينة دلكت أطراف الأسلاك الدالة على حروف هذه الكلمة على التوالي، فتشحن هذه الأسلاك بالكهربائية فتجذب إليها في مكان الاستقبال كرات صغيرة من نخاع البيلسان فيؤلف المستقبل منها الكلمة المرسلة، وقد أخفقت هذه الطريقة كما أخفقت محاولات أخرى لما قام في طريقها من صعوبات: كبطء سير الإشارة أو ضعفها عن أن تصل إلى مسافات بعيدة، ولكن الاتجاه الصحيح قد بدأ سنة 1821، بعد أن كشف أورستد (ص37) التأثير المغنطيسي للتيار الكهربائي، إذا اقترح أمبير (ص41) عقب ذلك) وفي نفس سنة 1821 استغلال هذا الكشف الجديد لتطبيقه في التغلراف. ومن ذلك استطاع جاوس العالم الطبيعي الألماني وفبر (أستاذ الطبيعة في جامعة جوتنجن) سنة 1833 من إقامة أول خط تلغرافي في العالم بين المرصد وقسم الطبيعة في هذه الجامعة، وكانت المسافة بين المكانين 9000 قدم، وقد اشترك يوسف هنري الأمريكي (ص71) في أبحاث التلغراف، وهو الذي اقترح استعمال المغنطيس الكهربائي الذي له الفضل في تحسينه ورأى أن يوضع أمام قطبيه قطعة حديد تمس حافظة، فإذا وصل التيار إلى ملف المغنطيس الكهربائي انجذبت إليه الحافظة وحدث صوت في (دقته) واقترح شتاينهيل الألماني بعد دراسة عميقة أنه يمكن استعمال الأرض موصلاً بدلاً من إقامة سلك آخر لإتمام الدائرة الكهربائية وقد أعلن ذلك إلى أكاديمية العلوم بجوتنجن سنة 1838، وقد حاول هويتستون في إنجلترا أيضاً الوصول إلى اختراع التلغراف، ولكن النصر الأخير والفوز الأعظم جاء على يد موريس الأمريكي

مورس

ومن ذا الذي لم يسمع بموريس؟ أو من ذا الذي لم يسمع (بالنقطة) و (الشرطة) اللتين أتخذهما موريس نظاماً وجعل منهما رموزاً للحروف الأبجدية والأرقام وغيرها، فجعل حرف الألف من نقطة وشرطة، والباء من شرطة وثلاث نقط، ورقم الخمسة خمس نقط وهكذا. إننا نسمع دقات التلغراف في مكانها كأنها تنادي باسم موريس آنا الليل وأطراف النهار

وقد بدأ موريس حياته فناناً، بل وفناناً عظيماً، ويكفيه فخراً في هذا المضمار أنه الذي أسس أكاديمية الرسم الأهلية في نيويورك، وقد تلقى أصول دراسة هذا الفن في أوربا، وأثناء عودته إلى بلاده سنة 1832، خطرت له أول خاطرة في التلغراف، وتمكن من بناء أول تلغراف عقب ذلك في نفس السنة، ولكنه كان يعوزه المال اللازم لبنايته وعرضه على الناس، واضطر إلى الانتظار ولكنه في الوقت نفسه كان يعمل على إدخال التحسينات في تركيبه، حتى أوفى على الغاية من الإتقان، وتسنى له أن يعرضه على الناس سنة 1837 في جامعة نيويورك، وأرسل أمامهم الإشارات التلغرافية مسافة 1700 قدم ونجح نجاحاً أثار الإعجاب، فمنحه مجلس الأمة الأمريكي مبلغ 30. 000 ريال، فأنشأ أول خط تلغرافي تجاري سنة 1844 بين واشنجتن وبليتمور

ذاع صيت موريس، واشتهرت فكرته، فذاع تلغرافه في إنجلترا وأوربا وأمريكا، وأتقن إتقاناً عظيماً في بضع سنوات حتى صار في الإمكان إرسال الرسائل التلغرافية مسافة مئات الأميال سنة 1850

جيوفاني فركا يحدثنا عن الملاريا

عندما يقرع الجرس من جديد للقطيع في السكون العميق تهرب العصافير دون ضجة والراعي نفسه الأصفر من الأصفر من الحمى والأبيض من الغبار يفتح جفونه الوارمة برهة ويرفع الرأس في ظل الخيزرانات اليابسة. لأن الملاريا هنا تدخل في الخيزران الذي تأكله فالملاريا تفاجئ السكان بغتة على الطريق المقفرة وتفاجئهم أمام باب البيوت المحرقة بالشمس مرتجفين منم الحمى تحت ملابسهم الواسعة مع الغطاء على الرأس.

والآن قد أنقلب كل شيء فتحت سماء إيطاليا أقوياء البنية وهم لا يشكون الآن من مرض الملاريا. وهي السكينا التي سمحت بهذا التغيير السكينا الدواء المعروف منذ سنة 1630 فلجنة الملاريا بجمعية الأمم التي تكرس نفسها خصوصاً لدرس المسائل المتعلقة بالملاريا تنصح لدرء هذا المرض بأخذ 400 ملليجرام يومياً من السكينا طوال موسم الحميات وإذا كان أصيب الإنسان بالمرض فالدواء الموصوف يلخص في علاج سريع المدة فيكفي أخذ جرام واحد أو جرام وثلاثين سنتجرام من السكينا كل يوم مدة خمسة أو سبعة أيام ولا داعي للمعالجة التكميلية ففي حالة الانتكاس يمكن تطبيق العلاج ذاته.