مجلة الرسالة/العدد 348/نفحة نبوية

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 348/نفحة نبوية

ملاحظات: بتاريخ: 04 - 03 - 1940



صبرا دعاة الحق

للأستاذ محمد عبد الغني حسن

هذا الهُدى فأملأُ به الصُحراَء ... وانشرْه في خِلل الظلامِ ضياَء

وأصْدَعْ بأمر الله لا مُتهيِّباً ... ضُرّاً ولا متخوِّفاً بأساَء

من كان في الحق المُبين بلاؤُه ... هَيهاتَ يَخشى في العدوِّ بَلاَء

يأيها الداعي إلى دين الهدى ... وفْيتَ قِسطكَ في الجهاد دُعاَء

شَبُّوا عليكَ النارَ شاويةَ اللظى ... ورمَوا عليكَ الغارةَ الشعواَء

وترصَّدوا لك في الطّريق مُجاهداً ... فرأَوك انفذَ في الطريقِ مَضاء

نثروا عليكَ الحقدَ من شهوَاتِهم ... فنثرتَ من نُبل الخِلالِ وَفاء

نُورُ النبوةِ في جبينك ساطعٌ ... يجلُو الدُّجى ويبدِّدُ الظّلماَء

فإذا المجاهلُ قد غَدون معالما ... واليأسُ أصبح في يديك وفاء

بَدَّلت صحراَء الجزيرةِ رَوْضةً ... وجعلتَ منها جنةَ فيحاَء

الجاهليةُ من غراسك أثمرتْ ... وتفجرتْ ظلاًّ هناكَ ماَء

وتألفوا في الله صفاً واحدا ... ونسُوا لديك الحقدَ والبغضاء

يبنون للإسلام ركناً خالداً ... وَيَرَون فيك المنشئَ البنَّاَء

حَجَرٌ أقمتَ على التُّقى آساسه ... فَرَسَا. وأدرك سمتُه الجوزاَء

يمتدُّ في كِسَفِ السَّحاب تطاولاً ... ويزيدُ في كبد السماء نَماء

ويُزلزل الدنيا ويَصْدع ركنَها ... ويهدُّ من نُصُب الضلال بِناء

بَطحاءُ مكةَ أشرقتْ جَنَباتُها ... ما كانَ أكرمَ هذه البَطْحاء!

وُلدَ الهدى فيها فكان محمداً ... وغَدَا لكل المكرَمات سماء

هذا اليتيمُ أتى فألّفَ أمة ... شتَّى، وقوماً فُرِّقوا أهواء

وَيَشُدُّ بينهمو أواصرَ أُلفةٍ ... ويزيدُ ما بين القلوب إخاء

سَوَّى من الفانين كلَّ تمايُزٍ ... ومحا بها العصبيةَ العمياءً

لا يستقيمُ الحقُّ بين جماعةً ... إن لم يكونوا في الحقوق سواَء يأيها الهادي صَبَرتَ على الأذى ... وحملت من أوطانك الإيذاَء

وضربت في الصبر الجميل نواحياً ... وكشفتَ عن نُبل الخِلال غِطاَء

قل للذي سئمَ الجهادَ وملّهُ ... هلاّ اتَخذت من الرسول عزاَء؟

ما قيمةُ الدنيا إذا هي لم تكن ... صَبْراً وأخذاً دائماً وعطاَء؟

يأيها الهادي لِقيتَ إساءةً ... فحملتَ فيها الصفحَ والإغضاَء

إن الكريمَ يغضُّ طرفَ سماحةٍ ... ويردُّ من إحسانه اللؤماَء

لما قدرتَ عفوتَ اجملَ قادرٍ ... وأسرتَ عفواً مَنْ إليكَ أساَء!

تلك الخلالُ الضاحكاتُ خليقةٌ ... أن تستميل لصفِّك الأعداَء

ولقد كرهتَ بأن تُقيمَ على الأذى ... فهجرتَ أرضاً أنبتتكَ وماَء

وتأثَّروك فما خبتْ لك جذوةٌ ... يوماً ولا قَدَرَوُا إطفاَء

ووجدتَ في ظل المدينة جِيرةً ... ولقيتَ من أنصارها نُصراَء

آواك فيها معشرٌ بك آمنوا ... واستقبلوك مرحِّبين وِضَاَء

عجباً! رأيتَ من المدينة رقةً ... ورأيتَ مكة قَسْوةً وجفاَء

صَبراً دُعاةَ الحق إن نصيبكم ... إن تقطعوا أيامكم غُرباَء

مهلاً دعاةَ الحق إن سبيلكم ... ليست يساراً كلَّها ورخاَء

لا تحسبوها بالورد تَزَينت ... أو رفّت الدنيا بها أندَاء

لا تحسبوها الظلَّ أَفْيَحَ ناعماً ... والعيشَ حلواً والمنى خضراء

هي أن تضحُّوا بالحياةِ رخيصةً ... وتقدِّموها للجهاد فداء

الحقُّ لا يحيا شهيداً بينكم ... ما ضرَّ لو متم له شهداء؟؟

محمد عبد الغني حسن