مجلة الرسالة/العدد 199/النقد

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 199/النقد

ملاحظات: بتاريخ: 26 - 04 - 1937



إسماعيل المفترى عليه

تأليف القاضي بيير كربتيس

وترجمة الأستاذ فؤاد صروف

- 2 -

ذكرنا في العدد السابق المبادئ الأساسية التي يجب أن يتقيد بها كل مترجم والتي يحكم بمقتضاها على ترجمته. واليوم ننتقل إلى الترجمة نفسها؛ ونحب قبل هذا أن نذكر للأستاذ حسنة من حسناته وهي إصلاحه خطأ مطبعياً وقع في الكتاب. ذلك أن اسم محمود باشا وزير البحرية قد حرف مرة فكتب (محمد باشا) فتدارك الأستاذ هذه الغلطة وذكر اسمه الصحيح

كذلك أصلح الأستاذ غلطة مطبعية أخرى وهي قول المؤلف عند الكلام على امتياز القناة إنه لا يحق لأحد من حملة الأسهم أن يكون له أكثر من صوت واحد فأصلح المترجم ذلك إلى عشرة أصوات كما ورد في الأصل الإنجليزي بعد سطور قلائل

وإذا رجعنا بعد ذلك إلى الكتاب المترجم لم نجد الأستاذ صروف قد وفى بالشرط الأول؛ ولسنا نريد أن نقول إن الأستاذ غير ملم بتاريخ إسماعيل وكل ما يتعلق به. كلا إنا نعتقد أنه ليس في الكتاب المصريين ولاسيما رجال الصحافة من لا يعرف تاريخ إسماعيل، ولكن الأستاذ لسبب ما لم يكلف نفسه عناء البحث عن صحة الأسماء وبخاصة الأسماء التركية فحرف بعضها تحريفاً يضل القارئ ويربكه؛ وبدل أن يرجع إلى المصادر المطولة ليحقق هذه الأسماء وضع بدلها أسماء من عنده كثير منها لا يتسمى به الأتراك.

وقد تكون هذه الأسماء للأشخاص نكرات ولكن هذا لا يعفي المترجم من البحث عنها وضبطها؛ والأتراك في مصر كثيرون ومن السهل على الأستاذ أن يعرف حقيقة الأسماء منهم إذا لم يشأ أن يرجع إلى الوثائق التي وردت فيها أو إلى كتب التاريخ نفسها؛ وبعض هذه الأسماء لرجال شغلوا أكبر مناصب الدولة ولم يكن يليق والحالة هذه أن تحرف. والى القارئ مثل واحد من هذا النوع يدل على الفرق بين الأسماء الأصلية والأسماء التي أوردها الأستاذ. ذكر المؤلف اسم أحد الأتراك الفارين من الاضطهاد وكتبه هكذا وبدل أن يحقق الأستاذ هذا الاسم ليعرف أن صاحبه هو علي سعاوي أفندي، كتبه موافي أفندي مع أن الحروف الإنجليزية أقرب ما تكون إلى الاسم التركي، وأمثلة هذا كثيرة. كذلك لم يتقيد الأستاذ بالمصطلحات العلمية الدقيقة الصحيحة واخترع بدلها ألفاظاً من عنده لا يقبلها الذوق فسمى الدين السائر بالدين العائم وذكر هذا اللفظ الأخير في مواضع متعددة مع أنه قد استعمل اللفظ الصحيح الأول مرة في الترجمة ولا ندري لم عدل عنه واستبدل به اللفظ الآخر. وسنذكر هذا كله مفصلا فيما بعد

تنتقل بعد ذلك للأمانة والدقة في الترجمة ومطابقة الكتاب المترجم للأصل فنقول إن الأستاذ لم يكن موفقا في هذه الناحية أيضاً فلم يحرص على معاني المؤلف بل تناولها بالحذف والتغيير بغير سبب؛ فالعبارات التي تحتاج إلى شيء من العناية لفهمها أو التعبير عنها قد حذفها أو بدلها، وكثيرا ما وضع بدلها عبارات تؤدي عكس المعنى المراد، بل إن كثيراً من العبارات السهلة العادية قد نالها أيضاً ما نال أخواتها الصعبة. وسيرى القارئ فيما بعد أمثلة من ذلك.

أما أسلوب الكتاب فيختلف باختلاف أجزائه، فالجمل في بعض أجزائه مرتبطة متصلة وفي البعض الأخر مفككة منقطعة العلاقة، وحروف العطف التي استعملها لربط هذه الجمل لا تظهر هذه الصلة؛ ويشعر القارئ وهو يطالع الفصول الأخيرة من الكتاب بنوع خاص أنه يقرأ جملا مترجمة منفصلة لا موضوعا تاريخياً مرتبط الأجزاء.

وأما التشبيهات والأمثال الواردة في الكتاب فقد ترجم الأستاذ الكثير منها ترجمة لفظية سببت غموض المعنى مع أن اللغة العربية كما قلنا غنية من هذه الناحية، ويستطيع الباحث أن يجد فيها ما يغنيه عن هذه الترجمة في معظم الأحيان. وبعضها قد حذفه الأستاذ ولم يترجم لفظه أو معناه هذه كلمة مجملة عن الترجمة ننتقل بعدها إلى بيان الأغلاط التي وقعت فيها. وكنا نحب أن نقسمها أنواعا ونذكر كل نوع على حدة، ولكننا وجدنا في ذلك عناء ووجدنا وقتنا أضيق من أن يتسع إلى هذا الترتيب، ولذلك سنذكر أغلاط كل فصل مجتمعة. وقد أحصينا أغلاط الفصول الأولى من الكتاب فوجدناها لا تقل عن خمسين في كل فصل لا تدخل فيها عيوب الأسلوب وسنكتفي بذكر أمثلة منها:

(1) قال الأستاذ صروف مشيراً إلى الفرمان الذي انتزعه محمد علي من السلطان أنه (يقضي باحترام شعائر الإسلام) بنصه على أن وراثة العرش تكون لأكبر أفراد الأسرة. وليس هذا من شعائر الإسلام في شيء ولم يقل المؤلف ذلك بل قال إنه يقضي باحترام التقاليد الإسلامية وفرق بين التقاليد والشعائر

(2) وترجم الأستاذ بالجهل ومعناها الحقيقي الغباوة أو عدم الفطنة

(3) وترجم بقوله أنه كان يكره (كل ما هو غربي) وهذا تعميم لم يقله المؤلف بل قال أنه يكره الحضارة الغربية

(4) وترجم عبارة برواية هزلية وإذا صح ترجمة هزلية فأين ترجمة وهي تؤدي معنى جديدا هو الذي ينطبق على هذه المهزلة، وهل غاب عن الأستاذ لفظ مروعة أو رهيبة أو نحوهما

(5)

اقتصر الأستاذ في ترجمة هذه العبارة كلها على قوله (ووصلا إلى القاهرة من دون أن يدري أحد بالحقيقة) وإذا فرضنا أن عبارة من دون أن يدري أحد بالحقيقة تؤدي معنى ما لا نسلم به فأين ترجمة مع رفيقه الصامت يريد جثة الوالي.

(6)

ترجم الأستاذ هذه العبارة بقوله: إن عباسا (أعتاد أن يسير في طريقه لا يلتفت يمنة ولا يسرة) ولا ندري كيف يستطيع الوالي أن يسير في الطريق دون أن يلتفت يمنة ولا يسرة. وهل هو جندي في ميدان التمرين؟ وليس في العبارة الإنجليزية من الغموض ما يعذر الأستاذ معه على هذا الخطأ في ترجمتها بل هي سهلة لا لبس فيها ولا غموض ومعناها (وساعده على ذلك ما عرف عن سيده من كرهه رؤية الناس إياه)

(7) ,

ترجم الأستاذ العبارة السابقة بقوله (أمر بتصويب مدافعها إلى مدينة القاهرة وكانت تحرسها حامية قوية) والمؤلف لم يقل إن حامية القلعة كانت قوية بل قال إنه (عزز حامية القلعة)

(8) - ' ' ترجم الأستاذ هذا المعنى كله بقوله (وكان الأمير إلهامي هذا ابن عباس باشا الأكبر) ولا ندري لم أغفل الأستاذ كل ما في العبارة الإنجليزية من معان لم يذكرها كاتبها عبثاً وهل صعوبة ترجمتها تبرر هذا الإغفال؟

(9)

قال الأستاذ في ترجمة ذلك (لولا الضغط السياسي الذي أعاد محافظ القاهرة إلى صوابه وأوقع الفشل في فؤاده) فهل هذا هو المعنى؟ أو أن معنى عبارة المؤلف (لولا قوة دبلوماسية (أو سياسية إذا شاء) أشعرت المحافظ الدساس خشية الله.

(10). . , ,

ترجمت هذه العبارة هكذا: وأمر أن يتسلق صاري أحد المراكب. . . ثم يقفز من الصاري إلى الماء ويسبح زمنا! فهل معنى يقفز من الصاري إلى الماء وهل معنى يسبح في الماء؟

(11) '. .

ترجمت هذه العبارة هكذا (ومنعه من زيارة أي منزل من منازل العامة) فأضاف العامة من عنده وجعل القارئ يفهم أنه كان يسمح له بزيارة منازل الخاصة. ثم أين سبب هذا المنع وهو حرص محمد علي على أخلاق سعيد؟

(12). .

لم يترجم الأستاذ أول هذه الجملة وآخرها واكتفى بترجمة وسطها وكلاهما يؤدي معنى؛ فالجزء الأول يشير إلى أن دلسبس وسعيد كانا يمرحان في مسرات الحي اللاتيني بباريس، والثاني يدل على أن برزخ السويس لم يكن قد استرعى نظره.

(13)

قال الأستاذ في ترجمة ذلك (ولبث دلسبس يترقب الفرص) ولكن أين قول المؤلف إنه لم يكن يتولى منصباً أو يقوم بعمل معين. وهل صعوبة هذه العبارة تبرر حذفها؟

(14)

كل ما ترجم به الأستاذ هذه العبارة هو قوله (لكي تصبح فرنسا سيدة البحار) وترك الجزء المهم وهو قول المؤلف (بسيطرتها على هذا الطريق المائي ذي المركز الحربي الخطير) (15) , -

اقتصر في ترجمة العبارة السابقة على قوله (كانت غايته المباشرة أن. .) وترك الصفات التي وصف بها المؤلف هذه الغاية؟

(16)

قال الأستاذ صروف في ترجمة هذه العبارة وخيل إلي وأنا أنظر إلى السماء أنني أرى قوس قزح ذات جمال باهر.

فهل خيل إليه أنه رأى قوس قزح أو أنه رأى قوس قزح حقا؟ وأين هذه العبارة العربية من عبارة المؤلف المنقولة عن دلسبس نفسه والتي يقول فيها (ثم ظهرت على حين غفلة ندأة في السماء امتدت من الشرق إلى الغرب وكانت ذات جمال خلاب افتتن به ناظري) وكل ما وصف به دلسبس هذه الحادثة في حاجة إلى أسلوب غير الأسلوب الذي ترجمه به الأستاذ صروف.

(17) وصف المؤلف موقف محمد علي من قناة السويس والتجارة الأوربية الهندية بقوله:

-

أي أنه لم يكن من أولئك الذين لا يفعلون الخير ويمنعون غيرهم من فعله وقد ترك الأستاذ العبارة من غير أن يحاول ترجمتها

(18)

قال الأستاذ صروف في ترجمة هذه الجملة (ومرت بمخيلتي صورة ترعة السويس بسرعة البرق) ومعنى العبارة بالضبط (وأخذت أفكاري وأبحاثي عن قناة السويس تمر بخاطري سراعا)

(19)

عرب الأستاذ بسرقسطة فنقلها بذلك مكان

(20)

(قال في ترجمتها وذهب الأستاذ هلبرج مذهبا يتفق وما ذهب إليه القاضي الهولندي الذي تقدمت الإشارة إليه) فأين هذا من عبارة المؤلف التي يقول فيها (إنه يتفق في الرأي مع القاضي المستقيل والأمير المخلوع) ويقصد بالأمير المخلوع سمو الخديو السابق (21)

تركها الأستاذ من غير ترجمة

(22) '

ترجمت هذه العبارة هكذا (إنه كان أزهد الناس في العالم). فهل هذا هو معنى العبارة الفرنسية. أترك الجواب عن ذلك إلى الأستاذ الكبير صاحب الرسالة.

(23)

لم يحاول الأستاذ صروف ترجمة هذه العبارة على سهولتها ووضوح معناها الذي لم تسبق الإشارة إليه في الكتاب

(24)

ترجم الأستاذ هذه العبارة بقوله (فالحكم عليه يجب أن يكون مع مراعاة هذا الاعتبار) والمؤلف يقول إن الحكم عليه يحتاج إلى موازين أخرى (غير الموازين التي توزن بها أعمال دلسبس) فأيهما أوضح؟

(25) , , ,

لم نعثر في الكتاب على ترجمة هذه العبارة فهل هي خالية من المعنى أو أن معناها لا يستحق الترجمة؟

(26) (وأن رئيس دولة يمنح أحد رعاياه امتيازاً) زاد الأستاذ من عنده على عبارة المؤلف قوله (أحد رعاياه) وهي زيادة لا مبرر لها أفسدت المعنى ولا ندري ما الذي دعا الأستاذ إليها وهو الذي حذف من عبارات المؤلف ما حذف

(27)

هل معنى هذه العبارة هو (ويسيء إلى ذكراه بنفسه) كما قال الأستاذ صروف أو أن معناها هو (ويكشف عن خبيئة أخلاقه) قد يقول الأستاذ صروف إن هذه العبارة هي وما قبلها (يقضي على طيب أحدوثته) ترجمة لقول المؤلف

وفي هذه الحال يكون قد ترك العبارة الثانية من غير ترجمة

(28)

لم يزد الأستاذ في ترجمة هذه العبارة على قوله (اليوم الذي سبقت الإشارة إليه) فهل هذه العبارة الغامضة تؤدي معنى عبارة المؤلف

(29)

لم ير الأستاذ أن هذا المعنى يستحق الترجمة فتركه

هذه طائفة من أغلاط الفصل الأول من كتاب إسماعيل ذكرناها على سبيل المثل نضعها أمام القراء حتى لا يخفى عليهم ما كتبه المؤلف نفسه؛ ونقول بعد ذلك إنصافاً للأستاذ صروف أن أسلوب هذا الفصل ليس فيه من التعقيد ما في الفصول الأخيرة

وسنذكر في العدد التالي أغلاط الفصل الثاني إن شاء الله

الغنيمي