مجلة الرسالة/العدد 1004/الأدب والفن في أسبوع

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة

مجلة الرسالة/العدد 1004/الأدب والفن في أسبوع

مجلة الرسالة - العدد 1004
الأدب والفن في أسبوع
ملاحظات: بتاريخ: 29 - 09 - 1952



للأستاذ أنور الجندي

الأدب في البصير

لفت نظري أخي الكاتب الأديب الأستاذ صديق شيبوب إلى احتفال الدوائر الأدبية الفرنسية هذه الأيام بذكرى مرور خمسين سنة على وفاة إميل زولا ومائة سنة على وفاة بول بورجيه

والأستاذ صديق شيبوب من ابرز كتاب الأدب المعاصر في الثغر الإسكندري؛ وقد شارك بجهود ضخمة في جماعة نشر الثقافة، وهو الآن محرر الصحيفة الأدبية الأسبوعية من جريدة البصير التي تظهر يوم الجمعة، والتي أنتظرها بشوق بالغ لأقرأ تلك الفصول الأدبية القوية التي يكتبها شيبوب فيسكب فيها عصارة مجهود ضخم، يبذله طول الأسبوع، فهي تحوي تلخيصاً وافياً لكتاب من الكتب الأوربية الجديدة وتعليق المترجم عليه

وجميل أن تظل صحيفة (البصير) التي تملأ أعمدتها بحديث المال والاقتصاد، محتفظة بذلك التقليد الجميل، تقليد الصفحة الأدبية الأسبوعية بعد أن هجرته الصحف اليومية أو حولته إلى صورة ليست من الأدب في شيء لإرضاء رغبات القراء، وغرائز الجماهير

وقد كانت بدعة الصحيفة الأدبية الأسبوعية قد انتشرت في الصحافة المصرية إلى ما قبل 1939 عندما بدأت الحرب العالمية، واضطرت الصحف إلى أن تلغي صفحات الترف منها واقتصرت على الأنباء الهامة

وكانت الصفحات الأدبية في البلاغ والسياسة والأهرام والمصري، تتناول الكثير من مشاكل الأدب وشؤون الفكر. . على نحو لا بأس به. وكانت تقوم المحاورات والمساجلات الأدبية بين كتاب الصحف اليومية وكتاب المجلات الأدبية، كالمسجلات التي قامت بين العقاد في الجهاد وطه حسين في الرسالة. . وغيرها

فأما انتهت الحرب العالمية وعادت الصحافة إلى التوسعة على قرائها بمزيد من الصفحات، كان الذوق الصحفي قد طور، وأخذ يمضي في طريق يمكن القول بأنه مضاد للأهداف الأدبية والفكرية العليا، فقد عنيت الصحافة بالأدب الخفيف أو أدب (الساندويتش) وحرصت على أن تقدم للقارئ القصة المثيرة، والصورة العارية، والفكاهة التافهة، باسم الطرائ ورمت الصحف اليومية من هذا إلى تقليد المجلات الأسبوعية التي تعيش على إرضاء أهواء القراء، وبذلك انحسرت الموجة الأدبية تماما من الصحف اليومية وتوارت خلف بعض المجلات الأدبية الأسبوعية التي ما زالت تحتفظ بطابع الأدب الرفيع

الشاعرات

من الملاحظات الدقيقة الجديرة بالبحث والعلاج، ندرة الشاعرات بين فتياتنا ونسائنا المثقفات. ويقيني أن الأمر لا يقف عند الشاعرات فحسب، ولكن ينسحب على اللواتي يشغلن أنفسهن بالعمل الأدبي بوجه عام

فأنت لا تستطيع أن تحصي أكثر من شاعرتين أو ثلاث، لا يرتفع شعرهن إلى قاعدة الإجادة أو التفوق

وهناك أسماء كاتبات وشاعرات كانت تلمع قديماً، ثم اختفت وتوارت. . من أمثال ذلك الكاتبة (ملك محمود السراج) أين هي الآن، لماذا اختفت وراء السحب، لماذا اكتفت بحياتها المنزلية المحدودة؟ إن زميلاتها، أمينة السعيد، وبنت الشاطئ، وجميلة العلايلي، وغيرهن. . ما زلن يكتبن. . فلماذا تختفي هي!

وإذا كانت لا تحب الاتصال بالمجلات الأدبية فلماذا لا نرى لها بين آن وآخر كتاباً جديدا؟ إنها زوجة كاتب كبير واسع الأفق طالما أثار على صفحات المجلات فنوناً من الآراء الجديدة، قبل أن يشتغل بالسياسة، هو الدكتور محمد مندور، وما نعتقد أن الكاتب الكبير يحتجز هذه العبقرية أو يحول بينها وبين الضوء

أدب الانقلاب

لاشك أن الأدب في الشرق سيدخل في البوتقة ليظهر من جديد، فإن الانقلابات العسكرية التي وقعت في سوريا ومصر ولبنان خلال هذه الشهور السبعة، ستكون بعيدة الأثر في كيان الأمة العربية

وقد كانت هذه الأمة التي تمتد على ساحل البحر الأبيض من الشام إلى مصر كانت تعيش في مرحلة عصيبة عنيفة، قاست فيها الظلم والظلام والإرهاق. . خلال الفترة الأخيرة التي سبقت استجابة الجيش لرغبات الشعب في إقصاء الطغاة وإخراجهم وإقامة حكومات جديدة تنبع من روح الشعب وآماله

وقد كانت الأمة العربية في لبيان وسوريا ومصر. . تعيش في ذلك الشقاء، وهي تحس بإرهاصات غروب دولة. .، وانتهاء جيل، و. . شروق فجر جديد

ولاشك أن ذلك الالتقاء النفسي الواضح بين الشام ومصر الذي يلقي أضواء متشابهة على التاريخ الماضي في مختلف العهود؛ يبشر بألوان أدبية جديدة ستظهر في الأفق في وقت قريب

الترجمة والشعر المنثور

ظاهرتان جديدتان، أو متجددتان في الأدب العربي والمعاصر، تبدوان مرة أخرى بعد أن اختفتا طويلاً. . هما العود إلى الترجمة وظهور الشعر المنثور مرة أخرى

بدأت النهضة الأدبية في أول أمرها بعد ثورة 1919 بالترجمة عن الآثار الأوربية، وقد كان في مقدمة روادها الزيات وطه حسين والسباعي وخليل مطران والمازني

ثم بدأ أدب الإنشاء والنقد والبناء، وساهم فيه هؤلاء الرواد بدور ضخم. . غير أن ظاهرة العودة إلى الترجمة بدت مرة أخرى في أفق الحياة الفكرية واتصلت في الأغلب بالآثار العلمية والتاريخية

وفي مقدمة الكتب المترجمة الجديدة: الوحدة الإيطالية (لبولتن كيم) الذي ترجمه الفريق طه الهاشمي، وهيلين كيلر للأستاذ مرسي قنديل، وتطور الزراعة للأستاذ نظيف وزير زراعة سوريا

أما الظاهر الثانية فهي (بدعة) الشعر المنثور. . .

لقد عادت مرة أخرى بعد أن اختفت وقتاً طويلاً. . وكدنا أن ننسى هذا اللون. . ويجيء هذا التيار هذه المرة من الشام ومن لبنان بالذات! فقد صدر في الأسبوع الماضي ديوانان منه (أمواج) للشاعرة هند سلامة و (لمن) للأستاذ ألبير أديب

ولاشك أن كتابين من لون واحد في وقت واحد يدعو إلى التسجيل والبحث

وعقيدتي أن هذا اللون هو من أدب الترف يمكن أن يظهر في الأمة بعد أن تستكمل أدوات قوتها وعوامل نضوجها. .، أما الآن ونحن في مرحلة (الثورة). .، وفي مواجهة الأحداث، أحداث التجديد والتغيير، والتحرير والتطهير؛ فما أحوجنا إلى الأدب الجاد الصارم إن الشاعرة (هند سلامة) - زكم كنت أحب أن أعرف عنوانها لأكتب لها - تثير في نفس القارئ شعوراً، وهو مزيج من القلق و. . .، وما كان أغناها عن إثارة هذا الشعور، فنحن نطمع في المرأة الجديدة التي تستطيع أن تنقي جو حياتنا الفكرية والاجتماعية من الوساوس وأسباب القلق!!

وهذه قطعة تخيرناها من كتاب الشاعرة (هند) وراعينا فيها أهداف الرسالة بعنوان (لولاك)

أيها القلم. .

ها أنا ذي أودع قلبك. .

وأهمس في أذنك

أسرار أحلامي الأخيرة. . .

في طباعي شذوذ

إني أنشدك كلما ضاق صدري بالهجوم

وأثقلت قلبي الرزايا والمحن

ففي وشوشاتك للكلمة والحرف

ما يخفف عن القلب أثقاله

وفي دبيبك على القرطاس. .

ما يفك عن الصدر أغلاله. .

ويحملني بعيدة

بعيدة على أجنحة الأثير

لولاك يا قلم

ما اتسعت بي الأرجاء

ولما كنت خفيفة طليقة كالنسيم

رغم نفسي المثقلة

المقيدة بأسباب الحقيقة والوجود

لولاك

ما كان لي تعزية ساعات معدودة ولكنت سلكت مسالك الناس

وكشفت لهم عن آلامي

ولكنني لم أجد قلبا كقلبك

يتسع لسبر أغواري

وكشف حنايا نفسي

أبثك لأعلن لك أسراري

وأطرح عليك أثقالي

وبعد فإنا موقن بأن الشاعرة (هند) لو كتبت هذه القطعة على أنها لوحة نثرية لجاءت غاية في الروعة، ولكانت أقوى ألف مرة، من هذا التمزيق والتقسيم والتقطيع لأوصال الكلمات والجمل حتى يمكن أن يطلق عليها اسم الشعر المنثور. . وما أثقله من اسم

أنور الجندي